عاقبة اتباع هوى النفس
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 72 ــ 75
2025-12-09
55
إذا داس الإنسان على فطرته، فبما أن هناك حجابا على عين القلب وأذنه، سيؤدي ذلك دور المانع من هداية الإنسان، وفي النتيجة سيكون مانعا من الوصول إلى الكمال، وسيؤدي إلى اتباع هوى النفس والمشي خلف ميول القلب ورغباته، قال الله عز وجل عن ذلك ما يلي: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} [الجاثية: 23].
قال المرحوم العلامة الطباطبائي (رحمه الله) في تفسير هذه الآية ما يلي: والمراد بقوله: {اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الجاثية: 23]، حيث قدم (إِلَهَهُ) على (هَوَاهُ) إنه يعلم أن له إلها يجب أن يعبده هو الله سبحانه، لكنه يبدله من هواه ويجعل هواه مكانه فيعبده فهو كافر بالله سبحانه على علم منه، ولذلك عقبه بقوله: {وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ} [الجاثية: 23].
وقال سماحته حول الجملة الثانية: (أي: هو ضال بإضلال منه تعالى: يُضله به مجازاة لاتباعه الهوى حال كون إضلاله مستقرا على علم هذا الضال، ولا ضير في اجتماع الضلال مع العلم بالسبيل ومعرفته) (1).
وفي آية أخرى يقول الله (عز وجل) عن عباد الدنيا والأشخاص الذين لها قلبهم عن ذكر الآخرة وذكر الله والتوجه إليه، وانصرفوا إلى الملذات الدنيا والحياة الحيوانية {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3].
كذلك يقول الله تعالى عن حالة الكافر عابد الدنيا ومرتبته وعاقبته ما يلي: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ} [محمد: 12].
ولعبور حدود الحيوانية والوصول إلى مقام الإنسانية، يجب أن نبقي فطرتنا حية، وألا نسمح لهوسنا الحيواني أن يطغى على قلوبنا إلى أن ندوس على فطرتنا، ونقمع عقولنا فنحرم من قوة الفكر والتفكر لنصبح في حدود حيوان من الحيوانات، بل أقل من ذلك. إن الأشخاص الذين تكون فطرتهم حية، وعقولهم منفتحة ومزدهرة - وبتعبير آخر: الأشخاص الذين تكون أعين قلوبهم وآذانها فعالة وأزيلت عنها الحجب والأستار ـ يغرقون في التفكير في الأمور التي لا يلتفت إليها الآخرون، مما يؤدي إلى أخذهم العبرة من هذه الأمور، إنهم يولون اهتماما تاما لما يسمعونه ويرونه، ويتعلمون من الأحداث ويُفكرون باستمرار في أسرار الخلق، وحيث إنهم خطوا خطوات في مراحل التكامل الإنساني، وراقبوا سلوكهم بعناية، فهم يأخذون العبرة من مصائر الآخرين، ولو صدرت منهم زلة فإنهم يسعون إلى ألا تتكرر منهم ويعملون على تداركها، ومن خلال اعتقادهم بكون نظام التكوين والتشريع مبنيين بنحو حكيم، وبحكمة الأهداف التي وضعها الخالق الحكيم لهم، تجد أنهم يسعون جاهدين إلى عدم الغفلة عن ذكر الله والتفكر في صنعه، ويرددون هذه النجوى في قلوبهم، ويتغنون دائما بـ : {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران: 190، 191].
إن الأشخاص الذين اعتادوا على الحياة الحيوانية ولا يفكرون إلا في تناول الطعام والمتع والملذات، ومستعدون لكل شيء حتى التعدي على حقوق الآخرين عندما يتعلق الأمر بإرضاء هوى أنفسهم وتحقيق رغباتهم، وعندما يواجهون مشاكل وكوارث مثل الفيضانات والزلازل، تجد أنهم يتسخطون من الله؛ أما الأشخاص الذين يدور فكرهم حول مدار الإنسانية، فإنك تجد أنهم أكثر اهتماما بهذه الأحداث وينظرون إليها نظرة عميقة، ويرجعون ما يحدث في العالم إلى حكمة نظام الخلق وغايته، وإلى التدبير الإلهي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ السيد محمد حسين الطباطبائي، الميزان في تفسير القران، ج 18، ص 172 و173.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة