أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2016
10602
التاريخ: 17-10-2021
2225
التاريخ: 20-1-2022
2804
التاريخ: 21-5-2017
9221
|
سنتناول في هذا الموضوع تعريف التعسف لغة ، ثم بعد ذلك اصطلاحا ، ثم نعرف الطلاق التعسفي ، و معايير التعسف في الطلاق
الفرع الأول: تعريف التعسف لغة
التعسف مأخوذ من الفعل الثلاثي " عسف " عسفَ في يعسف ، عسفًا ، فهو عاسف ، والمفعول معسوف ،تعسف فلَان فلَانا إِذا ركبه بالظلم ولم ينْصفه. ورجل عسوف إِذا كَان ظلوماً ، و هو من ذلك و في الحديث " لا تبلغ شفاعتي إماما عسوفا أي جائرا ظلوما "(1) من خلال التعريف السابق عند اللغويين نجد أن مفهوم التعسف هو الظلم .
الفرع الثاني :تعريف التعسف اصطلاحا
التعسف هو "مناقضة قصد الشارع في تصرف مأذون فيه شرعا"(2) بحسب الأصل ، أي مضادة قصد الشارع ، وهذه المضادة إما أن تكون مقصودة بأن يقصد المكلف بالعمل المأذون فيه هدم قصد الشارع عينا ، بأن يستعمل الحق قصد الإضرار . وقصد الشارع من شرعية الحق تحقيق المصالح لا المضار ، أو أن يتذرع بما ظاهره الجواز إلي تحليل ما حرم الله ، أو إسقاط ما أوجبه عليه . كما يظهر لنا أن مصطلح التعسف من المصطلحات الحديثة التي لم يذكرها الفقهاء قديما في مصنفاتهم ، و لم يتطرق لها كنظرية متحققة ذات أركان و أسس ، و إن كانوا قد تعرضوا لمسائل منها ، و بنوا على أساها أحكاما ، و من الأمثلة الكثيرة المعروضة في كتب الفقه و الدالة على أنهم قد فهموا النظرية و طبقوا أحكامها ما جاء في باب المعاملات كما في منع عمر التزوج من الكتابيات .
الفرع الثالث: مفهوم نظرية التعسف في استعمال الحق
إذا كان مصطلح الحق معروفا و مقررا في الدرس الأصولي باعتباره :" اختصاصا محجوزا شرعا أو قانونا لشخص معين على شيء أو شخص يستأثر به وحده ، تحقيقا لمصلحة مشروعة يحيطها القانون بالرعاية و الحماية" ، فإن مصطلح التعسف مستورد من استعمالات المعاصرين من رجال القانون ، و انتقل إلى حقل الاصطلاح الشرعي ليجد له مؤيدات شرعية لمنعه ، و هذا لا يعني أن نظرية التعسف في استعماله دخيلة على الفقه الإسلامي ،بل إن هذه النظرية استوت على أصولها في التشريع الإسلامي منذ القدم و في فقهه أيضا تفسيرا و تطبيقا و في شتى مذاهبه على السواء ، ولها معايير و مؤيداتها تأصيلا و تفريعا و ضبطا و نظرا و عملا (3) حيث يرى الدريني ( 4) بأن معنى التعسف محصور في ممارسة الحق المشروع على وجه يلحق الضرر بالغير أو يناقض قصد الشارع في التصرف المأذون فيه ولا يشمل التجاوز في حدوده ، وقد ضرب لنا الدريني مثلا للتفريق بين التعسف و المجاوزة ، ما لو أوصى أحد بأكثر من الثلث ، فإنه يعد مجاوزا حدود حقه الذي منحه إياه الشرع ، و هو التصرف في حدود الثلث ، ففعله غير مشروع في الأصل ، لأنه لا يستند إلى حق ، والتعسف فرع وجود الحق فهو إذا متعد ، لا متعسف .
من هذا المنطلق فقد عرف د/ فتحي الدريني التعسف في استعمال الحق بقوله : " هو مناقضة قصد الشارع في تصرف مأذون فيه بحس الأصل " و معنى هذا أن يمارس الشخص فعلا مشروعا في الأصل بمقتضى حق شرعي ثبت له بعوض أو بغير عوض أو بمقتضى إباحة مأذون فيها شرعا ، على وجه يلحق بغيره الإضرار ، أو يخالف حكمة المشروعية .(5) وعلى هذا يقصد بالتعسف ممارسة شخص ما فعلا مشروعا في الأصل بمقتضى حكم شرعي أو إباحة على وجه يلحق الإضرار بالغير أو يخالف حكمة المشروعية ، أما الاعتداء أو التجاوز فإنه يفترض عملا غير مشروع أصلا .
الفرع الرابع :معايير التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي
إن وضع معايير للفعل التعسفي يساعد في ضبط هذا الفعل و تحديد ماهيته ، ويساعد في ترتيب الجزاء المناسب ، من المنع أو الإجبار أو التضمين ، ذلك أن صاحب الحق ففي تصرفه قد تنتابه أكثر من غاية ، منها ما هو مشروع ، ومنها ما هو غير ذلك ، وقد يكون من العسير الكشف عن قصده و نيته ، إلا أن القرائن و الملابسات و ظروف الحال ، و تحديد معايير تضبط الفعل ، كل ذلك يخدم القاضي و ولي الأمر عند الحكم في مسائل النزاع ، وتقسم هذه المعايير بوجه عام إلى قسمين :
أولا المعيار الذاتي أو الشخصي : و ذلك بالنظر في العوامل النفسية التي حركت إرادة ذي الحق إلى التصرف في حقه ، من قصد الإضرار بالغير أو تحقيق مصالح غير مشروعة . و الإضرار بالغير هو من أقدم المعايير ظهورا و دليل ذلك ظهوره في الشرائع القديمة و هذا لمخالفته لمبادئ الأخلاق و العدالة ، و طالما نهت الشريعة الإسلامية عن القصد إلى الإضرار بالغير و هو الثابت في القرآن و السنة .
ثانيا المعيار المادي أو الموضوعي : و الذي يعتمد ضابط التناسب بين ما يجنيه صاحب الحق من نفع ، أو مفسدة و وسيلة في ذلك الموازنة .(6)
الفرع: الخامس الطلاق التعسفي
أقر الإسلام الطلاق إذا وصلت الحياة الزوجية إلى طريق مسدود ، فالطلاق مشروع للضرورة القصوى و لا يكون لمجرد العبث و الهوى ، فيكون مبغوضا من غير حاجة إليه ، وهو طلاق التعسف كما صنفه الفقهاء المعاصرون ، إذ لا ينكرون أن الزوج قد يسيئ استعمال حق بقصد الإضرار بالزوجة ، وهنا يبرز الإشكال حيث أنه رغم اتفاق فقهاء الإسلام على مشروعية الطلاق إلا أنهم اختلفوا في أصل هذه المشروعية بين أن تكون في أصلها الإباحة أم الحضر . فجمهور الفقهاء المالكية و الشافعية و الحنابلة ، قالوا بأن الأصل في الطلاق أن يكون محظورا ، ولا يباح إلا لحاجة ، و هذه الحاجة تختلف نسبيا من زوج للآخر ، فقد تكون نفسية أو مرضية أو أي دافع آخر لا يستطيع الزوج معه الاستمرار في الحياة الزوجية مما لا يجوز إعلانه بين الناس أو عرضه أمام أنظار القضاة ، وبالتالي فلا يجوز إيقاعه إلا بإذن القاضي منعا للتعسف في استعماله ، و اشتهر قولهم : " تقييد الطلاق بالسبب الذي يدعو إليه " ، حيث أوجبت الشريعة الإسلامية معاشرة الأزواج بالحسنى ، وذلك في قوله تعالى : ﴿يا أَيها الَّذين آمنُوا لَا يحلُّ لَكُم أَن تَرِثُوا النِّساء كَرها ولَا تَعضلوهن لِتَذْهبوا بِبعضِ ما آتَيتُموهن إِلَّا أَن يأْتين بِفَاحشَة مبينَة وعاشروهن بِالْمعروف فَإِن كَرِهتُموهن فَعسىٰ أَن تَكْرهوا شَيئًا ويجعلَ اللَّه فيه خَيرا كَثيرا ﴾ (7) وفي قوله عليه الصلاة و السلام : " استوصوا بالنساء خيرا ، فأنه عوان ( 8) عندكم " ، فالواجب على الزوج الكاره لزوجته محاولات الإصلاح لقوله تعالى : ﴿ الرجالُ قَوامون علَى النِّساء بِما فَضلَ اللَّه بعضهم علَىٰ بعضٍ وبِما أَنْفَقُوا من أَموالِهِم فَالصالِحاتُ قَانتَاتٌ حافظَاتٌ لِلْغَيبِ بِما حفظَ اللَّه واللَّاتي تَخَافُون نُشُوزهن فَعظُوهن واهجروهن في الْمضاجِعِ واضرِبوهن فَإِن أَطَعنَكُم فَلَا تَبغُوا علَيهِن سبِيلًا إِن اللَّه كَان عليا كَبِيرا ﴾( 9) ، ومن السنة قوله صلى الله عليه و سلم : " أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس فحرام عليها رائحة الجنة .
يقول الكساني( 10) : النكاح عقد مصلحة ، لكونه وسيلة إل مصالح الدين و الدنيا ، و الطلاق إبطال له ، و إبطال المصلحة مفسدة ، ... كما أنه عقد مسنون ، بل هو واجب ، فكان الطلاق قطعا للسنة و تفويتا للواجب ، فكان الأصل هو الحظر و الكراهة ، إلا أنه رخص للتأديب أو للتخلص .
و على هذا يكون عند الجمهور الطلاق بلا سبب ظلم و بغي ، فيكون محضورا .... (11)
و قال غيرهم بأن الأصل في الطلاق الإباحة لقوله تعالى : ﴿يا أَيها النَّبِي إِذَا طَلَّقْتُم النِّساء فَطَلِّقُوهن لِعدتهِن وأَحصوا الْعدةَ واتَّقُوا اللَّه ربكُم لَا تُخْرِجوهن من بيوتهِن ولَا يخْرجن إِلَّا أَن يأْتين بِفَاحشَة مبينَة وتلْك حدود اللَّه ومن يتَعد حدود اللَّه فَقَد ظَلَم نَفْسه لَا تَدرِي لَعلَّ اللَّه يحدثُ بعد ذَلِك أَمرا ﴾(12)
2- وعن عبد الله بنِ عمر رضي اللهُ عنه أنَّه طَلَّقَ امرأتَه وهي حائِض، علَى عهد رسولِ الله صلى الله عليه واله وسلم، فَسألَ عمر بن الخَطَّابِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذَلِك، فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عليه واله وسلم " مره فَلْيراجِعها، ثُم لِيمسكْها حتَّى تَطْهر، ثُم تَحيض ثُم تَطْهر، ثُم إِن شَاء أمسك بعد، وإِن شَاء طَلَّقَ قَبلَ أن يمس، فَتلْك العدةُ الَّتي أمر اللهُ أن تُطَلَّقَ لَها النِّساء "(13) متفق عليه
و هو ما يترتب عليه اعتبار الطلاق حقا شرعيا بيد الزوج يستعمله متى شاء بلا إذن قضائي ولا الرقابة عليه فيما يفعل ، و لا إلزام بالتعويض و دون أن تترتب عليه أية مسؤولية ، طالما أنه استعمل حقا منحه الله تعالى إياه ، لأن الأصل في الطلاق الإباحة و هو حق الزوج ، و ليس من المشروع عقابه على أمر مشروع . ...
و سمي بالطلاق التعسفي كون الزوج صاحب الصلاحية في إيقاعه ، قد يستخدم هذه الميزة الممنوحة له على خلاف مقاصد الشارع ، و هو إنهاء الرابطة الزوجية عندما لا يوجود سبب يبرر إنهاءها ، فلا يجوز استخدام الطلاق وسيلة لإيذاء الزوجة .
أما من الناحية القانونية فنلاحظ أن جل التشريعات المقارنة لم تضع تعريفا للطلاق التعسفي ، ولكنها أوردت بعض المعايير و الأسس التي يقوم عليها ، ونصت في موادها القانونية على شروط تحقق الطلاق التعسفي و كيفية التعويض عنه في حالة ثبوت تعسف الزوج في الطلاق ، وهو ما تبناه المشرع الجزائري من خلال نص المادة 52 من ق-أ ، بقولها " إذا تبين للقاضي تعسف الزوج في الطلاق حكم للمطلقة بالتعويض عن الضرر اللاحق بها " .
________________
1- أبي الفضل جمال الدين محمد ، لسان العرب ، دار صادر ، بيروت ، ج 09 ، ص ص .245
2- مناقضة قصد الشارع في تصرف مأذون فيه شرعا : المقصود أن يضار المكلف في تصرفه في استعمال الحق قصد الشارع في الغاية التي شرع الحق من أجلها و هي المصلحة المشروعة .
3- شامي أحمد ،السلطة التقديرية لقاضي شؤون الأسرة دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية و القوانين الوضعية ، رسالة دكتوراه ، كلية الحقوق جامعة تلمسان ، 2013 ،ص ص ، 206،607
4- الدريني : هو فتجي عبد القادر الدريني من مواليد 1923 بمدينة الناصرة بفسلطين و هو نجل إمام الجامع الأأبيض في السابق الحاج عبد القادر الدريني و شقيق الشيخ نور الدين الدريني ( أبو جرير) توفي في 22 رجب من عام 1434 هجري الموافق ل 1/6/2013 بسوريا عن عمر يناهز 90 عاما.
5- فتحي عبد القادر الدريني ، نظرية التعسف في استعمال الحق في الفقه الإسلامي ،مؤسسة الرسالة ، بيروت ، ط 2 ص ص ( 89.87 )
6- فتحي الدريني ،النظريات الفقهية ،منشورات جامعة دمشق ، ط 04 ،ص ص ( 131 )
7- سورة النساء ، آية 19 )
8- عوان : يقصد بها : أَي : أَسيراتٌ ، جمع عانية ، بِالْعينِ المهملَة ، وهى الأَسيرةُ ، والْعاني : الأَسير . شَبه رسول اللَّه صلى اللهُ علَيه وسلَّم المرأَةَ في دخُولَها تحتَ حكْم الزوجِ بالأَسي.
9- سورة النساء ، آية 34 .
10- الكساني : ملك العلماء الإمام علاء الدين أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساني المتوفى 10 رجب 587 ه الموافق ل 9 أغسطس 1191
11- شامي أحمد ،مرجع سابق ،ص 210
12- سورة الطلاق ، آية 01 .
13- أبو بكر النجاد، أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس البغدادي ، مسند عمر بن الخطاب، مكتبة العلوم والحكم - المدينة المنورة ، ط 1 ، ج 1 ، ص 47
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
العتبة الحسينية تطلق فعاليات المخيم القرآني الثالث في جامعة البصرة
|
|
|