التـجارة الخـارجيـة العـربـيـة : فـكـرة تـعريـفيـة
المؤلف:
أ. د. علي مجيد الحمادي
المصدر:
التشابك الاقتصادي بين النظرية والتطبيق
الجزء والصفحة:
ص239 - 242
2025-10-28
35
1-6: التـجارة الخـارجيـة العـربـيـة : فـكـرة تـعريـفيـة
لم يكن مستحسنا النظر الى قطاع التجارة الخارجية بوصفه قطاعاً خدمياً، او توزیعیاً فحسب، بل هو مرآة كاشفة لطبيعة وبنى الانشطة الانتاجية والاستثمارية في المجتمع، ومدى المساهمة الحقيقية لأبنائه في خلق الدخل والثروة، ناهيك عن كونها منفذاً هاماً لالتقاء الامم والحضارات عبر التاريخ البشري(1).
وعلى الرغم من الاهمية المتزايدة للتجارة الخارجية، بيد اننا لا نجد ســـوى نصيباً محدوداً لبلادنا العربية فيها، فلم يبلغ هذا النصيب في التجارة العالمية اكثر من 3.65% عام 1970، ثم يتجه للارتفاع قليلا، ليبلغ 9.05% عام 1980، وينتكس مرة أخرى فيبلغ 3.6% عام 1990 ، واخيراً 3.15 عام 2000، ويظهر أن هذا النصيب يرتهن ببعض الضوابط والمتغيرات التي يتم التحكم بأرضيتها وسقفها عالمياً، كما هو حال الكميات المنتجة والمصدرة من البترول وسواه من المواد الاولية، وارتباط ذلك بموضوع الصادرات وهذا ما تفسره القفزة الواضحة في مساهمة الصادرات العربية في مجمل صادرات العالم، وذلك من 4.6% عام 1970 الى 12.2 عام 1980، اثر التعديلات التي طرأت على أسعار البترول في منتصف السبعينات، كذلك القيام بتطبيق بعض البرامج الانمائية في هذه البلدان والتي تتعرض لاضطرابات شديدة فنلاحظ ان الوزن النسبي للواردات العربية قـد ارتفع الى اكثر من الضعف عام 1980، مقارنة بعام 1970(*). وقد عاد الى دون ما كان عليه في نقطة البدء، وذلك بحدود 2.4% عام 2000 (2)، ويعد استيراد السلع الرأسمالية والوسيطة، وبعض الوسائل التكنولوجية حلقة الوصل بين مشروعات التنمية من جهة، والتغيرات الحاصلة في الاهمية النسبية للواردات من جهة ثانية.
وبخصوص اداء هذه التجارة فلم يكن بأحسن حالاً من اهميتها النسبية في التجارة العالمية، فقد بلغ متوسط معدل نمو الصادرات العربية نحو 8.3% خلال الفترة 1993 - 1997. ثم انخفض الى 2.9% خلال الفترة 1997 - 1999، وقد تحسن في عام 2000 (3).
اما معدل نمو الواردات العربية فقد بلغ 4.6% و 2.5% خلال الفترتين المذكورتين على التوالي.. ونذكر بان هناك معدلات نمو سنوية سلبية قد تخللت هاتين الفترتين اذ بلغ معدل نمو الصادرات العربية 22.4 بين العامين 1997 و1998، على سبيل المثال لا الحصر.
وتواجه التجارة الخارجية العربية مشكلة ذات شقين في مجال التركز أولاهما مشكلة التركز السلعي الشديد (4). ففي نطاق الصادرات تبلغ الأهمية النسبية للوقود المعدني 72.5% و 71% في العامين 1996 و2000 على الترتيب، تلي ذلك المنتجات الصناعية الأخرى بنسبة قدرها 14.5%، ثم تندرج المواد الكيماوية، والآلات والمعدات والمواد الغذائية، والمواد الخام وسلع غير مصنعة على التوالي. وقد انحصرت مساهمتها جميعا بين 50% و5% في العام الأخير نفسه، وهذا يعكس حقيقة اختلال هيكل الصادرات العربية واعتمادها على تصدير سلعة اولية واحدة بصورة مكثفة. ويتجسد اختلال بنية التجارة الخارجية العربية (عموماً) في تنوع قائمة الواردات العربية التي يتصدرها استيراد الآلات ومعدات النقل والمنتجات الصناعية الأخرى، والمواد الغذائية والمشروبات.. وبوزن نسبي قدره 34.7% و 28.3 % و14.1% على الترتيب عــام 2000. وبعد ذلك تتسلسل المواد الكيمياوية والوقود المعدني، والمواد الخام، والسلع غير المصنعة، وتتراوح مساهمات هذه الفقرات الاستيرادية بين %3.3 و 8.2%. ان هذا التنوع في الواردات مقابل التركز في الصادرات يعزز حالة انكشاف الاقتصادات العربية على العالم الخارجي(5).
اما الشق الآخر للتركز فهو ذلك التركز المعبر عن اتجاه التجارة الخارجية العربية وارتباطها الشديد بالدول الصناعية، وبالذات مجموعة دول الاتحاد الاوروبي التي احتلت المقام الاول في مجالي الصادرات والواردات، اذ بلغ وزنها النسبي في هذين المجالين نحو 27.9 % و42.1 % في عام 2000 على الترتيب ويلي المجموعة كل من اليابان ودول شرق اسيا والولايات المتحدة ودول جنوب شرق اسيا.
ان هذا التركز يدفع الى تعميق درجة الانكشاف والالحاق والتأثر الواضح بالمتغيرات الحاصلة في تلك الاقتصادات، وبخاصة اذا ما علمنا بان الية التجارة الدولية تقوم على التفاوض" Negotiation " ، ولكن ( عملياً) لم يفهم التفاوض بقصد خلق فرص لترسيخ مناخ افضل من العلاقات ذات الطبيعة الاستراتيجية بيننا وبينهم، بل اصبح سباقا تنافسيا يهدف الحاق الهزيمة بالطرف الاقل قدرة (6)، والقدرات التفاوضية العربية معروفة بتواضعها. وهذا ما يسبب الضرر بتبادلها التجاري، ويوثق ارتباطها واندماجها العمودي مع المحيط الدولي دون الالتفاتة الحقيقية للتكامل التجاري الافقي "Horizontal Integration" بين الاقتصادات العربية ويكرس روح التنافس فيما بينها (7).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) د. عبد العزيز ياسين السقاف، انخفاض التبادل التجاري العربي - العربي: اسبابه وابعاده، مجلة الاقتصاد العربي، س 10، 1986، ص 141.
(*) بلغ 2.7% عام 1970.
(2) International Monetary Fund; Direction of trade statistics year book, 2001.
(3) صندوق النقد العربي واخرون التقرير الاقتصادي العربي الموحد، ابوظبي 2001، ص170.
(4) الاسكوا، مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الاسكوا، نيويورك، 1999، ص 76.
(5) د. اسامة المجذوب، العولمة الاقليمية ومستقبل العالم العربي في التجارة الدولية، الدار المصرية - اللبنانية - ط 1/ القاهرة، 2000.
(6) د. محمد عبد الرشيد علي، استراتيجية التفاوض مع منظمة التجارة العالمية، المؤتمر الاول لكلية الاقتصاد والعلوم الادارية، جامعة الزرقاء، اب 2000، ص 41.
(7) د. تقي عبد سالم، معوقات انسياب السلع الغذائية المصنعة في الاسواق العربية، الاقتصاد العربي، بغداد، س 10، 1986، ص 102.
الاكثر قراءة في التحليل الأقتصادي و النظريات
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة