أقرأ أيضاً
التاريخ: 1-10-2019
1278
التاريخ: 15-12-2019
838
التاريخ: 24-03-2015
1898
التاريخ: 2-10-2019
2979
|
الخير والشرّ خصمان متنافسان لا يفتآن يتصارعان في نفوس البشر وأهوائهم وتصرفاتهم، فإذا غلب الشرّ على الخير باتت النفس البشرية خربة عفنة لا تكاد تسيغ نفسها لو عرفت حقيقة أمرها.
ولقد بنى شفيق معلوف نظرته إلى الإنسان على أساس الشرّ الذي هو أصل فيه، لذلك لو نظر الإنسان إلى نفسه لعرف حقيقة الشرّ الكامن فيها. يقول:
فقُمْ وخُضْ لجّةً ديجورِها ... واعملْ على تمزيق جلبابِها
قُمْ فترى كيفَ شياطينُها ... تُطِلّ من عينيكَ في بابها
وكيفَ منْ فيكَ ثعابينُها ... تنسلُّ من فوُهةِ سردابها (1)
وقد جعل ذلك مبرراً لنفور الجن من الإنسان، ولاستعاذة عرافة عبقر من شرّه، فيقول:
فانتفضتْ والجنّ من حولها ... أجفلنَ وارفضضْنَ بين الشجر
ودمدمَتْ سُخطاً وقد هالها ... أنْ يُقْلِقَ الأرواحَ مرأى البَشَرْ(2)
وتأخذ صورة الصراع منحىً آخر لدى شاعر لا يرى الشرّ في نفس الإنسان، بل يراه في معتقداته وغيبيّاته التي يؤمن بها فالخير والشرّ لديه هما العلم والدين. فالعلم هو الخير وقوتّه التي لا تملك إلا العقل والضمير الحيّ، أمّا قوى الدين (الغيب) فيمثّلها منذ البداية منكر ونكير، ثمّ يمثّلها في الجحيم جيش الملائكة بقيادة عزرائيل، وجيش الخير يمثّله العلماء والمفكرون والشياطين.
ولعلّ في انتصار الزهاوي لجيش أهل الجحيم انتصاراً لقوى الخير، في زعمه، على قوى الشرّ، فالدين وغيبيّاته لا تأتي بالنفع على أحد فيما يقدّمه المرء لمجتمعه من خير، فيقول:
إنّما قدْ سألتُما عن أمورٍ ... هي ليسَتْ تُغني وليسَتْ تضيرُ
ولماذا لَمْ تسألا عنْ ضميري ... والفتى من يعفُّ منهُ الضّميرُ
ولماذا لمْ تسألا عنْ جهادي ... في سبيل الحقوقِ وهو شهيرُ
ولماذا لَمْ تسألا عنْ ذيادي ... عَنْ بلادي أيامَ عزّ النّصيرُ
ولماذا لَمْ تسألا عَنْ وفائي ... ووفائي لمَنْ صحبْتُ كثيرُ
ولماذا لَمْ تسألا عنْ مساعيّ ... م ... لإبطالِ الشرّ وهو خطيرُ(3)
ويبدو الخطأ قائماً في صلب تفكير الزهاوي، لأن الدين عنده مصدر شرور وتسلط وظلم، بخلاف ما هو عليه حقيقة، فهل الدين لا يحثّ على الصدق والجهاد والخير والوفاء والإخلاص..؟!
وتأخذ جدلية الصراع بين الخير والشرّ طابعاً رومانتيكياً عند فوزي معلوف ومحمد حسن فقّي. إذ يمثّل الإنسان الشرّ لدى فوزي معلوف في مطوّلته (على بساط الريح) فهو الذي استعمر أرضه وشرّده منها، وهو الذي يمتصّ عرقه وقوّته في مهجره، أمّا عنصر الخير فتمثّله الطبيعة هذه الأمّ الرؤوم الحنون على ابنها الشاعر.
وسرعان ما أنكرت الطيور والنجوم والأرواح هذا البشر الذي شقّ أديم مملكتها السماوية لظنها السوء به كأي إنسان آخر من البشر، فيقول:
أنا عَن وصْفِ شرّهِ عاجِزٌ و ... اللهِ مَهما أفضْتُ في تِبيانِهْ
ما دَعوهُ الإنسانَ من إنسهِ لـ ... كِنْ دَعوهُ الإنسانُ مِن نسيانِهْ
نسيَ الخيرَ حينَ أوغلَ في الشّرِّ ... ... فداسَ الضميرَ في عِصيانِهْ
ملأتْ قَلبَه الأفاعي فَلا يُسْـ ... معُ غيرُ الفحيحِ في خَفقانِهْ
حَسَدٌ نَاهِشٌ بقيّةَ ما في ... نفسهِ من إبائِهِ وحنانِهْ(4)
ولكنّ الشاعر في النهاية هو غير بقيّة البشر الذين يعيشون معه ويتصفون بهذه الصفات لأنّ روح الشعر تخلّصه من النقص والشرور وترتفع به فوق مقام الإنسان ابن الخطيئة، وهذا يعني أن الشعر عند المعلوف هو الخلاص، إذ يرقى به الإنسان ويتخلّص من نزعة الشرّ لديه، والشاعر بذلك كلّه ينمّ عن نزعة رومانتيكية واضحة.
وتقوم رؤية الفقّي على أساس هذا الصراع بين الخير والشرّ من خلال بُعد خيالي فالشرّ يصول على الخير فيغادره صريعاً، ويحوّل العالم إلى مسخ من الشرّ العقيم فيمدّ للمجرم في إجرامه ويمنع أهل الإيمان من إيمانهم، فيؤلّه الناس الطواغيت، فإذا ما دارت على الشرّ الدوائر نسي أعوانه وأهله وتنكّر لهم، في حين ينتصر الخير للحلم والصبر والأناة والرحمة قبل كلّ شيء فلا يعاقب الشرّ بالشرّ وإنمّا يتركه وشأنه فيكفيه -أي الشرّ-ما فيه من شرور لتأوي إلى وحشته وأطلاله كلّ الرذائل وغربان الآثام وبوم الأحزان. ثمّ يوضّح هذه الرؤية على طريقة فوزي معلوف بوساطة الطبيعة، فيختار الطيور المرتبطة بالبراءة والرقة والسمو ويجعل-على ألسنتها-رؤيته لأولئك الناس الذين غلبت عليهم شرورهم وزيفهم وخداعهم، في حين لا تعرف الطبيعة شيئا ًعن هذه الطباع، يقول:
الزّيفُ في النّاسِ وأمّا هُنا ... فالطّيرُ لا يخدَعُ إِخوانَهُ(5)
ثمّ ترتقي شخصيات الخير من الطير إلى الملائكة -بما اشتهر عنهم من طهر-لأنّهم العباد المقرّبون للحضرة الإلهية، والإخلاص في العبادة هو الذي يرفع إلى المقامات السنيّة، فيقول:
ورأيْتُ الأملاكَ تَهفُو إلى اللهِ ... وتفضي إلى السّنا العبقريّ
وسمعتُ اللّحنَ السّماويّ يَشدُو ... بالتّسابيحِ مِن فمٍ علويّ(6)
وتتفق رؤية الفقّي للشاعر مع رؤية فوزي معلوف، فالشاعر عنده رمز للخير وهو بريء من آثام الإنسان وشروره، بفضل ما أوتي من شعر، يرفعه إلى مصاف الأنبياء، وإن كان قد جبل من ماء وطين، فيقول:
وسَيلقَى هُنا الكرامةَ ما ظلَّ ... م ... فإنّي الحفيّ بالشّعراءِ
إنّ في طبعهِ نُزوعا إلى الرّشـ ... دِ يقيهِ إذا أضّلَّ السّبيلا
هُو كفلٌ مِن النّبوّةِ لَولا ... أنّني ما اتخذتُ منهُ رسُولا(7)
أمّا (القيامة) لعبد الفتاح القلعجي فقد كانت تتويجاً للصراع بين الخير والشرّ، فالشرّ تنمر في الأرض وصار له دولة وسلطان، وغدت رموزه واضحة، هذه الرموز التي دفعت عقارب الساعة سريعاً حتّى ساعة اختصار الكون، هذه الساعة أو مقدّمات القيامة كانت إكليل الغار الذي تُوّج به الشرّ في انتصاره على الخير، فيقول:
ثمّ تمطّى الشّرّ
ولوى الدّهرُ عِنانَ حِصانِهْ
نحوَ حُقولِ الطّينِ اللاّزبْ(8)
ولكلّ من الخير والشرّ رموزه البشرية والحيوانية والخلقية، فالقتل والحروب والفسق والعريّ والظلم والفتن والطغاة والجبابرة والدجّالون والفراعنة رموز الشرّ التي قادت أحداث الشرّ في الأرض، وفي المقابل فإنّ للخير رموزه هو الآخر كالأديان السماويّة والأنبياء والمصلحين والمهدييّن والعلماء والمفكرين والمثقفين. إلخ. يقول:
الشّيخُ: خرجَ النّسوةُ في أثوابِ العُرْي
وسادَ الجنسُ، اللونُ الأحمرْ
الفتاةُ: خرجَ الدّجّالونَ يقولُ الواحدُ مِنهمْ:
إنّي يا قومُ رسولُ اللهِ
الشّيخُ: امتدّتْ نجمةُ داوّد
فدمّرَهَا سيفٌ إسلاميٌّ بتار(9)
وتبقى المعركة دولاً بين الخير والشرّ في ملحمة القيامة حتّى تقوم الساعة على انتصار الشرّ الذي ألَّه العقل البشري. وتبدو رؤية الشاعر الفكريّة مبنيّة على الحديث النبويّ الشريف: "لا تقومُ الساعةُ إلاّ على شرارِ الخلق" (10) ومن ثمّ تكون القيامة والبعث والحساب والمطهر والجنّة والنار انتصاراً للخير ورموزه في تحقيق الفرح والسعادة الأبديين، يقول:
يا روادَ جهنّمْ
((ما أغنَى عنكُمْ جَمعُكُمْ
وما كُنتُمْ تستكبرُونْ))
يا أصحابَ النّارِ
هذا الدربُّ إلى النّارِ
قطيعاً مِن حزنٍ سِيرُوا
يحزركُم لومٌ وشِنّارُ
يا أصحابَ الجنّةِ
((أدخُلوا الجنّةَ
لا خوف عليكُمْ
ولا أنتُمْ تَحزنُونْ)) (11).
وواضح انتصار شعراء الرحلات الخياليّة لنوازعهم الإنسانيّة الخيّرة على النوازع الشريرة بكلّ ما تمثّله هذه النوازع من استعمار وطاغوت وظلم وفساد وقد وجد بعضهم في الشعر ميزة ترفع الشاعر فوق غيره من البشر الذين ظنّ بهم رواد الرومانتيكية ظنّ السوء، فلجؤوا إلى الطبيعة يلتمسون لديها الخير والبراءة الأولى، في حين انتصر بعضهم عقائدياً للخير في معركته مع الشرّ كما فعل القلعجي في ملحمة (القيامة).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المعلوف، شفيق، عبقر، ص151.
(2) المصدر السابق، ص:160
(3) الزهاوي، جميل صدقي، الديوان، ص: 723-724.
(4) المعلوف، فوزي، على بساط الريح، ص: 141-142.
(5) ساسي، محمد طاهر، شعراء الحجاز في العصر الحديث، ص: 53.
(6) فقي، محمد حسن، الديوان، مج 1-ص: 80
(7) المصدر نفسه، مج 1، ص: 81.
(8) القلعجي، عبد الفتاح، القيامة، ص: 10.
(9) القلعجي، عبد الفتاح، القيامة، ص:10
(10) ابن حنبل، أحمد، المسند، حديث رقم: 3930
(11) المصدر السابق، ص: 112-113.
دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) . |
جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) . وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً . |
الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل. |
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
الأمين العام للعتبة العسكرية المقدسة يستقبل معتمد المرجعية الدينية العليا وعدد من طلبة العلم والوجهاء وشيوخ العشائر في قضاء التاجي
|
|
|