المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



منزلة الشعراء عند الخلفاء والأمراء  
  
3710   02:50 صباحاً   التاريخ: 24-03-2015
المؤلف : جرجي زيدان
الكتاب أو المصدر : تاريخ آداب اللغة العربية
الجزء والصفحة : ج1، ص357-358
القسم : الأدب الــعربــي / الأدب / الشعر / العصر العباسي /

كان الخلفاء والامراء يقربون الشعراء في كل عصر. اما الامويون فكانوا يقربونهم في أول الأمر لأغراض سياسية، ثم فعلوا ذلك تلذذا بالشعر وآدابه. وربما استقدموا الراوية من العراق الى الشام ليسألوه عن معنى بيت او من قاله، كما فعل هشام بن عبد الملك في استقدام حمادة الراوية (1).

اما في العصر العباسي فكان الغرض الغالب من تقريب الشعراء رغبة الخلفاء والامراء في الادب. وكثيراً ما كانت تعقد مجالس الشعراء لغرض ادبي كوصف منظر او اداة، كما فعل الهادي اذ استقدم الشعراء إليه واقترح عليهم ان يصفوا سيفاً أهداه إليه المهدي وهو سيف عمرو بن معدي كرب. فوضع السيف بين يديه، وقال للشعراء صفوه .. فنال الجائزة ابن يامين البصري (2).

وكان الرشيد من أكثر الخلفاء بحثا في الشعر وقائليه، فقد سأل أهل مجلسه مرة عن صدر هذا البيت: (ومن يسأل الصعلوك اين مذاهبه). فلم يعرفه أحد.. وكان الاصمعي مريض لا يقدر على المجيء، فأرسل إليه اسحق الموصلي وبعث معه الف دينار لنفقته، فجاء الجواب ان البيت من قصيدة لأبي النشناش النهشلي وهذا صدره:

وسائلة ان الرحيل وسائل      ومن يسأل الصعلوك اين مذاهبه (3)

وكثيرا ما كان الرشيد يعقد المجالس للبحث في معنى بيت. وقد سأل أهل مجلسه يوما عن معنى هذا البيت:

قتلوا ابن عفان الخليفة محرما       ورعاً فلم ار مثله مخذولا

وكان في المجلس الكسائي والاصمعي، فطال الجدال بينهما والخليفة يسمع (4) وأعطى الرشيد الفضل خاتما قيمته 1600 دينار مكافأة على أحسن بيت قالته العرب في الذئب (5) والمأمون ولى ابن الجهم البرمكي ولاية من اجل بيت طلبه منه واشترط عليه ذلك (6).

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تاريخ التمدن الإسلامي ج3

(2) المسعودي ج2

(3) المزهر ج1

(4)المزهر ج1

(5) النجوم الزاهرة ج1

(6)الأغاني ج13

 

 

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.