أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015
4023
التاريخ: 26-03-2015
68706
التاريخ: 26-03-2015
7771
التاريخ: 26-03-2015
12520
|
(1)التعريف
المجاز المرسل بأنه المجاز الذي تكون العلاقة فيه بين المعنى الحقيقيّ والمعنى المجازي الذي استعمل اللفظ للدلالة به عليه أمراً غير المشابهة، أو قائماً على التوسع في اللّغة دون ضابطٍ معيّن.
وأنه سُمِّيَ "مجازاً مُرْسلاً" لكونه مرسلاً عن التقييد بعلاقة المشابهة.
وقد أدْخَلْتُ في عموم عنوان المجاز المرسل المجاز العقلي، إذ هو مجاز في الإِسناد علاقته غير المشابهة.
(2)تقسيم المجاز المرسل إلى مجاز في المفرد ومجاز في المركب ومجاز عقلي في الإِسناد ومجازٍ قائم على التوسَع في اللغة دون ضابط معين
ينقسم المجاز المرسل إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: المجاز المرسل في اللّفظ المفرد، كاستعمال لفظ "الْيَد" مراداً بها النعمة، نظراً إلى أنّ اليد هي الأداة التي تُعْطَى بها عادةً عطاءات الإِنعام، وكاستعمال لفظ "العين" مراداً بها الجاسوس الذي يُكَلَّف أن يطلَّع على أحوال الْعَدُوّ، ويأتي بالأخبار عنها، نظراً إلى أنّ العين هي الأداة الكبرى التي تستخدم في هذا الأمر.
القسم الثاني: المجاز المرسل في اللّفظ المركّب، وهي المركّبات التي تستعمل في غير معانيها الأصلية بهيئتها التركيبية لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
كاستعمال المركبات الخبرية في الإِنشاء، واستعمال المركبات الإِنشائية في الخبر.
القسم الثالث: المجاز المرسل في الإِسناد، وهو المسمّى بالمجاز العقلي.
وهو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له في الظاهر من حال المتكلم، لملابسة بين ما هو له في الواقع وبين ما أسند له، من قرينة صارفة عن أن يكون الإِسناد إلى ما هو له.
كقولنا: "بنى فلان عمارة عظيمة" مع أنّه لم يَبْنِيها بعمل جسمه، وإنما اتّخذ الوسائل لبنائها، من استئجار المهندس، واستئجار العمال، وبذل الأموال، فالملابسة بين من بناها فعلاً وبَيْنَهُ هي كونُه صاحبَ الفكرة، والآمر بالبناء، وباذل المال، وربما كان المشرف على المتابعة ومراقبةِ الأعمال.
القسم الرابع: المجاز المرسل القائم على التوسُّع في اللّغة دون ضابط معيّن، ومنه المجاز بالحذف أو بالزّيادة.
فالحذف يكون للإِيجاز، كحذف كلمةٍ يوجد ما يَدُلُّ عليها، أو حذْفِ جُمْلةٍ أو أكثر.
والزيادَةُ تكون للتأكيد، كزياده بعض الحروف التي تزاد لغرض التأكيد، مثل: "ما" التي تزاد بعد "إذا" وكحروف الجر التي تزاد للتأكيد، وقد سبق بيان هذا في بحث الإِطناب.
وقد سمّوا هذا القسم مجازا، وبعض الباحثين لم يره من قبيل المجاز.
وفيما يلي مباحث أربعة لشرح هذه الأقسام الأربعة:
شرح المجاز المرسل في اللّفظ المفرد
المجاز المرسل في المفرد: هو اللّفظ المفرد المستعمل في غير ما وُضع له في اصطلاحٍ به التخاطب على وجْهٍ يَصِحُّ ضمن الأصول الفكريّة واللّغوية العامّة، لعلاقة غير المشابهة, مع قرينة صارفة عن إرادة المعنَى الأصليّ.
كاستعمال لفظ "الْيَد" بمعنى النّعمة، لعلاقة السببيّة. واستعمال كلمة: "الْعَيْن" مراداً بها الجاسوس، لأنّ أعظم أدوات تجسُّسه عيْنُه. واستعمال كلمة: "الأصابع" مراداً بها أطرافُها لعلاقة الكليّة والجزئيّة بينهما. واستعمال كلمة: "الناس" مراداً بها قِسْمٌ منهم للعلاقة الترابطيّة بين العام وبعض أفراده. وكتسمية الشيء باسم صانعه، للعلاقة الترابطيّة بين الصانع وما يصْنَعُ، كأن يُسْأَل طالب شراء سيارة: ما هي السيارة الّتي تُريد شراءها؟ فيقول: أُريد "شركة تيوتا" أي: أريد سيّارة من صنع هذه الشركة، وكتسمية الشيء باسم آلته، إلى نحو ذلك.
والمقصودُ من العلاقة، أو ما يعبّر عنه أحياناً بالْمُلاَبَسَة، ما يكون من ارْتباط بين معنَيْين، وهذا الارتباط يسمح في مجالات التعبير التجوُّزيّ بإطلاق لفظ أحدهما على الآخر لغرض بلاغي.
وقد أحصى البيانيون ما يزيد على عشرين علاقة من العلاقات التي يَسْمَحُ كلُّ واحد منها باستعمال المجاز المرسل، لدى وجوده بين المعنى الأصلي للّفظ، والمعنى الآخر الذي يُطْلَق عليه اللّفظ مجازاً.
وإنيّ أذْكُر فيما يلي ما اصطفيتُه منها، مع إيرادِ طائفةٍ من الأمثلة عليها.
علاقات المجاز المرسل:
يكفي وجود علاقة من العلاقات الآتيات ونحوها لإِطلاق اللّفظ إطلاقاً مجازيّاً على غير ما وُضِعَ له في اصطلاحٍ ما يجري به التخاطب:
(1) كون المعنى الأصليّ سَبَباً للمعنى الذي يُطْلَقُ عليه اللّفظ مجازاً، أو مُسَبَّباً عنه، مثل:
* قول المتنبيّ يمدح محمّد بن عُبَيْد الله العلوي:
*لَهُ أَيَادٍ إِلَيَّ سَابِقَةٌ * أَعُدُّ مِنْهَا وَلاَ أُعَدِّدُهَا*
أطْلَقَ لفظ "أيادٍ" وهي جمع "يَدٍ" بمعنى الإِحسان، لأنّ عطاءات الإِحسان تكون باليد، فهو من إطلاق السَّبَب وإرادة المسبّب.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سُورة (غافر/ 40 مصحف/ 60 نزول):
{هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً...} [الآية:13].
أي: ويُنَزّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً وَضِيَاءً مِنَ الشمس فيُخْرِجُ لكُمْ بهما نباتاً له ثمراتٌ مختلفات هي رزْقٌ لَكُمْ، فالرّزق مُسَبَّبٌ عَمَّا يَنْزِلُ مِنَ السّماء، وهذا من إطلاق الْمُسبَّب وإرادة السبب، وفائدة هذا المجاز الدلالَةُ على المعنيين مع كمال الإِيجاز.
(2) كون المعنى الأصلي للّفظ كُلاًّ للمعنى الذي يُرادُ منه على سبيل المجاز، أو بعضاً له، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول):
{يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ...} [الآية:19].
أي: يجعلون بعض أصابعهم، وهي رؤوسُها، وهذا من إطلاق الكلّ وإرادة بعضه، وفائدة هذا المجاز الإِشعار بما في نفوسهم من الرغبة بإدخال كلّ أصابعهم في آذانهم حتى لا يصل إليها الصوت الشديد المميت الذي تحدثه الصواعق.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النساء/ 4 مصحف/ 92 نزول):
{...فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ...} [الآية:92].
أي: فعتْقُ رقيق مؤمن أو رقية مؤمنة، وهذا من إطلاق بعض العتيق وهو رقبته، وإرادةِ كلّه.
وفائدة هذا الإِطلاق المجازيّ الإِيجازُ في التعبير من جهة، لأنّ الرقبة تكون بعض كلٍّ من الذكر والأنثى، والإِشارةُ إلى أنّ الأرقاء كانوا يُغَلُّون من أعناقهم، فإذا أُعْتِقُوا حُرِّرُوا من هذه الأغلال.
(3) كون المعنى الأصليّ للّفظ لازماً للمعنَى الذي يُرادُ منه على سبيل المجاز، أو ملزوماً له، مثل:
* أن يقول العامل المستأجَر من طلوع الشمس إلى غروبها، مشيراً إلى انتهاء وقت عمله:
*أقْبَلَ اللَّيْلُ إِلَيْنَا وَالشَّفَقْ * أَفَأَبْقَى عَامِلاً حَتَّى الْغَسَقْ*
أي: غابت الشمس، فأطْلٌَ إقبالَ اللّيل مريداً غيابَ الشمس، وذلك لأنه يلزم من غياب الشمس إقبال اللّيل، فهذا من إطلاق اللازم وإرادة الملزوم.
وأن يقول القائل: هذه الأقلام تكتب في الصُّحف، أي: أخذ الكاتبون يكتبون، فأطلق الأقلام وأراد أيدي الكتّاب، إذ يلزم من حركة الأيدي في الكتابة حركة الأقلام، فهذا من إطلاق الّلازم وإرادة الملزوم.
* قول القائل لصاحبه: هذا وقت زوال الشمس، أي: وقت وجوب صلاة الظهر، فهذا من إطلاق الملزوم وهو قت زوال الشمس، وإرادةِ لازِمه، وهو وقت وجوب صلاة الظهر.
(4) كون المعنى الأصليّ للفظ مُطْلقاً، والمعنَى الذي يُطْلق عليه اللّفظُ مجازاً مقيداً، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول):
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ...} [الآية:222].
جاء في هذه الآية الأمر باعْتزَال النساء في المحيض، وهو مطلَقٌ ولكن أريد منع اعتزال مقيّد وهو اعتزال جِمَاعِهِنّ.
وجاء في النهي عن الاقتراب منهنّ حتى يَطْهُرْن، وهو أيضاً مطلق، ولكن أريد منه اقترابٌ مُقَيَّدٌ، وهو الاقتراب منهنّ في الجماع.
وفائدة هذا المجاز تأكيد النهي بطلب الابتعاد عن الدواعي التي تدعو إلى ارتكاب المنهيّ عنه.
(5) كون المعنى الأصلي للفظ عامّاً، والمعنى الّذي يُطْلق عليه اللّفظ على سبيل المجَاز خاصّاً، أو عكس هذا، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (آل عمران/ 3 مصحف/ 89 نزول) بشأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد:
{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}.
جاء في هذه الآية إطلاق اللفظ العام وهو كلمة "الناس" مرّتين والمراد ناسٌ خاصُّون.
فالقائل المبلّغ لمصلحة الناس المشركين أعرابيٌّ من خُزاعَة، وجاء التعبير عنه بلفظ "الناس".
والمراد من "الناس" الّذين جمعوا جمعوهم للمؤمنين هم مشركو مكة.
فما في الآية هو من إطلاق العامّ وإرادة الخاص على سبيل المجاز المرسل، وفائدة هذا المجاز تدريب المؤمنين على التوكّلِ على الله، وعدم التأثر بأقوال الناس وجموعهم، ولو كانوا كلَّ الناس أو معظمهم.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الإِسراء/ 17 مصحف/ 50 نزول):
{وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً}.
جاء في هذه الآية نَهْيُ الولد عن أن يقول لأحد والديه كلمة "أُفّ" وهذه الكلمة كلمة خاصّة من عُمُوم الكَلِماتِ الّتي يكون فيها إيذاءٌ لهما، وهي أدناها، والكلام المؤذي أمْرٌ خاصّ من عموم ما يؤذيهما كالضرب، والمراد كلّ ما يؤذيهما، وهذا من إطلاق خصوص أذىً معين، وإرادةِ كلّ ما يؤذي على وجه العموم، فهو من إطلاق الخاص وإرادة العامّ.
وفائدة هذا المجاز التنبيه بالأخفّ على الأشدّ، وتدريب المخاطبين على أن يُعْمِلوا عُقُولَهُمْ في فهم النصوص ليَقيسوا الأشباه والنظائر بعضها على بعض، ولِيعْلَمُوا أنّ النّهيَ عن الإِضرار أو الإِيذاء الأخف يَدُلُّ بداهة على ما هو أشدّ منه.
(6) كون المعنى الأصلي للّفظ حالاًّ في معنى اللّفظ الذي يُرادُ استعماله بدله على سبيل المجاز، أو مَحَلاًّ له، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (المؤمنون/ 23 مصحف/ 74 نزول) بشأن شجرة الزيتون:
{وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلآكِلِيِنَ}.
أي: تَنْبُت بناتٍ وثَمَرٍ فيه الدُّهْنُ وهو الزيت، فجاء في هذه الآية إطلاقُ الدُّهْنِ مُراداً به النَّباتُ والثَّمَرُ الذي يُوجَدُ في داخله الدّهن، وهذا من إطلاق الحالِّ في الشيء وإرادَة مَحَلِّه، إذ الّذي يَنْبُتُ هي الفروع والْوَرَقُ والثَّمَرات التي يوجد فيها الدُّهن.
وفائدة هذا المجاز الإِيجاز، وتَوْجيهُ نظر المخاطبين لما في شجرة الزيتون من دُهْنٍ عظيم النفع للناس، كي يُولُوا زيتَ الزيتون اهتماماً خاصّاً، ويشكروا نعمة الله عليهم به.
ومثله: {خُذُوا زينتكم} أي: خُذُوا الأشياء الّتي فيها زينتكم، فهذا من إطلاق الحالِّ على المحلِّ.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (العلق / 96 مصحف/ 1 نزول):
{فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ}.
فليْدعُ ناديه: أي: فلْيَدْعُ أهْلَ ناديه، وهذا من إطلاق المحلّ وهو النادي وإرادةِ الحالِّ فيه، وهم أهل هذا المحلِّ.
وفائدةُ هذا المجاز مع الإِيجاز إرادةُ التعميم، لأنّ الناديَ يَحْوِي كلّ أهله، وإرادةُ أنصارِه المصطفين، لأنّ الإِنسان يصطفى لناديه الخاصّ أخلَصَ المخلِصين له الذين يُدافعون عنه بصدق.
ومثله: {خذوا زينتكم عِنْدَ كُلِّ مَسْجدٍ}: أي: عند كلّ صلاة، فهذا من إطلاق المحلّ على ما يجري فيه من عمل.
(7) كوْنُ المعنى الأصلي للفظ والمعنى الذي يُطْلَق عليه اللّفظ على سبيل المجاز متجاوِرَيْن، مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البلد/ 90 مصحف/ 35 نزول):
{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ}.
جاء في هذا النصّ إطْلاَقُ لفظ الرَّقَبَة عَلَى الْغُلِّ الّذِي يَكُونُ مجاوراً لها ومحيطاً بها، إذِ الرَّقبةُ ليست هي الّتي تُفَكُّ، إِنَّما يُفَكُّ الْغُلُ المجاورُ لَها والمحيط بها، فهذا من إطلاق اللّفظ وإرادة ما جاوره، وفَكُّ الرَّقبةِ كنايةٌ عن عِتقِ الرقيق.
وفائدة هذا المجاز الإِشعارُ بأنّ فَكَّ الْغُلّ يُرادُ مِنْهُ إطلاقُ رَقبة المغلوب به، لتحرير صاحب الرقبة من الأسْر، مع ما في هذا المجاز من إيجاز.
(8) كونُ المعنى الأصلي للّفظ قد كان فيما مضَى على ما يُطْلَقُ عليه الآن، فيُطْلَقُ عليه مجازاً باعتبار ما كان عليه في الماضي.
أو كون المعنى الأصلي للفظ سيكون فيما سيأتي في المستقبل على ما يُطْلَق عليه الآن، فيُطْلَقُ عليه مجازاً باعتبار ما سيكون عليه في المستقبل. مثل:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النساء/ 4 مصحف/ 92 نزول):
{وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً}.
حُوباً كبيراً: أي: إثْماً كبيراً مُهْلكاً.
جاء في هذه الآية إطلاق لفظ "اليتامى" على من بلغوا رشدهم ممّن كانوا يتامَى قبل ذلك، لأنّ من بلغ رُشْده من ذكر وأنثى لا يُسَمَّى يتيماً، فهذا من إطلاق اللَّفظ مجازاً على الشيء بالنظر إلى ما كان عليه.
وفائدة هذا الإِطلاق الإِيجاز من جهتين:
الأولى: أنّ لفظ "اليتامى" يُطْلَقُ على المذكّر والمؤنث.
الثانية: أنّ إطلاق هذا اللفظ مجازاً يغني عن عبارة طويلة يقال فيها: وآتوا الذين كانوا يَتَامَى فبلغوا رُشْدَهُمْ أَمْوَالهم.
* وقول الله عزَّ وجلَّ في سورة (يوسف/ 12 مصحف/ 53 نزول) بشأن استفتاء أحد صاحبيه في السّجن عن رؤيَا رآها:
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً} [الآية:36].
أي: أَعْصِرُ عِنَباً ليكون فيما بَعْدُ خَمْراً، فَأُطْلِقَ في هذه العبارة لفظُ الْخَمْر عَلى الْعِنَب باعتبار المقصود من عَصْرِه وهو أن يكون فيما بَعْدُ خمْراً.
وظاهرٌ أَنَّ فائدة هذا المجاز الإِيجاز، وهو من الأغراض البلاغيّة الكبرى، فبدل أن يقول: إني أراني أعصر عنباً ليكون في المستقبل خمراً، قال: إني أراني أعْصِر خمراً. والقرينة الصارفة قرينة عقلية، لأنّ الخمر لا تُعْصَر.
(9) كون المعنى الأصلي للّفظ آلة للمعنى الذي يُرادُ استعمال اللّفظ للدلالة به عليه، مثل.
* أن نقول: ضَرَبَ المؤدّب تِلْميذه عشرين سَوْطاً.
أي: عشرينَ ضرباً بالسّوط، فجاء في هذا المثال إطلاق لفظ السوط الذي هو آلة، وإرادةُ حدَثِ الضرب الذي كان بالسوط.
وظاهرٌ ما في هذا المجاز من إيجاز.
(10) كون المعنى الأصلي للّفظ مُبْدَلاً أو بَدلاً، والمعنَى الذي يُسْتَعْمَل للدلالة به عليه مجازاً بَدَلاً أو مُبْدَلاً، فالعلاقة هي: "الْبَدَليّة". مثل:
* أن يقول العامل لربّ العمل الذي يم يُعطِه أجْرَ عمله: "أكَلْتَ عَمَلِي" أي: أكَلْت أجْرِي إلي هو بدلُ عَمَلي.
فهذا من إطلاق المبْدَل وإرادة البدل.
ونظيرُهُ أن يقال: إنّ فلان أكلوا دَمَ القتيل الذي قتلوه، أي: أكلوا الديّة والتي هي بَدَلُ دَمِه الذي زهقت نفسه بإراقته.
فهذا من إطلاق المبْدَل وإرادة الْبَدَلَ أيضاً.
ومن عكس هذا أن يقال: دفع بنو فلان ديَةَ فلان، أي: قتلوه فدفعوا بدل إراقة دمه الدّية، إذَا دلّت القرينة على هذا.
فهذا من إطلاق البدل وإرادة الْمُبْدَل، وهو القتل.
وظاهرٌ ما في هذا المجاز من إيجاز.
(11) علاقة الإِضافة بين المضاف وبين المضاف إليه، وهذه العلاقة تتبع معنى الحرف المقدر في الإِضافة، فقد يُحذَف المضافُ أو المضافُ إليه ويُطْلَقُ لفظ الباقي منهما على المحذوف مجازاً. مثل:
* أن نقول: فتح صاحب الدار دارَه وأذِنَ لقاصديه بالدخول. أي: فتح باب داره.
فهذا من حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، والإِضافة هنا على تقدير "لام" الاختصاص.
والغرض الإِيجاز، مع الإِشارة إلى أنّ فتح الباب إنّما قُصِدَ منه إباحة دخول الدر لقصدي صَاحِبِها.
* وأن نقول: "دخَلَتِ الوفودُ بابَ الملك" أي: دخلوا باب قَصْرِه.
فقد حُذِفَ من هذه العبارة كلمة "القصر" وهي بالنسبة إلى الباب مضاف إليه، وبالنسبة إلى الملك مضاف.
(12) علاقة الضّدِّية، فقد يُطْلَق اللّفظ للدلالة به على ضدّ معناه، ومن الأغراض الداعية لهذا الإِطلاق الاستهزاء والسخرية والتهكم.
مثل:
* أن يقول السلطان لأعوانه بشأن مُجْرمٍ حضر بين يديه: "خذو فأكرموه في السجن" أي: فاضربوه وعذّبوه.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الأنفال/ 8 مصحف/ 88 نزول) خطاباً للمشركين الذي كانوا يسألون الله الفتح ضدّ الرسول والذين آمنوا معه قبل موقعه بدر، فجاء الأمر على خلاف ما طلبوا:
{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الْفَتْحُ...} [الآية:19].
أي: إنْ تسْتَنْصِرُوا باللَّهِ على الرسول والمؤمنين، فقد جاءكُمُ نَصْرُ الله للرسول والمؤمنين، فحلَّتْ بكُمُ الهزيمة والذّلّة.
فهذا من استعمال الضدّ للدلالة به على ضدّه.
(13) توجد علاقة اشتقاقيّة عامّة قد تُطْلَقُ بملابَسَتِها صِيغَةٌ مَقام صيغة أخرى، فإذا لم يكن لها تأويل آخر غير الإِطلاق المجازي على سبيل المجاز المرسل، فهي لدى التحليل ترجع إلى علاقات فكرية، كاستعمال اسم الفاعل أو اسم المفعول مراداً به المصدر، لأنّ المعنى المصدري موجودٌ في كلٍّ منهما، وكذلك استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل أو اسم المفعول.
(14) إلى غير ما سبق من علاقات تفيد ملابسةً ما، وتصحّح في نظر البليغ استخدام المجاز المرسل في عبارته.
أمثلة تدريبيّة مختلفة للمجاز المرسل:
(1) قول الشاعر:
*كَفَى بِالْمَرْءِ عَيْباً أَنْ تَرَاهُ * لَهُ وَجْهٌ ولَيْسَ لَهُ لِسَانُ*
أطْلَقَ الشاعر لفظ "لسان" وأراد به القدرة على البيان الفصيح، والعلاقة هي الآليّة، لأنّ اللّسان هو آلة البيان الفصيح، فمن ليس له قدرة على هذا البيان فهو بمثابة من ليس له لسان.
(2) قول الشاعر:
*إِذَا نَزَلَ السَّمَاءَ بأَرْضِ قَوْمٍ * رَعَيْنَاهُ وَإِنْ كَانُوا غِضَابَا*
أعاد الضمير في "رَعَينَاهُ" على السَّمَاء مريداً بالسّماء المطر لأنّه ينزل منها فالعلاقة هي "المكانية" أي: مكان نزول المطر.
لكنّه في الضمير أراد أثر المطر وهو نبات الأرض، والعلاقة "السببيّة".
وهذان الإِطلاقان من المجاز المرسل كما هو ظاهر.
(3) قول ليلى الأخيليّة تتحدّث عن الإِبل وراكبيها:
*رَمَوْهَا بِأَثْوابٍ خِفَافٍ فَلاَ تَرَى * لَهَا شَبَهاً إلاَّ النَّعَامَ الْمُنَفَّرَا*
أطْلَقَتْ كلمة "أثواب" وأرادت راكبيها من الرجال، والعلاقة كون الثياب ظرفاً للرجال، فهي التي تظهر للعيون.
والْغَرَض البياني الإِشعار بأنْ الرجال من رقتهم وخفتهم لم يظهَرُوا، فلم يَبْدُ على ظهور الإِبل المنطلقة في الجرْي إلاَّ أثوابٌ مَرْمِيَّةٌ عليها.
(4) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول):
{...فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ...} [الآية:194].
فاعْتَدُوا عليه: أي: فجازُوه، أُطْلِقَ فعْلُ "اعتدوا" بمعنى جازوا، لأنّ هذا الجزاء كان سَبَبُهُ اعتداءَ من اعتدى، فأُطْلِق على المُسَبَّب اللفظ الدالّ على السَّبَب، فالعلاقة السببيّة.
وفائدة استعمال هذا المجاز الدلالةُ على العدل الذي هو حق المعتَدَى عليه.
(5) قول الشاعر الجاهلي "عمرو بن كلثوم":
*أَلاَ لاَ يَجْهَلَنْ أَحَد عَلَيْنَا * فَنَجْهَلَ فَوْقَ جَهْلِ الْجَاهِلِينَا*
فَنَجْهَلَ: أي: فنجازِيَه بمثل عمله، وإنْ كان هذا الجزاء لا يُسَمَّى جَهْلاً، لكن لمّا كانَ مُسَبَّباً عن جَهْلِ الجاهلين صَحَّ أن يُطْلِقَ عليه مجازاً الاسم الذي يُطْلَق على السبب. وفائدته الإِشارة إلى العدل.
(5) قول امرئ القيس يخاطب صاحبته:
*أَغَرَّك مِنّي أَنَّ حُبَّكِ قاتِلِي * وأَنَّكِ مَهُمَا تَأَمُرِي الْقَلْبَ يَفْعَلِ*
أطلق "الْقَلْبَ" وهو جزء منه، وأرَادَ كُلَ ذَاتِهِ، وهذا من إطلاق الجزء وإرادة الكُلّ.
والغرض البياني الإِشعار بأنّ حُبَّها الذي في قلْبِه، يجعله ذا سلطانٍ عليه، وهذا السلطان ينتقل من القلب المسيطر على ذاته لتكون ذاتُه كلُّها مُطيعة لأوامرها.
(6) قول ابن المعتز في مَمْدوحه:
*سَالَتْ عَلَيْهِ شِعَابُ الْحَيّ حِينَ دَعا * أَنْصَارَهُ بِوُجُوهٍ كالدَّنَانير*
أطلق لفظ "الوجوه" وأراد أنصاره من الرِّجَال، وهذا من إطلاق الجزء وإرادة الكُلّ على طريقة المجاز المرسل.
والغرض البياني الإِشعارُ بأنّ الناس حين يُقْبِلون جمّاً غفيراً كالسيول المتحدّرة في الشعاب، إنّما تُرى منهم وجودههم، فلا يُدَقِّق الناظر إليهم النظرَ في سائر أجسامهم.
(7) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الغاشية/ 88 مصحف/ 68 نزول):
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خَاشِعَةٌ * عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ * تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً}.
وقوله فيها:
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاعِمَةٌ * لِّسَعْيِهَا رَاضِيَةٌ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ}.
جاء في هذين النصَّيْنِ إطلاق كلمة وُجوه، والمرادُ أشخاصهم وذواتهم كُلُّها، فهو من إطلاق اسم الجزء على الكلّ.
والغرض البياني من هذا الإِطلاق، الإِشارةُ إلى أنّ الوجوه هي التي تظهر عليها علامات البؤس من العذاب، وعلاماتُ السُّرور من النعيم.
(8) قول الشاعر:
*بِلاَدِي وإِنْ جَارَتْ عَلَيَّ عَزِيزَةٌ * وَأَهْلِي وَإِنْ ضَنُّوا عَلَيَّ كِرَامُ*
أطْلَق كلمة "بلاد" مضافة إليه، وأراد أهْلَها وَسُكَّانَها، والعلاقة المحليّة.
والغرض البياني الإِيجاز، مع الإِشارة ضمناً إلى ذوي السلطة والنفوذ فيها، لأنَّهم هُمُ الّذين يمثِّلُونها، وبيدهم العدل والجور فيها.
(9) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الحج/ 22 مصحف/ 103 نزول) بشأن الْمُضِلِّ عن سبيل الله:
{لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلعَبِيدِ}.
وقول الله عزَّ وجلَ في سورة (آل عمران/ 3 مصحف/ 89 نزول) بشأن كفّار اليهود:
{وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ}.
جاء في النصّ الأول إطلاق "اليدين" والمراد ما يكْسِبُ الإِنسان بكلّ جوارحه الظاهرة والباطنة.
وجاء في النص الثاني إطلاق "الأيدي" والمراد ما يكسبون بكلّ جوارحهم الظاهرة والباطنة.
وهذا من إطلاق الجزء وإرادة الكلّ، والغرض البياني الإِشارة إلى أنّ الأيدي هي أكثر الأعضاء كسباً للأعمال.
(10) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (النور/ 24 مصحف/ 102 نزول):
{وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ...} [الآية:33].
أُطْلِقَ "النكاح" والمرادُ مؤونَتُه من مَهْرٍ ونَفَقةٍ وما لا بُدَّ مِنْهُ لطالب النكاح، وهذا من إطلاق المسبَّب وإرادة سبَبه.
وفي هذا المجاز إيجاز في التعبير، مع الإِشارة إلى أنّ الرجال هم المسؤولون عن نفقات النكاح.
(11) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول):
{وَقُلْنَا يَآءَادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَاذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ * فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ} [الآية:36].
فأَخْرَجَهُما: أي: أغْوَاهُمَا إغْواءً كانً السَّبَبَ في إخراج الله لهما من الجنة، فالعلاقة السببيّة.
في هذا المجاز إيجاز في التعبير مع التنبيه على أنّ الشيطان قد توصَّل إلى هدفه من إغوائهما، وهو إخراجهما من الجنة.
(12) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول):
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ...} [الآية:232].
أَزواجَهُنَّ: أي: الّذين كَانوا أَزْوَاجَهُنّ سابقاً، وهذا من إطلاق اللَّفْظِ على الشْيءِ باعتبار ما كان عليه.
(13) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (نوح/ 71 مصحف/ 71 نزول):
{وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً * إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُواْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً}.
أي: ولا يَلِدُوا إلاَّ مَوْلُودَاً يَؤُول أَمْرُهُ إلى أن يكون بعد بلوغه فاجراً كفّاراً.
فهذا المجاز هو من تسمية الشيء باسم ما يؤُول إليه.
(14) قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (الحجر/15 مصحف/ 54 نزول) بشأن الملائكة الذين بشْرُوا إبراهيم عليه السلام بغلام:
{إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ}.
جاء وصف الغلام عند البشارة بما يؤول إليه أمرُه من أنه سيكون عليماً. وهذا من تسمية الشيء باعتبار ما يؤول أمره إليه.
شرح المجاز المرسل في اللّفظ المركب
المجاز المرسل في اللّفظ المركب: هو لفظ مركّب يستعمل بهيئته التركيبية في وُضِعَتْ له صيغة جملته في اصطلاح التخاطب، لعلاقة غير المشابهة، مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
ويكون هذا المجاز في قسمين:
القسم الأول: المركّبات الخبرية.
القسم الثاني: المركّبات الإِنشائية.
أمّا قسم المركبات الخبرية: فقد تخرج عن دلالتها الخبرية مجازاً للدلالة بها على معنىً آخر، فمنها ما يلي:
(1) الخبر الْمَسُوق للتعبير عن التّحسر وإظهار الحزن، ومن أمثلته:
* قول الشاعر:
*ذَهَبَ الشَّبابُ فَمَالَهُ مِنْ عَوْدَةٍ * وَأَتَى الْمَشِيبُ فَأَيْنَ مِنْهُ المْهَرَبُ؟
والعلاقة بين المعنى الأصلي وهو الإِخبار، والمعنى المجازي وهو التحسّر وإظهار الحزن "اللّزوم" إذ يلزم من الإِخبار بذهاب الشيء المحبوب المعلوم للجميع التحسُّر والحزن عليه.
إنّه يتحسّر ويحزن على ذهاب الشباب وإتيان المشيب ولا يخبر بذلك، وأصل صيغة الجملة موضوعة للإِخبار.
ونظير هذا أن تقف الثكْلَى على قبر ولدها وتقول: مَاتَ ولدي، مات ولدي، وتكرّر هذه العبارة وتبكي.
(2) الخبر المسوق للدعاء، ومن أمثلته:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (يوسف/ 12 مصحف/ 53 نزول) حكاية لما قال يوسف عليه السلام لإِخوته:
{قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ}.
يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ: المعنى الأصلي الذي تدلُّ عليه الصيغة الإِخبار، وقد استعملت مجازاً في الدعاء، والعلاقة السببيّة على سبيل التفاؤل والطمع بكرم الله وفضله، إذ الدعاء الذي هو إنشاء طلب من الله سبب في تحقيق الاستجابة بمشيئة الله على سبيل التفاؤل والرجاء.
ونظيره قول الرسول صلى الله عليه وسلم بشأن المتحلّلين من إحرامهم بالحلْق أو التقصير على ما روى الإِمام أحمد بسنده إلى يحيى بن حُصَيْن، قال: سَمِعْتُ جَدَّتي تقول: سمعتُ نبيّ الله صلى الله عليه وسلم بعرفات يخطُبُ يقول:
"غَفَرَ اللَّهُ لِلْمُحَلِّقِين، غَفَرَ اللَّهُ لِلْمُحَلِّقين، غَفَرَ اللَّهُ لِلْمُحَلِّقِين".
قالوا: والمقصّرين؟
فقال: "والمقصّرينَ" في الرابعة.
الصيغة صيغة إخبار، وقد استُعْمِلَتْ في الدّعاء.
والغرض البياني الرجاء والتفاؤل بتَحقيق المدعوّ به.
(3) الصيغة الخبريّة المسوقة للدلالة بها على إنشاء الأمر أو النهي، ومن الأمثلة:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول):
{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ...} [الآية:197].
فلا رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ في الحجّ: الصيغة موضوعة للنفي الخبري، وقد استعملت في النهي عن هذه الأمور مجازاً، والعلاقة المسببيّة لأنّ حصول النّفي في الواقع مُسَبَّبٌ عن طاعة المؤمنين في الحجّ لما ينهى الله عنه، وهذا هو المنتظر منهم، فأُطْلِقَ المسبّب، وأريد سببه.
واستعمال الخبر في مثل هذا المقام أبلغ من إنشاء النَّهْي، إذْ يُشْعِر بأنّه ليس من شأن المؤمنين أن تكون منهم المخالفة في واقع حجّهم، الذي تحمَّلوا فيه المشقات الكثيرات، وبذلوا لأدائه أموالاً جمعوها بالجهد والكدّ وربما انتظروا سنين حتى تهيّأت لهم الاستطاعة.
* وقول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/2 مصحف/ 87 نزول):
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ...} [الآية:233].
الصيغة خبريّة في "يُرْضِعْنَ" واستعملت في الأمر الترغيبيّ أو الإِلزامي مجازاً، والعلاقة المسَّببِيّة، لأنّ الإِرضاع الفعلي مُسَبَّبٌ عن طاعة المؤمنات لأمر الله في شأن أطفالهنّ، وهذا هو المنتظر منهنَّ، فأُطْلِقَ المسبَّبُ وأُرِيد سبَبُه.
واستعمال الخبر في مثل هذا المقام أبلغ من إنشاء الأمر، إذْ يُشْعِر بأنّه ليس من شأن الوالدات ذوات الحنان والشفقة على أطفالهنّ، وهُنَّ مؤمناتٌ بربِّهنّ أن يترُكْنَ إرْضاع أولادهنّ دون ضرورة، أو حاجة شديدة جدّاً.
* وقول الله عزَّ وجلَّ في سورة (البقرة/ 2 مصحف/ 87 نزول):
{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ...} [الآية:228].
الصيغة خبرية واستعملت في الأمر الإِلزاميّ بالتربُّصِ، وهو الانتظار بعدم الزواج الجديد حتَّى تمضي العدة.
واستعمال الخبر في مثل هذا المقام أبْلَغُ من إنشاء الأمر، للإِشعار بأنّه ليس من شأن المؤمنات المسلمات في مجتمعٍ إسلاميٍّ تكون المطلّقات فيه تحت المراقبة لمعرفة هل يوجد حمل ينسب إلى الزوج السابق أولاً؟ أن يُسْرِعْنَ إلى زواج من زوجٍ آخر قبل انقضاء مدّة العدّة.
والعلاقة المسببّة، كما سبق في المثالَيْن السّابقين.
إلى غيرها من الأمثلة، ومنها: {ومَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ} - {وإذْ أخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَعْبُدُونَ إلاَّ اللَّهَ}.
(4) الصيغ الخبرية المستعملة للدلالة على الامتنان، أو الترغيب والحضّ، أو التلويم، أو التحسير والتنديم، أو المدح، أو الهجاء، أو السخرية والاستهزاء، إلى غيرها من معانٍ سبق بيانها في مبحث الجملة الخبرية، ومعانٍ أخرى قد تَتَفَتَّق عنها أذهان البلغاء.
وأمّا قسم المركبات الإِنشائيّة: فقد تخرج مجازاً عن معانيها للدلالة بها على معانٍ أُخرى، فمنها ما يلي:
(1) إطلاق الأمر والنهي مراداً به الإِخبار مجازاً، ومن الأمثلة ما يلي:
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (مريم/ 19 مصحف/ 44 نزول) خطاباً لرسوله:
{قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلاَلَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَانُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ إِمَّا العَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَاناً وَأَضْعَفُ جُنداً}.
فَلْيَمْدُهْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً: صيغة أَمْرٍ يُرَادُ بِهَا الإِخْبارُ عن سُنَّةِ اللَّهِ، وصيغة الأمر هنا مستعملَةٌ أوّلاً بمعنى الدعاء، والدُّعَاءُ مُسْتَعْمَلٌ بمعنى الخبر، أي: فالله يُمدُّ لَهُ مَدّاً.
وفي هذا المجاز إيجاز بالغ، وإشعار بأنّ الرّسُول يدعُو على من كان في الضلالة، بأَنْ يُجْري الله فيه سنَّتَهُ، فَيَمُدَّ لَهُ، ولا يدعُو عليه بتعجيل العقاب.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (العنكبوت/ 29 مصحف/ 85 نزول):
{وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ اتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ وَمَا هُمْ بِحَامِلِينَ مِنْ خَطَايَاهُمْ مِّن شَيْءٍ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}.
وَلْنَحْمِلُ خَطَايَاكُمْ: هذِه صيغةُ أمْرٍ، يُرادُ بِها الإِخبارُ على سبيل الوعد بأنّهم سيَحْمِلُونَ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ إذَا اتَّبَعُوهم، وهم كاذبون بهذا الوعد، وغرضهم منه الاستدراج إلى الكفر.
وصيغة الأمر في هذا المقام أبلغ من صيغة الخبر، لأنّ فيها معنى إلزام أنفسهم بتحقيق الأمر الذي وعَدُوهم به.
* قول الله عزَّ وجلَّ في سورة (التوبة/ 9 مصحف/ 113 نزول) بشأن المنافقين الذين تخلّفوا عن الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك:
{فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ}.
أي: هم يضحكون اليوم في دنياهم قليلاً ولكنّهم سيبكون في أخراهُمْ كثيراً جزاءً بِما كانوا في الحياة الدنيا يكسبون من آثام.
جاء هذا الإِخبار بصيغة الأمر في {فَلْيَضْحَكُواْ - وَلْيَبْكُواْ} على سبيل المجاز المرسل، وعلاقته هنا السببيّة، لأنّ الأمر الرّبَانِيّ التكويني هو الذي مكَّنَهُمْ في الحياة الدنيا من أن يكونوا منافقين وعصاةً محتالين يضحكُون في سِرِّهم إذا قَدَّمُوا أعذاراً كاذبةً قَبِلَهَا الرسول صلى الله عليه وسلم منهم معاملةً لهم بمقتضى ظاهر أحوالهم، فمن توابع الأمر التَّكْويني الذي جعلهم الله به مخيّرين أن يضحكوا، فأُطْلِقَ لفظ السّبب على المسبَّب.
ولأنّ الأمر التكوينيّ الجزائيّ يَوْمَ الدّين هو الذي سَيَجْعَلُهُمْ يتَقَلَّبُون في العذاب الذي يجعلُهُمْ يَبْكُون من شدّة ما يلاقون من آلام، فأطْلِق لفظ السبب على المسبب على طريقة المجاز المرسل.
* قول الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث الصحيح:
"مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ".
فَلْيَتَبَوَّأ: الصيغة إنشائيّة فيها معنَى الأَمر، والمرادُ بالإِخبار بأنَّهُم سيَتَبَوَّؤُن مقعدهم من النار، أي: سَيُقِيمون به.
يقال لغة: تبوّأ المكانَ وتَبَوَّأ به، إذ نزلَهُ وأقامَ به.
والعلاقة السببيّة بين الأمر والخبر هنا، إذِ الأَمْر مستعمل أوّلاً بمعنى الدعاء، إذْ يطلب فيه الرسول من ربّه، ودُعَاءُ الرّسول على من كذب عليه متعمّداً بهذا التّبَوُّءِ مُتَحَقِّقُ الاستجابة فهذا الكاذب سيتبوّأ مقعده من النّار حتماً.
أو نقول: صيغةُ الأمر مستعملةٌ بمعنى الوعيد، والعلاقة بين الأمر والوعيد أَنَّ أَمْرَ التَّنفيذ الجزائي يلزم عنه وعيد بالجزاء، فالعلاقة هي اللّزوم، فجرى استعمال الأمر في الوعيد بما سَيَحْدُث من جزاء، ولو كان مُقَرِّرُ الجزاء غيْرَ مُسْتَعْمِلِ صيغةِ الأمر.
(2) وقد تُطْلَقُ الْجُمَل الاستفهامية مُراداً بها معانٍ أخرى غيرُ الاستفهام، مثل: "التقرير - الإِنكار - الامتنان - التمنّي - الترجي" إلى غير هذه المعاني من معاني خبريّة سبق بيانُها في بحث الجملة الإِنشائية وأقسامها، تحت بحث: "خروج الاستفهام عن أصل دلالته إلى معاني أخرى.
(3) إلى غَيْرِ ذَلِكَ من معاني تتفتّق عنها أذهان البلغاء.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|