المراجعة أساس السلوك الصحيح
المؤلف:
الحارث بن أسد المحاسبي
المصدر:
آداب النفوس
الجزء والصفحة:
ص 83 ـ 85
2025-05-13
606
وَاعْلَم أنّي إنّما أكثر عَلَيْك وعَلى نَفسِي من ذكر الْمُرَاجَعَة لما قد استبان لي من الِاضْطِرَار وَالْحَاجة اليها فَلَو قد تعلّقت بِشَيْء من الْخَيْر فِيهَا يكون ونسبتها وإلا فَلَا. وَمَا تَركك لَهَا الا كالمستأنس لعَدوه وَالْمُسلم نَفسه اليه فَهَلَكت وأنت لَا تشعر.
وان كنت متهاونًا بِمَا أقول لَك فَإِنّ أكثر حَاجَتك إليها فِي صَلَاة الْفَرِيضَة ثمَّ بعْدهَا وهلمّ جرا فِي جَمِيع أمورك.
وَلَو كنت مِمَّن يتفقّد أمره لعَلِمتَ مَاذَا دخل عَلَيْك من الندامة وَالْحَسْرَة حَيْثُ فارقتك الْمُرَاجَعَة فِي صَلَاة الْفَرِيضَة فَلم تدرِ مَاذَا قَرَأَ أمامك وَلم تدرِ أَفِي فرض كنت أم فِي نَافِلَة فِي صَلَاة كنت أم فِي غَيرهَا وأنت فِي رَأْي الْعين مِمَّن يُنَاجِي ربَّهُ.
قد أصغيت بأذنيك إلى إمامك وتخشّعت بوقوفك وفرّغت قَلْبك لاستماع مَا يقرأ إمامك من كَلَام رَبّك فِي صَلَاة فريضتك الَّتِي لَيْسَ شَيْء أوجب عَلَيْك مِنْهَا فَرَجَعت مِنْهَا وَقد ظهر مِنْك مَا وَصفنَا وأنت كمَن لم يشهدها لقلَّة ضبطك بالمراجعة لنَفسك فِيهَا.
وَلَعَلَّ الَّذِي حضرتَ مِنْهَا بقلبك اَوْ عقلته فَلم تسه عَنهُ لَو قيل لَك أتحبّ أن يكون ذَلِك مِنْك كَمَا كنت سَاهِيًا وَلَك مائَة ألف دِينَار لَقلت: لَا.
فاعتنِ الْآن بتعاهد هَذِه الْمُرَاجَعَة على قدر مَا عرفت من حَاجَتك اليها فَإِنَّمَا لَك من عمرك تيقظّك، وتيقظّك مُرَاجعَة مَا فِيهِ منفعتك وقربتك والمصير إليه بِالْعقلِ وَمَا سوى ذَلِك غَفلَة وسهو يؤدّيان إلى شَهْوَة فِيهَا غليان قَلْبك وَفِي ذَلِك مُوَافقَة نَفسك الأمّارة بالسوء والهوى المضّل عَن سَبِيل الله الْعَادِل بأَهْله عَن طَرِيق محبّته وَفِي ذَلِك توثّب الْعَدوّ الْخَبيث الَّذِي لَا يألوك خبالا الَّذِي يجْرِي مِنْك مجْرى الدَّم الَّذِي يراك هُوَ وقبيله من حَيْثُ لَا تراهم.
قَالَ مَالك بن دِينَار قُلُوب الأبرار تغلي بأعمال الْبر وَقُلُوب الْفجّار تغلي بأعمال الْفُجُور فتعاهد أَمرك بالمراجعة فَإِن دأبت مَكْرُوهاً أصلحته وتحوّلت عَنْهُ، وَإِن رَأَيْت غير ذَلِك حمدت الله وَكَانَت عنايتك بذلك زِيَادَة لَك أَو قربة.
وَإِذا رَأَيْت لَك عناية بالمراجعة فَاعْلَم أَنَّهَا نعْمَة وقربة من أعظم نعم الله وأحقّ من أَحْسَنت صحبته نعم الله الَّتِي مِفْتَاح خزائنها رَحمَه الله فالتمس الزِّيَادَة مِنْهَا بالشكر عَلَيْهَا وأحقّ مَن أَسَأْت صحبته نَفسك الأمّارة بالسوء والإساءة اليها مخالفتها فَإِنّ فِي مخالفتها مُوَافقَة مرضاة الله تعالى.
الاكثر قراءة في التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة