التاريخ والحضارة
التاريخ
الحضارة
ابرز المؤرخين
اقوام وادي الرافدين
السومريون
الساميون
اقوام مجهولة
العصور الحجرية
عصر ماقبل التاريخ
العصور الحجرية في العراق
العصور القديمة في مصر
العصور القديمة في الشام
العصور القديمة في العالم
العصر الشبيه بالكتابي
العصر الحجري المعدني
العصر البابلي القديم
عصر فجر السلالات
الامبراطوريات والدول القديمة في العراق
الاراميون
الاشوريون
الاكديون
بابل
لكش
سلالة اور
العهود الاجنبية القديمة في العراق
الاخمينيون
المقدونيون
السلوقيون
الفرثيون
الساسانيون
احوال العرب قبل الاسلام
عرب قبل الاسلام
ايام العرب قبل الاسلام
مدن عربية قديمة
الحضر
الحميريون
الغساسنة
المعينيون
المناذرة
اليمن
بطرا والانباط
تدمر
حضرموت
سبأ
قتبان
كندة
مكة
التاريخ الاسلامي
السيرة النبوية
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) قبل الاسلام
سيرة النبي (صلى الله عليه وآله) بعد الاسلام
الخلفاء الاربعة
ابو بكر بن ابي قحافة
عمربن الخطاب
عثمان بن عفان
علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
الامام علي (عليه السلام)
اصحاب الامام علي (عليه السلام)
الدولة الاموية
الدولة الاموية *
الدولة الاموية في الشام
معاوية بن ابي سفيان
يزيد بن معاوية
معاوية بن يزيد بن ابي سفيان
مروان بن الحكم
عبد الملك بن مروان
الوليد بن عبد الملك
سليمان بن عبد الملك
عمر بن عبد العزيز
يزيد بن عبد الملك بن مروان
هشام بن عبد الملك
الوليد بن يزيد بن عبد الملك
يزيد بن الوليد بن عبد الملك
ابراهيم بن الوليد بن عبد الملك
مروان بن محمد
الدولة الاموية في الاندلس
احوال الاندلس في الدولة الاموية
امراء الاندلس في الدولة الاموية
الدولة العباسية
الدولة العباسية *
خلفاء الدولة العباسية في المرحلة الاولى
ابو العباس السفاح
ابو جعفر المنصور
المهدي
الهادي
هارون الرشيد
الامين
المأمون
المعتصم
الواثق
المتوكل
خلفاء بني العباس المرحلة الثانية
عصر سيطرة العسكريين الترك
المنتصر بالله
المستعين بالله
المعتزبالله
المهتدي بالله
المعتمد بالله
المعتضد بالله
المكتفي بالله
المقتدر بالله
القاهر بالله
الراضي بالله
المتقي بالله
المستكفي بالله
عصر السيطرة البويهية العسكرية
المطيع لله
الطائع لله
القادر بالله
القائم بامرالله
عصر سيطرة السلاجقة
المقتدي بالله
المستظهر بالله
المسترشد بالله
الراشد بالله
المقتفي لامر الله
المستنجد بالله
المستضيء بامر الله
الناصر لدين الله
الظاهر لدين الله
المستنصر بامر الله
المستعصم بالله
تاريخ اهل البيت (الاثنى عشر) عليهم السلام
شخصيات تاريخية مهمة
تاريخ الأندلس
طرف ونوادر تاريخية
التاريخ الحديث والمعاصر
التاريخ الحديث والمعاصر للعراق
تاريخ العراق أثناء الأحتلال المغولي
تاريخ العراق اثناء الاحتلال العثماني الاول و الثاني
تاريخ الاحتلال الصفوي للعراق
تاريخ العراق اثناء الاحتلال البريطاني والحرب العالمية الاولى
العهد الملكي للعراق
الحرب العالمية الثانية وعودة الاحتلال البريطاني للعراق
قيام الجهورية العراقية
الاحتلال المغولي للبلاد العربية
الاحتلال العثماني للوطن العربي
الاحتلال البريطاني والفرنسي للبلاد العربية
الثورة الصناعية في اوربا
تاريخ الحضارة الأوربية
التاريخ الأوربي القديم و الوسيط
التاريخ الأوربي الحديث والمعاصر
دور السيد السيستاني في المراحل التدخل الديني في تثبيت نظام الحكم الديمقراطي في العراق
المؤلف:
د. يونس عباس الياسري
المصدر:
موقف المرجعية الدينية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) للمدة (9 ــ 16 حزيران 2014)
الجزء والصفحة:
ص 70 ــ 77
2025-08-22
83
المتابع لحركة المرجعية الدينية في مدينة النجف، والدور الذي قامت به منذ انهيار نظام حكم البعث وللوقت الذي سقطت فيه مدينة الموصل والذي كان يمكن أن يتسبب في دمار كارثي في البلاد، يلحظ بدقة لا يوجد هناك دور لمرجعية دينية أو مؤسسة دينية أو حزب ديني قام بدور مفصلي في تاريخ العراق الحديث والمعاصر، ونال اهتماماً خارجياً وداخلياً مثل ما حققَّته مرجعية النجف في الوقت الراهن.
ومن المعلوم للباحثين في الأنظمة السياسية وكتابة الدساتير العالمية في الدول المختلفة لاسيما في موضوع الديمقراطية ، أن التدخل الديني في هذه الامور المهمة مرفوض بشكل كامل ومنذ قيام الثورة الأمريكية والفرنسية حُجَّمَ الدورُ الديني وقُيدَ بإدارة الكنائس والمساجد بعيداً عن التدخل في الأمور السياسية ، لذلك عندما قامت الولايات المتحدة تحت ذرائع متعددة بأسقاط نظام الفرد الواحد واحتلال العراق ، كانت مُدرِكةً تماماً عدم وجود أي معارضة دينية في إقامة نظام سياسي علماني موالٍ لتوجهاتها وأهدافها السياسية لاسيما والعراقيين كانوا ينشدون التغيير بأي طريق للخلاص من نظام دكتاتوري ظالم .
أعتقدَ الكثير من الباحثين أنَّ الولايات المتحدة لم تكن لديها خطط معدة بشكل جيد لإدارة العراق ما بعد سقوط نظام صدام حسين والحزب الواحد ، وذُكر أنَّ دوائر القرار في الولايات المتحدة الأمريكية كانت تظن أن الحرب في العراق سوف تطول ، والقوات العراقية ستقاوم لمدة من الزمن وهذا يؤدي إلى موجات نازحين من المدن الرئيسية (1)، ولوحظ تخطيط الولايات المتحدة بشكل جيد لقيام مكتب الإعمار والمساعدات الإنسانية للتصدي للكوارث التي يمكن أن تنشأ من جراّء القتال في المدن ، ولكن سرعة سقوط النظام أربك الخطط الأمريكية التي أعدت مسبقاً إدارة عسكرية للعراق بقيادة الجنرال المتقاعد جاي غارنر(2) ، والذي كلف بطلب من مجلس الامن القومي الأمريكي للقيام بالخطط لإيصال المساعدات وتوفير الطاقة الكهربائية والخدمات الأخرى(3) ، وباشر الحاكم العسكري عمله في 18نيسان 2003، وفور وصوله ألحق الكثير من المستشارين بالوزارات العراقية ، ولكن الحكومة الأمريكية وبعد الانهيار السريع للقوات العراقية وعدم مقاومتها قررت تغير خطتها وسحب الجنرال العسكري (4) .
تم تغير غارنر بعد ثلاثة أسابيع من وصوله لبغداد بالحاكم المدني بول بريمر(5) والذي أصدر بيان سلطة الائتلاف المؤقتة رقم (1) في 16آيار 2003 والقائم على اجتثاث البعث وفي اليوم نفسه أجتمع مع مجلس القيادة العراقي الذي ضم القادة السبعة، وفي 23 آيار صدر المرسوم الثاني الذي تضمن حل الكيانات وأهمها وزارة الدفاع والأمن الوطني والحرس الجهوري ... ، وكان من الواضح أن بريمر يريد أنْ يمرّر ما تريده الدوائر السياسية الأمريكية بكل طريقة ، ولغة التهديد والسخرية والاستصغار اتضحت بشكل جلي في مذكراته ، وكان لا يرغبُ في سماع أيِّ معارضة لخططه ولم يكن يتوقع أي معارضة دينية ، وأكد في لقاءاته مع القادة السياسيين الشيعة ، بأنَّ إطاعة الشيعة العراقيين لفتوى مرجعيتهم الدينية القائمة على رفض التعاون مع (الصليبين ) عند دخولهم العراق سنة 1914، أضرَّ بهم وأفاد السنة لتسنمَ نظام الحكم في العهد الملكي والبعثي ، وأبعد الشيعة عن حكم بلدهم والآن (التحرير) يقدم لهم فرصة جديدة بعد ثمانين عاماً ، ونقل بريمر ذلك في لقائه مع الجعفري في مدينة كربلاء وأضاف أنه أخبر الجعفري حول هذا الموضوع ، وأن القطار سيغادر المحطة ويرجع إلى السياسيين أمر الصعود فيه ، وأطلع بريمر وزير الدفاع رامسفيلد عن حديثه مع الجعفري وتساءل رامسفيلد عن رد فعل الآخرين فأخبره بريمر بأنهم سيركبون القطار أيضاً(6).
أول تدخل للمرجعية الدينية في مدينة النجف تبلور في مواجهة النظام السياسي الذي أراد الأمريكيون تنفيذه والقائم على تشكيل مجلس لكتابة الدستور العراقي قائم على التعيين وبتدخل مباشر من سلطة الاحتلال بعدها يطرح للتصويت العام، وكان رد المرجعية صدور بيان من مكتب السيد السيستاني في 26حزيران جاء فيه " أن تلك السلطات لا تتمتع بأية صلاحية في تعيين أعضاء مجلس كتابة الدستور " ودعا إلى انتخابات عامة لكي يختار كل عراقي مؤهل للانتخابات من يمثله في مجلس تأسيس كتابة الدستور (7).
رفضت سلطة الاحتلال معارضة السيستاني للاتفاق وعارضت دعوته للانتخابات وشهدت النجف محادثات بين أعضاء من مجلس الحكم والمرجعية الدينية في محاولة للتأثير على الموقف المعارض بحجة أنَّ الانتخابات تأخَّرُ نقل السلطة للعراقيين (8).
أصرَّ بريمر على مقترح نقل السلطة أولاً ومن ثم مناقشة قضية الدستور، وبعد مناقشة الموضوع في المجلس تم إيفاد عادل عبد المهدي وجلال الدين الصغير لمقابلة السيد السيستاني، فأجاب السيد بعدم وجود مشكلة في تأجيل مناقشة الدستور، وتساءل أطر نقل السلطة ومن يحددها ولمن تنقلُ؟ وفي ذلك الوقت الحرج أُعلِنَ موافقة رئيس مجلس الحكم جلال الطالباني على عقد اتفاقية مع سلطة الاحتلال لإقرار ما عرف بقانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية ، ونص الاتفاق الذي عقد في 15تشرين الثاني 2003 أنْ يُسن قانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية بواسطة مجلس الحكم بالتشاور الوثيق مع سلطة الائتلاف المؤقتة ، ويحدَّدُ فيه نطاق هيكل الإدارة العراقية الانتقالية ذات السيادة ... ، ونقل السيد عبد العزيز الحكيم نص الاتفاق إلى المرجعية الدينية ، فسجلت اعتراضها بالقول إنَّ هذه الاتفاقية لا تمثل الإرادة العراقية لأنّ الجهات المشاركة فيها غير مُنتخبة ، وسوف ينتج عنها مجلس تشريعي انتقالي لا يمثل إرادة العراقيين ... ومن الممكن أن ينتج عنه أزمة في إدارة البلاد ومعارضة شعبية فسلطة الحكم لا تملكُ شرعية حقيقية(9).
دخلت جريدة واشنطن بوست على خط الأزمة عندما وجهت اسئلة عن رأي المرجعية الدينية في قانون إدارة الدولة والاتفاق الذي جرى مع مجلس الحكم، فكان الجواب بوجوب عرض القانون الأساس بعد كتابته على ممثلي الشعب العراقي لإقراره وهم أعضاء المجلس التشريعي وهذا يعني إجراء انتخابات لعموم الشعب العراقي لتعيين مجلس تشريعي (10). وبعد تصاعد الخلاف وظهوره في الصحافة العالمية ذهب السيد الطالباني لمقابلة السيد السيستاني في محاولة لتبديد مخاوفه حول الاتفاق، وبعد انتهاء اللقاء صرح الطالباني بإمكانية تعديل الاتفاق لتبديد مخاوف الزعيم الشيعي وأضاف أنَّ ملاحظات الزعيم الشيعي منطقية وصحيحة ولابد المطالبة بها من كلُّ منصف وغيور على مصالح شعبه ... وأكدَ رغبة المرجعية الدينية في إقامة انتخابات لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية الانتقالية (11).
تمَّ مناقشة اعتراضات المرجعية الدينية في أروقة مجلس الحكم وبسبب استبعاد فكرة التعداد السكاني قُدم اقتراح للإفادة من البطاقة التموينية ، فكلُّ مرشح يجمع أكثر عدد من البطائق يمكن أنْ تؤهله لنيل مقعد في المجلس وهناك من أقترح الحصول على 500 بطاقة تموينية ، ولكن الاقتراح رفض من المرجعية الدينية لأنَّ من شأن ذلك أن يجعلَ البطائق عرضة للبيع والتزوير، وفي مقابلة ثانية مع أعضاء مجلس الحكم أصرَّ السيد السيستاني بالمطالبة بإقامة انتخابات لاختيار أعضاء المجلس التشريعي ، وقدم مقترحاً باللجوء إلى المتخصصين في مجال التعداد السكاني وطلب رأيهم في أمكانية أو عدم أمكانية أجراء الانتخابات وفق التعداد السكاني أو وفق البطاقة التموينية ويمكن اللجوء إلى الاستئناس برأي الأمم المتحدة(12).
ذكر بريمر بعدم وجود دور سياسي للأمم المتحدة في العراق إلا في القضايا الإنسانية ، وفي تلك الأثناء دخلت الجامعة العربية على خط المباحثات ، وبعثت وفداً برئاسة أحمد بن حلي(13) لمقابلة السيد السيستاني في 23كانون الأول 2003وبعد محادثات مهمة ذكرت فيها المرجعية الدينية الدور الذي يقع على عاتق الجامعة في مساعدة العراق لاسيما وهو من المؤسسين لها ، وعقد ابن حلي لقاء صحفياً بعد خروجه من مقابلة السيد تطرق فيه إلى قضية نقل السلطة ، وأثمر اللقاء عن تدخل الامين العام عمر موسى(14) ولقائه بأمين عام المنظمة السيد كوفي عنان(15) ، وطالبه بالتدخل في قضية نقل السلطة ، فأوضح عنان أنَّ الامم المتحدة لا يمكنها التطفل على الاتفاق الذي عقده مجلس الحكم وسلطة الاحتلال لأنه في الأصل لم يؤخذ رأيها أو يشار لها وبذلك لا يمكن التدخل بدون موافقة جميع الأطراف(16).
عُدَ موقف الأمين العام للأمم المتحدة نقطة تحول مهمة أذ أجرتْ مرجعية النجف اتصالات مع الأمم المتحدة وعلمت بإمكانية تدخلها في حال طلب منها مجلس الحكم ذلك، فطالبت المرجعية من مجلس الحكم الاتصال بالأمم المتحدة لإرسال لجنة فنية للتحقق من أمكانية إقامة اجراء انتخابات (17).
في الوقت نفسه أصرَ الحاكم المدني على وجوب موافقة مجلس الحكم على الاتفاق ، وبعد مداولات مكثفة ، أرسل المجلس كل من موفق الربيعي وأحمد الجلبي والسيد عز الدين سليم وممثل عن السيد عبد العزيز الحكيم والجعفري في يوم 3 تشرين الثاني 2003، وبعد اللقاء ذكر مُتحِّدث باسم المرجعية الدينية عدم تخليها عن أجراء الانتخابات إلا في حالة التحقُّق عن طريق لجنة متخصصة ترسلها الأمم المتحدة والبحث عن بديل يقبل به الشعب العراقي، ونتيجة للموقف الثابت للمرجعية قدَّمَ مجلس الحكم رسالة إلى الامم المتحدة في 30 تشرين الثاني 2003بين فيه رغبة المجلس في إيفاد لجنة متخصصة تبحث في أمكانية إجراء انتخابات لمجلس تشريعي ، فرد كوفي عنان برسالة إلى السيد الباجه جي أدعى فيها عدم كفاية الوقت لأجراء الانتخابات وفق الجدول الزمني لنقل السلطة الذي حددته سلطة الاحتلال ، وقام الباجه جي بنقل الرسالة إلى مكتب السيد السيستاني في 11كانون الثاني 2004، فرد السيد بخلاف جواب الامين العام للطلب المقدم ، فالمطلوب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق...ونُقل كلام لأحد أعضاء الوفد للسيد أن هذا الأمر المعقد يمكن أن يحل وفق القاعدة (الميسور لا يسقط بالمعسور) واتفاقية نقل السلطة هي الطريقة الميسورة في الوقت الحالي، رد السيد أننا نطالب للشعب العراقي بأعلى درجات الميسورة وهي الانتخابات لتشكيل مجلس تشريعي وأمَّا الاتفاقية فهي دون الحد الأعلى من الميسور ، وإذا كان رد الأمم المتحدة بعدم إرسال لجنة فأن المرجعية الدينية سوف تخبر الناس والأمة بكل التفاصيل وبعد وقت قصير أصدر مكتب السيد بيان من أهم نقاطه المطالبة بتشكيل برلمان عن طريق الانتخابات(18).
حاول بريمر تجاهل مطالب المرجعية وطالب المجلس المصادقة على الاتفاقية وذكر في أكثر من أتصال مع الإدارة الأمريكية أن السيستاني مُصرُّ على وجوب انتخاب المؤتمر الدستوري بالاقتراع المباشر، وفي حديث آخر بعد لقائه بالسيد حسين الصدر وحثه على قبول فكرة سلطة الاحتلال بانتقاء المؤتمر الدستوري من بين مختلف عناصر الشعب، رغبة منه في أن ينقلها الصدر إلى السيستاني، ولكن بريمر قال بعد ذلك أن السيستاني لم يتزحزح عن موقفه المتصلب وسيؤدي موقفه إلى أبطال خطتنا الأولى للعملية السياسية في العراق (19).
ولكن المجلس شدَّدَ على ضرورة الأخذ بتحفظات المرجعية الدينية واستمر في مناقشة الموضوع بعد أن طرح الباجه جي ما جرى في لقائه مع المرجع الديني، وفي يوم الخميس 15كانون الثاني2004انطلقت مظاهرة في البصرة تطالب بإجراء الانتخابات ومؤيدة لطروحات المرجعية الدينية وأوصلت التظاهرات رسائل واضحة لسلطة الاحتلال وللمجتمع الدولي.
أخذت سلطة الاحتلال ومجلس الحكم التطورات الأخيرة في نظر الاعتبار وطلبت لقاء الامين العام للأمم المتحدة في محاولة للإشراك المنظمة الدولية في العملية السياسية الجارية في العراق وشكل المجلس وفداً ضم الباجه جي وأحمد الجلبي وعادل عبد المهدي، والتقى كل من أحمد الجلبي وعادل عبد المهدي بالسيد السيستاني قبل مغادرة الوفد، فأكد لهم السيد ضرورة الاتفاق على أرسال لجنة لدراسة أمكانية إجراء انتخابات في العراق تكون أساساً لإقامة مجلس تشريعي للفترة الانتقالية المؤقتة.
غادر الحاكم المدني بول بريمر إلى واشنطن في 17كانون الثاني 2004وفور وصوله التقى بوزير الخارجية كولن باول(20) ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد(21) ومستشارة الأمن القومي كوندليزا رايس(22) ، وفي تصريح لافت ذكر بريمر أمكانية قيام واشنطن بأجراء تعديلات على خططها في العراق استجابة للاعتراضات الشيعة وشكك في أمكانية إجراء الانتخابات قبل نقل السيادة ، بعدها عقد اجتماع في يوم 19كانون الأول حضره الأمين العام ووفد أمريكي بقيادة بريمر ووفد بريطاني وأعضاء الوفد العراقي وبعد نقاش لأكثر من ساعتين ، تم الاتفاق على منح الامم المتحدة دوراً في عملية نقل السلطة ، على أن ترسل المنظمة بعثة لمعرفة أمكانية إجراء الانتخابات ، وذكر كوفي عنان أنه يدرس إمكانية أرسال بعثة إلى العراق للتحقق فيما أذا كان بالإمكان إجراء انتخابات وتقديم النصح للعراقيين.(23)
أرسل الأمين العام للأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي (24) مندوباً عنه إلى العراق مع فريق للتحقق من إمكانية إجراء الانتخابات، وبعد المباحثات ولقاء السيد السيستاني قدم الإبراهيمي تقريراً أيّد فيه بشكل جزئي مطالب السيد، واقترح فصل موضوع الانتخابات عن موضوع انتقال السيادة، وتأجيل الانتخابات حتى نهاية 2004، وأوصى بإقامة حكومة انتقالية تتمتع بالسيادة حتى وقت قيام الانتخابات العامة في منتصف كانون الثاني 2005، وقد وافق السيد السيستاني في نيسان 2004(25).
إنَّ معارضة المرجعية للخطط الأمريكية ومُنفذِها بول بريمر وإفشالها على أرض الواقع، كانت واضحة في كتابات بريمر وقد كتب في رسالة إلى زوجته "ياله من يوم مريع ربما تتطورَ هذه الأزمة لتنهي عملي لأنني أستطيع أن أتصورَ الآن أن الإدارة ستخلص أنها لا تستطيع تحقيق أهدافها معي، في حال لم أتمكن من تنفيذ أي من خطتي رغم أن ذلك بسبب السيستاني في كلا الحالتين... لذا فقد وصلنا إلى نهاية اللعبة وحان الوقت استبدال الرامي، ويجدر بالرامي الجديد أن يكون متخصصاً (26).
منذ قضية الإصرار على إقامة انتخابات لاختيار أعضاء المجلس التشريعي، عُرف السيد السيستاني كمدافع عن حقوق الشعب العراقي في إقامة نظام ديمقراطي منتخب، وكان من أول الداعيينَ إلى سَنّ دستور جديد للعراق وتأليف حكومة عراقية وطنية مدنية، قوامها مجلس تشريعي منتخب من الشعب كافة، وتضمُّ جميع الشرائح والطوائف والقوميات، حتى ينهض عراق واحد مستقل يلم شمل الجميع (27).
عُد تدخل السيستاني ومشروعه الذي طرحه بعد عام 2003، مشروعاً عاماً لم يمتاز بالفئوية ولا الطائفية، فهو مبني على تأريخ الحوزة العلمية الفكري والسياسي والذي يمكن أن تجد فيه ما يعجبك وما لا يعجبك إن شئت الدخول في التفاصيل ولكنك لابدَّ الإقرار له بسلامة خطه العام وخياراته، ذلك أن مشروعه في الناس وبالناس ومن أجل الناس، أصحاب الحقوق كما هم مكلفون بتكاليف شرعية، فالأصغاء إلى حقوقهم يشجعهم على الالتزام بما يجب عليهم تجاه الدين والدولة (28).
ومنذ سقوط نظام صدام حسين واحتلال العراق من القوات الأمريكية، لجأ السياسيون إلى المرجعية الدينية للإفادة من آرائها وكان السيد السيستاني يدير الامور بواقعية وحكمه، ولولا هذا الأسلوب الهادئ والرصين لدخلت البلاد في الفتن والحروب والمواجهات الطائفية والقومية، واتباعه أسلوب الفتوى الشرعية المتزنة والعقلانية، أدى بالمرجعية إلى القيام بدورها الحقيقي في حركة الأمة (29).
كانت بياناته دائماً ما تتسم بالطابع الوطني والموجهة لكل العراقيين دون استثناء، ففي بيانه الذي صدر حول الموقف من إنتخابات مجلس النواب المقررة في 7آذار 2010، والذي عد من آيات النصح السياسي ووثيقة سياسية مدنية جاء فيها" إن الانتخابات السياسية تحظى بأهمية كبرى ولاسيما في هذه الظروف العصيبة التي يمرُّ بها العراق العزيز وهي المدخل الوحيد لتحقيق ما يطمح إليه الجميع من تحسين إداء السلطتين التشريعية والتنفيذية " فالبيان ينتمي إلى الفكر السياسي المدني ، فهو يخلو من أي مفردة دينية او مذهبية ، مفرداته مثل العراق العزيز ومصالح العراق والمواطنين والشعب العراقي ، تماثل في صياغتها أفكار فلاسفة التسامح في أوربا(30).
....................................................
1 خير الدين حسيب، العراق من الاحتلال الى التحرير، بيروت، 2006، ص ص198-200.
2 جاي منتجموري غارنر : ولد في 15نيسان 1938في ولاية فلوريدا ، عمل في مشاة البحرية الامريكية ، درس في جامعة فلوريدا وحصل على شهادة البكالوريوس في التاريخ سنة 1962، ودرس الإدارة العامة وفي الخدمة العسكرية منح رتبة ملازم سنة 1962وخدم في فيتنام، ووصل في التدرج العسكري لمنصب نائب القائد العام في تكساس ، ساهم في تطوير نظام الصواريخ ، وقاد بطاريات الصواريخ في حرب الخليج ، كلف بمهمة تأمين المناطق الكردية في شمال العراق بعد حرب الخليج ، وفي عام 1997تقاعد بعد أن كان مساعد رئيس أركان الولايات المتحدة ، وفي عام 2003تم تعيينه مدير مكتب اعادة الاعمار للمساعدة الانسانية في العراق للمزيد ينظر:
Arthur Goldschmidt Jr. and Lawrence Davidson, A Concise History of the Middle East (Westview Press, 2006), 432–438; https://en.wikipedia.org/wiki/Jay_Garner
3 حسن لطيف الزبيدي وآخرون، العراق والبحث عن المستقبل، النجف الاشرف، ط1،2008، ص188-189.
4 المصدر نفسه، ص190.
5 بول بريمر: ولد في 30أيلول 1941في ولاية كنتكيت الامريكية، عمل في السلك الدبلوماسي منذ عام 1966في سفارة الولايات المتحدة في أفغانستان وبعدها في النرويج وعين نائب مساعد خاص لستة وزراء خارجية، وشغل منصب السفير في هولندا عام 1983وفي عام 1986عين سفير في وزارة الخارجية الامريكية لشؤون مكافحة الارهاب، حاصل على شهادة الماجستير في الإدارة وتم تعيينه سنة 2003رئيساً للإدارة المدنية للأشراف على إدارة أعمار العراق في 6آيار 2003للمزيد ينظر:
https://en.wikipedia.org/wiki/Paul_Bremer
6 بول بريمر، عام قضيته في العراق، ت: عمر الايوبي، دار الكتاب العربي، بيروت، 2006، ص109.
7 حامد الخفاف، النصوص الصادرة عن سماحة السيد السيستاني، بيروت، دار المؤرخ العربي، 2015، ص35.
8 حسن لطيف الزبيدي، المصدر السابق، ص200.
9 مجلة النجف الاشرف، العدد الرابع، 2003، ملحق خاص بعنوان محنة الدستور، ص ص5-6.
10 حامد الخفاف، المصدر السابق، ص ص32-33.
11 مجلة النجف الاشرف، العدد الرابع عشر، 2003، ص4.
12 المصدر نفسه، ص4.
13 أحمد بن حلي : ولد أحمد بن حلي في ولاية تلمسان في 26 آب 1940 ، التحق بصفوف جيش التحرير الوطني سنة 1960 بالمغرب ثم انتقل إلى عمليات الحدود المغربية الجزائرية بالفيلق الرابع التابع لجيش التحرير الوطني الجزائري ، درس أبن حلي في القاهرة وتخرج من قسم الصحافة والاعلام ، وأنضم الى السلك الدبلوماسي وتدرج في السلك حتى أصبح سفير في السودان سنة 1992وفي سنة 1994عين مستشاراً في جامعة الدول العربية وأصبح نائب لرئيس الجامعة منذ سنة 2009وتم التجديد لكفاءته حتى وفاته سنة 2017 للمزيد ينظر:
https://ar.wikipedia.org/wiki/أحمد_بن_حلي
14عمر موسى: ولد في سنة 1936، أكمل كلية الحقوق في القاهرة أ التحق في السلك الدبلوماسي سنة 1958، شغل منصب مندوب لمصر في الامم المتحدة ووزير خارجية وأميناً عاماً للجامعة العربية للمدة (2001-2011) للمزيد ينظر:
https://ar.wikipedia.org/wiki/عمرو موسى
15 كوفي أنان (1938-2018): ولد في غانا، درس الاقتصاد في جامعة جنيف، عمل في مكتب منظمة الصحة العالمية في جنيف وبعدها في مقر الامم المتحدة، وعين وكيل أمين عام الامم المتحدة لعمليات حفظ السلام للأربعة سنوات، ويعد كوفي عنان أول أمين عام يتم انتخابه من موظفي المنظمة للمدة (1996-2007) ومنح جائزة نوبل سنة 2001 للمزيد ينظر:
https://ar.wikipedia.org/wiki/كوفي_أنان
16مجلة النجف الاشرف، العدد الرابع، 2003، ملحق خاص بعنوان محنة الدستور، الملحق الخاص، ص ص13-14.
17المصدر نفسه، ص14.
18 المصدر نفسه، الملحق الخاص، ص16.
19 بول بريمر، المصدر السابق، ص ص214-215.
20 كولن لوثر باول: ولد في 5 نيسان 1937، سياسي أمريكي حاصل على شهادة البكالوريوس في علم الارض والماجستير في إدارة الاعمال من جامعة جورج واشنطن، وأنضم الى القوة العسكرية حتى حصل على رتبة جنرال، وشغل منصب مستشار الامن القومي وقائد لقيادة الجيش الامريكي ورئيساً لهيئة الاركان المشتركة للمدة (1989-1993) وتقلد منصب وزير خارجية الولايات المتحدة للمدة (2001-2005) للمزيد ينظر:
https://en.wikipedia.org/wiki/Colin_Powell
21 دونالد رامسفيلد: ولد في 9تموز 1932، حاصل على شهادة العلوم السياسية من جامعة برينستون، وخدم في البحرية الامريكية لمدة ثلاث سنوات وأنتخب لمجلس النواب سنة 1962، وشغل منصب وزير الدفاع للمدة (1975-1977) في عهد الرئيس جيرالد فورد، وأصبح وزير للدفاع ثانية في عهد جورج بوش الثاني للمدة (2001-2006) للمزيد ينظر
https://www.britannica.com/biography/Donald-Rumsfeld
22 كونداليزا رايس : ولدت في مدينة برمنغهام في ولاية ألاباما، في 14 تشرين الثاني 1954، حاصلة على درجة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة دنفر، والماجستير من جامعة نوتر دام والدكتوراه من كلية العلاقات الدولية في جامعة دنفر. عملت في وزارة الخارجية زمن إدارة جيمي كارتر ، وانضمت إلى إدارة بوش في مجلس الأمن القومي كمستشارة الشؤون السوفياتية وأوروبا الشرقية للرئيس جورج بوش الأب خلال تفكك الاتحاد السوفياتي وإعادة توحيد ألمانيا. تعمل كمستشارة للأمن القومي في فترة الرئيس بوش الأولى بين عامي 2001 – 2005، وهي أول امرأة تتولى المنصب، وقد شغلت منصب وزير الخارجية بالفترة من 26 يناير 2005 إلى 20 يناير 2009 للمزيد ينظر:
Cunningham, Kevin (2005). Condoleezza Rice: U.S. Secretary of State (Journey to Freedom);
23 مجلة النجف الاشرف، العدد الرابع، 2003، ملحق خاص بعنوان محنة الدستور، ص18.
24 الاخضر الابراهيمي : سياسي ودبلوماسي جزائري ، ولد في 1كانون الثاني 1934، عين وزيراً لخارجية بلاده للمدة( 1991-1993) ، اختارته الأمم المتحدة مبعوثاً في أفغانستان والعراق ومؤخراً هايتي وجنوب إفريقيا واليمن وزائير ، وفي السنوات الأخيرة كلف من طرف الأمم المتحدة لحل تفاوضي في العديد من بؤر التوتر والتي كللت في العديد من الأزمات بنجاح للمزيد ينظر :
https://ar.wikipedia.org/wiki/الأخضر_الإبراهيمي
25 حسن لطيف الزبيدي، المصدر السابق، ص201.
26 سليم الجبوري، السيد السيستاني مرجعية الانسانية والعيش المشترك، بيروت 2013، ص361.
27 أحمد الموسوي، سامي جواد كاظم، أقلام كتبت عن المرجعية، مقال ليحيى شامي، السيد السيستاني وهموم المرجعية، ، ص ص40-41.
28هاني فحص، مرجعية السيستاني، ص ص44-45، نقلاً عن جريدة السفير، في 28/6/2010.
29 حاتم جبار الربيعي، في رحاب السيد السيستاني، ص ص7-8، نقلاً عن صوت العراق في 19/6/2011.
30حسين كركوش، قراءة في بيان مكتب السيد السيستاني، ص ص88-89، نقلاً عن جريدة أيلاف الالكترونية في 23شباط 2011.
الاكثر قراءة في قيام الجهورية العراقية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
