أعمال ليلة الزفاف
المؤلف:
د. رضا باك نجاد
المصدر:
الزواج من العقد الى الزفاف
الجزء والصفحة:
ص82ــ85
2025-11-08
66
اخترت هذا العنوان لما فيه من قوة استقطاب إذ سيكون هذا الموضوع أول بحث يتطرق لقراءته الشاب المتطلع للزواج بمحض توجهه لمطالعة الكتاب والتفاته للفهرس المنضد.
وموضوع القراءة يتبع كغيره من شؤون الحياة وقضاياها قانون العرض والطلب حيث يزداد إقبال المؤلفين على الكتابة حول أي موضوع كلما ازداد الطلب على قراءته من قبل القراء.
ورغم تأكيدي على القول بأن الزفاف يعني الإسراع ولكن السؤال الذي يطرح بهذا الشأن هو ما المقصود بالإسراع؟ أهو وجوب الاقتران والمضاجعة ليلة الزفاف أم يؤدي معناه تهالك العريس الاختياري والإجباري معاً نحو العروس وتأثر العروس كذلك بحالة الإسراع هذه؟ لقد أهمل العلم عدة قضايا مثيرة للاهتمام فيما يخص ثقافة نشأة ونمو الأطفال، ومنها تكلم الطفل.
إننا نجد أن الطفل وهو في بداية طور التكلم يحسن استخدام تصاريف الأفعال مثل: إذهب، إذهبوا، تعال، تعالوا، جئنا و... فيا ترى كيف يتعلم الطفل هذا الأمر الهام تلقائياً؟ كلنا نعلم أننا نجهل حقيقة هذا الأمر. وكذلك العلائق والرغبات العارمة التي تبرز بـيـن العريسين جبراً وخياراً بمجرد قراءة صيغة عقد الزواج بينهما وهي رغبات ينسب الله تعالى أمر ظهورها إلى ذاته ولو تساءلنا عن نمط تبلورها بهذه السرعة بينهما فستأتينا الإجابات لتثبت أن الجميع يجهلون حقيقة هذه القضية.
ان هذه المشاعر المنبثقة من القلوب هي المودة والرحمة التي سبق التحدث عنها مراراً، إنها هبة إلهية لا يمنحها غيره سبحانه وتعالى. لاحظنا جميعاً أن معدل ولادة البنين في أي بلد عانى ظروف الحرب وإبادة الذكور ترتفع بنسبة كبيرة لسنين متتالية، ولو تعرضت إناث نوع حيواني ما في منطقة شاسعة إلى الإبادة الجماعية تزداد ولادة الإناث بشكل كبير بعد ذلك ولسنين طوال والسؤال المطروح هنا: كيف يتم ذلك؟ لا أحد غير الله يعلم. ونعني بالرغبة التفويضية والإجبارية التي أشرنا إليها ما يجمل في توقع الزوج من الزوجة وكذلك الزوجة من الزوج أي ما فوض إليهما من أمر اللذة الجنسية المتأتية من حرية كل منهما في اختيار الآخر وحريتهما في سياق التناسل والإنجاب وهي حرية جبلا عليها ولا بد من تبلورها حيث يولد الذكور وهم يكتنفون جبراً رغبة وشهوة إزاء الإناث وتهيج هذه الرغبة عندهم مع بداية إفراز الهرمونات الجنسية.
والجماع شأنه شأن التغذية التي يتمتع الإنسان بحريته فيها منذ إقباله على الطعام وحتى بلوغه البلعوم من الجهاز الهضمي، إنها نهاية حريته، له أن يبلع الأكل أو يمتنع عن ذلك، وهكذا النكاح يكون في خيار الإنسان في بادئ الأمر وعليه أن يتأهب لحسن التصرف في هذا المضمار، وهنا يظهر دور الهداية والتسلح بها (جاء في آيات الذكر الحكيم {يهدي إليه من أناب})، وكذلك تأثير الضلال والتأهب لمواجهة وساوسه {وما يضل به إلا الفاسقين}. وقد بعث جميع الأنبياء والمرسلين بغية تنظيم هذه الحريات حيث لا يكون لهم أي دور مؤثر أو حاسم في نمط العمليات القسرية من قبيل هضم، تمثل، استقلاب، وطرح الفضلات بعد بلع الطعام أو انقسام النطفة وتحولها إلى جنين بعد انعقادها لأن جميع الكائنات مفطورة عليها تلقائياً.
والعقل الذي تشير إليه الأحاديث بصفته الرسول الثاني في حياة الإنسان ليس من شأنه ولا يسعه التحكم في الأفعال القسرية حيث تدور فاعليته مثل الرسل حول محور النشاطات والأعمال المفوضة إلى الإنسان ولكنه إلى جانب تمتعه بالشعور والعقل اللذين يعينانه على تمييز الخير عن الشر فإنه بحاجة إلى الإرشاد والهداية أي أن الرسول الثاني (العقل) ينشط في سياق تفطين الإنسان لدور الرسول الأول (الرسل والانبياء الالهيين) في حياته.
إن جماع وتناكح الحيوانات أمر اتوماتيكي حيث ينعدم الفاصل الزمني بين لحظة يهم الحيوان فيها بقرينه ومبادرته لرفثه بينما ينهى رسولنا الأول (النبي الكريم محمد (صلى الله عليه وآله) المسلمين عن مثل هذا الفعل.
والحيوان الذي يسع الإنسان مشاهدته أثناء جماعه هو الطير إذ تراه يهبط من السماء ليقع على أنثاه ويواقعها في نفس اللحظة ثم ينهض فوراً ليواصل طيرانه. وقد أشار النبي محمد (صلى الله عليه وآله) إلى هذا المثال ناهياً الإنسان عن التمثل بالطيران بقوله: ((... فلا يأتهنّ كما يأتي الطير..)).
ورسولنا الثاني أي العقل الفاعل في مجال الحريات يقضي في إطار خيارنا فيما فوض إلينا من شؤون اللذة الجنسية وأن هنالك أموراً جبل عليها الإنسان في هذا النطاق. إذن من شأن العقل أن يدلنا ما إذا كانت الحكمة تستوجب أن يقع اختيارنا على التمهل في المضاجعة تأجيجاً لنار الشهوة أو التعجل وعدم التريث في المبادرة للمواقعة؟ هنا نستشعر الحاجة إلى معلومات علمية تأخذ بيدنا لاتخاذ القرار المناسب، ويشير الإعجاز الالهي في القرآن الكريم إلى تطابق العقل والعلم والدين وتوافقها جميعاً فيما تذهب إليه وأن ترسيخ أحدها يؤدي لا محالة إلى تعزيز الآخرين وتكريسهما {...وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت: 43]، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 282].
الاكثر قراءة في مقبلون على الزواج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة