القانون العام
القانون الدستوري و النظم السياسية
القانون الاداري و القضاء الاداري
القانون الاداري
القضاء الاداري
القانون المالي
المجموعة الجنائية
قانون العقوبات
قانون العقوبات العام
قانون العقوبات الخاص
قانون اصول المحاكمات الجزائية
الطب العدلي
التحقيق الجنائي
القانون الدولي العام و المنظمات الدولية
القانون الدولي العام
المنظمات الدولية
القانون الخاص
قانون التنفيذ
القانون المدني
قانون المرافعات و الاثبات
قانون المرافعات
قانون الاثبات
قانون العمل
القانون الدولي الخاص
قانون الاحوال الشخصية
المجموعة التجارية
القانون التجاري
الاوراق التجارية
قانون الشركات
علوم قانونية أخرى
علم الاجرام و العقاب
تاريخ القانون
المتون القانونية
مسببات الرقابة على التعديلات غير الدستورية
المؤلف:
منار سلمان كاظم
المصدر:
رقابة المحكمة الاتحادية العليا على التعديلات غير الدستورية لجمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 44-56
2025-06-30
28
القول بأن السلطة المختصة بالتعديل هي سلطة مقيدة بما هو مرسوم لها بالدستور على وفق الحدود الموضوعة فيه، بقصد المحافظة على هيبته ومكانته والمبادئ وتلك الأسس التي اقام صرحها في صلبه، يستوجب بالضرورة عدم الخروج عليها بأي حال من الأحوال، فإن القفز على تلك القيود ( الشكلية أو الموضوعية )، قد يؤدي إلى المساس بالحقوق والحريات التي وطدها الدستور واحاطها بحصن منيع يوفر لها الحماية، أو يسبب الخروج عن الأحكام الموضوعية وأنحراف السلطة المختصة بالتعديل ومن ثم يتجلى هنا جوهر الواجب القضائي في ضرورة المحافظة على الدستور وأعمال الرقابة على تلك التعديلات غير الدستورية.
ولغرض تسليط الضوء على مسببات الرقابة على التعديلات غير الدستورية، سنقسم هذا الموضوع على فرعين، ينفرد الفرع الأول بعدم المساس بالحقوق والحريات ، و يستقل الفرع الثاني بجوهر الواجب القضائي .
الفرع الأول
عدم المساس بالحقوق والحريات العامة
مما لا شك فيه أن موضوع الحقوق والحريات الأساسية يتمتع بأهمية بالغة، انطلاقاً من الايمان بأن الحق والحرية هما أسمى ما يعبر عن الذات الإنسانية للفرد، ونتيجة لتلك الأهمية شرعت النظم القانونية المختلفة والدول إلى تكريس الحقوق والحريات الأساسية، ليس فقط من خلال مواثيقها ووثائقها الدستورية التي تحتل أعلى مرتبة بالنسبة للقواعد القانونية الأخرى ، وإنما باحثة عن قواعد ومبادئ قانونية دولية تتعدى النطاق الإقليمي لدولة ما، لتؤمن وتضمن مستوى من الحماية العادلة والواحدة لتلك الحقوق والحريات (1).
فالدستور هو مصدر الحقوق والحريات ومصدراً لضمانتها ، وهو في تحديده لتلك الضمانات يحدث نوعاً من الموازنة اللازمة بين احترام الحقوق والحريات وبين حماية المصلحة العامة أو النظام العام، التي بدونها لا يمكن ضمان ممارسة هذه الحقوق والحريات، وبهذا يتولى المشرع الدستوري تحديد تلك الحقوق والحريات صراحة بما يضعه من قواعد دستورية تؤسس بذاتها الجوهر القاعدي لتلك الحقوق، فتكون بذلك نصوص الدستور مصدر مباشر الشرعيتها الدستورية، أو قد تستخلص على نحو غير مباشر من الحقوق والحريات التي ينص عليها الدستور مباشرة وصراحة وذلك من خلال ما يستخلصه القضاء الدستوري في مقام تفسيره للدستور (2).
وهكذا فإن غالبية الدساتير قد افردت باب مستقلا ضمنته الحقوق والحريات الأساسية، فمثلا دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، قد نظم الحقوق والحريات العامة وأوردها في الباب الثاني وعالجها في نصوص المواد من المادة (14 لغاية المادة 46) (3) ، ونجد ايضاً دستور مصر لعام 2014 قد نص على الحقوق والحريات وضمنها الباب الثالث منه، معنونا إياه ( الحقوق والحريات والواجبات العامة )، والدستور الليبي لعام 2011 الذي صاغها في إطار وثيقة خاصة بالحقوق بما فيها الحقوق الاجتماعية والاقتصادية واطلق عليها أسم الوثيقة الخضراء (4)، وأن الدستور الإيطالي لعام 1947 أشار إليها في المادة الثانية منه باسم حقوق الإنسان غير القابلة للمساس، كما أن الدستور الألماني الاتحادي لعام 1949، أشار إليها بما اسماه، بالحقوق الأساسية وحددها بالمواد (1، 19 و 20 /4 ، 33 و 38 و 103 و 104 )، ودستور الجمهورية الخامسة 1958 الذي أحال في ديباجته، إلى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1789 وديباجة دستور عام ، (1946 ) (5)، وتتجلى تلك الضمانات في ثلاث نواحي وكما يأتي:
من الناحية الأولى:
ولما كانت اغلب الدساتير ذهبت إلى تنصيص تلك الحقوق والحريات فهذا يعد منحها افضلية وبكونها حقوق ممتازة، وضمانة واضحة الدلالة في معناها، إذ كل ما يُحرم الدستور أتيأنه من أعمالا وتصرفات يمثل عدواناً أو مساساً بتلك الحقوق والحريات (6) ومن أبرز تلك الضمانات التي تقيد بها السلطات وتحول دون المساس بالحقوق والحريات هو مبدأ الفصل المرن بين السلطات، وسيادة القانون، إذ أن الدستور لا يتجسد دوره فقط بمنع من يمارس السلطة بالمساس بها عبر إقراره لها، وإنما من ناحية أخرى هو الضابط والمنظم لممارسة تلك السلطة حماية لتلك الحقوق والحريات، ومن ثم فهو بمثابة صمام أمان ضد أستبداد وطغيان تلك السلطات (7) ، كما ان خضوع الحكام والمحكومين لأحكامه تشكل ضمانة أساسية في صون الحقوق والحريات وذلك من خلال إخضاع السلطات العامة لقواعد عليا تسمو عليها وتحدد اختصاصاته، للحيلولة دون مصادرة تلك الحقوق والحريات وسحقها (8).
من الناحية الثانية:
يأتي دور القضاء الدستوري " ليضطلع بمهمة سامية لا تقتصر فقط على الإخضاع التقني لأجهزة الدولة لجهة احترام مبدأ هرمية القوانين، بل ليجسد الآلية التي من خلالها تخضع الدولة لاحترام حريات الإنسان وحقوقه، بحيث لا يكون القانون مجرد أي قانون بل القانون المعبر عن تلك القيم والحقوق الذي يعطي للمواطن حقوقا في مواجهة السلطة " (9)، ومن ثم مؤديا من خلال ذلك دوراً حاسماً ومهماً في توسيع نطاق وتطوير معنى الحقوق والحريات الواجب أن تكفلها الدولة ، حتى قيل ان تأكيد القضاء الدستوري لحقوق الإنسان، ودعمه المتزايد والشديد لها يُعتبر واحد من الظواهر الملحوظة في القانون الدستوري المعاصر (10)
وهذا ما أكدته المحكمة الإتحادية العليا في أحد أهم قراراتها في مجال حماية الحقوق والحريات، إذ أشارت إلى أولا: ان دستور جمهورية العراق لعام 2005 ربط بين تشكيل السلطات الإتحادية والمؤسسات الدستورية وبين كفالة الحقوق والحريات العامة وجعل لكل سلطة ومؤسسة دستورية دور في الحفاظ على تلك الحقوق والحريات .... . حيث أولى الدستور أهمية كبيرة لصيانة الحقوق والحريات وجعلها الركيزة الأولى لبناء المجتمع، إذ تناول الباب الثاني منه الحقوق والحريات، وتضمن الفصل الأول من الباب المذكور التطرق إلى موضوع الحقوق ، أما الفصل الثاني منه فقد تضمن الأحكام الخاصة بالحفاظ على حرية الإنسان وكرامته وفقا لما جاء في المادتين 38 و 37 منه ...... مما يقتضي مراعاة السلطات الإتحادية، عند قيامها بممارسة اختصاصاتها لذلك، وعدم تجاوز تلك الحريات والحقوق الدستورية..." (11).
وايضاً ما اوردته في أحد أحكامها عن دور القضاء الدستوري في حماية الحقوق والحريات وذلك في الإشارة إلى " إن الاغفال التشريعي الذي يكون محلا لرقابة المحكمة الإتحادية العليا هو ما يترتب عليه المساس بحق أو ضمانة قررها الدستور كحق الفرد في الحياة والأمن والحرية وحق التقاضي وضمان المساواة وتكافؤ الفرص وغيرها من الحقوق والحريات التي نص عليها الدستور وكفلها، فهنا يقع على عاتق المشرع تنظيم تلك الحقوق والحريات بشكل متكامل طي يضمن كفالتها وضمان ممارستها وعدم الانتقاص منها أو تقييدها وبخلاف ذلك تبرز أهمية المعالجة القضائية الدستورية باعتبار أن القضاء الدستوري هو المسؤول عن الزام السلطات باحترام أحكام الدستور " (12).
وتأسيساً على ذلك لا يجوز للسلطات الخروج على تلك الحقوق والحريات والمساس بها، ومن وجهة نظر بعضهم ان هذه الحقوق والحريات هي لا تفرض فقط على المشرع العادي وحسب وإنما على المشرع المؤسس ايضاً ، ، فهي ليست مجرد معتقدات أو بيانات نظرية صاغها مشرع فيلسوف، لكنها قوانين وضعية حقيقية، ومن ثم لا يجوز لسلطة التعديل المساس بها أو الخروج عليها (13).
من الناحية الثالثة:
نجد أن المشرع الدستوري قد زاد من درجة الحماية لتلك النصوص المنظمة للحقوق والحريات وذلك من خلال النص على عدم المساس بها من خلال التعديل، أي عدم قابلية الحقوق والحريات للتعديل بالشكل الذي يجردها من قيمتها العليا ويُنزل من مرتبتها على سبيل المثال ما نص عليه دستور المانيا الإتحادية في المادة 79
ولما كان يشترط في التعديل ان يكون خطوة أكثر غوراً وعمقاً وأكبر ، صوب توكيد حقوق المواطنين وحرياتهم، فيجب على سلطة التعديل أن لا تخرج عن ذلك فإذا التعديل أنقض على ما هو كائن منها وقائم، بدلاً من ضمانها وتعزيزها بصورة أفضل، كان ذلك خروجا من الجهة التي اختصها الدستور بتعديل نصوصه وأحكامه ونكولاً عن الحدود المنطقية للتفويض والموضوعة لها في صلبه والصادرة لها من السلطة التأسيسية التي كان الدستور خلاصة ومحصلة جهدها في ارساء أحكامه (14).
فتأتي هنا الرقابة على التعديلات الدستورية، لضمان تلائمها وانسياقها مع الفلسفة الدستورية للدستور الأصلي والحقوق والحريات التي تبناها وكفلها ، وإلا ينزل التعديل الدستوري بتلك الحقوق إلى درجة ومستوى اقل من مما وفره من حماية، كأن ينزل ببعض الحقوق ويجعلها حقوقا قانونية بعد أن كانت حقوقاً دستورية أطرها الدستور بنصوص في صلبه فكفلها المشرع الدستوري بذاته وابعدها عن يد المشرع الدستوري، وبالرجوع إلى دستور مصر لعام 1971 الملغي عند تعديل المادة 62 منه إذ تنص قبل التعديل على " للمواطن حق الانتخاب والترشيح وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقا للقانون ومساهمته في الحياة واجب وطني "، واصبحت بعد التعديل" للمواطن حق الانتخاب وإبداء الرأي في الاستفتاء وفقاً لأحكام القانون، ومساهمته في الحياة العامة واجب وطني، وينظم القانون حق الترشيح لمجلسي الشعب والشورى، وفقا لأى نظام انتخابي يحدده. ويجوز أن يأخذ القانون بنظام يجمع بين النظام الفردي ونظام القوائم الحزبية بأية نسبة بينهما يحددها، كما يجوز أن يتضمن حدا إدنى لمشاركة المرأة في المجلسين " مما يتضح أن النص قبل التعديل كان يجعل من حق الانتخاب وحق الترشيح حقوق دستورية، إلا أنه بعد التعديل قد نزل بهذه الحقوق إلى مستوى الحقوق القانونية (15).
ومن ثم فإن التعديل يجب أن لا يخل بالحقوق والحريات، إذ لا يجوز أن ينقض على حقوق رئيسية وينهي قيمتها كونها ترتبط بالقيم الإنسانية التي لا يجوز العبث بها والتفريط فيها، ومن ذلك الحق في التعددية التي تفرضها الفطرة الإنسانية، وحرية الخلق والابداع في العلوم والفنون على اختلافها لتسخيرها من أجل الرقي الإنساني (16)، كما يجب أن لا يمس بالحريات الشخصية، فالتعديل الدستوري الذي جرى عام 2007 على نص المادة 179 من دستور مصر لعام 1971 ،الملغي الذي نص على " تعمل الدولة على حماية الأمن والنظام العام في مواجهة أخطار الإرهاب، وينظم القانون أحكاما خاصة بإجراءات الاستدلال والتحقيق التي تقتضيها ضرورة مواجهة هذه الأخطار، وبحيث لا يحول تطبيق تلك الأحكام الإجراء المنصوص عليه في كل من الفقرة الأولى من المادة 41 والمادة 44 والفقرة الثانية من المادة 45 من الدستور دون تلك المواجهة، وذلك كله تحت رقابة القضاء. ولرئيس الجمهورية أن يحيل أية جريمة من جرائم الإرهاب إلى أية جهة قضاء منصوص عليها في الدستور أو القانون "، الذي يرى الفقه المصري ان هذا التعديل احدث كثيراً من الانتهاكات وضيق أكثر بكثير من الحريات وهدم وأهدر الكثير من الضمانات الدستورية تلك التي في مقدمتها التعدي على الحرية الشخصية في غير حالة التلبس والمساس بحرمة المساكن وتفتيشها بدون أمر قضائي (17) .
ومما تقدم نجد أنه لما كانت موضوعة الحقوق والحريات قد حظيت بحماية مزدوجة، مرة من خلال النص عليها في نصوص دستورية وأخرى من خلال منع المساس بها بالتعديل، وحماية معززة بالقضاء الدستوري وكيف يؤدي دوراً فعالاً في حمايتها، من هنا يجب أن يبسط القضاء الدستوري رقابته على تلك الانتهاكات التي ترتكبها السلطة المخولة بالتعديل، وتؤدي إلى المساس بالحقوق والحريات، وانطلاقاً من حقيقة أن السلطة المختصة بالتعديل هي سلطة مقيدة فيجب في مباشرتها لولايتها إلا تكون قد خرجت عن الحدود التي أطرها لها الدستور وفي حدود تلك الضوابط المنطقية لمباشرتها، وفي حال تجاوز حدود تلك الولاية والمساس بقدسية الحقوق والحريات فأنها لا تكون معصومة من الرقابة القضائية، بل حري بالسلطة القضائية مراقبتها في كيفية مباشرتها لحدود هذا الاختصاص.
الفرع الثاني
جوهر الواجب القضائي
مـــــــن جملــــــة التساؤلات التي عرضها القاضي (Marshall)، في قضية (Marburg Madison )هل للقضاء الحق في ممارسة الرقابة على دستورية القوانين ؟ وفي معرض اجابته عن هذا السؤال فإن احدى الحجج التي ساقها، أن الرقابة القضائية من صميم الواجب القضائي وأنها من طبيعة عمل القاضي الذي تتجسد في حل المشكلات القانونية الناجمة عن تعارض القوانين المتعلقة بالنزاع المعروض، وتحديد أي منها واجب التطبيق، فالقاضي هنا يرجح النص الأعلى على النص الإدنى فيهمله، فإذا تعارض قانون عادي مع نص الدستور يطبق هذا النص الدستوري انطلاقا من كونه هو القانون الأساسي الذي تنضبط في نطاقه، حدود السلطات العامة في ممارسة اختصاصاتها، وليس في ذلك سوى ممارسة صحيحة طبقاً لاختصاصها ولوظيفتها القضائية وفي حدودها الدستورية (18). ويمكن تقديم إجابة مماثلة، حول إذا ما كان من اختصاص القضاء الدستوري النظر في مدى صحة التعديلات الدستورية وتتمثل المهمة الملقاة على عاتق القاضي الدستوري في البت في هذه النزاعات على أساس الدستور، إذ يرى البعض أنه في حالة التزام الدستور الصمت إزاء من هي الجهة المخولة بالبت في صحة التعديلات الدستورية فإن المحاكم التي تتولى تطبيق الدستور وتفسيره، لابد وأن تمتلك هذه السلطة وبناء على ذلك عنما تواجه المحاكم تنازعا بين القواعد الدستورية يتعين عليها أن تحدد وبموجب العمل القضائي ما هي القاعدة التي يتعين بمقتضاها حل النزاع، ومن ثم إجراء شكل من أشكال الرقابة القضائية (19).
وانطلاقا من أن مبدأ الرقابة القضائية يعتبر أداة تصحيح ضد إساءة استعمال السلطة أو الانحراف في استعمال السلطة (20) ، فانحراف سلطة التعديل يكون نابع من خروجها عن القواعد الدستورية المرسومة مسبقا لها والمحددة لها اختصاصاتها عن طريق تجاوزها أو اعتداء على السلطة التأسيسية الأصلية وذلك في سعيها لخدمة أغراض شخصية، أو للنظام الحاكم أو لفئة معينة، على حساب مصالح الشعب أو حرياتهم وحقوقهم، ومن امثلة تلك التعديلات التي انحرفت بها سلطة التعديل لتحقيق الأهداف السياسية أكثر منها القانونية، التعديلات التي طرأت على دستور مصر لسنة 1971الملغي، إذ يرى بعض الفقه المصري أن ما ادخل من تعديل على المادة 2 من الدستور، رغم أنه لا يغير من معناه المستفاد، لأنه إذا كانت الشريعة الاسلامية طبقا للتعديل، هي بمثابة المصدر الأساسي للتشريع فإن ذلك لا يمنع، من وجود مصادر أخرى إلى جانبها ولا سيما في حالة خلوها من حكم قطعي، ولكنه كان بمثابة خدعه للشعب المصري المتدين بطبعه لغرض تمرير باقي التعديلات وخاصة المادة 77 تلك المتعلقة بمدة رئاسة الجمهورية (21) .
مما يعني أن السلطة التي أنشأها الدستور وأسند إليها مهمة تعديل الدستور، تستعمل سلطتها في التعديل، بما يخرج عن روح الدستور ومبادئه الأساسية أو بما يخالف روحه ومقتضاه، فقد تتبع السلطة المختصة بالتعديل جميع ما مقرر دستورياً من إجراءات، لكنها تستخدم سلطتها في هدم مبادئه الاساسية، فيعمل على تغيرها جذرياً (22) ومن ثم فهذا الانحراف موجباً لبسط القضاء الدستوري رقابته على تلك التعديلات، استناداً إلى فكرة دوره في تصحيح أي إساءة في استعمال السلطة والانحراف في استخدامها. مما يبرز دور القاضي الدستوري وجوهر واجبه في حماية الدستور ليس فقط من الانحراف التشريعي والاداري، وإنما ايضاً حتى من انحراف السلطة التأسيسية المنشأة عند تعسفها في استعمال سلطتها، وهو المبدأ الذي صار معتمدا في الدول التي تأخذ بالرقابة القضائية على الدستورية، إذ تجري فحص للتعديل المشكوك في دستوريته وتبحث عن العيوب التي تحتويها تلك التعديلات (23).
ومن ثم تتجلى مهمة القاضي الدستوري في وضع الأمور في نصابها الصحيح، إذ ليست مهمة القضاء الدستوري في ممارسته للرقابة على التعديلات التقليل من سيادة السلطة التأسيسية المنشأة وإنما بقصد التحقق من أن السلطة المختصة بالتعديل كانت تعمل في ظل النطاق والأطار الذي رسمه الدستور لها وسمح به ومن ثم يكشف هنا القضاء الدستوري بوضوح مجال واختصاص السلطة المختصة بالتعديل (24).
ويرى البعض أن دور القضاء الدستوري في بسط رقابته على التعديلات يعد من صميم العمل القضائي، إذ لما كانت سلطة تعديل الدستور سلطة منشأة وذات سلطات محدودة، ومن مظاهر تحديد اختصاصات ومهمة تلك السلطة يجب عليها وهي بصدد ممارسة اختصاصها بتعديل الدستور المحافظة على خصائص الدستور وعلى اهدافه الأساسية والرئيسية ، فدورها ينحصر أما بتضمينه الأحكام أو الحذف منه بمقدار ما يحقق الغرض المطلوب من ذلك التعديل دونما ،زيادة، إذ يجب عليها ان لا تضمن الدستور احكاما تتعارض مع اهدافه، الأمر الذي يتطلب ضرورة تدخل القاضي الدستوري من تلقاء نفسه والبحث في مدى دستورية التعديلات الدستورية، معللا ذلك بأن النصوص الدستورية التي تحدد الضوابط الإجرائية والموضوعية لتعديل الدستور تتعلق أكثر من غيرها بالنظام العام وهي من النصوص الأمرة المتمثلة بالقواعد الدستورية التي احاطتها السلطة التأسيسية الأصلية بحماية خاصة عندما استثنتها من التعديل (25). كما يرى البعض الآخر من الناحية التحليلية هناك تشابه كبير بين الرقابة القضائية للتشريعات العادية والرقابة على التعديلات الدستورية، في ضوء المعايير الدستورية الملزمة، ويمكن القول أنه عند وجود بعض الأحكام الدستورية غير القابلة للتعديل، فإن الرقابة القضائية على التعديلات الدستورية تبدو من الناحية العملية الفكرية مماثلة للرقابة القضائية الاعتيادية، إذ أنها فحص لمدى امتثال قانون إدنى لقانون أعلى فرقابة المشروعية تتعلق بفحص النظام مقابل القانون، ورقابة الدستورية الاعتيادية تتعلق بفحص القانون مقابل الدستور، والرقابة القضائية على التعديلات الدستورية تفحص التعديلات مقابل الأحكام غير القابلة للتعديل، وعلى وفق هذا المنظور يبدو من الطبيعي أن المؤسسة الأنسب للتحقق من
مدى دستورية التعديلات الدستورية هي المحكمة الدستورية أو المحكمة العليا، التي لديها بموجب الدستور سلطة رقابة دستورية القوانين العادية (26).
كما أنه حتى في حالة عدم النص على صلاحية هذه المحاكم الدستورية في الرقابة على دستورية التعديلات الدستورية فأنها " استخدمت آليات أخرى لبسط رقابتها ، ومن أهم هذه الآليات أعمال العديد من المحاكم الدستورية لسلطتها في التفسير بطريقة تتيح لها استخدام ما تسمح لها به بعض الدساتير من التصدي لفرض الحماية القضائية المناسبة لأحكام الدستور (27) فإنها يمكن أن تفسر بصورة واسعة سلطتها واختصاصها في الرقابة على دستورية القوانين العادية، وذلك بتفسير كلمة قانون بالمعنى الواسع لتشمل ايضاً قوانين تعديل الدستور، ورغم ضعف هذا التفسير واعتبار التعديلات الدستورية بمثابة قوانين، إلا نجد أن المحاكم الدستورية النمساوية والتركية والمحكمة الدستورية الإتحادية الالمانية مالت إلى اعتبار التعديلات الدستورية، قوانين ومن ثم اعلنت بتمتعها بالاختصاص برقابة التعديلات الدستورية، وسمح لها بإخضاع مدى تطابق تلك التعديلات وفقا لرقابتها على دستورية القوانين معا الدستور(27).
وفي ضوء ما تقدم نؤيد الاتجاهات التي ساقت من جوهر الواجب القضائي ودوره الوصائي في حماية الدستور من الانحراف أو خرق احكامه وانتهاكها، بوصفها أحد المبررات التي تدعم الرقابة على التعديلات الدستورية، ومتفقة مع مبدأ سيادة الشعب.
نستنتج من البحث في هذا الفصل ماهية التعديلات الدستورية غير الدستورية "، أن التعديلات الدستورية أمر لا بد منه وذو أهمية علمية ووسيلة اساسية لتغير الدساتير لترافق بذلك متطلبات الأجيال والعصور، وتتضمن الدساتير في غالبيتها إجراءات التعديل، وتجليات هذه الأهمية تكمن في التغير المستمر اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.
كما أن الطبيعة والكيفية التي تنظم بها الدساتير الجامدة شكل وهيئة السلطة المختصة بالتعديل، تدل قطعا على اختلافها عن السلطة المؤسسة وهذا ما ظهر لنا اثناء البحث في طبيعة السلطة المختصة بالتعديل واختلافها عن السلطة الأصلية والآراء التي قالت باختلافهما، التي فرزت لنا أهمية أن تكون تلك التعديلات التي أتت بهال السلطة المختصة موافقة للدستور التي أرست ركائزه ومعالمه السلطة الأصلية.
لكن هذه التعديلات قد تلبس ثوب واضعيها ومقترحيها لتحقيق الغايات الخادمة للمصالح والكامنة في النفس، وعليه تخرج عن الصراط الذي كان لازما وضروريا لإجرائها، وهذا يؤدي في النهاية إلى أنتاج تعديلات تخالف روح الدستور وفحواه، ومن هنا ظهرت نظرية التعديلات الدستورية غير الدستورية التي قامت على مفارقة بين الجوانب الشكلية للدستور واستيفائها مقابل خرق الموضوعات التي احتوتها تلك التعديلات ومن ثم انتاج تعديل متبع للإجراءات مخالف للموضوع، ومن ثم إبطال هذا التعديل قضائيا، وبتدخل من المحاكم الدستورية، وأهم المسببات الداعية إلى ضرورة تدخل هذا المحاكم هو حماية الحقوق والحريات وعدم التعرض لها، كما أن هذا يعد من صميم عملها القضائي.
____________
1- د. عبد الحفيظ علي الشيمي، القضاء الدستوري وحماية الحريات الأساسية في القضاء المصري والفرنسي، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2001، ص1.
2- د. احمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، ط 2 ، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 ، ص 44
3- مجموعة باحثين ، ازمة التعديلات الدستورية بيت الرؤية السياسية والاكاديمية ، ط1، العلمين للنشر ، الكوفة 2022، ص182
4- نفيسة يختي ، التعديل الدستوري في الدول العربية بين العوائق والحلول، اطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية في جامعة ابو بكر بلقايد الجزائر، 2016 ، ص 441 .
5- د. احمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات، المصدر السابق ، ص 44 و 45 .
6- د. سحر محمد نجيب، التنظيم الدستوري لضمانات حقوق الإنسان وحرياته دراسة مقارنة في بعض الدساتير العربية"، ط1 ، دار الكتب القانونية، مصر، 2011،ص75.
7- د. نفيسة يختي التعديل الدستوري في الدول العربية بين العوائق و الحلول ، المصدر السابق، ص 421.
8- د. سحر محمد نجيب التنظيم الدستوري لضمانات حقوق الإنسان وحرياته" دراسة مقارنة في بعض الدساتير العربية" . المصدر السابق، ص 110.
9- د. امين عاطف صليبيا ، دور القضاء الدستوري في إرساء دولة القانون " دراسة مقارنة " ، ط1 المؤسسة الحديثة للكتاب طرابلس لبنان 2002 ، ص109.
10- د. احمد فتحي سرور ، الحماية الدستورية للحقوق والحريات المصدر السابق ، ص58.
11- يُنظر قرار المحكمة الإتحادية العليا ذي العدد 169 / اتحادية / 2021 ، منشور على موقع المحكمة الإتحادية العليا الالكتروني https://www.iraqfsc.iq/krarid/169 fedn 2021.pdf تاريخ أخر زيارة 2023/1/13 ، الذي حكمت فيه بعدم دستورية اللجنة التحقيقية المشكلة بموجب الأمر الديواني المرقم (29) لسنة 2020 الذي اصدره رئيس مجلس الوزراء انذاك (مصطفى الكاظمي وذلك لمخالفته لمبدأ الكرامة والحرية الانسانية المنصوص عليها في المادة 37 اولا من الدستور (أ _ حرية الإنسان وكرامته مصونة.
12 - يُنظر قرار المحكمة الإتحادية العليا ذي العدد 161 / اتحادية / 2021 ، منشور على موقع المحكمة الإتحادية العليا https://www.iraqfsc.iq/krarid/161 fedn 2021.pdf تاريخ آخر زيارة 2023/1/13.
13- منذر الشاوي فلسفة الدولة، ط 2 ، الذاكرة للنشر والتوزيع، بغداد، 2013، ، ص188.
14- د. عوض المر، الرقابة القضائية على دستورية القوانين في ملامحها الرئيسية ، بدون سنة طبع، مركز رينيه_جان دبوي للقانون والتنمية، 2003 ، ص 490 .
15- د. عبد العزيز محمد سالمان، نحو صياغة دستور جديد قضيتان للمناقشة مقال منشور في المجلة الدستورية، العدد 20، 2011، منشور على الموقع الالكتروني للمحكمة العليا المصرية /http://sccourt.gov.eg ، تاريخ آخر زيارة 2023/1/13
16- د. عوض المر، الرقابة القضائية على دستورية القوانين في ملامحها الرئيسية، المصدر السابق، ص 491.
17- د. عبد العزيز محمد سالمان، نحو صياغة دستور جديد قضيتان للمناقشة مقال منشور في المجلة الدستورية، العدد 20، 2011، منشور على الموقع الالكتروني للمحكمة العليا المصرية /http://sccourt.gov.eg ، تاريخ آخر زيارة 2023/1/13
18- د. شعبان احمد رمضان ضوابط واثار الرقابة على دستورية القوانين " دراسة مقارنة " ، ط1، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 2000، ص81.
19-Yaniv Roznai Unconstitutional constitutional Amendments: A Study of the Nature and Limits of constitutional Amendment Powers, Op, cit, p.175.
20- د. عادل عمر شريف ، قضاء الدستورية " القضاء الدستوري في مصر " أطروحة دكتوراه مقدمة إلى كلية الحقوق - جامعة عين شمس، 1988 ، ص 30 .
21- د رجب محمد السيد احمد، الانحراف الدستوري واثره على ممارسة الحقوق والحريات" دراسة تطبيقية على دساتير مصر المتعاقبة" ، ط 1 ، دار النهضة العربية، القاهرة، 2016 ، ص5، 102.
22- د. ماهر احمد ابو العنين الانحراف التشريعي والرقابة على دستوريته " دراسة تطبيقية " ، ط 1 ، الكتاب الأول، المركز القوني للاصدرات القانونية، مصر، 2013، ص177 وما بعدها.
23- د. عليان بوزيان مظاهر الانحراف الدستوري ومدى الرقابة عليه بين الدستور الجزائري والقضاء الدستوري المقارن، بحث منشور المجلة الدولية للقانون، دار نشر جامعة قطر، المجلد 2019 ، العدد الأول، ص 102.
24- احمد فتحي سرور، الحماية الدستورية للحقوق والحريات ، ط 2 ، دار الشروق ، القاهرة ، 2000 ، ص 157 وما بعدها.
25- د. عيد احمد الغفلول النظام العام الدستوري واثرها في تحديد نطاق الدعوى الدستورية، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004، ص 68 وما بعدها.
26- Yaniv Roznai, Unconstitutional constitutional Amendments: A Study of the Nature and Limits of constitutional Amendment Powers, Op, cit, p. 176.
27- د. عيد احمد الغفلول النظام العام الدستوري واثرها في تحديد نطاق الدعوى الدستورية، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2004 ، ص 105.
28- د. وليد محمد الشناوي، الرقابة القضائية على التعديلات الدستورية دراسة مقارنة ط 1 ، دار الفكر والقانون للنشر والتوزيع، المنصورة، 2016، ص87.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة

الآخبار الصحية
