أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-07-12
498
التاريخ: 30-01-2015
3503
التاريخ: 29-01-2015
3374
التاريخ: 29-01-2015
3799
|
كانت لخلافة علي (عليه السلام) علي المدينة معانٍ ضخمة، اراد المنافقون في ذلك الزمان التقليل من شأنها وتحجيمها. ولكن بدارسة معمّقة لطبيعة النيابة والاستخلاف على المدينة نكتشف انه لم يكن مجرد استخلاف على مجموعة افراد، بل كان استخلافاً على مجتمع مؤسسات ودولة بكل ما تعنيه الكلمة.
1 - اخلُفني في أهلي: انتقال الادارة الاجتماعية
ان فلسفة «اخلُفني في أهلي» تقتضي الحفاظ على مجموعة من الانظمة الاجتماعية والاجهزة الدينية التي تُمسك بخيوط المجتمع. فهي تقتضي الحفاظ على تركيبة النظام الاجتماعي والسياسي للمجتمع الديني من حيث الهرم الاداري. وتقتضي ايضاً الحفاظ على العمليات الاجتماعية من زاوية القضاء وحل الخصومات، وتوزيع الثروة واشباع الفقراء، والتعبديات واقامة الفرائض الجماعية، وعدالة السوق التجاري ونظافته من الربا والاحتكار، وتطبيق العقوبات على المنحرفين ونحوها. وهذا كله يفضي بانتقال الادارة الاجتماعية من يد امينة الى يد امينة اخرى. فاذا اُريد لحركة الاسلام ان تستمر، فلابد ان يخلّف النبي (صلى الله عليه واله) شخصاً عالِماً مؤتمناً كفوءاً لادارة مجتمع المدينة خلال غيابه في تبوك، كما خلّف النبي موسى (عليه السلام) اخاه هارون لادارة شؤون مجتمع بني اسرائيل خلال غيابه (عليه السلام) عنهم والتماسه الجبل.
ولا شك ان تبوك كانت مرحلة تمرين وامتحان للصحابة بحسن استيعاب قضية الولاية الشرعية بعد رسول الله (صلى الله عليه واله) وفهمها فهماً صحيحاً بعيداً عن الاهواء والطموحات السياسية القَبَلية. خصوصا وان قضية تبوك ونظرية «اخلُفنيفي أهلي» قد جاءت قبل واقعة الغدير بفترة زمنية قصيرة.
ومخاطبة رسول الله (صلى الله عليه واله) لعلي (عليه السلام): «اخلفني في أهلي» كانت قد لَحظت الضغط السياسي المحلي من قبل الطامحين بالسلطة من قريش من الذين اسلموا مؤخراً، ولحظت الكبار الذي وضعهم الاسلام بحجمهم الحقيقي وكانوا وقتها قادة قريش، ولحظت المنافقين ومن الذين في قلوبهم مرض من الذين تخلفوا عن رسول الله (صلى الله عليه واله) خلال مسيره الى تبوك، ولحظت الوضع النفسي المتغير للاعراب وبعض الجنود الذين لا يفكرون الا بالغنائم. فصورة الوضع الاجتماعي للمدينة، كانت صورة واضحة لرسول الله (صلى الله عليه واله) عندما خلّف علياً (عليه السلام) لإدارتها وقت غيابه في معركة حاسمة مثل تلك المعركة. وقد كان النبي (صلى الله عليه واله) يعلم يقيناً ان علياً (عليه السلام) هو اكثر الناس كفاءةً لادارة المجتمع الديني في المدينة، لاسباب (منها): ادراكه الواقعي لاحكام الشريعة. و(منها): نضوجه الحربي والفكري والاجتماعي بحيث يستطيع حمل راية الاسلام خفّاقة بعد رسول الله (صلى الله عليه واله). وكان الامام (عليه السلام) يعلم بحجم التكليف الذي حمّله اياه رسول الله (صلى الله عليه واله). ولكنه (عليه السلام) ارادها ان تُسمع عالية واضحة انه لم يخلّفه (صلى الله عليه واله) على مجرد النساء والصبيان كما يتبادر في الذهن اول مرة، بل اراده في ذلك التكليف انجاز ما ينجزه الرسل والانبياء (عليهم السلام) عادةً كما قال (صلى الله عليه واله): «الا ترضى ان تكون مني بمنـزلة هارون من موسى الا انه لا نبي بعدي»، وقد كلّف موسى (عليه السلام) اخاه هارون بقوله: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ} [الأعراف: 142].
2 - اخلُفني في أهلي: اصالة النيابة
تعني النيابة او عبارة «اخلُفني في اهلي» اصالة علاقة اخلاقية وقانونية بين شخصين هما: النائب، والمنوب عنه. حيث تنتقل السلطة او المسؤولية القانونية الى النائب للقيام بالاعمال الموكولة اليه من قبل المنوب عنه. وتلك العلاقة محكومة بشروط موضوعية عديدة. ولا يمكن تفريغ علاقة ضخمة من ذاك القبيل من شروطها الموضوعية. ففكرة النيابة مشروطة بتطابق التكليف مع القدرة الكاملة على انجازه تاماً. ولذلك قيل ان «النيابة» عملية معقدة خصوصا اذا تعلّقت بقضايا السلطة وادارة المجتمع. لان لها تأثيرا على حقوق الناس ومعتقداتهم وتكاليفهم الشرعية والاجتماعية.
أ - كفاءة النائب:
ولا شك ان دراسة حجم المسؤولية الملقاة علي عاتق علي (عليه السلام) في النيابة او الخلافة على المدينة خلال غزوة تبوك يكشف عن عمق شخصية الامام (عليه السلام) وعلاقته الصميمية بالنبوة وبمحمد (صلى الله عليه واله). فقد كان رسول الله (صلى الله عليه واله) يعلم ان في شخصية علي (عليه السلام) ثلاثة عناصر او شروط تستطيع ان تحقق خَلَفاً صالحاً لخير سلف، وهي:
الاول: قوة ادراك علي (عليه السلام) لمقتضيات الشريعة واحكامها ونظامها الاخلاقي والعقائدي. وكان ذلك واضحاً في ادراكه اسرار القرآن الكريم، والسيرة النبوية الشريفة. وتوضحَ الامرُ اكثر عندما كان المنقذ لكثير من المشاكل التي حصلت بعد رسول الله (صلى الله عليه واله)، وعجز الخلفاء الثلاثة عن معالجتها معالجة شرعية.
الثاني: قوة علي (عليه السلام) الذهنية التي تستطيع ان تدير الامور الاجتماعية في عاصمة الدولة الاسلامية. خصوصاً اهتمامه بالفقراء والمعوزين، وتقسيم الثروة الاجتماعية بالتساوي لمستحقيها.
الثالث: قدرة علي (عليه السلام) في إحكام تماسك المجتمع الاسلامي دينياً، لانه كان يمتلك تلك الشخصية الاستثنائية في البطولة، والايثار، والزهد، والتقوى، والعلم، والعبادة، ومواساة الفقراء والمحرومين. وتلك الصفات الفاضلة اذا اجتمعت في شخصية واحدة، كان لها القدرة على جمع العابد مع العالِم، والتاجر مع الفقير، والغني مع المحتاج، والقوي مع الضعيف. واذا تم جمع تلك العناصر في خيمة اجتماعية واحدة يسودها الحب والتكاتف والمسؤولية، اقترب الاسلام من تحقيق اهدافه العليا في الحياة.
ب - اُسس البناء الاجتماعي للمدينة:
ومن الطبيعي فان رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما قال لعلي (عليه السلام): «اخلُفني في اهلي واهلك»، «اما ترضى ان تكون مني بمنـزلة هارون من موسى» لحظ بعض الاسس في البناء الاجتماعي للمدينة وهي:
أولاً: التركيبية الاجتماعية لمجتمع غاب عنه رسول الله (صلى الله عليه واله)، وفيه المنافقون الذين تخلفوا عن غزوة تبوك وكان فيهم تجار ومتمولون، والقاعدون الذين لا يهمهم انتصار الاسلام او انكساره، والقاصرون والعاجزون من نساء وصبيان وشيوخ، وبعض من المؤمنين تخلفوا كسلاً وليس عدم رغبة في القتال.
ثانياً: الشعور في المجتمع المدني تجاه القضايا العامة. وكان شعوراً يتراوح بين اللاابالية وبين العداء المبطن ضد الاسلام. يصفه لنا القرآن الكريم بالقول:{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81] ، وكانوا يتظاهرون بانهم مؤمنون ولكنهم ليسوا كذلك: {وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ} [التوبة: 56]. وكان منهم من كان يطعن في أمر الصدقات: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التوبة: 58]. ومنهم الذين استأذنوا النبي (صلى الله عليه واله) واعطوا الاعذار الفاسدة: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 93]، {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا...} [التوبة: 49].
وكانت تلك النماذج موجودة في مجتمع المدينة خلال غياب رسول الله (صلى الله عليه واله)، فكانت النيابة او الخلافة على دار الاسلام تقتضي التعامل مع هؤلاء تعاملاً اخلاقياً حذراً بما يوحيه التكليف الشرعي.
وبالاجمال، فقد كان شعور تلك الشريحة الواسعة في مجتمع المدينة شعورا سلبياً ضد الدين، ولذلك قال علي (عليه السلام) متسائلاً مخاطباً: «يا رسول الله، خلفتني بالمدينة مع الذراري والنساء حتى قالوا: ملّه وكره صحبته؟»، وكأنه تجاهل (عليه السلام) وجود تلك المجاميع من الرجال التي فضّلت البقاء على نصرة الدين. ولكنها على اية حال، كانت تشكل خطراً على الوضع الاجتماعي والديني في المدينة.
ثالثاً: ان النيابة او الخلافة لم تكن مجرد خلافة على مال محفوظ او على ارض مستثمَرة او على بستان او على ملك محدود، بل كانت خلافة على تدبير امور مجتمع تضمّن شرائح متناقضة من مؤمنين ومنافقين واعراب واهل ذمة، ومجتمع احتوى على مؤسسات مدنية مثل بيت المال، ومصالح زراعية وصناعية وتجارية، ومساكن، وادوات حرب واسلحة ونحوها. وبكلمة، فقد كانت خلافة على مجتمع مؤسسات وليست خلافة على مجرد أفراد.
ولا شك ان الامة تتوقع من الخليفة او النائب دوراً يشابه دور الاصيل في الادارة الدينية والاجتماعية. وصفات النائب وموقفه الحكيم الحازم من الاحداث ودوره في المؤسسات الاجتماعية كبيت المال والجيش والزراعة والصناعة والتعليم ينبغي ان يكون متمماً لدور الاصيل في ذلك.
ولم يكن علي (عليه السلام) بعيداً عن ذلك. بل كان (عليه السلام) من اهل بيت النبوة (عليه السلام)، قضى جلّ حياته مع رسول الله (صلى الله عليه واله). وكان يتحلى بصفات خاتم الانبياء (صلى الله عليه واله)، ويحمل نظرته نحو الدين والحياة والتكاليف الشرعية. ولذلك فقد كان متوقعاً ان يقوم علي (عليه السلام) باتمام دور الاصيل (صلى الله عليه واله)، عبر طريقين متلازمين:
الاول: المهارة الدينية التي كان يمتلكها (عليه السلام) في ادارة امور الامة سياسياً وعسكرياً واجتماعياً. وقد اشرنا الى لمحات منها آنفاً.
الثاني: توقع الامة ثبات الوضع الديني وعدم تغيّره عند غياب رسول الله (صلى الله عليه واله). لانها كانت تعرف ان علياً (عليه السلام) كان فيه بقية من النبوة ونسخة من علم رسول الله (صلى الله عليه واله) وتقواه وعفته وزهده وشجاعته.
|
|
تفوقت في الاختبار على الجميع.. فاكهة "خارقة" في عالم التغذية
|
|
|
|
|
أمين عام أوبك: النفط الخام والغاز الطبيعي "هبة من الله"
|
|
|
|
|
قسم شؤون المعارف ينظم دورة عن آليات عمل الفهارس الفنية للموسوعات والكتب لملاكاته
|
|
|