المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

العقائد الاسلامية
عدد المواضيع في هذا القسم 4878 موضوعاً
التوحيد
العدل
النبوة
الامامة
المعاد
فرق و أديان
شبهات و ردود
أسئلة وأجوبة عقائدية
الحوار العقائدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية

Styrene-Butadiene Rubber (SBR)
29-9-2017
Tumor-hungry Cells
24-8-2020
الأغسال المندوبة في فقه الرضا
3-8-2016
Hemizygote
الدورة المـستنديـة للمحـاسبـة عـن تـكلفـة العـمـل البـشـري
2023-10-07
Amperes experiments
2-1-2017


مناظرة السيد محمد تقي الحكيم مع أكابر علماء مؤتمر البحوث الإسلامية في عصمة أهل البيت (عليهم السلام)  
  
630   11:10 مساءً   التاريخ: 22-11-2019
المؤلف : الشيخ عبد الله الحسن
الكتاب أو المصدر : مناظرات في العقائد
الجزء والصفحة : ج1 ، 308- 336
القسم : العقائد الاسلامية / الحوار العقائدي / * العـصمة /

الحديث الذي أداره مندوب الإيمان مع سماحة العلامة الكبير السيد محمد تقي الحكيم(1) عميد كلية الفقه بالوكالة، على أثر عودته من القاهرة بعد حضوره مؤتمر البحوث الإسلامية.

 

س - في الندوات التي حضرتموها في مصر وأثيرت معكم، فيها أحاديث حول التشيع، ذكرتم عدة مواضيع أحب الكثير من قراء (الإيمان) الوقوف على طبيعة ما أثير حولها من حديث، ومنها ما يتصل بعصمة أهل البيت فهل تتذكرون أين دار الحديث عنها وكيف؟

ج - إن الذي أتذكره أن أهم الأحاديث التي دارت حولها كانت في الإسكندرية (2)، وفي ندوة الأمناء في القاهرة (3)، في الأمسية التي اعتادت إحياءها في ليلة الأحد من كل أسبوع، حيث يحضرها شيخ الأمناء الأستاذ أمين الخولي وتلامذته لمناقشة بعض القضايا، وقد دعينا من قبل بعض الإخوان المصريين لحضورها، واقتصر الحديث عند حضورنا أو كاد على قضايا التشيع، وأخذ منها حديث العصمة وقتا كبيرا، وقد صحبنا إليها من الإخوان المصريين واللبنانيين العلامة الكبير الشيخ محمود أبو رية، والدكتور حامد حفني داود، والأستاذ الشيخ عبد الفتاح بركة، والأستاذ الشيخ عبد الحميد الحر.

وطبيعة الحديث الذي دار في الإسكندرية وفي ندوة الأمناء وغيرها كان متشابه الخطوط بحكم وحدة الموضوع وتشابه الأسئلة، لذلك أوثر أن أعطي خلاصة لكل ما دار فيها، مع ضم بعضه إلى بعض، دون حاجة إلى تكرار الحديث بعد ذلك عنها.

وكان ممن حضر ندوة الإسكندرية من أعضاء المؤتمر بعض العلماء الجزائريين والسودانيين والليبيين والمصريين والأردنيين والصوماليين.

وكان مبعث الحديث عنها، السؤال الذي وجهه فضيلة الشيخ الجيلالي الفارسي مندوب الجزائر، وهو من أكابر العلماء الذين التقيتهم في المؤتمر، ومن أوسعهم معرفة في الشؤون العقائدية، وقد وهب ملكة بيانية قل نظيرها فيمن رأيت.

قال الشيخ الجزائري - وهو يمهد للسؤال -: يسرني أن أحظى بشرف التعرف على إخوان من علماء الشيعة، طالما تشوقت إلى لقاء أمثالهم للاتصال بهم، ومعرفة واقع ما يبلغنا عن عقائدهم، فإذا سمحتم بتوجيه بعض الأسئلة عن جملة مما يبلغنا عن الشيعة لإقرارها، أو تصحيح أفكارنا عنها أكون شاكرا.

قلت: يسرني ذلك، وأرجو أن أكون صريحا في الجواب عليها، ولك علي أن لا أتطفل على الدخول فيما لا أملك القول فيه، وأرجع معك - إذا شئت - فيما أجهله إلى من هم أكثر مني تخصصا في مبادئ التشيع، من أساتذة معاهد النجف ومراجع الأمة فيها.

فأومأ برأسه - شاكرا - ثم بدأ الحديث بهذا السؤال: هل من الصحيح ما يبلغنا عن إخواننا الشيعة من أنهم ينسبون العصمة إلى أهل البيت (عليهم السلام) كالنبي (صلى الله عليه وآله) على حد سواء.

قلت - وقد تركزت علي عيون الملتفين حول مائدة الطعام، وكنا على المائدة، وقد أهمهم فيما يبدو هذا السؤال، وربما كان فيهم من يحاول توجيهه ويتحاشى الإحراج -: نعم نؤمن بذلك.

قال: وقد بدا على صوته شيء من التهدج والاستنكار: وكيف وما هي أدلتكم على ذلك؟!

قلت - مبتسما، وقد أوشكنا على الانتهاء من الطعام -: لا أظنك يا سيدي تكتفي مني بالجواب الإجمالي على مثل هذه المسألة الدقيقة، ومثلك من لا يكتفي بهذا الجواب، أفلا ترى أن نؤجل الحديث عنها إلى جلسة أطول، ليتسع فيها مجال الحديث.

قال: معك حق.

ونهضنا عن المائدة، وقبل أن نتفرق قال: ألا نذهب إلى (كافتريا) الفندق لنأخذ كوبا من الشاي، ونتمتع بمنظر البحر الجميل؟ وكانت المقهى مطلة عليه وجميلة جدا، وقبل أن يسمع الجواب أخذ بيدي وتبعنا بقية الإخوان، وتحلقنا حول مائدة مستديرة فيها، وطلبوا لنا الشاي، ثم التفت إلي وقال: إن في هذا المكان الهادئ الجميل متسعا للحديث، وبخاصة وأن أمامنا من الوقت عدة ساعات لم يسبق أن شغلت بموعد من قبل إخواننا المضيفين، وإنما تركوا لنا فيها حرية قضائها كيف نشاء.

قلت - وقد رفعت كوب الشاي إلى فمي -: إن الاستدلال على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) لا يمكن أن يستوفى بجلسة واحدة، مهما طال أمدها، لكثرة ما ساقوه عليها من الأدلة التي استغرق بحثها لدى بعض المؤلفين مئات الصفحات، وكتب فيها عشرات المؤلفات، ولكن نأخذ منها ما يتسع له الوقت أخذا بقاعدة الميسور، ولكم جميعا حرية المناقشة فيما نعرضه من أدلة، وأظن أن صدورنا جميعا مما تتسع لها للموضوعية التي أعهدها في إخواني العلماء.

وإذا سمحت - يا سيدي السائل - وجهت إليك ببعض الأسئلة تمهيدا للجواب - عسى أن نتفق على الأوليات - ماذا تريد من كلمة العصمة التي أثبتها للنبي (صلى الله عليه وآله) واستكثرتها على أهل البيت (عليهم السلام) كما تنطوي عليه صيغة سؤالك؟

قال: أريد بالعصمة استحالة صدور الخطأ أو السهو أو النسيان أو الكذب أو أي ذنب عليه ما دام في مقام التبليغ.

قلت: طبعا تريد بالاستحالة هنا الاستحالة العادية لا العقلية.

قال: طبعا.

قلت: ولكن الشيعة يا سيدي - أو جل علمائهم على الأقل - يوسعون في مفهومها إلى غير مقام التشريع، وربما أوضحنا وجهة نظرهم في ثنايا الحديث، ولا يهم الفصل فعلا في هذه التوسعة، إذ يكفينا لسد حاجتنا الفعلية أن نؤمن بها في خصوص مقام التبليغ.

ولكن، هل تسمح لي بسؤال آخر: ما هي الضرورة التي تدعو إلى الإيمان بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) حتى بهذا المقدار؟

قال: الإيمان بالعصمة هو الذي يولد اليقين بكون ما يأتي به إنما هو من عند الله عز وجل، ومع تجويز الكذب والسهو والنسيان والغفلة عليه لا يبقى موضع ليقين في حكاية ما يبلغه عن الواقع، ومع دخول التشكيك يسقط اعتبار النبوة من الأساس.

قلت - واسمحوا لي أن استطرد قليلا بهذا السؤال -: وهل كان يفرق الرأي العام في صدر الإسلام بين نوعين من السهو والكذب، مثلا أحدهما يقع في غير مجالات التشريع فيسوغونه، والآخر في مجالاته فيحضرونه عليه، وهل كان حكم العقل لديهم واضحا في التفرقة إلى هذه الدرجة؟!

قال أحدهم: وماذا تريد بهذا الكلام؟!

قلت: أريد أن أكتشف - من اطمئنانهم - وهو ما كان واقعا فعلا - إلى جميع ما يبلغه النبي (صلى الله عليه وآله) انسجام واقعه السلوكي في مختلف مجالاته - تشريعية وغير تشريعية - فهو لا يكذب ولا يسهو ولا يغفل ولا ينسى في جميع المجالات، وإلا لما أمكن اطمئنانهم إليه في مقام التشريع، وهم يرونه عرضة لجميع هذه المفارقات في غير مقامه، فالاطمئنان - وهو حالة نفسية - لا يمكن أن يفرق بين نوعين من الأحداث المتشابهة، فينبعث عن أحدهما ولا ينبعث عن الآخر، وكذلك العلم واليقين، فإيمان الشيعة بتعميم مفهوم العصمة إلى مختلف المجالات هو الذي ينسجم مع الواقع النفسي لنوع الناس، وعلى هذا الواقع يبتني حكم العقل بلزوم العصمة، لأن الغرض منها تحصيل اليقين بكل ما يأتي به، ولا يحصل اليقين من شخص يراه مجتمعه عرضة للوقوع في أمثال تلكم المفارقات، على أن إثبات ذلك كما قلنا ليس له تلك الأهمية بالنسبة إلينا فعلا، وحسبنا أن نتفق على هذا الجزء من العصمة - أعني امتناع صدور الكذب والسهو والغفلة وغيرها من منافيات العصمة عليه في مقام التشريع - فهو يكفينا في مجال التمهيد للجواب عن عصمة أهل البيت.

وسؤال آخر: ما هي مصادر التشريع التي تؤمنون بها؟

قال: كثيرة وأهمها الكتاب والسنة.

قلت: أما الكتاب فهو ليس موضعا لحديث، لأنه جمع ودون وحفظ على عهد النبي (صلى الله عليه وآله) وعقيدة المسلمين جميعا أن ما بين الدفتين هو الكتاب المنزل قرآنا لم يزد ولم ينقص فيه، فجعله مصدرا تشريعيا يرجع إليه في كل زمان ومكان أمر طبيعي جدا، ولكن ماذا يراد بالسنة؟

قال: السنة هي قول النبي (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره.

قلت: وهذا ما تعتقده الشيعة أيضا، ولكن هل أستطيع أن أسألك عن أسلوبه (صلى الله عليه وآله) في التبليغ كيف كان، وهل كان يعتمد القرائن المنفصلة، كاستعمال المخصصات والمقيدات لعموماته ومطلقاته، والناسخ لبعض ما انتهى أمد مصلحته من أحكامه.

قال: طبعا: وما أكثر ما يأتي العام في الشريعة، ثم يأتي بعد ذلك مخصصه ويأتي المطلق ثم يقيد بعد ذلك، وهكذا.

قلت: وهذا ما نعتقده أيضا، وهي الطريقة التي يعتمدها الناس في أساليب تفاهمهم، ولو كانت له طريقة خاصة تخالف ما ألفوه لوصلت إلينا عادته وطريقته في التبليغ كيف كانت؟ أكان يجمع الناس جميعا عند ما يريد أن يقول أو يفعل أو يقر أمرا يتصل بشؤون التشريع؟ وهل من الممكن له ذلك؟ وإذا أمكن أن نتصوره عندما يريد أن يبلغ من طريق القول، فهل يمكننا تصوره عند الفعل أو الإقرار؟ أي إذا أراد أن يفعل شيئا، أو يقر جمع الناس كلهم، ففعل ما يريد فعله أو أقر ما يريد إقراره أمام الجميع، ستقول بالطبع: لا، وإنما كان يبلغ على الطرق المتعارفة، كأن يصدر الحكم أمام فرد أو فردين، وهؤلاء يكونون الواسطة في التبليغ، وعلى من لم يحضر أن يفحص عما يجد من الأحكام.

وهنا ذكرت مضمون كلام لابن حزم، أوثر الآن أن أنقله هنا بنصه لقيمته يقول ابن حزم وهو يتناول هذه الناحية من التشريع: ولا خلاف بين كل ذي علم بشيء من أخبار الدنيا، مؤمنهم وكافرهم، أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان بالمدينة وأصحابه رضي الله عنهم مشاغيل في المعاش، وتعذر القوت عليهم لجهد العيش بالحجاز، وأنه (صلى الله عليه وآله) كان يفتي بالفتيا ويحكم بالحكم بحضرة من حضره من أصحابه فقط، وأن الحجة إنما قامت على سائر من لم يحضره (صلى الله عليه وآله) بنقل من حضره، وهم واحد أو اثنان ويقول أيضا: وبالضرورة نعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن إذا أفتى بالفتيا أو إذا حكم حكم بالحكم يجمع لذلك جميع من بالمدينة هذا ما لا شك فيه، لكنه (صلى الله عليه وآله) كان يقتصر على من بحضرته ويرى أن الحجة بمن يحضره قائمة على من غاب، هذا ما لا يقدر على دفعه ذو حس سليم (4).

ثم قلت: وإذا كان حساب السنة هو هذا، سواء من حيث الاعتماد على القرائن المنفصلة، أو من حيث أسلوب تبليغها، وهي لم تدون على عهده أو عهود الخلفاء من بعده، فهل يمكن اعتبارها مصدرا تشريعيا يجب الرجوع إليه؟ قال أحدهم: ولم، ألم يجعلها القرآن من مصادر التشريع؟ {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } [الحشر: 7] {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم: 3] الآية. قلت: لا أشك في ذلك، ومن ينكر حجيتها فهو ليس بمسلم، لإنكاره أهم الضروريات الإسلامية، ولكن أسألك ماذا يصنع من يحتاج إلى معرفة حكم لم يجده في كتاب الله.

قال: يرجع إلى النبي (صلى الله عليه وآله) لاستفساره عنه.

قلت: وبعد وفاته.

قال: يرجع إلى صحابته.

قلت: هب أنه وجد عاما عند أحد الصحابة، واحتمل أن يكون له مخصص عند غيره، أو وجد حكما واحتمل نسخه، أو مطلقا واحتمل تقييده، فماذا يصنع إذ ذاك؟

قال: عليه الفحص من قبل بقية الصحابة.

قلت: كيف؟ والصحابة مشتتون أيظل هذا السائل - وافترضه ممن دخل الإسلام جديدا - يبحث عنهم حتى يستوعبهم فحصا، وفيهم من هو في الحدود يحمي الثغور، وفيهم الحكام والولاة في البلاد المفتوحة بعيدا عن الحجاز، وفيهم المشتتون في قرى الحجاز وأريافها، وربما أنهى عمره قبل أن يصل إلى ما يريد؟! وبعد عصر الصحابة ماذا يصنع الناس.

قال: يرجعون إلى من أخذ عن الصحابة من التابعين!

قلت: إذا امتنع استيعاب الفحص عن الصحابة مع قلتهم نسبيا، فهل يمكن ذلك بالنسبة إلى من أخذ عنهم، وهم أضعاف مضاعفة، وكثير منهم مجهول، وإذا جاز ذلك في عصر التابعين، فهل يجوز في العصور المتأخرة عنهم وكيف؟ ألا ترى معي - يا سيدي - أنه ليس من الطبيعي أن يفرض على الأمة - أية أمة - مصدر تشريعي يلزمون بالأخذ به، وهو غير مجموع ومدون ومحدد المفاهيم ليمكن أن تقوم الحجة به عليهم.

ثم هل يمكن لأية دولة متحضرة أن تعتبر تصرفات أحد حكامها قولا وفعلا وتقريرا في مدى حياته قانونا يجب الرجوع إليه إلى جنب أحد قوانينها المدونة، مع أن هذه الأقوال والأفعال والتقريرات لا تقع إلا أمام أفراد محدودين وغير معروفين تفصيلا، ولا الأحاديث التي جرت أمامهم معروفة، وهم لم يجمعوها بدورهم ولم ينسقوها، كأن يضعوا إلى جنب العمومات قرائن التخصيص مثلا وهكذا.

قال: وكيف نلائم إذن، بين اعتقادنا بلزوم الرجوع إليها، وبين الواقع الذي تذكره؟

قلت: الصور المتصورة في المسألة أربعة، نعرضها ونختار أكثرها ملاءمة للواقع العقلي والتأريخي.

الأولى: أن نسقط السنة عن الحجية ونكتفي بالكتاب، وفي هذا محق للإسلام من أساسه، وأظن أن إخواني العلماء يؤمنون معي أن الكتاب وحده لا ينهض ببيان حكم واحد بجميع ما له من خصوصيات، فضلا على استيعاب جميع الأحكام، بكل ما لها من أجزاء وشرائط.

الثانية: أن نحمل النبي (صلى الله عليه وآله) - وحاشاه - مسؤولية التفريط برسالته بتعريضها للضياع عند ما لم يدونها، أو يأمر الصحابة بالتدوين والتنسيق.

الثالثة: أن نحاشي النبي (صلى الله عليه وآله) عن تعمد التفريط ونرميه بعدم العلم، وحاشاه بما ينتج عن إهماله التدوين من مفارقات، أيسرها ضياع كثير من الأحكام الشرعية، نتيجة موت قسم من الصحابة حملة السنة، أو نسيانهم أو غفلتهم - وهم غير معصومين بالاتفاق - وهكذا، هذا بالإضافة إلى ما يسببه الفحص عن الأحكام من قبل المحتاجين إليها من المكلفين، من عسر وحرج بسبب تشتت الصحابة وتشتت رواتهم بعد ذلك، إن لم يكن متعذرا أحيانا.

الرابعة: أن نفترض له جمعها وتنسيقها وإيداعها عند شخص مسؤول عنها، عالم بجميع خصائصها ليسلمها إلى من يحتاج إليها من المسلمين، ثم يورثها من بعده لمن يقوى على القيام بها من بعده، كما ورثها هو، حتى تستوعب من قبل المسلمين تدوينا، ويسهل الاعتماد عليها من قبلهم، ولو بالطرق الاجتهادية.

فإذا اعتبرنا السنة - بحكم الضرورة - من مصادر التشريع، ونزهنا النبي (صلى الله عليه وآله) عن الجهل والتفريط برسالته، تعين الأخذ بالفرض الرابع.

ومن هنا نعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) ما كان مسوقا بدوافع عاطفية، وهو يؤكد ويحث ويلزم بالرجوع إلى أهل بيته، بأمثال هذه النصوص، إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق (5).

إن مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل، من دخله غفر له (6) إني تركت فيكم ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفونني فيهما (7). وقوله في تحذيرهم، وهو يمهد لإعلان النص على الإمام يوم الغدير: كأني دعيت فأجبت إني قد تركت فيكم الثقلين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله وعترتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: إن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي (عليه السلام) فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه (8). وقوله - (صلى الله عليه وآله) في خصوص الإمام علي (عليه السلام) -: علي باب علمي، ومبين لأمتي ما أرسلت به من بعدي (9).

وقال له: أنت أخي ووارثي، قال: وما أرث منك؟ قال (صلى الله عليه وآله): ما ورث الأنبياء من قبلي (10).

وفي رواية كنز العمال ما ورث الأنبياء من قبلي، كتاب ربهم وسنة نبيهم (11).

قال أحدهم - وقد قطع علي سلسلة الكلام والتوسع برواية الأحاديث -: نحن لا ننكر علم أهل البيت أو الإمام علي، ولا لزوم محبتهم والتمسك بهم، بل نحن أكثر تمسكا بهم منكم، وإنما حديثنا في ثبوت العصمة لهم!!

قلت: صحيح أن حديثنا كان عن العصمة وليس عن العلم، وما أظن أننا بعدنا عن الحديث لو تركتموني أتم الكلام وأربط بين حلقاته وما أدري ما دخل المفاضلة هنا، والتماس أكثرنا تمسكا بأهل البيت، والحديث ليس مسوقا لهذه الناحية العاطفية! وهنا التفت أكثرهم إلى القائل بنظرة عتب، ثم التفتوا إلي وقالوا: تفضل فاستمر بالحديث.

قلت: فإذا كنتم قد اكتفيتم بهذا المقدار من الأحاديث - وفيها فعلا بعض الكفاية لما نريد - فإني أحب أن أعود إلى السؤال الأول الذي وجهناه في بداية الحديث ما هو السر في التزامنا بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) .

قال: أحدهم: سد فجوات الشك في أن ما يأتي به النبي (صلى الله عليه وآله) من قول أو فعل أو تقرير فإنما هو من الله عز وجل، لا مجال فيه لرأي أو شبهة أو سهو أو غفلة أو تعمد كذب.

قلت: فإذا افترضنا أن أهل البيت (عليه السلام) كانوا هم الأمناء على السنة وهم ورثتها بمقتضى هذه الأحاديث، ونحن مأمورون بالرجوع إليهم باعتبارهم الورثة لها، أفلا ترون أن الباعث الذي دعانا إلى الالتزام بعصمة النبي (صلى الله عليه وآله) ما يزال قائما بالنسبة إليهم، وهو سد فجوات الشك في أن ما يؤدون إنما هو السنة الموروثة، لا آراؤهم الخاصة، ولا ما ينتجه الخطأ والنسيان والسهو وتعمد الكذب.

وإن شئتم أن تقولوا: إن فكرة الإمامة امتدادا لفكرة النبوة وبقاء لها باستثناء ما يتصل بعوالم الاتصال بالسماء من طريق الوحي، فإذا احتاجت النبوة لأداء أغراضها - بحكم العقل - إلى تحصينها بالعصمة، احتاجتها الإمامة لنفس السبب ما دامت الإمامة امتدادا لها من حيث أداء الوظائف العامة كاملة، وأهمها تبليغ السنة وإيصالها إلى الناس.

على أنا في غنى عن هذا النوع من الاستدلال بالعودة بكم إلى مضمون نفس هذه الأحاديث، ليكون استدلالنا بالسنة نفسها على عصمة أهل البيت (عليهم السلام) بدلا من دليل العقل، ولنختر من هذه الأحاديث ما فيه تعميم لجميع أهل البيت (عليهم السلام) كحديث السفينة أو الثقلين، والأفضل أن نتحدث عن: حديث الثقلين للتسالم على صحته عند جل المسلمين، ولوفرة رواته بل ثبوت تواتره، وحسبه أن تصل طرقه لدى الشيعة إلى اثنين وثمانين طريقا، ولدى السنة إلى تسعة وثلاثين (12) وما أظن أن حديثا من الأحاديث التي ادعي تواترها بلغ من وفرة الرواة ما بلغه هذا الحديث.

ثم ما أظن أن كتب الحديث والتأريخ والتفسير على اختلافها قد عنيت بمثل ما عنيت بهذا الحديث، حتى بلغت الكتب التي روته في مختلف العصور المئات وألفت فيه رسائل مستقلة (13).

والظاهر أن سر هذه العناية البالغة بهذا الحديث هو عناية النبي (صلى الله عليه وآله) واهتمامه البالغ به، فقد صدع به في حجة الوداع بعرفة، وفي غدير خم، وبعد انصرافه من الطائف، وفي الحجرة قبيل وفاته، وهكذا.

قال أحدهم: وما نصنع بحديث (وسنتي) لو أخذنا بحديث الثقلين، ولماذا تقدم حديث الثقلين عليه، وهو معارض له.

قلت: إنما نقدم حديث الثقلين لأنه حديث متواتر، ولا أقل من شهرته وصحة طرقه، وعناية الصحاح والمسانيد به، بينما لم يرو حديث وسنتي إلا أفراد محدودون، ورواياتهم لم تخضع لشرائط الاعتبار، لوقوع الإرسال فيها.

وعلى فرض صحتها، فأين موقع المعارضة بين الحديثين، وليس لها منشأ إلا توهم التدافع بين مفهوميهما، وهما لا يخرجان على كونهما من مفهومي العدد واللقب، وكلاهما ليسا بحجة في دفع الزائد، فأي محذور في أن يخلف الكتاب والسنة والعترة، وهو ما يقتضيه الجمع العرفي بينهما.

على أن أحدهما يرجع إلى الآخر، لما سبق أن قلنا من أن أهل البيت لا يأتون بغير السنة، لأنهم ورثتها والمسؤولون عن تبليغها، وكلام أئمة أهل البيت (عليهم السلام) صريح في ذلك، وما أكثر ما تردد مضمون هذا الكلام على السنة قائلهم: حديثي هو حديث أبي، وحديث أبي هو حديث جدي رسول الله، فحديثنا واحد (14).

ورواية السنة لا يمكن الأخذ بها على ظاهرها، لامتناع جعل مصدر تشريعي تسأل الأمة على اختلاف عصورها عن العمل به، وهو لم يدون ولم ينسق على عهده، ولا العهود القريبة منه، لما في ذلك من التفريط بالرسالة وتعجيز المكلفين دون أداء وظائفها كما سبق شرحه. فالظاهر أن الحديثين يعضد بعضهما بعضا، ويؤديان - بعد الجمع بينهما - وظيفة واحدة، مرجعها إلزام المسلمين بالرجع إلى السنة المودعة لدى أهل البيت (عليهم السلام)، وعدم جواز إغفالهم لها.

 قال أحدهم: ومعنى ذلك أنكم لا تأخذون بغير روايات أهل البيت (عليهم السلام)، وتلقون بأحاديث أهل السنة، ولا تعتمدونها؟!

قلت: يا أخي ومن قال ذلك؟! إن السنة حجة على كل حال، ثبتت من طريق أهل البيت (عليهم السلام) أو من طرق غيرهم، شريطة أن تشتمل على ما يوجب الاطمئنان بالصدور، ولكن أهل البيت (عليهم السلام) معصومون عن الخطأ في أدائها، ومستوعبون لكل ما يتصل بها، بحكم هذه الأحاديث التي مرت عليك.

قال: المعروف عنكم أنكم لا تأخذون بأحاديث غير الإمامية، ولا تعتمدونها!!

قلت: لا أعرف مصدرا لهذا القول، كيف وفي كتب الدراية ما يسمى بالحديث الموثق (15) وهو ما كان في طريقه غير إمامي، واعتماد الموثقات عندنا أشهر من أن يتحدث عنه، وحسبك أن تفتح أي كتاب فقهي شيعي لترى مدى الاعتماد عليه، وما أكثر ما اعتمد فقهاء الشيعة على الأحاديث النبوية التي لم يقع في طريقها إمامي واحد إذا ثبتت لديهم وثاقتها، والمقياس في الاعتماد على الحديث عندهم حصول الاطمئنان لديهم بصدوره عن المعصوم نبيا كان أو إماما، من أي طريق حصل، ومزية أهل البيت (عليهم السلام) - كما قلنا - استيعابهم لكل ما يتصل بالسنة وعصمتهم في أدائها. وبتعبير أدل إن الرجوع إلى أهل البيت (عليهم السلام) قاطع للعذر وموقر للحجة، فإذا حصلت الحجة من غير طريقهم لزم الأخذ بها، نعم إذا تعارض كلام أهل البيت (عليهم السلام) مع غيرهم قدم كلام أهل البيت (عليهم السلام)، نقدم كلام المعصوم على غيره للقطع بحجتيه بحكم أدلة العصمة، والشك - على الأقل - في حجية معارضه، والشك في الحجية من أسباب القطع بعدمها، لما ذكر وقرب في الأصول من أن القطع مقوم للحجية، فمع الشك فيها يقطع بعدمها، لعدم توفر عنصر العلم فيها.

قال: وحديث الثقلين أين موقع دلالته من العصمة، وفي أي موقع من فقراته وجدتم ذلك؟

قلت: إن جل فقرات الحديث تدل عليها.

منها: اعتبارهم في الحديث قرناء للكتاب إني قد تركت فيكم الثقلين، أحدهما أكبر من الآخر، كتاب الله وعترتي (16) وحيث أن الكتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكذلك قرناؤه.

ومنها: جعل العصمة للأمة بالتمسك بهم عن الضلالة ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي وفاقد الشيء لا يعطيه، بداهة، وهنا أحب أن أقف قليلا عند هذه الفقرة، لأنبه على ما سبق أن أشرنا إليه من أن الاكتفاء بأحدهما عن الآخر - أعني الكتاب والعترة - لا يكفي في توفير الحجة القاطعة غالبا، حيث اعتبرت العاصمية على الإطلاق للتمسك بهما معا لا بأحدهما، بل وجدت في الضمير العائد على الموصول فيما إن تمسكتم كناية عن تكوينهما وحدة، لا تتحقق المعذرية أو المنجزية في الجميع إلا بها.

والفقرة الثالثة وهي قوله: ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فإنها من أدل ما يمكن أن يساق في هذا المجال عن العصمة.

قال: أحدهم وكيف؟

قلت: أسألك إذا صدر الذنب من العبد، أو سها عن أحد الأحكام، مثلا، فهل هو متفق في حالة سهوه أو عصيانه مع الكتاب، أو مفترق عنه.

قال: بل هو مفترق، لأن الالتقاء لا يكون إلا مع التوافق والانسجام بين الحكم المتبني في الكتاب، والسلوك الذي صدر عنه، ومع المخالفة - مهما كان شأنها - لانسجام بينها ولا وفاق.

قلت: وأضيف إلى ما تفضلتم به أن السهو والغفلة وإن أوجبا لأصحابهما المعذرية شرعا، إلا أنهما لا يمنعاه من صدق الافتراق، لأن الافتراق المعنوي كالافتراق الحسي، مداره ابتعاد أحدهما عن الآخر، فالشخص الذي يقسر على ترك صديقه والابتعاد عنه يصدق عليه الافتراق عنه، وإن كان معذورا في مفارقته، وهكذا من يخالف الكتاب.

وإذا صح هذا، عدنا إلى تذكر ما سبق أن اتفقنا عليه، من مفهوم العصمة التي أوجبناها للنبي (صلى الله عليه وآله) بحكم العقل، وهي استحالة صدور الكذب أو الخطأ أو السهو عليه، في مقام التبليغ، لنسأل على ضوئه هل يجوز وقوع افتراق العترة عن الكتاب لأي سبب كان، وقد أخبر النبي (صلى الله عليه وآله) عن عدم وقوعه بمفاد لن التأبيدية لن يفترقا حتى يردا علي الحوض .

قال: أحدهم وما في ذلك من محذور؟

قلت: أليس في تجويز وقوع الافتراق عليهما تجويز للكذب أو السهو على الرسول (صلى الله عليه وآله) الذي أخبر عن عدم الافتراق - وهو في معرض التبليغ لإلزامه (صلى الله عليه وآله) بالتمسك بهما، وهو ما سبق أن اتفقنا على منافاته لعصمة النبي (صلى الله عليه وآله)، فأهل البيت (عليهم السلام) إذن بمقتضى هذا الحديث معصومون، وبخاصة فقرته الأخيرة.

وما يقال عن هذا الحديث يقال عن حديث السفينة (16) وباب حطة (17) والكثير من نظائرهما.

والواقع يا سيدي أن هذه الأحاديث وأمثالها مما ورد في أهل البيت (عليهم السلام) كانت مبعث حيرة ومعاناة لي في التماس بواعثها، عندما حاولت أكثر من مرة أن أتحلل من رواسب العقيدة، التي درجت عليها في أهل البيت (عليهم السلام)، وأخضعها للمقاييس المنطقية التي أفهمها. وكان أكثر ما يقف أمامي ويلح علي في طلب التفسير هو اختصاص النبي (صلى الله عليه وآله) هذه اللمة من بين أمته، بل من بين أهل بيته بالذات، وفيهم أعمامه وأولاد عمه، ليؤكد كل هذا التأكيد على لزوم اتباعهم والتمسك بهم بالخصوص، ويعتبرهم أعدال الكتاب تارة، وسفن النجاة أخرى، والعروة الوثقى (18) ثالثة، والأمان لأهل الأرض من الاختلاف (19) رابعة، ويختصهم بالتطهير من الرجس، ولا يكتفي دون أن يؤكد ذلك بمختلف صور التأكيد، ويتخذ شتى المحاولات لإبعاد كل من يحتمل في حقه شبهة المشاركة، حتى يبلغ به الحال أن يبعد زوجته أم سلمة - وهي من هي في مقامها من الإيمان والتقوى - عن المشاركة في الدخول تحت الكساء الذي طرحه عليهم، وهو يتلو: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } [الأحزاب: 33] ثم لا يكتفي أيضا دون أن يقف في كل يوم على باب علي وفاطمة (عليهما السلام) في أوقات الصلوات، ليرفع صوته بتلاوته لهذه الآية، وقد أحصيت عليه تسعة أشهر (20) وهو يكررها دون انقطاع. إلى عشرات، بل مئات، من أمثال هذه الأحاديث التي ينهى بعضها عن مخالفتهم، ويحذر من عدائهم وبغضهم، ويلزم باتباعهم وأخذ العلم عنهم، فلا تقدموهم فتهلكوا، ولا تقصروا عنهم فتهلكوا، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم (21).

والصور العقلية التي تصورتها في مجالات التفسير ثلاثة، نعرضها لنختار أمثلها وأكثرها اتساقا، مع ما اتفقنا عليه من إثبات العصمة للنبي (صلى الله عليه وآله) بالمفهوم الذي حررناه في بداية الحديث.

أولاها: الإجمال في كلامه وعدم إعطائه أية دلالة تشريعية، وهذا ما تأباه صراحة النصوص بلزوم اتباعهم والتمسك بهم، والتعلم منهم وإثبات العصمة لهم، وقد مرت نماذج منها قبل قليل، وهي ليست موضعا لنقاش.

الثانية: أن نسلم الدلالة التشريعية، إلا أننا لا نسلم صدورها عن الله عز وجل، بل نعتبرها صادرة عن النبي (صلى الله عليه وآله)، لأسباب عاطفية محضة اقتضتها علقته القريبة بهذا النفر من أهل بيته (عليهم السلام). وهذا النوع من الحمل مما تأباه أدلة العصمة، لأن دخول العاطفة وتحكمها في مجالات التشريع مما يهير فكرة العصمة من أساسها، وأي ذنب أعظم من أن يفتري على الله عز وجل ما لم يقله، مجاراة لعواطفه وميوله وحاشاه.

على أن هذا النوع من الإغراق في العاطفة تجاه نفر معين، مع وجود غيرهم من أهل بيته (عليهم السلام) لو كان له ما يبرره في الواقع النفسي، فليس هناك ما يبرر التعبير عنه - بهذه الأساليب - لمجافاته، لما عرف به النبي (صلى الله عليه وآله) من الخلق العظيم، وهل من الخلق أن يجحف في إبراز عاطفته تجاه نفر معين، ليس فيهم ما يميزهم عن سائر أقربائه، وفيهم من هو أكبر منهم، كالعباس مثلا، أليس في هذا النوع من إبراز العاطفة تحد لهم لا مبرر له، وهو لا يصدر من أقل الناس عادة.

الثالثة: أن نسلم دلالتها التشريعية ونعود بها إلى أسبابها المنطقية، وأهمها ما توقروا عليه من العلم والعصمة، وهذه المحاولات التأكيدية كان مبعثها تركيز هذا المعنى في النفوس وترويضها لتقبله... فإذا امتنع الفرض الأول لصراحة النصوص، وامتنع الثاني لأدلة العصمة في النبي (صلى الله عليه وآله) تعين الأخذ بالفرض الثالث والتعبد به.

قال أحدهم: وهل كانت هذه الصفات - أعني العلم والعصمة - واضحة لدى معاصريهم، أي أن واقعهم التأريخي هل ينسجم مع ما يفهم من هذه النصوص.

قلت: هذا أهم سؤال يمكن أن يوجه - يا أخي - لأنه يفتح أمامنا مجال التطوير في الإجابة على أمثال هذا النوع من الاستدلال.

فقد كان نوع الباحثين في الشؤون العقائدية، عند ما يريدون أن يتحدثوا أو يستدلوا على أية مسألة من مسائل الفكر التي ترتبط بشؤون العقيدة فإنما يتحدثون عما يجب أن يكون ولا يفكرون فيما هو كائن، وإذا فكروا فيه فإنما يفكرون في إخضاع ما هو كائن لما يجب أن يكون. ولست أعرف فيهم من حاول تقييم أدلته على أساس من عرضها على الواقع المحسوس - فيما يكون له واقع محسوس منها، ويلتمسون مدى انسجامها معه، ثم ينطلقون من وراء ما ينتهون إليه إلى الحكم على صحة الدليل وعدمه.

وقد كانت لي محاولة - عندما كنت مدرسا لمادة التأريخ الإسلامي - في كلية الفقه - أن أجعل من وسائل النقد المضموني لبعض الأحاديث عرضها على طبيعة زمنها، ثم بيئتها، ثم الشخص الذي قيلت فيه، فإن انسجمت معها جميعا أمنت بصحتها، إذا لم يكن في أسانيدها ما يوجب التوقف. وكأنك - يا أخي - تريد أن تشير إلى نفس هذا المقياس في إيمانك بهذه الأحاديث. ومثل أدلة عصمة أهل البيت (عليهم السلام) آيات وأحاديث إذا كان فيها مجال لتردد ما من قبل بعض من عاصروا ولادتها، حيث أنها افترضت في الأئمة واقعا لم يخضع إذ ذاك لتجربة كاملة، فهي أشبه بالتحدث عن عوالم الغيب، فلا يقتضي أن يظل التردد قائما بعد أن أخذ الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) واقعا تاريخيا عرضهم في مختلف مجالات السلوك والمعرفة، وبوسع الباحث أن يقطع تردده بدراسة سيرهم، والحكم لهم أو عليهم، على ضوء ما ينتهي إليه. والشئ الذي وددت التنبيه عليه أن التأريخ لم يكن في يوم ما ملكا لهم ولشيعتهم وأتباعهم يسيرونه كيفما يريدون، وإنما كان - كشأنه في أي عصر - ملكا للفئة الحاكمة تسيره كيف ما تريد.

ونحن نعلم أن أهل البيت (عليهم السلام) كانوا يشكلون في جميع أدوار حياتهم جبهة المعارضة للسلطة الزمنية، المعارضة الشريفة التي لا يمكن أن تهادن على منكر تراه، كما لا تبخل في إرسال كلمة معروف في مشورة أو سلوك.

وكانت السلطة تعلم منهم ذلك وتحسب له حسابه وربما حسبت له أكثر من حسابه، فاتخذت له الحيطة الكاملة، وكثيرا ما تستبد بها الأوهام والظنون فتوسع في تخيلاتها إلى أن هذا البيت ما يزال يعد عدته للعمل على الاستيلاء على السلطة والنهوض بالحكم، وهم يعلمون أن الحكم حق من حقوقه المفروضة. وكان من وسائل الحيطة التي اتخذتها السلطات على اختلافها محاربة شيعتهم وأتباعهم، وضرب نطاق الحصار الاقتصادي عليهم، ومنع وصول الحقوق والأموال إليهم جهد ما يستطيعون، وجعل العيون والرقباء لإحصاء حتى عدد أنفاسهم، وربما توسعوا فحملوا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إلى عواصمهم ليكونوا تحت الرقابة المباشرة، وقد يدخلونهم السجن، ليحولوا بينهم وبين ما يتخيلونه من نشاط وقد أنهت حياة أكثرهم بالاغتيال والقتل. وبالبداهة إن فكرة العصمة والأعلمية كانتا من أهم الركائز لفكرة التشيع منذ وجد التشيع لأهل البيت (عليهم السلام) وكان أهل البيت أنفسهم يصرحون بذلك، ومن الطبيعي أن يبعث هذا النوع من التصريح الحزم واليقظة في مدوني التأريخ لتسليط الأضواء على كل ما يتصل بحياتهم الخاصة أو العامة، العثور على شيء من التناقضات بين واقعهم، وما يدعون، لتكون أهم وثيقة بيد السلطة للإجهاز بها على جبهة المعارضة والقضاء عليها بسهولة، وما أيسر الاختلاق لو كان هناك مجال لتزيد واختلاق، ولكن التأريخ - وهو ملك أيديكم فعلا وبوسعكم تتبع أحداثه لم يحتفل - فيما قرأت منه - بتسجيل حادثة واحدة على أحد من أئمة أهل البيت الاثني عشر (عليهم السلام) تتنافى مع دعوى العصمة أو الأعلمية. وهناك شيء - وددت التنبيه عليه - وقد سبق أن نبهت عليه في مبحث سنة أهل البيت (عليهم السلام) من كتاب الأصول العامة للفقه المقارن (22) التمست تفسيره الطبيعي فلم أعثر عليه، وعسى أن يعثر سادتي على تفسير طبيعي له - وهو تولي بعض الأئمة منصب الإمامة وهم صغار السن، بل كان بعضهم لا يزيد على العشر سنوات حين توليه لمنصبها الخطير. ونحن نعلم أن ابن ثمان أو عشر مثلا مهما بالغنا في إعطائه صفة النبوغ والعبقرية، وأحطناه بالبيئة الصالحة والتربية السليمة، فإننا لا نستطيع أن نوفر له صفة الاستيعاب لمختلف مجالات المعرفة، وهي المدعاة لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، أو صفة العصمة عن ارتكاب كل ما يتنافى مع أحكام الشريعة مهما كانت المغريات، لاستحالة أن يتسع الوقت لذلك، ولقصورنا نحن عن مجالات الاستيعاب. وقد تولى الإمامان الجواد والهادي (عليهما السلام) الإمامة وهما ابنا ثمان، وكانت المعارضة في عهدهما للحكم على أشدها، حتى اضطرت المأمون أن يظهر التنازل عن الحكم للإمام الرضا (عليه السلام) والد الجواد، حتى إذا أبى عليه ألزمه بقبول ولاية العهد كسبا لعواطف الملايين من شيعته، ثم عمد إليه بعد ذلك فقتله بالسم لئلا ينتهي الحكم إليه. وكانت أقصر الطرق وأيسرها للقضاء على المعارضة لو كان هناك مجال أن يعمد الحكام إلى هذين الإمامين الصغيرين فيعرضونهما إلى شيء من الامتحان العسير في بعض وسائل المعرفة أو السلوك، ثم يعلنون أمام الرأي العام عن سخف الشيعة التي ما تزال تؤمن بفكرة الإمام المعصوم، وقد ولت عليها أئمة صغارا هم بهذا المستوى من المعرفة (23) أو الانحراف والعياذ بالله.

وأظن أن القضاء على فكرة التشيع بإعلان فضيحتهم من هذه الطريق أجدى على الحكام من تعريض أنفسهم لحرب قد يكونون هم من ضحاياها.

وهؤلاء الأئمة لو كانوا في زوايا تحجبهم عن أعين النظار، وكان لا يمكن الوصول إليهم إلا من طريق أتباعهم لأمكن أن يبالغوا في إضفاء المناقبية عليهم، كما هو الشأن في بعض أئمة الإسماعيلية والباطنية، فكيف وهم مصرحون بعقائدهم ومبادئهم وسلوكهم أمام الرأي العام، وبمرأى من السلطة ومسمعها، وما لنا نطيل ونحن نعلم أن دعوى استيعاب المعرفة لا يمكن أن يثبت عليها إنسان متعارف مهما كان له من العلم والسن، لأن مجالاتها أوسع من أن يحيط بها عمرنا الطبيعي، والامتحان كفيل بإحباط كل دعوى من هذا القبيل، ومثلها دعوى العصمة بل أشد منها لتحكم كثير من العوامل اللاشعورية - وهي غير منطقية في سلوك الإنسان. وهاتان الدعويان كانتا شعارا لأهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم نسمع بتسجيل حادثة واحدة تتعارض مع طبيعة ما ادعياه فيهما. وما أكثر ما حفل التأريخ بتعريض هؤلاء الأئمة كبارا وصغارا لأشق أنواع الامتحان من قبل السلطة وأقطاب مخالفيهم من العلماء، وبخاصة مع الإمام الجواد مستغلين صغر سنه.

وما رأيك بأمثال يحيى بن أكثم - ومن هو من أكابر علماء عصره – عندما يأمره الخليفة بإعداد أعقد المسائل وأخفاها، ثم يتعرض بها لطفل لا يتجاوز عمره العشر، فهل ينتظر أن يخرج الطفل معافى من هذا الامتحان؟ إقرأ بعض هذه المحاورات في الصواعق المحرقة (24) لابن حجر وغيرها (25)، وانظر تصاغر السائل فيها أمام هذا الطفل الصغير والتماس تفسيرها الطبيعي. قال أحدهم: أتظن أن هذا غير طبيعي، وعيسى بن مريم (عليه السلام) كان أصغر منه عندما بعث نبيا، والقرآن صريح في ذلك؟!

قلت: يا سيدي وهذا ما تقول به الشيعة، ولكن بعثة عيسى (عليه السلام) وهو بهذه السن هل تملك تفسيرها الطبيعي. الحقيقة يا سيدي - أن قضايا الدين لا تخضع دائما للمتعارف من المقاييس، فمن آمن بالدين آمن بكل ما يأتي به من شؤون الغيب، وإن خرج على ما لديه من تجارب ومقاييس.

وأخبار العصمة والأعلمية - بعد ثبوتها بالضرورة عن النبي (صلى الله عليه وآله) فإنها تصلح أن تكون من أعظم دلائل النبوة لصدقها في الأخبار عن عوالم الغيب، وبخاصة لأمثالنا من الناس الذين أدركوا صدقها وتحققت لديهم مضامينها، بعد أن أخذ أهل البيت (عليهم السلام) واقعا تاريخيا محسا لدى الجميع، رسمت أمثال هذه الأحاديث أهم خطوطه عندما قالت: إني تركت فيكم الثقلين ما أن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا على الحوض (26).

ثم قلت - وقد أوشكت الشمس أن تغرب -: لقد أخذت من أوقاتكم كثيرا، وأفسدت عليكم نزهتكم في الإسكندرية لكثرة كلامي، فاسمحوا لي أن نؤجل الحديث في بقية الأدلة على العصمة إلى جلسة أخرى إن أمرتم.

قال أحدهم: بالعكس، لقد كانت هذه الجلسة من أثرى ما مر علينا من جلسات، لما دار فيها من حوار علمي مفيد.

قلت: ولكن لي سؤال أحببت أن أوجهه إلى الأخوين الجزائري والصومالي، هل فيما سمعتم من عقائد إخوانكم ما لا يسر سماعه، أو قل ما يتنافى من مبادئ الإسلام؟

قالوا: كلا، إنما هو من الإسلام وضمن إطاره العام، والخلاف فيه لا يتجاوز الخلاف في كل مسألة اجتهادية تقع ضمن نطاق تعاليمه المقدسة.

قلت: هذا يكفينا فعلا، ولا يضرنا بعد ذلك أن نختلف، ولكم بعد هذا أن تتأملوا في نتائج ما انتهى إليه الحديث وتواجهونا بملاحظاتكم عليه في جلسة أخرى إن رأيتم فيه ما يوجب ذلك.

قال أحدهم: دعنا نتأمل.

وافترقنا ونحن أكثر إلفة واحتراما لبعضنا من ذي قبل (27).

_________________

(1) هو: العلامة الكبير الحجة المحقق السيد محمد تقي بن السيد محمد سعيد الحكيم رعاه الله وسدده، ولد في النجف الأشرف سنة 1341 ه‍ - 1922 م درس الفقه والأصول عند كبار الفقهاء والأساتذة في النجف أمثال: السيد الحكيم، والسيد الخوئي، والشيخ حسين الحلي قدس الله أسرارهم، ومن خدماته، سعيه الدؤوب في تطوير جامعة النجف الدينية، وإنجاح مشروع منتدى النشر الإسلامي آنذاك، ومراكز الدراسات العليا آنذاك، كما عنى بالدراسات الحديثة والعلوم المختلفة، وساهم في المؤتمرات العلمية الإسلامية بشكل ملحوظ مما أعطى فيها دورا هاما في التعريف بالفكر الشيعي، كما تولى أيضا مهمة التدريس في كلية الفقه وعمادتها، ومن مؤلفاته القيمة: 1 - الأصول العامة للفقه المقارن 2 - دراسة عن الزواج المؤقت 3 - كتاب سنة أهل البيت (عليهم السلام) ومواضيع أخرى 4 - كتاب شاعر العقيدة 5 - مالك الأشتر 6 - الترادف والاشتراك. استفدنا هذه الترجمة من كتاب (ثمرات النجف، القسم الأول السيد محمد تقي الحكيم في حياته وعطائه ج 3).

(2) الإسكندرية: مدينة في مصر، وميناء على المتوسط، مركز تجاري وثقافي، نقطة مواصلات بحرية وبرية، ومركز صناعي هام، قيل أسسها الإسكندر الكبير (332 ق. م) فهي إحدى ثلاث عشرة مدينة بناها الإسكندر وسماها باسمه وهي أشهرها، اشتهرت بمكتبتها ومنارتها (132 م) كما اشتهرت بمدرستها الفلسفية بين أوائل القرن الثالث، فتحها العرب (642) واستولى عليها الأتراك (1516) راجع: مراصد الاطلاع: ج 1 ص 76، المنجد (قسم الأعلام).

(3) القاهرة: عاصمة جمهورية مصر العربية، أكبر مدينة في إفريقيا والعالم العربي، مركز ثقافي وحضاري هام فيها: الجامع الأزهر، وجامعة القاهرة، وجامعة عين شمس، والمتحف المصري (آثار الحضارة الفرعونية) المتحف القطبي والمتحف الإسلامي، وقلعة محمد علي، كما تعد مركزا صناعيا وتجاريا هاما، وقيل إن الذي أسسها هو جوهر الصقلي القائد الفاطمي، كما زينها الفاطميون بالمباني الفخمة من قلاع وجوامع ومدارس ومقامات، والتي منها مقام السيدة زينب بنت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والذي يقصده إلى الآن محبوا آل البيت (عليهم السلام) من شتى الأقطار، راجع: المنجد (قسم الأعلام).

(4) الأحكام في أصول الأحكام لابن حزم، ج 1 ص 111.

(5) مجمع الزوائد: ج 9 ص 168، الصواعق المحرقة: ص 152.

(6) مجمع الزوائد: ج 9 ص 168، الصواعق المحرقة: ص 152.

(7) تقدمت تخريجاته.

(8) تقدمت تخريجاته.

(9) كنز العمال: ج 11 ص 614 ح 32981، كشف الخفاء للعجلوني: ج 1 ص 236.

(10) كنز العمال: ج 9 ص 167 ح 25554، العلل المتناهية لابن الجوزي: ج 1 ص 219، تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر: ج 6 ص 203.

(11) كنز العمال: ج 9 ص 617 ح 25554 وص 170 ح 25555.

(12) راجع: إحقاق الحق وإزهاق الباطل للتستري: ج 9 ص 309 - 375.

(13) من الرسائل التي ألفت فيه رسالة أصدرتها دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بمصر، وفيها عرض لطرقه وأسانيده على اختلافها، ومنها رسالة للمرحوم الحجة (الشيخ محمد حسين المظفر) باسم (الثقلان).

(14) روي عن هشام بن سالم وحماد بن عثمان وغيرهما قالوا: سمعنا أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: حديثي حديث أبي، وحديث أبي حديث جدي، وحديث جدي حديث الحسين، وحديث الحسين حديث الحسن، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عز وجل. راجع: بحار الأنوار: ج 2 ص 178 ح 28.

(15) وقد عرفه علماء الدراية بما إذا كان راويه قد نص على توثيقه، وإن كان مخالفا في عقيدته للإمامية، وإن كان من الشيعة الواقفة، وقد عرفه بعضهم هو: ما رواه العدل غير الإمامي، الموثوق بنقله، المعلوم من حاله التحرز عن الكذب، والمواظبة على الحديث على ما هو عليه، وقال الشهيد الثاني: سمي بذلك - أي الموثق - لأن راويه ثقة، وإن كان مخالفا، وبهذا فارق الصحيح، مع اشتراكهما في الثقة، ويقال له: القوي أيضا لقوة الظن بجانبه بسبب توثيقه. راجع: الرعاية في علم الدراية للشهيد الثاني: ص 84، نهاية الدراية في شرح الوجيزة للسيد حسن الصدر: 264.

(16) تقدمت تخريجاته.

(16) و(17) تقدمت تخريجاتهما.

(18) بحار الأنوار: ج 10 ص 353 ح 1 وص 361 ح 2، وج 16 ص 130 ح 64.

(19) فقد روي عنه (صلى الله عليه وآله) أنه قال: النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون، بحار الأنوار: ج 23 ص 19 ح 14.

(20) بحار الأنوار: ج 25 ص 233 ح 20، وج 35 ص 207 ح 2.

(21) مجمع الزوائد: ج 9 ص 164، بحار الأنوار ك ج 66 ص 17 ح 3 وج 24 ص 465 ح 16.

(22) راجع: الأصول العامة للفقه المقارن للسيد محمد تقي الحكيم: ص 181 - 189.

(23) وقد شهد لهم حتى أعدائهم بأنهم من أهل بيت زقوا العلم زقا ولم يخف عليهم علم من العلوم كما شهد لهم بجدارتهم وأهليتهم لإمامة الناس كل من ناظرهم وحاورهم مستفهما كان أو متعنتا حتى الخلفاء والحكام شهدوا لهم بذلك، فهذا المأمون العباسي بعدما قرب الإمام الجواد (عليه السلام) إليه واختاره على كافة أهل الفضل مع صغر سنه جاء إليه جماعة من العباسيين وقد غاضهم أمر الجواد (عليه السلام) فأنكروا على المأمون فعله وأشاروا عليه بتبعيده وصرف النظر عنه، واحتجوا بأنه صبي لا معرفة له ولا فقه، حتى آل أمرهم إلى امتحانه واختباره، وعمدوا إلى عالمهم يحيى بن أكثم كي يلقي إليه مسألة من فقه الشريعة لا يهتدي إلى جوابها!! ووعدوه بأموال نفيسة في ذلك إن انتصر عليه، فاجتمعوا في مجلس المأمون، وكانوا لا يشكون في انتصار يحيى بن أكثم على الإمام الجواد (عليه السلام) لجهلهم به، فما كان من أمر يحيى في ذلك المجلس أن ألقى إلى الإمام (عليه السلام) سؤالا زاعما أنه ملجمه به قائلا: ما تقول في محرم قتل صيدا؟ فما كان من جواب الإمام له أن ابتداءه قائلا (عليه السلام): قتله في حل أو حرم؟ عالما كان المحرم أو جاهلا؟ قتله عمدا أو خطأ؟ حرا كان المحرم أو عبدا؟ صغيرا كان أم كبيرا؟ فراح يعدد عليه الإمام فروض المسألة، فتحير يحيى بن أكثم وبان في وجهه العجز والانقطاع، وتلجلج حتى عرف أهل المجلس عجزه وانكساره أمام هذا الصبي الذي يزعمون أنه لا معرفة له بالفقه، حتى أخذ يبين لهم ما جهلوه من فروض هذه المسألة ولما انتهى من الجواب طلب منه المأمون العباسي أن يسأل يحيى عن مسألة كما سأله، فأخذ يسأله ويحيى يقول: ذلك إليك جعلت فداك! فإن عرفت جواب ما تسألني عنه وإلا استفدته منك؟ فألقى إليه مسألة لم يهتد ولن يهتد إلى جوابها! فطلب من الإمام أن يبين له ويشرح ما خفي عليهم من مسألته، ولما انتهى الإمام (عليه السلام) من كلامه وكلهم إذن صاغية لمتكلم هو أصغر منهم سنا، التفت إليهم المأمون قائلا لهم: ويحكم! إن أهل هذا البيت خصوا من الخلق بما ترون من الفضل، وإن صغر السن فيهم لا يمنعهم من الكمال، أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) افتتح دعوته بدعاء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) وهو ابن عشر سنين، وقبل منه الإسلام وحكم له به، ولم يدع أحدا في سنه غيره، وبايع الحسن والحسين (عليهما السلام) وهما دون الست سنين، ولم يبايع صبيا غيرهما؟ أولا تعلمون الآن ما اختص الله به هؤلاء القوم؟ وأنهم ذرية بعضها من بعض، يجري لآخرهم ما يجري لأولهم؟! فقالوا: صدقت. (راجع: الإحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 469 - 476، نور الأبصار للشبلنجي: ص 177 - 178، تذكرة الخواص لسبط بن الجوزي: ص 359، الإرشاد للمفيد: 319 - 323.

(24) الصواعق المحرقة لابن حجر: ص 206.

(25) الإحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 443 - 444، بحار الأنوار: ج 5 ص 73.

(26) تقدمت تخريجاته.

(27) ثمرات النجف للسيد محمد تقي الحكيم: ج 3 ص 169 - 190، عن مجلة الأيمان السنة الأولى، عدد 9 و10، محرم وصفر لعام 1384 ه‍ 1964 م.

 




مقام الهي وليس مقاماً بشرياً، اي من صنع البشر، هي كالنبوة في هذه الحقيقة ولا تختلف عنها، الا ان هنالك فوارق دقيقة، وفق هذا المفهوم لا يحق للبشر ان ينتخبوا ويعينوا لهم اماماً للمقام الديني، وهذا المصطلح يعرف عند المسلمين وهم فيه على طوائف تختصر بطائفتين: طائفة عموم المسلمين التي تقول بالإمامة بانها فرع من فروع الديني والناس تختار الامام الذي يقودها، وطائفة تقول نقيض ذلك فترى الحق واضح وصريح من خلال ادلة الاسلام وهي تختلف اشد الاختلاف في مفهوم الامامة عن بقية الطوائف الاخرى، فالشيعة الامامية يعتقدون بان الامامة منصب الهي مستدلين بقوله تعالى: (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) وبهذا الدليل تثبت ان الامامة مقام الهي وليس من شأن البشر تحديدها، وفي السنة الشريفة احاديث متواترة ومستفيضة في هذا الشأن، فقد روى المسلمون جميعاً احاديث تؤكد على حصر الامامة بأشخاص محددين ، وقد عين النبي الاكرم(صلى الله عليه واله) خليفته قد قبل فاخرج احمد في مسنده عن البراء بن عازب قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا بغدير خم فنودي فينا الصلاة جامعة وكسح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين فصلى الظهر وأخذ بيد علي رضى الله تعالى عنه فقال ألستم تعلمون اني أولى بالمؤمنين من أنفسهم قالوا بلى قال ألستم تعلمون انى أولى بكل مؤمن من نفسه قالوا بلى قال فأخذ بيد علي فقال من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه قال فلقيه عمر بعد ذلك فقال له هنيئا يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة


مصطلح اسلامي مفاده ان الله تعالى لا يظلم أحداً، فهو من كتب على نفسه ذلك وليس استحقاق البشر ان يعاملهم كذلك، ولم تختلف الفرق الدينية بهذه النظرة الاولية وهذا المعنى فهو صريح القران والآيات الكريمة، ( فلا يظن بمسلم ان ينسب لله عز وجل ظلم العباد، ولو وسوست له نفسه بذلك لأمرين:
1ـ تأكيد الكتاب المجيد والسنة الشريفة على تنزيه الله سبحانه عن الظلم في آيات كثيرة واحاديث مستفيضة.
2ـ ما ارتكز في العقول وجبلت عليه النفوس من كمال الله عز وجل المطلق وحكمته واستغنائه عن الظلم وكونه منزهاً عنه وعن كل رذيلة).
وانما وقع الخلاف بين المسلمين بمسألتين خطرتين، يصل النقاش حولها الى الوقوع في مسألة العدل الالهي ، حتى تكون من اعقد المسائل الاسلامية، والنقاش حول هذين المسألتين أمر مشكل وعويص، الاولى مسالة التحسين والتقبيح العقليين والثانية الجبر والاختيار، والتي من خلالهما يقع القائل بهما بنحو الالتزام بنفي العدالة الالهية، وقد صرح الكتاب المجيد بان الله تعالى لا يظلم الانسان ابداً، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا * فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا).

مصطلح عقائدي، تجده واضحاً في المؤلفات الكلامية التي تختص بدراسة العقائد الاسلامية، ويعني الاعتقاد باليوم الاخر المسمى بيوم الحساب ويوم القيامة، كما نص بذلك القران الحكيم، وتفصيلاً هو الاعتقاد بان هنالك حياة أخرى يعيشها الانسان هي امتداد لحياة الانسان المطلقة، وليست اياماً خاصة يموت الانسان وينتهي كل شيء، وتعدّت الآيات في ذكر المعاد ويوم القيامة الالف اية، ما يعني ان هذه العقيدة في غاية الاهمية لما لها الاثر الواضح في حياة الانسان، وجاء ذكر المعاد بعناوين مختلفة كلها تشير بوضوح الى حقيقته منها: قوله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) ،وهنالك آيات كثيرة اعطت ليوم القيامة اسماء أخرى كيوم القيامة ويوم البعث ويوم النشور ويوم الحساب ، وكل هذه الاشياء جزء من الاعتقاد وليس كل الاعتقاد فالمعاد اسم يشمل كل هذه الاسماء وكذلك الجنة والنار ايضاً، فالإيمان بالآخرة ضرورة لا يُترك الاعتقاد بها مجملاً، فهي الحقيقة التي تبعث في النفوس الخوف من الله تعالى، والتي تعتبر عاملاً مهماً من عوامل التربية الاصلاحية التي تقوي الجانب السلوكي والانضباطي لدى الانسان المؤمن.