اساسيات الاعلام
الاعلام
اللغة الاعلامية
اخلاقيات الاعلام
اقتصاديات الاعلام
التربية الاعلامية
الادارة والتخطيط الاعلامي
الاعلام المتخصص
الاعلام الدولي
رأي عام
الدعاية والحرب النفسية
التصوير
المعلوماتية
الإخراج
الإخراج الاذاعي والتلفزيوني
الإخراج الصحفي
مناهج البحث الاعلامي
وسائل الاتصال الجماهيري
علم النفس الاعلامي
مصطلحات أعلامية
الإعلان
السمعية والمرئية
التلفزيون
الاذاعة
اعداد وتقديم البرامج
الاستديو
الدراما
صوت والقاء
تحرير اذاعي
تقنيات اذاعية وتلفزيونية
صحافة اذاعية
فن المقابلة
فن المراسلة
سيناريو
اعلام جديد
الخبر الاذاعي
الصحافة
الصحف
المجلات
وكالات الاخبار
التحرير الصحفي
فن الخبر
التقرير الصحفي
التحرير
تاريخ الصحافة
الصحافة الالكترونية
المقال الصحفي
التحقيقات الصحفية
صحافة عربية
العلاقات العامة
العلاقات العامة
استراتيجيات العلاقات العامة وبرامجها
التطبيقات الميدانية للعلاقات العامة
العلاقات العامة التسويقية
العلاقات العامة الدولية
العلاقات العامة النوعية
العلاقات العامة الرقمية
الكتابة للعلاقات العامة
حملات العلاقات العامة
ادارة العلاقات العامة
دروس وعبر من تجربة صحفية ناجحة
المؤلف:
جودت هوشيار
المصدر:
السلطة الخامسة
الجزء والصفحة:
ص 69-72
2025-05-13
49
دروس وعبر من تجربة صحفية ناجحة
ليس من السهل على أي صحفي حر ومستقل العمل في صحيفة حزبية مؤدلجة أو صحيفة رسمية موجهة تنطق باسم حزب حاكم في ظل نظام شمولي او استبدادي، لا تنشر الا ما يوافق سياسة الحزب من أخبار مشوهة ومنحازة واحكام جاهزة وآراء مسبقة ان كانت صحيفة حزبية أو تعمل جاهدة لتبييض عمل الحكومة وتجنب كل ما يتسبب باقلاقها أو يخالف مصالحها وتلميع صورة (القائد الضرورة) ان كانت صحيفة حكومية.
ومما يزيد الطين بلة الحذر الشديد للمشرفين على الصحف الحزبية والحكومية من تناول أي نقد بناء يوجه الى الحزب او الحكومة او التطرق الى موضوعات محرمة وما أكثرها في ظل الأنظمة القمعية مثل قضايا الفساد وانتهاك حقوق الإنسان وغياب الحريات العامة وغيرها وذلك حفاظا على مناصبهم وامتيازاتهم وهم في العادة ملكيون أكثر من الملك. والصحفي الشريف في مثل هذه الصحف يكون امامه خياران كلاهما: اما ان يستسلم لمشيئة السلطة ويخسر بذلك نفسه وحرية التعبير عن آرائه ومواقفه او يترك العمل الصحفي وهو مصدر رزقه الوحيد ومهنته المحببة التي كرس حياته من اجلها.
ولكن عندما يشعر النظام الحاكم بأن الاستمرار في تكميم الأفواه وقمع المعارضة وانتشار الاستياء والتذمر بين أبناء الطبقات المسحوقة يشكل خطرا على استمراره في الحكم يلجأ الى اعطاء هامش من حرية النقد للصحافة الحكومية ومنح امتيازات اصدار صحف جديدة (مستقلة) شكلا وممولة وموجهة من قبل الحكومة فعلا، وذلك لامتصاص الغضب الشعبي في الداخل وتجميل صورة النظام في الخارج. ولدينا مثال صارح على ذلك، حيث لجأ النظام الصدامي في أعوامه الأخيرة الى اصدار عدد من الصحف الأسبوعية التي تتطرق الى موضوعات محرمة او تتناول بالنقد أعمال وقرارات مسؤولين حكوميين من الصف الثالث (درجة مدير عام فما دون).
وهكذا كان الوضع في روسيا في فترة ما بعد ذوبان الجليد حيث اضطرت السلطة السوفيتية تحت الضغط الشعبي واشتداد عود حركة المنشقين الى اعطاء هامش من حرية التعبير الى الصحف الثقافية على وجه الخصوص، لأن المثقفين السوفييت كانوا في طليعة من كان يتصدى للنظام الشمولي السوفييتي. والفرق الجوهري هنا بين الصحافة الأهلية الصدامية الغبية وبين الصحافة الروسية الرصينة الذكية ان العاملين في صحف صدام كانوا من المرتزقة الذين دجنهم النظام الفاشي، اما العاملون في عدد من الصحف السوفيتية الواسعة الانتشار، فقد كانوا من الكتاب والصحفيين المتعطشين الى الحرية والمتطلعين الى مستقبل أفضل لشعبهم.
كان هؤلاء الكتاب الروس من الذكاء بحيث يصعب وضعهم في خانة (المعارضين) للنظام القائم ومن المهارة المهنية بحيث تعجز معها الرقابة الحكومية الصارمة عن ايجاد مآخذ على المقالات والتحقيقات المنشورة في صحفهم. وسنتطرق في الفقرات اللاحقة لتجربة صحفية ناجحة وفريدة، ربما لا تتكرر في اي مكان أو زمان آخر ولكنها زاخرة بالدروس والعبر. فإلى الصحفيين العراقيين والعرب الأحرار الذين أرغمتهم الظروف على العمل في الصحافة الحزبية والحكومية في بلادنا أهدى هذا المقال.
صحيفة روسية أسهمت في صنع الأحداث وتغيير الواقع
لا تكتسب الصحيفة - أي صحيفة - أهميتها ونفوذها من سعة انتشارها وحضورها في الساحة الإعلامية فحسب وانما أيضا وربما في المقام الأول من مدى تأثيرها في اتجاهات الرأي العام وتعبيرها عما يشغل اذهان القراء من قضايا تمس حياتهم ومستقبلهم ومدى اسهامها في تغيير الواقع نحو الأفضل. وانطلاقا من هذه الحقائق، يمكننا القول ان الدور الذي لعبها صحيفة "ليتراتورنايا غازيتا " أي "الصحيفة الأدبية" الروسية في التحولات الجذرية التي شهدها المجتمع الروسي خلال العقود الثلاثة الماضية، لا نظير له في تأريخ الصحافة العالمية.
تأسست " ليتراتورنايا غازيتا " في عام 1926 كصحيفة تمثل الأدب السوفييتي الوليد ثم اصبحت الصحيفة المركزية الناطقة باسم "اتحاد الكتاب السوفييت" بعد تأسيس الاتحاد المذكور في عام 1934. وقد ظلت طوال أكثر من ربع قرن محدودة التأثير والنفوذ في ظل الرقابة الأيديولوجية المتزمتة. وبعد المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي الذي انعقد في اكتوبر عام 1956 وخطاب خروشوف الشهير في هذا المؤتمر حول الجرائم الدموية للعهد الستالينى وفى أجواء الانفتاح النسبي في فترة ما عرف بـ(ذوبان الجليد) حدث تحول مهم في سياسة الجريدة وتوجهاتها وطراً تغيير كبير في تحريرها واخراجها. وصدر أول عدد من الصحيفة في عهدها الجديد مع بداية عام 1957.
لقد اراد المخططون الآيديولوجيون في قيادة الحزب آنذاك ايجاد (صمام أمان) لتصريف بخار الغليان الذي طال احتباسه ومخاطبة المثقف الذكي والمستقل التفكير الذي تنتابه الشكوك حول مصداقية الصحافة الرسمية وما تنشره حول الانجازات المتتالية في شتى الميادين. ولكن الواقع أرحب دائما مما يفكر فيه المخططون، فقد تحولت الصحيفة تدريجيا الى منتدى فكرى للمثقفين الروس واصبحت صفحاتها ميدانا للحوار الفكري الخصب بين هؤلاء المثقفين وأخذت تنشر نتاجات الكتاب المستقلين فكريا الذين لم تكن السلطة تنظر اليهم بعين الارتياح وتتناول بالنقد والتحليل ما تحجم الصحافة الرسمية عن الخوض فيه أو التطرق اليه وتثير قضايا تتحاشاها تلك الصحافة وتنظر الى ما وراء الأفق من فوق رؤوس الرقباء الذين لم يكن يفارقهم التفاؤل الحزبي السطحي.
واستطاعت "ليتراتورنايا غازيتا " بمعالجاتها الذكية ولغتها غير المباشرة الحفاظ على خط التوازن الدقيق بين المسموح والممنوع وخاضت مغامرة معقدة وجريئة في آن معا وانتصرت على الرقابة في نهاية المطاف. ورغم ان (ليتراتورنايا غازيتا) ظلت صحيفة سوفيتية تنطق باسم اتحاد الكتاب السوفييت ولم تكن قادرة أن لا تكون كذلك وبصرف النظر عن اسمها، الا أنها أصبحت من الناحية العملية لسان حال المثقفين الروس بكل جدارة. ويمكن القول أن هذه الصحيفة هيأت الأجواء للتغييرات التي حدثت في الاتحاد السوفييتى في ما بعد ونعنى بذلك "البريسترويكا" وما أعقبها من تحولات جذرية والانتقال من النظام الشمولي على النمط السوفييتي الى الرأسمالية الليبرالية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وظهور صحف منافسة كثيرة وتردي الوضع الاقتصادي في البلاد وانحياز "ليتراتورنايا غازيتا" الكامل الى التيار الليبرالي، تقلص توزيعها من خمسة ملايين الى اقل من ربع مليون نسخة. وكان هذا نتيجة حتمية، ليس لأن القارئ العادي لم يكن قادرا على شراء الخبز، ناهيك عن اقتناء الصحيفة، بل لأن "ليتراتورنايا غازيتا " انساقت كثيرا وأوغلت في التأييد المطلق للنخبة الحاكمة الجديدة التي رفعت شعارات الديمقراطية الليبرالية والاقتصاد الحر في وقت كان الفساد الاداري يستشرى في أجهزة الدولة. ويعاني فيه المواطنون من ضنك العيش نتيجة لتراجع الانتاج الصناعي والزراعي وارتفاع أسعار السلع الضرورية والخدمات. وقد اعترف - رئيس تحرير الصحيفة - في مقاله الأفتتاحي لمناسبة مرور (50) عاما على صدور الصحيفة بشكلها الجديد بأن هيئة تحرير الصحيفة لم تلحظ على الفور انحراف الليبراليين ولم تفتح صفحاتها - كما كان الأمر في أواخر العهد السوفييتي - للآراء الأخرى ووعد بتصحيح هذا الخطأ الفادح وذلك يجعل الصحيفة مفتوحة من جديد لكل المثقفين جامعا على صفحاتها كتابا من شتى الاتجاهات والتيارات السياسية والأيديولوجية والأدبية والفنية ومعبرة عن كل تعقيدات المرحلة الراهنة التي يمر بها المجتمع الروسي.
وأردف قائلا: أن حرية الكلمة لا تعنى حرية فرض رأى معين على الآخرين، بل اتاحة الفرصة لكل انسان أن يعبر عن رأيه الخاص حول كل ما يجرى حوله وله مساس مباشر بحياته ومستقبله وعلى "ليتراتورنايا غازيتا " أن تكون محاورا ذكيا لكل مفكر ومثقف ومن دون هذا الحوار تظل الصحيفة مجرد أوراق ميتة لا قيمة لها على الأطلاق.