أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-11-2017
2773
التاريخ: 16-11-2016
2601
التاريخ: 2023-08-09
1105
التاريخ: 16-11-2016
1704
|
إن سقوط دولة الخلافة الأموية هو أمر طبيعي إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الدولة كالأفراد والكائنات الحية تمر ي أدوار ومراحل مختلفة من نمو وقوة وضعف ثم فناء، إنما كل دولة تُذكر بمآثرها وبما تتركه من آثار إيجابية.
ومما لا شك فيه أن هذه الدولة الأموية تركت مآثر جليلة نذكر لها منها: أنها زادت في مساحة الدولة الإسلامية فامتدت من أواسط آسيا شرقاً إلى المحيط الأطلسي غرباً، وصبغت هذه الساحة الشاسعة من الأراضي بالصبغة العربية عن طريقين طريق تشجيع هجرة القبائل من الجزيرة العربية إلى البلاد المفتوحة حيث استقرت واختلطت بالسكان المحليين، فنتج عن هذا الانتشار العربي نشر اللغة العربية في أنحاء البلاد المفتوحة باعتبارها لغة القرآن، وطريق تعريب الدواوين وضرب النقود العربية الإسلامية. كما اهتمت بتدوين الحديث النبوي الشريف الذي بدأ في عهد عمر بن عبد العزيز، الأمر الذي ساعد على انتشاء اللغة العربية بين المسلمين على مختلف طبقاتهم ومستوياتهم.
هذا وقد سئل بعض شيوخ بني أمية ومحصليها، عقب زوال الملك عنهم إلى بني العباس: "ما كان سبب زوال ملككم؟ قال: إنا شُغلنا بلذاتنا عن تفقد ما كان تفقده يلزمنا. فظلمنا رعيتنا، فيئسوا من إنصافنا، وتمنوا الراحة منا، وتحمل على أهل خراجنا فتخلوا عنا، وخربت ضياعنا، فخلت بيوت أموالنا، ووثقنا بوزرائنا، فآثروا مرافقهم على منافعنا، وأمضوا أموراً دوننا أخفوا علمها عنا، وتأخر عطاء جندنا، فزالت طاعتهم لنا، واستدعاهم أعادينا فتضافروا معهم على حربنا. وطلبنا أعداؤنا فعجزنا عنهم لقلة أنصارنا، وكان استتار الإخبار عنا من أكد أسباب زوال ملكنا".
الواضح أن التماسك كان لا يزال بادياً على دولة الخلافة الأموية حتى عهد هشام بن عبد الملك، وأضاع الأمويون، بعد وفاته في عام (125 هـ/ 743م)، كل شيء بعد ما فقدوا تماسكهم. وكان منظر الوليد الثاني العابث والحروب الأهلية التي حدثت بعد مقتله، قد حطمت كل ما كان لهم من هيبة عند الناس. وكان مروان الثاني مقاتلاً شجاعاً، وقائداً ممتازاً لكن فرصة الإصلاح قد ذهبت، ولم يستطع لم شعث الأمويين، فذهبوا وتفرقت ريحهم.
ويبدو أن لهذا الانحلال الذي سرى في جسم الدولة أسباباً خاصة ترجع إلى الظروف التي قامت في ظلها، وإلى الآثار الدينية والمعنوية التي أثارتها السياسة الأموية، بالإضافة إلى أسباب عامة تكمن في التطورات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي برزت نتيجة التوسع في الفتوحات والاحتكاكات مع الشعوب المجاورة عسكرياً وحضارياً.
والواقع أن سقوط دولة الخلافة الأموية، لا يمكن أن يُعزى إلى حادث فرد، ولابد أن تكون هناك جملة أسباب أدت إلى هذه النهاية المحتومة، كان من بينها:
أولاً: صراعات الأسرة الأموية
ترجع طموحات الأمويين وسعيهم للوصول إلى السلطة إلى عهد عثمان بن عفان، وإن معاوية بن أبي سفيان، وهو من الفرع السفياني في الأسرة الأموية، استطاع بجهوده الشخصية، أن يصل إلى الحكم في عام (41 هـ) بدعم مادي ومعنوي لم يأته من أسرته، وإنما أتاه من جبهة شامية قبلية متماسكة وقفت وراءه، لذلك لم يكن لهذه الأسرة دور بارز في إدارة الدولة في عهده إن من الناحية الإدارية، أو من الناحية العسكرية، نلاحظ ذلك من خلال استعراض أسماء ولاة وقادة معاوية الذين استعان بهم.
إلا أن معاوية لم يجاف أسرته جفاءً تاماً، بل استعان بأفراد منها واضعاً نصب عينيه هدفين:
الأول: الاستعانة بالأكفاء منهم.
الثاني: الحيلولة دون ازدياد سلطانهم ونفوذهم بشكل يهدد مخططاته السياسية.
ولعل أبرز مجال اعتمد فيه على بني أمية، كان ولاية العهد. فقد اعتمد عل مروان بن الحكم في أن يكون رسوله إلى الحجازيين لأخذ البيعة لابنه يزيد.
وعمد معاوية، أحياناً، إلى بث الفرقة بين أفراد الأسرة الأموية، والإيقاع بين رجالاتها البارزين الذين قد يشكلون خطراً على سياسته؛ بهدف الحد من طموحاتهم.
وطبيعي أن تنعكس هذه السياسة، الهادفة إلى حصر الخلافة بأفراد بيته، على العلاقات بين أفراد الأسرة، خاصة حين يدب الضعف في أوصال الفرع السفياني، فيأتي الفرع المرواني ليستخلص الأمر لنفسه.
لكن معاوية استطاع تحقيق وحدة الصف الأموي بما كان يمتلك من صفات ومؤهلات قيادية فذة، ويبدو أن هذه الوحدة أخذت بالتداعي حين أعلن عن نيته البيعة لابنه يزيد بولاية العهد.
كان مروان بن الحكم الشخصية البارزة، داخل الأسرة الأموية، الذي تطلع نحو الخلافة بما كان يمتلك من كفاءات قيادية وإدارية، وقد ساعده تصرف معاوية وممارساته، حين أخذ بتهيئة الأمور لصالحه الشخصي ثم لولده من بعده، لكنه لم يستطع أن يسفر عن معارضته لهذه السياسة أثناء حياة معاوية، وقنع بمجاراته حين أدرك أن الأحداث قد تجاوزته، وكان مستعداً للتحرك بعد وفاته، إلا أن الظروف الداخلية الخطيرة التي كانت تمر بها الخلافة الأموية والتي تطلبت تضافر جهود الأمويين لمواجهتها؛ منعته من الجهر بمعارضته. وقد تجلى الخلاف ظاهراً بين آل أبي العاص، وعلى رأسهم مروان بن الحكم، وآل العاص بزعامة سعيد بن العاص من جهة، وآل أبي سفيان من جهة أخرى.
ويبدو أن هذه الخلافات ظلت محصورة فلم تؤثر على أوضاع الدولة الفتية الناشئة، وقد امتصها معاوية كما حالت الأحداث الداخلية دون تفاقمها في عهد ابنه يزيد.
واتسم موقف مروان بن الحكم من خلافة معاوية الثاني بالسلبية، إذ لم يكن راضياً عن تسلمه الحكم، إلا أن مدة خلافته القصيرة لم تتح له العمل على إبداء سلبيته، على الرغم من أن بعض الروايات ترجح أن معاوية الثاني مات مسموماً بتدبير من الفئة المعارضة لآل حرب في الأسرة الأموية.
وحانت الفرصة لمروان بن الحكم بأن يتسلم السلطة نتيجة مقررات مؤتمر الجابية. ويبدو أن الأسرة الأموية أرادت أن تضع حداً لما سنه معاوية من حصر السلطة في بيت واحد، فقرر المجتمعون في الجابية، أن يخلف مروان كل من خالد بن يزيد بن معاوية، ثم عمرو بن سعيد بن العاص، لكن مروان أراد أن يقتضي بمعاوية، فحصر السلطة في أبنائه، ونجح في إزاحة المرشحين، وأخذ البيعة لابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز، ويبدو أنه ذهب ضحية هذا التصرف.
كان ذلك أول خلاف جدي ينشأ بين أفراد الأسرة الأموية بعد استلام الفرع المرواني للخلافة، وقد تفاقم عبد ذلك وظهرت آثاره للعلن، ويعتبر خلاف عبد الملك بن مروان مع عمرو بن سعيد، الذي امتنع عن بيعة الأول، من أشد ما وقع من خلاف داخل الأسرة الأموية في هذه الفترة، وقد أدى إلى إراقة دم عمرو على يد عبد الملك بد سلسلة من الأحداث، وقد قضى مقتله على آمال خالد بن يزيد في الخلافة، وثبت، بشكل قاطع، حكم الفرع المرواني، إلا أن ذك قد فتح الباب مشرعاً لنزاعات كثيرة سوف يشهدها العصر الأموي.
ويبدو أن هذه الخلافات لم تؤثر على مسيرة الدولة حتى هذه الفترة، بفعل أنها كانت لا تزال في طور الفتوة، وتمكنت من امتصاصها، وكان لشخصية عبد الملك بن مروان أثر كبير في ذلك، حيث نجح في إعادة توحيد العالم الإسلامي تحت رايته، لكن الأحقاد ظلت كامنة في النفوس تتحين الفرصة للانتقام، وقد أيد يحي بن سعيد، أخو عمرو، حركة ابن الزبير، وآلمه مقتل مصعب.
ونهج عبد الملك بن مروان نهج والده، فحصر الخلافة في أولاده بعد وفاة أخيه عبد العزيز، فبايع لابنيه الوليد وسليمان بولاية العهد.
وحدد الوليد سياسته تجاه الأسرة الأموية ضمن اتجاهين:
الأول: الاستفادة من القدرات الأموية بما لا يتعارض مع مصالحه الشخصية، ومصالح الفئة التي يمثلها.
الثاني: عدم السماح بقيام تكتل معارض داخل الأسرة الأموية.
مثَّل الاتجاه الأول توليته عمر بن عبد العزيز والياً على المدينة، كما عين أخاه عبد الله والياً على مصر وولى أخاه مسلمة قيادة الجيوش على الجبهة البيزنطية.
وتجلى الاتجاه الثاني حين قام نزاع بينه وبين أخيه سليمان بسبب موقف الأخير من آل المهلب، فقد رفض الخليفة إجارة أخيه لزيد بن المهلب منعاً لقيام مراكز قوى يكون ولاؤها لغير الخليفة، ثم حاول خلع أخيه سليمان وتولية ابنه عبد العزيز، لكن الموت عاجلة.
ولما تولى سليمان السلطة عزل جميع ولاة الوليد وقادته، وعين رجالاً يثق بهم ويضمن ولاءهم. وشهد عهده صراع القيادة السياسية مع القيادات العسكرية، كمل تعرضت الدولة لنكسة خطيرة في الأندلس تمثلت بمقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير في عام (97 هـ/ 716م) مما سيكون له آثار سلبية مهدت لانفصال الأندلس عن جسم الدولة.
كان سليمان قد ولي ابن عمه عمر بن عبد العزيز ولياً للعهد من بعده، على أن يخلفه يزيد بن عبد الملك. وقد عارض بعض أفراد الأسرة الأموية هذا التوجه خاصة هشام بن عبد الملك، كما عارض العباس بن الوليد سياسة عمر الانفتاحية، وحصل جفاء بين الرجلين تطور إلى تشكيل جبهة معارضة تنامت بمرور الوقت، وقرر المعارضون أخيراً التخلص من الخليفة.
وبرز في عهد هشام بن عبد الملك تيار معارض تزعمه ابن أخيه وولي عهده الوليد بن يزيد بن عبد الملك، ودار صراع بين الرجلين، فقرر الأول خلع الثاني من ولاية العهد وتولية ابنة مسلمة، إلا أن الوليد أبى أن يخلع نفسه، وفر من وجه عمه الذي ضايقه، واستمر خارج دمشق حتى وفاة هشام.
وبوفاة هشام بن عبد الملك وتسلم الوليد بن يزيد، الوليد الثاني، الحكم، دخلت الأسرة الأموية في صراع جديد اتسم بالحدة أحياناً، وشكل منطلقاً لسلسلة طويلة من الأحداث المتصارعة، أدت إلى سقوط دولة الخلافة الأموية.
كانت علاقة الوليد الثاني بأبناء عمه هشام عدائية؛ فقد نعتوه بنعوت قاسية، وكفروه ورموه بالزندقة، ونظموا حملة عدائية ضده، وراحوا يجسمون أخطاءه وهفواته، ويتقولون عليه، حتى حملوا الناس على الفتك به.
وهكذا، شهدت الساحة الأموية في عهده تدهوراً خطيراً في العلاقات بين أفراد الأسرة الأموية، وقد حملت معها بذور الشر، كما شهدت تدهوراً خطيراً في الأوضاع الداخلية، التي تجلت في تنامي الصراعات القبلية التي كانت السند الأساسي لبني أمية، بالإضافة إلى بروز صراع الولاة والحكام على السلطة في الأقاليم.
ولا شك بأن الانقلاب الداخلي الذي حصل على حكم الوليد الثاني، إنما هو تعبير عن تناقضات كثيرة أصابت الجسم الأموي، كانت موجودة قبل عهده واستمرت بعد تسلمه الحكم. ويعتبر مقتل هذا الخليفة نذيراً بانهيار الأسرة الأموية، وقد تم على أيدي رجال من بني أمية، وجماعة من قضاعة واليمنية من أهل دمشق خاصة.
وهكذا، فبعد أن كان الحكم الأموي يقوم على قاعدة قوية متماسكة أضحى بعد مقتل الوليد الثاني، يستند على جماعات متفرقة غير متجانسة، ليس لها هدف يوحدها أو مصلحة تجمعها.
وازدادت أوضاع الأسرة الأموية تدهوراً على عهد يزيد الثالث، واشتدت صراعات الأمويين الدامية على السلطة، فكثر المتصارعون، وعمت الفتن الأطراف، وظهر على مسرح الأحداث مغامرون يريدون أن يحققوا لأنفسهم مكاسب دنيوية في ظل ظروف قاسية بعدما عجزوا عن تحقيقه حين كانت الدولة قوية. وقد شعر كل من مروان بن محمد حاكم الجزيرة وأرمينيا، والعباس بن الوليد بهذه الوطأة وحاولا ردع يزيد.
وكانت وفاة يزيد الثالث وبيعة أخيه إبراهيم، التي لم تتم بالإجماع، من المشاكل الخطيرة التي حلت ببني أمية في بلاد الشام، في الوقت الذي بدا الوهن يظهر جلياً على جسم الدولة وقد أدت هذه البيعة المزعومة إلى مضاعفات كثيرة وخطيرة أهمها: ازدياد التفسخ في البناء الأموي، وتنامي مطامع الأحزاب والأشخاص من التواقين لانتزاع السلطة من الأمويين.
وبرز مروان بن محمد، الذي أدرك مخاطر التنازع على السلطة، ليؤكد حضوره، بعد وفاة يزيد الثالث، كشخصية أموية لها دور مميز في الحياة السياسية.
ونتيجة لتفاقم الأوضاع الداخلية، واشتداد الأخطار الخارجية في الولايات، قرر مروان حسم الأمور لصالحه، لكنه واجه عدة حركات معادية في بلاد الشام بشكل خاص تزعمها أفراد من الأسرة الأموية، أمثال سليمان بن هشام بن عبد الملك، وقد انهمك مروان في التصدي لها حتى أنهكت قواه، ثم وجد نفسه عاجزاً عن التصدي لقوة العباسيين المتنامية، الذين زحفوا من الشرق وقضوا على دولة الخلافة الأموية.
والحقيقة أن الأسرة الأموية لم تمتلك من الغطاء العقائدي ما يقيها خطر التمزق، بالرغم من أن عمر بن عبد العزيز قد سعى لتأمين هذا الغطاء، لكن بدون نجاح له صفة الاستمرارية.
ثانياً: تولية العهد اثنين
كانت ولاية العهد من الأسباب التي أدت إلى انشقاق البيت الأموي. فقد درج خلفاء بني أمية على تولية العهد اثنين يلي أحدهما الآخر. ويبدو أنهم سلكوا هذا المسلك، تفادياً لنشوب الحروب الأهلية بعد وفاة الخليفة. وقد بذر هذا النهج بذور الشقاق، وأدى إلى المنافسة بين أفراد الأسرة الأموية، وأوردهم الحقد والبغضاء، إذ لم يكد يتم الأمر لأولهما حتى يعمل على خلع الآخر، وإحلال أحد أبنائه مكانه، مما أوغر صدور بعضهم على بعض.
وأول من سن هذه السنة مروان بن الحكم؛ فإن ولى عهده ابنيه عبد الملك ثم عبد العزيز ضارباً عرض الحائط مقررات مؤتمر الجابية التي قضت بتولية خالد بن يزيد العهد، ثم عمرو بن سعيد بن العاص من بعده، وكان من نتيجة ذلك أن خرج عمرو بن سعيد على عبد الملك.
ونهج عبد الملك نهج والده، إنه فكر في خلع أخيه عبد العزيز وتولية ابنه الوليد ثم سليمان من بعده، لكن وفاة عبد العزيز حالت دون ما كان قد عزم عليه، ولم يمنعه ذلك من المضي في نهج السلوك نفسه الذي زرع البغض والعداوة بين الأخوين، وتعدتهما إلى القادة والعمال.
ولما ولي الوليد بن عبد الملك الخلافة عمل على خلع أخيه سليمان من ولاية العهد وجعلها في ابنه عبد العزيز منتهجاً النهج نفسه الذي سلكه والده من قبل، وكتب بذلك إلى الأمصار، فأجابه الحجاج بن يوسف الثقفي، والي العراق، وقتيبة بن مسلم، والى خراسان، ومحمد بن القاسم، والي السند، لكن القضاء عاجل عبد العزيز.
وهكذا تطورت الأحداث السياسية، نتيجة المنافسة بين أفراد الأسرة الأموية، تطوراً خطيراً حتى باتت تشكل خطراً جدياً على الدولة.
لم يعتبر سليمان بما طرأ على الدولة الأموية من أحداث خطيرة بسبب تولية العهد اثنين، فولى عهده عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك من بعده، ولم يكن الرجلان على وفاق، وحصل بينهما جفاء، لكن عمراً لم يحاول خلع يزيد متجنباً سلوك هذا الطريق الخطر، مدركاً في الوقت نفسه ما أصاب بني أمية نتيجة ذلك.
ونهج يزيد بن عبد الملك السلوك نفسه، دون أن يعتبر بما وصلت إليه الدولة من التدهور، فولى عهده أخاه هشاماً، ثم ابنه الوليد، فأراد هشام أن يخلع الوليد بعد توليه الخلافة، ووافقه معظم القادة والعمال، وتباعد الرجلان وحصل بينهما جفاء، لكن هشاماً توفى قبل أن ينفذ رغبته، فجاء الوليد الثاني تراوده فكرة الانتقام من أولئك الذين وافقوا هشاماً على خلعه، ومنهم بنو عمه وكبار أهل بيته.
كانت هذه السياسة نذير الخراب الذي حل ببني أمية، فانشق البيت الأموي، وتجزأت القوى التي كان يستند عليها، مما أفسح المجال لخصومهم الذين انطلقوا من المشرق مندفعين بقوة، وقضوا على دولتهم.
ثالثاً: الصراعات القبلية
ارتكز الحكم الاموي، منذ نشأته، على العصبية القبلية وغلب عليه الطابع العربي القومي الذي لازمه حتى زواله. ذلك أن ظروف الصراع القيسي – اليمني، الذي حمل العرب بذوره مع انطلاقهم من الجزيرة العربية، انعكس على شخصية الدولة، وألبسها تلك الملامح القومية، بالإضافة إلى ظروف الفتوحات وما نتج عنها من اختلاط بين السكان وتميز العنصر العربي، ويبدو أن الخلفاء الأمويين، أنفسهم، كانوا يستفزون هذه الخلافات، ويثيرونها أحياناً، وأحياناً أخرى كانت تفرض عليهم نتيجة تطور الأوضاع السياسية.
لقد كان معاوية، وهو يعد خططه للسيرة على الخلافة، يجتهد في استخدام مختلف الأسلحة العسكرية والنفسية والإعلامية والسياسية، من أجل الفوز بمعركة، ولهذا فرضت عليه هذه المنهجية أن يتمسك بالعصبية القبلية، التي أخمدت بعد حروب الردة.
ومن الواضح أن إحياء هذه الروح القبلية، كان في الوقت نفسه بعثاً للنظام الجاهلي القديم بما فيه من تناحر وتخاصم. ولقد وظف معاوية في سياسته الداخلية لعبة التحالف القبلي المتوازنة ببراعة من خلال مصاهرته لبني كلب، أقوى القبائل اليمنية في بلاد الشام.
وانصرف الأمويون، بعد غياب معاوية الثاني، إلى إنقاذ خلافتهم المهددة بالسقوط. وكانوا أسيري القوى القبلية التي امتلكت زمام الأمور مع انهيار الحكم المركزي. وكان معاوية الأول الذي أوجد تلك المعادلة القبلية التي حققت له التوازن خلال عهده الطويل، يعيد في الوقت نفسه النزعة العصبية القديمة بصراعاتها التقليدية التي شاعت في العصر الجاهلي.
فالحزب اليمني، وعلى رأسه قبيلة كلب بزامة حسان بن بحدل ذات النفوذ القوي والواسع في الدولة، كان متشدداً في الحفاظ على مكتسباته السياسية والاقتصادية، وفي المقابل كان الحزب القيسي، بزعامة الضحاك بن قيس، قد وصل إلى درجة كادت تنافس الحزب اليمني وكان يطمح في الوصول إلى المركز القيادي، لذلك اختار الجانب الآخر المعادي والمنافس للأمويين وحلفائهم فتحالف مع ابن الزبير الذي كانت حركته في تصاعد مستمر.
وفي المؤتمر الذي عقد في الجابية في عام (64 هـ / 684م) انتخب مروان بن الحكم خليفة بالإجماع، كما عُين خالد بن يزيد الذي رشحه الكلبيون ولياً للعهد، وبذلك نجح التحالف الأموي اليمني في توحيد صفوفه لمواجهة الخطر القيسي.
وهكذا وضحت الصورة السياسية فإذا هي صراع قبلي. وتعتبر الحرب القاسية التي دارت في مرج راهط عودة إلى حروب العرب في الجاهلية حيث العصبية كانت الدافع الأبرز للقتال. وجاءت النتائج لمصلحة التحالف الأموي اليمني بعد انتصاره الواضح على الحزب القيسي حيث قضى على عدد من زعمائه من بينهم الضحاك.
والواقع أن هزيمة مرج راهط لم تكن مجرد خسارة عسكرية للحزب القيسي بل كانت نقطة تحول في حياته السياسية، وظلت في ضميره مفعمة بالحقد والكراهية، كما خسر هذا الحزب بعض امتيازاته التي تمتع بها مناصروه أثناء زعامة الضحاك.
وكانت معركة الخازر التي حدثت في عام (67 هـ/ 686 م)، بين إبراهيم بن الأشتر وبين قوى أموية بقيادة عبيد الله بن زياد، قد اصطبغت بصبغة الصراع الشيعي الأموي إلا أنه تخللها مواقف ذات صراع قيسي يمني، وذلك حين تراجع عمير بن الحباب السلمي وهو من قيس عيلان، وكان على ميسرة جيش الشام، ونكس لواءه ونادى "يا لثارات المرج"، وانتهت المعركة بانتصار واضح لقوات ابن الأشتر، وقتل عبيد الله بن زياد في المعركة مع عدد كثير من جند الشام.
وبدلاً من أن يعمل خلفاء بني أمية على حسم هذا النزاع ووضع حد له، غذ بهم ينحازون إلى فريق دون آخر مما ساعد على اتساع الهوة بين العصبيتين، وكان من نتيجة ذلك أن عانت الدولة كثيراً من هذا النزاع، وفقدت الكثير من طاقاتها، واستغل الدعاة العباسيون هذه الثغرة لينفذوا منها إلى قلب الدولة الأموية، للعمل على القضاء عليها.
وتعتبر خلافة عمر بن عبد العزيز فترة انتقال بين حالة القوة والضعف الذي اعترى التحالف الأموي اليمني. فقد كان هذا الخليفة رجلاً صالحاً قضى فترة خلافته في إصلاح ما أفسده من سبقه من الخلفاء، فلم ينحاز إلى جانب أحد، بل على العكس حاول التوفيق بين العصبيتين، فلم يول والياً إلا لكفاءته ومقدرته دون الأخذ بعين الاعتبار انتماء القبلي، فساد عهده الهدوء.
فلما توفي عمر خلفه يزيد الثاني، الذي زج نفسه في غمرة الصراع القيسي اليمني، فأخذ جانب المضربة، فولى أخاه مسلمة بلاد المشرق، ثم ولاها لعمر بن هبيرة وهو قيسي وقد اصطبغت الدولة كلها في عهده بالصبغة القيسية، وأصبح العنصر اليمني ضعيفاً، خاصة بعد قضائه على أسرة المهلب بن أبي صفرة التي أخلصت في خدمة الأمويين وهي من أزد اليمن.
وكان الأمراء على شاكلة الخلفاء، يساعدون على إنماء هذه الروح العصبية، فإذا وُلي يماني رفع رؤوس أهل اليمن واستعملهم عمالاً، فإذا خلفه مضري عزل اليمنيين وانتقم من سلفه وعماله، ورفع رؤوس القيسيين.
ثم أخذ الخلفاء من بعده يعملون على توسيع شقة الخلاف بين القبيلتين الكبيرتين اللتين تستند عليهما قوة الأمويين وذلك وفقاً لاعتبارات سياسية فانضموا إلى القيسية حيناً وإلى اليمنية أحياناً.
ونلاحظ ازدياد حدة الصراع القبلي في هذه الفترة في خراسان بشكل خاص، بفعل سياسة أميرها مسلم بن زياد، الذي فرق بين قيس ويمن، وكانت النتيجة أن اقتتل الفريقان في هراة.
كان هشام بن عبد الملك متقلباً في سياسته القبلية، وفقاً للظروف السياسية التي عاشها، وحاول في إحدى مراحل الصراع أن يعيد التوازن بين العصبيتين. لقد انحاز إلى جانب اليمنية في بادئ الأمر، بعد ازدياد قوة القيسيين حيث خشي من هيمنتهم على الدولة، وعمل على التخلص منهم، فعزل العمال المضربين، وولى مكانهم بعض اليمنيين. فقد ولى خالد بن عبد الله القسري العراق، كما ولى أخاه أسداً على خراسان وبذلك أخذ الفريق اليمني يستعيد قواه، حيث تعصب الواليان لليمنية، وانتقما من القيسيين، لكن سرعان ما انقلب هذا الخليفة على اليمنيين، وانحاز إلى جانب القيسيين وولى العمال منهم.
ولزم الوليد الثاني جانب القيسيين لأن والدته كانت منهم، فأقصى اليمنيين عن دوائر الدولة ونكل بهم، فقد قتل خالد بن عبد الله القسري في عام (126 هـ/ 744م) في عهد الخليفة الوليد الثاني لاتهامه بممالأة العلويين، إلا أن الحرب على اليمنيين والتخلص منهم كانت الدافع الأبرز. اعتبر اليمنيون مقتل خالد إهانة لهم وحملوا الخليفة مسئولية هذا الحادث الذي أدى إلى توحيد القبائل اليمنية، لأول مرة، في العراق والشام، وقد اتخذت موقفاً معادياً للخليفة، وكان أشد القبائل اليمنية نقمة، بنو كلب في بلاد الشام. فأخذوا يدبرون المكائد للتخلص منه، وانتهزوا فرصة سخط الناس عليهم، وأشعلوا نار الثورة ضده، وقتلوه في عام (126 هـ/ 744م) وبايعوا يزيد الثالث.
لم يضع مقتل الوليد الثاني حداً للنزاع على السلطة بين أفراد البيت الأموي، بل ساعد على تفاقم الوضع، وظهر أثر ذلك في استمرار الانقسام بين الحزبين الكبيرين.
فقد انضم يزيد الثالث إلى اليمنية، الذين أوصلوه إلى الحكم، ولزم جانبهم، وولى العمال منهم، فاستغل هؤلاء ذلك وأخذوا ينكلون بالقيسيين فثار هؤلاء في حمص وفلسطين والأردن، وانضم إليهم عدد من رجالات بني أمية، إلا أن يزيد الثالث استطاع أن يتغلب على خصومه بمساعدة اليمنيين.
وأخيراً، انضمت القيسية إلى جانب مروان بن محمد المتطلع إلى منصب الخلافة. واستفحلت النزاعات العصبية في عهد خلافته، وشملت جميع أنحاء الدولة حتى تصدع البيت الأموي، وأشرف الأمويون على الزوال.
وقضى مروان الثاني جانباً من خلافته في إخضاع بعض أفراد الأسرة الأموية الذين خرجوا عليه بمساعدة اليمنيين، أمثال سليمان بن هشام بن عبد الملك.
وهكذا شهدت بلاد الشام والعراق وخراسان، بشكل خاص حركات سياسية قائمة على العنصرية. وأضحت مسرحاً للفتن والاضطرابات، وشُغل مروان الثاني بإخمادها، واستنفدت قواه، فلم يلتفت إلى ما كان يجري في خراسان من بث الدعوة العباسية، التي اشتد أوارها، وعظم خطرها، ولم يلبث أن فاجأته الرايات السوداء من خراسان وطاردته حتى قضت عليه وعلى دولته.
رابعاً: النزعة العربية عند الأمويين
أ – الاتجاه السياسي:
سادت النزعة العربية، بشكل بارز، في أوساط الأمويين الذين مالوا للعرب، واستعلوا على الموالي. وظهر أثر ذلك في ثلاثة اتجاهات هي: الاتجاه السياسي، والاتجاه الاقتصادي، والاتجاه الاجتماعي.
ففيما يتعلق بالاتجاه السياسي، نلاحظ أنه دخل في الدين الإسلامي الكثير من الأعاجم لأسباب دينية أو اجتماعية أو مادية، إلا أنهم لم يحصلوا في الواقع على ما منحهم إياه الإسلام من مساواة سياسية تامة مع العرب، فاستبعدوا بشكل عام، من تولي الوظائف الكبرى في الدولة. وحرموا من العطاء الذي يستحقونه نظير التحاقهم بالجيش، وفرضت عليهم الجزية رغم إسلامهم.
والثابت أن مصدر هذه التفرقة السياسية، هو الاتجاه الأموي نحو تميز العنصر العربي، وقد أيقظت هذه المعاملة الشاذة روح التذمر بينهم.
والواضح أنه ليس هناك ما يدين هذه النزعة العربية لدى الأمويين وهم في الأصل فرع من قريش القبيلة القيسية الشهيرة، لكنهم لم يتأقلموا مع المتغيرات الجديدة التي طرأت على الوضع الإسلامي بعد الفتوحات، ودخول عدد كبير من الشعوب غير العربية في الإسلام، فاحتفظوا بطابعهم المحلي والقبلي، ولم يستوعبوا ما أحدثته العقيدة الإسلامية من تغييرات، وما أفرزته الفتوحات من انقلاب جذري في تاريخ المنطقة الإسلامية.
لقد رافق حياة الدولة الأموية بروز حركة الموالي التي نقمت على الطبقة العربية الحاكمة، وقد نتج عن ذلك ظهور صراع جديد يحمل في طياته خلفية قومية. وشكل هؤلاء إحدى القوى، السياسية الضاغطة التي ساهمت في سقوط دولة الخلافة الأموية، بفعل أنهم ظلوا الفئة التي تعطي أكثر بكثير مما تأخذ، وتنهض بعبء نشط في الدولة والمجتمع يؤهلها لقطف ثمرات الانتفاع على قدم المساواة مع العرب.
إذ ما كاد العصر الأموي يبدأ، حتى كانت الحركة الإسلامية في المشرق، خاصة في إيران، قد قطعت شوطا متقدماً نحو البروز. ففي مدينة الكوفة، قام الموالي بأول حركة إسلامية في عام (43 هـ/ 663م) واضطر معاوية أن يواجه هذه الحركة، فعمل على تجهيز طبقات منهم وأقامهم في بلاد الشام.
وازدادت حركة الموالي وضوحاً، اعتباراً من عهد يزيد؛ ذلك أن مسلمي البلاد المفتوحة قد كثر عددهم في الوقت الذي رأوا فيه العرب، خاصة الأشراف، تتضاعف امتيازاتهم، وقد بدأوا يكلون قوة ذات شأن في الحياة الإسلامية.
واتخذوا مواقف مميزة من الحركات المناهضة للحكم الأموي، فساندوا حركة ابن الزبير، على أمل أن يحصلوا على بعض الحقوق التي حرموا منها في ظل الحكم الأموي. وبرزت قوتهم الواضحة في حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي، وشكل هذا التأييد بداية التحالف بين الشيعة والفرس.
كانت هذه المواقف التعبير الأول عن رغباتهم في الحصول على حقهم الشرعي في المساواة، بالرغم من أنها لم تحقق لهم كامل أهدافهم.
وتبدلت السياسة الأموية تجاه الموالي في خلافة عمر بن عبد العزيز، ويمكن وصفها بأنها سياسة التوفيق بين التيار الإسلامي وبين المصالح الأموية، وقد نجحت في تسكين الفتن والاضطرابات، ثم تغيرت هذه السياسة بعد وفاته، فعاد الأمويون يفرقون في المعاملة بين العرب والموالي.
ويبدو أن هذا التيار السياسي الذي شكله الموالي لم يتبلور إلا في إطار الدعوة العباسية التي حركت ما يتطلع إليه هؤلاء من مساواة مع العرب، والعباسيون من جهتهم، راهنوا على الفرس شعباً وعلى إيران أرضاً حيث كانت خراسان المسرح الأول للمجابهة مع الأمويين.
ب- الاتجاه الاقتصادي:
أما فيما يتعلق بالاتجاه الاقتصادي، فقد طبق الأمويون سياسة اقتصادية معينة عمادها حرمان الموالي من الامتيازات الاقتصادية، وقد حققت لهم بعض المكاسب الآنية إلا أنها أدت في النهاية، إلى قيام الاضطرابات التي كانت سبباً من أسباب زوال ملكهم.
وساد التذمر الاقتصادي بين الموالي في كل مكان، وأخذوا ينضمون إلى كل خارج على الدولة. وكان موالي خراسان أكثر الناس تذمراً، خاصة وأنهم أسلموا قبل غيرهم في البلاد الأخرى، وشاركوا العرب في جهادهم ضد الأتراك في بلاد ما وراء النهر وضد الهنود في إقليم السند. وعلى الرغم من كل هذه الخدمات فإن الدولة حرمتهم من الامتيازات الاقتصادية، وظهر أثر ذلك في عصر عبد الملك بن مروان، وفي عهد الحجاج بشكل خاص، إلا أنها خصصتهم بمرتبات شهرية. فقد فرض معاوية لهم خمسة عشر درهماً، زادها عبد الملك إلى عشرين، وأضحت في عهد سليمان خمسة وعشرين، ثم أصبحت ثلاثين في عهد هشام، مما يدل على استمرار تحسن أوضاعهم.
وبدا للحجاج أن الحركة الإسلامية النامية في البلاد المفتوحة أخذت تهدد الاقتصاد الأموي تهديدا ًخطيراً بفعل تناقص مقدار الجزية تدريجياً حتى اختفت باعتبارها مورداً من موارد بيت المال مما دفعه إلى إبقائها على من أسلم.
كما أخذت حركة الدخول في الإسلام بشكل واسع تهدد موارد بيت المال. الأخرى من ملكية الأرض وضريبة الخراج، باعتبار الأرض الخراجية، التي كان أهل الذمة يقومون بزراعتها، سيملكها المسلمون، وستتحول إلى أرض عشرية، ومعنى هذا أيضاً أن مقدار الخراج سيقل كما قل مقدار الجزية.
وأخذت الدولة تتدارك مورد الخراج بالإبقاء على ما كان عليه مثلما أبقت على الجزية مما ولد سخطاً شديداً من جانب الموالي.
ثم أخذت الحركة الاقتصادية مظهراً آخر تمثل بالنزوح من القرى إلى المدن بهدف الحصول على العطاء أو الاستفادة من التطورات الاقتصادية الجديدة. وأنشأ المهاجرون أحياء جديدة حول المدن لخدمة الأرستقراطية العربية، خاصة في مجال الحرف والصناعات اليدوية. وقد اكتسب هؤلاء أرباحاً ضخمة مما أغرى آخرين على الهجرة فأضحت المدن العراقية والإيرانية مشبعة بطبقات كبيرة من العاطلين عن العمل الساخطين على أوضاعهم مما دفعهم إلى الارتماء في أحضان الشيعة والعباسيين. ووجدت الدولة الأموية نفسها مضطرة إلى مقاومة تيار الهجرة هذا، الذي كان يزداد باستمرار، وكان موضوع الهجرة هذه من أبرز المشاكل الاجتماعية التي عمل الأمويون على حلها.
ونتيجة لهذه السياسة الاقتصادية التي رفضها الموالي، وعبروا عن معارضتهم لها إما بشكل انتفاضات أو حركات سياسية ضد سوء إدارة بني أمية مما دفع الأمويين الذين شعروا بضغطها إلى التفكير في تعديل هذه السياسة. وقد تمثل هذا التعديل باتجاهين: الأول، اتجاه التراجع عن السياسة السابقة. الثاني، اتجاه الاعتراف بالأمر الواقع ومجاراة حركة الموالي المتزايدة.
تبلور الاتجاه الأول في عهد سليمان بن عبد الملك، حين أخذت الدولة تغير من سياسة الحجاج، في محاولة لاسترضاء طبقة الموالي. وترجمت هذه المحاولة بعزل ولاة الحجاج، وإطلاق آلاف الموالي من سجون البصرة والكوفة، وإشراكهم في الجيش الأموي، وضوعف العطاء كما خُففت الأساليب العنيفة في مقاومة تيار الهجرة التي ظهرت في عهد الحجاج، فخفت نسبياً وطأة الظاهرة الاقتصادية.
حتى إذا جاء عهد عمر بن عبد العزيز بدأ يتبلور الاتجاه الثاني المتمثل بسياسة المسالمة والترضية. وأهم ما يلاحظ أن هذه السياسة لم تكن من وحي أخلاق عمر وتقواه فحسب إنما كانت مواجهة لتيار الموالي المتصاعد قبل أن تنوء الدولة تحت ثقله، بدليل أن هذا الخليفة اتبع سياسة اقتصادية كان أبرز مظاهرها إسقاط الجزية عن المسلمين عموماً ومضاعفتها على من بقي على دينه، كما أباح الملكية للمسلمين دون تفرقة بين الطبقات.
وبالرغم من هذه السياسة الاقتصادية الجديدة فقد اتخذت طبقة الموالي شكلاً جديداً هو التحالف مع الدعوة الهاشمية سواء العلوية منها أو العباسية، واستطاع الدعاة العباسيون أن يوظفوا سخط الموالي والتطورات الاقتصادية لصالح الدعوة العباسية، وكانت هذه الظاهرة الاقتصادية من بين العوامل التي أدت إلى القضاء على الأمويين ونجاح الدعوة العباسية.
جـ- الاتجاه الاجتماعي:
أما من الناحية الاجتماعية، فقد كان الموالي يمرون بتطور اجتماعي معين في منطقة العراق وخراسان، ذلك أن الفتح الإسلامي لهذه البلاد، قضى على النظام الطبقي القديم، وحرر، في الوقت نفسه، طبقات العمال والصناع والمزارعين، الذين كانوا يعيشون في بؤس. وقد نتج عن تحررهم واعتناقهم الإسلام ظهور طبقة وسطى من بينهم سكنت المدن وأحرزت الثروات، ونهلت من الثقافة الإسلامية. وسرعان ما برز بعضهم في ميدان الفقه والأدب، وإذا بهم بعد ذلك يشعرون أنهم ليسوا أقل مستوى من العرب وأنهم أحق بالحصول على المساواة معهم. كانت هذه الطبقة الجديدة عماد الحركة العباسية وهي التي ستوجه الحياة العباسية في المستقبل.
ومن ناحية أخرى، فقد أخذت الهجرات العربية إلى البلاد المفتوحة تتسع بعد الفتح. وسكن العرب المدن، كما عاشوا في القرى، وملكوا الضياع والمزارع فخضعوا نتيجة ذلك لتطورين هامين: الأول: أنهم تركوا البداوة واستقروا وعملوا بالزراعة وتأثروا بالتقاليد الاجتماعية في البلاد التي هاجروا إليها. والثاني: أنهم حملوا معهم بذور خراسان حيث قامت الدعوة العباسية على أكتاف اليمنيين بمشاركة الموالي وتسببت في ضعف العنصر العربي. ولعل هذا الضعف هو الذي مهد لبروز القوة الفارسية. وهذا التطور كان من بين أسباب زوال الدولة الأموية ونجاح الدعوة العباسية.
خامسا: الخلافات المذهبية
كان الخلاف حول موضوع الخلافة أحد الأسباب التي أدت إلى إضعاف الدولة الأموية، ومن ثم زوالها. والمعروف أنه وجدت في العصر الأموي أربع جماعات في الميدان السياسي:
الأولى: أنصار بني أمية، وأغلبيتهم من السنة.
الثانية: أنصار العلويين من الشيعة الذين حصروا الخلافة في نسل علي بن أبي طالب. وقد حملوا لواء المعارضة طيلة العصر الأموي إلا أنهم منوا بالفشل، وقد أدى فشلهم هذا إلى تحويل حركتهم إلى عقيدة دينية عاطفية شبه باطنية، وأن يختفوا في المناطق البعيدة عن مركز الخلاف حتى تسنح لهم فرصة الظهور.
الثالثة: جماعة العباسيين الذين دخلوا ميدان السياسة في أواخر العصر الأموي لينافسوا، الأمويين والشيعة معاً، ويبدو أن هؤلاء كانوا أكثر براعة في دعوتهم وأساليبهم من الشيعة فأقاموا تنظيماً سرياً انتشر بسرعة في النصف الشرقي من دولة الخلافة الأموية، عن طريق خلاياه السرية.
الرابعة: جماعة الخوارج الذين لا يؤمنون بالوراثة كأساس لنظام الحكم ولا يرون حصر الخلافة في جنس معين أو بيت معين، بل يعتقدون أن الخلاف للأمة يكون الاختيار فيها هو الأساس، كما أعلنوا غضبهم واشمئزازهم من شرور الحكام ومطامعهم. لهذا كانت هذه الجماعة معارضة للخط الأموي وقد اشترك أفرادها في الفتن التي قامت ضد الدولة الأموية كما انتشر عدد كبير منهم في المناطق البعيدة عن مركز الخلافة بدمشق.
وقد أدى هذا الخلاف إلى اصطدامات دامية، شغلت جانبا كبيراً من نشاطات الأمويين وأنهكتهم، وكانت تعبيرا ًعن استياء أكثر من فئة في المجتمع الإسلامي من حكمهم، وغدت بعد ذلك، عنصراً هاماً من عناصر المعارضة، استغل اسمها ليكون الواجهة الدينية للشعارات التي طرحها دعاة بني العباس.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مستشفى العتبة العباسية الميداني في سوريا يقدّم خدماته لنحو 1500 نازح لبناني يوميًا
|
|
|