أقرأ أيضاً
التاريخ: 16-5-2021
1991
التاريخ: 1-6-2021
2607
التاريخ: 26-6-2019
1693
التاريخ: 16-11-2018
1618
|
قال أهل السير والمفسّرون: إن جميع ما غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بنفسه ستّ وعشرون غزوة، وإن جميع سراياه التي بعثها ولم يخرج معها ستّ وثلاثون سريّة. وقاتل عليه السلام من غزواته في تسع غزوات، وهي: بدر، واُحد، والخندق، وبني قريظة، والمصطلق، وخيبر، والفتح، وحنين، والطائف(1).
فأوّل سريّة بعثها أنّه بعث حمزة بن عبدالمطّلب في ثلاثين راكباً، فساروا حتّى بلغوا سيف البحر من أرض جهينة، فلقوا أبا جهل بن هشام في ثلاثين ومائة راكب من المشركين، فحجز بينهم مجديّ بن عمرو الجهني، فرجع الفريقان ولم يكن بينهما قتال(2).
ثمّ غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أوّل غزوة غزاها في صفر على رأس اثني عشر شهراً من مقدمه المدينة حتّى بلغ الأبواء، يريد قريشاً وبني ضمرة، ثمّ رجع ولم يلق كيداً، فأقام بالمدينة بقيّة صفر وصدراً من شهر ربيع الأول(3).
وبعث في مقامه ذلك عبيدة بن الحارث في ستّين راكباً من المهاجرين ليس فيهم أحدٌ من الأنصار، وكان أوّل لواء عقده رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فالتقى هو والمشركون على ماء يقال له: أحياء(4) ، وكانت بينهم الرماية، وعلى المشركين أبو سفيان بن حرب(5).
ثمّ غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في شهر ربيع الآخر يريد قريشاً حتّى بلغ بُواط(6) ، ولم يلق كيداً(7).
ثمّ غزا صلّى الله عليه وآله وسلّم غزوة العُشَيرة يريد قريشاً حتّى نزل العشيرة من بطن ينبع، فأقام بها بقيّة جمادى الاُولى وليالي من جمادى الآخرة، ووادع فيها بني مدلج وحلفائهم من بني ضمرة(8).
فروي عن عمّار بن ياسر قال: كنت أنا وعليّ بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة، فقال لي عليّ عليه السلام: «هل لك يا أبا اليقظان في هذه الساعة بهذا النفر من بني مدلج يعملون في عين لهم ننظر كيف يعملون».
فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثمّ غشينا النوم، فعمدنا إلى صَورٍ(9)من النخل في دقعاء(10) من الأرض فنمنا فيه، فوالله ما أهبّنا إلاّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقدمه، فجلسنا وقد تترّبنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله لعليّ: «يا أبا تراب» لما عليه من التراب.
فقال: «ألا اُخبركم بأشقى الناس؟».
قلنا : بلى يا رسول الله.
قال: «اُحيمر ثمود الذي عقر الناقة، والذي يضربك يا عليّ على هذا» ووضع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يده على رأسه «حتّى يبلّ منها هذه» ووضع يده على لحيته(11).
ثمّ رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من العُشَيرة إلى المدينة، فلم يقم بها عشر ليال حتّى أغار كرز بن جابر الفهري على سرح المدينة، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في طلبه حتّى بلغ وادياً يقال له: سفوان، من ناحية بدر، وهي غزوة بدر الاُولى، وحامل لوائه عليّ بن أبي طالب، واستخلف على المدينة زيد بن حارثة، وفاته كرز فلم يدركه.
فرجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأقام جمادى الآخرة ورجب وشعبان، وكان بعث بين ذلك سعد بن أبي وقّاص في ثمانية رهط، فرجع ولم يلق كيداً(12).
ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبدالله بن جحش إلى نخلة(13)، وقال : «كن بها حتّى تأتينا بخبر من أخبار قريش» ولم يأمره بقتال وذلك في الشهر الحرام، وكتب له كتاباً وقال: «اُخرج أنت وأصحابك حتّى إذا سرت يومين فافتح كتابك وانظر ما فيه وامض لما أمرتك».
فلمّا سار يومين وفتح الكتاب فإذا فيه: «أن امض حتّى ننزل نخلة، فائتنا من أخبار قريش بما يصل إليك منهم» فقال لأصحابه حين قرأ الكتاب: سمعاً وطاعة، من كان له رغبة في الشهادة فلينطلق معي.
فمضى معه القوم حتّى إذا نزلوا النخلة مرّ بهم عمرو بن الحضرميّ والحكم بن كيسان وعثمان والمغيرة ابنا عبدالله، معهم تجارة قدموا بها من الطائف، اُدم وزبيب، فلمّا رآهم القوم أشرف لهم واقد بن عبدالله وكان قد حلق رأسه، فقالوا: عمّار ليس عليكم منهم بأس، وائتمر أصحاب رسول الله، وهي آخر يوم من رجب، فقالوا: لئن قتلتموهم إنّكم لتقتلونهم في الشهر الحرام، ولئن تركتموهم ليدخلنّ هذه الليلة مكّة فليمتنعنّ منكم.
فأجمع القوم على قتلهم، فرمى واقد بن عبدالله التميمي عمرو بن الحضرمي بسهم فقتله، واستأسر عثمان بن عبدالله والحكم بن كيسان، وهرب المغيرة بن عبدالله فأعجزهم.
واستاقوا العير، فقدموا بها على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال لهم: «والله ما أمرتكم بالقتال في الشهر الحرام» وأوقف الأسيرين والعير ولم يأخذ منها شيئاً، واُسقط في أيدي القوم وظنّوا أنّهم قد هلكوا، وقالت قريش: استحلّ محمّد الشهر الحرام. فأنزل الله سبحانه : {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ } [البقرة: 217] الآية (14). فلمّا نزل ذلك أخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم العير وفداء الأسيرين، وقال المسلمون: أتطمع لنا أن نكون غزاة؟ فأنزل الله فيهم { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } [البقرة: 218].الآية (15). وكانت هذه قبل بدر بشهرين(16).
(غزوة بدر الكبرى ):
ثمّ كانت غزوة بدر الكبرى، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سمع بأبي سفيان بن حرب في أربعين راكباً من قريش تجّاراً قافلين من الشام، فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ثلاثمائة راكب ونيّف، وأكثر أصحابه مشاة، معهم ثمانون بعيراً وفرس يقال إنّه للمقداد، يعتقب النفر على البعير الواحد، وكان بين رسول الله وبين مرثد بن أبي مرثد الغنوي بعير، وذلك في شهر رمضان.
فلمّا خرج من المدينة وبلغ أبا سفيان الخبر أخذ بالعير على الساحل، وارسل إلى أهل مكّة يستصرخ بهم، فخرج منهم نحو من ألف رجل من سائر بطون قريش ومعهم مائتا فرس يقودونها، وخرجوا معهم بالقيان يضربن بالدفوف ويتغنّين بهجاء المسلمين، ورجع الأخنس بن شريق الثقفي ببني زهرة من الطريق وكان حليفاً لهم، فبقي منهم نحو من تسعمائة وسبعين رجلاً، وفيهم العبّاس وعقيل ونوفل بن الحارث بن عبدالمطّلب خرجوا مكرهين، وكانت أشرافهم المطعمون فيهم: العبّاس بن عبد المطّلب وعتبة بن ربيعة وطعيمه بن عديّ وأبو البختري بن هشام واُميّة بن خلف وحكيم بن حزام والنضر بنا لحارث بن كلدة وأبو جهل بن هشام وسهيل بن عمرو.
فلما بلغ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بدر، وهي بئر منسوبة إلى رجل من غفار يقال له: بدر، وقد علم رسول الله بفوات العير ومجيء قريش شاور أصحابه في لقائهم أو الرجوع، فقالوا: الأمر إليك وآلق بنا القوم. فلقيهم على بدر لسبع عشرة من شهر رمضان، وكان لواء رسول الله يومئذ أبيض مع مصعب بن عمير ورايته مع عليّ عليه السلام، وأيّدهم الله سبحانه بخمسة آلاف من الملائكة، فكثّر الله المسلمين في أعين الكفّار وقلّل المشركين في أعين المؤمنين كيلا يفشلوا، وأخذ رسول الله كفّاً من تراب فرماه إليهم وقال: «شاهت الوجوه» فلم يبق منهم أحدٌ إلاّ اشتغل بفرك عينيه.
وقتل الله من المشركين نحو سبعين رجلاً، واُسر نحو سبعين(17)رجلاً منهم: العبّاس بن عبدالمطّلب، وعقيل بن أبي طالب، ونوفل بن الحارث، فأسلموا، وعقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث قتلهما رسول الله بالصفراء، وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم للعبّاس: «افد نفسك وابني أخويك عقيلاً ونوفلاً، وحليفك عتبة بن عمرو وأخي بني الحارث بن فهر فإنّك ذو مال».
فقال: إنّي كنت مسلماً وإنّ القوم استكرهوني.
فقال عليه السلام: «الله أعلم بإسلامك، إن يكن حقّاً فإنّ الله يجزيك به، فأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا».
قال: فليس لي مالٌ.
قال: «فأين المال الذي وضعته عند اُمّ الفضل بمكّة وليس معكما أحدٌ فقلت لها: إن اُصبت في سفري هذا فهذا المال لبنيّ: الفضل وعبدالله وقثُم؟».
فقال: والله يارسول الله إنّي لأعلم أنّك رسول الله، إنّ هذا لشيء ما علمه أحدٌ غيري وغير اُمّ الفضل، فأحسب لي يا رسول الله ما أصبتم منّي من مال كان معي عشرون أوقيّة.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا، ذاك شيء أعطانا الله منك».
ففدى نفسه بمائة أوقيّة، وفدى كلّ واحد بأربعين أوقيّة(18).
وقتل عليّ عليه السلام ببدر من المشركين: الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان شجاعاً فاتكاً، والعاص بن سعيد بن العاص بن اُمّية والد سعيد بن العاص، وطعيمة بن عديّ بن نوفل شجره بالرمح وقال: «والله لا تخاصمنا في الله بعد اليوم أبداً» ونوفل بن خويلد، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل الهجرة بحبل وعذّبهما يوماً إلى الليل، وهو عمّ الزبير بن العوّام، ولمّا أجلت الوقعة قال النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم «من له علم بنوفل»؟ فقال عليه السلام: «أنا قتلته» فكبّر النبي عليه السلام ثمّ قال: «الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه»(19).
وروى جابر، عن الباقر، عن أمير المؤمنين عليهما السلام فقال: «لقد تعجّبت يوم بدر من جرأة القوم وقد قتلت الوليد بن عتبة، إذ أقبل إليّ حنظلة ابن أبي سفيان فلمّا دنا منّي ضربته بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلاً»(20).
وقتل زمعة بن الأسود، والحارث بن زمعة، وعمير بن عثمان بن كعب ابن تيم عمّ طلحة بن عبيد الله، وعثمان ومالكاً أخوي طلحة في جماعة، وهم في ستّة وثلاثين رجلاً(21).
وقتل حمزة بن عبدالمطّلب شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، والأسود بن عبد الأسود المخزومي(22).
وقتل عمرو بن الجموح أبا جهل بن هشام، ضربه بالسيف على رجله فقطعها ودفّف(23) عليه عبد لله بن مسعود فذبحه بسيفه من قفاه، وحمل رأسه إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال عبدالله: وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على مذمّره ـ أي عنقه ـ وقلت: هل أخزاك الله يا عدو الله؟ قال: رويعي الغنم! لقد ارتقيت مرتقاً صعباً. قال: ثمّ اجتززت رأسه فجئت به رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت: هذا رأس عدوّ الله أبي جهل، فحمد الله تعالى(24).
وقتل عمّار بن ياسر اُمّية بن خلف(25).
وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أن تلقى القتلى في قليب بدر، ثمّ وقف عليهم وناداهم بأسمائهم وأسماء آبائهم واحداً واحداً، ثمّ قال: «قد وجدنا ما وعدنا ربّنا حقّاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّاً» ثمّ قال: «إنّهم ليسمعون كما تسمعون ولكن منعوا عن الجواب»(26).
واستشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلاً، منهم: عبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب، وذو الشمالين عمرو بن نضلة حليف بني زهرة، ومهجع مولى عمر، وعمير بن أبي وقّاص، وصفوان بن أبي البيضاء(27)وهؤلاء من المهاجرين، والباقون من الأنصار(28).
ولمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة من بدر لم يقم بالمدينة إلاّ سبع ليال حتّى غزا بنفسه يريد بني سليم، حتّى بلغ ماء من مياههم يقال له: الكدر، فأقام عليه ثلاث ليال، ثمّ رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فأقام بها بقيّة شوّال وذا القعدة، وفادى في إقامته جلّ اُسارى بدر من قريش(29).
غزوة السويق :
ثمّ كانت غزوة السويق (30) ، وذلك أنّ أبا سفيان نذر أن لا يمسّ رأسه من جنابة حتّى يغزو محمّداً، فخرج في مائة راكب من قريش ليبرّ يمينه، حتّى إذا كان على بريد من المدينة أتى بني النضير ليلاً ، فضرب على حييّ بن أخطب بابه، فأبى أن يفتح له، فانصرف عنه إلى سلاّم بن مشكم ـ وكان سيّد بني النضير ـ فاستأذن عليه فأذن له وسارّه، ثمّ خرج في عقب ليلته حتّى أتى أصحابه، وبعث رجلاً من قريش إلى المدينة، فأتوا ناحية يقال لها: العريض، فوجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً له فقتلوهما، ثمّ انصرفوا ونذر بهم الناس.
فخرج رسول الله في طلبهم حتّى بلغ قرقرة الكدر(31)فرجع وقد فاته أبو سفيان، ورأوا زاداً من أزواد القوم قد طرحوها يتخفّفون منها للنجاء، فقال المسلمون حين رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بهم: يارسول الله، أنطمع أن تكون لنا غزوة؟ فقال عليه السلام: «نعم»(32).
غزوة ذي أمّر:
ثمّ كانت غزوة ذي أمّر، بعد مقامه بالمدينة بقيّة ذي الحجّة والمحرّم، مرجعه من غزوة السويق، وذلك لمّا بلغه أنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة عليهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث ابن محارب، فخرج في اربعمائة وخمسين رجلاً ومعهم أفراس، وهرب منه الأعراب فوق ذُرى الجبال، ونزل صلّى الله عليه وآله وسلّم ذا أمّر وعسكر به، وأصابهم مطر كثير. فذهب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه، وقد جعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وادي أمرّ بينه وبين أصحابه، ثمّ نزع ثيابه فنشرها لتجفّ وألقاها على شجرة ثمّ اضطجع تحتها، والأعراب ينظرون إلى كلّ ما يفعل رسول الله، فقالت الأعراب لدعثور ـ وكان سيّدهم وأشجعهم ـ قد أمكنك محمّد وقد انفرد من بين أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتّى تقتله.
فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً، ثمّ أقبل مشتملاً على السيف حتّى قام على رأس رسول الله بالسيف مشهوراً فقال: يا محمّد من يمنعك منّي اليوم؟
قال: «الله».
ودفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول الله وقام على رأسه وقال: «من يمنعك منّي»؟.
قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، والله لا اُكثر عليك جمعاً أبداً. فأعطاه رسول الله سيفه ثمّ أدبر، ثمّ أقبل بوجهه ثمّ قال: والله لاَنت خير مني.
قال رسول الله: «أنا أحقّ بذلك منك».
فأتى قومه فقيل له: أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟
قال: قد كان والله ذلك، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنّه ملك، وشهدت أنّ محمداً رسول الله، والله لا اُكثر عليه. وجعل يدعو قومه إلى الاِسلام ونزلت هذه الآية {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ } [المائدة: 11] (33)(34).
ثمّ كانت غزوة القردة، ماء من مياه نجد، بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم زيد بن حارثة بعد رجوعه من بدر إلى المدينة بستّة أشهر، فأصابوا عيراً لقريش على القردة فيها أبو سفيان ومعه فضّة كثيرة، وذلك لاَنّ قريشاً قد خافت طريقها التي كانت تسلك إلى الشام حين كان من وقعة بدر، فسلكوا طريق العراق واستأجروا رجلاً من بكر بن وائل يقال له: فرات بن حيّان، يدّلهم على الطريق، فأصاب زيد بن حارثة تلك العير، وأعجزته الرجال هرباً(35).
وفي رواية الواقدي: أنّ ذلك العير مع صفوان بن اُميّة، وأنّهم قدموا بالعير إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسروا رجلاً أو رجلين، وكان فرات بن حيّان أسيراً فأسلم فترك من القتل(36).
غزوة بني قينقاع :
ثمّ كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوّال على رأس عشرين شهراً من الهجرة، وذلك أنّ رسول الله جمعهم وإياه سوق بني قينقاع، فقال لليهود: «احذروا من الله مثل ما نزل بقريش من قوارع الله، فأسلموا فإنّكم قد عرفتهم نعتي وصفتي في كتابكم».
فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك أنّك لقيت قومك فأصبت فيهم، فإنّا والله لو حاربناك لعلمت أنّا خلافهم.
فكادت تقع بينهم المناجزة، ونزلت فيهم { قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ } [آل عمران: 13] (37)(38).
وروي: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حاصرهم ستّة أيّام حتّى نزلوا على حُكمِه، فقام عبدالله بن اُبّي فقال: يا رسول الله مواليّ وحلفائي وقد منعوني من الأسود والأحمر ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر تحصدهم في غداة واحدة، إنّي والله لا آمن وأخشى الدوائر. وكانوا حلفاء الخزرج دون الأوس، فلم يزل يطلب فيهم حتّى وهبهم له، فلمّا رأوا ما نزل بهم من الذل خرجوا من المدينة ونزلوا اذرعات(39) ونزلت في عبدالله بن اُبيّ وناس من الخزرج {أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [المائدة: 51، 52] (40)(41).
غزوة احـد:
ثمّ كانت غزوة اُحد على رأس سنة من بدر، ورئيس المشركين يومئذ أبو سفيان بن حرب، وكان أصحاب رسول الله يومئذ سبعمائة والمشركين ألفين، وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد أن استشار أصحابه، وكان رأيه عليه السلام أن يقاتل الرجال على أفواه السكك ويرمي الضعفاء من فوق البيوت، فأبوا إلاّ الخروج إليهم.
فلمّا صار على الطريق قالوا: نرجع، فقال: «ما كان لنبيّ إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم».
وكانوا ألف رجل، فلمّا كانوا في بعض الطريق انخذل عنهم عبدالله ابن اُبيّ بثلث الناس وقال: والله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه، وهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع، ثمّ عصمهم الله جلّ وعزّ، وهو قوله {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ } [آل عمران: 122].(42)
وأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم متهيّئاً للقتال، وجعل على راية المهاجرين عليّاً عليه السلام، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة، وقعد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في راية الأنصار، ثمّ مرّ صلّى الله عليه وآله وسلّم على الرماة ـ وكانوا خمسين رجلاً وعليهم عبدالله بن جبير ـ فوعظهم وذكّرهم وقال: «اتّقوا الله واصبروا، وإن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتّى اُرسل إليكم».
وأقامهم عند رأس الشعب، وكانت الهزيمة على المشركين، وحسّهم المسلمون بالسيوف حسّاً(43).
فقال أصحاب عبدالله بن جبير: الغنيمة، ظهر أصحابكم فما تنتظرون؟ فقال عبدالله: أنسيتم قول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، أمّا أنا فلا أبرح موقفي الذي عهد إليّ فيه رسول الله ما عهد.
فتركوه أمره وعصوه بعد ما رأوا ما يحبّون، وأقبلوا على الغنائم، فخرج كمين المشركين وعليهم خالد بن الوليد، فانتهى إلى عبدالله بن جبير فقتله، ثمّ أتى الناس من أدبارهم ووضُع في المسلمين السلاح، فانهزموا، وصاح إبليس ـ لعنه الله ـ: قُتل محمّد، ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يدعوهم في اُخراهم: «أيها الناس اني رسول الله وإنّ الله قد وعدني النصر فإلى أين الفرار؟» فيسمعون الصوت ولا يلوون على شيء.
وذهبت صيحة إبليس حتّى دخلت بيوت المدينة، فصاحت فاطمة عليها السلام، ولم تبق هاشميّة ولا قرشيّة إلاّ وضعت يدها على رأسها، وخرجت فاطمة عليها السلام تصرخ(44).
قال الصادق عليه السلام: «انهزم الناس عن رسول الله فغضب غضباً شديداً، وكان إذا غضب انحدر من وجهه وجبهته مثل اللؤلؤ من العرق، فنظر فإذا عليّ عليه السلام إلى جنبه، فقال: مالك لم تلحق ببني أبيك؟ فقال عليّ: يا رسول الله أكفر بعد ايمان! إنّ لي بك اُسوة، فقال: أمّا لا فاكفني هؤلاء.
فحمل عليّ عليه السلام فضرب أوّل من لقي منهم، فقال: جبرئيل: إنّ هذه لهي المواساة يا محمّد. قال : إنّه منّي وأنا منه . قال : جبرئيل وأنا منكما»(45).
وثاب إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جماعة من أصحابه، واُصيب من المسلمين سبعون رجلاً، منهم أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطّلب، وعبدالله بن جحش، ومصعب بن عمير، وشماس بن عثمان بن الرشيد، والباقون من الأنصار(46).
قال: وأقبل يومئذ اُبيّ بن خلف وهو على فرس له وهو يقول: هذا ابن أبي كبشة؟ بوء بذنبك، لا نجوتُ إن نجوتَ. ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بين الحارث بن الصمّة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما، فحمل عليه فوقاه مصعب بن عمير بنفسه، فطعن مصعباً فقتله ، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله عنزة كانت في يد سهل بن حنيف ثمّ طعن اُبيّاً في جربان الدرع، فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان : ويلكما أجزعك، إنّما هو خدش ليس بشيء. فقال: ويلك يا ابن حرب، أتدري من طعنني، إنّما طعنني محمّد، وهو قال لي بمكّة: إنّي سأقتلك، فعلمت أنّه قاتلي، والله لو أنّ ما بي كان بجميع أهل الحجاز لقضت عليهم. فلم يزل يخور الملعون حتّى صار إلى النار(47).
وفي كتاب أبان بن عثمان: أنّه لمّا انتهت فاطمة وصفيّة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله ونظرتا إليه قال صلّى الله عليه وآله وسلّم لعليّ: «أمّا عمتّي فاحبسها عنّي، وأمّا فاطمة فدعها».
فلمّا دنت فاطمة عليها السلام من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم ورأته قد شجّ في وجهه واُدمي فوه إدماءً صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول: «اشتدّ غضب الله على من أدمى وجه رسول الله» وكان يتناول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما يسيل من الدم ويرميه في الهواء فلا يتراجع منه شيء(48).
قال الصادق عليه السلام: «والله لو سقط منه شيء على الأرض لنزل العذاب»(49).
قال أبان بن عثمان: حدّثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال: قلت: كسرت رباعيّته كما يقوله هؤلاء؟
قال: «لا والله، ما قبضه الله إلاّ سليماً، ولكنّه شجّ في وجهه».
قلت: فالغار في اُحد الذي يزعمون أنّ رسول الله صار إليه؟
قال: «والله ما برح مكانه، وقيل له: ألا تدعو عليهم؟ قال: اللّهم اهد قومي».
ورمى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ابن قُميئة بقذّافة فأصاب كفّه حتّى ندر(50)السيف من يده وقال: خذها منّي وأنا ابن قميئة.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «أذلّك الله وأقمأك »(51).
وضربه عتبة بن أبي وقّاص بالسيف حتّى أدمى فاه، ورماه عبدالله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه(52).
وليس أحد من هؤلاء مات ميتة سويّة، فأمّا ابن قميئة فأتاه تيس وهو نائم بنجد فوضع قرنه في مراقّه ثم دعسه فجعل ينادي: وا ذلاّه، حتّى أخرج قرينه من ترقوته.
وكان وحشيّ يقول: قال لي جبير بن مطعم ـ وكنت عبداً له ـ: إنّ علياً قتل عمّي يوم بدر ـ يعني طعيمة ـ فإن قتلت محمّداً فأنت حرّ، وإن قتلت عمّ محمّد فأنت حرّ، وإن قتلت ابن عمّ محمّد فأنت حرّ. فخرجت بحربة لي مع قريش إلى اُحد اُريد العتق لا اُريد غيره ولا أطمع في محمّد، وقلت: لعلّي اُصيب من علي أو حمزة غرّة فأزرقه، وكنت لا أخطئ في رمي الحراب، تعلّمته من الحبشة في أرضها، وكان حمزة يحمل حملاته ثمّ يرجع إلى موقفه(53).
قال أبو عبدالله عليه السلام: «وزرقه وحشيّ، فوق الثدي، فسقط وشدّوا عليه فقتلوه، فأخذ وحشيّ الكبد فشدّ بها إلى هند بنت عتبة، فأخذتها فطرحتها في فيها فصارت مثل الداغِصة (54) ، فلفظتها.
قال وكان الحليس بن علقمة نظر إلى أبي سفيان وهو على فرس وبيده رمح يجأ به في شدق حمزة فقال: يا معشر بني كنانة انظروا إلى من يزعم أنّه سيّد قريش ما يصنع بابن عمّه الذي قد صار لحماً ـ وأبو سفيان يقول: ذقُ عقق ـ فقال أبو سفيان: صدقت إنّما كانت منّي زلّة اكتمها عليّ.
قال: وقام أبو سفيان فنادىَّ بعض المسلمين: أحيّ ابن أبي كبشة؟ فأمّا ابن أبي طالب فقد رأيناه مكانه. فقال عليّ عليه السلام: «إي والذي بعثه بالحقّ إنّه ليسمع كلامك».
قال: إنّه قد كانت في قتلاكم مثلة، والله ما أمرت ولا نهيت، إنّ ميعاد ما بيننا وبينكم موسم بدر في قابل هذا الشهر.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «قل: نعم».
فقال: «نعم».
فقال أبو سفيان لعليّ عليه السلام: إنّ ابن قميئة أخبرني أنّه قتل محمّداً وأنت أصدق عندي وأبّر. ثمّ ولّى إلى أصحابه وقال: اتخذوا الليل جملاً وانصرفوا.
ثمّ دعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً عليه السلام فقال: «اتُبعهم فانظر أين يريدون، فإن كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنّهم يريدون المدينة، وإن كانوا ركبوا الإبل وساقوا الخيل فهم متوجّهون إلى مكّة»(55)
وقيل: إنّه بعث لذلك سعد بن أبي وقّاص فرجع وقال: فرأيت خيلهم تضرب بأذنابها مجنوبة مدبرة، ورأيت القوم قد تجمّلوا سائرين. فطابت أنفس المسلمين بذهاب العدوّ، فانتشروا يتتبّعون قتلاهم، فلم يجدوا قتيلاً إلاّ وقد مثّلوا به، إلاّ حنظلة بن أبي عامر، كان أبوه مع المشركين فتُرك له.
ووجدوا حمزة قد شُقَّتْ بطنه، وجُدع أنفه، وقُطعت اُذناه، واُخذ كبده، فلمّا انتهى إليه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خنقه العبرة وقال: «لأمثلن بسبعين من قريش» فأنزل الله سبحانه { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] (56)الآية، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «بل أصبر».
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من ذلك الرجل الذي تغسّله الملائكة في سفح الجبل؟».
فسألوا امرأته فقالت: انّه خرج وهو جنب. وهو حنظلة بن أبي عامر الغسيل(57).
قال أبان: وحدّثني أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ذكر لرسول الله رجلٌ من أصحابه يقال له: قزمان بحسن معونته لإخوانه، وزكّوه فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: إنّه من أهل النار. فأتي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقيل: إنّ قزمان استشهد، فقال: يفعل الله ما يشاء. ثمّ اُتي فقيل: إنّه قتل نفسه، فقال: أشهد أنّي رسول الله.
قال: وكان قزمان قاتل قتالاً شديداً، وقتل من المشركين ستّة أو سبعة، فأثبتته الجراح فاحتمل إلى دور بني ظفر، فقال له المسلمون: أبشر يا قزمان فقد أبليت اليوم، فقال: بم تبشّروني! فوالله ما قاتلت إلاّ عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. فلمّا اشتدّت عليه الجراحة جاء إلى كنانته فأخذ منها مشقصاً(58) فقتل به نفسه»(59).
قال: وكانت امرأة من بني النجّار قتل أبوها وزوجها وأخوها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدنت من رسول الله والمسلمون قيام على رأسه فقالت لرجل: أحي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ؟ قال: نعم، قالت: أستطيع أن أنظر إليه؟ قال: نعم، فأوسعوا لها فدنت منه وقالت: كلّ مصيبة جلل بعدك، ثمّ انصرفت.
قال: وانصرف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة حين دفن القتلى، فمرّ بدور بني لأشهل وبني ظفر، فسمع بكاء النوائح على قتلاهنّ، فترقرقت عينا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وبكى ثمّ قال: « لكنّ حمزة لا بواكي له اليوم». فلمّا سمعها سعد بن معاذ واُسيد بن حضير قالوا: لا تبكينّ امرأة حميمها حتّى تأتي فاطمة فتسعدها.
فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الواعية على حمزة وهو عند فاطمة على باب المسجد قال: « ارجعن رحمكّن الله فقد آسيتنّ بأنفسكنّ»(60).
حمراء الاسد:
ثمّ كانت غزوة حمراء الأسد (61) قال أبان بن عثمان: لمّا كان من الغد من يوم اُحد نادى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في المسلمين فأجابوه، فخرجوا على علّتهم وعلى ما أصابهم من القرح، وقدم عليّاً بين يديه براية
المهاجرين حتّى انتهى إلى حمراء الأسد ثمّ رجع إلى المدينة، فهم الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح.
وخرج أبو سفيان حتّى انتهى إلى الروحاء، فأقام بها وهو يهم بالرجعة على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ويقول: قد قتلنا صناديد القوم فلو رجعنا استأصلناهم. فلقي معبد الخزاعيّ فقال: ما وراءك يا معبد؟
قال: قد والله تركت محمّداً وأصحابه وهم يحرقون عليكم، وهذا عليّ بن أبي طالب قد أقبل على مقدّمته في الناس، وقد اجتمع معه من كان تخلّف عنه، وقد دعاني ذلك إلى أن قلت شعراً.
قال أبو سفيان: وماذا قلت؟
قال: قلت:
كادت تهدّ منَ الأصواتِ راحلتي *** إذ سالتِ الأرضُ بالجردِ الأبابيلِ
تــردي بأســد كـــرامٍ لا تنـــابلةً *** عندَ اللقـــاءِ ولا خـــرقٍ معــازيلِ
ـ الأبيات ـ
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه، ثمّ مرّ به ركب من عبد القيس يريدون الميرة من المدينة، فقال لهم: أبلغوا محمّداً أنّي قد أردت الرجعة إلى أصحابه لأستأصلهم وأوقر لكم ركابكم زبيباً إذا وافيتم عكاظ.
فأبلغوا ذلك إليه وهو بحمراء الأسد، فقال عليه السلام والمسلمون معه: «حسبنا الله ونعم الوكيل»(63).
ورجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من حمراء الأسد إلى المدينة يوم الجمعة، قال: ولمّا غزا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حمراء الأسد وثبت فاسقة من بني خطمة يقال لها: العصماء اُمّ المنذر بن المنذر تمشي في المجالس الأوس والخزرج وتقول شعراً تحرّض على النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وليس في بني خطمة يومئذ مسلم إلاّ واحدٌ يقال له: عمير بن عدّي، فلمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غدا عليها عمير فقتلها ، ثمّ أتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: إنّي قتلت اُمّ المنذر لما قالته من هجر. فضرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على كتفيه وقال: «هذا رجل نصر الله ورسوله بالغيب، أما إنّه لا ينتطح فيها(64)عنزان».
قال عمير بن عدّي: فأصبحت فمررت (ببنيها)(65)وهم يدفنونها فلم يعرض لي أحد منهم ولم يكلّمني(66).
غزوة الرجيع:
ثمّ كانت غزوة الرجيع، بعث رسول الله مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت بن الأفلج، وخبيب بن عدي، وزيد بن دثنة، وعبدالله بن طارق، وأمير القوم مرثد لمّا قدم عليه رهطٌ من عضل والديش وقالوا: ابعث معنا نفراً من قومك يعلّموننا القرآن ويفقّهوننا في الدين، فخرجوا مع القوم إلى بطن الرجيع ـ وهو ماء لهذيل. فقتلهم حي من هذيل يقال لهم: بنو لحيان، واُصيبوا جميعاً(67).
وذكر ابن اسحاق: أنّ هذيلاً حين قتلت عاصم بن ثابت أرادوا رأسه ليبيعوه من سلافة بنت سعد، وقد كانت نذرت حين اُصيب ابناها بأحد لئن قدرت على رأسه لتشربنّ في قحفه الخمر فمنعتهم الدَبر (68) ، فلمّا حالت بينهم وبينه قالوا : دعوه حتّى نمسي فتذهب عنه . فبعث الله الودي فاحتمل عاصماً فذهب به، وقد كان عاصم أعطى الله عهداً أن لا يمسّ مشركاً ولا يمسّه مشرك أبداً في حياته، فمنعه الله بعد وفاته ممّا امتنع منه في حياته(69).
غزوة بئر معونة:
ثمّ كانت غزوة بئر معونة على رأس أربعة أشهر من اُحد، وذلك أنّ أبا براء عامر بن مالك بن جعفر ملاعب الأسنّة قدم على رسول الله بالمدينة فعرض عليه الاِسلام فلم يسلم، وقال: يا محمّد إن بعثت رجالاً إلى أهل نجد يدعونهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك.
فقال: «أخشى عليهم أهل نجد».
فقال أبو براء: أنا لهم جار.
فبعث رسول الله المنذر بن عمرو في بضعة وعشرين رجلاً، وقيل: في أربعين رجلاً، وقيل: في سبعين رجلاً من خيار المسلمين، منهم: الحارث بن الصمّة، وحرام بن ملحان، وعامر بن فهيرة. فساروا حتّى نزلوا بئر معونة ـ وهي بين أرض بني عامر وحرّة بني سليم ـ فلمّا نزلوها بعثوا حرام بن ملحان بكتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى عامر بن الطفيل، فلمّا أتاه لم ينظر [عامر[ في كتابه حتّى عدا على الرجل فقتله، فقال: الله أكبر فزت وربّ الكعبة.
ثمّ دعا بني عامر إلى قتالهم فأبوا أن يجيبوه وقالوا: لا نخفر(70)أبا براء، فاستصرخ قبائل من بني سليم: عصيّة ورعلاً وذكوان، وهم الذين قنت عليهم النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ولعنهم، فأجابوه وأحاطوا بالقوم في رحالهم، فلمّا رأوهم أخذوا أسيافهم وقاتلوا القوم حتّى قتلوا عن آخرهم.
وكان في سرح القوم(71)عمرو بن اُميّة الضمري ورجل من الأنصار، فلم يكن ينبئهما بمصاب القوم إلاّ الطير تحوم على العسكر، فقالا: والله إنّ لهذا الطير لشأناً، فاقبلا لينظرا فإذا القوم في دمائهم، فقال الأنصاري لعمرو: ما ترى؟ قال: أرى أن نلحق برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكنّي لم أكن لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، فقاتل القوم حتّى قُتل، ورجع عمرو إلى المدينة فأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: «هذا عمل أبي براء، قد كنت لهذا كارهاً».
فبلغ ذلك أبا براء، فشقّ عليه إخفار عامر إيّاه وما أصاب من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، ونزل به الموت. فحمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل وطعنه وهو في نادي قومه فأخطأ مقاتله وأصاب فخذه، فقال عامر: هذا عمل عمّي أبي براء، إن متّ فدمي لعمّي لا تطلبونه به، وإن اعشُ فسأرى فيه رأيي(72).
بني النضير:
ثمّ كانت غزوة بني النضير، وذلك أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مشى إلى كعب بن الأشرف يستقرضه فقال: مرحباً بك يا أبا القاسم وأهلاً . فجلس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه وقام كأنّه يصنع لهم طعاماً، وحدّث نفسه أن يقتل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فنزل جبرئيل عليه السلام وأخبره بما همّ به القوم من الغدر، فقام صلّى الله عليه وآله وسلّم كأنّه يقضي حاجة، وعرف أنّهم لا يقتلون أصحابه وهو حيّ، فأخذ عليه السلام الطريق نحو المدينة، فاستقبله بعض أصحاب كعب الذين كان أرسل إليهم يستعين بهم على رسول الله، فأخبر كعباً بذلك، فسار المسلمون راجعين.
فقال عبدالله بن صورياـ وكان أعلم اليهود ـ: والله إنّ ربّه اطلعه على ما أردتموه من الغدر، ولا يأتيكم والله أوّل ما يأتيكم إلاّ رسول محمّد يأمركم عنه بالجلاء، فأطيعوني في خصلتين لا خير في الثالثة: أن تسلموا فتأمنوا على دياركم وأموالكم، وإلاّ فإنّه يأتيكم من يقول لكم: اخرجوا من دياركم.
فقالوا: هذه أحبّ إلينا.
قال: أمّا إنّ الاُولى خيرٌ لكم منها، ولولا أنّي أفضحكم لأسلمت.
ثمّ بعث [صلّى الله عليه وآله وسلّم] محمّد بن مسلمة إليهم يأمرهم بالرحيل والجلاء عن ديارهم وأموالهم، وأمره أن يؤجّلهم في الجلاء ثلاث ليال (73).
غزوة بني لحيان :
ثمّ كانت غزوة بني لحيان، وهي الغزوة التي صلّى فيها صلاة الخوف بعسفان حين أتاه الخبر من السماء بما همّ به المشركون. وقيل: إنّ هذه الغزوة كانت بعد غزوة بني قريظة(74).
غزوة ذات الرقاع :
ثمّ كانت غزوة ذات الرقاع بعد غزوة بني النضير بشهرين. قال البخاري: إنّها كانت بعد خيبر، لقي بها جمعاً من غطفان، ولم يكن بينهما حرب، وقد خاف الناس بعضهم بعضاً حتّى صلّى رسول الله صلاة الخوف ثمّ انصرف بالناس (75).
وقيل: إنمّا سمّيت ذات الرقاع لاَنّه جبل فيه بقع حُمرةٍ وسوادٍ وبياضٍ فسمّي ذات الرقاع(76).
وقيل: إنّما سمّيت بذلك لاَنّ أقدامهم نقبت فيها، فكانوا يلفون على أرجلهم الخرق(77).
وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم على شفير واد نزل أصحابه على الغدوة الاُخرى من الوادي، فهم كذلك إذ أقبل سيل، فحال بينه وبين أصحابه، فرآه رجل من المشركين يقال له: غورث، فقال لقومه: أنا أقتل لكم محمّداً. فأخذ سيفه ونحا نحوه وقال: من ينجيك منّي يا محمّد؟
قال: «ويلك، ينجيني ربّي».
فسقط على ظهره، فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم سيفه وجلس على صدره ثمّ قال: «من ينجيك منّي يا غورث؟».
قال: جودك وكرمك يا محمّد. فتركه، فقام وهو يقول: والله لأنت أكرم منّي وخير(78).
غزوة بدر الأخيرة:
ثمّ كانت غزوة بدر الأخيرة في شعبان. خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بدر لميعاد أبي سفيان، فأقام عليها ثمان ليال، وخرج أبو سفيان في أهل تهامة، فلمّا نزل الظهران بدا له في الرجوع، ووافق رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأصحابه السوق فاشتروا وباعوا وأصابوا بها ربحاً حسناً(79).
الخندق:
ثمّ كانت غزوة الخندق ـ وهي الأحزاب ـ في شوّال من سنة أربع من الهجرة. أقبل حييٌ بن أخطب وكنانة بن الربيع وسلاّم بن ابي الحقيق وجماعة من اليهود بقريش وكنانة وغطفان، وذلك أنّهم قدموا مكّة فصاروا إلى أبي سفيان وغيره من قريش، فدعوهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقالوا لهم: أيدينا مع أيديكم، ونحن معكم حتّى نستأصله، ثم خرجوا إلى غطفان ودعوهم إلى حرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأخبروهم باتّباع قريش إياهم، فاجتمعوا معهم.
وخرجت قريش وقائدها أبو سفيان، وخرجت غطفان وقائدها عيينة بن حصن في بني فزارة، والحارث بن عوف في بني مرّة، ومسعود بن رخيلة(80) بن نويرة بن طريف في قومه من أشجع، وهم الأحزاب، وسمع بهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخرج إليهم، وذلك بعد أن أشار سلمان الفارسيّ أن يصنع خندقاً(81) . وظهر في ذلك من آية النبوّة أشياء:
منها: ما رواه جابر بن عبدالله، قال: اشتدّ عليهم في حفر الخندق كدية(82) فشكوا ذلك إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فدعا بإناء من ماء فتفل فيه، ثمّ دعا بما شاء الله أن يدعو، ثمّ نضح الماء على تلك الكدية فقال من حضرها: فوالذي بعثه بالحقّ لانثالت حتّى عادت كالكندر(83)ما تردّ فأساً ولا مسحاة(84).
ومنها: ما رواه جابر من إطعام الخلق الكثير من الطعام القليل. (85).
ومنها: ما رواه سلمان الفارسي رضي الله عنه، قال: ضربت في ناحية من الخندق، فعطف عليّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو قريب منّي، فلما رآني أضرب ورأى شدّة المكان عليّ نزل فأخذ المعول من يدي فضرب به ضربة فلمعت تحت المعول برقة، ثمّ ضرب ضربة اُخرى فلمعت تحته برقة اُخرى، ثمّ ضرب به الثالثة فلمعت برقة اُخرى. فقلت: يا رسول الله بأبي أنت واُمّي ما هذا الذي رأيت؟
فقال: «أمّا الأولى فإنّ الله تعالى فتح عليَّ بها اليمن، وأمّا الثانية فإنّ الله تعالى فتح عليَّ بها الشام والمغرب، وأمّا الثالثة فإنّ الله فتح عليّ بها المشرق»(86)
وأقبلت الأحزاب إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، فهال المسلمين أمرهم، فنزلوا ناحية من الخندق، وأقاموا بمكانهم بضعاً وعشرين ليلة، لم يكن بينهم حرب إلاّ الرمي بالنبل والحصى.
ثمّ انتدب فوارس قريش للبراز، منهم عمرو بن عبد ودّ، وعكرمة بن أبي جهل، وهبيرة بن أبي وهب، وضرار بن الخطّاب، تهيؤوا للقتال، وأقبلوا على خيولهم حتّى وقفوا على الخندق، فلمّا تأمّلوه قالوا: والله إنّ هذه مكيدة ما كانت العرب تكيدها، ثمّ تيمّموا مكاناً من الخندق فيه ضيق فضربوا خيولهم فاقتحمته، فجالت بهم في السبخة بين الخندق وسَلع(87) وخرج عليّ بن أبي طالب عليه السلام في نفر معه حتّى أخذوا عليهم الثغرة التي اقتحموها، فتقدّم عمرو بن عبد ودّ وطلب البراز، فبرز إليه عليّ عليه السلام فقتله ـ وسنذكر ذلك فيما بعد إن شاء الله ـ فلمّا رأى عكرمة وهبيرة عمراً صريعاً ولّوا منهزمين، وفي ذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام في أبيات شعر:
«نصر الحجارةَ من سفاهةِ رأيه *** ونصرتُ ربَّ محمّدٍ بصوابي
فضـــربتُـــهُ وتركتُــــهُ متجـــدّلاً *** كالجــذعِ بين دكادكٍ وروابي
وعففــــتُ عن أثوابـــهِ ولو أنّني *** كنــتُ المقطّــــر بزّني أثوابي
لا تحسبـــنّ الله خــــاذلَ دـينــــه *** ونبيــهِ يا معشـــــرَ الأحزابِ»(88)
ورمى ابن العرقة بسهم فأصاب أكحل سعد بن معاذ وقال: خذها مني وأنا ابن العرقة، قال: عرّق الله وجهك في النار، وقال: اللهمّ إن كنت أبقيت من حرب في قريش شيئاً فأبقني لحربهم، فإنّه لا قوم أحبّ إليّ قتالاً من قوم كذّبوا رسولك وأخرجوه من حرمك، اللهمّ وإن كنت وضعت الحرب بيننا وبينهم فاجعلها لي شهادة ولا تمتني حتّى تقرّ عيني من بني قريظة. فأباته رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على فراشه وبات على الأرض(89).
قال أبان بن عثمان: حدّثني من سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول: قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على التلّ الذي عليه مسجد الفتح في ليلة ظلماء قرّة، قال: من يذهب فيأتينا بخبرهم وله الجنّة؟ فلم يقم أحد ثمّ عاد ثانية وثالثة فلم يقم أحد، فقام حذيفة فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: انطلق حتّى تسمع كلامهم وتأتيني بخبرهم.
فذهب فقال: اللّهم احفظه من بين يديه ومن خلفه، وعن يمينه وعن شماله، حتّى تردّه إليّ، وقال: لا تحدث شيئاً حتّى تأتيني.
ولمّا توجّه حذيفة قام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يصلّي ثمّ نادى بأشجى صوت: يا صريخ المكروبين، يا مجيب دعوة المضطّرين، اكشف همّي وكربي، فقد ترى حالي وحال من معي.
فنزل جبرئيل فقال: يا رسول الله إنّ الله عزّ وجلّ سمع مقالتك واستجاب دعوتك وكفاك هول من تحزّب عليك وناواك، فجثا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على ركبتيه وبسط يديه وأرسل بالدمع عينيه، ثمّ نادى: شكراً شكراً كما آويتني وآويت من معي.
ثمّ قال جبرئيل عليه السلام: يا رسول الله، ان الله قد نصرك وبعث عليهم ريحاً من السماء الدنيا فيها الحصى، وريحاً من السماء الرابعة فيها الجنادل.
قال حذيفة: فخرجت فإذا أنا بنيران القوم قد طفئت وخمدت، وأقبل جند الله الأوّل ريح شديدة فيها الحصى، فما ترك لهم ناراً إلاّ أخمدها، ولا خباء إلاّ طرحها، ولا رمحاً إلاّ ألقاها، حتّى جعلوا يتترسون من الحصى، وكنت أسمع وقع الحصى في الترسة، وأقبل جند الله الأعظم، فقام أبو سفيان إلى راحلته ثمّ صاح في قريش: النجاء النجاء، ثمّ فعل عيينة بن حصن مثلها، وفعل الحارث بن عوف مثلها، وذهب الأحزاب.
ورجع حذيفة إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره الخبر، وأنزل الله على رسوله {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا} [الأحزاب: 9] (90)إلى ما شاء الله تعالى من السورة(91).
غزوة بني قريظة:
وأصبح رسول الله بالمسلمين حتّى دخل المدينة، فضربت ابنته فاطمة غسولاً حتى تغسل رأسه، إذ أتاه جبرئيل على بغلة معتجراً(92)بعمامة بيضاء، عليه قطيفة من استبرق معلّق عليها الدرّ والياقوت، عليه الغبار، فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فمسح الغبار عن وجهه، فقال له جبرئيل: «رحمك ربّك، وضعت السلاح ولم يضعه أهل السماء، ما زلت أتبعهم حتّى بلغت الروحاء»(93) ، ثمّ قال جبرئيل: «انهض إلى إخوانهم من أهل الكتاب، فوالله لاَدقنّهم دقّ البيضة على الصخرة».
فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم عليّاً عليه السلام فقال: «قدّم راية المهاجرين إلى بني قريضة، وقال: «عزمت عليكم أن لا تصلّوا العصر إلاّ في بني قريظة».
فأقبل عليّ عليه السلام ومعه المهاجرون وبنو عبد الأشهل وبنو النجّار كلّها، لم يتخلّف عنه منهم أحد، وجعل النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم يسرّب إليه الرجال، فما صلّى بعضهم العصر إلاّ بعد العشاء.
فأشرفوا عليه وسبّوه، وقالوا: فعل الله بك وبابن عمّك، وهو واقف لا يجيبهم، فلمّا أقبل رسول الله عليه وآله وسلّم والمسلمون حوله تلقّاه أمير المؤمنين عليه السلام وقال: «لا تأتهم يا رسول الله جعلني الله فداك، فإنّ الله سيجزيهم». فعرف رسول الله أنّهم قد شتموه، فقال: «أما إنّهم لو رأوني ما قالوا شيئاً ممّا سمعت». وأقبل ثمّ قال: «يا إخوة القردة، إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، يا عباد الطاغوت اخسؤوا أخساكم الله». فصاحوا يميناً وشمالاً: يا أبا القاسم ما كنت فحّاشاً فما بدا لك(94).
قال الصادق عليه السلام: فسقطت العنزة من يده، وسقط رداءه من خلفه، ورجع يمشي إلى ورائه حياء ممّا قال لهم صلّى الله عليه وآله وسلّم.
فحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خمساً وعشرين ليلة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فحكم فيهم بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وقسمة الأموال، وأن يجعل عقارهم للمهاجرين دون الأنصار.
فقال له النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة.
فلمّا جيء بالأسارى حبسوا في دار، وأمر بعشرة فاُخرجوا فضرب أمير المؤمنين أعناقهم، ثم أمر بعشرة فاُخرجوا فضرب الزبير أعناقهم، وقلَّ رجل من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلاّ قتل الرجل والرجلين.
قال: ثمّ انفجرت رمية سعد والدم ينفح حتّى قضى، ونزع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم رداءه فمشى في جنازته بغير رداء. ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبدالله بن رواحة إلى خيبر، فقتل سيربن دارم اليهودي، وبعث عبدالله بن عتيك إلى خيبر فقتل أبا رافع بن أبي الحقيق»(95).
غزوة بني المصطلق :
ثمّ كانت غزوة بني المصطلق من خزاعة، ورأسهم الحارث بن أبي الضرار، وقد تهيؤوا للمسير إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وهي غزوة المُرَيسيع(96)، وهو ماء، وقعت في شعبان سنة خمس، وقيل: في شعبان سنة ست، والله أعلم(97).
قالت جويرية بنت الحارث ـ زوجة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ: أتانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ونحن على المُرَيسيع، فأسمع أبي وهو يقول: أتانا ما لا قبل لنا به، قالت: وكنت أرى من الناس والخيل والسلاح ما لا أصف من الكثرة، فلمّا أن أسلمت وتزوّجني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ورجعنا جعلت أظهر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى، فعرفت أنّه رعب من الله عزّ وجلّ يلقيه في قلوب المشركين.
قالت: ورأيت قبل قدوم النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بثلاث ليال كأن القمر يسير من يثرب حتّى وقع في حجري، فكرهت أن أخبر بها أحداً من الناس، فلمّا سبينا رجوت الرؤيا، فأعتقني رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وتزوّجني(98).
وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أصحابه أن يحملوا عليهم حملة رجل واحد ، فما أفلت منهم إنسان ، وقتل عشرة منهم واُسر سائرهم ،وكان شعار المسلمين يومئذ «يا منصور أمت» .
وسبى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم الرجال والنساء والذراري والنعم والشياه، فلمّا بلغ الناس أنّ رسول الله تزوّج جويرية بنت الحارث قالوا: أصهار رسول الله. فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلق، فما عُلم امرأة أعظم بركة على قومها منها(99).
وفي هذه الغزوة قال عبدالله بن اُبي {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ } [المنافقون: 8] (100) ، واُنزلت الآيات.
وفيها كانت قصة إفك عائشة(101).
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في سنة ستّ في شهر ربيع الأول عكاشة بن محصن في أربعين رجلاً إلى الغمرة(102)، وبكّر القوم فهربوا، وأصاب مائتي بعير لهم، فساقها إلى المدينة(103).
وفيها: بعث أبا عبيدة بن الجرّاح إلى القصّة(104)في أربعين رجلاً، فأغار عليهم وأعجزهم هرباً في الجبال وأصابوا رجلاً واحداً فأسلم(105).
وفيها: بعث محمّد بن مسلمة إلى قوم من هوازن فكمن القوم لهم وافلت محمّد وقتل أصحابه(106).
وفيها: كانت سريّة زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سُليم، فأصابوا نعماً وشاء وأسرى(107).
وفيها: كانت سريّة زيد بن حارثة إلى العيص(108).
وفيها: سريّة بن حارثة إلى الطرف إلى بني ثعلبة في خمسة عشر رجلاً، فهربوا وأصاب منهم عشرين بعيراً.
وفيها: كانت غزوة عليّ بن أبي طالب عليه السلام إلى بني عبدالله بن سعد من أهل فدك، وذلك أنه بلغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ لهم جمعاً يريدون أن يمدّوا يهود خيبر(109).
وفيها: سريّة عبد الرحمن بن عوف إلى دُومة الجندل(110)في شعبان، وقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إن أطاعوا فتزوّج ابنة ملكهم» فأسلم القوم وتزوّج عبد الرحمن تماضر بنت الأصبغ، وكان أبوها رأسهم وملكهم(111).
وفيها: بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في قول الواقدي ـ إلى العرنيين الذين قتلوا راعي رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واستاقوا الاِبل عشرين فارساً، فأتي بهم ، فاُمر بقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم، وتركوا بالحرّة حتّى ماتوا(112).
وروي عن جابر بن عبدالله: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم دعا عليهم فقال: «اللهمّ عمّ عليهم الطريق» قال: فعمي عليهم الطريق(113).
وفيها: اُخذت أموال أبي العاص بن الربيع وقد خرج تاجراً إلى الشام ومعه بضائع لقريش، فلقيته سريّة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واستاقوا عيره وأفلت، وقدموا بذلك على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقسّمه بينهم، وأتى أبو العاص فاستجار بزينب بنت رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم وسألها أن تطلب من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ردّ ماله عليه وما كان معه من أموال الناس، فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم السريّة وقال: «إنّ هذا الرجل منّا بحيث قد علمتم، فإن رأيتم أن تردّوا عليه فافعلوا».
فردّوا عليه ما أصابوا، ثمّ خرج وقدم مكّة ورد على الناس بضائعهم، ثمّ قال: أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلاّ توقّياً أن تظنّوا أنّي أسلمت لأذهب بأموالكم، وإنّي أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمّداً عبده ورسوله(114).
غزوة الحديبية:
وفيها: كانت غزوة الحديبية في ذي القعدة، خرج صلّى الله عليه وآله وسلّم في ناس كثير من أصحابه يريد العمرة وساق معه سبعين بدنة، وبلغ ذلك المشركين من قريش، فبعثوا خيلا ليصدّوه عن المسجد الحرم، وكان صلّى الله عليه وآله وسلّم يرى أنّهم لا يقاتلونه لاَنّه خرج في الشهر الحرام، وكان من أمر سهيل بن عمرو وأبي جندل ابنه وما فعله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما شكّ به من زعم أنّه ما شكّ إلاّ يومئذ في الدين.
وأتى بدليل بن ورقاء إلى قريش فقال لهم: يا معشر قريش خفّضوا عليكم، فإنّه لم يأت يريد قتالكم وإنّما يريد زيارة هذا البيت.
فقالوا: والله ما نسمع منك ولا تحدّث العرب أنّه دخلها عنوة، ولا نقبل منه إلاّ أن يرجع عنّا، ثمّ بعثوا إليه بكر بن حفص وخالد بن الوليد وصدّوا الهدي.
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عثمان بن عفّان إلى أهل مكّة يستأذنهم في أن يدخل مكّة معتمراً، فأبوا أن يتركوه، واُحتبس عثمان، فظنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّهم قتلوه فقال لأصحابه: «أتبايعونني على الموت؟» فبايعوه تحت الشجرة على أن لا يفرّوا عنه أبداً.
ثمّ إنّهم بعثوا سهيل بن عمرو فقال: يا أبا القاسم، إنّ مكّة حرمنا وعزّنا، وقد تسامعت العرب بك أنّك قد غزوتنا، ومتى ما تدخل علينا مكّة عنوة يطمع فينا فنتخطّف، وإنّا نذكرك الرحم، فإنّ مكّة بيضتك التي تفلّقت عن رأسك.
قال: «فما تريد؟».
قال: اُريد أن أكتب بيني وبينك هدنة على أن اُخلّيها لك في قابل فتدخلها ولا تدخلها بخوف ولا فزع ولا سلاح إلاّ سلاح الراكب، السيف في القراب والقوس.
فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّ بن أبي طالب عليه السلام فأخذ أديماً احمراً فوضعه على فخذه ثمّ كتب: «بسم الله الرحمن الرحيم.» ـ هذا ما قاضى عليه محمّد بن عبدالله بن عبد المطلب ومن معه من المسلمين سهيل بن عمرو ومن معه من أهل مكّة : على أنّ الحرب مكفوفة فلا إغلال ولا إسلال ولا قتال، وعلى أن لا يستكره أحد على دينه، وعلى أن يعبد الله بمكة علانية، وعلى أنّ محمداً ينحر الهدي مكانه، وعلى أن يخلّيها له في قابل ثلاثة أيّام فيدخلها بسلاح الراكب وتخرج قريش كلّها من مكّة إلاّ رجل واحد من قريش يخلفونه مع محمّد وأصحابه، ومن لحق محمّداً وأصحابه من قريش فإن محمداً يرده إليهم ، ومن رجع من أصحاب محمّد إلى قريش بمكّة فإنّ قريشاً لا تردّه إلى محمّد ـ وقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «إذا سمع كلامي ثمّ جاءكم فلا حاجة لي فيه» ـ وأن قريشاً لا تعين على محمّد وأصحابه احداً بنفس ولا سلاح ...إلى آخره.
فجاء أبو جندل إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى جلس إلى جنبه، فقال أبوه سهيل: ردّه عليّ، فقال المسلمون: لا نردّه.
فقام صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخذ بيده وقال: «اللّهم إن كنت تعلم أنّ أبا جندل لصادقٌ فاجعل له فرجاً ومخرجاً» ثمّ أقبل على الناس وقال: «إنّه ليس عليه بأس، إنّما يرجع إلى أبيه واُمه، وإنّي أريد أن اتمّ لقريش شرطها».
ورجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة وأنزل الله في الطريق سورة الفتح (اِنّا فَتَحنا لَكَ فَتحاً مُبيناً)(115).
قال الصادق عليه السلام: «فما انقضت تلك المدّة حتّى كاد الاسلام يستولي على أهل مكّة».
ولمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة انفلت أبو بصير بن اُسيد بن جارية(116)الثقفي من المشركين، وبعث الأخنس بن شريق في أثره رجلين فقتل أحدهما وأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مسلماً مهاجراً فقال [له صلّى الله عليه وآله وسلّم]: «مسعّر حرب لو كان معه احد» ثمّ قال: «شأنك بسلب صاحبك، واذهب حيث شئت».
فخرج أبو بصير ومعه خمسة نفر كانوا قدموا معه مسلمين، حتّى كانوا بين العيص وذي المروة من أرض جهينة على طريق عيرات قريش مما يلي سيف البحر، وانفلت أبو جندل بن سهيل بن عمرو في سبعين رجلاً راكباً اسلموا فلحق بأبي بصير، واجتمع إليهم ناس من غفار وأسلم وجهينة حتّى بلغوا ثلاثمائة مقاتل وهم مسلمون، لا تمرّ بهم عير لقريش إلاّ أخذوها وقتلوا أصحابها، فأرسلت قريش أبا سفيان بن حرب إلى رسول الله يسألونه ويتضرّعون إليه أن يبعث إلى أبي بصير وأبي جندل ومن معهم فيقدموا عليه، وقالوا: من خرج منّا إليك فأمسكه غير حرج أنت فيه. فعلم الذين كانوا أشاروا على رسول الله أن يمنع أبا جندل من أبيه بعد القضية(117)أنّ طاعة رسول الله خير لهم فيما أحبّوا وفيما كرهوا.
وكان أبو بصير وأبو جندل وأصحابهما هم الذين مرّ بهم أبو العاص بن الربيع من الشام في نفر من قريش فأسروهم وأخذوا ما معهم ولم يقتلوا منهم أحداً لصهر أبي العاص رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وخلّوا سبيل أبي العاص فقدم المدينة على امرأته وكان أذن لها حين خرج إلى الشام أن تقدم المدينة فتكون مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وأبو العاص هو ابن اُخت خديجة بنت خويلد(118).
غزوة خيبر:
ثمّ كانت غزوة خيبر في ذي الحجّة من سنة ستّ ـ وذكر الواقديّ: أنّها كانت أوّل سنة سبع من الهجرة(119)ـ وحاصرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بضعاً وعشرين ليلة، وبخيبر أربعة عشر ألف يهوديّ في حصونهم، فجعل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يفتتحها حصناً حصناً، وكان من أشدّ حصونهم وأكثرها رجالاً القموص، فأخذ أبو بكر راية المهاجرين فقاتل بها ثمّ رجع منهزماً، ثمّ أخذها عمر بن الخطّاب من الغد فرجع منهزماً يجبّن الناس ويجبّنونه حتّى ساء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذلك فقال: «لأعطين الراية غداً رجلاً كرّاراً غير فرّار، يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله، ولا يرجع حتّى يفتح الله على يده».
فغدت قريش يقول بعضهم لبعض: أمّا عليّ فقد كفيتموه فإنّه أرمد لا يبصر موضع قدمه. وقال عليّ عليه السلام لمّا سمع مقالة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «اللّهم لا معطي لما منعت، ولا مانع لما أعطيت».
فأصبح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واجتمع إليه الناس. قال سعد: جلست نصب عينيه ثمّ جثوت على ركبتي ثمّ قمت على رجلي قائماً رجاء أن يدعوني، فقال: «ادعو لي عليّاً» فصاح الناس من كلّ جانب: إنّه أرمد رمداً لا يبصر موضع قدمه فقال: «أرسلوا إليه وادعوه».
فأتي به يقاد، فوضع رأسه على فخذه ثمّ تفل في عينيه، فقام وكأنَّ عينيه جزعتان(120)، ثمّ أعطاه الراية ودعا له فخرج يهرول هرولة، فوالله ما بلغت اُخراهم حتّى دخل الحصن.
قال جابر: فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا، وصاح سعد: يا أبا الحسن أربع يلحق بك الناس، فأقبل حتّى ركزها قريباً من الحصن فخرج إليه مرحب في عادية اليهود(121) فبارزه فضرب رجله فقطعها وسقط، وحمل علي والمسلمون عليهم فانهزموا(122).
قال أبان: حدثني زرارة قال: قال الباقر عليه السلام: «انتهى إلى باب الحصن وقد اُغلق في وجهه فاجتذبه اجتذاباً وتترّس به، ثمّ حمله على ظهره واقتحم الحصن اقتحاماً، واقتحم المسلمون والباب على ظهره. قال: فوالله ما لقي عليّ عليه السلام من الناس تحت الباب أشدّ ممّا لقي من الباب، ثمّ رمى بالباب رمياً.
وخرج البشير إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: أنّ عليّاً دخل الحصن، فأقبل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فخرج عليّ يتلقّاه، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: قد بلغني نبأك المشكور وصنيعك المذكور، قد رضي الله عنك ورضيت أنا عنك. فبكى عليّ عليه السلام، فقال له: ما يبكيك يا علي؟ فقال: فرحاً بأنّ الله ورسوله عنّي راضيان.
قال: وأخذ عليّ فيمن أخذ صفيّة بنت حييّ، فدعا بلالاً فدفعها إليه وقال له: لا تضعها إلاّ في يدي رسول الله حتّى يرى فيها رأيه، فأخرجها بلال ومرّ بها إلى رسول الله على القتلى، وقد كادت تذهب روحها فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم لبلال: أنزعت منك الرحمة يا بلال؟! ثمّ اصطفاها صلّى الله عليه وآله وسلّم لنفسه، ثمّ اعتقها وتزوّجها».
قال: فلمّا فرغ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من خيبر عقد لواء ثمّ قال: «من يقوم إليه فيأخذه بحقّه؟» وهو يريد أن يبعث به إلى حوائط فدك، فقام الزبير إليه فقال: أنا، فقال له: «امط عنه» ثمّ قام إليه سعد، فقال: «امط عنه»، ثمّ قال: «يا عليّ قم إليه فخذه» فأخذه فبعث به إلى فدك فصالحهم على أن يحقن دماءهم، فكانت حوائط فدك لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خاصّاً خالصاً. فنزل جبرئيل عليه السلام فقال: «إنّ الله عزّ وجلّ يأمرك تؤتي ذا القربى حقّه».
فقال: «يا جبرئيل ومن قرباي وما حقّها؟».
قال: «فاطمة فأعطها حوائط فدك، وما لله ولرسوله فيها».
فدعا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فاطمة عليها السلام وكتب لها كتاباً جاءت به بعد موت أبيها إلى أبي بكر وقالت: «هذا كتاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لي ولا بني»(123).
قال ولمّا افتتح رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم خيبر أتاه البشير بقدوم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة إلى المدينة، فقال: «ما أدري بأيّهما أنا أسرّ، بفتح خيبر أم بقدوم جعفر»(124).
وعن سفيان الثوريّ، عن أبي الزّبير، عن جابر قال: لمّا قدم جعفر بن أبي طالب عليه السلام من أرض الحبشة تلقّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فلمّا نظر جعفر إلى رسول الله حجل ـ يعني مشى على رجل واحدة ـ إعظاماً لرسول الله، فقبّل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ما بين عينيه(125).
وروى زرارة عن أبي جعفر عليه السلام: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا استقبل جعفراً التزمه ثمّ قبّل بين عينيه، قال: «وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعث قبل أن يسير إلى خيبر عمرو بن اُميّة الضمري إلى النجاشي عظيم الحبشة ، ودعاه إلى الإسلام فأسلم ، وكان أمر عمراً أن يتقدم بجعفر وأصحابه، فجهّز النجاشي جعفراً وأصحابه بجهاز حسن، وأمر لهم بكسوة، وحملهم في سفينتين»(126).
ثمّ بعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ فيما رواه الزهري ـ عبدالله بن رواحة في ثلاثين راكباً فيهم عبدالله بن أنيس إلى اليسير بن رزام اليهودي، لمّا بلغه أنّه يجمع غطفان ليغزو بهم. فأتوه فقالوا: أرسلنا إليك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليستعملك على خيبر، فلم يزالوا به حتّى تبعهم في ثلاثين رجلاً مع كلّ رجل منهم رديف من المسلمين.
فلمّا ساروا ستّة أميال ندم اليسير فأهوى بيده إلى سيف عبدالله بن أنيس، ففطن له عبدالله فزجر بعيره ثمّ اقتحم يسوق بالقوم حتّى إذا استمكن من اليسير ضرب رجله فقطعها، فاقتحم اليسير وفي يده مخرش(127)من شوحط(128) فضرب به وجه عبدالله فشجّه مأمومة(129) ، وانفكا كلّ المسلمين على رديفه فقتله، غير رجل واحد من اليهود أعجزهم شدّا ، ولم يصب من المسلمين أحد، وقدموا على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فبصق في شجّة عبدالله بن أنيس فلم تؤذه حتّى مات(130).
وبعث غالب بن عبدالله الكلبي إلى أرض بني مرّة فقتل وأسر(131).
وبعث عيينة بن حصن البدري إلى أرض بني العنبر فقتل وأسر(132).
ثمّ كانت عمرة القضاء سنة سبع اعتمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والذين شهدوا معه الحديبية، ولمّا بلغ قريشاً ذلك خرجوا متبدّدين، فدخل مكّة وطاف بالبيت على بعيره بيده محجن(133)يستلم به الحجر، وعبدالله بن رواحة أخذ بخطامه وهو يقول:
خلّوا بني الكفّار عن سبيلهِ *** خلّوا فكلّ الخيرِ في رسولهِ
قد أنزل الرحمنُ في تنزيلهِ *** نضربكم ضرباً على تأويلهِ
كمــا ضربناكم على تنزيلهِ *** ضربناً يزيلُ الهامَ عن مقيله
يا رب إني مؤمن بقيله
وأقام بمكّة ثلاثة أيّام، وتزوّج بها ميمونة بنت الحارث الهلاليّة، ثمّ خرج فابتنى بها بسرف، ورجع إلى المدينة فأقام بها حتّى دخلت سنة ثمان(134).
وكانت غزوة مؤتة(135)في جمادى من سنة ثمان، بعث جيشاً عظمياً وأمّر عليه السلام على الجيش زيد بن حارثة ثمّ قال: «فإن اُصيب زيد فجعفر، فإن اُصيب جعفر فعبدالله بن رواحة، فإن اُصيب فليرتض المسلمون رجلاً فليجعلوه عليهم»(136).
وفي رواية أبان بن عثمان عن الصادق عليه السلام: أنّه استعمل عليهم جعفراً، فإن قتل فزيد، فإن قتل فابن رواحة.
ثمّ خرجوا حتّى نزلوا معان(137)، فبلغهم أنّ هرقل قد نزل بمأرب في مائة ألف من الروم ومائة ألف من المستعربة(138).
وفي كتاب أبان بن عثمان: بلغهم كثرة عدد الكفّار من العرب والعجم من لخم وجذام وبلّي وقضاعة، وانحاز المشركون إلى أرض يقال لها: المشارف، وإنّما سمّيت السيوف المشرفيّة لاَنّها طبعت لسليمان بن داود بها، فأقاموا بمعان يومين فقالوا: نبعث إلى رسول الله فنخبره بكثرة عدوّنا حتّى يرى في ذلك رأيه.
فقال عبدالله بن رواحة: يا هؤلاء إنّا والله ما نقاتل الناس بكثرة وإنّما نقاتلهم بهذا الدين الذي أكرمنا الله به، فقالوا: صدقت.
فتهيّؤوا ـ وهم ثلاثة آلاف ـ حتّى لقوا جموع الروم بقرية من قرى البلقاء يقال لها: شرف، ثمّ انحاز المسلمون إلى مؤتة، قرية فوق الأحساء(139).
وعن أنس بن مالك قال: نعى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم جعفراً وزيد بن حارثة وابن رواحة، نعاهم قبل أن يجيء خبرهم وعيناه تذرفان. رواه البخاري في الصحيح(140).
قال أبان: وحدّثني الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «اُصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة، خمس وعشرون منها في وجهه»(141).
قال عبدالله بن جعفر: أنا احفظ حين دخل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على اُمّي فنعى لها أبي، فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهرقان الدموع حتّى تقطر على لحيته، ثمّ قال: «اللهم إنّ جعفراً قد قدم إليك إلى أحسن الثواب، فاخلفه في ذرّيّته بأحسن ما خلّفت أحداً من عبادك في ذرّيّة».
ثمّ قال: «يا أسماء ألا اُبشّرك؟».
قالت: بلى بأبي أنت واُمّي يا رسول الله.
قال: «إنّ الله جعل لجعفر جناحين يطير بهما في الجنّة».
قالت: فاعلم الناس ذلك.
فقام رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأخذ بيدي يمسح بيده رأسي حتّى رقى المنبر وأجلسني أمامه على الدرجة السفلى والحزن يعرف عليه، فقال: «إن المرء كثير بأخيه وابن عمّه، ألا إنّ جعفراً قد استشهد وجُعل له جناحان يطير بهما في الجنّة».
ثمّ نزل عليه السلام ودخل بيته وأدخلني معه، وأمر بطعام يصنع لأجلي، وأرسل إلى أخي فتغذينا عنده غذاء طيّباً مباركاً، وأقمنا ثلاثة أيّام في بيته ندور معه كلّما صار في بيت إحدى نسائه، ثمّ رجعنا إلى بيتنا، فأتانا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنا اُساوم شاة أخ لي فقال: «اللّهم بارك له في صفقته» قال عبدالله: فما بعت شيئاً ولا اشتريت شيئاً إلاّ بورك لي فيه(142).
قال الصادق عليه السلام: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لفاطمة عليها السلام: إذهبي فابكي على ابن عمّك، ولا(143)تدعي بثكل فما قلت فقد صدقت»(144).
وذكر محمّد بن إسحاق عن عروة قال: لمّا أقبل أصحاب مؤتة تلقّاهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون معه، فجعلوا يحثون عليهم التراب ويقولون: يا فرّار، فررتم في سبيل الله، فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ليسوا بفرّار ولكنّهم الكرّار إن شاء الله»(145).
غزوة الفتح:
ثمّ كانت غزوة الفتح في شهر رمضان من سنة ثمان، وذلك أنّ رسول الله لمّا صالح قريشاً عام الحديبية دخلت خزاعة في حلف النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعهده، ودخلت كنانة في حلف قريش، فلمّا مضت سنتان من القضيّة قعد رجل من كنانة يروي هجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقال له رجل من خزاعة: لا تذكر هذا، قال: وما أنت وذاك؟ فقال: لئن أعدت لأكسرنّ فاك.
فأعادها، فرفع الخزاعي يده فضرب بها فاه، فاستنصر الكناني قومه، والخزاعي قومه، وكانت كنانة أكثر فضربوهم حتّى أدخلوهم الحرم، وقتلوا منهم، وأعانتهم قريش بالكراع والسلاح، فركب عمرو بن سالم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فخبّره الخبر وقال أبيات شعر، منها:
لا هــــمّ أنّـــي ناشدٌ محمّداً *** حلف أبينا وأبيه الأ تلدا
أنّ قريشاً أخلفوك الموعدا *** ونقضوا ميثاقك المؤكّدا
وقتلونا ركعاً وسجداً
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «حسبك يا عمرو» ثمّ قام فدخل دار ميمونة وقال: «اسكبوا لي ماء» فجعل يغتسل ويقول: «لا نصرت إن لم أنصر بني كعب». ثمّ اجمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على المسير إلى مكّة، وقال: «اللّهمّ خذ العيون عن قريش حتّى نأتيها في بلادها».
فكتب حاطب بن أبي بلتعة مع سارة مولاة أبي لهب إلى قريش: أنّ رسول الله خارج إليكم يوم كذا وكذا. فخرجت وتركت الطريق ثمّ أخذت ذات اليسار في الحرّة، فنزل جبرئيل فأخبره، فدعا عليّاً عليه السلام والزبير فقال لهما: «أدركاها وخذا منها الكتاب».
فخرج عليّ عليه السلام والزبير لا يلقيان أحداً حتّى وردا ذا الحليفة، وكان النبي عليه السلام وضع حرساً على المدينة، وكان على الحرس حارثة بن النعمان، فأتيا الحرس فسألاهم فقالوا: ما مرّ بنا أحدٌ، ثمّ استقبلا حاطباً فسألاه، فقال: رأيت امرأة سوداء انحدرت من الحرّة. فأدركاها فأخذ عليّ عليه السلام منها الكتاب وردّها إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال: فدعا [صلّى الله عليه وآله وسلّم ] حاطباً فقال له: «انظر ما صنعت».
قال: أما والله إنّي لمؤمن بالله ورسوله ما شككت، ولكنّي رجلٌ ليس لي بمكّة عشيرة، ولي بها أهل فأردت أن أتّخذ عندهم يداً ليحفظوني فيهم.
فقال عمر بن الخطاب: دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فوالله لقد نافق.
فقال عليه السلام: «إنّه من أهل بدر، ولعل الله اطّلع عليهم فغفر لهم، أخرجوه من المسجد».
فجعل الناس يدفعون في ظهره وهو يلتفت إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ليرق عليه، فأمر بردّه وقال عليه السلام: «قد عفوت عن جرمك فاستغفر ربّك ولا تعد لمثل هذه ما حييت» فأنزل الله سبحانه {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ} [الممتحنة: 1] (146)ـ إلى صدر(147)السورة ـ(148).
فصل :
قال أبان : وحدثني عيسى بن عبدالله القمي ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال : لما انتهى الخبر إلى أبي سفيان ـ وهو بالشام ـ بما صنعت قريش بخزاعة أقبل حتى دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد احقن دم قومك وأجر بين قريش وزدنا في المدة .
قال : «أغدرتم يا أبا سفيان ؟» .
قال: لا.
قال: «فنحن على ما كنا عليه».
فخرج فلقي أبا بكر فقال: يا أبا بكر أجر بين قريش، قال: ويحك وأحد يجير على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟!
ثم لقي عمر فقال له مثل ذلك.
ثم خرج فدخل على اُم حبيبة ، فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال : يا بنيّة أرغبةً بهذا الفراش عني ؟
قالت: نعم، هذا فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ما كنت لتجلس عليه وأنت رجس مشرك.
ثم خرد فدخل على فاطمة فقال : يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش وتزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس ؟
قالت: «جواري في جوار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم».
قال: فتأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس؟
قالت: «والله ما يدري ابناي ما يجيران من قريش».
فخرج فلقي عليّاً عليه السلام فقال: أنت أمسّ القوم بي رحماً، وقد اعتسرت عليّ الاُمور، فاجعل لي منها وجهاً.
قال: «أنت شيخ قريش تقوم على باب المسجد فتجير بين قريش ثمّ تقعد على راحلتك وتلحق بقومك».
قال: وهل ترى ذلك نافعي؟
قال: «لا أدري».
فقال: يا أيّها الناس إنّي قد أجرت بين قريش، ثمّ ركب بعيره وانطلق فقدم على قريش، فقالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمّداً فكلّمته فوالله ما ردّ عليّ شيئاً، ثمّ جئت ابن أبي قحافة فلم أجد عنده خيراً، ثمّ جئت إلى ابن الخطّاب فكان كذلك، ثمّ دخلت على فاطمة فلم تجيبني، ثمّ لقيت عليّاً فأمرني أن أجير بين الناس ففعلت.
قالوا: هل أجاز ذلك محمد ؟
قال: لا أدري.
قالوا: ويحك، لعب بك الرجل، أوَ أنت تجير بين قريش؟!(149).
فصل
قال: وخرج رسول الله يوم الجمعة حين صلّى العصر لليلتين مضتا من شهر رمضان، فاستخلف على المدينة أبا لبابة بن عبد المنذر، ودعا رئيس كلّ قوم فأمره أن يأتي قومه فيستنفرهم.
قال الباقر عليه السلام: «خرج رسول الله في غزوة الفتح فصام وصام الناس حتّى نزل كراع الغميم فأمر بالإفطار فأفطر الناس، وصام قوم فسُمّوا العصاة لاَنّهم صاموا. ثمّ سار عليه السلام حتّى نزل مرّ الظهران ومعه نحو من عشرة آلاف رجل ونحو من أربعمائة فارس وقد عميت الأخبار من قريش، فخرج في تلك الليله أبو سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء هل يسمعون خبراً، وقد كان العبّاس بن عبد المطّلب خرج يتلقّى رسول الله ومعه أبو سفيان بن الحارث وعبدالله بن أبي اُميّة وقد تلقّاه بنيق العقاب ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في قبّته ـ وعلى حرسه يومئذ زياد بن اُسيد ـ فاستقبلهم زياد فقال: أمّا أنت يا أبا الفضل فامض إلى القبّة، وأمّا أنتما فارجعا.
فمضى العبّاس حتّى دخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فسلّم عليه وقال: بأبي أنت واُمّي هذا ابن عمّك قد جاء تائباً وابن عمّتك.
قال: «لا حاجة لي فيهما، إنّ ابن عمّي انتهك عرضي، وأمّا ابن عمّتي فهو الذي يقول بمكّة: لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً».
فلمّا خرج العبّاس كلّمته اُمّ سلمة وقالت: بأبي أنت واُمّي ابن عمّك قد جاء تائباً، لا يكون أشقى الناس بك، وأخي ابن عمّتك وصهرك فلا يكونّن شقيّاً بك.
ونادى أبو سفيان بن الحارث النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم: كن لنا كما قال العبد الصالح: لا تثريب عليكم، فدعاه وقبل منه، ودعا عبدالله بن أبي اُميّة فقبل منه.
وقال العبّاس: هو والله هلاك قريش إلى آخر الدهر إن دخلها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عنوة، قال: فركبت بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم البيضاء وخرجت أطلب الحطّابة أو صاحب لبن لعلّي آمره أن يأتي قريشاً فيركبون إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يستأمنون إليه، إذ لقيت أبا سفيان وبديل بن ورقاء وحكيم بن حزام، وأبو سفيان يقول لبديل: ما هذه النيران؟ قال: هذه خزاعة.
قال: خزاعة أقلّ وأقلّ من أن تكون هذه نيرانهم، ولكن لعلّ هذه تميم أو ربيعة.
قال العبّاس: فعرفت صوت أبي سفيان، فقلت: أبا حنظلة، قال: لبّيك فمن أنت؟ قلت: أنا العبّاس، قال: فما هذه النيران فداك أبي واُمّي؟ قلت: هذا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في عشرة آلاف من المسلمين، قال: فما الحيلة؟ قال: تركب في عجز هذه البغلة فأستأمن لك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال: فأردفته خلفي ثمّ جئت به، فكلّما انتهيت إلى نار قاموا إليّ فإذا رأوني قالوا: هذا عمّ رسول الله خلّوا سبيله، حتّى انتهيت إلى باب عمر فعرف أبا سفيان فقال: عدوّ الله الحمد لله الذي أمكن منك، فركَّضت البغلة حتّى اجتمعنا على باب القبّة، ودخل عمر على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: هذا أبو سفيان قد أمكنك الله منه بغير عهد ولا عقد فدعني أضرب عنقه.
قال: العبّاس: فجلست عند رأس رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقلت: بأبي أنت واُمّي أبو سفيان وقد أجرته، قال: «أدخله».
فدخل فقام بين يديه فقال: «ويحك يا أبا سفيان أما آن لك أن تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله؟».
قال: بأبي أنت واُمّي ما أكرمك وأوصلك وأحملك، أمّا الله لو كان معه إله لأغنى يوم بدر ويوم أحد، وأمّا أنّك رسول الله فوالله إنّ في نفسي منها لشيئاً.
قال العبّاس: يضرب والله عنقك الساعة أو تشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
قال: فإنّي أشهد أن لا إلاّ الله وأنّك رسول الله ـ تلجلج بها فوه ـ.
فقال أبو سفيان للعبّاس: فما نصنع باللات والعزّى؟ فقال له عمر: اسلح(150) عليهما.
فقال أبو سفيان: اُفّ لك ما أفحشك، ما يدخلك يا عمر في كلامي وكلام ابن عمّي؟
فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «عند من تكون الليلة»؟
قال: عند أبي الفضل.
قال: «فاذهب به يا أبا الفضل فأبته عندك الليلة واغد به عليّ».
فلمّا أصبح سمع بلالاً يؤذّن، قال: ما هذا المنادي يا أبا الفضل؟ قال: هذا مؤذّن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قم فتوضّأ وصلّ، قال: كيف أتوضّأ؟ فعلّمه.
قال: ونظر أبو سفيان إلى النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يتوضّأ وأيدي المسلمين تحت شعره، فليس قطرة تصيب رجلاً منهم إلاّ مسح بها وجهه، فقال: بالله إن رأيت كاليوم قطّ كسرى ولا قيصر.
فلمّا صلّى غدا به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا رسول الله إنّي اُحبّ أن تأذن لي [بالذهاب] إلى قومك فاُنذرهم وأدعوهم إلى الله ورسوله، فأذن له، فقال العبّاس: كيف أقول لهم؟ بيّن لي من ذلك أمراً يطمئنّون إليه.
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «تقول لهم: من قال: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً رسول الله، وكفّ يده فهو آمن، ومن جلس عند الكعبة ووضع سلاحه فهو آمن.
فقال العباس : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل يحب الفخر ، فلو خصّصه بمعروف .
فقال عليه السلام: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن».
قال أبو سفيان: داري؟! قال: «دارك»، ثمّ قال: «من أغلق بابه فهو آمن».
ولمّا مضى أبو سفيان قال العبّاس: يارسول الله إنّ أبا سفيان رجلٌ من شأنه الغدر، وقد رأى من المسلمين تفرّقاً.
قال: «فأدركه واحبسه في مضايق الوادي حتّى يمرّ به جنود الله».
قال: فلحقه العبّاس فقال: أبا حنظلة! قال: أغدراً يا بني هاشم؟
قال: ستعلم أنّ الغدر ليس من شأننا، ولكن أصبر حتّى تنظر إلى جنود الله.
قال العبّاس: فمرّ خالد بن الوليد فقال أبو سفيان: هذا رسول الله؟ قال: لا ولكن هذا خالد بن الوليد في المقدّمة، ثمّ مرّ الزبير في جهينة وأشجع فقال أبو سفيان: يا عبّاس هذا محمّد؟ قال: لا، هذا الزبير، فجعلت الجنود تمرّ به حتّى مرّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في الأنصار ثمّ انتهى إليه سعد بن عبادة، بيده راية رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: يا أبا حنظلة.
اليوم يوم الملحمة *** اليوم تستحلّ(151)الحرمة
يا معشر الأوس والخزرج ثأركم يوم الجبل.
فلمّا سمعها من سعد خلّى العباس وسعى إلى رسول الله وزاحم حتّى مرّ تحت الرماح فأخذ غرزه(152)فقبّلها، ثمّ قال: بأبي أنت واُمّي أما تسمع ما يقول سعد؟ وذكر ذلك القول، فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «ليس ممّا قال سعد شيء» ثمّ قال لعليّ عليه السلام: «أدرك سعداً فخذ الراية منه وأدخلها إدخالاً رفيقاً»، فأخذها علي وأدخلها كما أمر.
قال: وأسلم يومئذ حكيم بن حزام، وبديل بن ورقاء، وجبير بن مطعم.
وأقبل أبو سفيان حتّى دخل مكّة وقد سطع الغبار من فوق الجبال وقريش لا تعلم، وأقبل أبو سفيان من أسفل الوادي يركض فاستقبلته قريش وقالوا: ما وراءك وما هذا الغبار؟ قال: محمّد في خلق، ثمّ صاح: ياآل غالب البيوت البيوت، من دخّل داري فهو آمن، فعرفت هند فأخذت تطردهم، ثمّ قالت: اقتلوا الشيخ الخبيث، لعنه الله من وافد قوم وطليعة قوم.
قال: ويلك إنّي رأيت ذات القرون، ورأيت فارس أبناء الكرام، ورأيت ملوك كندة وفتيان حمير يسلمن آخر النهار، ويلك اسكتي فقد والله جاء الحقّ ودنت البليّة»(152)
فصل:
وكان قد عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى المسلمين أن لا يقتلوا بمكّة إلاّ من قاتلهم، سوى نفر كانوا يؤذون النبي صلوات الله عليه وآله، منهم: مقيس بن صبابة، وعبدالله بن سعد بن أبي سرح، وعبدالله بن خطل، وقينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقال: «اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلّقين بأستار الكعبة».
فاُدرك ابن خطل وهو متعلّق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث وعمّار بن ياسر فسبق سعيد عمّاراً فقتله، وقتل مقيس بن صبابة في السوق، وقتل علي عليه السلام إحدى القينتين وأفلتت الاُخرى، وقتل عليه السلام أيضاً الحويرث بن نقيذ بن كعب.
وبلغه أنّ اُمّ هانىء بنت أبي طالب قد آوت ناساً من بني مخزوم منهم الحارث بن هشام وقيس بن السائب، فقصد نحو دارها مقنّعاً بالحديد، فنادى: «أخرجوا من آويتم» فجعلوا يذرقون كما يذرق الحبارى خوفاً منه.
فخرجت إليه اُمّ هانىء ـ وهي لا تعرفه ـ فقالت: يا عبدالله، أنا اُمّ هانىء بنت عمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم واُخت عليّ بن أبي طالب، انصرف عن داري.
فقال علي عليه السلام: «أخرجوهم».
فقالت: والله لاَشكونّك إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
فنزع المغفر عن رأسه فعرفته فجاءت تشتدّ حتّى التزمته، فقالت: فديتك حلفت لاَشكونّك إلى رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم؟
فقال لها: «فاذهبي فبرّي قسمك، فإنّه بأعلى الوادي».
قالت اُمّ هانئ: فجئت إلى النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وهو في قبّة يغتسل ، وفاطمة عليها السلام تستره ، فلمّا سمع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كلامي قال: «مرحباً بك يا اُمّ هانىء».
قلت: بأبي واُمّي ما لقيت من عليّ اليوم!
فقال عليه السلام: «قد أجرت من أجرت».
فقالت فاطمة عليها السلام: «إنّما جئت يا اُمّ هانىء تشكين عليّاً في أنّه أخاف أعداء الله وأعداء رسوله؟!».
فقلت: احتمليني فديتك.
فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «قد شكر الله لعليّ سعيه، وأجرت من أجارت اُمّ هانىء لمكانها من عليّ بن أبي طالب»(153).
قال أبان : وحدثني بشير النبّال ، عن أبي عبدالله عليه السلام قال :«لمّا كان فتح مكّة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عند من المفتاح ؟
قالوا: عند اُمّ شيبة.
فدعا شيبة فقال: إذهب إلى اُمّك فقل لها ترسل بالمفتاح.
فقالت: قل له: قتلت مقاتلينا وتريد أن تأخذ منّا مكرمتنا.
فقال: لترسلنّ به أو لأقتلنك. فوضعته في يد الغلام فأخذه ودعا عمر فقال له: هذا تأويل رؤياي من قبل.
ثمّ قام صلّى الله عليه وآله وسلّم ففتحه وستره، فمن يومئذ يستر، ثمّ دعا الغلام فبسط رداءه فجعل فيه المفتاح وقال: ردّه إلى اُمّك.
قال: ودخل صناديد قريش الكعبة وهم يظنّون أنّ السيف لا يرفع عنهم، فأتى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم البيت وأخذ بعضادتي الباب ثمّ قال: لا إله إلاّ الله أنجز وعده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده. ثمّ قال: ما تظنّون وما أنتم قائلون؟
فقال سهيل بن عمرو: نقول خيراً، ونظنّ خيراً، أخ كريم وابن عمّ.
قال: فإنّي أقول لكم كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين، ألا إنّ كلّ دم ومال ومأثرة كان في الجاهليّة فإنّه موضوع تحت قدمي، إلاّ سدانة الكعبة وسقاية الحاج فإنّهما مردوتان إلى أهليهما، ألا إنّ مكّة محرّمة بتحريم الله، لم تحلّ لاَحد كان قبلي ولم تحلّ لي إلاّ ساعة من نهار، فهي محرّمة إلى أن تقوم الساعة ، لا يختلي خلاها، ولا يقطع شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تحلّ لقطتها إلاّ لمنشد.
ثمّ قال: ألا لبئس جيران النبيّ كنتم، لقد كذبتم وطردتم، وأخرجتم وفللتم، ثمّ ما رضيتم حتّى جئتموني في بلادي تقاتلونني، فاذهبوا فأنتم الطلقاء.
فخرج القوم كأنّما انشروا من القبور، ودخلوا في الاِسلام.
قال: ودخل رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم مكّة بغير إحرام وعليهم السلاح، ودخل البيت لم يدخله في حجّ ولا عمرة.
ودخل وقت الظهر فأمر بلال فصعد على الكعبة وأذّن، فقال عكرمة: والله إن كنت لأكره أن أسمع صوت ابن رباح ينهق على الكعبة، وقال خالد بن أسيد: الحمد لله الذي أكرم أبا عتّاب من هذا اليوم من أن يرى ابن رباح قائماً على الكعبة، قال سهيل: هي كعبة الله وهو يرى ولو شاء لغيّر ـ قال: وكان أقصدهم ـ وقال أبو سفيان: أمّا أنا فلا أقول شيئاً، والله لو نطقت لظننت أنّ هذه الجدر تخبر به محمّداً.
وبعث صلوات الله عليه وآله إليهم فأخبرهم بما قالوا، فقال عتّاب: قد والله قلنا يا رسول الله ذلك فنستغفر الله ونتوب إليه، فأسلم وحسن إسلامه وولاّه رسول الله مكّة.
قال: وكان فتح مكّة لثلاث عشرة خلت من شهر رمضان، واستشهد من المسلمين ثلاثة نفر دخلوا من أسفل مكة وأخطأوا الطريق فقتلوا»(154).
السرايا بعد عام الفتح:
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم السرايا فيما حول مكّة يدعون إلى الله عز وجلّ، ولم يأمرهم بقتال، فبعث غالب بن عبدالله إلى بني مدلج فقالوا: لسنا عليك ولسنا معك، فقال الناس: اُغزهم يا رسول الله، فقال: «إنّ لهم سيّداً أديباً أريباً، وربّ غاز من بني مدلج شهيد في سبيل الله»(155).
وبعث عمرو بن اُمّية الضمري إلى بني الدليل فدعاهم إلى الله ورسوله فأبوا أشدّ الإباء، فقال الناس: اُغزهم يا رسول الله، فقال: «أتاكم الآن سيّدهم قد أسلم فيقول لهم: أسلموا، فيقولون: نعم»(156).
وبعث عبدالله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر فأسلموا وجاء معه نفر منهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم(157).
وبعث خالد بن الوليد إلى بني جذيمة بن عامر، وقد كانوا أصابوا في الجاهليّة من بني المغيرة نسوة وقتلوا عمّ خالد، فاستقبلوه وعليهم السلاح وقالوا: يا خالد إنّا لم نأخذ السلاح على الله وعلى رسوله ونحن مسلمون، فانظر فإن كان بعثك رسول الله ساعياً فهذه إبلنا وغنمنا فاغد عليها، فقال: ضعوا السلاح، قالوا: إنّا نخاف منك أن تأخذنا بإحنة الجاهليّة وقد أماتها الله ورسوله.
فانصرف عنهم بمن معه، فنزلوا قريباً ثمّ شنّ عليهم الخيل، فقتل وأسر منهم رجالاً، ثمّ قال: ليقتل كلّ رجل منكم أسيره، فقتلوا الأسرى، وجاء رسولهم إلى رسول الله فأخبره بما فعل خالدٌ بهم، فرفع عليه السلام يده إلى السماء وقال: «اللهم إنّي أبرأ إليك ممّا فعل خالد» وبكى ثمّ دعا عليّاً عليه السلام فقال: «اُخرج إليهم وانظر في أمرهم» وأعطاه سفطاً من ذهب، ففعل ما أمره وأرضاهم(158).
غزوة حنين:
ثمّ كانت غزوة حنين، وذلك أنّ هوازن جمعت له جمعاً كثيراً، فذكر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أنّ صفوان بن اُميّة عنده مائة درع فسأله ذلك، فقال: أغصباً يا محمّد؟ قال: «لا، ولكن عارية مضمونة» قال: لا بأس بهذا. فأعطاه.
فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في ألفين ـ من مكّة ـ وعشرة آلاف كانوا معه، فقال أحد أصحابه: لن نُغلب اليوم من قلّة. فشقّ ذلك على رسول الله فأنزل الله سبحانه {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ} [التوبة: 25] (159).
وأقبل مالك بن عوف النصريّ فيمن معه من قبائل قيس وثقيف، فبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عبدالله بن أبي حدرد عيناً فسمع ابن عوف يقول: يا معشر هوازن إنّكم أحدٌ العرب وأعدّها، وإنّ هذا الرجل لم يلق قوماً يصدقونه القتال، فإذا لقيتموه فاكسروا جفون سيوفكم واحملوا عليه حملة رجل واحد. فأتى ابن أبي حدرد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأخبره فقال عمر: ألا تسمع يا رسول الله ما يقول ابن أبي حدرد؟ فقال: «قد كنت ضالاً فهداك الله يا عمر وابن أبي حدرد صادق»(160).
قال الصادق عليه السلام: «وكان مع هوازن دريد بن الصمّة، خرجوا به شيخاً كبيراً يتيمّنون برأيه، فلمّا نزلوا بأوطاس(161)قال: نعم مجال الخيل لا حزنّ(162) ضرس(163) ولا سهل دهس(164) ،ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير؟ قالوا: ساق مالك بن عوف مع الناس أموالهم ونساءهم وذراريهم قال: فأين مالك؟ فدعي مالك له، فأتاه فقال: يا مالك، أصبحت رئيس قومك، وإنّ هذا اليوم كائن له ما بعده من الأيّام، ما لي أسمع رغاء البعير، ونهاق الحمير، وبكاء الصغير، وثغاء الشاة؟.
قال: أردت أن أجعل خلف كلّ رجل أهله وماله ليقاتل عنهم.
قال: ويحك لم تصنع شيئاً، قدّمت بيضة(165)هوازن في نحور الخيل، وهل يرد وجه المنهزم شيء؟! إنّها إن كانت لك لم ينفعك إلاّ رجلٌ بسيفه ورمحه، وإن كانت عليك فضحت في أهلك ومالك.
قال: إنّك قد كبرت وكبر عقلك.
فقال دريد: إن كنت قد كبرت فتورث غداً قومك ذلاًّ بتقصير رأيك وعقلك، هذا يوم لم أشهده ولم أغب عنه، ثمّ قال: حرب عوان(166)
يا ليتني فيها جذع * أخبّ فيها وأضع»(167)
قال جابر: فسرنا حتّى إذا استقبلنا وادي حنين، كان القوم قد كمنوا في شعاب الوادي ومضائقه ، فما راعنا إلاّ كتائب الرجال بأيديها السيوف والعمد والقني، فشدّوا علينا شدّة رجل واحد، فانهزم الناس راجعين لا يلوي أحد على أحد، وأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ذات اليمين، وأحدق ببغلته تسعة من بني عبدالمطّلب(168).
وأقبل مالك بن عوف يقول: أروني محمّداً، فأروه فحمل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وكان رجلاً أهوج(169)ـ فلقيه رجل من المسلمين فالتقيا ، فقتله مالك ـ وقيل : إنه أيمن بن اُم أيمن (170) ـ ثمّ أقدم فرسه فأبى أن يقدم نحو رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وصاح كلدة بن الحنبل ـ وهو أخو صفوان بن اُميّة لاُمّه وصفوان يومئذ مشرك ـ: ألا بطل السحر اليوم، فقال صفوان: اسكت فضّ الله فاك، فوالله لاَن يُربني رجل من قريش أحبّ إليّ من أن يربني رجل من هوازن(171).
قال محمّد بن إسحاق: وقال شيبة بن عثمان بن أبي طلحة أخو بني عبد الدار: اليوم أدرك ثأري ـ وكان أبوه قتل يوم اُحد ـ اليوم أقتل محمّداً، قال: فأدرت برسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لأقتله فأقبل شيء حتّى تغشّى فؤادي، فلم أطلق ذلك، فعرفت أنّه ممنوع(172).
وروى عكرمة عن شيبة قال: لمّا رأيت رسول الله يوم حنين قد عري ذكرت أبي وعمّي وقتل عليّ وحمزة اياهما، فقلت: أدرك ثأري اليوم من محمّد، فذهبت لأجيئه عن يمينه، فإذا أنا بالعبّاس بن عبد المطّلب قائماً عليه درع بيضاء كأنّها فضّة يكشف عنها العجاج، فقلت: عمّه ولن يخذله، ثمّ جئته عن يساره، فإذا أنا بأبي سفيان بن الحرث بن عبد المطّلب، فقلت: ابن عمه ولن يخذله، ثمّ جئته من خلفه، فلم يبق إلاّ أنّ أسوره سورة بالسيف إذ رفع لي شواظ(173)من نار بيني وبينه كأنّه برق، فخفت أن يحمشني(174) فوضعت يدي على بصري ومشيت القهقرى، والتفت رسول الله وقال: «يا شيب اُدن منّي، اللهمّ اذهب عنه الشيطان» قال: فرفعت إليه بصري ولهو أحبّ إليّ من سمعي وبصري، وقال: «يا شيب قاتل الكفّار»(175).
الركابين وهو على البغلة فرفع يديه إلى الله يدعوا ويقول: «اللهم إنّي أنشدك ما وعدتني، اللهم لا ينبغي لهم أن يظهروا علينا» ونادى أصحابه وذمرهم(176): «يا أصحاب البيعة يوم الحديبية الله الله الكرّة على نبيكّم».
وقيل: إنّه قال: «يا أنصار الله وأنصار رسوله، يابني الخزرج» وأمر العبّاس ابن عبد المطّلب فنادى في القوم بذلك، فأقبل إليه أصحابه سراعاً يبتدون.
وروي: أنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم قال: «الآن حمِيَ الوطيس.
أنا النبيّ لا كذب *** أنا ابن عبد المطّلب»(177)
قال سلمة بن الأكوع: ونزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عن البغلة ثمّ قبض قبضة من تراب، ثمّ استقبل به وجوهم وقال: «شاهت الوجوه» فما خلي الله منهم إنساناً إلاّ ملأ عينيه تراباً بتلك القبضة فولّوا مدبرين، واتبعهم المسلمون فقتلوهم، وغنّمهم الله نساءهم وذراريهم وشاءهم وأموالهم(178).
وفرّ مالك بن عوف حتّى دخل حصن الطائف في ناس من أشراف قومهم، وأسلم عند ذلك كثير من أهل مكّة حين رأوا نصرالله وإعزاز دينه(179).
قال أبان: وحدّثني محمّد بن الحسن(180)بن زياد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «سبى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم حنين أربعة آلاف رأس واثني عشر ألف ناقة، سوى ما لا يُعلم من الغنائم(181)وحلف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم الأنفال والأموال والسبايا بالجعرانة(182)وافترق المشركون فريقتين، فأخذت الأعراب ومن تبعهم أوطاس، وأخذت ثقيف ومن تبعهم الطائف، وبعث رسول الله أبا عامر الأشعري إلى أوطاس فقاتل حتّى قُتل، فأخذ الراية أبو موسى الأشعري ـ وهو ابن عمّه ـ فقاتل بها حتّى فتح عليه»(183)
غزوة الطائف:
ثمّ كانت غزوة الطائف، سار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى الطائف في شوّال سنة ثمان فحاصرهم بضع عشر يوماً، وخرج نافع بن غيلان ابن معتّب في خيل من ثقيف فلقيه عليّ عليه السلام في خيله، فالتقوا ببطن وَجّ(184)، فقتله عليّ وانهزم المشركون، ونزل من حصن الطائف إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جماعة من أرقائهم ، منهم أبو بكرة ـ وكان عبداً للحارث بن كلدة المنبعث، وكان اسمه المضطجع، فسمّاه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم المنبعث ـ ووردان ـ وكان عبداً لعبد الله بن ربيعة ـ فأسلموا، فلمّا قدم وفد الطائف على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأسلموا قالوا: يا رسول الله ردّ علينا رقيقنا الذين أتوك، فقال: «لا، اُولئك عتقاء الله»(185)؟.
وذكر الواقديّ ـ عن شيوخه ـ قال : شاور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه في بعض الطائف ، فقال له سلمان الفارسي رحمه الله قال: يا رسول الله أرى أن تنصب المنجنيق على حصنهم، فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فعمل المنجنيق، ويقال: قدّم بالمنجنيق يزيد بن زمعة ودّبابتين ـ ويقال: خالد بن سعيد ـ فأرسلت عليهم ثقيف سكك الحديد محماة بالنار فأحرقت الدبّابة.
فأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بقطع أعنابهم وتحريقها، فنادى سفيان بن عبدالله الثقفي: لِمَ تقطع أموالنا، إمّا أن تأخذها إن ظهرت علينا وإمّا أن تدعها لله والرحم، فقال رسول الله عليه السلام: «فإنّي أدعها لله والرحم» فتركها(186).
وأنفذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً عليه السلام في خيل عند محاصرته أهل الطائف وأمره أن يكسر كلّ صنم وجده، فخرج فلقيه جمع كثيرٌ من خثعم، فبرز له رجلٌ من القوم وقال: هل من مبارز، فلم يقم أحدٌ، فقام إليه عليّ عليه السلام، فوثب أبو العاص بن الربيع زوج بنت النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: تكفاه أيّها الأمير، فقال: «لا، ولكن إن قُتلت فأنت على الناس».
فبرز إليه علي عليه السلام وهو يقول:
«إنّ على كلّ رئيس حقّا *** أن يروي الصعدة(187)أو تدقّا»
ثمّ ضربه فقتله، ومضى حتّى كسر الأصنام، وانصرف إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو بعد محاصر لأهل الطائف ينتظره، فلمّا رآه كبّر وأخذ بيده وخلا به(188).
فروى جابر بن عبدالله قال: لمّا خلا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعليّ بن أبي طالب عليه السلام يوم الطائف أتاه عمر بن الخطّاب فقال: أتناجيه دوننا وتخلو به دوننا؟ فقال: «يا عمر، ما أنا انتجيته بل الله انتجاه» قال: فأعرض وهو يقول: هذا كما قلت لنا يوم الحديبية لتدخلّن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلّقين، فلم ندخله وصددنا عنه. فناداه صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لم أقل لكم إنّكم تدخلونه ذلك العام»(189)
قال: فلمّا قدم عليّ عليه السلام فكأنّما كان رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم على وجل فارتحل فنادى سعيد بن عبيدة: ألا ان الحيّ مقيم، فقال عليه السلام: «لا أقمت ولا ظعنت» فسقط فانكسر فخذه(190).
وعن محمّد بن إسحاق قال: حاصر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أهل الطائف ثلاثين ليلة أو قريباً من ذلك، ثمّ انصرف عنهم ولم يؤذن فيهم، فجاءه وفده في شهر رمضان فأسلموا.
وقال محمّد بن إسحاق: استخلف عتّاب بن اُسيد وخلّف معه معاذاً يفقه الناس في الدين ويعلّمهم القرآن، وحجّ بالناس في تلك السنة وهي سنة ثمان عتّاب بن اُسيد، وأقام صلّى الله عليه وآله وسلّم بالمدينة ما بين ذي الحجة إلى رجب(191)....
ثمّ كانت غزوة تبوك:
تهيّأ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في رجب لغزو الرُوم، وكتب إلى قبائل العرب ممّن قد دخل في الاِسلام وبعث إليهم الرسل يرغّبهم في الجهاد والغزو، وكتب إلى تميم وغطفان وطيّ، وبعث إلى عتّاب بن اُسيد عامله على مكّة يستنفرهم لغزو الروم.
فلمّا تهيّأ للخروج قام خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ورغّب في المواساة وتقوية الضعيف والإنفاق، فكان أوّل من أنفق فيها عثمان بن عفّان جاء بأواني من فضّة فصبّها في حجر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فجهّز ناساً من أهل الضعف، وهو الذي يقال إنّه جهّز جيش العسرة.
وقدم العبّاس على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأنفق نفقة حسنة وجهّز، وسارع فيها الأنصار، وأنفق عبد الرحمن والزبير وطلحة، وأنفق ناس من المنافقين رياءً وسمعة، فنزل القرآن بذلك.
وضرب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عسكره فوق ثنيّة الوداع بمن تبعه من المهاجرين وقبائل العرب وبني كنانة وأهل تهامة ومزينة وجهينة وطيّ وتميم، واستعمل على المدينة عليّاً عليه السلام وقال له: «إنّه لابدّ للمدينة منّي أو منك».
واستعمل الزبير على راية المهاجرين، وطلحة بن عبيد الله على الميمنة، وعبد الرحمن بن عوف على الميسرة.
وسار رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى نزل الجرف، فرجع عبدالله بن اُبيّ بغير إذن فقال عليه السلام: «حسبي الله هو الذي أيدني بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم» فلمّا انتهى إلى الجرف لحقه عليّ عليه السلام وأخذ بغرز(192) رجله وقال: «يا رسول الله زعمت قريش أنّك انما خلّفتني استثقالاً لي».
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «طالما آذت الاُمم أنبياءها، أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى؟».
فقال: «قد رضيت قد رضيت». ثمّ رجع إلى المدينة.
وقدم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم تبوك في شعبان يوم الثلاثاء فأقام بقيّة شعبان وأيّاماً من شهر رمضان، وأتاه وهو بتبوك يحنّة بن رؤبة صاحب إيلة(193) فأعطاه الجزية وكتب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم له كتاباً، والكتاب عندهم، وكتب أيضاً لأهل جرباء وأذُرح(194)كتاباً.
وبعث رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو بتبوك بأبي عبيدة بن الجرّاح إلى جمع من بني جذام مع زنباع بن روح الجذامي فأصاب منهم طرفاً وأصاب منهم سبايا، وبعث سعد بن عبادة إلى ناس من بني سليم وجموع من بليّ، فلمّا قارب القوم هربوا.
وبعث خالداً إلى الاُكيدر صاحب دومة الجندل وقال له: «لعل الله يكفيكه بصيد البقر فتأخذه».
فبينما فخالد وأصحابه في ليلة إضحيان إذ أقبلت البقرة تنتطح فجعلت تنطح باب حصن اُكيدر وهو مع امرأتين له يشرب الخمر، فقام فركب هو وحسّان أخوه وناس من أهله فطلبوها وقد كمن له خالد وأصحابه فتلقّاه اُكيدر وهو يتصيّد البقر فأخذوه وقتلوا أخاه حسّاناً وعليه قباء مخوّص بالذهب، وأفلت أصحابه فدخلوا الحصن وأغلقوا الباب دونهم، فأقبل خالد بأكيدر وسار معه أصحابه فسألهم أن يفتحوا له فأبوا فقال: أرسلني فإنّي أفتح الباب، فأخذ عليه موثقاً وأرسله فدخل وفتح الباب حتّى دخل خالد وأصحابه، وأعطاه ثمانمائة رأس وألفي بعير وأربعمائة درع وأربعمائة رمح وخمسمائة سيف، فقبل ذلك منه وأقبل به إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فحقن دمه وصالحه على الجزية(195).
وفي كتاب دلائل النبوّة للشيخ أبي أحمد البيهقي: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ ـ وذكر الاِسناد مرفوعاً إلى أبي الأسود ـ عن عروة قال: لمّا رجع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قافلاً من تبوك إلى المدينة حتّى إذا كان ببعض الطريق مكر به ناس من أصحابه فتآمروا أن يطرحوه من عقبة في الطريق أرادوا أن يسلكوها معه، فاُخبر رسول ألله خبرهم، فقال: «من شاء منكم أن يأخذ بطن الوادي فإنّه أوسع لكم».
فأخذ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم العقبة وأخذ الناس بطن الوادي إلاّ النفر الذين أرادا المكر به استعدّوا وتلثّموا، وأمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حذيفة بن اليمان وعمّار بن ياسر فمشيا معه مشياً، وأمر عمّاراً أن يأخذ بزمام الناقة، وأمر حذيفة بسوقها، فبينا هم يسيرون إذ سمعوا ركزة(196) القوم من ورائهم قد غشوه، فغضب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأمر حذيفة أن يردّهم فرجع ومعه محجن، فاستقبل وجوه رواحلهم وضربها ضرباً بالمحجن، وأبصر القوم وهم متلثّمون، فرعّبهم الله حين أبصروا حذيفة وظنّوا أنّ مكرهم قد ظهر عليه، فأسرعوا حتّى خالطوا الناس، وأقبل حذيفة حتّى أدرك رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فلمّا أدركه قال: «اضرب الراحلة يا حذيفة، وامش أنت يا عمّار».
فأسرعوا وخرجوا من العقبة ينتظرون الناس، فقال النبيّ: «يا حذيفة هل عرفت من هؤلاء الرهط ـ أو الركب ـ أحداً؟».
فقال حذيفة: عرفت راحلة فلان وفلان وكانت ظلمة الليل غشيتهم وهم متلثّمون.
فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم: «هل علمتم ما شأن الركب وما أرادو ؟».
قالا: لا يارسول الله.
قال: «فإنّهم مكروا ليسيروا معي حتّى إذا أظلمت في العقبة طرحوني منها».
قالا: أفلا تأمر بهم يا رسول الله إذا جاءك الناس فتضرب أعناقهم؟».
قال: «أكره أن يتحدّث الناس ويقولون: إنّ محمّداً قد وضع يده في أصحابه» فسمّاهم لهما وقال: «اُكتماهم»(197).
وعن أبي حميد الساعدي قال : أقبلنا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من غزوة تبوك حتّى إذا أشرفنا على المدينة قال: «هذه طابة، وهذا اُحد جبل يحبّنا ونحبّه»(198).
وعن أنس بن مالك: أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا دنا من المدينة قال: «إنّ بالمدينة لاَقواماً ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلاّ كانوا معكم فيه».
قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟
قال: «نعم، وهم بالمدينة، حبسهم العذر»(199).
وكانت تبوك آخر غزوات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومات عبدالله بن اُبيّ بعد رجوع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من غزوة تبوك(200).
__________
(1) انظر: مغازي الواقدي 1: 7، الطبقات الكبرى 2: 5 ـ 6، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 186 | 43.
(2) انظر: المغازي للواقدي 1: 9، وسيرة ابن هشام 2: 245، والطبقات الكبرى 2: 6، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 186 | 43.
(3) انظر: المغازي للواقدي 1: 11، والطبقات الكبرى 2: 8، ودلائل البيهقي 3: 9، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(4) احياء: ماء أسفل من ثنية المرة. «معجم البلدان 1: 118».
(5) انظر: المغازي للواقدي 1: 10، وسيرة ابن هشام 2: 42، والطبقات الكبرى 2: 7، ودلائل البيهقي 3: 10 و 11، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(6) بواط: حبل من جبال جهينة، ناحية رضوى «معجم البلدان 1: 502».
(7) مغازي (الواقدي 1: 12، سيرة ابن هشام 2: 248، الطبقات الكبرى 2: 8 وفيها: ربيع الأول، دلائل النبوة للبيهقي 3: 11، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(8) سيرة ابن هشام 2: 249، الطبقات الكبرى 2: 9، دلائل النبوة للبيهقي 3: 11، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(9) الصور: النخل المجتمع الصغار لا واحد له «الصحاح ـ صور ـ 2: 716».
(10) الدقعاء: التراب المنثور على وجه الأرض «العين 1: 145».
(11) سيرة ابن هشام 2: 249، تاريخ الطبري 2: 408، دلائل النبوة للبيهقي 3: 12، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 187.
(12) انظر: سيرة ابن هشام 2: 251، والطبقات الكبرى 2: 9، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 13 16 ،ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 188.
(13) ذكر في سيرة ابن هشام ان نخلة بين مكّة والطائف.
(14) البقرة 2: 217.
(15) البقرة 2: 218.
(16) انظر: سيرة ابن هشام 2: 252، والطبقات الكبرى 2: 10، وتاريخ الطبري 2: 410، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 18، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 19: 188.
(17) في نسخة «ط»: ستين.
(18) انظر: سيرة ابن هشام 2: 263، والطبقات الكبرى 2: 11، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 32، 142.
(19) انظر: ارشاد المفيد 1: 70، ومغازي الواقدي 1: 92، وسيرة ابن هشام 3: 366.
(20) ارشاد المفيد 1: 75.
(21) انظر: شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 14: 209.
(22) انظر: مغازي الواقدي 1: 151، وسيرة ابن هشام 2: 366، وفيهما: الأسود بن عبد الأسد المخزومي.
(23) دفّف على الجريح: أجهز عليه، وفي حديث أبن مسعود: انه دافّ أبا جهل يوم بدر أي أجهز عليه «لسان العرب ـ دفف ـ 9: 105».
(24) انظر: سيرة ابن هشام 2: 288 و 289، وتاريخ الطبري 2: 454 ـ 456، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 84 ـ 85.
(25) المغازي للواقدي 1: 151 وفيه علي بن اُمية بن خلف بدل اُمية بن خلف، السيرة النبوية لابن هشام 2: 372.
(26) سيرة ابن هشام 2: 92، تاريخ الطبري 2: 456، دلائل النبوة للبيهقي 3: 48 وفيها باختلاف يسير.
(27) كذا في نسخنا، والصواب: صفوان بن بيضار كما اثبتته جميع المصادر.
(28) انظر: المغازي للواقدي 1: 145 ـ 146، الطبقات الكبرى 2: 17 ـ 18، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد المعتزلي 14: 207.
(29) سيرة ابن هشام 3: 46، تاريخ الطبري 2: 482.
(30) قال ابن هشام: وإنما سميت غزوة السويق، فيما حدثني أبو عبيدة: ان أكثر ما طرح القوم من أزوادهم السويق، فهجم المسلمون على سويق كثير.
والسويق: هو ان تحمّص الحنطة أو الشعير أو نحو ذلك، ثم تطحن، وقد تمزج باللبن والعسل والسمن وتُلث، وإلاّ فبالماء فقط.
(31) قرقرة الكدر: القرقرة الأرض الملساء، والكدر جمع أكدر من اللون، قال الواقدي: بناحية المعدن قريبة من الأرحضية بينها وبين المدينة ثمانية برد. وقال غيره: ماء لبني سليم. «معجم البلدان 4: 441».
(32) انظر: المغازي للواقدي 1: 181، وسيرة ابن هشام 3: 47، والطبقات الكبرى 2: 30.
(33) المائدة 5: 11.
(34) المغازي للواقدي 1: 194 ـ 196، الطبقات الكبرى 2: 34 بزيادة فيهما.
(35) المغازي للواقدي 1: 197 مفصلاً، سيرة ابن هشام 3 :53 ، تاريخ الطبري 2 : 492.
(36) المغازي للواقدي 1: 198.
(37) آل عمران 3: 13.
(38) المغازي للواقدي 1: 76، سيرة ابن هشام 3: 50، تاريخ الطبري 2: 479، وفيها باختلاف يسير.
(39) اذرعات: بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقان وعمان. «معجم البلدان 1: 130».
(40) المائدة 5: 51.
(41) سيرة ابن هشام 3: 51، وتاريخ الطبري 2: 480 وفيهما نحوه.
(42) آل عمران 3: 122.
(43) حساً: أي استأصلوهم قتلاً. «انظر: الصحاح ـ حسس ـ 3: 917».
(44) انظر: المغازي للواقدي 1: 229 و 277، وتاريخ الطبري 2: 504 ـ 510، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 93 | 28.
(45) نحوه في: الكافي 8: 110 | 90، الارشاد 1: 85، مناقب ابن شهر آشوب 3: 124، تاريخ الطبري 2: 514، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 95 | ضمن حديث 28.
(46) انظر: المغازي للواقدي1: 300، سيرة ابن هشام 3: 129، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 95 ضمن حديث رقم 28.
(47) نحوه في: المغازي للواقدي 1: 250 ـ 251، وسيرة ابن هشام 3: 89، وتاريخ الطبري 2: 520، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 258، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 90 | ضمن حديث 28.
(48) المغازي للواقدي 1: 249 قطعة منه، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 95 ضمن حديث 28.
(49) نقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 96 ضمن حديث 28.
(50) ندر الشيء إذا سقط «العين 8: 21».
(51) اقمأك: صغرك وأذلك. «انظر :العين 5: 235».
(51) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 92، والمغازي للواقدي 1: 244 ـ 26، وتاريخ الطبري 2: 515، والكامل في التاريخ 2: 155، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 96 ضمن حديث 28.
(53) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 192 ـ 193، سيرة ابن هشام 3: 75 ـ 76، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 96 ضمن حديث 28.
(54) الداغصة: عظم مدور يديص ويموج فوق رضف الركبة، وقيل: يتحرك على رأس الركبة. «لسان العرب 7: 36».
(55) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 93، المغازي للواقدي 1: 286، وسيرة ابن هشام 3: 96 ـ 100، وتاريخ الطبري 2: 527، والكامل في التاريخ 2: 160، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 96 ضمن حديث 28.
(56) النحل 16: 126.
(57) انظر: سيرة ابن هشام 3: 79 ـ 101، وتاريخ الطبري 2 : 521 ـ 528 ، ودلائل النبوة للبيهقي 3 : 285 ـ 286 ، والكامل في التاريخ 2: 158 ـ 161، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 98 ضمن حديث 28.
(58) المشقص: سهم له نصل عريض لرمي الوحش. «العين 5: 33».
(59) سيرة ابن هشام 3: 93، وتاريخ الطبري 2: 351، والكامل في التاريخ 2: 162، وفيها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 98 ضمن الحديث 28.
(60) المغازي للواقدي 1: 292، وسيرة ابن هشام 3: 104 ـ 105، وتاريخ الطبري 2: 532 ـ 533، والكامل في التاريخ 2: 163، وفيها بني دينار بدل بني النجار. ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 98 ضمن حديث 28.
(62) حمراء الأسد: موضع على ثمانية أميال من المدينة. « معجم البلدان 2 : 301».
(63) المناقب لابن شهر آشوب 1: 194، وانظر: المغازي للواقدي 1: 338، وتاريخ الطبري2: 535، والكامل في التاريخ 2: 164، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 99 ضمن حديث 28.
(64) أي لا يلتقي فيها اثنان ضعيفان، لأن النطاح من شأن التيوس الكباش لا العنوز.
(65) في نسخة «م»: ببيتها، وفي «ق»: غير منقوطة، واثبتنا ما في نسخة «ط».
(66) نقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 100 | 28.
(67) ورد بتفصيل أوسع في: المناقب لابن شهر آشوب 1: 194، المغازي للواقدي 1: 354، وسيرة ابن هشام 3: 178، والطبقات الكبرى 2: 55، وتاريخ الطبري 2: 538، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 327 ـ 328، والكامل في التاريخ 2: 167.
(68) الدَبر (بالفتح): جماعة النحل. قال الاصمعي: لا واحد لها، ويجمع على دُبورٍ. قال لبيد:
بأبيض من أبكارِ مُزنِ سحابةٍ *** وارى دُبورٍ شارهُ النحل عاسلُ
«الصحاح: ـ دبر ـ 2: 652».
(69) انظر: المغازي للواقدي 1: 356، وسيرة ابن هشام 3: 180، والطبقات الكبرى 2: 55 ـ 56، وتاريخ الطبري 2: 539، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 328، والكامل في التاريخ 2: 168.
(70) اخفرت الرجل: إذا نقضت عهده وغدرت به. «انظر: الصحاح ـ خفر ـ 2: 649».
(71) سرح القوم: أي عند ماشيتهم، فيقال: سرحت الماشية أي اخرجتها بالغداة إلى المرعى.
«انظر: لسان العرب 2: 478».
(72) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 195، المغازي للواقدي 1: 346، سيرة ابن هشام 3: 193، الطبقات الكبرى 2: 51، تاريخ الطبري 2: 545، دلائل النبوة للبيهقي 3: 338، الكامل في التاريخ 2: 171.
(73) انظر: سيرة ابن هشام 3: 199، الطبقات الكبرى 2: 57، دلائل النبوة للبيهقي 3: 180، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 163 | 1.
(74) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 197، والطبقات الكبرى 2: 78، وتاريخ الطبري 2: 595، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 364. ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 176 | 1.
(75) صحيح البخاري 5: 145.
(76) المغازي للواقدي 1: 395، تاريخ الطبري 2: 555، دلائل النبوة للبيهقي 3: 371.
(77) دلائل النبوة للبيهقي 3: 372، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 176 | 1.
(78) الكافي 8: 127 | 97، ونحوه في: الطبقات الكبرى 2: 62، وصحيح البخاري 5: 147، وتاريخ الطبري 2: 557، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 376، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 179|6.
(79) انظر: المغازي للواقدي 1: 384، الطبقات الكبرى 2: 59، وتاريخ الطبري 2: 559، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 385، والكامل في التاريخ 2: 175، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 182 | 1.
(80) في نسخة «م» مسعر بن زحيلة، ولم يرد في نسختي «ق» و «ط» والظاهر ان الصواب ما أثبتناه، كذا ذكره الواقدي في المغازي، والطبري في تاريخه، وابن حجر في الإصابة حيث ترجم له: مسعود بن رخيلة، كان قائد أشجع يوم الأحزاب، ثم أحسن فحسن إسلامه.
إلاّ أنّه في سيرة ابن هشام والكامل لابن الأثير: مسهر بن دخيلة.
(81) انظر: إرشاد المفيد: 94، المغازي للواقدي 2: 441، وسيرة ابن هشام 3: 224، وتاريخ الطبري 2: 565، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 398، والكامل في التاريخ 2: 178.
(82) الكدية: صلابة في الأرض. «العين 5: 396».
(83) كذا، والكندر اسم العلك، وفي المصادر: الكثيب، وهو التراب الدقيق، ولعله الأنسب.
(84) سيرة ابن هشام 3: 228، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 451.
(85) تقدّم في صحفة: 80، إلاّ أنّ المؤلّف لم يصرّح باسم جابر فيها.
(86)سيرة ابن هشام 3: 230، دلائل النبوة للبيهقي 3: 417، وورد نحوه في: تفسير القمي 2: 178، والمغازي للواقدي 2: 450، والكامل في التاريخ 2: 179.
(87) سلع: جبل بسوق المدينة، وقيل: هو موضع بقرب المدينة «انظر: معجم البلدان 3: 236».
(88) انظر: تفسير القمي 2: 182، ارشاد المفيد 1: 97، المغازي للواقدي 2: 470، سيرة ابن هشام 3: 235، دلائل النبوة للبيهقي 3: 436.
(89) انظر: الطبقات الكبرى 2: 67، الكامل في التاريخ 2: 182، ونقلها المجلسي في بحار الأنوار 20: 206.
(90) الاحزاب 33 : 9.
(91) الكافي 8: 277 | 420، تفسير القمي 2: 186، وانظر: سيرة ابن هشام 3: 242، والطبقات الكبرى 2: 74، وتاريخ الطبري 3: 580، ودلائل النبوة للبيهقي 3: 449، والكامل في التاريخ 2: 184.
(92) الاعتجار: لف العمامة دون التلحي «لسان العرب 4: 544».
(93) قال الحموي في معجم بلدانه «3: 76»: الروح والراحة من الاستراحة، ويوم روح أي طيب، وأظنه قيل للبقعة روحاء أي طيبة ذات راحة ويعضده ما ذكره الكلبي قال: لما رجع تبّع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح، فسماها الروحاء.
(94) انظر: تفسير القمي 2: 189، وارشا د المفيد 1: 109، وسيرة ابن هشام 3: 244، والطبقات الكبرى 2: 74، وتاريخ الطبري 2: 581، والكامل في التاريخ 2: 185.
(95) انظر: تفسير القمي 2: 190، والارشاد للمفيد 1: 110.
(96) اسم ماء في ناحية قديد إلى الساحل. «معجم البلدان 5: 118».
(97) المناقب لابن شهر آشوب 1: 201، وسيرة ابن هشام 3: 302، وتاريخ الطبري 2: 604.
(98) المغازي 1: 408، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 290 | 3.
(99) اُنظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 201، والمغازي للواقدي 1: 410، وسيرة ابن هشام 3: 307، وتاريخ الطبري 2: 62، والوفا بأحوال المصطفى 12: 962، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 290 | 3.
(100) المنافقون 63: 8.
(101) لم يعد بخاف على أحد مدى الدور الخطير الذي لعبته السياسة الأموية المنحرفة في تشويه وتطويع الكثير من الحقائق الشرعية والتاريخية خدمة لأغراضها المشبوهة المراد من خلالها توطيد حكمهم وتثبيت قواعده، والحط من مكانة معارضيهم ومناوئيهم وفي مقدمتهم أهل بيت النبوة عليهم السلام.
ولعل الأمر ليس بعسير على أحد ادراكه من خلال استقراء الكثير من تلك الوقائع والأخبار وما تؤدي إليه بالتالي عند اعتقاد المسلمين بها، والتسليم بصحتها.
وإذا لم نكن هنا بمعرض التحدث عن هذا الموضوع الحساس والمهم، قدر ما أردنا منه الاشارة العرضية إلى حقيقة خطيرة كانت لها آثار وخيمة في صياغة وبناء الكثير من الآراء والمعتقدات التي يذهب إلى تبنيها البعض.
ولعل حديث الافك المشهور، والآيات النازلة فيه من تلك الوقائع التي تناولتها سياسة الأمويين بالتحريف والكذب بشكل مدروس انخدع فيه الكثيرون، وسلموا بحتمية ما قرأوه من تفصيلات متعددة تصب في غرض واحد.
والخبر كما يرويه أصحابنا وغيرهم هو أن المرأة التي رميت بهذا الافك كانت ماريه القبطية اُم ولد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، وليست عائشة كما هو مشهور عند الكثرين الذين أخذوا بما سطرته السياسات المنحرفة التي كان يديرها الأمويون من أجل إضفاء صفة القدسية على عائشة التي نقلوا عنها أو نسبوا إليها من الأخبار المنحرفة عن أهل البيت عليهم السلام، مع ما عرف عنها من موفق حاد ومعارض لأمير المؤمنين علي بن أبى طالب عليه السلام، كان أوضحه في خروجها عليه في وقعة الجمل المشهورة التي كانت من أعظم الفتن التي ابتليت بها الأمّة الاسلامية المذهولة بما تراه وتسمعه.
والحق يقال: إن استقراء تلك الروايات ـ التي جهد واضعوها ومروّجوها في إخراجها بشكل لا يدعون فيه منفذاً للطعن أو الشك ـ يبيِّن بوضوح جملة واسعة من المؤاخذات والردود التي تذهب إلى نفي صحة هذه النسبة، والقطع بها.
ولما كان التعرُّض لمناقشة هذا الموضوع يتطلب التوسع الكثير في إيراد تفاصيل تلك الواقعة، فإن ذلك لا يحول دون الاشارة العابرة إلى بعض تلك الحقائق المهمة.
فمن الحقائق المثيرة للاستغراب كون هذا الخبر إما منقولاً عن عائشة عينها، أو عن صحابي لم يكن حاضرا في تلك الواقعة، أو أنه كان حين الواقعة صغيراً لا يعقل، أو غير ذلك من العلل المضعفة للحديث، والنافية لتواتره وصحته.
هذا مع تنافي العديد من الأخبار المنقولة عن هذا الأمر مع سياق الاحداث المصوّرة من قبل مروجي هذا الخبر وصانعيه، والتي تبعد هذه النسبة المصطنعة إلى عائشة دون غيرها من حلائل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ولعل هذا الفهم لا يكتمل دون التعرض لما رواه الشيعة في كتبهم ، ويعضدهم في ذلك بعض الآخرين ، من القول بأن الافك كان مختصاً بمارية القبطية وولدها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبراهيم ، حيث طعن البعض في نسبته إلى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ،وذهب إلى القول بأنه من ابن جريح ، ابن عم مارية ، والذي اُهدي معها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .
ورغم أن العديد من تلك المصادر تذكر بأن عائشة المشهورة بغيرتها من بعض زوجات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ ولا سيما مارية التي تذكر انها : ما غارت من امرأة دون ما غارت من مارية لجمالها ، وانجابها ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ـ كانت مصدر نشأة هذا الخبر (انظر : طبقات ابن سعد 1 : 137 ، مستدرك الحاكم مع تلخيصه للذهبي4 : 39 ، البداية والنهاية 3 : 305 ،الدر المنثور 6 : 240) ، إلاّ أنا نريد هنا الاستطراد في هذا الاتجاه عدا التلميح إلى ذلك .
وأي كان قائل ذلك الافك العظيم فإن ترتب جملة الوقائع اللاحقة للافك تتوافق بشكل صريح مع ما ذهبنا إليه من افترائه على مارية دون عائشة .
فالمصادر الحديثية والمتعددة التي تذكر إرسال رسول الله صلى الاله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام نحو ابن جريح ـ الرجل المتهم بهذا الأمر ـ وإظهار عجزه عن فعلا لقبيح لكونه ممسوحاً أو مجبوباً ، وليس له ما للرجال أمام الملأ ، جاء متوافقاً مع مزول الآيات القرآنية المباركة فسورة النور ، والتي برأت تلك المرأة الشريفة شرعياً من هذا البهتان العظيم ، فكان هنا براءتان لها : شرعية ، وواقعية ، وهذا لم يلتفت إليه ناسجو وهم حكاية عائشة.
تم ماذا يعني الاستفسار من زينب بنت جحش ، وأم أيمن عن ذلك الأمر طالما انه حدث بعيداً عن الجميع ، وفي عمق الصحراء ، اليس في ذلك تناقض صريح مع واقع الحال ، وظرف الواقعة ، ثم اليس هو أقرب للصواب إذا سلٌمنا بالرأي القائل بأنه مختص بمارية التي هي امام ناظري الجميع ، وبينهم .
هذا يمثٌل أحد أطراف الاستهجان والاستغراب من هذه النسبة الباهتة ، يضاف إليه ما تقرأه من تسلسل الآيات المباركة المتحدٌثة عن أبعاد هذا الافك ، وكيف أنها انتقلت إلى توبيخ المؤمنين لعدم مسارعتهم إلى تكذيب الأمر ، مع أنهم كانوا بعيدين عن تلك الواقعة ، عكس ما يقع عليهم في قضية مارية والتي تعيش بين ظهرانيهم صباحاً ومساءً أيام إفتراء الافك.
وإذا ذهبنا إلى أن مصدر التوبيخ يرتكز إلى وجوب الدفاع عن حريم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنه أصدق وأوضح في قصة مارية ، فتأمل .
وأخيراً نقول : ان اضفاء صفة القدسية المستوحاة من إشارة الباري عز وجل بكارتها عفتها وبراءتها أمر لا تجد السياسة الاموية المنحرفة خيراً منه لاستثمارها حالة الخلاف الحادة التي كانت تعرف بها عائشة قبال أهل البيت عليهم السلام كما ذكرنا سابقاً .
نعم ان اضفاء هذه الاعتبارات المهمة إلى شخصية عائشة يعني الكثير للأمويين طالما أن لا أحد منهم يمتلك أي قدر من الاعتبار ، بل على العكس من ذلك فلم ينلهم من الله تعالى ورسوله الا التوهين والاستخفاف وتحذير الاُمة من خطرهم وعدائهم للإسلام وأهله .
ولذا فلا غرابة أن نجد لهاث الامويين وسعيه الدائب لشراء ضمائر بعض الصحابة المعروضة في سوق النخاسة ـ أمثال أبي هريرة الدوسي ، وسمرة بن جندب ـ لمنحهم طرفاً من الاعتبار قبال البناء المقدس لأهل بيت العصمة عليهم السلام .
راجع ما كتب حول قصة الافك ، وبالأخص كتاب حديث الافك للسيد جعفر مرتضى العاملي ، وانظر الروايات المحددة للواقعة بمارية في : صحيح مسلم 4: 2139 | 2771 ،طبقات ابن سعد 8 : 214 ، مستدرك الحاكم وتلخيصه للذهبي 4 : 39 و 40 ، الاصابة 3 :334 ، الاستيعاب بهامش الاصابة 4 : 411 ، مجمع الزوائد 9 : 116 ، اُسد الغابة 5 : 543 ، الكامل في التأريخ 2 : 313 ، السيرة الحلبية 3 : 312 .
(102) الغمرة: من أعمال المدينة على طريق نجد «معجم البلدان 4: 212».
(103) المناقب لابن شهر آشوب 1: 201، المغازي للواقدي 2: 55، تاريخ الطبري 2: 640، دلائل النبوة للبيهقي 4: 82، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 291 | 3.
(104) القصة (ذو القصة): موضع بين زبالة والشقوق دون الشقوق بميلين، فيه قُلبٌ لأعراب يدخلها ماء السماء عذباً زلالاً.
وقيل: هو موضع بينه وبين المدينة أربعة وعشرون ميلاً «انظر: معجم البلدان 4: 366».
(105) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 201، المغازي للواقدي 2: 522، الطبقات الكبرى 2: 86، تاريخ الطبري 2: 641، دلائل النبوة للبيهقي 4: 83، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 291 | 3.
(106) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 201، المغازي للواقدي 2: 551، الطبقات الكبرى 2: 85، تاريخ الطبري 2: 641.
(107) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 201، الطبقات الكبرى 2: 86، تاريخ الطبري 2: 641، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 292 | 3. (4) العيص: موضع في بني سُليم به ماء يقال له: ذنبان العيص «معجم البلدان 4: 173».
(108) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 201، المغازي للواقدي 2: 553، الطبقات الكبرى 2: 87، تاريخ الطبري 2: 641، دلائل النبوة للبيهقي 4: 84، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 292 | 3.
(109) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 202، المغازي للواقدي 2: 562، الطبقات الكبرى 2: 89، تاريخ الطبري 2: 642، دلائل النبوة للبيهقي 4: 84، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 293 | 3.
(110) دومة الجندل: جاء في حديث الواقدي: دوماء الجندل، وعدها ابن النقية من أعمال المدينة. سميت بدوم بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام، وقال الزّجاجي: دومان بن اسماعيل. وقيل: كان لإسماعيل عليه السلام ولد اسمه دما، ولعله مغيّر منه.
وقال الكلبي: دوماء بن إسماعيل، قال: ولما كثر ولد إسماعيل عليه السلام بتهامة خرج دوماء بن إسماعيل حتى نزل موضع دومة، وبنى به حصناً، فقيل: دوماء، ونسب الحصن إليه. وهي على سبع مراحل من دمشق بينها وبين مدينة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقيل: سميت دومة الجندل لاَن حصنها مبني بالجندل « انظر: معجم البلدان 2: 487».
(111) انظر: المغازي للواقدي 2: 560، والطبقات الكبرى 2: 89، وتاريخ الطبري 2: 642، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 85، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 293 | 3.
(112) المغازي للواقدي 2: 569، وانظر: المناقب لابن شهر آشوب 1 : 202، وتاريخ الطبري2: 644، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 87، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 294 | 3.
(113) انظر: دلائل النبوة للبيهقي 4: 88، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 294 | 3.
(114) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 202، والمغازي للواقدي 2: 553، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 85، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 294 | 3.
(115) انظر: ارشاد المفيد 1: 119، والمناقب لابن شهر آشوب 1: 202، وسيرة ابن هشام 3: 322، وتاريخ اليعقوبي 2: 54، وتاريخ الطبري 628، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 361 | 10.
(116) في نسخة «ط»: حارثة.
(117) في نسخة «م»: القصة.
(118) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 204، دلائل النبوة للبيهقي 4: 172، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 20: 363.
(119) المغازي للواقدي 2: 634.
(120) الجزع: ضرب من الخرز، وقيل: هو الخرز اليماني، وهو الذي فيه بياض وسواد تشبّه به الأعين. «لسان العرب 8: 48».
(121) في نسخة «م»: عادته باليهود.
(122) انظر: الارشاد للمفيد 1: 125، والخرائج والجرائح 1: 159 | 249، المغازي للواقدي 2: 653، والطبقات الكبرى 2: 110 ـ 112، سيرة ابن هشام 3: 349، وتاريخ الطبري 3: 11، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 209، والكامل في التاريخ 2: 219، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 21 | 17.
(123) انظر: سيرة ابن هشام 3: 349 ـ 350، وتاريخ الطبري 3: 13 ـ 14، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 22 | 17.
(124) نوادر الرواندي: 29، سيرة ابن هشام 4: 3، دلائل النبوة للبيهقي 4: 246، سيرة ابن كثير 3: 390 و 483، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 23 | 17.
(125) دلائل النبوة للبيهقي 4: 246، سيرة ابن كثير 3: 391، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 23 | 17.
(126) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 23 | 17.
(127) المخرش: خشبة يخط بها الخرّاز. «الصحاح ـ خرش ـ 3: 1004».
(128) الشوحط: ضرب من شجر الجبال تتخذ منه القسي. «النهاية 2: 508».
(129) المأمومة: الشجة التي بلغت اُم الرأس. «لسان العرب 12: 33».
(130) دلائل النبوة للبيهقي 4: 294، سيرة ابن كثير 3: 418، وانظر: المغازي للواقدي 2: 566، وسيرة ابن هشام 4: 266، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 41.
(131) المناقب لابن شهر آشوب 1: 205، وسيرة ابن هشام 4: 271، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 297، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 41.
(132) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 205 ، وسيرة ابن هشام 4 : 269 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 41 .
(133) المحجن: عصا معقّفة الرأس كالصولجان: «لسان العرب 13: 108».
(134) المناقب لابن شهر آشوب 1: 205، وانظر: سيرة ابن هشام 4: 13، وتاريخ الطبري 3: 24، والكامل في التاريخ 2: 227، وسيرة ابن كثير 3: 431.
(135) مؤتة: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام.
وقيل : مؤتة من مشارف الشرف، وبها كانت تطبع السيوف، واليها تُنسب المشرفية من السيوف. «معجم البلدان 5: 220».
(136) المغازي للواقدي 2: 756، وسيرة ابن هشام 4: 15، الطبقات الكبرى 2: 128، وصحيح البخاري 5: 182، وتاريخ اليعقوبي 2: 65، وتاريخ الطبري 3: 36، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 361، وسيرة ابن كثير3: 455.
(137) معان: مدينة في طرف بادية الشام تلقاء الحجاز من نواحي البلقاء. «معجم البلدان 5: 153».
(138) المناقب لابن شهر آشوب 1: 205، وانظر: تاريخ اليعقوبي 2: 65، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 55|8.
(139) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 205، وسيرة ابن هشام 4: 19، وتاريخ الطبري 3: 37، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 360، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 56.
(140) صحيح البخاري 5: 182، وكذا في: دلائل النبوة للبيهقي 4: 366. ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 56.
(141) المناقب لابن شهر آشوب 1: 205، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 56.
(142) المغازي للواقدي 2: 766، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 371، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 56.
(143) في نسخة «م»: فأن لم.
(144) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 57.
(145) المناقب لابن شهر آشوب 1: 206، وسيرة ابن هشام 4: 24، وتاريخ الطبري 3: 42، ودلائل النبوة للبيهقي 4: 374، والكامل في التاريخ 2: 238، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 57.
(146) الممتحنة 60: 1.
(147) كذا، ولعل مراده إلى آخر الآيات الواردة في صدر السورة، والتي نزلت في حاطب بن أبي بلتعة، وهي خمس آيات.
(148) سيرة ابن هشام 4: 32، وتاريخ اليعقوبي 2: 58، وانظر: تاريخ الطبري 2: 4 و 48، والكامل في التاريخ 2: 239، وسيرة ابن كثير 3: 526 و 536، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 124 |22.
(149) المناقب لابن شهر آشوب 1: 206، وتاريخ الطبري 3: 46، وسيرة ابن كثير 3: 530، وفي الأخيرين باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 126.
(150) السلح: النجو، وهو ما خرج من البطن من ريح وغيرها. «انظر: العين 6: 186».
(151) في نسخة «م» والبحار: تسبى.
(151) الغرر: ركاب الرحل. «لسان العرب 5: 386».
(152) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 127.
(153) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 131.
(154) نقلوا المجلسي في بحار الأنوار 21: 132 | ذيل ح 22.
(155) مناقب ابن شهر آشوب 1: 210. نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | ضمن ح 2.
(156) مناقب ابن شهر آشوب 1: 210. نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | ضمن ح 2.
(157) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | ضمن ح 2.
(158) انظر: امالي الصدوق: 146 | 7، وارشاد المفيد 1: 139، صحيح البخاري 5: 203 كتاب المغازي، وتاريخ اليعقوبي 2: 61، وسيرة ابن هشام 4: 70، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 114، والكامل في التاريخ 2: 255، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 140 | 2.
(159) التوبة 9: 25.
(160) المناقب لابن شهر آشوب 1: 210، وانظر: المغازي للواقدي 3: 890 و 893، وسيرة ابن هشام 4: 82، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 121 و 130، والكامل في التاريخ 2: 262، ونقله المجلسي في بحار الأنوار21: 164 | 9.
(161) أوطاس: واد في ديار هوازن. «معجم البلدان 1: 281».
(162) الحزن: ما غلط من الأرض في ارتفاع. «لسان العرب 13: 114».
(163) الضرس: الأكمة الخشنة. «الصحاح ـ ضرس ـ 3: 942».
(164) الدهس: المكان السهل اللين، لا يبلغ أن يكون رملاً، وليس هو بتراب ولا طين، ولونه الدهسة. «الصحاح ـ دهس ـ 3: 931».
(165) البيضة: أصل القوم ومجتمعهم. «لسان العرب 7: 127».
(166) حرب عوان: أي حرب قوتل فيها مرة بعد الأخرى. «انظر: لسان العرب 13: 299».
(167) تفسير القمي 1: 285، المناقب لابن شهر آشوب 1: 210، وانظر: سيرة ابن هشام 4: 80، وتاريخ الطبري 3: 71، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 121، والكامل في التاريخ 2: 261، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.
(168) المناقب لابن شهر آشوب 1: 211، وسيرة ابن هشام 4: 85، وتاريخ الطبري 3: 74، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 126، والكامل في التاريخ 2: 262، وفيها باختلاف يسير، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.
(169) رجل أهوج: أي طويل وبه تسرّع وحمق. «الصحاح ـ هوج ـ 1: 351».
(170) المناقب لابن شهر آشوب 1 : 211 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 166 / ضمن ح 9 .
(171) المغازي للواقدي 3: 910، وسيرة ابن هشام 4: 86، تاريخ الطبري 3: 74، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 128، والكامل في التاريخ 2: 263، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 ضمن ح 9.
(172) المغازي للواقدي 3: 909، وسيرة ابن هشام 4: 87، وتاريخ الطبري 3: 75، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 128، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.
(173) الشُواظ والشواظ: اللهب الذي لا دخان له. «الصحاح ـ شوظ ـ 3: 351».
(174) المَحش: تناولٌ من لهب يحرق الجلد ويبدي العظم. «العين 3: 100».
(175) المغازي للواقدي 3: 909، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 145، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 166 | ضمن ح 9.
(176) ذمّرهم: لامهم وحضّهم وحثّهم. «لسان العرب 4: 311».
(177) دلائل النبوة للبيهقي 5: 131، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 167 | ضمن ح 9.
(178) صحيح مسلم 3: 1402 | 81، دلائل النبوة للبيهقي 5: 140، ونحوه في: تفسير القمي 1: 287، والطبقات الكبرى 2: 56، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 167.
(179) دلائل النبوة للبيهقي 5: 132، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 167.
(180) في نسختي «ق» و «ط» الحسين، وهو تصحيف، والصواب ما أثبتناه، وهو محمّد بن الحسن بن زياد العطّار، كذلك عنونه النجاشي (369 | 1002) وقال عنه: كوفي ثقة، روى أبوه عن أبي عبدالله (عليه السلام)، له كتاب.
وكذا ذكره الشيخ الطوسي في الفهرست: (149)، وابن داود في القسم الأول من رجاله (169 | 1348)، والعلاّمة الحلي في الخلاصة (160 | 139) والمامقاني في تنقيحه (3 | 101)، ولعل هذه الرواية وردت في كتابه المذكور. فتأمل.
(181) المناقب لابن شهر آشوب 1: 211، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 168.
(182) الجعرانة: ماء بين الطائف ومكة، وهي إلى مكة أقرب. «معجم البلدان 2: 142».
(183) انظر: الارشاد للمفيد 1: 151، وسيرة ابن هشام 4: 97، والمغازي للواقدي 3: 915، وصحيح البخاري 5: 197، وتاريخ الطبري 3: 79، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 152، والكافي في التاريخ 2: 265.
(184) وَجَ (بالفتح ثم التشديد): الطائف، والوج في اللغة: عيدان يتداوى بها، قال أبو منصور: وما أراه عربياً محضاً، والوج يعني: السرعة، والقطا، والنعام: «انظر: معجم البلدان 5: 361».
(185) انظر: المناقب لابن شهر آشوب 1: 211 ـ 212، وتاريخ اليعقوبي 2: 64، ودلائل النبوة للبيهقي 5: 156 ـ 159، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 168.
(186) المغازي 3: 927، وانظر: الارشاد للمفيد 1: 53، دلائل النبوة للبيهقي 5: 161، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 168.
(187) الصعدة: القناة المستوية تنبت كذلك، ومن القصب أيضاً. «العين 1: 290».
(188) ارشاد المفيد 1: 152، والمناقب لابن شهر آشوب 1: 211، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 169.
(189) ارشاد المفيد 1: 153، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 169.
(190) نقله المجلسي في بحار الأنوار 21: 169.
(191) المغازي للواقدي 3 : 959 ، سيرة ابن هشام 4 : 143 ، تأريخ الطبري 3 : 94 ، دلائل النبوة للبيهقي 5 : 203 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 174 .
(192) الغرز: ركاب الرحل. «لسان العرب 5 : 386».
(193) ايلة : مدينة بين الفسطاط ومكة على شاطئ بحر القلزم ، تعد من بلاد الشام . «معجم البلدان 1 : 292».
(194) جرباء وأذرح : قريتان بالشام بينهما ثلاث ليال . «النهاية 1 : 254».
(195)انظر : ارشاد المفيد 1 : 154 ، المغازي للواقدي 3 : 1025 ، سيرة ابن هشام 4 : 169 ،الطبقات الكبرى 2 : 165 ، تأريخ اليعقوبي 2 : 68 ، دلائل النبوة للبيهقي 5 : 252 ،الكامل في التأريخ 2 : 278 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 244 | 25 .
(196)الركز : الصوت الخفي ، وقيل : هو الصوت ليس بالشديد . «لسان العرب 5 : 355».
(197) دلائل النبوة للبيهقي 5 : 256 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 247 | 25 .
(198) صحيح البخاري 6 : 9 ، دلائل النبوة للبيهقي 5 : 266 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار21 : 248 ؟ 25 .
(199) صحيح البخاري 6: 10، سنن ابن ماجة 2: 923 ؟ 2764 ، مسند أحمد 3 : 103 ،دلائل النبوة للبيهقي 5 : 267 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 248 | 25 .
(200) دلائل النبوة للبيهقي 5 : 285 ، ونقله المجلسي في بحار الأنوار 21 : 248 | 25 .
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
وفد كلية الزراعة في جامعة كربلاء يشيد بمشروع الحزام الأخضر
|
|
|