مناظرة الشيخ المفيد مع الورثاني في مسألة شورى النبي (صلى الله عليه وآله) لأصحابه |
369
12:59 صباحاً
التاريخ: 29-9-2019
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 29-9-2019
370
التاريخ: 29-9-2019
521
التاريخ: 30-9-2019
510
التاريخ: 30-9-2019
1398
|
من كلام الشيخ - أدام الله عزه - في دار الشريف أبي عبد الله محمد بن محمد بن طاهر (رحمه الله)، وحضر رجل من المتفقهة يعرف بالورثاني وهو من فهمائهم، فقال له الورثاني: أليس من مذهبك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان معصوما من الخطأ، مبرأ من الزلل، مأمونا عليه من السهو والغلط، كاملا بنفسه غنيا عن رعيته.
فقال له الشيخ - أيده الله -: بلى كذلك كان (صلى الله عليه وآله).
قال له: فما تصنع في قول الله جل جلاله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } [آل عمران: 159] أليس قد أمره الله بالاستعانة بهم في الرأي وأفقره إليهم، فكيف يصح لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن وما فعل النبي (صلى الله عليه وآله).
فقال له الشيخ - أدام الله عزه -: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى آرائهم ولحاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت وتوهمت، بل لأمر آخر أنا أذكره لك بعد الإيضاح عما أخبرتك به، وذلك أنا قد علمنا أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان معصوما من الكبائر والصغائر وإن خالفت أنت في عصمته من الصغائر، وكان أكمل الخلق باتفاق أهل الملة وأحسنهم رأيا وأوفرهم عقلا وأكملهم تدبيرا، وكانت المواد بينه وبين الله سبحانه متصلة والملائكة تتواتر عليه بالتوفيق من الله عز وجل، والتهذيب والإنباء له عن المصالح، وإذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعو داع إلى اقتباس الرأي من رعيته، لأنه ليس أحد منهم إلا وهو دونه في سائر ما عددناه، وإنما يستشير الحكيم غيره على طريق الاستفادة والاستعانة برأيه إذا تيقن أنه أحسن رأيا منه وأجود تدبيرا وأكمل عقلا أو ظن ذلك، فأما إذا أحاط علما بأنه دونه فيما وصفناه لم يكن للاستعانة في تدبيره برأيه معنى، لأن الكامل لا يفتقر إلى الناقص فيما يحتاج فيه إلى الكمال، كما لا يفتقر العالم إلى الجاهل فيما يحتاج فيه إلى العلم، والآية بينة يدل متضمنها على ذلك، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ } [آل عمران: 159] فعلق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم ومشورتهم، ولو كان إنما أمره بمشورتهم للاستقفاء برأيهم لقال له: فإذا شاروا عليك فاعمل، وإذا اجتمع رأيهم على شيء فأمضه، فكان تعلق فعله بالمشورة دون العزم الذي يختص به، فلما جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته، فأما وجه دعائهم إلى المشورة عليه (صلى الله عليه وآله) فإن الله أمره أن يتألفهم بمشورتهم، ويعلمهم بما يصنعونه عند عزماتهم، ليتأدبوا بآداب الله عز وجل، فاستشارهم لذلك لا للحاجة إلى آرائهم، على أن ها هنا وجها آخر بينا وهو: إن الله سبحانه أعلمه أن في أمته من يبتغي له الغوائل ويتربص به الدوائر، ويسر خلافه ويبطن مقته ويسعى في هدم أمره ويناقضه في دينه، ولم يعرفه بأعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم، فقال عز اسمه: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ } [التوبة: 101] وقال جل اسمه: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ نَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ هَلْ يَرَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 127] وقال تبارك اسمه { يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] وقال: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة: 56] وقال عز من قائل: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } [المنافقون: 4] وقال جل جلاله: {وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا } [النساء: 142] وقال تعالى: {وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلَا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: 54] ثم قال سبحانه بعد أن أنبأه عنهم في الجملة: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ } [محمد: 30] فدله عليهم بمقالهم وجعل الطريق إلى معرفتهم ما يظهر من نفاقهم في لحن قولهم. ثم أمره بمشورتهم ليصل بما يظهر منهم إلى علم باطنهم، فإن الناصح تبدو نصيحته في مشورته، والغاش المنافق يظهر ذلك في مقاله، فاستشارهم (صلى الله عليه وآله) لذلك، ولأن الله جل جلاله جعل مشورتهم الطريق إلى معرفتهم، ألا ترى أنهم لما أشاروا ببدر عليه (صلى الله عليه وآله) في الأسرى فصدرت مشورتهم عن نيات مشوبة في نصيحته فكشف الله تعالى ذلك له وذمهم عليه وأبان عن إدغالهم فيه، فقال جل وتعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } [الأنفال: 67، 68] فوجه التوبيخ إليهم والتعنيف على رأيهم وأبان لرسوله (صلى الله عليه وآله) عن حالهم، فيعلم أن المشورة لهم لم تكن للفقر إلى آرائهم وإنما كانت لما ذكرناه.
فقال شيخ من القوم يعرف بالجراحي وكان حاضرا: يا سبحان الله! أترى أن أبا بكر وعمر كانا من أهل النفاق؟ كلا ما نظن أنك أيدك الله تطلق هذا، وما رأينا أن النبي (صلى الله عليه وآله) استشار ببدر غيرهما، فإن كانا هما من المنافقين فهذا ما لا نصبر عليه ولا نقوى على استماعه، وإن لم يكونا من جملة أهل النفاق فاعتمد على الوجه الأول، وهو أن النبي (صلى الله عليه وآله) أراد أن يتألفهم بالمشورة ويعلمهم كيف يصنعون في أمورهم.
فقال له الشيخ - أدام الله عزه -: ليس هذا من الحجاج أيها الشيخ في شيء وإنما هو استكبار واستعظام معدول به عن الحجة والبرهان، ولم نذكر إنسانا بعينه وإنما أتينا بمجمل من القول ففصله الشيخ وكان غنيا عن تفصيله.
فصاح الورثاني وأعلى صوته بالصياح يقول: الصحابة أجل قدرا من أن يكونوا من أهل النفاق وسيما الصديق والفاروق، وأخذ في كلام نحو هذا من كلام السوقة والعامة وأهل الشغب والفتن.
فقال الشيخ - أدام الله عزه -: دع عنك الضجيج وتخلص مما أوردته عليه من البرهان واحتل لنفسك وللقوم فقد بان الحق وزهق الباطل بأهون سعي والحمد لله (1).
_________________
(1) الفصول المختارة: ج 1 ص 11 - 14، بحار الأنوار للمجلسي: ج 10 ص 414 - 417 ح 6.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|