زيادة دور العولمة الإقتصادية في العلاقات الدولية وتأثيرها على التعديلات الدستورية |
4402
10:05 صباحاً
التاريخ: 29-9-2018
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 28-3-2017
3788
التاريخ: 2023-07-04
889
التاريخ: 22-10-2015
18098
التاريخ: 17-3-2022
2295
|
لمعالجة هذا الجزء من الدراسة، نحاول مناقشة مسألة العولمة الإقتصادية وسيادة الدولة (أولا )، وأثر العولمة الإقتصادية في تحفيز التعديلات الدستورية(ثانيا).
أولا: العولمة الاقتصادية وسيادة الدولة:
أثرت المتغيرات التي صاحبت العولمة على مفهوم السيادة الوطنية ونطاق تطبيقها في المجالين الداخلي والخارجي على حد سواء. وقد أثارت تلك المتغيرات تحديات طالت كل أنماط الدول، وطرحت نفسها بأشكال مختلفة على تلك الأنماط. وكان لتلك التحديات مصادرها الداخلية والخارجية، التي أثارت بدورها الحاجة إلى رصدها وتحليل مدى تأثيرهاعلى مفهوم السيادة. وبشكل عام، يمكن القول أن هناك علاقة طردية محتملة بين المتغيرات التي صاحبت العولمة وتقلص السيادة الوطنية، وأن هناك علاقة طردية محتملة بين تأثر سيادة الدولة بمتغيرات العولمة والتغير في مضمون الوظائف التي تقوم بها الدولة. كما يمكن القول أيضا أن هناك علاقة عكسية محتملة بين تقدم الدولة ومدى تأثرها بمتغيرات العولمة تبدو صياغة تعريف دقيق للعولمة مسألة شاقة، نظرا لتعدد تعريفاتها، وتأثر تلك التعريفات بالانحيازات الإيديولوجية للباحثين واتجاهاتهم إزاء العولمة رفضا أو قبولا. إلا أن هناك اتجاها عاما يعرف العولمة باعتبارها مجموعة من العمليات التي تغطى أغلب الكوكب أو التي تشيع على مستوى العالم. كما تتضمن العولمة من ناحية أخرى تعميقا في مستويات التفاعل والاعتماد المتبادل بين الدول والمجتمعات التي تشكل المجتمع العالمي. وهكذا تتضمن العولمة بعدين رئيسيين، الأول هو الامتداد إلى كل أنحاء العالم، والثاني هوتعمق العمليات الكونية (1) . غير أن أهم ما يتضمنه مفهوم العولمة هو عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث في ظل تنامي الابتكارات التكنولوجية والمنافسة بين القوى العظمى(2) وقد برز مفهوم العولمة في البداية في مجال الاقتصاد، وكنتاج للثورة العلمية والتكنولوجية التي مثلت نقلة جديدة لتطور الراسمالية العالمية في مرحلة مابعد الثورة الصناعية، التي ميزت القرنين السابقين. فالثورة الصناعية بشكلها التقليدي ظهرت في منتصف القرن الثامن عشر في إنجلتر اومنها إلى القارة الأوروبية، حيث أدى التطور في استخدام الطاقة (البخار والكهرباء)، إلى تغير جذري في أسلوب وقوى وعلاقات الإنتاج. وأدت هذه التغيرات المتلاحقة إلى الخروج من عصر الإقطاع وبداية مراحل التطور والتوسع الاقتصادي، التي استلزمت بدورها الحصول على الموارد الطبيعية وفتح الأسواق العالمية، فارتبط بتلك المرحلة ظاهرة الحروب الأوروبية والاستعمار الخارجي بهدف توفير احتياجات الراسمالية الصاعدة (3) واذا كانت هذه الظواهر قد ارتبطت تاريخيا بمراحل التطور المختلفة للراسمالية العالمية، فإن استمرار التطور التكنولوجي، وثورة المعلومات والاتصالات التي صاحبته، والتي شكلت فتحا جديدا في نمط الإنتاج وطبيعته، حققت بدورها تغييرا في شكل التفاعلات والتعاملات الدولية، حيث ظهرت الحاجة إلى توحيد أسواق الدول الصناعية في سوق عالمية واحدة، وتوفير إمكانيات الارتقاء بأداء الدول الصناعية، بما يقتضيه ذلك من إعادة بناء شكل الراسمالية. وكان ذلك يعنى ضرورة تجاوز الحدود القومية وازالة الأوضاع الاحتكارية واعادة توزيع الدخل، والعمل على رفع مستوى المعيشة حتى يمكن توسيع الأسواق الخارجية للدول الصناعية لاستيعاب المنتجات الحديثة، وهى المرحلة التي عرفت بمجتمع الاستهلاك الكبير، بعد أن كانت قيمة الادخار هي القيمة الأساسية التي اتسمت بها الراسمالية منذ نشأتها وحتى الحرب العالمية الثانية (4) . وشكلت هذه السمات بذور التحول من نمط الراسمالية القومية إلى الراسمالية العابرة للقوميات، التي ارتبط بها ظهور مفهوم العولمة الذي عبر عن ظاهرة اتساع مجال الإنتاج والتجارة ليشمل السوق العالمية بأجمعها، بحيث لم يعد الاقتصاد محكوما بمنطق الدولة القومية وحدها، وانما ظهر فاعلون اقتصاديون من نوع جديد. أي أن أهم ما ميز العولمة هو أن الفاعلية الاقتصادية لم تعد قاصرة على مالكي رؤوس الأموال من تجار وصناعيين ومدراء كان نشاطهم محكوما في السابق بحدود الدولة القومية التي ينتمون إليها، وانما أصبحت تلك الفاعلية مرتبطة بالمجموعات المالية والصناعية الحرة عبر الشركات والمؤسسات متعددة الجنسيات (5) وبعبارة أخرى، لم تعد الدولة القومية هي الفاعل أو المحدد الرئيسي للفاعلية الاقتصادية على المستوى العالمي، وانما أصبح للقطاع الخاص الدور الأول في مجال الإنتاج والتسويق والمنافسة العالمية. كما أصبحت الشركات متعددة الجنسيات تلعب دورا محوريا في هذا المجال (6) . ومن ناحية أخرى، أدى تنافس الدول الراسمالية القوية في ظل العولمة إلى تهميش دور دول العالم الثالث خاصة الدول العربية منها الغير قادرة على المنافسة. ولعل هذا الواقع هو ما قاد إلى الاعتقاد في استناد العولمة إلى قانون البقاء للأصلح، حيث راى بعض المفكرين أن القوى الراسمالية الكبرى والمتدثرة بغطاء العولمة قد وجدت في هذا المبدأ أساسا نظريا صالحا لإسباغ الشرعية على تجليات العولمة وتداعياتها. بل اعتقد بعضهم أن العولمة هي ما بعد الاستعمار، باعتبار أن ال ما بعد في مثل هذه التعبيرات لا يعنى القطعية مع الما قبل، بقدر ما يعني الاستمرار بصورة جديدة كما نقول ما بعد الحداثة (7) . كما اعتبر المعارضون للعولمة أن القاعدة الاقتصادية التي تحكم اقتصاد العولمة هي إنتاج أكثر ما يمكن من السلع والسلع المصنعة بأقل مايمكن من العمل، وبالتالي تبدو الخصخصة والمبادرة الحرة والمنافسة.. الخ على حقيقتها كإيديولوجيا للإقصاء والتهميش وتسريح العمال بمبدأ كثير من الربح .. قليل من المأجورين (8) . ولكن العولمة ليست نظاما اقتصاديا وحسب، وانما تمتد إلى مجالات الحياة المختلفة سواء في السياسة أو الإعلام أو الثقافة بوجه عام. فالنمو الاقتصادي الراسمالي كما يستلزم وجود أسواق حرة، يستلزم أيضا وجود أنظمة سياسية وشكلا معينا من أشكال الحكم، فتعدد مراكز القوة الاقتصادية استلزم بدوره تعددا في مراكز القوة السياسية، وخلق بدائل وتعددية في القوى على مستوى السلطة ومنع تركيز القوة السياسية، ومنع تركيز الثروة في يد الدولة، وتحقيق درجة هامة من اللامركزية (9) . ولذلك لم تكن مصادفة أن كانت الصيغة الديمقراطية الليبرالية في الحكم هي الصيغة التي ارتبطت بالمجتمعات الراسمالية وتطورت معها، أي مع الراسمالية ذاتها، وأكدت نفسها بانتصارها على كل الصيغ والأشكال الأخرى، بدءا من النازية والفاشية إلى البلشفية. وقد كان انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط النظم الشمولية في أوروبا الشرقية والتحولات المتلاحقة نحو أشكال الحكم الديمقراطي أبرز مظاهر الارتباط بين التطور الراسمالي والتطور الديمقراطي. ومن هنا اعتبر البعض أن الديمقراطية الليبرالية وقرينتها الراسمالية هي نهاية التاريخ الإنساني، وأن النموذج الأمريكي هو خلاصة وقمة التطور البشري (10) . ومع أن هناك فاعليات اقتصادية متعددة، تنتمي لثقافات وبلاد مختلفة، تؤثر معا في مسار وتطور الظاهرة المعروفة بالعولمة، إلا أن كون الغلبة بين هذه الفعاليات تعود إلى مؤسسات أمريكية، بالإضافة إلى الارتباط بين بروز العولمة واحتلال الولايات المتحدة لمكانة الدولة العظمى الوحيدة، جعل البعض يعتقدون أن العولمة تعنى الدعوة إلى تبنى النموذج الأمريكي في الاقتصاد والسياسة، وفى طريقة الحياة بشكل عام. ومن هنا اعتبر البعض أن العولمة مرادف للأمركة، وأنها مجرد إفرازمن إفرازات الدولة القومية عند لحظة من لحظات تضخم قوتها ومحاولتها فرض هيمنتها على العالم على نحو ما تنتهجه الولايات المتحدة الأمريكية من فرض لمنظومتها القيمية فيظل نظام العولمة (11) . وعلى الجانب المعلوماتي الاتصالي، وهو جانب شديد الأهمية بالغ الأثر تتدافع وتتزاحم من خلاله تيارات العولمة واتجاهاتها المختلفة، نجد أن هناك فواعل وعوامل رئيسية ذات قوة تأثيرية هائلة تدعم العولمة، وأهمها (12) :
- شبكة الإنترنت، والتي تمارس دورها الرئيسي في توحيد العالم، وزيادة ترابطه واتصاله .
- التجارة الإليكترونية، والتي يبلغ حجمها السنوي حاليا ما يزيد عن 101.9 ملياردولار،
واستطاعت جذب مئات الملايين إليها، حيث وجد كل منهم فيها مآربه وأهدافهووسيلته للتعايش، . واشباع احتياجاته ورغباته (13)
- المنظمات الجماهيرية غير الحكومية، والتي أصبح لها دورها المهم في إعادة تشكيل التوجه الاجتماعي العام وخلق رأى عام مستنيرا تجاه القضايا العالمية.
- التغطية الإعلامية الكونية، فالمتابع للشبكات الإعلامية الإخبارية وما تحققه من وظيفة اتصالية، ونقل فوري للأخبار إلي أي مكان في العالم، وجعل المشاهد لها يعايشها معايشة العين والإحساس و الراي، يكتشف بما لا يدع مجالا للشك أن العولمة الإعلامية قد أصبحت واقعا ملموسا ومعاشا .
- شبكة الاتصالات العالمية، فقد أتاح التطور المتصاعد في تقنية الاتصالات وتطور أنظمة الشبكات والدوائر الفائقة التقدم واستخدام أنظمة الهواتف النقالة والاتصالات الخلوية بالأقمار الصناعية مباشرة، قدرة هائلة علي جعل سكان العالم باختلاف أماكنهم مرتبطين ببعضهم البعض،بما أزال العزلة وحواجز المكان وفواصل الزمان(14).
وعلي نحوما هو متوقع، فقد شغل تأثير العولمة علي مفهوم السيادة ووضعية الدولة القومية حيزا لا يستهان به من شواغل المحللين السياسيين في رؤيتهم للعولمة التي تهدف إلي جعل الشيء علي مستوي عالمي، أي نقله من المحدود المراقب إلي اللامحدود الذي ينأى عن كل مراقبة.
والمحدود طبقا لهذا التعريف يؤكد علي دور الدولة القومية التي تتمتع بسيادة وطنية كاملة تستطيع من خلالها توفير الحماية الداخلية والخاصة، أما اللا محدود فهوالنطاق العالمي، حيث تسعي العولمة إلي إلغاء حدود الدولة القومية في المجالات الاقتصادية والمالية وتعميم نمط معين من الأفكار ليشمل الجميع (15) .
كان مبدأ السيادة ولا يزال أحد المقومات المهمة التي تنهض عليها نظرية الدولة في الفكر السياسي والقانوني التقليدي. والدولة بوصفها الشخص الرئيسي والمتميز من أشخاص القانون الدولي تتكون من عناصر ثلاثة هي: الإقليم، والسكان، والسلطة السياسية المنظمة (الحكومة)، التي تقوم علي تنظيم السلطات والمرافق العامة وادارتها في الداخل والخارج. ووجود هذه العناصر هو الذي يحدد للدولة اختصاصات واسعة في النطاق القانوني الدولي، وبدون ممارسة تلك الاختصاصات لا تتصف الدولة بالشخصية القانونية الدولية في نظر القانون الدولي العام، ولا تظهر كصاحبة سيادة ذات اتصال مباشر بالحياة الدولية، لأن مبدأ السيادة لا يعطي مضمونا واقعيا ما لم تجسده مباشرة هذه الاختصاصات . وعلي ضوء تلك المتغيرات والمفاهيم الجديدة ، أصبح منغير الممكن تصور الدولة الحديثة ذات العلاقات المتشابكة مع الدول الأخرى في صورة الجزيرة المعزولة، فالقانون الدولي الحديث يضع واقعا عمليا جديدا للسيادة والمساواة بين الدول يشترط تكيف الدولة وتقيدها بالالتزامات الدولية، ويجعل اختصاصات الدولة ذات السيادة تتسع أو تضيق بدرجة ملاءمتها للاختصاصات المماثلة لدي الدول الأخرى علي ضوء قواعد القانون الدولي العام (16).
ثانيا: دور العولمة الاقتصادية وتغيير طبيعة النظام الدولي في تحفيز وتوجيه التعديلات الدستورية
لقد زعم أنصار العولمة بأنها ستحقق الرفاهية لكافة الشعوب وتدعم سلمها، وذلك عبر تداخل اقتصادياتها، لذلك تم الضغط على البلدان العربية للشروع في الاصلاحات الموصلة للهدف المرجو، فقد كان مصدر هذه الضغوطات، هي الإصلاح من أجل النمو الاقتصادي والسلم العالمي (17)، بحيث بدأت الملامح الأولى للضغوط المفروضة على بعض الدول للشروع في تعديلات قانونية منذ الثمانينات، إلا أنها استفحلت بمجيء العولمة، بحيت ساهمت في توجيه المؤسسات المتعددة الجنسيات إلى وضع استراتيجيات على الصعيد العالمي، تقود إلى إنشاء سوق عالمية (18) .
ففي سنة 1982 ،أعلنت 14 دولة عجزها التام عن الاستمرار في دفع ديونها لدى مؤسسات "بريتون وودز"، فطالبت مجموعة السبعة (7) صاحبة نصف الأصوات تقريبا من صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، إتخاذ الوسائل المناسبة لضمان التسديد، فتمثل رد المؤسستين المشار إليها في برامج إعادة الهيكلة.
وذلك للوصول إلى نتيجة حتمية، بحيث يصير العالم بأكمله سوقا للاستثمارات الأجنبية، فلا بد من إجراء تعديلات قانونية تزيح الحواجز وتضمن أقصى درجة الحماية لتلك الاستثمارات، وهذا ما بدأ الإعداد له قبل أن يعرف لفظ العولمة هذا الانتشار الواسع. وبانهيار الحرب الباردة، وزوال الحدود الإيديولوجية والاستعداد النفسي أحيانا لدى بعض الدول الاشتراكية سابقا، للتخلي عن نظام سقط لصالح النطام الليبرالي، وجدت الدول الكبرى الفرصة مواتية لفرض ضغوط أكبر لتعديل الدساتير والتزويد بقوانين جديدة بما يخدم مصطلح العولمة، باعتبارها أكبر مستفيد من كل انفتاح اقتصادي (19) واذا انتقلنا إلى الضغوط التي فرضتها الشراكة المتوسطة على البلدان العربية المصادقة عليها، يمكن التذكير بالتقرير التحضيري الذي أعدته المفوضية الأوروبية، والذي أكد على ضرورة تبني سياسات تقوم على مبادئ اقتصاد السوق عبر عصرنة وتطوير القطاع الخاص، والذي يتم من خلال الإلغاء التدريجي للعقبات التي تفترض الاستثمار، وتهيئة الجو الملائم للاستثمارات الأجنبية المباشرة، ويقصد بتلك الملائمة احترام قواعد المنافسة (20) .
هكذا إذا التقت الضغوط المباشرة والغير المباشرة الأمريكية والأروبية لإدخال الدول العربية في تغييرات القانونية لتجسيد المطلوب منها، وما نتج عن هذه الإصلاحات والتغييرات القانونية، تصفية القطاع العام وفتح الحدود للتبادل الحر، فكما سبقت الإشارة أن العولمة الاقتصادية تسعى إلى تحويل العالم بأكمله إلى سوق للشركات المتعددة الجنسيات، لذلك كان من الضروري أن تبتغي التعديلات القانونية التصفية شبه كاملة للقطاع العام، لكي يتولى مهامه القطاع الخاص، وفتح الحدود للتبادل الحر، عبر إلغاء كافة القيود التي كانت تعترضه، من أجل الهدف الاستراتيجي المتمثل في إقامة قاعدة اقتصادية وطنية كركيزة أساسية لأي تنمية (21) . على أساس أن البعد الاقتصادي يشكل أحد الأسس التي تقوم عليها الإخفاقات العربي خاصة، وتقلص دور الاستثمار مما دفع إلى عدم توفيق الاقتصاد العربي، ويمكن إرجاع هذه الضغوطات من جانبها الاقتصادي على الدول العربية خاصة إلى ضعف وهشاشة النسج الاقتصادي، بحيت وجدت الدول الكبرى في ذلك أرض خصبة من أجل نشر مخططاتها التنموية، واستخدامها ذريعة للوصول إلى أهداف أخرى. لذلك فإن البعد الاقتصادي يتأثر من خلال عدم ضبط السياسات الاقتصادية العربية، باعتبار أنها لم تقم بدورها في ضبط رزمانة التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية، سواء من خلال الحصول على المصادر المالية أو ضعف التركيبة الاقتصادية للمؤسسة العربية، في البحت عن مصادر أخرى مالية، تدفع بالاقتصاد العربي مما هو عليه إلى ما ينبغي أن تكون. فمن بين أهم المعوقات التي تعرقل العمل التنموي العربي هو الاستعمار الغربي، الهادف إلى تفتيت الوحدة الوطنية وعدم تكامل المشروع العربي، بحكم الاستعمار الجديد، والمتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية.
ومن بين الأمثلة على ذلك المملكة المغربية، ففي سنة 1993 ألغت قانون "المغربة" الذي كان يضع حدودا لمساهمة أ رس المال الأجنبي في الشركات المغربية، وبدأ تشجيع الشركات المختلطة، كما صدرت قوانين جديدة في مجال شركات الاستثمار والتجارة، بحيث تم تخفيض اجراءات الصرف والعملة الصعبة المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية والقروض الخارجية، وللإسراع في تحقيق كافة التحولات المذكورة، تضمن تعديل الدستور المغربي سنة 1993 ، تخفيض الآجال المحددة لتبني القوانين أو التصديق عليها أو تنفيذها (22) .
أما في مصر فقد أعقب انتقاد اللجنة الرئاسية الأمريكية المصرية لعملية، الخوصصة بأنها بطيئة (1995)، بحيث صدر قانون جوان 1996 ، الذي يتيح للمستثمرين الأجانب بأن يكونوا أصحاب أغلبية في البنوك المصرية، وسلسلة هائلة من القوانين المشجعة للاستثمار في العقارات، وقد تخلل كل ذلك تسريع في وتيرة خوصصة المؤسسات العمومية (23) .
وقد تأثر المؤسس الدستوري الجزائري في وضعه لدستور سنة 1976 ، بأهم الخيارات الاقتصادية المتمركزة أساسا في التوجه الاشتراكي في تسيير الاقتصادي، كما أن دستور 1989
جاء في ظل ظروف خارجية دفعت النظام السياسي الجزائري للاستجابة لمتطلبات البيئة الدولية، وقد كانت هذه الاستجابة قوية بالنظر إلى طبيعة التعديلات التي طرات على الأحكام العامة الواردة في الدستور الذي سبقه (1976)، والذي أكد على عدم إمكانية التراجع عن الخيار الاشتراكي (24) .
إن أهم التعديلات التي جاء بها دستور 1989 ، تمثلت في الانفتاح الاقتصادي، فقد فتح دستور 1989 الحياة الاقتصادية أمام الإقتصاد الليبرالي أو التخلي عن الإقتصاد الاشتراكي الموجه، الذي تبنته الجزائر منذ الاستقلال، ويمكن اعتبار هذا التعديل الدستوري كاستجابة من قبل النظام السياسي الجزائري لما فرضته البيئة الدولية، خاصة بعد انتهاء الحرب الباردة وتراجع دور الاتحاد السوفياتي، الذي كان يمثل المرجعية العليا للعديد من دول العالم بما فيها الجزائر.
____________________
1- عبد الرحمن بن شريط، الدولة الوطنية بين متطلبات السيادة وتحديات العولمة، دار كنوز، 2012 ، ص ص 186-189 .
2- حسين علي الفلاحي، العولمة الجديدة "أبعادها وانعكساتها"، دار غيداء للنشر والتوزيع، الأردن، 2011 ، ص 79
3- حسين عبد الله العايد، انعكاسات العولمة على السيادة الوطنية، دار كنوز المعرفة العلمية للنشر والتوزيع، 2009، ص 287
4- حسين علي الفلاحي، المرجع السابق، ص 345
5- حسين عبد الله العايد، المرجع السابق، ص 39
6- وليد جميل الأيوبي، العولمة والعرب وبداية التاريخ، المؤسسة الحديثة للكتاب، 2009 ، ص ص 15-20.
7- وليد جميل الأيوبي، المرجع السابق، ص 456
8- حسين عبد الله العايد، المرجع السابق، ص67
9- حسين علي الفلاحي، المرجع السابق، ص763.
10- جلال أمين أحمد ثابت وغيرهم، العولمة وتداعياتها على الوطن العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، 2012 . ص 211
11- وليد جميل الأيوبي، المرجع السابق، ص 58.
12- ماهر عودة الشمايلة، الإعلام والعولمة، دار الإعصار العلمي للنشر والتوزيع، الأردن، 2009 ، ص ص 25-30.
13- ماهر الشمايلة، المرجع السابق، ص ص 67-69.
14- عبد الرحمن بن شريط، المرجع السابق، ص 187
15- حسن عبد الله العايد، المرجع السابق، ص 288
16- وليد جميل الأيوبي، المرجع السابق، ص 56
17- رياض حسن، عولمة المال، دار الفارابي، لبنان، 2001 ص 20
18- شمامة خير الدين، التعديلات القانونية في الوطن العربي بين العولمة الاقتصادية والعولمة السياسية والثقافية، مداخلة ألقيت في الملتقى السابق ذكره، جامعة الأغواط.
19- سامح برهان أبو الهدي، العولمة دراسة تاريخية وسياسية ، دار الأيام، 2016 ، ص75
20- جورج توفيق العبد، تحديات التنمية الاقتصادية في الوطن العربي، دار القليعة، بيروت، 2006 ، ص 82.
21- محمد نصر مهنا، العلاقات الدولية بين العولمة والأمركة، المكتب الجامعي الحديث، الاسكندرية، الطبعة 1 ، 2007
ص 103.
22- Le maroc continue de libéraliser son régime commercial,
- مقال منشور على الموقع الالكتروني التالي:
www.wto.org/ consulté le : 12-3-2013
23- Iman FERAG, Egypt satisfecit du FMI, in l’état du monde3112, La découverte, Paris, 3112, P75
- فريد بن عبيد، مساهمة صندوق النقد الدولي في إدارة أزمة المديونية الخارجية في الدول العربية، دار الوفاء، 2016.
24- وهو ما نصت عليه م 195 من دستور 1976
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
معهد الكفيل للنطق والتأهيل: أطلقنا برامج متنوعة لدعم الأطفال وتعزيز مهاراتهم التعليمية والاجتماعية
|
|
|