آداب الزفاف
المؤلف:
د. رضا باك نجاد
المصدر:
الزواج من العقد الى الزفاف
الجزء والصفحة:
ص43ــ47
2025-11-11
39
يقال في تعريف المسلم: بأنه من أقر أصول الدين إيماناً منه بها لا تقليداً وأنه يلقي بزمام تقصي الحقائق في فروع الدين إلى ما يستنبط من الأوامر والدساتير التي وضعها الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) فيأخذ بها دون نقاش أو ريب (إلا اذا تيقن في بعض الحالات من كون الحديث مجعولاً نسب إلى الرسول (صلى الله عليه وآله))، إذ ان الرسول (صلى الله عليه وآله) والائمة الأطهار (عليهم السلام) من بعده لم يتركوا جانباً من جوانب الحياة إلا وقد سنّوا له من القوانين ما ينير درب المسلمين فرداً فرداً، أخذوها عن القرآن الكريم أو استلهموها من علمهم الذي وهبه الله لهم. خلافاً لغير المسلم، إذ أنه في حيرة من أمره فيما يفعل ليلة زفافه فإما يأخذ ما يراه صواباً بنظر الاعتبار أو يقلد سنة آبائه وأجداده في ذلك وينحو كل امرئ منحاه الذي يحدده طابع تعامله وعلاقته بالعروس فليس هنالك من أحكام وافية تهديه في هذا المضمار. فانظر إلى شرح أي من الجزئيات ذهب اليها الإسـلام حـتـى قـال النبي (صلى الله عليه وآله) لصهره وعزيزه الإمام علي المرتضى (عليه السلام) يوصيه:
((يا علي إذا أدخلت العروس بيتك فاخلع خفها حين تجلس واغسل رجليها وصب الماء من باب دارك إلى أقصى دارك فإنك إذا فعلت ذلك أخرج الله من دارك سبعين ألف لون من الفقر وأدخل فيها سبعين ألف لون من الغنى وسبعين لوناً من البركة وأنزل عليك سبعين رحمة ترفرف على رأس عروسك حتى تنال بركتها كل زاوية في بيتك وتأمن العروس من الجنون والجذام والبرص أن يصيبها ما دامت في تلك الدار. وامنع العروس في أسبوعها من الألبان والخل والكزبرة والتفاح الحامض))(1).
إن أدنى آثار هذه المبادرة تترتب على الأثر النفسي الذي ينبثق من احترام الزوج لزوجته وهي الخطوة الأولى على سبيل إسعاد العائلة وتثبيت أسس الكيان الأسري. وأما عن غسل القدمين فهو دليل الاحتفاء بالعروس، ورش الدار بما يتبقى من الماء فإنه تفعيل لحوافزها نحو إدارة شؤون البيت وترصين مركزها القيادي في الأسرة وتعزيز نفسيتها ومعنوياتها بأسلوب جذاب يكمن فيه ضرب من الإعلام المشوب بالاحترام بغية شد أواصرها بحصنها لأنها (المرأة) منذ تلك اللحظة تشعر بنوع من الهدوء والتعلق ببيتها وأسرتها نظراً لما تلقته من الزوج مـن إحسان واحتفاء يمنحها بل ويعم عليها بالشعور بالارتياح العصبي وهذا ما يردعها أبداً أن تتصور أنها مصابة بالهيستيريا مثلاً وتأمن الجذام والبرص والجنون، وقد نستلهم من الحديث النبوي الشريف هذه الحقيقة العلمية وهي أن منشأ الحالات الآنفة الذكر (الجذام والبرص وصرب من الجنون) هو عصبي إذ تسببها الإنفعالات النفسية العارمة التي تسود في العوائل ذات الطابع العصبي. يجدر بالذكر أن الأسر الملتزمة بالتعاليم الاسلامية تستند دوماً إلى قانون نظام إلهي موحد لن تشهد أبداً الإنفعالات النفسية والاضطرابات المرضية.
أوصى الرسول (صلى الله عليه وآله) علياً (عليه السلام): «فاخلع خـفها» بينما أُمـر النبي موسى (عليه السلام) عندما أتى جبل طور ((فاخلع نعليك))، وبما أن احتذاء النعلين لا يقتصر على عهد النبي موسى (عليه السلام) كما شرحت ذلك في المجلد "18" فالخف إذن هو ما تحتذيه العروس وهذا يعني أن الرسول أوصى الأزواج بخلع حذاء الزوجة في ليلة الزفاف فقط.
والمنع من تناول الحليب والكزبرة والخل والتفاح الحامض موضوع تم إستبانته في المجلدات السابقة إذ وضحنا ما للكزبرة والخل من دور في انخفاض معدل سكر الدم ودور الحليب ومشتقاته أو الخل في إصابة النساء بالبرود الجنسي. عجباً عجباً من اعتناء الرسول (صلى الله عليه وآله) بالقضايا الطبية، العضوية (الفسيولوجية) والنفسية (السيكولوجية) منها على حد سواء عندما يحث العريس لبذل مساعيه في سبيل الإعراب عن الاحتفاء بالعروس بهدف اشعارها بمودته ورأفته عليها من ناحية، ومن ناحية اخرى يحدد المأكولات والمشروبات التي من شأنها أن تدفع المرأة لصد الرجل عن نفسها أو بروز أدنى انزعاج في هذا المجال.
ونلخص من هذا الحديث أن النبي الكريم (صلى الله عليه وآله) يـوصي العـريـس بالتزود بسلاح الحفاوة والرفق والمجاراة والاحترام إزاء العروس ويأمر العروس بالتمكين والاستسلام للرجل ومفتاح هذه المتطلبات معدنه العوامل النفسية والغذائية التي يتحكم بها الزوج. ولترسيخ أسس هذه القاعدة أجاب رسول (صلى الله عليه وآله) على سؤال أحدهم حول المؤمن والمنافق قائلاً: ((المنافق يأكل أهله بميله والمؤمن يأكل بميل أهله)).
تمعن أيها القارئ إلى الوضع الذي آلت إليه حياة المرأة في الاسلام وقد ذاقت ما ذاقته قبل بزوغ فجره، إنها نالت من الاهتمام ما جعل رسول الله يأبى على الرجل أن يحدد نوع الطعام الذي ستتناوله الأسرة في ذلك اليوم كما يشتهيه هو عندما يخرج صباحاً من الدار، وينسب هذا السلوك إلى المنافق. وهنا يعني منع الزوجة من تناول الخل والكزبرة والتفاح الحامض امتناع الزوج نفسه عن تناولها وهي ما ينجم عن تناولها إصابته بالعجز والبرود أثناء الانتصاب وفي قوة الباه عنده وإثارة إنزعاج الزوجة بأسلوب غير مباشر، وكم هي الدروس التي يتعلمها أتباع الدين الإسلامي الحنيف بشكل إيحائي من حديث واحد من أحاديث رسول الله (صلى الله عليه وآله).
وعند دخول العروس غرفتها يتحتم على العريس أن يتبعها على الفور لأن استطالة انتظار العروس يثير هواجسها في احتمال عدم ارتياح الزوج لها وأن تأخره ربما يعود لندمه على اختياره لها، ويعرضها لضغوط نفسية محرجة وتقيس العروس حب الزوج لها أو نفوره منها بمدى تأخره في الالتحاق بها.
يتوجب على العريس أن يلقي التحية والسلام على العروس، سلاماً يضمن لها السلم والسلامة وحتى إسلامية التناسل. ولهذا الاحتفاء السمعي دور تقييمي خارق لدى العروس بالضبط كما تتمتع قراءة الأذان والإقامة في أذني الوليد بأهمية كبيرة.
إن العروس تبحث عمن يشغل مكانة أبيها في حياتها الجديدة فيطرق سمعها صوت لم تألف سماعه في بيتها السابق، فقد اعتادت أن تبادر هي لإلقاء التحية على أبيها.
هنا نرى أنه ليس من الإنصاف والتقدير أن نهمل ونحن نتحدث عن موضوع السلام ذكر هذه القضية وهي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو أول من بادر إلى إلقاء التحية على ابنته وأنه كان يقبل يديها إعلاناً عن حبه لها. أجل لقد أثبت رسول الله (صلى الله عليه وآله) احترامه لابنته عملياً بهذا النمط بعدما أشـار علمياً إلى ذلك بتسميتها (أم أبيها) ومن الطبيعي أن يقبّل المرء يدي امه فيتحد الجانبان في نظرة الاسلام التقديرية للمرأة.
على أية حال يبدأ العريس حياته الزوجية بكلمة تستخدمها الملائكة لاستقبال أهل الجنة عند قدومهم إليها.. {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر: 73]، وهي كلمة تثبت السكينة والهدوء في القلوب وفيها جانب تلقيني يوحي باحترام العروس والاحتفاء بها.
وبعد دنو العريس من العروس وتلو الارتباط الاحتفائي السمعي ينبغي أن يركن العريسان إلى الاحتفاء البصري وأن يلخص كل منهما الحياة والإنسال والمستقبل برمته بما يقرأه في عيني الآخر، عليهما أن يتحادثا بنواظرهما ويفصحا لبعضهما بما يعجز اللسان عن التعبير عنه وما تقصر الكلمات عن أدائه من معانٍ، وأن يعتادا على تفويض مسؤولية التعبير عما يعجزان عن النطق به إلى العيون وفي خضم هذه الارتباطات السمعية والبصرية يجب أن يبادر الزوجان إلى إعداد الأرضية لتساميهما عليها بأن يسبغا الوضوء بل يردا الغرفة متوضئين) كي يوجها وجهيهما
صوب القبلة مقيمين الصلاة.
____________________________
(1) مكارم الأخلاق، ص 209.
الاكثر قراءة في مقبلون على الزواج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة