أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-08-2015
2429
التاريخ: 27-02-2015
4354
التاريخ: 27-03-2015
6467
التاريخ: 27-03-2015
1382
|
من المؤكد أن سيبويه بدأ تأليف الكتاب بعد وفاة الخليل ، إذ نراه في بعض المواضع يعقب على ذكره لاسمه بكلمة " رحمه الله " . وقد حمله عنه تلميذه الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة ، وأذاعه في الناس باسم " الكتاب " علماً اختص به هذا المصنف وحده دون بقية المصنفات في عصره ، بحيث كان يقال في البصرة " قرأ فلان الكتاب " فيعلم أنه كتاب سيبويه دون شك . وظل هذا الاسم خاصاً به ، دلالة على روعة تأليفه وإحكامه . ونرى كثيرين من النحاة وغيرهم ينوهون به تنويهاً عظيماً ، من ذلك قول أبي عثمان المازني تلميذ الأخفش : " من أراد أن يعمل كتاباً كبيراً في النحو بعد كتاب سيبويه فليستحي" ويقول الجاحظ : " أردت الخروج الى محمد بن عبد الملك (الزيات وزير المعتصم) ففكرت في شيء أهديه إليه ، فلم أجد شيئاً أشرف من كتاب سيبويه ، وقلت له : أردت أن أهدي إليه ، فلم أجد شيئاً أشرف من كتاب سيبويه ، وقلت له : أردت أهدي إليك شيئاً ، ففكرت ، فإذا كل شيء عندك ، فلم أر أشرف من هذا الكتاب ، وقد أشتريته من ميراث الفراء ، فقال ابن عبد الملك : والله ما أهديت الى شيئاً أحب الى منه " . ويقول أبو الطيب
ص59
اللغوي فيه وفي كتابه : " هو أعلم الناس بالنحو بعد الخليل ، وألف كتابه الذي سماه الناس قرآن النحو " . ويقول السيرافي :" وعمل كتابه الذي لم يسبقه الى مثله أحد قبله ، ولم يلحق به من بعده " . ويقول المبرد : " لم يعمل كتاب في علم من العلوم مثل كتاب سيبويه " . ويقول صاعد بن أحمد الأندلسي :
" لا أعرف كتاباً ألف في علم من العلوم قديمها وحديثها ، اشتمل على جميع ذلك العلم وأحاط بأجزاء ذلك الفن غير ثلاثة كتب ، أحدها المحبسطى لبطليموس في علم هيئة الأفلاك . والثاني كتاب أرسططاليس في علم المنطق ، والثالث كتاب سيبويه البصري النحوي ، فإن كل واحد من هذه لم يشذ عنه من أصول فنه شيء إلا ما خطر له " .
ولعل أول ما يلاحظ على الكتاب أن سيبويه لم يضع له اسماً يفرده به ، وربما أعجلته وفاته عن تسميته كما أعجلته عن وضع مقدمة بين يديه وخاتمة ينتهي بها ، فنحن نفاجأ في أول سطر فيه بهذا العنوان : " هذا باب علم ما الكلم من العربية " وفيه تحدث عن أقسام الكلمة وأنها اسم وفعل وحرف . ونمضي معه الى نهاية الكتاب ، فنجد الحديث ينقطع عند بيان حذف بعض العرب لحروف في بعض الأبنية تخفيفاً على اللسان ، ومثل لذلك فيما مثل بقول بعضهم " علماء بنو فلان " بحذف اللام في على أي على الماء بنو فلان . ونحس كأنه كانت لا تزال في نفسه بقية يريد أن يضيفها الى الكتاب . ولعلنا لا نبعد إذا قلنا إنه لم يأخذ الفرصة الكافية كي ينقح الكتاب ويخرجه اخراجاً نهائياً.
وربما كان هذا هو السبب الحقيقي في اننا نجد عنده احياناً شيئاً من الاستطراد كأن يتحدث في بعض أبواب النحو عن مسائل صرفية ، وكأن يتعرض لبعض صيغ ليست من الباب كتعرضه لبعض صيغ الحال في حديثه عن النعت ، وقد يتحدث عن باب في موضعين على نحو ما صنع بجموع التكسير في الجزء الثاني من الكتاب .
وينبغي أن لا نظن من ذلك أن الكتاب لم يُكفل له منهج سديد في التصنيف فقد نسق سيبويه أبوابه وأحكمها إحكاماً دقيقاً ، وخاصة إذا عرفنا أنه أول كتاب جامع في قواعد النحو والصرف . وقد جعله في قسمين كبيرين ، أما
ص60
القسم الأول فخصه بالنحو ومباحثه ، وكاد لا يترك في هذه المباحث جانباً الا استقصاه من جميع أطرافه في الجزء الأول من الكتاب وأوائل الجزء الثاني ، حتى إذا فرغ من هذه المباحث انتقل يبسط في دقة القسم الثاني وما يخوض فيه من المباحث الصرفية محيطاً بكل تفاصيلها إحاطة تامة واصلا لها بمادة صوتية واسعة من مثل الحديث عن الإمالة والوقف والروم والإشمام والإشباع وما الى ذلك .
وقد تحول ما ذكره من قواعد النحو والصرف الى ما يشبه نجوماً قطبية ثابتة ظل النحاة بعده الى اليوم يهتدون بأضوائها في مباحثهم ومصنفاتهم . ويمكن ان نقول بصفة عامة ان الكثرة من المصطلحات النحوية والصرفية التي لا تزال شائعة عل كل لسان في عصرنا كان لكتابة الفضل الأول في إشاعتها وإذاعتها طوال العصور ، وكأنه لم يترك للنحاة من بعده إلا مالا خطر له ، كما قال صاعد آنفاً ، كأن يميزوا بعض المصطلحات أو يضيفوا مصطلحات جديدة لغرض الدقة في التوضيح ، فمن ذلك أنه عرض لأبواب التوابع عرضا واسعاً ، وجرت على لسانه كلمات النعت والبدل والتوكيد والعطف ويريد به عطف البيان ، ولكنها جميعاً يتداخل بعضها في بعض ، بحيث يسميها أحياناً صفة ، وقد يسمى عطف البيان نعتاً (1) ، وجعل التوكيد قسمين : قسماً مكرراً وقسماً غير مكرر(2) ، وسماهما خالفوه التوكيد اللفظي والتوكيد المعنوي . وكان يسمى عطف النسق الشركة وحروفه مثل الواو حروف الإشراك(3) . وقد لا يضع الاصطلاح الخاص المميز كأن نجده يقول : " هذا باب نظائر ضربته ضربة ورميته رمية (4) " وسمى النحاة الباب بعده " اسم المرة " . ويقول : " هذا باب ما عالجت به (5) " وسماه النحاة بعده " اسم الآلة " مثل المقص . ويقول " هذا باب اشتقاقك الأسماء لمواضع بنات الثلاثة التي ليست فيها زيادة من لفظها " (6) مثل مجلس ، وسمى النحاة بعده ذلك " باسم المكان المشتق " . ومن مصطلحاته التي تركها الصرفيون مصطلح البيان والتبيين(7) وقد سموه باسم " فك
ص61
الإدغام " . ويقول : " هذا باب الفاعلين والمفعولين اللذين كل واحد منهما بفعل بفاعله مثل الذي يفعل به وما كان نحو ذلك(8) " مثل كلمت وكلمني محمد وسمى النحاة هذا الباب باسم " باب التنازع " . ويقول : " هذا باب ما يكون فيه الاسم مبنياً على الفعل قدم أو أخر وما يكون الفعل فيه مبنياً على الاسم " (9)
وسمى النحاة الباب باسم "باب الاشتغال". ومن ذلك عنوانه في أول الكتاب:" هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربية "(10) وهو ما سماه النحاة بعده باسم " أنواع الإعراب والبناء " .
وتلقانا في مواطن مختلفة من الكتاب ظلال من الغموض والابهام ، وقد يرجع ذلك في الكثير الأكثر الى أن سيبويه كان يضع قوانين النحو والصرف وضعاً مفصلاً متشعباً لأول مرة ، فطبيعي أن يتصعب عليه التعبير أحياناً وأن يداخله من حين الى حين شيء من الإبهام والالتواء . وكثيراً ما يوجز في موضع يفتقر الى شيء من البسط ، ويصور ذلك من بعض الوجوه ان نجده يتحدث عن الحذف في الكلام وما قد يجري فيه حذف الفعل ، ويمثل لذلك بقولهم : " حينئذ الآن " على تقدير حينئذ اسمع الآن ، كما يمثل بمثال ثان هو قولهم : " ما أغفله عنك شيئاً " وظل النحاة حتى عصر المبرد لا يدرون معنى العبارة ولا يعرفون بالتالي موضع حذف الفعل حتى جاء الزجاج ، فقال إن العبارة تعليق على كلام تقدم ، كأن قائلا قال : " زيد ليس بغافل عني " فأجابه صاحبه: " ما أغفله عنك ، شيئاً " على تقدير انظر شيئاً ، يريد ان يقول له : تفقد أمرك ودع الشك عنك(11) ، وبذلك فهمت العبارة واتضحت بعد أن كانت عند من سبقه من النحاة كأنها لغز من الألغاز .
وهذا الغموض في جوانب من الكتاب كان سبباً في ان يتناوله كثيرون من النحاة بالشرح والتفسير والتعليق وفي مقدمتهم تلميذه الأخفش وأصحابه من مثل الجرمي والمازني ، وكلما تقدمنا مع الزمن تكاثرت شروحه وتفسيراته والتعليقات عليه ، ومن أشهرها شرح السيرافي وشرح الرماني . وعنوا عناية واسعة بشرح شواهده
ص62
الشعرية ونسبة المجهول منها الى من نظموه من العرب ، وكان أول من عني بذلك الجرمي ، وفي ذلك يقول : " نظرت في كتاب سيبويه ، فإذا منه ألف وخمسون بيتاً ، فأما الألف فقد عرفت اسماء قائليها فأثبتها ، وأما الخمسون فلم أعرف أسماء قائليها "(12) . وعنى بعده كثيرون بشرح هذه الشواهد وفي مقدمتهم المبرد والزجاج والسيرافي . وكان سيبويه من الثقة بحيث لم يطعن أحد في شيء مما أنشده من الأشعار المجهولة القائل ولا تعلق عليه باتهام أو إنكار ، وفي يقول صاحب الخزانة : " الشاهد المجهول ... إن صدر من ثقة يعتمد عليه قبل وإلا فلا ، ولهذا كانت أبيات سيبويه أصح الشواهد، اعتمد عليها خلف بعد سلف ، مع أن فيها أبياتاً عديدة جهل قائلوها وما عيب بها ناقلوها " (13)
_____________________
(1) المغني ص 631 وانظر الكتاب 1 / 223 . 306 ، 393 وفي مواضع مختلفة .
(2) الكتاب 1 / 315 .
(3) الكتاب 1 / 209 ، 247 .
(4) الكتاب 2 / 246 .
(5) الكتاب 2 / 249 .
(6) الكتاب 2 / 246 .
(7) الكتاب 2 / 407 .
(8) الكتاب 1 / 27 .
(9) الكتاب 1 / 43 .
(10) الكتاب 1 / 2 .
(11) الكتاب 1 / 279 .
(12) خزانة الأدب للبغدادي 1 / 178 .
(13) البغدادي 1 / 8 .
|
|
5 علامات تحذيرية قد تدل على "مشكل خطير" في الكبد
|
|
|
|
|
لحماية التراث الوطني.. العتبة العباسية تعلن عن ترميم أكثر من 200 وثيقة خلال عام 2024
|
|
|