الفساد الإداري في العراق في فترة الاحتلال البريطاني
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 31-33
2025-10-26
43
لم تكن فترة الاحتلال البريطاني الفعلية التي استمرت من عام 1917 وحتى تشكيل الحكومة الوطنية برئاسة ( عبد الرحمن النقيب) عام 1920 وتنصيب فيصل الأول ملكاً على العراق عام 1921 مؤثرة في تقليل الفساد أو محاربته بل كانت على العكس من ذلك. فقد انتشر الفساد بشكل كبير وخاصة في الأيام الأولى للاحتلال البريطاني وانسحاب القوات العثمانية وحدوث الفراغ السياسي والأمني والإداري، الأمر الذي أدى إلى انتشار السرقات وأعمال السطو والتخريب فقد أحرق الأتراك بعض المدارس ونهبت الأخرى من قبل الناس، كما أخذ العثمانيون عند انسحابهم السجلات الرسمية لكثير من الدوائر واتلف المتبقي منها، مما خلق فوضى إدارية تطلب معالجتها سنوات وجهوداً استثنائية، وما تمت الاستفادة منه وجد متروكاً مع أكوام الخشب أو كان قديماً بالياً، وقد أبقت قوات الاحتلال البريطاني على النظام المالي الذي كان معمولاً به أيام العثمانيين، لأن الناس قد اعتادوا عليه، إلا أنها قللت أعداد الموظفين الأجانب إلى س حد ممكن، فمن سيئات الجهاز الحكومي التركي كثرة الموظفين، حيث كانت المعاملات تدقق ثم يعاد تدقيقها ويؤخر سيرها في مراحل مختلفة لتتخذ وسيلة لخلق وظائف أخرى، كما أبدلت قوات الاحتلال لغة المعاملات الرسمية من التركية إلى العربية، وقامت ببعض الإصلاحات في الأوقاف الذي كان مصدراً مهماً للأموال المرسلة إلى استانبول، والطابو الذي كان غير نزيه أيضا بسب انتشار الرشوة بين موظفيه وعدم انجاز المعاملات أو تسجيلها دون تدقيق (1) . وقد وصف المستر (ج. لوريمر) المقيم البريطاني في بغداد في يومياته التي كتبها في آذار عام 1910، الحكم العثماني في العراق بما يأتي: ( إن جهاز الإدارة التركي العام لا يلائم العراق من جميع الوجوه تقريباً، وعلى الأتراك أن يعترفوا بأنه جهاز فاشل هنا، وبرغم أن فشله هذا يتضح وضوحاً كافياً فهناك قليل منهم يدرك الأسباب التي أدت إليه، فليس العراق جزءاً متمماً للإمبراطورية العثمانية، لكنه تابع أجنبي من توابعها، وإن حكومته التي يديرها موظفون اعتادوا الجلوس بموجب تعليمات وأنظمة وضعت في اسطنبول لتطبق على بلاد العرب التركية لا يمكن ان تكون حكومة وافية بالمرام على الإطلاق...) (2).
وإذا كنا نتفق مع المستر لوريمر فيما قاله عن الحكم التركي في العراق فنحن نختلف معه، في أنه لم يكن أفضل منهم، كما أن الدافع لهذا القول ليس الإصلاح حسبما نعلم بل هو صراع المصالح الذي أدى من ثم إلى احتلال العراق من قبلهم وإخضاعه إلى الإدارة المباشرة ثم الانتداب والاتفاقيات المعروفة في الأعوام 1922 ، 1930(3) ، وهي المصالح نفسها التي جاءت بهم مع الأمريكان لاحتلال العراق عام 2003.
(ولم يكن نظام الانتداب فاسداً في حد ذاته حسب بل كان نظاماً صعب التنفيذ، فقد اعتبر الوزراء العراقيون مسؤولين أمام برلمان البلاد على حين أنه جردهم من كل صلاحية تمكنهم من تصريف أمور البلاد على النحو الذي يستصوبونه لأن السلطة العليا كانت بيد ممثل حكومة الانتداب في العراق وهو المعتمد السامي، وكان نوابه المستشارون البريطانيون في الوزارات وفي الدوائر الرسمية يهيمنون على القضايا العامة هيمنة تامة فلا يوضع قانون الا بمشورتهم ولا تحل قضية هامة إلا حسب رأيهم ولا يعين موظف كبير إلا بموافقتهم) (4).
إن فترة الاحتلال البريطاني - النظرية - قصيرة نسبياً حيث انتهت عام 1921 عند تأسيس الدولة العراقية وتنصيب الملك فيصل الأول ملكاً عليها (5) ، لكنه من الناحية الفعلية امتد الى تاريخ استقلال العراق ودخوله عصبة الأمم عام 1932 ، ولم ينته النفوذ البريطاني الا بعد عام 1958، لذلك نتناول فترة ما بعد 1921.
____________
1- للمزيد انظر غيرترود بيل المس بيل فصول من تاريخ العراق القريب، ترجمة جعفر الخياط، بيروت، مطبعة دار الكتب، بدون سنة طبع، ص 18 و ما بعدها.
2- غيرترود بيل المس بيل فصول من تاريخ العراق القريب، ترجمة جعفر الخياط، بيروت، مطبعة دار الكتب، بدون سنة طبع ، ص 1.
3- للمزيد عن هذه المعاهدات أنظر أحمد رفيق البرقاوي، العلاقات السياسية بين العراق وبريطانيا 1922. 1932، بغداد، دار الرشيد للنشر ، 1980، ص 7 وما بعدها.
4- أنظر: عبد الرزاق الحسني، تاريخ العراق السياسي الحديث ، 7 ، ج /2 ، دار الشؤون الثقافية العامة، بغداد، 1989، ص3. وعن العراق في ظل المعاهدات أنظر: ص5 وما بعدها.
5- للمزيد عن تتويج فيصل الأول، أنظر خيري أمين العمري حكايات سياسية عن تاريخ العراق الحديث، مكتبة آفاق عربية بغداد ط1، بدون تاريخ، ص 38 وما بعدها.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة