هناك عدد من الأسباب التي تؤدي إلى عزلة الأطفال تتمثل في الأمور التالية:
1- المعاملة السيئة مع الطفل
ان المعاملة السيئة التي تصدر من الأبوين ازاء طفلهما وكانت تتمثل بالعنف والضرب وخاصة إذا كانت أمام الغرباء سوف تؤدي تلك المعاملة السيئة بالطفل إلى تراجع تقدير الذات وتشويه الصورة الذاتية للطفل، أي إن الطفل إذا واجه ضرباً وعقوبة جسدية من الأبوين فانه سوف ينظر الى نفسه على أنه إنسان ناقص غير سوي فاقد لأبسط مكونات الشخصية، وبالتالي يتكوّن مفهوم سلبي عن ذاته مما يؤدي به إلى الشعور بالتفاهة والحقارة وستتولد حالة من الجبن والخنوع في نفسه. وهذا ما يدفعه الى أن ينعزل عن أفراد المجتمع ولا يحبّ التفاعل والإختلاط بهم، ولهذا نجد أن الأئمة من أهل البيت (عليهم السلام) نهوا عن ممارسة التعنيف بالأولاد وضربهم فقد جاء في الحديث أن رجلاً شكا الى الإمام موسى بن جعفر مشاكسة إبنه وهل يجوز له أن يستخدم أسلوب الضرب لنهيه عن ذلك؟ فرد عليه الإمام (عليه السلام) قائلاً: ((لَا تَضْرِبْهُ وَاهْجُرْهُ وَلَا تُطِل))(1).
لقد بين الإمام في هذا الحديث درساً تربوياً هاماً، وهو استخدام أسلوب الهجران والإعراض عن الطفل بحيث يشعر الطفل بالخطأ بدلا من إستخدام أسلوب العنف والضرب، ويعتبر هذا الأسلوب من الأساليب الناجحة التي تجعل الأبناء يشعرون بأخطائهم، ويحسبون حساباً لتصرفاتهم، فالهجران شعور نفسي يسبب ألماً للأطفال وبالتالي يعطي درساً تربوياً في تعديل السلوك بشكل إيجابي، ثم أضاف الإمام في حديثه عدم إطالة الهجران وأن لا يستمر إعراضه طويلاً وذلك لئلا يترك جرحاً نفسياً عميقاً في نفوس الأبناء ويخرج عن تأثيره الإيجابي، فمضمون الهجران هو أن نجعل الطفل يشعر بالخطأ الذي فعله.
وكذلك إذا تعرض الطفل الى معاملة تتسم بالسخرية من قبل المعلم أو الأصدقاء والأقران فسوف يفقد الثقة بنفسه ويكره معاشرة أصدقائه وهذا ما يجعله أيضاً الى مقاطعة أفراد المجتمع والأصدقاء وهذا هو السبب الغالب في إنعزال الأطفال في المدارس، فإنّ أكثر الأطفال الذين يقضون أوقاتهم المدرسية في العزلة والوحدة، ويحاولون الإبتعاد من زملائهم في المدرسة إنّما سببه التعامل والتصرفات المسيئة والمخزية التي توجهت إليهم من قبل بعض المعلمين أمام أصدقائهم، وهكذا بسبب الإستهزاء والسخرية التي تلقوها من زملائهم، فإنّ جميع تلك التصرفات تترك أثراً سلبياً في نفس الطفل بحيث تؤدي به إلى عدم الثقة بالنفس، وبالتالي الإبتعاد عن معاشرة الآخرين وإختيار العزلة والوحدة.
2- الخلافات الأسرية
الأسرة ولاسيما الوالدين يمثلان العامل الأهم والأساسي في عزلة الأطفال عن الأصدقاء والأقران والمجتمع بصورة عامة، فإن الاطفال الذين يشاهدون تشاجر الأبوين، وعدم إحترام أحدهما للآخر، ويعيشون أجواءً مشحونة بالخلافات والمشاكل داخل المنزل، سوف يفقدون قدرة التواصل مع الآخرين.
يقول الدكتور سپوك: إنّ العيادات النفسية تشهد آلاف الحالات من الناس الذين نشأوا وسط ظروف عائلية مليئة بالخلاف الشديد، ان هؤلاء الابناء يشعرون في الكبر بأنهم ليسوا كبقية البشر، وتنعدم فيهم الثقة بالنفس، فيخافون من اقامة علاقات عاطفية سليمة ويتذكرون ان معنى تكوين أسرة هو الوجود في بيت يختلفون فيه مع طرف آخر ويتبادلون معه الاهانات(2).
وقد وضع الاسلام منهجاً متكاملاً من أجل تحجيم وانهاء الخلافات والتشنجات بين الزوجين، أو التقليل من تأثيراتها النفسية والعاطفية على الأطفال وذلك من خلال خطوات ثلاث:
الخطوة الأولى: تعميق المودة والرحمة داخل الاسرة قال الله تعالى {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم: 21].
الخطوة الثانية: إلتزام كل واحد من أفراد الأسرة برعاية وأداء حقوق الآخرين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ... الرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ فَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى أَهْلِ بَيْتِ بَعْلِهَا وَوُلْدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُم))(3).
الخطوة الثالثة: إستخدام ثقافة التسامح والتغافل داخل الأسرة خاصة بين الزوجين يقول الإمام الصادق (عليه السلام): ((صَلَاحُ حَالِ التَّعَايُشِ وَالتَّعَاشُرِ مِلْءُ مِكْيَالٍ ثُلُثَاهُ فِطْنَةٌ وَثُلُتُهُ تَغَافُلٌ))(4).
فإذا رأى كل واحد من الزوجين ما يكرهه من الآخر فليتغافل عنه وليسامحه قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ((مَنْ لَمْ يَتَغَافَلْ وَلَا يَغُضُّ عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ تَنَغَصَتْ عِيشَتُه))(5)، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ((مَنْ صَبَرَ عَلَى سُوءِ خُلُقِ امْرَأَتِهِ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنَ الْأَجْرِ مَا أَعْطَى أَيُّوبَ عَلَى بَلَائِهِ))(6).
فإن الإلتزام بهذه الخطوات الثلاث تنهي الإنفعالات والإضطرابات التي يلاقيها الأطفال من خلافات ومشاجرات الآباء، لأن الطفل سوف يتعلم هذه المهارة من الأبوين فإنّ الأبوين بسلوكهما وحسن تعاملهما مع البعض ومعاشرتهما الطيبة مع الآخرين سوف يدربون الطفل - من حيث لا يشعرون- مهارات التواصل الإجتماعي والتفاعل والمعاشرة مع الآخرين، وسيواصل الطفل انتهاج هذه الأخلاق الإجتماعية التي تربّى وتعود عليها داخل المنزل، وبالتالي يصبح الولد إنساناً إجتماعياً يحبّ معاشرة الغير والتواصل معهم.
إن التجارب أثبتت نجاح هذا الأسلوب في تكوين الشخصية الإجتماعية للطفل، وهو القدرة على ممارسة العلاقات الإجتماعية مع الآخرين، على الأسلوب الشائع بين الناس في إكراه وإجبار الطفل على اللعب مع أقرانه خارج المنزل أو كثرة النصح له على ذلك، فقد أكدت الدراسات التربوية الحديثة على فشل هذه الطريقة، وحذرت من آثارها السلبية التي تترسب في نفسية الطفل وتثير فيه حالات من الإضطراب والعناد و... وقد جاء في أحاديث أهل البيت (عليهم السلام) التأكيد والحثّ على دعوة الناس من خلال العمل قبل دعوتهم بالنصيحة والموعظة قال الإمام الصادق (عليه السلام): ((كُونُوا دُعَاةً لِلنَّاسِ بِغَيْرِ أَلْسِنَتِكُمْ لِيَرَوْا مِنْكُمُ الْوَرَعَ وَالِاجْتِهَادَ وَالصَّلَاةَ وَالْخَيْرَ فَإِنَ ذَلِكَ دَاعِيَةٌ))(7).
وقال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): ((مَنْ نَصَبَ نَفْسَهُ لِلنَّاسِ إِمَاماً فَلْيَبْدَأُ بِتَعْلِيمِ نَفْسِهِ قَبْلَ تَعْلِيمِ غَيْرِهِ وَلْيَكُنْ تَأْدِيبُهُ بِسِيرَتِهِ قَبْلَ تَأْدِيبِهِ بِلِسَانِهِ وَمُعَلِّمُ نَفْسِهِ وَمُؤَدِّبُهَا أَحَقُّ بِالْإِجْلَالِ مِنْ مُعَلِّمِ النَّاسِ وَمُؤَدِّبِهِم))(8).
3ـ الإنشغال بالإجهزة والألعاب الكترونية
من الأسباب التي لها دور في إبتعاد الأطفال عن المحيط الإجتماعي، وفقدهم لمهارات التواصل الإجتماعي، هي الآلات والوسائل التكنلوجية الحديثة، فقد تعوّد الكثير من الأطفال في هذا العصر على اللعب بهذه الوسائل والألعاب، بحيث ملأت كل وقته، ومنعته عن التواصل مع الآخرين.
يجب أن ينتبه الوالدان إلى خطورة كثرة اللعب بهذه الآلات وما تتركه من آثار سلبية على جسم الطفل وروحه، فإنّ الكثير من هؤلاء الأطفال يشعرون في أغلب الأوقات بالملل والتعب النفسي، ولا يحبون العشرة والتواصل مع أقرانهم، فهم يشبهون المدمنين على تعاطي المخدرات، حيث لا يستطيعون مفارقة تلك الأجهزة والألعاب الإلكترونية ومتى ما فرغوا من واجبهم المدرسي أو غيره من الواجبات الأخرى، إنشغلوا بتلك الأجهزة والألعاب.
4ـ النقص الجسمي في الطفل
من العوامل التي تدفع الأطفال الى أن يتجنبوا التواصل في علاقاتهم الإجتماعية مع الآخرين، هو وجود العاهات الجسمية والخلل العضوي فيهم مثل حول العينين، أو النقص في الرجلين ممّا يجعل الطفل يعرج حين المشي أو التلعثم في النطق والكلام، فإنّ جميع هذه العيوب تدفع الطفل الى أن يتجنّب العلاقات الإجتماعية، ويرفض قبول الصداقة مع زملائه وأقرانه، وذلك لما يشعر به من النقص والحقارة في نفسه أمامهم، أو يخشى من السخرية والإستهزاء التي قد توجه اليه من قبلهم، فيحاول أن يبتعد عن هؤلاء ويختار العزلة والوحدة، وبذلك ستضعف علاقاته الإجتماعية.
5ـ خوف الآباء على الأطفال
يعتبر خوف الآباء على أولادهم من العوامل التي تضعف قدرات ومهارات التواصل الإجتماعي لدى الأولاد، فإنّ الكثير من الآباء لاسيما اولئك الذين يهتمون إهتماماً بالغاً بتعليم أولادهم وتربيتهم وفق المنهج الإسلامي، الذي يدعو إلى الأخلاق الحسنة والإبتعاد عن الممارسات الأخلاقية السيئة، فإن هؤلاء الآباء يمنعون أولادهم من الإختلاط بالبيئة والمحيط الذي يعيشون فيه وينهونهم عن التواصل والتفاعل واللعب مع أولاد بيئتهم، خوفاً من أن يتعلموا منهم الأخلاق السيئة فتنتقل إليهم التصرفات والسلوكيات القبيحة والكلمات والعبارات البذيئة التي قد تصدر عن اولئك الأولاد، وهذا الأمر يؤثر على القدرات الاجتماعية للطفل ويدفعه إلى إختيار العزلة حتى في مراحل عمره المتقدمة.
فقد أثبتت الدراسات العلمية والنفسية أنّ لعب الأطفال مع أقرانهم خارج المنزل، وبعيداً عن أنظار الوالدين، يساعد بشكل كبير على تنمية الطفل إجتماعياً ويعينه على معرفة طرق حل المشاكل واجتياز الصعوبات. إضافة إلى ذلك، أنّ الإنسان صغيراً كان أو كبيراً يحتاج إلى صاحب وصديق يعاشره ويستأنس به يقول الإمام الصادق (عليه السلام) ((إِنَّ أَحَداً لَا يَسْتَغْنِي عن النَّاسِ حَيَاتَهُ وَالنَّاسُ لَا بُدَّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْض))(9).
إن الإختلاط بالآخرين والتواصل مع أفراد يختلفون في طبائعهم وسلوكهم وأخلاقهم، يساعد الطفل على معرفة الأطباع المتنوعة لمن تعيشون حوله، وعلى تمييز الإنسان الجيّد عن الإنسان السيء ليختار لنفسه من بين تلك الطبائع والخلقيات المختلفة أسوة مناسبة يقتدي به، وهذا الأمر قد لا يجده الطفل من خلال اللعب في المنزل، أو مع أفراد الأسرة أو أولاد الأرحام الذين ينتحون منحاه، بل لابد للحصول على تلك التجارب من ممارسة اللعب والنشاط مع سائر الأطفال. وهذا ما كان عليه النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) فقد كان يلعب مع الغلمان والأطفال.
وقد روي أنه (صلى الله عليه وآله) كان يمارس اللعب مع أقرانه وهو إبن تسعة سنين ويناضلهم بالنبل ويصارعهم وهو في الخامسة عشر من عمره فقد جاء عن ابن عباس أنه (صلى الله عليه وآله) كان يُقَرَّبُ إِلى الصبيان تَصْبِيحُهم فيختلسون ويَكُف ويُصبحُ الصبيان غُمْصاً، ورمصا ويصبح صَقِيلًا دَهِينا(10).
وفي رواية أخرى رواها إبن قولويه في كامل الزيارات قال: ((أَنَّهُ خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) إِلَى طَعَامٍ دُعِيَ إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ بِحُسَيْنٍ (عليه السلام) يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَاسْتَقْبَلَهُ النَّبِيُّ (صلى الله عليه وآله) أَمَامَ الْقَوْمِ ثُمَّ بَسَطَ يَدَيْهِ فَطَفَرَ الصَّبِيُّ هَاهُنَا مَرَّةً وَهَاهُنَا مَرَّةً وَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يُضَاحِكُهُ حَتَّى أَخَذَهُ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقَنِهِ وَالْأُخْرَى تَحْتَ قَفَائِهِ وَوَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ وَقَبَّلَهُ ثُمَّ قَالَ: حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنَا حُسَيْنُ سِبْطُ مِنَ الْأَسْبَاطِ))(11).
فعلى الوالدين أن يتأملا في الآثار الإيجابية التي تترتب على مخالطة أولادهم مع أقرانهم خارج المنزل، وليعلما إن تلك المعاشرة وإن كانت لا تخلو من السلبيات إلّا أنّ آثارها الإيجابية تفوق تلك السلبيات، ولكي لا يقلق الآباء على أولادهم ويحافظوا على أخلاقهم وثقافتهم الدينية والإسلامية ويحافظوا على سلوكهم الإنساني ننصحهم أن يستخدموا أسلوباً آخراً بدلاً من أن يمنعوا أولادهم من معاشرة الآخرين والإختلاط بهم، وهو أن يؤسسوا لعلاقة حميمة فيما بينهم وبين أولادهم، ولتكن تلك العلاقة علاقة محبّة وصداقة بحيث يشعر الأولاد بالقرب من الأبوين ويحدثونهما بما يحدث لهم مع أصدقائهم من سلوك حسن أو سيئ، فيقوم الآباء بتوجيه أولادهم وتبيين ماهي التصرفات أو الألفاظ الجيدة التي ينبغي أن يستخدموها، وماهي التصرفات السيئة التي لا ينبغي العمل بها.
6- التمييز بين الأطفال
رغم تأكيد الدين الإسلامي على التزام العدالة والمساواة في التعامل مع الأبناء، الا اننا نجد بعض الآباء يميز بين أبنائه، ويُفرّق فيما بينهم في المعاملة والمحبة والرعاية والاهتمام. ولاشك أن هذه التفرقة والتمييز يترك آثاراً سلبية على الأولاد، فإنّ الطفل إذا وجد أنّ الأب يفضّل إخوته عليه، ويحسن إليهم أكثر ممّا يحسن إليه، سوف يشعر بعدم الثقة بنفسه ويصاب بالإكتئاب، كما أنه يزرع بينهم روح الكراهية والبغضاء، ويؤدي بهم إلى العداء المستحكم، واتخاذ الموقف غير السليم، وهذا ما يدفع بالطفل الى أن يختار الوحدة والعزلة.
وقد كانت سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) وأهل البيت (عليهم السلام) جارية على تكريم جميع الأولاد على حدّ سواء فقد ورد عن جابر ابن عبد الله الأنصاري أنه قال ((كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله)، جَالِساً فِي الْمَسْجِدِ إِذْ أَقْبَلَ عَلِيٌّ (عليه السلام) وَالْحَسَنُ عَنْ يَمِينِهِ، وَالْحُسَيْنُ عَنْ شِمَالِهِ فَقَامَ النَّبِيُّ وَقَبَّلَ عَلِيّاً وَلَزِمَهُ إِلَى صَدْرِهِ، وَقَبَّلَ الْحَسَنَ أَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ، وَقَبَّلَ الْحُسَيْنَ وَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ، ثُمَّ جَعَلَ يُقَبِّلُهُمَا وَيَرْشِفُ(12) شَفَتَيْهِمَا، وَيَقُولُ: بِأَبِي أَبُوكُمَا وَبِأُمِّي أُمُّكُمَا ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَاهَى بِهِمَا، وَبِأَبِيهِمَا وَأُمِّهِمَا وَبِالْأَبْرَارِ مِنْ وُلْدِهِمَا الْمَلَائِكَةَ جَمِيعًا ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُمَا))(13).
وعن عبد الله بن عباس قال: ((كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ (صلى الله عليه وآله) وَعَلَى فَخِذِهِ الْأَيْسَرِ ابْنُهُ إِبْرَاهِيمُ وَعَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٌّ وَهُوَ تَارَةً يُقَبِّلُ هَذَا وَتَارَةً يُقَبِّلُ هَذا))(14).
وقد نهى عن تكريم بعض الأولاد دون البعض الآخر فقد كان ذات يوم جالساً مع أصحابه إِذْ جَاءَ صَبِيٌّ حَتَّى انْتَهَى إِلَى أَبِيهِ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ فَمَسَحَ رَأْسَهُ وَأَقْعَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى قَالَ: فَلَبِثَ قَلِيلًا فَجَاءَتِ ابْنَةٌ لَهُ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَيْهِ فَمَسَحَ رَأْسَهَا وَأَقْعَدَهَا فِي الْأَرْضِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله): فَهَلَّا عَلَى فَخِذِكَ الْأُخْرَى، فَحَمَلَهَا عَلَى فَخِذِهِ الْأُخْرَى فَقَالَ (صلى الله عليه وآله): الْآنَ عَدَلْتَ))(15).
والعدالة بين الأطفال لا تعني عدم التفضيل بينهم، فبعض الأطفال يكونون أكثر جاذبية من بعض من قبل الوالدين، فلا بأس حينئذ بالتفضيل ولكن يجب أن يكون التفضيل مستورا لا يظهراه أمامهم ويحتفظان به في مشاعرهم القلبية، أما في الواقع فلا يعملان إلا بالعدالة والمساواة، كما قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) ((قال والدي: وَاللَّهِ إِنِّي لَأُصَانِعُ بَعْضَ وُلْدِي وَأُجْلِسُهُ عَلَى فَخِذِي (وَأُفْكِرُ لَهُ فِي الْمِلْحِ) وَأُكْثِرُ لَهُ الشُّكْرَ وَإِنَّ الْحَقَّ لِغَيْرِهِ مِنْ وُلْدِي وَلَكِنْ مَخَافَةٌ عَلَيْهِ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ لِئَلَّا يَصْنَعُوا بِهِ مَا فَعَلُوا بِيُوسُفَ إِخْوَتُه))(16).
وفي رواية رواها رفاعة الأسدي قال: ((سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ بَنُونَ وَأُمُّهُمْ لَيْسَتْ بِوَاحِدَةٍ أَيُفَضِّلُ أَحَدَهُمْ عَلَى الْآخَرِ قَالَ نَعَمْ لَا بَأْسَ بِهِ وَقَدْ كَانَ (عليه السلام) أبي يُفَضّلُنِي عَلَى عَبْدِ اللَّهِ))(17).
_______________________________
(1) بحار الأنوار: ج 101 ص 99.
(2) تربية الطفل في الإسلام: ص 18.
(3) مجموعة ورام: ج 1 ص 6.
(4) تحف العقول: ص 359.
(5) تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم: ص 451.
(6) مكارم الأخلاق: ص 213.
(7) الكافي: ج 2 ص 78.
(8) نهج البلاغة [صبحي صالح]، ص 480.
(9) كتاب الأمالي للمفيد: ص 186.
(10) بحار الأنوار: ج 15 ص 338.
(11) کامل الزيارات: ص 53.
(12) رشف الماء: مصّه بشفتيه.
(13) الروضة في فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): ص153.
(14) مناقب آل أبي طالب: ج 4 ص 81.
(15) تربية الطفل في الإسلام: ص 126.
(16) تفسير العياشي: ج 2 ص 166.
(17) من لا يحضره الفقيه: ج 3 ص 483.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة