أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-10-2015
3554
التاريخ: 19-10-2015
6123
التاريخ: 2-7-2022
1641
التاريخ: 16-3-2016
3575
|
لقد جاء في ...مناقب آل الرسول لمحمد بن أبي طلحة الشافعي: قد اشتهر عن الحسين أنه كان يكرم الضيف و يمنح الطالب و يصل الرحم و يعطي الفقير و يسعف السائل و يكسو العاري و يشبع الجائع و يعطي الغارم و يشفق على اليتيم و يعين اصحاب الحاجات و قلما وصله مال إلا فرقه.
و قد روى الرواة ما جرى له و لأخيه الحسن و عبد اللّه بن جعفر مع العجوز التي ذبحت لهم الشاة و هم في طريقهم إلى مكة و ما جرى لهم معها حينما رأوها في المدينة بعد ذلك و هي في أسوأ الحالات من البؤس و الفقر، و قد اعطاها الحسن (عليه السلام) الف شاة و ألف دينار، و أعطاها كل من الحسين و عبد اللّه بن جعفر مثل ذلك، فرجعت مع زوجها إلى بلادها بثلاثة آلاف شاة و ثلاثة آلاف دينار.
و جاء في كتاب عقد اللآل في مناقب الآل ان الحسين كان جالسا في مسجد النبي (صلى الله عليه واله) بعد وفاة اخيه الحسن في ناحية، و عبد اللّه بن الزبير و عتبة بن أبي سفيان في ناحية أخرى فجاء اعرابي على ناقة، فعقلها بباب المسجد و دخل، فوقف على عتبة و سلم عليه فرد عليه السلام، فقال له الأعرابي: لقد قتلت ابن عم لي و طالبني أهله بديته فهل لك ان تعطيني شيئا منها؟ فرفع عتبة رأسه الى غلامه و قال له: ادفع له مائة درهم، فرفضها الأعرابي و اتجه الى عبد اللّه بن الزبير، و قال له مثل مقالته لعتبة فأمر له بمائتي درهم فرفضها الأعرابي و قال ان مثل هذا المبلغ لا يصنع لي شيئا، ثم اتجه الى الحسين (عليه السلام) فسلم عليه و عرض له حاجته فقال له: يا اعرابي نحن قوم لا نعطي المعروف الا بمقدار المعرفة، فقال له: سل ما تريد، فقال الحسين: يا اعرابي ما النجاة من الهلكة؟ قال التوكل على اللّه، فقال له: اي الأعمال افضل؟
فقال الثقة باللّه، فقال له الإمام: أي شيء خير للعبد في حياته؟ قال علم معه حلم، قال فإن خانه ذلك؟ قال مال يزينه سخاء و سعة، قال فإن اخطأه ذلك؟ قال الموت و الفناء خير له من الحياة و البقاء، و مضى الإمام يسأله و هو يجيب حتى اعجب به الإمام (عليه السلام) و قال لوكيله ادفع له عشرين ألفا، و قال له: عشرة منها لقضاء ديونك و عشرة تلم بها شعثك و تنفقها على عيالك فأنشأ الأعرابي يقول:
طربت و ما هاج لي معبق و لا لي مقام و لا معشق
و لكن طربت لآل الرسول فلذ لي الشعر و المنطق
هم الأكرمون هم الأنجبون نجوم السماء بهم تشرق
سبقت الأنام الى المكرمات و أنت الجواد فلا تلحق
أبوك الذي ساد بالمكرمات فقصر عن سبقه السبق
به فتح اللّه باب الرشاد و باب الفساد بكم مغلق
و جاء في تاريخ ابن عساكر ان سائلا خرج يتخطى ازقة المدينة حتى اتى باب الحسين فقرع الباب و أنشأ يقول:
لم يخب الآن من رجاك و من حرك من خلف بابك الحلقة
أنت ذو الجود و أنت معدنه أبوك قد كان قاتل الفسقة
أثر الضر و الفاقة فرجع و نادى وكيله فأقبل إليه مسرعا، فقال له: ما بقي معك من نفقتنا؟ قال: مائتا درهم امرتني بصرفها على أهل بيتك، فقال هاتها فقد اتى من هو احق بها منهم فأخذها و دفعها إلى الأعرابي و أنشد يقول:
خذها و إني إليك معتذر و اعلم بأني عليك ذو شفقه
لو كان في سيرنا عصا تمد اذن كانت سمانا عليك مندفقه
لكن ريب المنون ذو نكد و الكف منا قليلة النفقة
فأخذها الأعرابي و هو يقول:
مطهرون نقيات جيوبهم تجري الصلاة عليهم أينما ذكروا
و أنتم أنتم الأعلون عندكم علم الكتاب و ما جاءت به السور
من لم يكن علويا حين تنسبه فما له في جميع الناس مفتخر
و جاءه رجل من الأنصار يريد أن يسأله حاجة، فقال له: يا أخا الأنصار: صن وجهك عن ذل المسألة و ارفع إلي حاجتك في رقعة فإني آت فيها ما يسرك إن شاء اللّه. فكتب إليه أن لفلان علي خمسمائة دينار و قد ألح بي فكلمه أن ينتظرني الى ميسرة، فلما قرأ الرقعة أبو عبد اللّه دخل الى منزله و أخرج صرة فيها ألف دينار و قال له: هذه الف دينار منها خمسمائة لقضاء دينك و الباقي تستعين بها على دهرك، و لا ترفع حاجتك إلا إلى ثلاثة إلى ذي دين او مروءة أو حسب، فأما ذو الدين فيصون دينه، و أما ذو المروءة فإنه يستحي لمروءته، و أما ذو الحسب فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله في حاجتك فهو يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك.
و روى الرواة أنه دخل على أسامة بن زيد في مرضه و هو يقول:
وا غماه، فقال له الحسين: و ما غمك يا أخي؟ قال: ديني و هو ستون ألف درهم، فقال له الحسين (عليه السلام): هو علي، فقال له أسامة أخشى أن أموت قبل وفائه، فوفاها عنه من ساعته.
و جاء في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي عن أنس بن مالك أنه قال: كنت عند الحسين (عليه السلام) فدخلت عليه جارية له و بيدها باقه ريحان فحيته بها فقال لها: أنت حرة لوجه اللّه تعالى، فقلت له: جارية. تجيئك بطاقة ريحان و تحييك بها فتعتقها!؟ فقال هكذا ادبنا اللّه حيث قال: و اذا. حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها و أحسن منها عتقها.
و جنى بعض مواليه جناية توجب القصاص و التأديب فأمر بتأديبه، فقال يا مولاي، إن اللّه يقول: و الكاظمين الغيظ، فقال الإمام (عليه السلام): خلوا عنه فقد كظمت غيظي، فقال: و العافين عن الناس، فقال (عليه السلام): لقد عفوت عنك، فقال: و اللّه يحب المحسنين، فقال الإمام: أنت حر لوجه اللّه و أعطاه ما يكفيه في حياته.
و روى ابن عساكر في تاريخه انه كان يحمل إليه المال من البصرة و غيرها فلا يقوم من مكانه حتى يفرقه على الفقراء بكامله.
و قال ابن قتيبة في عيون الأخبار: ان معاوية وفد على المدينة في بعض سفراته إلى الحجاز فبعث الى الحسنين و عبد اللّه بن جعفر و ابن الزبير و ابن عمر و عبد اللّه بن صفوان بهدايا مؤلفة من كسوة و طيب و مبالغ كبيرة من الأموال، و قال لرسله إليهم: ليحفظ كل منكم ما يرى و يسمع، فلما خرج رسله الى القوم، قال لمن حضره: إن شئتم أنبأتكم بما يكون من القوم، فقالوا: أخبرنا بما ترى، فقال: أما الحسن، فلعله ينيل نساءه شيئا من الطيب و يهب الباقي لمن حضره و لا ينتظر غائبا، و أما الحسين فيبدأ بأيتام من قتل مع أبيه في صفين، فإن بقي شيء نحر به الجزر و سقى به اللبن، و أما عبد اللّه بن جعفر فيقول: يا بديح اقض به ديني، و ما يبقى فأنفذ به عداتي، و أما عبد اللّه بن عمر فيبدأ بفقراء عدي بن كعب، فإن بقي شيء ادخره لنفسه و مون به عياله، و أما عبد اللّه بن الزبير فيأتيه رسولي و هو يسبح فلا يلتفت إليه، ثم يعاوده الرسول فيقول لبعض غلمانه خذوا من رسول معاوية ما بعث به وصله اللّه و جزاه خيرا و لا يلتفت إليها و هي أعظم في عينيه من أحد، ثم ينصرف إلى أهله فيعرضها على عينيه و يقول: ارفعوها لعلي ان اعود بها على ابن هند يوما ما، و أما عبد اللّه بن صفوان، فيقول: قليل من كثير و ما كل رجل من قريش وصل إليه هكذا ردوها عليه فإن رد قبلنا، فرجع رسله من عندهم بنحو ما قاله معاوية فقال لما سمع منهم: انا ابن هند اعلم قريش بقريش.
إلى غير ذلك مما رواه الرواة عن جوده و كرمه، و لكن اكثر تلك المرويات من نوع المراسيل التي لا تثبت في مقام النقد و التمحيص، و بلا شك فإن بعضها من صنع القصاصين الذين كانوا يستدرجون بمثل هذه الحكايات عطف الناس، اما الرواية الاخيرة فمع انها من جملة مراسيل هذا الباب فمتنها يشير الى انها من موضوعات انصار الأمويين ليثبتوا بها الذكاء و حذق الفراسة لمعاوية و ليصفوا الحسن بأنه لا يفكر بأحد قبل النساء.
و تؤكد جميع المصادر الموثوقة أن الحسن و الحسين (عليه السلام) كانا يبذلان كل ما لديهما في سبيل اللّه و يؤثران الفقير و المحروم على نفسيهما، و كانا يقبلان صلات معاوية لأنها من حقهما، و هما أولى بها منه و من أمثاله ممن تقمصوا الخلافة و تسلطوا على الأمة و استغلوا خيراتها و مقدراتها لشراء الأنصار و الأتباع و الخونة كابن العاص و ابن شعبة و أمثالهما.
كانا يقبلان صلات معاوية لإيصالها إلى أصحابها المحرومين و المساكين، و كانت كل حياتهما للّه و في سبيل اللّه، و قد شاع بين الرواة و المؤرخين أن الحسن (عليه السلام) كان يخرج من نصف ما يملك في كل عام للفقراء و المحتاجين و يمسك النصف الآخر لعياله.
و في بعض الروايات أنه كان أحيانا يخرج من جميع ما يملك، و هكذا كان أبو عبد اللّه الحسين (عليه السلام) لا يدخر مالا و لا يحسب للمال حسابا، و قد تواترت الروايات عنه انه حج خمسا و عشرين حجة ماشيا على قدميه و الرواحل تقاد بين يديه، و كلما مر هو و أخوه على راكب نزل عن راحلته و مشى معهما، فاشتد ذلك على كثير من الناس، فجاء وفد من الحجاج الى سعد بن أبي وقاص و قالوا له: ان المشي قد اشتد علينا و لا يسعنا أن نركب و ابنا رسول اللّه يمشيان، فقال لهما سعد: ان المشي قد ثقل على الناس، و لا يسع أحدا أن يركب و أنتما تمشيان، فلو ركبتما رحمة بالناس، فقالا: قد جعلنا على أنفسنا أن نمشي في طريقنا هذا، و لكن نتنكب الطريق فسلكا طريقا آخر على غير الجادة حتى لا يراهما أحد من الناس.
و جاء في رواية ابن عساكر عن أبي سعيد الخدري أنه قال: رأيت الحسن و الحسين (عليه السلام) قد صليا مع الإمام صلاة العصر في الكعبة، ثم أتيا الحجر فاستلماه و طافا في البيت سبعا و صليا ركعتين و قد احاط بهما الناس حتى لا يستطيعان أن يمضيا و معهما رجل من الركانات فأخذ الحسن بيد الركان ورد الناس عن الحسين حتى استطاع أن يخرج من بينهما، و كان حيث يوجد يلتف حوله الناس كالحلقة هذا يستفتيه في أمر دينه، و هذا يأخذ من فقهه، و هذا يستمع الى روايته، و هذا لحاجته، و قد وصفه معاوية لبعض من سأله عنه فقال: إذا وصلت مسجد رسول اللّه (صلى الله عليه واله) فرأيت حلقة فيها قوم كأن على رءوسهم الطير فتلك حلقة ابي عبد اللّه الحسين (عليه السلام) مؤتزرا إلى أنصاف ساقيه. و كان الحسين (عليه السلام) إلى جانب ذلك كله يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة كما جاء في المجلد الثاني من العقد الفريد لابن عبد ربه و غيره، و قيل لعلي بن الحسين (عليه السلام) ما أقل ولد أبيك؟ فقال: العجب كيف ولدت له لقد كان يصلي في اليوم و الليلة الف ركعة فمتى كان يتفرغ للنساء؟ و مما كان يناجي به ربه في جوف الليل: الهي نعمتني فلم تجدني شاكرا و أبليتني فلم تجدني صابرا فلا أنت سلبت النعمة عني بترك الشكر، و لا أدمت الشدة علي بترك الصبر إلهي ما يكون من الكريم إلا الكرم.
و قد اشتهرت بين محدثي الشيعة و مختلف طبقاتهم مواقفه في عرفات أيام الموسم و مناجاته الطويلة و هو واقف على قدميه في ميسرة الجبل و الناس من حوله، تلك المناجاة التي ما قرأها قارىء و أمعن النظر في معانيها و ما تهدف إليه إلا و خشع قلبه و سالت الدموع من عينيه، و لقد جاء فيها: الهي لو حاولت و اجتهدت مدى الأعصار و الأحقاب لو عمرتها أن أؤدي شكر واحدة من نعمك ما استطعت ذلك إلا بمنك الموجب علي شكرا جديدا، اللهم اجعلني اخشاك كأني اراك، و اجعل غناي في نفسي و اليقين في قلبي و الاخلاص في عملي و النور في بصري و البصيرة في ديني.
اللهم حاجتي التي ان اعطيتنيها لم يضرني ما منعتني، و إن منعتنيها لم ينفعني ما اعطيتني اسألك فكاك رقبتي من النار يا أرحم الراحمين.
اللهم ما أخاف فاكفني و ما أحذر فقني و في نفسي و ديني فاحرسني، و في سفري فاحفظني و في أهلي و مالي فاخلفني، و فيما رزقتني فبارك لي و في نفسي فذللني و في أعين الناس فعظمني و من شر الجن و الانس فسلمني و بذنوبي فلا تفضحني و بسريرتي فلا تخزني، و بعملي فلا تبتلني، و نعمك فلا تسلبني و إلى غيرك فلا تكلني إلهي إلى من تكلني إلى قريب يقطعني أم إلى بعيد يتجهمني، أم الى المستضعفين لي و أنت ربي و مليك أمري اشكو إليك غربتي و بعد داري و هواني على من ملكته أمري.
يا من دعوته مريضا فشفاني و عريان فكساني و جائعا فأشبعني و عطشان فأرواني و ذليلا فأعزني و جاهلا فعرفني و وحيدا فكثرني و غائبا فردني و مقلا فأغناني و مستنصرا فنصرني و أمسكت عن جميع ذلك فابتدأني.
و مما جاء فيها: إلهي أنا الفقير في غناي فكيف لا أكون فقيرا في فقري و أنا الجاهل في علمي فكيف لا اكون جهولا في جهلي، الهي مني ما يليق بلؤمي و منك ما يليق بكرمك، إلهي كلما اخرسني لؤمي انطقني كرمك و كلما آيستني ذنوبي انطقني عفوك، و مضى يقول: و قد اجتمع حوله الناس و قد شغلهم الاستماع له و التأمين على دعائه و البكاء لبكائه عن الدعاء لأنفسهم على حد تعبير الراوي: إلهي كيف يستدل عليك بما هو في وجوده مفتقر إليك، أ يكون لغيرك من الظهور ما ليس لك حتى يكون هو المظهر لك متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك و متى بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك عميت عين لا تراك عليها رقيبا و خسرت صفقة عبد لم يجعل لك من حبه نصيبا إلى غير ذلك من فقراته التي هي من أنفع الدروس للإنسان في دنياه و آخرته.
و من وصاياه لبعض أصحابه: لا تتكلف بما لا تطيق، و لا تتعرض لما لا تدرك، و لا تعد بما لا تقدر عليه، و لا تنفق الا بقدر ما تستفيد، و لا تطلب من الجزاء الا بقدر ما صنعت، و لا تفرح إلا بما نلت من طاعة اللّه، و لا تتناول إلا ما رأيت نفسك أهلا له.
و من أقواله: من دلائل العالم انتقاده لحديثه و علمه بحقائق فنون النظر، و هذه الكلمة على اختصارها تضع الحد الفاصل بين العالم و الجاهل، ذلك ان الجاهل يستصوب رأيه دائما و يرى غيره مخطئا و لا ينظر الى الأمور إلا من زاوية تفكيره المحدود و فهمه الضيق لحقائق الأمور، و العالم يتهم نفسه دائما و يبحث عن رأي غيره لعله يرى فيه ما لم تتسع له أفكاره و مداركه، و إلى ذلك يشير الإمام الصادق (عليه السلام) بقوله: المستبد برأيه موقوف على مداحض الزلل، و إليه يشير الإمام أمير المؤمنين بقوله: من اعجب برأيه ضل و من استغنى بعقله زل.
و من أقواله: المؤمن لا يسيء و لا يعتذر، و المنافق كل يوم يسيء و يعتذر و رب ذنب أهون من الاعتذار منه، و قال لبعض اصحابه: من أحبك نهاك و من أبغضك أغراك.
فقال له الرجل: أنا أعصي اللّه و لا أصبر عن المعصية فعظني بموعظة انتفع فيها يا ابن رسول اللّه، فقال له: افعل خمسة أشياء و أذنب ما شئت، قال له الرجل: هاتها يا ابا عبد اللّه، فقال له: لا تأكل من رزق اللّه و أذنب ما شئت، فقال الرجل: و من أين آكل اذن و كل ما في الكون للّه و من عطائه؟ فقال له الإمام: اخرج من أرض اللّه و أذنب ما شئت، فقال الرجل: و هذه أعظم من الأولى فأين اسكن و كل ما في الكون للّه وحده؟
فقال له الإمام: اطلب موضعا لا يراك اللّه فيه و أذنب ما شئت، فقال الرجل: و هل تخفى على اللّه خافية؟ فقال الإمام: اذا جاءك ملك الموت ليقبض روحك فادفعه عن نفسك و اذنب ما شئت، و الخامسة اذا اراد مالك ان يدخلك النار فلا تدخلها و أذنب ما شئت فقال له الرجل: حسبي يا ابن رسول اللّه، لن يراني اللّه بعد اليوم حيث يكره.
و له مناظرات مع أحد زعماء الخوارج و مع معاوية و حاشيته، و كلمات قصار في الحكم و المواعظ كان يلقيها على من يجتمع إليه بين الحين و الآخر و رواها المحدثون و المؤرخون في مجاميعهم و لا يسعنا استقصاؤها مخافة التطويل و الملل.
كما روى المؤرخون موقفه من أرينب بنت إسحاق التي هام بحبها يزيد بن معاوية زوجة عبد اللّه بن سلام الوالي على العراق على حد تعبير بعض المؤرخين و كيف احتال عليه معاوية و وعده أن يزوجه من ابنته اذا طلقها، و بعد أن طلقها و خطب منه ابنته رفضت الزواج منه كما خطط لها معاوية و ابن العاص، و بالتالي لم ينجح معاوية في مكيدته فأرسل الى أرينب بعد انتهاء عدتها من يخطبها لولده يزيد، و أرسل لها مهرا مغريا و كان الخاطب أبا الدرداء، و في رواية أبا هريرة، و تشاء الصدف أن يلتقي بالحسين و يخبره بغايته فيكلفه الحسين أن يذكره لها، و لما دخل عليها ذكر لها يزيد و ما ينتظره من الملك بعد أبيه، و ذكر لها الحسين و مكانته من الإسلام و من رسول اللّه (صلى الله عليه واله) كما ذكر لها عبد اللّه بن عمرو و ابن الزبير كما في بعض الروايات، قالت له على حد تعبير الراوي: زوجني بمن تختاره لي منهم، و لو لم تأتني أنت لأرسلت إليك و أخذت رأيك في هذا الأمر، و مضى الراوي يقول: ان الوسيط الذي أرسله معاوية قال لها: لا اقدم احدا على فم قبله رسول اللّه فزوجها من الحسين (عليه السلام) و دفع لها الأموال التي حملها من معاوية و عاد الى معاوية ليخبره بما جرى له، فقال له معاوية: يا ابا هريرة لقد صرفت اموالنا على غيرنا، فرد عليه بقوله: انك لم ترثها عن أبيك.
و لما يئس ابن سلام من ابنة معاوية و صرفه معاوية عن عمله ضاق به أمره فرجع إلى المدينة و كان قد اودع مطلقته أموالا فاستأذن الحسين (عليه السلام) أن يدخل عليها فأذن له و لما دخل و استلم منها وديعته تأوه كل منهما وخيم على عبد اللّه بن سلام صمت ينم عن حزنه لفراقها و رغبته في الرجوع إليها لو كان له من سبيل لذلك فطلقها الحسين (عليه السلام) قبل ان يمسها و أرجعها لزوجها و فوت على معاوية مكيدته.
و جاء في رواية النويري في المجلد السادس من نهاية الأرب و الإمامة و السياسة لابن قتيبة ان الحسين كان يوم ذاك لا يزال يسكن الكوفة و كان عبد اللّه بن سلام واليا لمعاوية على العراق و ان الحسين ارجعها إليه لما صرفه معاوية عن ولاية العراق و رجع إلى الكوفة.
و جاء في رواية شهاب الدين احمد بن القليوبي في نوادره ان يزيد بن معاوية رأى امرأة جميلة على حائط فهام بها و كانت زوجة لعدي بن حاتم و تكنى بأم خالد فمرض بسببها و لازم الفراش و لم يعرف الناس علته، فأشار ابن العاص على معاوية أن تخلو به والدته و تسأله عما يشكوه، و لما اجتمعت به و أخبرها بما في نفسه احتال ابن العاص على عدي و مناه بالزواج من ابنة معاوية إن هو طلق زوجته أم خالد، و بعد ان طلقها و تمت عدتها ارسل معاوية ابا هريرة ليخطبها ليزيد، و في المدينة مر على الحسين و ابن الزبير و ابن عمر فكلفوه بأن يذكرهم لها، و تم الأمر للحسين بعد ان ذكرهم لها ابو هريرة و تركت له ان يختار اصلحهم لها فاختار لها الحسين (عليه السلام)، و رفضت بنت معاوية ان تتزوج من عدي كما ذكرت الرواية الأولى، فاغتم لذلك و ضاق به امره، و لما رآه الحسين حزينا أرجع إليه زوجته، و قيل يوم ذاك:
انعمي أم خالد رب ساع لقاعد
هذه الروايات على ما بينها من اختلاف و تضارب ليست بعيدة عما فطر عليه ابن هند من الغدر و المكر و الاحتيال، و ما فطر عليه الحسين (عليه السلام) من كرم الاخلاق و الوفاء و محاربة الظلم و البغي، و من الجائز ان تتكرر الحادثة مع يزيد بن معاوية لأنه كان مسترسلا مع شهواته إلى أبعد الحدود، غير أن ذلك لا يفيد اكثر من الظن بوقوع هاتين الحادثتين أو احداهما، و يبقى احتمال كونهما من صنع القصاصين أو المحبين قائما و ليس ببعيد.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|