المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر
تنفيذ وتقييم خطة إعادة الهيكلة (إعداد خطة إعادة الهيكلة1)
2024-11-05
مـعاييـر تحـسيـن الإنـتاجـيـة
2024-11-05
نـسـب الإنـتاجـيـة والغـرض مـنها
2024-11-05
المـقيـاس الكـلـي للإنتاجـيـة
2024-11-05
الإدارة بـمؤشـرات الإنـتاجـيـة (مـبادئ الإنـتـاجـيـة)
2024-11-05
زكاة الفطرة
2024-11-05

محاصيل السكر- مقومات انتاج بنجر السكر
18-1-2017
العوامل التي تؤثر في موقع العاصمة - التوسط الهندسي
24-2-2022
Suberin
22-4-2020
الخلافات بين الوالدين
9-1-2016
كتب سنوية وتقاويم (حوليات)
29-11-2019
الجراهمة في مكة.
2023-12-20


وجه الشبه  
  
85106   01:39 مساءً   التاريخ: 10-1-2019
المؤلف : د . عبد العزيز عتيق
الكتاب أو المصدر : في البلاغة العربية/علم البيان
الجزء والصفحة : ص83-94
القسم : الأدب الــعربــي / البلاغة / البيان /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-03-2015 6936
التاريخ: 13-9-2020 25221
التاريخ: 27-1-2022 3748
التاريخ: 16-1-2022 2093

 

وجه الشبه هو المعنى الذي يشترك فيه طرفا التشبيه تحقيقا أو تخييلا والمراد بالتحقيق هنا أن يتقرر المعنى المشترك في كل من الطرفين على وجه التحقيق . وذلك نحو تشبيه الرجل بالأسد . فالشجاعة هي المعنى المشترك أو الصفة الجامعة بينهما ، وهي على حقيقتها موجودة في الانسان . و إنما يقع الفرق بيه وبين الأسد الذي شبِّه به من جهة قوة الشجاعة وضعفها وزيادتها ونقصانها .

ومثل ذلك تشبيه الشعر بالليل ووجه الشبه هنا هو السواد وهو مأخوذ من صفة موجودة في كل واحد من الطرفين وجودا حقيقيا ، و إن كان من فرق في الصفة فهو في درجة قوتها وضعفها .

والمراد بالتخييل أن لا يمكن وجوده في المشبه به إلا على سبيل التأويل والتخييل كقول القاضي التنوخي :

وكأن النجوم بين دجاها   سننٌ لاح بينهن ابتداع (1)

 

ص83

 فإن وجه الشبه في هذا التشبيه أو الجامع بين الطرفين هو الهيئة الحاصلة من حصول أشياء مشرقة بيض في جوانب شيء مظلم أسود . فهذه الهيئة غير موجودة في المشبه به إلا على طريق التخييل ، وذلك أنه لما كانت البدعة والضلالة وكل ما هو جهل يجعل صاحبها في حكم من يمشي في الظلمة فلا يهتدي إلى الطريق ولا يفصل الشيء من غيره شبهت بالظلمة ، ولزم عل عكس ذلك أن تشبّه السنة والهدى وكلّ ما هو علم بالنور .

و أصل ذلك قوله تعالى : {يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ} [البقرة: 257] وشاع ذلك حتى وصف الصنف الأول بالسواد ، كما في قول القائل : (( شاهدت سواد الكفر من جبلين فلان ))، وحتى وصف الصنف الثاني بالبياض ، كما في قول النبي (صلى الله عليه و آله ) : (( أتيتكم بالحنيفية البيضاء )) ؛ وذلك لتخيل أن السنن ونحوها من الجنس الذي هو اشراق أو ابيضاض في العين ، و أن البدعة ونحوها على خلاف ذلك .

ولهذا صار تشبيه النجوم بين الدجى بالسنن بين البدع ، كتشبيه النجوم في الظلام ببياض الشيب في سواد الشباب  ، أو بالأزهار مؤتلقة بين النبات الشديد الخضرة . فالتأويل فيه أنه تخيّل ما لا لون له ذا لون .

ومن ذلك التشبيه التخييلي قول ابن بابك :

وأرض كأخلاق الكرام قطعتها  وقد كحل الليل السماك فأبصرا(2)

 

   فإن الأخلاق لما كانت توصف بالسعة و الضيق تشبيها لها بالأماكن الواسعة و الضيقة ، تخيل أخلاق الكرام شيئا له سعة ، وجعله أصلا فيها ، فشبه الأرض بالسعة .

ص84

ومنه قول أبي طالب الرقي :

 

ولقد ذكرتك والظلام كأنه    يوم النوى وفؤاد من لم يعشق

 

    فإنه لما كانت أيام المكاره توصف بالسواد توسعا ، فيقال اسود النهار في عيني و اظلمت الدنيا علي ، ولما كان المحب الغزل يفترض القسوة فيمن لم يعشق ، وكان القلب القاسي يوصف بالسواد توسعا ، تخيل الشاعر العاشق  يوم النوى وفؤاد من لم يعشق شيئين لهما سواد ، وجعلهما أعرف به ، وأشهر من الظلام فبهه بهما .

 

وجه الشبه من حيث الإفراد والتعدد :

 

ووجه الشبه قد يكون واحدا حسيا كالحمرة والخفاء وطيب الرائحة ولذة الطعم ولين الملمس ، في تشبيه الخد بالورد والصوت الضعيف بالهمس ، والنكهة بالعنبر ، والريق بالخمر ، والجلد الناعم بالحرير .

 

وقد يكون وجه الشبه متعددا حسيا والمراد بالتعدد هنا أن يذكر في التشبيه عدد من أوجه الشبه  من اثنين فأكثر على وجه صحة الاستقلال ، بمعنى أن كل واحد منها لو اقتصر عليه كفى في التشبيه . مثال ذلك أن يقال : البرتقالة كالتفاحة في شكلها  وفي لونها وفي حلاوتها ، وفي رائحتها . فلو أسقط وجهان من أوجه الشبه هذه لكفى الباقي في التشبيه للإبانة عن قصد المتكلم . وهذا هو وجه الشبه المتعدد .

والمتعدد العقلي نحو : البنت كأمها حنانا وعطفا وعقلا ولطفا .

ص85

 

والمتعدد المختلف نحو : الولد كأبيه في طوله ومشيته وصوته وخلقه وكرمه وعلمه .

 

التشبيه باعتبار وجهه : 

 

وللتشبيه باعتبار وجه الشبه ثلاث تقسيمات :

تمثيل وغير تمثيل .

مفصل ومجمل .

قريب وبعيد .

 

  1. تشبيه التمثيل :

وهو ما كان وجه الشبه فيه صورة منتزعة من متعدد أمرين أو أمور . هذا هو مذهب جمهور البلاغيين في تعريفه ، ولا يشترطون فيه غير تركيب الصورة ، سواء أكانت العناصر التي تتألف منها صورته أو تركيبه حسية أو معنوية . وكلما كانت عناصر الصورة أو المركب أكثر كان التشبيه أبعد و أبلغ .

  •  

وتراه في ظلم الوغى فتخالهقمرا يكرّ على الرجال بكوكب

 

فالمشبه هنا هو صورة الممدوح الفارس وبيده سيف لامع يشق به ظلام غبار الحرب ، والمشبه به صورة قمر يشق ظلمة الفضاء ويتصل به كوكب مضيء ، ووجه الشبه هو الصورة المركبة من ظهور شيء مضيء يلوح بشيء متلألئ في وسط الظلام .

ومنه قول ابن المعتز يصف السماء بعد تقشع سحابة :

كأن سماءنا لما تجلّتخلال نجومها عند الصباح

  1.  

 

رياض بنفسج خضل نداهتفتّح بينه نورُ الأقاح (3)

 

فالمشبه صورة السماء والنجوم منثورة فيها وقت الصباحوالمشبه به صورة رياض من أزهار البنفسج تخللتها أزهار الأقاحي ، ووجه الشبه هو الصورة الحاصلة من شيء أزرق انتشرت في أثنائه صورة صغيرة بيضاء .

ومنه قول أبي تمام في مغنية تغني بالفارسية :

ولم أفهم معانيها ولكنورت كبدي فلم أجهل شجاها

فبتّ كأنني أعمى معنىبحبّ الغانيات وما يراها (4)

 

فالمشبه هنا حال الشاعر يثر نغم المغنية بالفارسية في نفسه كوامن الشوق وهو لا يفهم لغتها ، والمشبه به حال الأعمى يعشق الغانيات وهو لا يرى شيئا من حسنهن ووجه الشبه هو صورة قلب يتأثر وينفعل بأشياء لا يدركها كل الادراك .

ومنه قول شاعر في صديق عاق :

إني وإياك كالصادي رأى نهلاودونه هوةٌ يخشا بها التلفا

رأى بعينيه ماء عزّ مورده وليس يملك دون الماء منصرفا

فالمشبه حال الشاعر مع صديقه العاقيدعوه الوفاء إلى الإبقاء على مودته ويدعوه ما يراه فيه من العقوق إلى قطعه، وهو بين الأمرين حائر ، ولكنه يصغي أخيرا إلى داعي الوفاء ، والمشبه به حال عطشان رأى ماء

  1.  

تحول بينه وبين الشرب منه هوة يخشى منها الهلاك على نفسه لو دنا منه ، فوقف حائرا ولكنه لا يستطيع الانصراف عن الماء ، ووجه الشبه هو صورة من يريد شيئا فتحول العقبات دونه فتدركه الحيرة ولكنه لا ييأس .

 

ومنه قوله تعالى : {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } [البقرة: 261] .

فالمشبه حال من ينفق قليلا في سبيل الله ثم يلقى عليه جزاء جزيلا ، والمشبه به حال من يزرع حبة فأنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، ووجه الشبه هو صورة من يعمل قليلا فيجني من ثمار عمله كثيرا .

أما وجه الشبه عندما يكون غير تمثيل فهو عكس ذلك ، أي عندما لا يكون صورة منتزعة من متعدد ، بعبارة أخرى هو ما يكون غير مركب أي مفردا لا يمنع من تعدد الصفات المشتركة بين طرفي التشبيه .

ومن أمثلة التشبيه عندما يكون وجه الشبه فيه غير تمثيل قول البحتري :

هو بحر السماح والجود فازدد  منه قربا تزدد من الفقر بعدا

فالمشبه هنا هو الممدوح والمشبه به هو البحر ، ووجه الشبه الذي يشترك فيه الممدوح والبحر هو صفة الجود .

وقول امرئ القيس :

 وليل كموج البحر أرخى سدوله    عليّ بأنواع الهموم ليبتلي

ص88

 

فالمشبه في هذا البيت هو الليل في ظلامه وهوله ، والمشبه به هو موج البحر ، وأن هذا الليل أرخى عليه حجبه وسدوله مصحوبة بكل أنواع الهموم و الأحزان ليختبر صبره وقوة احتماله ، ووجه الشبه الذي يشترك فيه الليل وموج البحر صفتان هما : الظلمة والروعة .

وقول أبي بكر الخالدي :

يا شبيه البدر  حسنا         وضـيـاء     ومـنـالا

وشبيه الغصن لينا            وقـوامـا    واعـتـدالا

أنت مثل الـورد لـونا            ونـسـيـما      ومـلالا

زارنـا حتـى إذا مــا               سـرّنـا بالـقـرب زالا

 

 

فالمشبه في هذا المثال هو الحبيب ، والمشبه به هو البدر مرة والغصن مرة ثانية ، والورد مرة ثالثة ، ووجه الشبه الذي يشترك فيه الطرفان صفات متعددة لا يرتبط بعضها ببعض ، وكل صفة منها يمكن الاكتفاء بها كوجه شبه ، بمعنى أنه لو حذف بعضها دون بعض أو قدم بعضها على بعض ما اختل التشبيه .

ولعلنا الآن أدركنا من هذه الأمثلة أن تشبيه غير التمثيل هو ما كان وجه الشبه فيه غير صورة أي غير مركب . وبعبارة أخرى هو ما كان مفردا مهما تعددت الصفات التي يشترك فيها الطرفان و أن هذه الصفات المشتركة إن وجدت لا يشترط فيها نظام أو ترتيب معين ، بمعنى أنه يجوز فيها التقديم والتأخير ، كما يجوز الإبقاء عليها أو على بعضها كوجه شبه من غير اخلال بالتشبيه .

 

2- ويكزن وجه الشبه مفصلا ومجملا :

أ- فالتشبيه المفصل : هو ما ذكر فيه وجه الشبه ، وذلك نحو قول الشاعر :

ص89

كم وجوه مثل النهار ضياءً     لنفوس كالليل في الإظلام

فالبيت هنا فيه تشبيهان وجه الشبه في الأول ((ضياء )) وفي الثاني ((الإظلام )) وكلاهما مذكور في التشبيه .

قول ابن الرومي :

 يا شبيه البدر في الحســ     ــن وفي بـعـد المـنـال

جد فقد تنفجر الصخــ         ـرة في المـاء الـزلال

  فالمشبه هو الحبيب والمشبه به البدر ووجه الشبه هو اشتراك الطرفين في صفتي الحسن وبعد المنال ، وكلتاهما مذكورة في التشبيه .

وقول آخر :

أنت كالبحر في السماحة ،والشــ   ــمس علوا ، والبدر في الإشراق

 فهذا البيت يشتمل على ثلاثة تشبيهات ذكر في كل منها وجه الشبه ، وهو في التشبيه الأول ((السماحة )) وفي الثاني ((العلو )) وفي الثالث ((الاشراق)) .

فكل تشبيه من التشبيهات التي تضمنتها هذه الأمثلة تشبيه مفصّل ؛ لأن وجه الشبه قد ذكر فيه .

ب- والتشبيه المجمل : هو ما حذف منه وجه الشبه ، وذلك نحو قول الشاعر :

وكأن إيماض السيوف بوارق   وعجاج خيلهم سحاب مظلم (5)

ففي البيت تشبيهان : تشبيه ايماض السيوف بالبرق في الظهور وسرعة الخفاء ، وتشبيه عجاج الخيل بالسحاب المظلم في سواده وانعقاده في الجو . ووجه الشبه في كليهما محذوف ، ولهذا هو تشبيه مجمل .

ومن التشبيه المجمل ما وجه شبهه ظاهر يفهمه كل أحد حتى العامة كالمثال السابق ، وكقولنا : زيد أسد ، إذ لا يخفى على أحد أن المراد به التشبيه في الشجاعة دون غيرها .

ومن التشبيه المجمل ما وجهه خفيّ لا يدركه إلا من له ذهن يرتفع عن طبقة العامة ،كقول فاطمة بنت الخرشب عندما سئلت عن بنيها أيهم أفضل فقالت: ((عمارة ، لا بل فلان ،لا بل فلان . ثم قالت :ثَكِلتُهم إن كنت أعلم أيهم أفضل .هم كالحلقة المفرغة لا يدرى أين طرفاها )) .

فمعنى ذلك أن أبناءها لتناسب أصولهم وفروعهم وتساويهم في الشرف يمتنع تعيين بعضهم فاضلا وبعضهم أفضل منه ، كما أن الحلقة المفرغة لتناسب أجزائها  وتساويها يمتنع تعيين بعضها طرفا وبعضها وسطا .

فتشبيه أبناء بنت الخرشب بالحلقة المفرغة تشبيه مجمل ، ووجه شبهه المحذوف هو تعذر بل استحالة تعيين أوليّة أو أفضلية أشياء متناسبة متساوية ، أو هو التناسب المانع من تمييز يصح معه التفاوت . فهذا الوجه المحذوف والذي يشترك فيه طرفا التشبيه أمر خفي لا يستطيع ادراكه إلا من له ذهن يرتفع عن طبقة العامة ، كما ذكرت آنفا .

ومن التشبيه المجمل ما لم يذكر فيه وصف المشبه و لا وصف المشبه به ، أي الوصف المشعر بوجه الشبه ، ومن هذا النوع : تشبيه إيماض السيوف بالبوارق ، وتشبيه زيد بالأسد السابقين .

ومنه ما يذكر فيه وصف المشبه به وحده ، كتشبيه عجاج الخيل بالسحاب المظلم ، وتشبيه أبناء بنت الخرشب بالحلقة المفرغة لا يدري أين طفاها .

ص91

ومن هذا النوع أيضا ، أي التشبيه المجمل الذي ذكر فيه وصف المشبه به وحده كقول زياد الأعجم :

وأنا وما تلقي لنا إن هجوتنا    لكالبحر مهما تلق في البحر يغرق

وقول النابغة الذبياني :

فإنك شمس والملوك كواكب   إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

ومن التشبيه المجمل ما ذكر فيه وصف كل من المشبه و المشبه به ، كقول أبي تمام في مدح الحسن بن سهل :

صدفت عنه ولم تصدف مواهبه    عني ، وعاوده ظني فلم يخب

كالغيث إن جئته  وافاك ريِّقه و إن ترحلت عنه لج في الطلب (6)

فالتشبيه هنا هو : ((الممدوح كالغيث )) والبيت الأول مشتمل على وصف المشبه به وهو الغيث ، وكلا الوصفين مشعر بوجه الشبه المحذوف ، وهو عدم التخلص من كليهما على أي حال .

 3-  ويكون قريبا وبعيدا :

كذلك يكون التشبيه باعتبار الوجه قريبا وبعيدا . والمراد بالقريب القريب المبتذل ، وبالبعيد الغريب .

فالقريب المبتذل : هو ما ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به من غير

 

ص92

 تدقيق نظر ، وذلك لظهور وجهه في بادئ الرأي .

 

وسبب ظهوره أمران : الأول كون الشيء جمليا : فإن الجملة أسبق دائما إلى النفس من التفصيل . ألا ترى أن الرؤية لا تصل في أول أمرها إلى الوصف على التفصيل لكن على الجملة ثم على التفصيل  ولذلك قيل النظرة الأولى حمقاء ، وفلان لم يمعن النظر . وكذلك الشأن بالنسبة لسائر الحواس ، فإنه يدرك من تفاصيل الصوت والذوق والشم واللمس في المرة الثانية ما لم يدرك في المرة الأولى .

 

فمن يروم التفصيل كمن يبتغي الشيء من بين جملة أشياء يريد تمييزه مما اختلط  به ، ومن يريد الإجمال كمن يريد أخذ الشيء جزافا  من غير تدقيق نظر . وكذلك حكم ما يدرك بالعقل ، ترى الشيء يسبق دائما إلى الذهن إجمالا ، أما التفاصيل فمغمورة في الإجمال لا تحضر وتنكشف  إلا بعد إعمال الرؤية .

و الأمر الثاني في ظهور وجه الشبه في بادئ الرأي كونه قليل التفصيل مع غلبة حضور المشبه به في الذهن ، إما عند حضور المشبه لقرب المناسبة بينهما  ، كتشبيه العنبة الكبيرة السوداء بالإجاصة في الشكل وفي المقدار و إما مطلقا لتكرره على الحس  ، كتشبيه الشمس بالمرآة المجلوة في الاستدارة و الاستنارة ؛ فإن قرب المناسبة والتكرر كل واحد منهما يعارض التفصيل لاقتضائه سرعة الانتقال .

 

و البعيد الغريب : هو ما لا ينتقل فيه من المشبه إلى المشبه به إلا بعد فكر ، وذلك لخفاء وجهه في بادئ الرأي .

وسبب خفائه أمران : أحدهما كونه كثير التفصيل ، مقول الراجز : ((والشمس كالمرأة في كف الاشل )) . فوجه الشبه في هذا التشبيه هو الهيئة

ص93

الحاصلة من الاستدارة مع الاشراق والحركة السريعة المتصلة مع تموج الاشراق واضطرابه بسبب تلك الحركة حتى يرى الشعاع كأنه يهم بأن ينبسط حتى يفيض من جوانب الدائرة ثم يبدو له فيرجع من الانبساط إلى الانقباض . فالشمس إذا أحدّ الانسان النظر إليها ليتبين جرمها وجدها مؤدية إلى هذه الهيئة ، وكذلك المرآة إذا كانت في كف الأشل . فالهيئة التي يتركب منها وجه الشبه هنا لا تقوم في نفس الرائي للمرآة الدائمة الاضطراب إلا بعد تأمل وطول نظر وتمهل .

والأمر الثاني لخفاء وجه الشبه في بادئ الرأي هو ندرة حضور المشبه به في الذهن ، أما عند حضور المشبه لبعد المناسبة بينهما كتشبيه البنفسج بنار الكبريت في قول الشاعر :

و لا زورديّة تزهو بزرقتها    بين الرياض على حمر اليواقيت

كأنها فوق قامات ضعفن بها    أوائل النار في اطراف كبريت

 

فإن لازوردية وهي البنفسجة شبهت بالنار في أطراف كبريت  ، ومعلوم أن الشيء الطبيعي الذي يتبادر إلى الذهن بسرعة عند حضور ((اللازوردية)) فيه هو الأزهار والرياحين التي هي من جنسها لا أوائل النار في أطراف  الكبريت .ولما ولما كان الانتقال من البنفسج إلى النار المذكورة بعد التأمل وطول النظر كان التشبيه غريبا .

 

وإما أن تحصل ندرة المشبه به حصولا مطلقا من غير تقيد بوقت حضور المشبه لكونه وهميا ، كما مضى من تشبيه نصال السهام بأنياب الأغوال ، أو لكونه مركبا خياليا كتشبيه أزهار الشقيق بأعلام ياقوت منشورة على رماح من الزبرجد ، أو لكونه مركبا عقليا كتشبيه مثل أحبار اليهود بمثل الحمار يحمل أسفارا .

ص94

فإن كلا سبب لندرة حضور المشبه به في الذهن ، أو لقلة تكرره على الحس ، كما مر تشبيه الشمس بالمرأة في كف الأشل ، فقد يقضي الرجل دهره ولا يتفق له أن يرى مرآة في يد الاشل . فالغرابة في هذا التشبيه من وجهين هما : كثرة التفصيل في وجه الشبه ، وقلة التكرار أو الورود على الحس .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــ

(1)البدعة والابتداع : غلب استعمالهما فيما هو نقص في الدين أو زيادة ، لكن قد يكون بعض البدعة غير مكروه فيسمى بدعة مباحة ، وهو ما شهد لجنسه أصل الشرع ، أو اقتضته مصلحة يندفع بها مفسدة .

(2) السماك : أحد السماكين أو النجمين النيرين : الأعزل ، والسماك الرامح .

(3) الخضل : الرطب ، المعنى :  بعد أن انقشعت السحابة صارت السماء بين الجوم المنتشرة وقت الفجر كرياض من البنفسج المبتل بالماء تفتحت في أثنائه أزهار الأقاحي .

(4) ورت كبدي : ألهبته ، والشجا : الحزن والطرب ، والمعنى : لم أجهل ما بعثته في نفسي من الحزن ، والمعنى : المتعب الحزين .

(5)  الإيماض : اللمعان ، والبوارق : جمع بارق وهو البرق ، والعجاج : الغبار .

(6) صدفت عنه : أعرضت عنه ، لم تصدف مواهبه : لم تنقطع عني عطاياه ، الغيث : المطر الواسع المقبل الذي يغيث أهل الأرض ، وافاك ريقه : جاءك ولاقاك وأقبل عليك أوله و أحسنه ، وإن ترحلت عنه : أي فررت من الغيث ، لج في الطلب : ألح وبالغ في إدراكك مع فرارك منه .

 





دلَّت كلمة (نقد) في المعجمات العربية على تمييز الدراهم وإخراج الزائف منها ، ولذلك شبه العرب الناقد بالصيرفي ؛ فكما يستطيع الصيرفي أن يميّز الدرهم الصحيح من الزائف كذلك يستطيع الناقد أن يميز النص الجيد من الرديء. وكان قدامة بن جعفر قد عرف النقد بأنه : ( علم تخليص جيد الشعر من رديئه ) . والنقد عند العرب صناعة وعلم لابد للناقد من التمكن من أدواته ؛ ولعل أول من أشار الى ذلك ابن سلَّام الجمحي عندما قال : (وللشعر صناعة يعرف أهل العلم بها كسائر أصناف العلم والصناعات ). وقد أوضح هذا المفهوم ابن رشيق القيرواني عندما قال : ( وقد يميّز الشعر من لا يقوله كالبزّاز يميز من الثياب ما لا ينسجه والصيرفي من الدنانير مالم يسبكه ولا ضَرَبه ) .


جاء في معجمات العربية دلالات عدة لكلمة ( عروُض ) .منها الطريق في عرض الجبل ، والناقة التي لم تروَّض ، وحاجز في الخيمة يعترض بين منزل الرجال ومنزل النساء، وقد وردت معان غير ما ذكرت في لغة هذه الكلمة ومشتقاتها . وإن أقرب التفسيرات لمصطلح (العروض) ما اعتمد قول الخليل نفسه : ( والعرُوض عروض الشعر لأن الشعر يعرض عليه ويجمع أعاريض وهو فواصل الأنصاف والعروض تؤنث والتذكير جائز ) .
وقد وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي للبيت الشعري خمسة عشر بحراً هي : (الطويل ، والبسيط ، والكامل ، والمديد ، والمضارع ، والمجتث ، والهزج ، والرجز ، والرمل ، والوافر ، والمقتضب ، والمنسرح ، والسريع ، والخفيف ، والمتقارب) . وتدارك الأخفش فيما بعد بحر (المتدارك) لتتم بذلك ستة عشر بحراً .


الحديث في السيّر والتراجم يتناول جانباً من الأدب العربي عامراً بالحياة، نابضاً بالقوة، وإن هذا اللون من الدراسة يصل أدبنا بتاريخ الحضارة العربية، وتيارات الفكر العربية والنفسية العربية، لأنه صورة للتجربة الصادقة الحية التي أخذنا نتلمس مظاهرها المختلفة في أدبنا عامة، وإننا من خلال تناول سيّر وتراجم الأدباء والشعراء والكتّاب نحاول أن ننفذ إلى جانب من تلك التجربة الحية، ونضع مفهوماً أوسع لمهمة الأدب؛ ذلك لأن الأشخاص الذين يصلوننا بأنفسهم وتجاربهم هم الذين ينيرون أمامنا الماضي والمستقبل.