البدع التي أتى بها عمر
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج3/ص105-108
2025-12-01
43
يروي الطبريّ في تاريخه بسلسلة سنده المتّصل عن عمران ابن سواء قال: «صلّيتُ الصبح مع عمر فقرأ سُبحانَ[1] وسورة معها، ثمّ انصرف وقمت معه، فقال: أحاجةٌ؟ قلتُ: حاجة. قال: فالحق، قال: فلحقت، فلمّا دخل، أذن لي، فاذا هو على سرير ليس فوقه شيء، فقلت: نصيحة، فقال: مرحباً بالناصح غدوّاً وعشيّاً. قلت: عابت امّتك أربعاً. قال: فوضع رأس درَّته في ذقنه، ووضع أسفلها على فخذه، ثمّ قال: هات.
قلت: ذكروا أنَّك حرّمت العمرة في أشهر الحجّ، ولم يفعل ذلك رسول الله، ولا أبو بكر رضي الله عنه وهي حلال. قال: هي حلال ولَو أنَّهُمْ اعْتَمَرُوا في أشْهُرِ الْحَجَّ رَأوها مُجْزِيَةً مِن حَجِّهمْ فَكَانَت قَائِبَةَ قَوبِ عِامِهَا فَقُرعَ حَجُّهُمْ وهُوَ بَهاءٌ مِن بَهاءِ اللهِ، وقَدْ أصَبْتُ[2].
قلتُ: وذكروا أنَّك حرّمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.[3] قال: إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحلّها في زمان ضرورة، ثمّ رجع الناس إلى السَّعة، ثمّ لم أعلم أحداً من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها. فالآن من شاء، نكح بقبضة وفارق عن ثالث بطلاق، وقد أصبتُ.
قلتُ: واعتقتَ الأمَة إن وضعت ذا بطنها بغير عتاقة سيّدها. قال: ألْحَقْتُ حُرمَةً بِحُرمَةٍ وما أرَدتُ إلّا الْخَيْرَ وأسْتَغْفِرُ اللهَ[4].
قلتُ: وتشكو منك نهر الرعيّة وعنف السياق. قال: فشرع الدرَّة ثمّ مسحها حتى أتى على آخرها، ثمّ قال: أنَا زَميلُ مُحَمَّدٍ- وكانَ زامِلَهُ في غَزوَةِ قَرقَرَةِ الْكُدرِ- فَوَ اللهِ إنِّي لأرتِعُ[5] فَاشْبِعُ، وأسْقي فَأرْوي، وأنْهَزُ اللَّفُوتَ، وأزْجُرُ الْعَرُوضَ، وأذُبُّ قَدْري، وأسُوقُ خَطْوِي، وأضُمُّ الْعَنُودَ، والْحِقُ الْقَطُوفَ، واكْثِرُ الزَّجْرَ، واقِلُّ الضَّرْبَ، وأشْهَرُ الْعَصَا، وَأدْفَعُ بِاليدِ، لَو لا ذَلِكَ لأعْذَرتُ[6].
قال: فبلغ ذلك معاوية فقال: كان والله عالماً برعيتهم.
يلاحظ في هذه الرواية أنَّ عمر يبدي رأيه علناً فيما يلي:
أوّلًا: يستصوب أحكاماً ابتدعها من نفسه وطبّقها خلافاً لأحكام رسول الله، ويقول: قد أصبتُ.
ثانياً: يعتبر نفسه زميل النبيّ أي رديفه وفي درجته، ويقول: أنا لي رأيي كما أنَّ للنبيّ رأيه واجتهاده.
[1] يعني الآية: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ...} حتى آخر الآية، وقرأ سورة كاملة بعد سورة الحمد.
[2] القوب بمعنى الفرخ، والقائب هو ذو القوب، فالبيضة التي فيها فرخ تسمّى قائباً والمقوب هو البيضة التي خرج منها الفرخ. ولمّا كان عمر يرى أنَّ الحجّ يكون بالإحرام من الميقات، ولا يعتبر الإحرام من مكّة بعد عمرة التمتّع كافياً. وكذلك فإنَّه اعترض على رسول الله في حجّة الوداع بعد تبديل حجّ الإفراد بعمرة التمتّع والحجّ الذي يلزمه الإحرام من مكّة، إذ إنَّه بعد دخول مكّة والتمتّع يظلّ الحجّاج معرّسين بأزواجهم تحت شجر الأراك ورؤوسهم تقطر ماءً من غسل الجنابة. فقال النبيّ: هذا أمر الله وليس مِنّي. لذلك فإنَّ عمر كان يرى الحجّ فقط بالإحرام من الميقات. والإحرام من مكّة بعد عمرة التمتّع غير صحيح عنده. وكان يقول: إنَّ الحجّ لا يكون بعد التمتّع بالنساء بعد العمرة، فهذا حجّ ناقص. والحجّ هو أن يتوجّه الحجيج إلى عرفات شعثاً غبراً، أو أنَّهم إذا جاءوا إلى مكّة فلا يتمتّعوا ويصبروا على الإحرام حتى يحين موسم الحجّ. لذلك فإنَّ من جاء بعمرة التمتّع فإنَّ مثل عمرته كمثل البيضة التي يخرج منها الفرخ فتبقى بدونه. ولو جاء أحد بعمرة التمتّع فما له في هذه السنة إلّا تلك العمرة وحجّه غير صحيح. ولمّا كان الحجّ بهاء من بهاء الله، لذلك يجب الإحرام للحجّ من الميقات. وفي هذه الحالة فقد اعتبر عمرة التمتّع حراماً. وجعل الحجّ منحصراً بحجّ الإفراد. فالذين يحجّون حجّ الإفراد يخرجون من مكّة بعد إتمامه، ويحرمون من مسجد التنعيم أو الجعرانة، ويأتون إلى مكّة، ويقومون بالعمرة المفردة، كما إنَّ عائشة عند ما كانت في حيضها وأرادت أداء الحجّ أمرها النبيّ أن تذهب إلى مسجد التنعيم لأداء العمرة وتحرم من هناك ثمّ تأتى إلى مكّة للقيام بالعمرة المفردة. هذا هو المعنى المفهوم من كلام عمر إذ صرّح علناً بأنَّ عمرة التمتّع حرام لأنَّها تخلّ بالحجّ، والحجّ بهاء من الله. لكنّ ابن الأثير في كتابه اللغويّ، يفسّر كلام عمر بشكل آخر. قال في «النهاية» في مادّة قوب: وفي حديث عمر: «إن اعتمرتم في أشهر الحجّ رأيتموها مجزئةً عن حجّكم فكانت قائبة قوب عامها». ضرب هذا مثلًا لخلوّ مكّة من المعتمرين في باقي السنة، يقال: قيبت البيضة فهي مقوبة إذا خرج فرخها منها، فالقائبة البيضة، والقوب الفرخ، والمعنى أنَّ الفرخ إذا فارق بيضته لم يعد إليها وكذا إذا اعتمروا في أشهر الحجّ لم يعودوا إلى مكّة. وذكر صاحب «لسان العرب» هذا الكلام نفسه، ولا يخفى فإنَّ عمر لا يقصد هذا المعنى المذكور. وهؤلاء أرادوا أن يبرّروا كلامه بتفسيرهم. فهو يصرّح بأنَّ الحجّ يُقرَعُ وهو بهاء الله. والعمرة قائبة القوب، أي: البيضة مع فرخها لتلك السنة، وعند ما يخرج الفرخ، تخلو البيضة، فلم يعد هناك حجّ في تلك السنة، وهذا خلاف النصّ النبويّ ولا يقبل التبرير وذلك لأنَّ الأشخاص الذين كانوا يحجّون في عصر النبيّ، لهم أن يحرموا من مسجد التنعيم بلا فصل، وشرط حجّ الإفراد هو أن لا يعتمروا بعده، بل يعتمروا في أيّام السنة الاخرى كي لا تخلو مكّة من المعتمرين.
[3] لعلّ معنى «ونفارق عن ثلاث بطلاق» هو أن نتركها بعد ثلاثة أيّام من الاستمتاع.
[4] جاء في روايات أهل البيت أنَّ سنّة النبيّ تقول بأنَّ الأَمَة إذا ولدت من سيّدها وصارت امّ ولد تعتق بعد موت سيّدها من إرث ولدها. أي: أنَّ الإرث يصل إلى ولدها لا محالة. ولمّا كان الولد لا يستطيع أن يكون مالك امّه، فإنَّها تعتق لا محالة. أمّا في حياة سيّدها، فلا تُعتق ما لم يُعتقها سيّدها طوعاً. ولكنّ عمر يقول: ألحقتُ حرمة بحرمة وما أردت إلّا الخير حتى لو كان ذلك مخالفاً لرسول الله.
[5] أرتع من باب الافعال. لذلك فإنَّ معنى أرتع فاشبع أنَّي أرعى القطيع وأشبعه كناية عن أنَّني راع صالح لرعيّتي (أرْتَعَ الدابَّةَ: جَعَلَهَا تَرتَعُ).
[6] ذكر الطبريّ في تاريخه هذه الرواية عن عمر في ج 3، ص 29. ورواها صاحب «الغدير» في ج 6، ص 212 عن الطبريّ، وعن ابن أبي الحديد في شرحه ج 3، ص 28. نقلًا عن الطبريّ وابن قتيبة. وذكرها صاحب تفسير «الميزان» في ج 4، ص 316. عن الطبريّ، وعن ابن أبي الحديد في شرحه نقلًا عن ابن قتيبة.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة