1

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التربية والتعليم : التربية الصحية والبدنية :

تأثير الطعام على روح الإنسان

المؤلف:  السيد حسين نجيب محمد

المصدر:  الشفاء في الغذاء في طب النبي والأئمة (عليهم السلام)

الجزء والصفحة:  ص53ــ61

2025-05-14

11

إنَّ لكمية الغذاء وطريقة تحضيره أثراً بالغاً في سعادة الروح وشقائها فقد أثبت العلم الحديث أنَّ الغذاء يحتوي على عنصرين أساسيين: المادة الكثيفة للطعام والشراب والتي تدخل في تكوين الجسد المادي، والمادة اللطيفة للغذاء والتي تدخل في تكوين المادة اللطيفة فينا والتي هي الروح فكما أن تناول لحوم الحيوانات يؤدي إلى انتقال الأمراض التي بداخلها إلى الإنسان ـ كمرض جنون البقر ـ كذلك فإنَّ صفاتها الروحية تنتقل إلى الإنسان.

ولنضرب مثالاً على ذلك: قطتان إحداهما تأكل اللحوم والثانية تأكل اللبن، فلا شك أنَّ الأولى ستكون شرسة بطبعها، بخلاف الثانية فإنَّها ستكون أليفة.

هذا المثال ينطبق على الإنسان فإذا أكل اللحومات المحرمة، أو المحللة بشكل غير صحيح، أو تناول الطعام المغصوب والمغشوش والذي أخذ من حرام، فإنَّ ذلك سيؤثر على روحيته ونفسيته، ورقة قلبه، وصفاء نفسه.

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((من قل طعمه صح بطنه وصفا قلبه، ومن

كثر طعمه سقم بطنه وقسا قلبه))(1).

عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة شيئين: قسوة القلب وهيجان الشهوة))(2).

يقول الدكتور القباني: ((إنَّ الشعوب تكسب بعض صفات الحيوانات التي تتناولها لاحتواء لحومها على سموم ذاتية، ومفرزات داخلية تجول في الدم وتنتقل إلى معدة البشر فتؤثر في أخلاقهم، فعرب البادية الذين يتصفون بالجلد والحقد الدفين يغلب على طعامهم لحم الإبل، وبرودة طباع الإنكليز تتأتى من تناولهم السمك الأبيض البارد، والفرنسيون مغرمون بلحوم الخنازير التي تؤدي إلى انعدام الغيرة، والعرب المتحجرون مولعون بأكل لحم الأغنام المعروفة بسلاسة القياده))(3).

يقول الشيخ محمد باقر المجلسي رحمه الله: ((اعلم أنَّ للطعام مدخلاً عظيماً في آثار الأعمال والبعد من الله والقُرب إليه، لأنَّ قوَّة الجسم من الرُّوح الحيوانية، وهي: بُخار تحصل من الدم، والدم يحصل من الأطعمة، فإذا وصل الطعام الحلال إلى الأعضاء والجوارح يلزم كل واحد منها إلى العمل المرضي وتنصرف تلك القوَّة كلها في العبادة، وإذا دخلت لقمة الحرام في الجسم ووصلت قوتها إلى الأعضاء والجوارح فيما أنَّها نتيجة لحرام فلا يصدر عن نتيجة الحرام عمل الخير، فإن ظهرت هذه القوَّة في العين تصرفها في المعاصي والمفاسد، وإن ظهرت في الأذن تصرفها إلى سماع أنواع الباطل وكذلك في سائر الأعضاء والجوارح، وإن صارت نطفة كان الولد من جهة ولد حرام ويميل إلى الشره(4).

ولقمة الحلال أيضاً تصير نوراً، عبادة، ومعرفة، وتوجب القرب نحو الله تعالى، وتنوّر القلب.

وفي الحديث: من أكل الحلال أربعين يوماً نور الله قلبه وأجرى ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه(5).

وعن نبينا الأعظم (صلى الله عليه وآله): ((من أكل من حلال القوت صفا قلبه ورق ودمعت عيناه ولم يكن لدعوته حجاب))(6).

وكمثال على تأثير الطعام الحلال الطَّاهِر على نفسية الإنسان يُحكى أنَّ الشيخ مرتضى الأنصاري لما بلغ أعلى درجة في المرجعية الدينية الشيعية جاء بعض النَّاس إلى والدته ليهنؤها بولدها، فقالت لهم: لا عجب فقد كنت أتمنى له درجة أعلى من ذلك لأنني ما أرضعته مرَّة إلا وأنا على وضوء(7) .

وكمثال على تأثير الطعام الحرام يُحكى أن المهدي العباسي عرض على القاضي شريك النخعي خصلة من ثلاث: القضاء أو تعليم أولاده أو الطعام، فاختار شريك الطعام فأمر المهدي الطباخ أن يطبخ له ألواناً من المخ المعقود بالسكر الطبرزد والعسل فلما فرغ من إعداده قال له القيم على المطبخ يا أمير المؤمنين ليس يفلح الشيخ بعد هذه الأكلة أبداً، وبالفعل فبعد تناول شريك للطعام استلم القضاء وعلّم أولاد الخليفة وباع دينه بدنيا غيره(8).

يقول السيد السبزواري رحمه الله: ((وقد دلت الأدلة العقلية والنقلية على أن المأكولات لها الدخل الكبير في إصلاح أو فساد النفوس، ولعَلَّ السّر في ذلك يرجع إلى أنَّ القلب في الإنسان هو المركز وله السيطرة الكاملة على الحواس التي تسترشد منه، ولا ريب أنَّ الَّذي يغذي القلب هو الدم وهو خلاصة ما يأكله الإنسان وعصارة ما يطعمه، فإذا فسد هذا الطعام مادياً ومعنوياً فإنه يفسد الدم فيكون الغذاء الذي يتغذى القلب منه فاسداً فيفسد بالآخرة، فيكون الأكل من المقدمات التربوية في تهذيب القلب ولعله إلى ذلك يشير قوله تعالى: ((فلينظر الإنسان إلى طعامه))(9) .

ونظراً لخطورة أكل الحرام على روح الإنسان، ولقلة وجود، الحلال في أغلب العصور والأزمنة ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): ((المؤمن يأكل في الدُّنيا بمنزلة المضطر))(10).

وقد أثبتت ذلك الاختبارات التي أجراها بعض العلماء على الحيوانات فتبين أنَّ الإكثار من التغذية باللحوم يؤثر في اهتياج الشراسة والعنف في الحيوانات فمنذ سنوات خلت، كان «جان» يملك متجراً مخصصاً لتربية الفئران البيضاء. وكان يبيع هذه الفئران بالآلاف إلى جميع أنحاء العالم، وكان قد وضع في متجره كومة من العشب.

ومن هذا العشب اليابس كوّنت الفئران بيتاً مشتركاً لها، ثم شقت فيه العديد من الممرات، ومن الحدائق المعلّقة وغرف السكن المريحة، والشرفات الجميلة لتربي صغارها وكي تسود حياة الفئران السعادة والبحبوحة.

وحيث إنَّ جان إسكتلندي الأصل، وكان دائماً يحرص على استنباط الوسائل لتخفيف نفقات تجارته أخذ يهتم بارتفاع سعر الحبوب الضرورية لتغذية فئرانه وحدث أنَّ جاراً له كان يدير بيتاً مأجوراً صغيراً نسبياً تقدم منه بتأمين جميع ما يتبقى من الأطعمة اليومية المستخدمة، وذلك لتغذية الفئران. وبكل ترحاب وشغف استغل جان هذه الفرصة كي يزيد في أرباحه. لكن عندما استبدلت الحنطة بفضلات الطعام حلت الكارثة على مجموعة الفئران لأكلها ذات الطعام الذي يأكله الإنسان فجوّ التعاونية السكنية تعكر صفوه وانقلب رأساً على عقب، وانفجر العراك بين الفئران. وأخذ القتال يسيطر على ممرات القش. وخلال أسبوع من الزمن انتشرت أشلاء الفئران الميتة بكثرة على أرض المكان وكان الذكور والإناث الشرسة تأكل جراءها والفئران الضعيفة تُصرع دون أي سبب.

عندها أدرك جان أسباب الكارثة التي حلت بفئرانه للمرة الأولى والوحيدة، فعمل على التخلص من فضلات طعام الإنسان وعاد إلى غذاء الحبوب.

ولم تلبث النتيجة أن ظهرت للعيان فلم يشاهد فيما بعد أي فأر ميت أو نصف مأكول.

ليست هذه الحادثة من نسيج الخيال إنَّما هي قصة مدعومة بالوثائق لوقائع جرت. وكما فعل طعام الإنسان بالفئران، فإنَّه يفعل أيضاً وبكل تأكيد، وبطرق متعددة ومفجعة بصبيتنا وبالبالغين، وفي العديد من مجتمعاتنا.

وهناك مثال آخر على ضرر الطعام غير المناسب: هو قصة هرتين شقيقتين بيضاويتي اللون كانتا قد وضعتا عدداً من الجراء الصغار في درج خزانة واحد في أول أيار كانت كلتا الهرتين تطعمان بغذاء نباتي ممزوج بعشب القمح. وكان جو الألفة والانسجام يخيم على الدرج، بينما كانت الجراء الثمانية الصغار ترضع حليبها الثمين دون تفريق من أي من الهرتين؛ ولم تكن هذه الجراء تهتم إلا بالحصول على الحليب اللذيذ المغذي، كما لم تكن تعرف أي الهرتين هي أمها. ومن ثم الخامس والعشرين من أيار طرأ تغيير على طعام الهرتين استجابة لنشرة تلفزيونية، إذ استبدل الطعام المعتاد باللحم المعلب غير الممزوج بعشب القمح. بعد هذا بدأ جو الألفة بين بين الهرتين يتعرض للزوال. وفي الحادي والثلاثين من أيار أخذت الهرتان تتصارعان وتنقلبان على الأرض تخدش إحداهما الأخرى ملطختين فراءهما الأبيض بالدماء. وفي المساء لم يقدم اللحم للهرتين واستبدل بطعام الهررة السابق الممزوج بنبات القمح، واستمرت التغذية على هذه الشاكلة وفي مدة أسبوع عادت الهرتان تتمددان بسلام كل منهما إلى جانب الأخرى وتتعاونان في تغذية الجراء. وأعيد هذا الاختبار مرَّة ثانية للتأكد من السبب في تغيير مزاج الهرتين فكانت النتيجة واحدة.

يقول الدكتور (لبيب بيضون): فانظر إلى هذا التأثير العميق لنوع الطعام على جسم الإنسان وعلى نفسيته ولقد شهدت هذا المعنى بعيني، فقد كان عندي في المزرعة عدة دجاجات بيضاء فرنسية ذات عرف مائل، ونصحني شخص أن أطعمها الدم ليزيد انتاجها للبيض.

فجئت بدم طازج وجبلته مع النخالة وقدمته للدجاجات، فانقضوا عليه يلتهمونه. وبعد أيام شعرتُ بأنَّ طبائع الدجاجات قد اختلفت عن السابق، وصرن ينظرن إلى بعضهن نظرة شذر. وبعد أيام وجدتهن ينقرن بعضهن وجئن إلى أضعف واحدة منهن فصرن ينقرنها من مؤخرتها. حتى إذا خرج منها الدم هجمن عليها وبدأن يأكلن من لحمها ودمها حتى قضي عليها. عند ذلك علمت السبب، وأقلعت عن تقديم الدم لهن(11).

والواقع فإنَّ مجتمعاتنا التي تأكل اللحم صباحاً ومساءً باتت تعيش الانفعال والعصبية، والغضب، والعنف، والكراهية... وهي ظاهرة لم تكن في المراحل التاريخية السابقة، وقد اتفق عدد من العلماء وأطباء الصحة بأنَّ التغذية باللحوم تولد السموم في الجسم، تلك السموم يكون لها تأثير مباشر على الدورة الدموية وبامتصاص هذه السموم يتولّد عدم التوازن العقلي والشراسة الخلقية وبالتالي يشيع العنف وتنتشر الحروب بين الأمم.

ولذلك فقد كان علماء الأخلاق والسير السلوك يركزون على الإقلال من الطعام وخصوصاً اللحومات، وعدم أكل المشتبهات فضلاً عن المحرمات باعتبار أنَّ لذلك مدخلية في صفاء النفس وتجلي العلوم والحقائق.

وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((ألبسوا وكلوا واشربوا في إنصاف البطون فإنَّه جزء من النُّبوَّة))(12).

وعنه (صلى الله عليه وآله): ((من كثر تسبيحه وتمجيده وقل طعامه وشرابه ومنامه، اشتاقته الملائكة))(13).

عن الإمام علي (عليه السلام): ((إذا أراد الله سبحانه صلاح عبده، ألهمه قلة الكلام، وقلة الطعام، وقلة المنام))(14).

عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((لا يدخل ملكوت السَّمواتِ والأرض من ملأ بطنه))(15).

عن عيسى بن مريم (عليه السلام): ((يا بني إسرائيل: لا تكثروا الأكل فإنَّه من أكثر الأكل أكثر النوم، ومن أكثر النوم أقل الصَّلاة، من أقل الصلاة كُتب من الغافلين))(16).

وقد ذكرت بعض النصوص الدينية أطعمة تساهم في صفاء الرُّوح وطهارتها، ومنها:

العسل: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((نعم الشراب العسل يرعى القلب

ويُذهب برد الصدر))(17).

التين: فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((من أراد أن يرق قلبه فليدمن أكل

اللَبَس))(18).

الخل: عن الإمام الصَّادق (عليه السلام): ((الخل ينير القلب))(19).

العدس: عن الإمام علي الرضا (عليه السلام): ((عليكم بالعدس فإنَّه مبارك ومقدَّس وإنَّه يرق القلب ويكثر الدمعة))(20).

الرمان: عن الإمام الرضا (عليه السلام): ((كلوا الرمان فليست فيه حبة تقع في المعدة إلا أنارت القلب وأخرست الشيطان أربعين يوماً))(21).

__________________________

(1) ميزان الحكمة: مادة (الأكل).

(2) المصدر نفسه.

(3) الغذاء لا الدواء: ص 19.

(4) عين الحياة: ج2، ص 85.

(5) لئالئ الأخبار: ج1، ص 158.

(6) مواهب الرَّحمن: ج6، ص 152.

(7) قصص وخواص: ص 53.

(8) على ضفاف القلوب ص 82.

(9) مواهب الرَّحْمن: ص 638.

(10) الوسائل: ج4، ص 1158.

(11) معالم العلوم، ص 144.

(12) الوسائل.

(13) المصدر نفسه.

(14) المصدر نفسه.

(15) المصدر نفسه.

(16) المصدر نفسه.

(17) المصدر السابق: ص 325.

(18) المصدر السابق: ص 325.

(19) المصدر السابق: ص 326.

(20) المصدر السابق: ص 327.

(21) المصدر السابق: ص 327. 

EN