العلاقة بين الفساد الإداري والجريمة المنظمة
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 78-82
2025-10-29
77
أولاً: تعريف الجريمة المنظمة
تعرف الجريمة المنظمة Organized Crime أنها (أية جماعة من الأشخاص تقوم بحكم تشكيلها بارتكاب أفعال غير مشروعة بصفة مستمرة، وتهدف أساساً إلى تحقيق الربح دون التقيد بالحدود الوطنية) (1).
أو هي: جماعة مشكلة من أكثر من شخصين تمارس مشروعاً إجرامياً ينطوي على ارتكاب جرائم جسيمة لمدة طويلة أو غير محددة، ويكون لكل عضو مهمة محددة في إطار التنظيم الإجرامي، وذلك بهدف الحصول على السطوة أو وتحقيق الأرباح، وتستخدم عند اللزوم في ارتكاب الجريمة العنف وغيره من وسائل التخويف وممارسة التأثير على الأوساط السياسية والإعلام والإدارة العامة والهيئات القضائية والاقتصادية) (2).
أما اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية لسنة 2000 فقد عرفتها في م/2 بأنها: (جماعة ذات بناء هيكلي تتكون من ثلاثة أشخاص فأكثر ثابتة لفترة من الزمن لارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الجسيمة أو الجرائم المنصوص عليها في هذه الاتفاقية بغرض الحصول مباشرة أو بطريق غير مباشر على مزايا مالية أو منفعة أخرى) (3).
كما أعتمد غالبية الفقه الأمريكي على تنظيمات المافيا المستقرة في الولايات المتحدة الأمريكية في تعريف الجريمة المنظمة، ومن ثم يرى أنها جماعات سرية أو على الأقل معزولة على هامش المجتمع لها سلطة مركزية وتقوم على أساس عائلي، وتسيطر على الأسواق غير المشروعة، وقيل أيضاً أن الجريمة المنظمة هي نقابة الجريمة من طابع المافيا، وقد اتبع جانب من الفقه الايطالي هذا النهج (4) . ويؤخذ على هذه التعريفات أنها تضيق من نطاق الجريمة المنظمة، فهي في الوقت الحالي تشمل تنظيمات إجرامية عديدة ومتباينة ولا تنحصر في جماعات المافيا التقليدية، ويرى جانب من الفقه أن الجريمة المنظمة هي (جماعات ذات بناء هيكلي ومتدرج مكونة من مجرمين محترفين يخضعون لقواعد ملزمة تحكم المشروعات الإجرامية التي يحتكرونها عن طريق استخدام العنف المنظم) (5).
وقد توصل الباحثون إلى وجود عدد من الخصائص التي قد يتوافر بعضها أو تجتمع جميعها في نشاط جماعات الجريمة المنظمة وأهمها:
1- تمتد علاقة المشتركين في هذه الجماعات لفترة من الزمن.
2- السعي لتحقيق الربح من خلال الوسائل غير المشروعة.
3- الاعتماد على الإرهاب والعنف لتحقيق الأهداف داخل المجموعة أو خارجها.
4- إفساد المسؤولين والموظفين العموميين إحدى أدوات تحقيق النشاط الإجرامي.
5- العمل على زيادة الأرباح عن طريق التحايل على دفع الضرائب والممارسات الاحتكارية للأعمال، كما تستخدم نفوذها الفاسد لاختراق وتخريب أنشطة الأعمال المشروعة.
6- اللجوء إلى غسيل الأموال من أجل زيادة الأرباح وحمايتها (6).
ويؤكد البعض على أن الجريمة المنظمة توجد في أي مكان لكنها تنتشر في البلدان ذات المؤسسات السياسية الضعيفة، حيث يستفيد رجال المافيا من مساعدة وحماية المسؤولين والسياسيين الفاسدين (7). وللجريمة المنظمة علاقة وطيدة بجريمة غسل الاموال ، فاذا كان تحقيق الربح هو الدافع لأغلب أنماط الجريمة المنظمة، فإن الاحتفاظ بالقدر الكبير من الأموال ذوات المصدر غير المشروع لا يتأتى إلا إذا تم التمويه على مصدره من خلال عمليات غسل الأموال التي تمثل اليوم نشاطاً حيوياً لجماعات الجريمة المنظمة، اذ تسمح بالإبقاء على المنظمة وتوفير رأس المال اللازم لعملها والقيام بالاستثمارات وتدعيم قوتها ونفوذها وتحقيق مزيد من الثروة والأمن لها (8).
وتعتبر ظاهرة غسل الأموال من صور الجرائم الاقتصادية وهي ترتبط بالجريمة المنظمة، وان كانت الأخيرة أكثر اتساعاً وشمولاً ومن أمثلتها جرائم المخدرات والإرهاب وتهريب السلاح (9).
إن اختراق الأسواق المالية ومحاولات الجريمة المنظمة التحكم في القطاعات الاقتصادية الوطنية عن طريق غسل عائداتها غير المشروعة تمثل أحد أبرز المخاطر على النظم المالية الوطنية وعلى المجتمع الدولي، كما أن مكمن الخطر في عمليات غسل الأموال التي تقوم بها جماعات الجريمة المنظمة يتمثل في أن هذه الجماعات أضحت لا تكتفي بإخفاء ثرواتها وعوائدها المغسولة، بل أصبحت تلجأ الى التواجد بشكل مشروع ومعلن داخل المجتمع من خلال الدخول في أنشطة اقتصادية متنوعة لا تعتمد فيها على العنف وتحقق من خلالها العديد من المزايا(10).
وإذا كان غسل الأموال يدعم ويقوي جماعات الإجرام المنظم، فأن لانتشار الفساد الإداري والسياسي دوراً أكبر في حماية هذا النوع من الإجرام، ذلك أن إفساد الجهاز الحكومي إنما يعد أهم أدوات الجريمة المنظمة لضمان حمايتها وتجنب اكتشافها وتسهيل نشاطها فهو جزء من استراتيجيتها ومخططها، وتعتبر جماعات الجريمة المنظمة الأموال التي تدفعها كرشوة من قبيل الاستثمار الذي يزيد من فرص نجاحها، ويقلل من مخاطر كشفها من جانب السلطة القائمة على تطبيق القانون وتحاول جماعات الجريمة المنظمة نشر الفساد من خلال الفساد المؤسسي بإفساد المسؤولين الذين لديهم نفوذ وخاصة القائمين بتنفيذ القانون وأعضاء السلطة القضائية، أما الفساد العملي فيتعلق بأنشطة وأهداف محددة ويصعب التنبؤ به لأنه انتهازي بالضرورة وفي بعض الأحيان يصعب وضع خط فاصل بين النوعين، وفي سبيل تحقيق هذا الهدف تستخدم جماعات الجريمة المنظمة آلياتها وعائداتها غير المشروعة، بل وتلجأ أحياناً إلى ابتكار أعمال غير مشروعة جميع لتستطيع من خلالها دعم برنامجها ألإفسادي، حيث تستخدم العائدات غير المشروعة في الرشوة وترسيخ النفوذ لتدعيم أنشطتها وأهدافها، بينما تستخدم الأعمال المشروعة لتوفير حوافز ومكافآت كشكل من أشكال الرشوة المستترة، ومن خلال ذلك تتغلغل الجريمة المنظمة في نسيج المجتمع وتمارس نفوذا على العمليات السياسية، ويكمن الخطر في قيام المسؤولين العامين الفاسدين بكسر القواعد لخدمة تلك المصالح غير القانونية (11).
ويصدق ذلك على العلاقة بين الجريمة المنظمة والفساد على المستوى العالمي، حيث أن كل سلوك ينطبق عليه تعريف الفساد هو عمل مخالف للقانون سواء كان مصدر هذا القانون معاهدات ومواثيق دولية أم قوانين محلية، إلا أنه ليس كل سلوك فاسد يدخل في أطار الجريمة المنظمة، فقطاع الأشغال العامة ومشاريع البناء التي تشترك في تمويلها شركات ومؤسسات أجنبية، وكذلك الصفقات التي تتعلق بقطاع الدفاع وشراء الأسلحة، وهي من أكثر القطاعات الجاذبة للفساد، حسب الدراسات الميدانية لمنظمة الشفافية العالمية(12)(Transparency International) فعلى الرغم من أثرها على اقتصاد بعض الدول ومؤسساتها، فأنها لا تدخل في أطار الفساد المرتبط بالجريمة المنظمة، فلقد نمت الجريمة المنظمة التي تدخل في أطار الفساد عبر الحدود في ظل التطور التكنولوجي والعولمة، وهناك بحوث ودراسات ميدانية تظهر علاقة انتشار الجريمة المنظمة على الصعيد الدولي بتطور وسائل الاتصالات الالكترونية التي سهلت الاتصال بين منظمات الجريمة المنظمة وفي سرعة نقل الأموال بين الدول، وكذلك التغيير الذي حصل على الصعيد السياسي والاقتصادي والاجتماعي فقد كان له أثر مهم في انتشار الجريمة عبر الحدود، فتسهيل القيود التجارية خاصة في الدول النامية، وزيادة حجم التجارة المشروعة أمنت غطاء وأسواقاً للبضائع غير المشروعة. إن الاتفاقيات التي رافقت عمليات الدمج والتحرك الاقتصادي والمالي كالتي ترعى علاقات دول الوحدة الأوربية أو اتفاقية التمويل والتجارة بين دول أمريكا الشمالية (NAFTA) وسواها من الاتفاقيات المتعلقة بالتجارة والاستثمار سواء كانت ثنائية أم متعددة الأطراف سهلت زيادة حجم التجارة المشروعة وكذلك انتقال رأس المال والعمال بين الدول، إلا أنها خلقت فضلا عن ذلك فرصاً للقيام بعمليات مخالفة للقانون، فيرى ( Peter Andreas) مثلاً أن تطبيق العولمة الذي ينتج عن اتفاقية (نافتا) كان له تأثير مباشر في زيادة انتشار الجريمة المنظمة عبر الحدود في المكسيك، وذلك بسبب تسهيل وتحرر المعاملات التجارية من دون توفر الإجراءات والضوابط القانونية الكافية، ويرى آخرون أن ما تبع انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في أوروبا الشرقية من تحلل من ضوابط وقيود في العلاقات التجارية والمالية التي رافقت تبني سياسة الاقتصاد الحر ربما كان من أهم الأدلة على نمو الجريمة المنظمة عبر الحدود نتيجة انتشار العولمة(13).
وهذا ما حدث في العراق بعد الاحتلال عام 2003 حيث دخل مرحلة جديدة من الانفتاح على العالم بصورة مفاجئة من خلال وسائل الإعلام والاتصالات وتحرير التجارة ورفع القيود على السفر والتنقل، ورافق ذلك فراغ دستوري وقانوني لفترة طويلة، وفراغ أمني تمثل في عدم ضبط الحدود وسهولة دخول الأشخاص والأسلحة وما الى ذلك، الأمر الذي مكن الكثيرين من تنفيذ عمليات إجرام منظم. نستنتج من ما تقدم أن للفساد علاقة وثيقة وتبادلية مع الجريمة المنظمة، لذلك يتطلب الأمر النظر الى الجريمتين على حدٍ سواء من حيث الخطر فكلتاهما تشكل تهديداً لكل جوانب الحياة، وهما يشتركان معاً في دائرة إجرامية واحدة، لذلك ندعو السلطة التشريعية الى المصادقة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والتي دخلت حيز النفاذ بتاريخ 29 ايلول 2003.
__________
1- تعريف الندوة الأولى التي عقدها الإنتربول حول الإجرام المنظم في فرنسا في مايس 1988، ثم أعاد تعريف الجريمة المنظمة بعد اعتراض بعض الدول المشاركة على أنها ( أية جماعة من الأشخاص لها بناء تنظيمي وتهدف إلى تحقيق الربح بالطرق غير المشروعة وتستخدم عادة التخويف والفساد )، وقد أضاف هذا التعريف عنصري البناء التنظيمي واستخدام العنف والفساد كوسائل غالبة للجماعة الإجرامية المنظمة للمزيد :أنظر د. شريف سيد كامل الجريمة المنظمة في القانون المقارن، ط 1 القاهرة، دار النهضة العربية 2001، ص 53.
2- تعريف مجموعة مكافحة المخدرات والجريمة المنظمة في الاتحاد الأوربي عام 1993.
3- اعتمدت هذه الاتفاقية وعرضت للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 25 الدورة 55 في 15 تشرين الثاني 2000 ودخلت حيز النفاذ في 29 / ايلول / 2003.
4- المافيا Mafia هي النموذج التقليدي للجريمة المنظمة، وقد قيلت عدة آراء بصدد التسمية، منها أنها مشتقة من كلمة عربية تعني الملجأ أو الملاذ أو أنها تتكون من الحروف الأولى للعبارة الايطالية: morte alla francia Italia anela وتعني ايطاليا تتمنى الموت لفرنسا وهي عبارة تردد في صقلية سنة ،1282، ورأي ثالث يقول أن كلمة المافيا من القسم الذي كان تؤديه جماعة المقاومة في صقلية ضد الاحتلال، والتي أنشأها Mazzini سنة 1860 ومضمونه أن مازيني يجيز السرقة والحريق والتسميم، ويطلق على المافيا الأمريكية تعبير ( كوزا نوسترا Coosa Nostra ) وهو الاسم نفسه الذي تحمله المافيا الايطالية بصقلية، ويرتبط تاريخ المافيا الأمريكية بالفترة التي هاجر فيها ملايين الايطاليين إلى امريكا ابتداء من سنة 1820، أنظر د. شريف سيد كامل مكافحة جرائم غسل الأموال في التشريع المصري، ط1، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002، ص 33.
5- للمزيد عن الآراء الفقهية بهذا الصدد أنظر د. شريف سيد كامل مكافحة جرائم غسل الأموال في التشريع المصري، ط1، القاهرة، دار النهضة العربية، 2002، ص 62.
6- د. محمود شريف بسيوني، الجريمة المنظمة عبر الوطنية، ماهيتها ووسائل مكافحتها دولياً وعربياً، ط 1، القاهرة، دار الشروق، 2004 ، ص 11 وما بعدها.
7-Control Risk Group Practice in an Imperfect World-Best Business Corruption and Integrity p40،1998،Limited
8- أنظر:- د. محمود شريف بسيوني، الجريمة المنظمة عبر الوطنية، ماهيتها ووسائل مكافحتها دولياً وعربياً، ط 1، القاهرة، دار الشروق، 2004 ، ص26.
9- د. إبراهيم حامد طنطاوي، المواجهة التشريعية لغسل الأموال في مصر، دراسة مقارنة، دار النهضة العربية، 2003، ص6.
10- د. محمود شريف بسيوني، الجريمة المنظمة عبر الوطنية، ماهيتها ووسائل مكافحتها دولياً وعربياً، ط 1، القاهرة، دار الشروق، 2004 ، ص 26 وما بعدها.
11- محمود شریف بسيوني، مصدر سابق، ص 32 وما بعدها.
12- أنظر الموقع: 2003/www.transparency.org/annualreport
13- داود خير الله، الفساد كظاهرة عالمية وآليات ضبطها، ندوة الفساد والحكم الصالح في البلاد العربية التي أقامها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت بتاريخ 20.23 ايلول 2004 منشور في مجلة المستقبل العربي، العدد 309 السنة/27، تشرين الثاني 2004 ، ص 69 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة