لإن أن ليت لكن لعل كأن ... عكس مالكان من عمل
كإن زيدا عالم بأني ... كفء ولكن ابنه ذو ضغن
هذا هو القسم الثاني من الحروف الناسخة للابتداء وهي ستة أحرف.
ص345
إن وأن وكأن ولكن وليت ولعل وعدها سيبويه خمسة فأسقط أن المفتوحة لأن أصلها إن المكسورة كما سيأتي. ومعنى إن وأن التوكيد ومعنى كأن التشبيه ولكن للاستدراك وليت للتمني ولعل للترجي والإشفاق والفرق بين الترجي والتمني أن التمني يكون في الممكن نحو ليت زيدا قائم وفي غير الممكن نحو ليت الشباب يعود يوما وأن الترجي لا يكون إلا في الممكن فلا تقول لعل الشباب يعود والفرق بين الترجي والإشفاق أن الترجي يكون في المحبوب نحو لعل الله يرحمنا والإشفاق في المكروه نحو لعل العدو يقدم.
وهذه الحروف تعمل عكس عمل كان فتنصب الاسم وترفع الخبر
ص346
صفحة فارغة
ص347
نحو إن زيدا قائم فهي عاملة في الجزأين وهذا مذهب البصريين
وذهب الكوفيون إلى أنها لا عمل لها في الخبر وإنما هو باق على رفعه الذي كان له قبل دخول إن وهو خبر المبتدأ .
وراع ذا الترتيب إلا في الذي ... كليت فيها أوهنا غير البذي
أي يلزم تقديم الاسم في هذا الباب وتأخير الخبر إلا إذا كان الخبر ظرفا أو جارا ومجرورا فإنه لا يلزم تأخيره وتحت هذا قسمان:
أحدهما: أنه يجوز تقديمه وتأخيره وذلك نحو: ليت فيها غير البذي
ص348
أو ليت هنا غير البذي أي الوقح فيجوز تقديم فيها وهنا على غير وتأخيرهما عنها.
والثاني: أنه يجب تقديمه نحو ليت في الدار صاحبها فلا يجوز تأخير في الدار لئلا يعود الضمير على متأخر لفظا ورتبة ولا يجوز تقديم معمول الخبر على الاسم إذا كان غير ظرف ولا مجرور نحو إن زيدا آكل طعامك فلا يجوز إن طعامك زيدا آكل وكذا إن كان المعمول ظرفا أو جارا ومجرورا نحو إن زيدا واثق بك أو جالس عندك فلا يجوز تقديم المعمول على الاسم فلا تقول إن بك زيدا واثق أو إن عندك زيدا جالس وأجازه بعضهم وجعل منه قوله:
فلا تلحنى فيها فإن بحبها ... أخاك مصاب القلب جم بلابله
ص349
وهمز إن افتح لسد مصدر ... مسدها وفي سوى ذاك اكسر
إن لها ثلاثة أحوال: وجوب الفتح ووجوب الكسر وجواز الأمرين.
فيجب فتحها إذا قدرت بمصدر كما إذا وقعت في موضع مرفوع فعل
ص350
نحو: يعجبني أنك قائم أي قيامك أو منصوبة نحو: عرفت أنك قائم أي قيامك أو في موضع مجرور حرف نحو عجبت من أنك قائم أي من قيامك وإنما قال لسد مصدر مسدها ولم يقل لسد مفرد مسدها لأنه قد يسد المفرد مسدها ويجب كسرها نحو ظننت زيدا إنه قائم فهذه يجب كسرها وإن سد مسدها مفرد لأنها في موضع المفعول الثاني ولكن لا تقدر بالمصدر إذ لا يصح ظننت زيدا قيامه.
فإن لم يجب تقديرها بمصدر لم يجب فتحها بل تكسر وجوبا أو جوازا على ما سنبين وتحت هذا قسمان أحدهما وجوب الكسر والثاني جواز الفتح والكسر فأشار إلى وجوب الكسر بقوله:
ص351
فاكسر في الابتدا وفى بدء صله ... وحيث إن ليمين مكمله
أو حكيت بالقول أو حلت محل ... حال كزرته وإني ذو أمل
وكسروا من بعد فعل علقا ... باللام كأعلم إنه لذو تقى
ص352
فذكر أنه يجب الكسر في ستة مواضع:
الأول: إذا وقعت إن ابتداء أي في أول الكلام نحو إن زيدا قائم ولا يجوز وقوع المفتوحة ابتداء فلا تقول أنك فاضل عندي بل يجب التأخير فتقول عندي أنك فاضل وأجاز بعضهم الابتداء بها.
الثاني : أن تقع إن صدر صلة نحو جاء الذي إنه قائم ومنه قوله تعالى: {وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ} الثالث: أن تقع جوابا للقسم وفي خبرها اللام نحو والله إن زيدا لقائم وسيأتي الكلام على ذلك.
الرابع : أن تقع في جملة محكية بالقول نحو قلت إن زيدا قائم قال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ} فإن لم تحك به بل أجرى القول مجرى الظن فتحت نحو أتقول أن زيدا قائم أي أتظن.
الخامس : أن تقع في جملة في موضع الحال كقوله زرته وإني ذو أمل ومنه قوله تعالى: {كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ} وقول الشاعر:
ما أعطياني ولا سألتهما ... إلا وإني لحاجزى كرمي
ص353
السادس: أن تقع بعد فعل من أفعال القلوب وقد علق عنها باللام نحو علمت إن زيدا لقائم وسنبين هذا في باب ظن فإن لم يكن في خبرها اللام فتحت نحو علمت أن زيدا قائم.
هذا ما ذكره المصنف وأورد عليه أنه نقص مواضع يجب كسر إن فيها:
الأول : إذا وقعت بعد ألا الاستفتاحية نحو ألا إن زيدا قائم ومنه قوله تعالى: {أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ}
ص354
الثاني: إن وقعت بعد حيث نحو اجلس حيث إن زيدا جالس.
الثالث: إذا وقعت في جملة هي خبر عن اسم عين نحو زيد إنه قائم.
ولا يرد عليه شيء من هذه المواضع لدخولها تحت قوله فاكسر في الابتدا لأن هذه إنما كسرت لكونها أول جملة مبتدأ بها .
بعد إذا فجاءة أو قسم ... لا لام بعده بوجهين نمي
مع تلو فا الجزا وذا يطرد ... في نحو خير القول إني أحمد
ص355
يعني أنه يجوز فتح إن وكسرها إذا وقعت بعد إذا الفجائية نحو خرجت فإذا إن زيدا قائم فمن كسرها جعلها جملة والتقدير خرجت فإذا زيد قائم ومن فتحها جعلها مع صلتها مصدرا وهو مبتدأ خبره إذا الفجائية والتقدير فإذا قيام زيد أي ففي الحضرة قيام زيد ويجوز أن يكون الخبر محذوفا والتقدير خرجت فإذا قيام زيد موجود ومما جاء بالوجهين قوله:
وكنت أرى زيدا كما قيل سيدا ... إذا أنه عبد القفا واللهازم
ص356
صفحة فارغة
ص357
روى بفتح أن وكسرها فمن كسرها جعلها جملة مستأنفة والتقدير إذا هو عبد القفا واللهازم ومن فتحها جعلها مصدرا مبتدأ وفي خبره الوجهان السابقان والتقدير على الأول فإذا عبوديته أي ففي الحضرة عبوديته وعلى الثاني فإذا عبوديته موجودة.
وكذا يجوز فتح إن وكسرها إذا وقعت جواب قسم وليس في خبرها اللام نحو حلفت أن زيدا قائم بالفتح والكسر وقد روى بالفتح والكسر قوله:
لتقعدن مقعد القصي ... مني ذي القاذورة المقلي
أو تحلفي بربك العلي ... أني أبو ذيالك الصبي
ص358
صفحة فارغة
ص359
ومقتضى كلام المصنف أنه يجوز فتح إن وكسرها بعد القسم إذا لم يكن في خبرها اللام سواء كانت الجملة المقسم بها فعلية والفعل فيها ملفوظ به نحو حلفت إن زيدا قائم أو غير ملفوظ به نحو والله إن زيدا قائم أو اسمية نحو لعمرك إن زيدا قائم.
ص360
وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت إن بعد فاء الجزاء نحو من يأتني فإنه مكرم فالكسر على جعل إن ومعموليها جملة أجيب بها الشرط فكأنه قال من يأتني فهو مكرم والفتح على جعل أن وصلتها مصدرا مبتدأ والخبر محذوف والتقدير من يأتني فإكرامه موجود ويجوز أن يكون خبرا والمبتدأ محذوفا والتقدير فجزاؤه الإكرام.
ومما جاء بالوجهين قوله تعالى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قرئ فإنه غفور رحيم بالفتح والكسر فالكسر على جعلها جملة جوابا لمن والفتح على جعل أن وصلتها مصدرا مبتدأ خبره محذوف والتقدير فالغفران جزاؤه أو على جعلها خبرا لمبتدأ محذوف والتقدير فجزاؤه الغفران. وكذلك يجوز الفتح والكسر إذا وقعت أن بعد مبتدأ هو في المعنى قول وخبر إن قول والقائل واحد نحو خير القول إني أحمد الله فمن فتح جعل أن وصلتها مصدرا خبرا عن خير والتقدير خير القول حمد الله فخير مبتدأ وحمد الله خبره ومن كسر جعلها جملة خبرا عن خير كما تقول أول قراءتي سبح اسم ربك الأعلى فأول مبتدأ وسبح اسم ربك الأعلى جملة خبر عن أول وكذلك خير القول مبتدأ وإني أحمد الله خبره ولا تحتاج هذه
ص361
الجملة إلى رابط لأنها نفس المبتدأ
في المعنى فهي مثل نطقي الله حسبي ومثل سيبويه هذه المسألة بقوله أول ما أقول أني أحمد الله وخرج الكسر على الوجه الذي تقدم ذكره وهو أنه من باب الإخبار بالجمل وعليه جرى جماعة من المتقدمين والمتأخرين كالمبرد والزجاج والسيرافي وأبي بكر بن طاهر وعليه أكثر النحويين .
وبعد ذات الكسر تصحب الخبر ... لام ابتداء نحو إني لوزر
يجوز دخول لام الابتداء على خبر إن المكسورة نحو إن زيدا لقائم.
ص362
وهذه اللام حقها أن تدخل على أول الكلام لأن لها صدر الكلام فحقها أن تدخل على إن نحو لإن زيدا قائم لكن لما كانت اللام للتأكيد وإن للتأكيد كرهوا الجمع بين حرفين بمعنى واحد فأخروا اللام إلى الخبر.
ولا تدخل هذه اللام على خبر باقي أخوات إن فلا تقول لعل زيدا لقائم وأجاز الكوفيون دخولها في خبر لكن وأنشدوا:
يلومونني في حب ليلى عواذلي ... ولكنني من حبها لعميد
ص363
صفحة فارغة
ص364
وخرج على أن اللام زائدة كما شذ زيادتها في خبر أمسى نحو قوله:
مروا عجالى فقالوا: كيف سيدكم؟ ... فقال من سألوا: أمسى لمجهودا
ص365
أي أمسى مجهودا وكما زيدت في خبر المبتدأ شذوذا كقوله:
أم الحليس لعجوز شهربه ... ترضى من اللحم بعظم الرقبة
ص366
وأجاز المبرد دخولها في خبر أن المفتوحة وقد قرئ شاذا إلا أنهم ليأكلون الطعام بفتح أن ويتخرج أيضا على زيادة اللام .
ولا يلي ذي اللام ما قد نفيا ... ولا من الأفعال ما كرضيا
ص367
وقد يليها مع قد كإن ذا ... لقد سما على العدا مستحوذا
إذا كان خبر إن منفيا لم تدخل عليه اللام فلا تقول إن زيدا لما يقوم وقد ورد في الشعر كقوله:
وأعلم إن تسليما وتركا ... للا متشابهان ولا سواء
ص368
وأشار بقوله ولا من الأفعال ما كرضيا إلى أنه إذا كان الخبر ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم تدخل عليه اللام فلا تقول إن زيدا لرضي وأجاز ذلك الكسائي وهشام فإن كان الفعل مضارعا دخلت اللام
ص369
عليه،
ولا فرق بين المتصرف نحو إن زيدا ليرضى وغير المتصرف نحو إن زيدا ليذر الشر هذا إذا لم تقترن به السين أو سوف فإن اقترنت به نحو إن زيدا سوف يقوم أو سيقوم ففي جواز دخول اللام عليه خلاف فيجوز إذا كان سوف على الصحيح وأما إذا كان السين فقليل وإذا كان ماضيا غير متصرف فظاهر كلام المصنف جواز دخول اللام عليه فتقول إن زيدا لنعم الرجل وإن عمرا لبئس الرجل وهذا مذهب الأخفش والفراء والمنقول أن سيبويه لا يجيز ذلك.
فإن قرن الماضي المتصرف بقد جاز دخول اللام عليه وهذا هو المراد بقوله وقد يليها مع قد نحو إن زيدا لقد قام .
وتصحب الواسط معمول الخبر ... والفصل واسما حل قبله الخبر
تدخل لام الابتداء على معمول الخبر إذا توسط بين اسم إن والخبر نحو إن زيدا لطعامك آكل وينبغي أن يكون الخبر حينئذ مما يصح دخول اللام عليه كما مثلنا فإن كان الخبر لا يصح دخول اللام عليه لم يصح
دخولها
ص370
على المعمول كما إذا كان الخبر فعلا ماضيا متصرفا غير مقرون بقد لم يصح دخول اللام على المعمول فلا تقول إن زيدا لطعامك أكل وأجاز ذلك بعضهم وإنما قال المصنف وتصحب الواسط أي المتوسط تنبيها على أنها لا تدخل على المعمول إذا تأخر فلا تقول إن زيدا آكل لطعامك.
وأشعر قوله بأن اللام إذا دخلت على المعمول المتوسط لا تدخل على الخبر فلا تقول إن زيدا لطعامك لآكل وذلك من جهة أنه خصص دخول اللام بمعمول الخبر المتوسط وقد سمع ذلك قليلا وحكى من كلامهم إني لبحمد الله لصالح.
ص371
وأشار بقوله والفصل إلى أن لام الابتداء تدخل على ضمير الفصل نحو إن زيدا لهو القائم وقال الله تعالى: {ِإنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ} ف هذا اسم إن وهو ضمير الفصل ودخلت عليه اللام والقصص خبر إنّ.
وسمي ضمير الفصل لأنه يفصل بين الخبر والصفة وذلك إذا قلت زيد هو القائم فلو لم تأت ب هو لاحتمل أن يكون القائم صفة لزيد وأن يكون خبرا عنه فلما أتيت ب هو تعين أن يكون القائم خبرا عن زيد.
وشرط ضمير الفصل أن يتوسط بين المبتدأ والخبر نحو زيد هو القائم أو بين ما أصله المبتدأ والخبر نحو إن زيدا لهو القائم.
ص372
وأشار بقوله واسما حل قبله الخبر إلى أن لام الابتداء تدخل على الاسم إذا تأخر عن الخبر نحو إن في الدار لزيدا قال الله تعالى: {وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ} .
وكلامه يشعر أيضا بأنه إذا دخلت اللام على ضمير الفصل أو على الاسم المتأخر لم تدخل على الخبر وهو كذلك فلا تقول إن زيدا لهو لقائم ولا إن لفي الدار لزيدا.
ومقتضى إطلاقه في قوله إن لام الابتداء تدخل على المعمول المتوسط بين الاسم والخبر أن كل معمول إذا توسط جاز دخول اللام عليه كالمفعول الصريح والجار والمجرور والظرف والحال وقد نص النحويون على منع دخول اللام على الحال فلا تقول إن زيدا لضاحكا راكب .
ووصل ما بذي الحروف مبطل ... إعمالها وقد يبقي العمل
ص373
إذا اتصلت ما غير الموصولة بإنّ وأخواتها كفتها عن العمل إلا ليت فإنه يجوز فيها الإعمال والإهمال فتقول إنما زيد قائم ولا يجوز نصب زيد وكذلك أن وكأن ولكن ولعل وتقول ليتما زيد قائم وإن شئت نصبت زيدا فقلت ليتما زيدا قائم وظاهر كلام المصنف رحمه الله تعالى أن ما إن اتصلت بهذه الأحرف كفتها عن العمل وقد تعمل قليلا وهذا مذهب جماعة من النحويين كالزجاجي وابن السراج
وحكى الأخفش والكسائى إنما
ص374
زيدا قائم والصحيح المذهب الأول وهو أنه لا يعمل منها مع ما إلا ليت وأما ما حكاه الأخفش والكسائي فشاذ واحترزنا بغير الموصولة من الموصولة فإنها لا تكفها عن العمل بل تعمل معها والمراد من الموصولة التي بمعنى الذي نحو إن ما عندك حسن أي إن الذي عندك حسن والتي هي مقدرة بالمصدر نحو إن ما فعلت حسن أي إن فعلك حسن .
وجائز رفعك معطوفا على ... منصوب إن بعد أن تستكملا
أي إذا أتي بعد اسم إن وخبرها بعاطف جاز في الاسم الذي بعده وجهان: أحدهما: النصب عطفا على اسم إن نحو إن زيدا قائم وعمرا.
ص375
والثاني: الرفع نحو إن زيدا قائم وعمرو واختلف فيه فالمشهور أنه معطوف على محل اسم إن فإنه في الأصل مرفوع لكونه مبتدأ وهذا يشعر به ظاهر كلام المصنف وذهب قوم إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف والتقدير وعمرو كذلك وهو الصحيح.
فإن كان العطف قبل أن تستكمل إن أي قبل أن تأخذ خبرها تعين النصب عند جمهور النحويين فتقول إن زيدا وعمرا قائمان وإنك وزيدا ذاهبان وأجاز بعضهم الرفع.
ص376
وألحقت بإن لكن وأن ... من دون ليت ولعل وكأن
حكم أن المفتوحة ولكن في العطف على اسمهما حكم إن المكسورة فتقول علمت أن زيدا قائم وعمرو برفع عمرو ونصبه وتقول علمت أن زيدا وعمرا قائمان بالنصب فقط عند الجمهور وكذلك تقول ما زيد قائما لكن عمرا منطلق وخالدا بنصب خالد ورفعه وما زيد قائما لكن عمرا وخالدا منطلقان بالنصب فقط.
وأما ليت ولعل وكأن فلا يجوز معها إلا النصب سواء تقدم المعطوف أو تأخر فتقول ليت زيدا وعمرا قائمان وليت زيدا قائم وعمرا بنصب عمرو في المثالين ولا يجوز رفعه وكذلك كأن ولعل وأجاز الفراء الرفع فيه متقدما ومتأخرا مع الأحرف الثلاثة .
وخففت إن فقل العمل ... وتلزم اللام إذا ما تهمل
ص377
وربما استغني عنها إن بدا ... ما ناطق أراده معتمدا
إذا خففت إن فالأكثر في لسان العرب إهمالها فتقول إن زيد لقائم وإذا أهملت لزمتها اللام فارقة بينها وبين إن النافية ويقل إعمالها فتقول إن زيدا قائم وحكى الإعمال سيبويه والأخفش رحمهما الله تعالى فلا تلزمها حينئذ اللام لأنها لا تلتبس - والحالة
هذه –
ص378
بالنافية لأن النافية لا تنصب الاسم وترفع الخبر وإنما تلتبس بإن النافية إذا أهملت ولم يظهر المقصود بها فإن ظهر المقصود بها فقد يستغنى عن اللام كقوله:
ونحن أباة الضيم من آل مالك ... وإن مالك كانت كرام المعادن
ص379
التقدير وإن مالك لكانت فحذفت اللام لأنها لا تلتبس بالنافية لأن المعنى على الإثبات وهذا هو المراد بقوله وربما استغنى عنها إن بدا إلى آخر البيت.
واختلف النحويون في هذه اللام هل هي لام الابتداء أدخلت للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة أم هي لام أخرى اجتلبت للفرق؟
وكلام سيبويه يدل على أنها لام الابتداء دخلت للفرق.
وتظهر فائدة هذا الخلاف في مسألة جرت بين ابن أبي العافية وابن الأخضر وهى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " قد علمنا إن كنت لمؤمنا" فمن جعلها لام الابتداء أوجب كسر إن ومن جعلها لاما أخرى اجتلبت للفرق فتح أن وجرى الخلاف في هذه المسألة قبلهما بين أبي الحسن علي بن سليمان البغدادي الأخفش الصغير وبين أبي علي الفارسي فقال: الفارسي هي لام
غير
ص380
لام الابتداء اجتلبت للفرق وبه قال ابن أبي العافية وقال الأخفش الصغير إنما هي لام الابتداء أدخلت للفرق وبه قال ابن الأخضر.
والفعل إن لم يك ناسخا فلا ... تلفيه غالبا بإن ذي موصلا
ص381
إذا خففت إن فلا يليها من الأفعال إلا الأفعال الناسخة للابتداء نحو كان وأخواتها وظن وأخواتها قال الله تعالى: {وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللهُ} وقال الله تعالى: {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ} وقال الله تعالى: {وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} ويقل أن يليها غير الناسخ وإليه أشار بقوله غالبا ومنه قول بعض العرب: إن يزينك لنفسك وإن يشينك لهيه وقولهم: إن قنعت كاتبك لسوطا وأجاز الأخفش إن قام لأنا.
ومنه قول الشاعر:
شلت يمينك إن قتلت لمسلما ... حلت عليك عقوبة المتعمد
ص382
وإن تخفف أن فاسمها استكن ... والخبر اجعل جملة من بعد أن
إذا خففت أن المفتوحة بقيت على ما كان لها من العمل لكن لا يكون اسمها إلا ضمير الشأن محذوفا (2) وخبرها لا يكون إلا جملة وذلك نحو علمت أن زيد قائم فأن مخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن وهو محذوف والتقدير أنه وزيد قائم جملة في موضع رفع خبر أن والتقدير علمت أنه زيد قائم وقد يبرز اسمها وهو غير ضمير الشأن كقوله:
ص383
فلو أنك في يوم الرخاء سألتني ... طلاقك لم أبخل وأنت صديق
ص384
وإن يكن فعلا ولم يكن دعا ... ولم يكن تصريفه ممتنعا
فالأحسن الفصل بقد أو نفي أو ... تنفيس أو لو وقليل ذكر لو
ص385
إذا وقع خبر أن المخففة جملة اسمية لم يحتج إلى فاصل فتقول علمت أن زيد قائم من غير حرف فاصل بين أن وخبرها إلا إذا قصد النفي فيفصل بينهما بحرف النفي كقوله تعالى: {وَأَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} .
وإن وقع خبرها جملة فعلية فلا يخلو إما أن يكون الفعل متصرفا أو غير متصرف فإن كان غير متصرف لم يؤت بفاصل نحو قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} وقوله تعالى: {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} وإن كان متصرفا فلا يخلو إما أن يكون دعاء أولا فإن كان دعاء لم يفصل كقوله تعالى: {وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا} في قراءة من قرأ غضب بصيغة الماضي وإن لم يكن دعاء فقال قوم يجب أن يفصل بينهما إلا قليلا وقالت فرقة منهم المصنف يجوز الفصل وتركه والأحسن الفصل.
والفاصل
ص386
أحد أربعة أشياء:
الأول: قد كقوله تعالى: {وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا} .
الثاني: حرف التنفيس وهو السين أو سوف فمثال السين قوله تعالى: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى} ومثال سوف قول الشاعر: 106
واعلم فعلم المرء ينفعه ... أن سوف يأتي كل ما قدرا
ص387
الثالث: النفي كقوله تعالى: {أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً} وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الأِنْسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} وقوله تعالى: {أَيَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ} .
الرابع: لو وقل من ذكر كونها فاصلة من النحويين ومنه قوله تعالى: {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ} وقوله: { أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ} ومما جاء بدون فاصل قوله:
علموا أن يؤملون فجادوا ... قبل أن يسألوا بأعظم سؤل
ص388
وقوله تعالى: {لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} في قراءة من رفع يتم في قول والقول الثاني أن أن ليست مخففة من الثقيلة بل هي الناصبة للفعل المضارع وارتفع يتم بعده شذوذا.
وخففت كأن أيضا فنوي ... منصوبها وثابتا أيضا روي
ص389
إذا خففت كأن نوي اسمها وأخبر عنها بجملة اسمية نحو كأن زيد قائم أو جملة فعلية مصدره بلم كقوله تعالى: {َأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ} أو مصدرة بقد كقول الشاعر:
أفد الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد
ص390
أي وكأن قد زالت فاسم كأن في هذه الأمثلة محذوف وهو ضمير الشأن والتقدير كأنه زيد قائم وكأنه لم تغن بالأمس وكأنه قد زالت.
والجملة التي بعدها خبر عنها وهذا معنى قوله فنوي منصوبها وأشار بقوله وثابتا أيضا روي إلى أنه قد روى إثبات منصوبها ولكنه قليل ومنه قوله:
وصدر مشرق النحر ... كأن ثدييه حقان
ص391
فـ" ثدييه" اسم كأن وهو منصوب بالياء لأنه مثنى،وحقان خبر كأن وروي كأن ثدياه حقان فيكون اسم كأن محذوفا وهو ضمير الشأن والتقدير: كأنه ثدياه حقان وثدياه حقان: مبتدأ وخبر في موضع رفع خبر كأن، ويحتمل أن يكون ثدياه اسم ثاني كان وجاء بالألف على لغة من يجعل المثنى بالألف في الأحوال كلها.
ص392