الفساد الإداري في العراق في فترة الحكم العباسي
المؤلف:
صباح عبد الكاظم شبيب الساعدي
المصدر:
دور السلطات العامة في مكافحة ظاهرة الفساد الإداري في العراق
الجزء والصفحة:
ص 22-25
2025-10-29
48
عندما تسلم أبو العباس السفاح الخلافة سنة 132 للهجرة نعى في الكوفة على بني أمية أثرتهم وظلمهم ومما خاطب به الناس قوله :- ( أني لأرجو إلا يأتيكم الجور من حيث أتاكم الخير ولا الفساد من حيث جاءكم الصلاح ) وقد انشغل في إخماد الثورات التي كانت كثيرة في الشام والجزيرة وكانت حياته مفعمة بحوادث القسوة مع بقايا بني أمية ومع غيرهم (1). وقد بني نظام الحكم العباسي من بعده على أساس الوراثة مثلما كان الحكم الأموي(2).
جاء المنصور بعد السفاح وكان مستبداً يباشر الأمور صغيرها وكبيرها وكان ذلك يقلل من أهمية عماله مثل صاحب الشرط والكاتب وغيره، وكان مقتصداً بالنفقات حتى امتلأت الخزينة بالأموال ولذلك ترك لأبنه المهدي ثروة جعلته مدة حكمه هادئ البال ينفق عن سعةً ولا يخشى نفادا(3). ويذكر أن الخليفة المهدي عندما تولى الخلافة أمر بإطلاق من كان في سجن المنصور إلا من كان مطلوباً دماً أو من كان معروفاً بالفساد، كما أنه جلس للمظالم، ونظراً لارتشاء بعض أصحابه صنع بيتاً له شباك حديد توضع فيه الشكاوى وكان يدخله وحده وينظر فيها، وفي عهد هارون الرشيد وصلت الخلافة إلى أرقى درجاتها سلطاناً، وارتفعت فيه حضارة الدولة العلمية والأدبية والمادية، أما من حيث الثروة فقد كان يرد على الخليفة ما يبقى من خراج الأقاليم الإسلامية بعد أن تقضي جميع حاجاتها وقدر بعض المؤرخين ذلك بنحو أربعمائة ألف ألف درهم يدخل كله بيت المال يصرف منه مرتبات الوزراء والباقي يتصرف به حسبما يرى، وكان الرشيد أسمح خلفاء بني العباس بالمال يعطي منه عطاء من لا يخشى فقرأ للشعراء والكتاب وقد جرى على سننه كبار وزرائه وشيوخ دولته وقواده حتى امتلأت الأسفار بذكر عطاياهم التي قد يتردد الإنسان في صحتها، وتلك الثروة العظيمة تتداولها الأيدي حتى زادت ثروة بعض الناس بتلك المدينة واشتد بهم الترف، ويقال إن جعفر بن يحيى بنى قصراً أنفق على بنائه عشرين ألف ألف درهم) (4)
اهتم العباسيون منذ قيام دولتهم بأمر الدواوين وكان لاستئثار الأتراك بالسلطة أثره في تدهور أحوال الدواوين فلم تراع الكفاءة عند اختيار كتابها فجهد بعض الخلفاء إلى أصلاح الدواوين، ولم تكن رواتب كتاب الدواوين هي مصدر الرزق الوحيد لهم فالهدايا والمنح من الرؤساء أو من الناس كانت تشكل أحيانا عند بعضهم جانباً كبيراً من دخلهم كما أن بعض الكتاب استطاعوا عن طريق الرشوة التي تفشت بينهم أن يجمعوا مالاً وافراً (5).
لقد وقعت الخلافة العباسية تحت النفوذ التركي بعد خلافة المعتصم الذي اعتمد على الأتراك وأدخلهم في الجيش العباسي وقد تمادوا في ازدرائهم للخلفاء و واستهتارهم في الحكم وإيغالهم في العمل على إضعاف الدولة. وفي هذه الفترة برزت قوة البويهيين في المشرق وتقدمت جحافلهم إلى العراق في زمن الخليفة المستكفي بالله وكان دخولهم بغداد نقطة تحول كبيرة في سياسة الدولة العباسية فقد وقعت الخلافة تحت وطأة النفوذ البويهي وأستمر حكم البويهيين للعراق من سنة 334 - 447 هـ وبعدها دخل السلاجقة بغداد وأزالوا الحكم البويهي سنة 447 هـ (6).
امتدت أطماع الأتراك بعد أن ازداد نفوذهم إلى السيطرة على منصب الوزارة في عهد الخليفة المستعين وإبعاد وزيره احمد بن الخصيب، واسندوا الوزارة إلى احد قوادهم، وكان تدخلهم سبباً في ضعف الوزارة، كما فقد الوزراء هيبتهم لعجزهم عن أصلاح أمور الدولة بسبب عدم بقائهم في مناصبهم فترة طويلة من جراء سياسة الخليفة المقتدر مع الوزراء وعزلهم، وكان لتنافس رجال الدولة وبذلهم الأموال للحصول على الوزارة أن ضعفت مكانة هذا المنصب فصار من يلي الوزارة يحاول استغلال سلطته لاستعادة ما دفعه من أموال عن طريق مصادرة أموال الوزير السابق والاستيلاء عليها (7).
(وقد فقدت الخلافة هيبتها وقوتها كما فقدت الكثير من ممتلكاتها من الناحية الفعلية مع بقاء الوحدة من الناحية القانونية، حيث استغل المتنفذون والطامعون وأصبحوا يحصلون على تفويض تام بتدبير أقاليمهم فقامت عدة دول داخل الدولة العباسية، وأصبح الخليفة لعبة بيد الأتراك، وساءت أحوال الدولة وتولى في هذه الفترة خلفاء ضعفاء لا قوة لهم وأنصرف معظمهم إلى اللهو والتبذير، فقد بدد المقتدر كل ما جمعه أبوه وأخوه، واضطربت أمور الدولة في عهده خاصة بعد استقالة الوزير علي بن عيسى اذ أصاب الخزانة عجز كبير ولم تعد قابلة لأي أصلاح فأضطر الوزير سليمان بن الحسن إلى بيع الضياع السلطانية التي هي المورد الأول لسد النفقات ولكن هذا المورد لم يكف لسد العجز واستمرت الأحوال مضطربة ولم يبق للخليفة غير بغداد وأعمالها حتى سيطرة البويهيين)(8). ويعلل البعض سبب سقوط الدولة العباسية إلى أن الخلفاء استهواهم النعيم وأبطرهم المال وانغمسوا في الملذات واتبعوا الأهواء والشهوات، وكذلك استخدامهم الأتراك في الحكم، الذين أصبحوا أمراء والقائمين فعلاً على إدارة الدولة، وتدخلوا في كافة الشؤون حتى شؤون الخلافة (9)، وكان ضعف الخليفة المستعصم وانصرافه للهو واللعب سبباً في سقوط بغداد (10).
____________
1- أنظر محمد الخضري بك، الدولة العباسية، تحقيق الشيخ محمد العثماني، دار القلم للطباعة والنشر، بدون سنة طبع، ص 38 و ما بعدها.
2-. أ. د. كمال السيد أبو مصطفى ود أسامة أحمد حماد، في تاريخ الدولة العربية الإسلامية، تاريخ صدر الإسلام والدولة الأموية، مركز الإسكندرية للكتاب، الإسكندرية 2003 ، ص202.
3- يذكر أن أبا أيوب المرياني الذي تولى الوزارة في عهد أبي جعفر المنصور انكشف عليه مبلغ من المال فحمل إلى بغداد وطولب بتسديد مبلغ ثلاثة آلاف دينار ونذر دمه وأمهل ثلاثة أيام، أنظر محمد الخضري بك، الدولة العباسية، تحقيق الشيخ محمد العثماني، دار القلم للطباعة والنشر، بدون سنة طبع ، ص93.
4- أنظر - محمد الخضري بك، الدولة العباسية، تحقيق الشيخ محمد العثماني، دار القلم للطباعة والنشر، بدون سنة طبع ، ص63 وما بعدها.
5- انظر:- د. صفاء حافظ عبد الفتاح، نظم الحكم في الدولة العباسية من أوائل القرن الثالث الهجري إلى دخول بني بويه بغداد، دار النشر والمطبوعات الكويتية، الكويت ،1986، ص 101 وما بعدها.
6- للمزيد أنظر- د. حسين امين تاريخ العراق في العهد السلجوقي، بغداد، منشورات المكتبة الأهلية، 1965 ص 5وما بعدها. وأنظر د. علي إبراهيم حسن التاريخ الإسلامي العام القاهرة، مكتبة النهضة المصرية بدون تاريخ، ص 450 وما بعدها.
7- أنظر د صفاء حافظ عبد الفتاح، مصدر سابق، ص62 وما بعدها.
8- للمزيد أنظر د حسين أمين المصدر السابق، ص 18 و ص 19.
9- انظر: عباس العزاوي تاريخ العراق بين احتلالين، ج1، منشورات الشريف الرضي، مطبعة بغداد، 1935 ، ص 180
10- انظر: د. علي إبراهيم حسن، مصدر سابق، ص471.
الاكثر قراءة في القانون الاداري
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة