المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

القرآن الكريم وعلومه
عدد المواضيع في هذا القسم 17761 موضوعاً
تأملات قرآنية
علوم القرآن
الإعجاز القرآني
قصص قرآنية
العقائد في القرآن
التفسير الجامع
آيات الأحكام

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
{افان مات او قتل انقلبتم على اعقابكم}
2024-11-24
العبرة من السابقين
2024-11-24
تدارك الذنوب
2024-11-24
الإصرار على الذنب
2024-11-24
معنى قوله تعالى زين للناس حب الشهوات من النساء
2024-11-24
مسألتان في طلب المغفرة من الله
2024-11-24

المخمرات المخروطية Conical Fermenters
2-12-2017
ماهي مزيلات الرغوة Defomers وما فائدتها؟
2023-10-17
عناية الإسلام بالجانب الروحي بين الزوجين
14-5-2017
المشتق غير المحض
2023-03-06
الحج والعمرة ـ بحث روائي
23-12-2016
مجالات اتفاق التقرير الصحفي مع التحقيق
11-12-2020


تفسير الآية (16-20) من سورة الاحزاب  
  
3127   05:48 مساءً   التاريخ: 13-4-2020
المؤلف : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
الكتاب أو المصدر : تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة : .....
القسم : القرآن الكريم وعلومه / التفسير الجامع / حرف الألف / سورة الأحزاب /

قال تعالى : {قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا (16) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلَا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا (17) قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا } [الأحزاب: 16 - 20]

 

تفسير مجمع البيان

- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

قال سبحانه {قل} يا محمد للذين استأذنوك في الرجوع واعتلوا بأن بيوتهم يخاف عليها {لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل} إن كان حضرت آجالكم فإنه لا بد من واحد منهما وإن هربتم فالهرب لا يزيد في آجالكم {وإذا لا تمتعون إلا قليلا} معناه وإن لم تحضر آجالكم وسلمتم من الموت أو القتل في هذه الوقعة لم تمتعوا في الدنيا إلا أياما قلائل وإنما فرق بين الموت والقتل لأن القتل غير الموت فإن الموت ضد الحياة عند من أثبته معنى وانتفاء الحياة عند من لم يثبته معنى والقتل هو نقض البنية الحيوانية فالقتل يقدر عليه غير الله تعالى والموت لا يقدر عليه غيره .

{قل} يا محمد {من ذا الذي يعصمكم من الله} أي يدفع عنكم قضاء الله ويمنعكم من الله {إن أراد بكم سوءا} أي عذابا وعقوبة {أو أراد بكم رحمة} أي نصرا وعزا فإن أحدا لا يقدر على ذلك {ولا يجدون لهم من دون الله وليا} يلي أمورهم {ولا نصيرا} ينصرهم ويدفع عنهم ثم قال سبحانه {قد يعلم الله المعوقين منكم} وهم الذين يعوقون غيرهم عن الجهاد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) ويثبطونهم ويشغلونهم لينصرفوا عنه وذلك بأنهم قالوا لهم ما محمد وأصحابه إلا أكلة رأس ولو كانوا لحما لالتهمهم(2) أبو سفيان وهؤلاء الأحزاب .

{والقائلين لإخوانهم} يعني اليهود قالوا لإخوانهم المنافقين {هلم إلينا} أي تعالوا وأقبلوا إلينا ودعوا محمدا وقيل القائلون هم المنافقون قالوا لإخوانهم من ضعفة المسلمين لا تحاربوا وخلوا محمدا فإنا نخاف عليكم الهلاك {ولا يأتون البأس} أي ولا يحضرون القتال في سبيل الله {إلا قليلا} يخرجون رياء وسمعة قدر ما يوهمون أنهم معكم يعلم الله سبحانه أحوالهم لا يخفى عليه شيء منها عن السدي وقيل معناه ولا يحضرون القتال إلا كارهين تكون قلوبهم مع المشركين عن قتادة .

{أشحة عليكم} أي لا يأتون الناس أشحة عليكم أي بخلاء بالقتال معكم وقيل بخلاء بالنفقة في سبيل الله والنصرة عن قتادة ومجاهد ومعناه لا ينصرونكم ثم أخبر عن جبنهم فقال {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى} أي كعين الذي يغشى {عليه من الموت} وهو الذي قرب من حال الموت وغشيته أسبابه فيذهل ويذهب عقله ويشخص بصره فلا يطرف كذلك هؤلاء تشخص أبصارهم وتحار أعينهم من شدة خوفهم .

{فإذا ذهب الخوف} والفزع وجاء الأمن والغنيمة {سلقوكم بألسنة حداد} أي آذوكم بالكلام وخاصموكم بألسنة سليطة ذربة عن الفراء وقيل معناه بسطوا ألسنتهم فيكم وقت قسمة الغنيمة يقولون أعطونا أعطونا فلستم بأحق بها منا عن قتادة قال فأما عند البأس فأجبن قوم وأخذلهم للحق وأما عند الغنيمة فأشح قوم وهو قوله {أشحة على الخير} أي بخلاء بالغنيمة يشاحون المؤمنين عند القسمة وقيل معناه بخلاء بأن يتكلموا بكلام فيه خير عن الجبائي .

{أولئك} يعني من تقدم وصفهم {لم يؤمنوا} كما آمن غيرهم وإلا لما فعلوا ذلك {فأحبط الله أعمالهم} لأنها لم تقع على الوجوه التي يستحق عليها الثواب إذ لم يقصدوا بها وجه الله تعالى وفي هذا دلالة على صحة مذهبنا في الإحباط لأن المنافقين ليس لهم ثواب فيحبط فليس إلا أن جهادهم الذي لم يقارنه إيمان لم يستحقوا عليه ثوابا .

{وكان ذلك} الإحباط أو كان نفاقهم {على الله يسيرا} أي هينا ثم وصف سبحانه هؤلاء المنافقين فقال {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} أي يظنون أن الجماعات من قريش وغطفان وأسد واليهود الذين تحزبوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) لم ينصرفوا وقد انصرفوا وإنما ظنوا ذلك لجبنهم وفرط حبهم قهر المسلمين {وإن يأت الأحزاب} أي وإن يرجع الأحزاب إليهم ثانية للقتال {يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسئلون عن أنبائكم} أي يود هؤلاء المنافقون أن يكونوا في البادية مع الأعراب يسألون عن أخباركم ولا يكونوا معكم حذرا من القتل وتربصا للدوائر.

{ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا} أي ولوكان هؤلاء المنافقون معكم وفيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم ويجاهدوا معكم وقيل معناه قتالا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولوكان هؤلاء المنافقون معكم وفيكم لم يقاتلوا معكم إلا قدرا يسيرا ليوهموا أنهم في جملتكم لا لينصروكم ويجاهدوا معكم وقيل معناه قتالا قليلا رياء وسمعة من غير احتساب ولوكان لله تعالى لم يكن قليلا عن الجبائي ومقاتل .

_____________

1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج8 ، ص141-143.

2- التهمه : ابتلعه بمرة.

 

تفسير الكاشف

- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ} . فروا من الجهاد خوفا من الموت ، وما ينجو من الموت من خافه ، ولا يعطى البقاء من أحبه {وإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا} . وان سلمتم من القتل في ساحة الوغى فستلاقون حتفكم بعد قليل ، ثم إلى عذاب السعير ، أما الشهداء فإلى جنات النعيم . قال الإمام علي (عليه السلام) : (والذي نفسي بيده لألف ضربة بالسيف أهون علي من ميتة على الفراش) .

{قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً ولا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا ولا نَصِيراً} . ونفسره بقوله تعالى : {قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً} - 11 الفتح .

وتقدم مثله في الآية 11 من سورة الرعد ج 4 ص 386 {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ والْقائِلِينَ لإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا ولا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} . اللَّه سبحانه يعلم المنافقين ، وانهم يثبطون الناس ، ويقول بعضهم لبعض : تعالوا إلى الراحة والدعة ، مالنا وللقتال ؟ وان ينكشف أمرهم وتظهر دخيلتهم يمشوا إلى القتال كالذي يساق إلى الموت ، ويقاتلوا لماما ، وهم مضطربون متثاقلون . . ولهؤلاء أشباه ونظائر في كل عصر .

(أشحة عليكم) بالمال ونصرة الحق . . وكل بخل يعفو اللَّه عنه إلا البخل بحق الجهاد والمال {فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ} . تعكس هذه الآية جبن المنافقين وخورهم عند القتال ، وجرأتهم على الذنوب والآثام وهم آمنون مطمئنون ترتعش منهم القلوب ، وتدور العيون في رؤوسهم فزعا وهلعا في ساحة الوغى وعند السلم والأمن يطلقون ألسنتهم السلاط تنهش المؤمنين والمجاهدين . وفي نهج البلاغة : (ان المنافق يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ما ذا له وما ذا عليه) .

وقد قال رسول اللَّه (صلى الله عليه واله وسلم) : (لا يستقيم ايمان عبد حتى يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) .

{أشحة على الخير} . المراد بالخير هنا الغنيمة أي انهم عند البأس جبناء ، أما عند توزيع الغنيمة فتعلو أصواتهم بالاحتجاج ، وانهم أحق بها من الجميع {أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا} بل أظهروا الايمان ، وأضمروا الكفر ، وقاتلوا معكم نفاقا ورياء {فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمالَهُمْ} أي أبطل قتالهم معكم لأنه لغير وجه اللَّه ، وفي الحديث : من كانت هجرته إلى اللَّه ورسوله ، فهجرته إلى اللَّه ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه {وكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} . ذلك إشارة إلى إحباط قتالهم ، وهو يسير على اللَّه تعالى لأنه لا جور فيه ولا ظلم ما داموا منافقين مرائين .

{يَحْسَبُونَ الأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا} . . ذهبت الأحزاب إلى غير رجعة ، ومع هذا يأبى المنافقون أن يصدقوا ، لا لشيء إلا لأنهم يتمنون أن تقضي الأحزاب على النبي والصحابة ، وقد صوّرت لهم أمنيتهم هذه ان الأحزاب ما زالت تحاصر المدينة ، وانها ستقضي على المسلمين غدا أو بعد غد {وإِنْ يَأْتِ الأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الأَعْرابِ يَسْئَلُونَ عَنْ أَنْبائِكُمْ} . وإذا تأكد المنافقون من هزيمة الأحزاب ، ثم عادت إلى المدينة كرة ثانية تمنى المنافقون لو كانوا بعيدين عنها يقيمون في البادية مع أهلها يسألون كل قادم عما جرى على المسلمين {ولَوْ كانُوا فِيكُمْ ما قاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا} . هذا مثل قوله تعالى في الآية السابقة من هذا المقطع : {ولا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا} .

_______________

1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج6 ، ص202-203.

 

تفسير الميزان

- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

قوله تعالى: {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا} إذ لا بد لكل نفس من الموت لأجل مقضي محتوم لا يتأخر عنه ساعة ولا يتقدم عليه فالفرار لا يؤثر في تأخير الأجل شيئا.

وقوله: {وإذا لا تمتعون إلا قليلا} أي وإن نفعكم الفرار فمتعتم بتأخر الأجل فرضا لا يكون ذلك التمتيع إلا تمتيعا قليلا أوفي زمان قليل لكونه مقطوع الآخر لا محالة.

قوله تعالى: {قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا} كانت الآية السابقة تنبيها لهم على أن حياة الإنسان مقضي مؤجل لا ينفع معه فرار من الزحف وفي هذه الآية تنبيه - على أن الشر والخير تابعان لإرادة الله محضا لا يمنع عن نفوذها سبب من الأسباب ولا يعصم الإنسان منها أحد فالحزم إيكال الأمر إلى إرادته تعالى والقرار على أمره بالتوكل عليه.

ولما كانت قلوبهم مرضى أو مشغولة بكفر مستبطن عدل عن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بتكليمهم إلى تكليم نفسه فقال: {ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا}.

قوله تعالى: {قد يعلم الله المعوقين منكم - إلى قوله - يسيرا التعويق التثبيط والصرف، وهلم اسم فعل بمعنى أقبل، ولا يثنى ولا يجمع في لغة الحجاز، والبأس الشدة والحرب، وأشحة جمع شحيح بمعنى البخيل، والذي يغشى عليه هو الذي أخذته الغشوة فغابت حواسه وأخذت عيناه تدوران، والسلق بالفتح فالسكون الضرب والطعن.

ومعنى الآيتين: إن الله ليعلم الذين يثبطون منكم الناس ويصرفونهم عن القتال وهم المنافقون ويعلم الذين يقولون من المنافقين لإخوانهم من المنافقين أو ضعفة الإيمان تعالوا وأقبلوا ولا يحضرون الحرب إلا قليلا بخلاء عليكم بنفوسهم.

فإذا جاء الخوف بظهور مخائل القتال تراهم ينظرون إليك من الخوف نظرا لا إرادة لهم فيه ولا استقرار فيه لأعينهم تدور أعينهم كالمغشي عليه من الموت فإذا ذهب الخوف ضربوكم وطعنوكم بألسنة حداد قاطعة حال كونهم بخلاء على الخير الذي نلتموه.

أولئك لم يؤمنوا ولم يستقر الإيمان في قلوبهم وإن أظهروه في ألسنتهم فأبطل الله أعمالهم وأحبطها وكان ذلك على الله يسيرا.

قوله تعالى: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} إلى آخر الآية، أي يظنون من شدة الخوف أن الأحزاب - وهم جنود المشركين المتحزبون على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) - لم يذهبوا بعد {وإن يأت الأحزاب} مرة ثانية بعد ذهابهم وتركهم المدينة {يودوا} ويحبوا {أنهم بادون} أي خارجون من المدينة إلى البدو{في الأعراب يسألون عن أنبائكم} وأخباركم {ولو كانوا فيكم} ولم يخرجوا منها بادين {ما قاتلوا إلا قليلا} أي ولا كثير فائدة في لزومهم إياكم وكونهم معكم فإنهم لن يقاتلوا إلا قليلا لا يعتد به.

______________

1- الميزان ، الطباطبائي ، ج16 ، ص232-233.

 

تفسير الامثل

- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

أفشى الله سبحانه نيّة المنافقين وبيّن أنّ مرادهم لم يكن حفظ بيوتهم، بل الفرار من ميدان الحرب، يجيبهم بأمرين:

الأوّل: أنّه يقول للنّبي (صلى الله عليه وآله): {قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذاً لا تمتّعون إلاّ قليلا}.

فافرضوا أنّكم إستطعتم الفرار، فلا يعدو الأمر حالين: إمّا أن يكون أجلكم الحتميّ وموتكم قد حان، فأينما تكونوا يأخذ الموت بتلابيبكم، حتّى وإن كنتم في بيوتكم وبين زوجاتكم وأولادكم.

وإن لم يكن أجلكم قد حان فستعمّرون في هذه الدنيا أيّاماً قليلة اُخرى تكون مقترنة بالذلّ والهوان، وستصبحون تحت رحمة الأعداء وفي قبضتهم، وبعدها ستلقون العذاب الإلهي.

إنّ هذا البيان يشبه ما ورد في غزوة اُحد، حيث أشار القرآن إلى فئة اُخرى من المنافقين المثبّطين للعزائم، والمفرّقين لوحدة الصفّ: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} [آل عمران: 154] .

والثّاني: ألم تعلموا أنّ كلّ مصائركم بيد الله، ولن تقدروا أن تفرّوا من حدود حكومة الله وقدرته ومشيئته: {قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءاً أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليّاً ولا نصيراً}.

بناءً على هذا، فإنّكم إذا علمتم أنّ كلّ مقدّراتكم بيده سبحانه، فأطيعوا أمره في الجهاد الذي هو أساس العزّة والكرامة والشموخ في الدنيا وعند الله، وحتّى إذا تقرّر أن تنالوا وسام الشهادة فعليكم أن تستقبلوا ذلك برحابة صدر.

وقوله تعالى : {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (18) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (19) يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا } [الأحزاب : 18 - 20]

فئة المعوّقين :

أشارت هذه الآيات إلى وضع فئة اُخرى من المنافقين الذين إعتزلوا حرب الأحزاب، وكانوا يدعون الآخرين أيضاً إلى إعتزال القتال، فقالت: {قد يعلم الله المعوّقين منكم والقائلين لإخوانهم هلمّ إلينا ولا يأتون البأس إلاّ قليلا}.

«المعوّقين» من مادّة (عوق) على زنة (شوق) تعني منع الشيء ومحاولة صرف الآخرين عنه، و «البأس» في الأصل يعني (الشدّة) ، والمراد منه هنا الحرب.

ويحتمل أن تكون الآية أعلاه مشيرة إلى فئتين: فئة من المنافقين الذين كانوا بين صفوف المسلمين ـ وتعبير (منكم) شاهد على هذا ـ وكانوا يسعون إلى صرف ضعاف الإيمان من المسلمين عن الحرب، وهؤلاء هم «المعوّقون».

والفئة الاُخرى هم {المنافقون أو اليهود} الذين تنحّوا جانباً، وعندما كانوا يلتقون بجنود النّبي (صلى الله عليه وآله) كانوا يقولون: هلمّ إلينا وتنحّوا عن القتال، وهؤلاء هم الذين أشارت إليهم الجملة الثّانية.

ويحتمل أن تكون هذه الآية بياناً لحالتين مختلفتين لفئة واحدة، وهم الذين يعوّقون الناس عن الحرب عندما يكونون بينهم، وعندما يعتزلونهم يدعون الناس إليهم.

ونقرأ في رواية: أنّ أحد أصحاب النّبي (صلى الله عليه وآله) جاء من ميدان حرب الأحزاب إلى داخل المدينة لحاجة، فرأى أخاه قد وضع أمامه الخبز واللحم المشوي والشراب، فقال له: أنت في هذه الحال تلتذّ ورسول الله مشغول بالحرب، وهو بين الأسنّة والسيوف؟! فقال أخوه: يا أحمق! ابق معنا وشاركنا مجلسنا، فو الذي يحلف به محمّد إنّه لن يرجع من هذه المعركة! وسوف لن يدع هذا الجيش العظيم الذي إجتمع عليه محمّداً وأصحابه أحياء!

فقال له الأوّل: أنت تكذب، واُقسم بالله لأذهبنّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأخبره بما قلت، فجاء إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) وأخبره بما جرى، فنزلت الآية.

وبناءً على سبب النّزول هذا، فإنّ كلمة (إخوانهم) وردت هنا بمعنى الإخوة الحقيقيين، أو بمعنى أصحاب المذهب والمسلك الواحد، كما سمّت الآية (27) سورة الإسراء المبذّرين إخوان الشياطين: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء: 27].

وتضيف الآية التالية: إنّ الدافع لكلّ تلك العراقيل التي وضعوها أمامكم هو أنّهم بخلاء: {أشحّة عليكم}(2) لا في بذل الأرواح في ساحة الحرب، بل هم بخلاء حتّى في المعونات الماديّة لتهيئة مستلزمات الحرب، وفي المعونة البدنية في حفر الخندق، بل ويبخلون حتّى في المساعدة الفكرية، بخلا يقترن بالحرص المتزايد يومياً!

وبعد تبيان بخل هؤلاء وإمتناعهم عن أيّ نوع من المساعدة والإيثار، تتطرّق الآية إلى بيان صفات اُخرى لهم، والتي لها صفة العموم في كلّ المنافقين، وفي كلّ العصور والقرون، فتقول: {فإذا جاء الخوف رأيتهم ينظرون إليك تدور أعينهم كالذي يغشى عليه من الموت}.

فلأنّهم لما لم يذوقوا طعم الإيمان الحقيقي، ولم يستندوا إلى عماد قويّ في الحياة، فإنّهم يفقدون السيطرة على أنفسهم تماماً عندما يواجهون حادثاً صعباً ومأزقاً حرجاً، وكأنّهم يواجهون الموت.

ثمّ تضيف الآية: {فإذا ذهب الخوف سلقوكم بألسنة حداد أشحّة على الخير} فيأتون إليكم كأنّهم هم الفاتحون الأصليون والمتحمّلون أعباء الحرب، فيعربدون ويطلبون سهمهم من الغنائم، وهم كانوا أبخل من الجميع في المشاركة في الحرب والثبات فيها.

«سلقوكم» من مادّة (سَلْق)، وهي في الأصل بمعنى فتح الشيء بعصبية وغضب، سواء كان هذا الفتح باليد أو اللسان، وهذا التعبير يستعمل في شأن من يطلب الشيء بالزجر واُسلوب الأمر. و «الألسنة الحداد» تعني الألسنة الجارحة المؤذية، وهي هنا كناية عن الخشونة في الكلام.

وتشير الآية في النهاية إلى آخر صفة لهؤلاء، والتي هي في الواقع أساس كلّ شقائهم وتعاستهم، فقالت: {اُولئك لم يؤمنوا فأحبط الله أعمالهم} لأنّها لم تكن منبعثة عن الإخلاص والدافع الديني الإلهي: {وكان ذلك على الله يسيراً}.

وممّا مرّ نخلص إلى هذه النتيجة، وهي: أنّ المعوّقين كانوا منافقين يتميّزون بالصفات التالية:

1 ـ أنّهم لم يكونوا أهل حرب أبداً، إلاّ بنسبة قليلة جدّاً.

2 ـ لم يكونوا من أهل التضحية والإيثار سواء بالمال والنفس، ولم يكونوا يتحمّلون أقلّ المصاعب والمتاعب.

3 ـ كانوا يفقدون توازنهم وشخصيتهم في اللحظات الحرجة العاصفة من شدّة الخوف.

4 ـ يظنّون أنّهم سبب كلّ الإنتصارات، ولهم كلّ الفخر عند الإنتصار.

5 ـ أنّهم كانوا اُناساً بلا إيمان، ولم يكن لأعمالهم أيّة قيمة عند الله تعالى.

وهذه الصفات هي التي تعرفنا بالمنافقين في كلّ عصر وزمان، وفي كلّ مجتمع وفئة.

وهذا الوصف الدقيق الذي وصفهم القرآن به يمكن من خلاله معرفة من يشاركهم في الفكر والسلوك، وكم نرى باُمّ أعيننا في عصرنا من أمثالهم!!

وتجسّد الآية التالية بتصوير أبلغ جبن وخوف هذه الفئة، فتقول: {يحسبون الأحزاب لم يذهبوا} من شدّة خوفهم ورعبهم، فقد خيّم عليهم كابوس مخيف، فكأنّ جنود الكفر يمرّون دائماً أمام أعينهم وقد سلّوا السيوف ومالوا عليهم بالرماح!

إنّ هؤلاء المحاربين الجبناء، والمنافقين خائري القلوب والقوى يخافون حتّى من ظلالهم، وينطوون على أنفسهم من الخوف لدى سماع صهيل الخيل ورغاء البعير، ظنّاً أنّ جيوش الأحزاب قد عادت!

ثمّ تضيف الآية: {وإن يأت الأحزاب يودّون لو أنّهم بادون في الأعراب} أي منتشرون في الصحراء بين أعراب البادية، فيختفون هناك ويتتبّعون أخباركم و {يسألون عن أنبائكم} فيسألون لحظة بلحظة من كلّ مسافر آخر الأخبار لئلاّ تكون الأحزاب قد إقتربت منهم، وهم مع ذلك يمنّون عليكم بأنّهم كانوا يتابعون أخباركم دائماً!!

وتضيف الآية في آخر جملة: وعلى فرض أنّهم لم ينهزموا ويفرّوا من الميدان، بل بقوا معكم: {ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلاّ قليلا}.

فلا تحزنوا وتقلقوا لذهابهم، ولا تفرحوا بوجودهم بينكم، فإنّهم اُناس لا قيمة لهم ولا صفة تحمد، وعدمهم أفضل من وجودهم!

وحتّى هذا القدر المختصر من العمل لم يكن لله أيضاً، بل هو نتيجة الخوف من ملامة وتقريع الناس، وللتظاهر والرياء، لأنّه لو كان لله لكانوا يقفون ويثبتون في ساحة الحرب ما دام فيهم عرق ينبض.

__________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج10 ، ص353-358 .

2 ـ «أشحّة» جمع شحيح ، من مادّة (الشحّ) ، أي البخل المقترن بالحرص ، ومحلّ الكلمة من الإعراب هنا برأي أكثر المفسّرين (حال) ، لكن ذلك لا ينافي أن تكون حالا في مقام بيان العلّة . تأمّلوا ذلك .

 




وهو تفسير الآيات القرآنية على أساس الترتيب الزماني للآيات ، واعتبار الهجرة حدّاً زمنيّاً فاصلاً بين مرحلتين ، فكلُّ آيةٍ نزلت قبل الهجرة تُعتبر مكّيّة ، وكلّ آيةٍ نزلت بعد الهجرة فهي مدنيّة وإن كان مكان نزولها (مكّة) ، كالآيات التي نزلت على النبي حين كان في مكّة وقت الفتح ، فالمقياس هو الناحية الزمنيّة لا المكانيّة .

- المحكم هو الآيات التي معناها المقصود واضح لا يشتبه بالمعنى غير المقصود ، فيجب الايمان بمثل هذه الآيات والعمل بها.
- المتشابه هو الآيات التي لا تقصد ظواهرها ، ومعناها الحقيقي الذي يعبر عنه بـ«التأويل» لا يعلمه الا الله تعالى فيجب الايمان بمثل هذه الآيات ولكن لا يعمل بها.

النسخ في اللغة والقاموس هو بمعنى الإزالة والتغيير والتبديل والتحوير وابطال الشي‏ء ورفعه واقامة شي‏ء مقام شي‏ء، فيقال نسخت الشمس الظل : أي ازالته.
وتعريفه هو رفع حكم شرعي سابق بنص شرعي لا حق مع التراخي والزمان بينهما ، أي يكون بين الناسخ والمنسوخ زمن يكون المنسوخ ثابتا وملزما بحيث لو لم يكن النص الناسخ لاستمر العمل بالسابق وكان حكمه قائما .
وباختصار النسخ هو رفع الحكم الشرعي بخطاب قطعي للدلالة ومتأخر عنه أو هو بيان انتهاء امده والنسخ «جائز عقلا وواقع سمعا في شرائع ينسخ اللاحق منها السابق وفي شريعة واحدة» .