x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
أسرة النبي (صلى الله عليه وآله)
آبائه
زوجاته واولاده
الولادة والنشأة
حاله قبل البعثة
حاله بعد البعثة
حاله بعد الهجرة
شهادة النبي وآخر الأيام
التراث النبوي الشريف
معجزاته
قضايا عامة
الإمام علي بن أبي طالب
الولادة والنشأة
مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
حياة الامام علي (عليه السّلام) و أحواله
حياته في زمن النبي (صلى الله عليه وآله)
حياته في عهد الخلفاء الثلاثة
بيعته و ماجرى في حكمه
أولاد الامام علي (عليه السلام) و زوجاته
شهادة أمير المؤمنين والأيام الأخيرة
التراث العلوي الشريف
قضايا عامة
السيدة فاطمة الزهراء
الولادة والنشأة
مناقبها
شهادتها والأيام الأخيرة
التراث الفاطمي الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن (عليه السّلام)
التراث الحسني الشريف
صلح الامام الحسن (عليه السّلام)
أولاد الامام الحسن (عليه السلام) و زوجاته
شهادة الإمام الحسن والأيام الأخيرة
قضايا عامة
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسين (عليه السّلام)
الأحداث ما قبل عاشوراء
استشهاد الإمام الحسين (عليه السّلام) ويوم عاشوراء
الأحداث ما بعد عاشوراء
التراث الحسينيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام السجّاد (عليه السّلام)
شهادة الإمام السجّاد (عليه السّلام)
التراث السجّاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الباقر
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الباقر (عليه السلام)
شهادة الامام الباقر (عليه السلام)
التراث الباقريّ الشريف
قضايا عامة
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الصادق (عليه السلام)
شهادة الإمام الصادق (عليه السلام)
التراث الصادقيّ الشريف
قضايا عامة
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الكاظم (عليه السلام)
شهادة الإمام الكاظم (عليه السلام)
التراث الكاظميّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن موسى الرّضا
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الرضا (عليه السّلام)
موقفه السياسي وولاية العهد
شهادة الإمام الرضا والأيام الأخيرة
التراث الرضوي الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن علي الجواد
الولادة والنشأة
مناقب الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
شهادة الإمام محمد الجواد (عليه السّلام)
التراث الجواديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام علي بن محمد الهادي
الولادة والنشأة
مناقب الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
شهادة الإمام علي الهادي (عليه السّلام)
التراث الهاديّ الشريف
قضايا عامة
الإمام الحسن بن علي العسكري
الولادة والنشأة
مناقب الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
شهادة الإمام الحسن العسكري (عليه السّلام)
التراث العسكري الشريف
قضايا عامة
الإمام محمد بن الحسن المهدي
الولادة والنشأة
خصائصه ومناقبه
الغيبة الصغرى
السفراء الاربعة
الغيبة الكبرى
علامات الظهور
تكاليف المؤمنين في الغيبة الكبرى
مشاهدة الإمام المهدي (ع)
الدولة المهدوية
قضايا عامة
أول من أسلم وأول من أعلن إسلامه
المؤلف: الشيخ علي الكوراني
المصدر: السيرة النبوية عند أهل البيت عليهم السلام
الجزء والصفحة: ج1، ص303-348
2024-09-12
448
1 - أول من أسلم وأعلن إسلامه : عليٌّ وخديجة « عليهما السلام »
أ . أول من أسلم علي وخديجة وجعفر ، ثم أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن ينذر عشيرته الأقربين : روت مصادر الطرفين متواتراً عن علي قوله ( عليه السلام ) : « صليت قبل الناس بسبع سنين » « ابن ماجة : 1 / 44 ، الحاكم : 3 / 111 . وفي الترمذي : 5 / 304 » : « بُعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين ، وصلى وعلي ( عليه السلام ) يوم الثلاثاء » ! ورواه الحاكم : 3 / 112 وصححه .
وفي الأحوذي : 10 / 160 : « فيه دليل على أن أول من أسلم من الذكور هو علي
رضي الله عنه » . ومثله أبو يعلى : 1 / 348 ، والبدء والتاريخ / 303 ، عن أبي رافع .
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب : 3 / 1095 : « وروى مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال : استنبئ النبي ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين وصلى عليٌّ يوم الثلاثاء . وقال زيد بن أرقم : أول من آمن بالله بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي بن أبي طالب . . . الخ . » .
وحسَّنَه في مجمع الزوائد : 9 / 274 : « عن ابن عباس قال : أسلم زيد بن حارثة بعد علي ، فكان أول من أسلم بعده » . والطبراني الكبير : 5 / 84 ، الطبري : 2 / 60 ، تهذيب الكمال : 5 / 52 وسير الذهبي : 1 / 216 .
وقال ابن هشام : 1 / 163 : « وكان أول ذكر أسلم وصلى بعد علي بن أبي طالب رضي الله عنهما » . وسير الذهبي 1 / 13 وتاريخ دمشق 19 / 353 .
ب . وبعد القرن الخامس أنكر علماء السلطة أن علياً ( عليه السلام ) أول من أسلم ! ففي مقدمة ابن الصلاح / 178 : « قال الحاكم : لا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أن علي بن أبي طالب أولهم إسلاماً . واستُنكر هذا من الحاكم » !
واستنكره علماء السلطة بعد القرن الخامس ! أما قبله فكانوا متفقين مجمعين عليه !
قال في الصحيح من السيرة : 2 / 315 : « إن أول من أسلم واتبع وصدق وآزر وناصر ، هو أمير المؤمنين وإمام المتقين علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى أبنائه الأئمة الطاهرين . وأورد العلامة الأميني في الغدير : 3 / 95 ، أقوالاً لعشرات من كبار الصحابة والتابعين وغيرهم من الأعلام ، وعشرات من المصادر غير الشيعية ، تؤكد أن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) هو أول الأمة إسلاماً » .
وقال المناوي في فيض القدير : 4 / 468 : « علي أخي في الدنيا والآخرة : كيف وقد بُعث رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يوم الاثنين فأسلم وصلى يوم الثلاثاء ، فمكث يصلي مستخفياً سبع سنين ، كما رواه الطبراني عن أبي رافع . وفي أوسط الطبراني عن جابر مرفوعاً : مكتوب على باب الجنة لا إله إلا الله محمد رسول الله علي أخو رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي سنة ! وفيه : عن أبي أمامة أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : آخى بين الناس وآخى بينه وبين علي .
قال الإمام أحمد : ما جاء في أحد من الفضائل ما جاء في علي ! وقال النيسابوري : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأحاديث الحسان ما ورد في حق علي » .
ويحق لنا هنا أن نتعجب من ابن حجر الذي يعرف حديث الدار وإنذار العشيرة الأقربين أول البعثة ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أعلن علياً ( عليه السلام ) أخاه ووزيره ووصيه ، ويعرف الأحاديث الصحيحة المتقدمة في خلق نورالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ونور علي ( عليه السلام ) قبل الخلق ، ويعرف حديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) الصحيح إن الملائكة صلت عليه وعلى علي سبعاً ، لأنهما صليا قبل الناس سبع سنين ! ويعرف قول علي ( عليه السلام ) : « أنا عبد الله وأخو رسوله ، وأنا الصديق الأكبر ، لا يقولها بعدي إلا كذاب ! صليت قبل الناس لسبع سنين » . وأنه صحيح بشرط الشيخين !
ويعرف أنه لا يوجد حديث في إسلام أن أبا بكر أول من أسلم إلا ما نسبوه إلى عمار !
وقد صرح « فتح الباري : 7 / 130 » بأن البخاري لم يجد حديثاً في أن إسلام أبي بكر هو الأول ، إلا ما نسبه إلى عمار فقال : « اكتفى بهذا الحديث لأنه لم يجد شيئاً على شرطه غيره ، وفيه دلالة على قدم إسلام أبي بكر ، إذ لم يذكر عمار أنه رأى مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) من الرجال غيره » ! فيكفي عنده لإثبات أولية إسلام أبي بكر حديث مبهم ليرد به أحاديث قوية ويقول : « قد اتفق الجمهور على أن أبا بكر أول من أسلم من الرجال » . والجمهور هنا أتباع السلطة فقط ، واتفاقهم تم في القرن الخامس !
ج . أما روايات أهل البيت : فأجمعت على أن علياً وخديجة ( ( صلى الله عليه وآله ) ) أول من أسلم ، ومن ذلك ما رواه اليعقوبي : 2 / 22 : « أتاه جبريل ( عليه السلام ) ليلة السبت . . . وقال من رواه عن جعفر بن محمد : يوم الجمعة . . . وعلى جبريل جبة سندس ، وأخرج له درنوكاً من درانيك الجنة فأجلسه عليه ، وأعلمه أنه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وبلغه عن الله وعلمه : إقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ . وأتاه من غد وهو متدثر فقال : يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ . قُمْ فَأَنْذِرْ . .
وكان أول ما افترض عليه من الصلاة الظهر ، أتاه جبريل فأراه الوضوء فتوضأ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما توضأ جبريل ( عليه السلام ) ثم صلى ليريه كيف يصلي فصلى رسول الله . ثم أتى خديجة ابنة خويلد فأخبرها فتوضأت وصلت ، ثم رآه علي بن أبي طالب ففعل كما رآه يفعل . . . وكان أول من أسلم خديجة بنت خويلد « عليها السلام » من النساء ، وعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) من الرجال ، ثم زيد بن حارثة ، ثم أبو ذر » . وفي قصص الأنبياء للراوندي / 316 : « فكان يصلي خلف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) علي وجعفر وزيد وخديجة » .
وفي روضة الواعظين للنيشابوري / 85 ، عن علي ( عليه السلام ) قال : « إن أول صلاة ركعنا فيها صلاة العصر ، قلت يا رسول الله : ما هذا ؟ قال : أمرت به . قال أبو رافع : صلى النبي غداة الاثنين وصلت خديجة آخر نهار يوم الاثنين وصلى علي يوم الثلاثاء » .
ورواه محمد بن سليمان في المناقب : 1 / 278 ، بطريقين عن حبة العرني وأنس . وذخائر العقبى / 59 ، تفسير الإمام العسكري / 429 . وشرح الأخبار : 1 / 177 و 449 ، المناقب : 2 / 7 ، التعجب / 98 ، كنز الفوائد / 125 ، الإحتجاج : 1 / 37 وفيه : « بعث يوم الاثنين وصليت معه يوم الثلاثاء ، وبقيت معه أصلي سبع سنين ، حتى دخل نفر في الإسلام » .
وروى ابن طاووس « رحمه الله » في كتاب الطرف / 5 والبحار : 65 / 392 عن عيسى بن المستفاد ، أنه سأل الإمام الكاظم ( عليه السلام ) عن بدء الإسلام فقال : « سألت أبي جعفر بن محمد ( عليه السلام ) عن بدء الإسلام كيف أسلم علي ( عليه السلام ) وكيف أسلمت خديجة « عليهما السلام » ؟ فقال لي أبي : إنهما أسلما لما دعاهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا علي ويا خديجة أسلمتما لله وسلَّمتما له ؟ وقال : إن جبرئيل عندي يدعوكما إلى بيعة الإسلام ، فأسلما تسلما وأطيعا تُهديا ، فقالا : فعلنا وأطعنا يا رسول الله ، فقال : إن جبرئيل عندي يقول لكما : إن للإسلام شروطاً ومواثيق ، فابتداؤه بما شرط الله عليكما لنفسه ولرسوله أن تقولا : نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله ، أرسله إلى الناس كافة بين يدي الساعة ، ونشهد أن الله يحيي ويميت ويرفع ويضع ويغني ويفقر ويفعل ما يشاء ويبعث من في القبور . قالا : شهدنا . قال : وإسباغ الوضوء على المكاره واليدين والوجه والذراعين ، ومسح الرأس ومسح الرجلين إلى الكعبين ، وغسل الجنابة في الحر والبرد ، وإقام الصلوات ، وأخذ الزكوات من حلها ووضعها في أهلها ، وحج البيت ، وصوم شهر رمضان ، والجهاد في سبيل الله ، وبر الوالدين ، وصلة الرحم ، والعدل في الرعية والقسم في السوية ، والوقوف عند الشبهة إلى الإمام فإنه لا شبهة عنده ، وطاعة ولي الأمر بعدي ومعرفته في حياتي وبعد موتي ، والأئمة من بعده واحداً فواحداً ، وموالاة أولياء الله ومعاداة أعداء الله ، والبراءة من الشيطان الرجيم وحزبه وأشياعه . . . والحياة على ديني وسنتي ودين وصيي وسنته ، إلى يوم القيامة ، والموت على مثل ذلك ، غير شاقة لأمانته ولامتعدية ولامتأخرة عنه ، وترك شرب الخمر ، وملاحاة الناس . يا خديجة فهمت ما شرط عليك ربك ؟ قالت : نعم وآمنت وصدقت ورضيت وسلمت . قال علي : وأنا على ذلك . فقال : يا علي تبايع على ما شرطت عليك ؟ قال : نعم . . » .
2 - إسلام جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه
أ . أخبر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) أن جعفر بن أبي طالب ( عليه السلام ) نشأ على الفطرة وحنيفية إبراهيم ( عليه السلام ) ففي علل الشرائع : 2 / 558 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) قال : « أوحى الله تعالى إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إني شكرت لجعفر بن أبي طالب أربع خصال ، فدعاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأخبره فقال : لولا أن الله تبارك وتعالى أخبرك ما أخبرتك : ما شربت خمراً قط لأني علمت أني إن شربتها زال عقلي ، وما كذبت قط لأن الكذب ينقص المروءة ، وما زنيت قط لأني خفت أني إذا عملت عُمل بي ، وما عبدت صنماً قط لأني علمت أنه لا يضر ولا ينفع ! قال : فضرب النبي ( صلى الله عليه وآله ) على عاتقه وقال : حقٌّ لله تعالى أن يجعل لك جناحين تطير بهما مع الملائكة في الجنة » !
ب - . روى الصدوق في أماليه / 597 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : « أول جماعة كانت أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كان يصلي وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب معه ، إذ مرَّ أبو طالب به وجعفر معه ، فقال : يا بني صِلْ جناح ابن عمك . فلما أحسه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) تقدمهما ، وانصرف أبو طالب مسروراً ، وهو يقول :
إن علياً وجعفراً ثقتي * عند مهم الأمور والكرب
لا تخذلا وانصرا ابن عمكما * أخي لأمي من بينهم وأبي
والله لا يخذل النبي ولا * يخذله من بني ذو حسب
قال : فكانت أول جماعة جُمعت ، ذلك اليوم » .
والحدائق الناضرة : 11 / 91 ، صححه ، روضة الواعظين / 86 ، كنز الفوائد / 79 و 124 ، المناقب : 1 / 301 ، الطرائف / 305 ، عمدة الطالب / 23 ، حلية الأبرار 1 / 69 ، البحار : 35 / 174 ، إيمان أبي طالب للشيخ المفيد / 39 ، الفصول المختارة / 171 ، الوسائل : 8 / 288 ، جامع أحاديث الشيعة : 6 / 406 ، الغدير : 7 / 356 و 396 ، إعلام الورى : 1 / 103 ، كشف الغمة : 1 / 86 ،
نهج الإيمان / 376 . راجع الغدير : 7 / 396 ، مناقب محمد بن سليمان : 1 / 129 ، تأويل الآيات : 1 / 271 ، بتفاوت وشبيه به الكافي : 1 / 450 ، عن علي ( ( ع ) ) . وأبو هلال العسكري في الأوائل / 51 ، ونحوه النكت لابن حبيب : 4 / 437 ، العثمانية للجاحظ / 314 ، أبو حيان : 8 / 489 والآلوسي : 30 / 183 والإسكافي في نقض العثمانية .
ورواه أبو الفتح الكراجكي في كنز الفوائد / 124 ، بسنده عن أبي صفو بن صلصال بن الدلهمس ، قال : « كنت أنصر النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع أبي طالب قبل إسلامي ، فإني يوماً لجالس بالقرب من منزل أبي طالب في شدة القيض ، إذ خرج أبو طالب إليَّ شبيهاً بالملهوف فقال لي : يا أبا الغضنفر هل رأيت هذين الغلامين ؟ يعني النبي وعلياً . فقلت : ما رأيتهما مذ جلست ! فقال : قم بنا في الطلب فلست آمن قريشاً أن تكون اغتالتهما ! قال فمضينا حتى خرجنا من أبيات مكة ، ثم صرنا إلى جبل من جبالها فاسترقينا قلته ، فإذا النبي وعلي عن يمينه ، وهما قائمان بإزاء عين الشمس يركعان ويسجدان . قال : فقال أبو طالب لجعفر ابنه : صِلْ جناح ابن عمك ، فقام إلى جنب علي فأحس بهما النبي ( صلى الله عليه وآله ) فتقدمهما ، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا مما كانوا فيه ، ثم أقبلوا نحونا فرأيت السرور يتردد في وجه أبي طالب ثم انبعث يقول : إن علياً وجعفراً ثقتي . . الأبيات . » .
وهذا يدل على أن أبا طالب وجعفراً كانا مسلمَيْن قبل ذلك ، لأن جعفراً دخل مباشرة في الصلاة ، ولأن أبا طالب شهد بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ولم يصلِّ معهم لأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أمره أن يكتم إسلامه ، فلو أظهره لما استطاع أن يحمي النبي ( صلى الله عليه وآله ) . وكذا حمزة كان مسلماً يكتم إيمانه ، كما يدل حديث إسلام أبي ذر .
ج - . حذف بعض رواة السلطة أبيات أبي طالب ( رحمه الله ) من الحديث لأن فيها تصريحاً بإسلامه وإيمانه بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو يردُّ زعمهم بأنه مات مشركاً !
وزادوا فيه أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعا أبا طالب ليصلي معهم فرفض ، وقال كلمة سخرية من الصلاة كان يقولها المشركون الطلقاء !
ففي تاريخ بغداد : 2 / 271 عن علي ( عليه السلام ) قال : « بينا أنا مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حِيرٍ « مُحَوَّطة » لأبي طالب ، أشرف علينا أبو طالب فبصر به النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا عم ألا تنزل فتصلي معنا ؟ قال : ابن أخي إني لأعلم أنك على حق ولكني أكره أن أسجد فتعلوني إستي ! ولكن إنزل يا جعفر فصل جناح ابن عمك . فنزل جعفر فصلى عن يسار النبي ( صلى الله عليه وآله ) فلما قضى النبي صلاته التفت إلى جعفر فقال : أما إن الله قد وصلك بجناحين تطير بهما في الجنة كما وصلت جناح ابن عمك .
قال الشيخ أبو بكر : تفرد برواية هذا الحديث عن سفيان الثوري ابن أخته سيف بن محمد ، ولا نعلم رواه عنه إلا السمتي » . ورواه في تاريخ دمشق : 54 / 164 ، خيثمة / 206 ، طبقات الحنابلة 1 / 309 ، اللالكائي : 8 / 1420 . ورده الذهبي في ميزان الإعتدال : 2 / 257 ، لأنه يثبت إسلام جعفر بن أبي طالب ( ( رحمه الله ) ) قبل أبي بكر !
د . في المناقب : 1 / 176 : « سنة ثمان في جمادى الأولى وقعة مؤتة ، وهم ثلاثة آلاف . في كتاب أبان قال الصادق ( صلى الله عليه وآله ) : إنه استعمل عليهم جعفراً فإن قتل فزيد ، فإن قتل فابن رواحة ، ثم خرجوا حتى نزلوا معان ، فبلغهم أن هرقل قد نزل بمأرب في مائة الف من الروم ومائة ألف من المستعربة ، فانحازوا إلى أرض يقال لها المشارف ، ونسبت السيوف المشرفية إليها لأنها طبعت لسليمان بن داود « عليهما السلام » ، فاختلفوا في القتال أو في إخبار النبي ( صلى الله عليه وآله ) بكثرتهم فقال ابن رواحة : ما نقاتل الناس بكثرة وإنما نقاتلهم بهذا الدين ! فلقوا جموعهم بقرى البلقاء ، ثم انحازوا إلى مؤتة .
وفي البخاري : نعى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جعفراً ، وزيداً ، وابن رواحة ، قبل أن يجئ خبرهم وعيناه تذرفان . زيد بن أرقم : حارب جعفر على أشقره حتى عقر ، وهو أول من عقر فرسه في الإسلام ، فحارب راجلاً حتى قتل . عن الباقر ( عليه السلام ) قال : أصيب يومئذ جعفر وبه خمسون جراحة ، خمس وعشرون منها في وجهه » .
وفي الكافي : 1 / 49 عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) : « لما كان يوم مؤتة كان جعفر على فرسه فلما التقوا نزل عن فرسه فعرقبها بالسيف ، وكان أول من عرقب في الإسلام » .
وفي التنبيه والإشراف / 230 ، للمسعودي أن هرقل : « يومئذ مقيم بأنطاكية وعلى الروم تيادوقس البطريق ، وعلى متنصرة العرب من غسان وقضاعة وغيرهم شرحبيل بن عمرو الغساني ، فقتل زيد بن حارثة وجعفر بن أبي طالب بعد أن عرقب فرسه ، وهو أول فرس عرقبت في الإسلام ، وجرح نيفاً وتسعين جراحة كلها في مقادمه ، وقتل عبد الله بن رواحة ، ورجع خالد بن الوليد بالناس » .
ه - . عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن النبي ( صلى الله عليه وآله ) حين جاءته وفاة جعفر بن أبي طالب وزيد بن جابركان إذا دخل بيته كثر بكاؤه عليهما جداً ويقول : كانا يحدثاني ويؤنساني فذهبا جميعاً . ولما انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من واقعة أحد إلى المدينة سمع من كل دار قتل من أهلها قتيلاً نوحاً وبكاءً ، ولم يسمع من دار حمزة عمه ، فقال : لكن حمزة لا بواكي له ! فآلى أهل المدينة أن لا ينوحوا على ميت ولا يبكوه حتى يبدؤوا بحمزة فينوحوا عليه ويبكوه ، فهم إلى اليوم على ذلك » . الفقيه : 1 / 183 .
3 - كان أبو طالب وحمزة يخفيان إسلامهما
أ . كان أبو طالب كأبيه عبد المطلب رضوان الله عليهما ، يعرف أن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) هو النبي الموعود من ذرية إبراهيم وإسماعيل ( صلى الله عليه وآله ) ، ويؤمن به من صغره ويحبه ويحرسه .
أما حمزة « رحمه الله » فذكر رواة السلطة أنه أسلم في السنة الثالثة أو الرابعة عندما شتم أبو جهل النبي ( صلى الله عليه وآله ) فغضب وانتصر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وضرب أبا جهل وأعلن إسلامه .
لكن الصحيح أنه يومئذ أعلن ، وأنه أسلم أول بعثة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ووقف إلى جنبه في مواجهة قريش ، ووقاه بنفسه مع أبي طالب وعلي وجعفر وزيد بن حارثة ، كما يدل حديث إسلام أبي ذر « رحمه الله » الآتي ، وأن أبا طالب رتب نظام حراسة مشددة حول النبي ( صلى الله عليه وآله ) وكان يدقق في من يريد لقاءه .
فقد روى الكليني في الكافي : 8 / 297 والصدوق في الأمالي / 567 ، حديث إسلام أبي ذر وإصراره أن يرى النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى قال له أبو طالب : « قم معي ، فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة فسلمت عليه وجلست فقال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ فقال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت قال : فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر . . » .
أقول : آمن أبو ذر بنبوة النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن يراه ، لأن الله أنطق له الذئب ،
كما يأتي .
ب . أعلن حمزة إسلامه يوم ثأر للنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وتحدى قريشاً في ناديهم ، وضرب أبا جهل زعيم بني مخزوم ! فقد روى ابن إسحاق : 2 / 151 وابن هشام : 1 / 188 : « أن أبا جهل اعترض رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند الصفا فآذاه وشتمه ، ونال منه ما يكره من العيب لدينه والتضعيف له ، فلم يكلمه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومولاةٌ لعبد الله بن جدعان التيمي في مسكن لها فوق الصفا تسمعُ ذلك ، ثم انصرف عنه ، فعمد إلى ناد لقريش عند الكعبة فجلس معهم .
ولم يلبث حمزة بن عبد المطلب أن أقبل متوشحاً قوسه راجعاً من قنص له ، وكان إذا رجع لم يرجع إلى أهله حتى يطوف بالكعبة ، وكان إذا فعل ذلك لا يمر على ناد من قريش إلا وقف وسلم وتحدث معهم ، وكان أعز قريش وأشدها شكيمة ، وكان يومئذ مشركاً على دين قومه « في الظاهر » فلما مر بالمولاة وقد قام رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فرجع إلى بيته ، فقالت له : يا أبا عمارة لو رأيت ما لقي ابن أخيك من أبي الحكم آنفاً قُبَيْل ؟ وجده هاهنا فآذاه وشتمه وبلغ منه ما يكره ، ثم انصرف عنه ولم يكلمه محمد ! فاحتمل حمزة الغضب لما أراد الله عز وجل به من كرامته ، فخرج سريعاً لا يقف على أحد - كما كان يصنع حين يريد الطواف بالبيت - مُعداً لأبي جهل أن يقع به ، فلما دخل المسجد نظر إليه جالساً في القوم فأقبل نحوه حتى إذا قام على رأسه رفع القوس وضربه بها ضربة شجه بها شجة منكرة ! وقامت رجال من قريش من بني مخزوم إلى حمزة لينصروا أبا جهل منه فقالوا : ما نراك يا حمزة إلا قد صبأت ! قال حمزة : وما يمنعني منه وقد استبان لي منه ذلك ، وأنا أشهد أنه رسول الله وأن الذي يقول حق ، فوالله لا أنزع ، فامنعوني إن كنتم صادقين ! فقال أبو جهل : دعوا أبا عمارة ، فإني والله لقد سببت ابن أخيه سباً قبيحاً » !
وقال في الصحيح من السيرة : 3 / 153 : « قوله الأخير : وما يمنعني وقد استبان لي منه أنه رسول الله والذي يقول حق : أنه لم يكن في إسلامه منطلقاً من عاطفته التي أثيرت وحسب ، وإنما سبقت ذلك قناعة كاملة مما شاهده عن قرب . . .
وبعد إسلام حمزة بن عبد المطلب بدأت تتراجع قريش وتلين من موقفها ، وتدخل في مفاوضات معه ( صلى الله عليه وآله ) ، وتعطيه بعض ما يريد ، لأنها رأت أن المسلمين يزيد عددهم ويكثر ، فكلمه عتبة فأبى ( صلى الله عليه وآله ) كل عروضهم » . البدء والتاريخ : 5 / 98 .
ج . تعصب رواة قريش على بني هاشم ، فجردوا حمزة من فضيلة سبقه إلى الإسلام ، وقرنوا به عمر وكأنه شجاع مقاتل مثله ، وخففوا من تمثيل هند بجثمان حمزة ومحاولتها أكل كبده ، أو أنكروا ذلك . كما خففوا من جريمة قاتله وحشي غلام هند ، ونسبوا اليه أنه قتل مسيلمة الكذاب فغفر الله له قتله حمزة !
ثم افتروا على حمزة بأنه كان يشرب الخمر صحيح بخاري 3 / 80 و 4 / 41 وأنه سكر يوماً وجاء إلى جملين لعلي ( عليه السلام ) فشق بطنيهما وأخذ كبديهما ، وجلس يشرب الخمر وجاريته تغنيه ! فشكوه إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فجاء مع علي وزيد ، فشتمهم حمزة ! فتركه النبي ( صلى الله عليه وآله ) لما رآه سكراناً ! وقد فند ذلك في الصحيح من السيرة : 5 / 290 .
د . كان علي وحمزة بطلا معركة بدر التي غيرت موازين القوى بين النبي ( صلى الله عليه وآله ) والمشركين . فقد سأل أمية بن خلف : « من المُعَلَّم بريشة نعامة في صدره ؟ قلت ذاك حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) . قال : ذاك فعل بنا الأفاعيل منذ اليوم » . الحاكم : 2 / 117 .
ه - . وفي معركة أحُد انتصر المسلمون في الجولة الأولى ، ببطولة علي وحمزة ، ثم خالفوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) فانهزمو ا ، وثبت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وعلي وحمزة ، فقتل حمزة « رحمه الله » .
قال في الإرشاد : 2 / 83 : « وكانت هند بنت عتبة جعلت لوحشي جعلاً على أن يقتل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) أو حمزة بن عبد المطلب ، فقال لها : أما محمد فلا حيلة لي فيه لأن أصحابه يطيفون به ، وأما علي فإنه إذا قاتل كان أحذر من الذئب ، وأما حمزة فإني أطمع فيه لأنه إذا غضب لم يبصر بين يديه . وكان حمزة يومئذ قد أُعلم بريشة نعامة في صدره ، فكمن له وحشي في أصل شجرة ، فرآه حمزة فبدر إليه بالسيف فضربه ضربة أخطأت رأسه ، قال وحشي : وهززت حربتي حتى إذا تمكنت منه رميته فأصبته في أربيته « أسفل بطنه » فأنفذته ، وتركته حتى إذا برد صرت إليه فأخذت حربتي ، وشغل عني وعنه المسلمون بهزيمتهم . وجاءت هند فأمرت بشق بطن حمزة ، وقطع كبده ، والتمثيل به ، فجذعوا أنفه وأذنيه ، ومثلوا به » .
وفي تفسير القمي : 1 / 117 : « فقطعت مذاكيره وقطعت أذنيه وجعلتهما خرصين وشدتهما في عنقها ، وقطعت يديه ورجليه » .
وفي شرح النهج : 14 / 271 : « كانت هند بنت عتبة أول من مثل بأصحاب النبي وأمرت النساء بالمثلة وبجدع الأنوف والآذان ، فلم تبق امرأة إلا عليها معضدان ومسكتان وخَدَمتان » !
والمعضد ما يلبس في العضد ، والمسكة سوار يلبس في ذراع اليد ، والخدمة الخلخال يلبس في الساق .
وفي مسند أحمد : 1 / 463 ، ابن أبي شيبة : 8 / 492 وفتح الباري : 7 / 272 : « وأخذت هند كبده فلاكتها فلم تستطع أن تأكلها ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أأكلت منه شيئاً ؟ قالوا : لا . قال ما كان الله ليدخل شيئاً من حمزة النار » .
وفي تفسير البغوي : 3 / 91 : « فمضغتها ثم استرطبتها لتأكلها ، فلم تلبث في بطنها حتى رمت بها فبلغ ذلك النبي ( صلى الله عليه وآله ) فقال : أما إنها لو أكلتها لم تدخل النار أبداً ، إن حمزة أكرم على الله تعالى من أن يدخل شيئاً من جسده النار » .
قال الحافظ ابن عقيل في النصائح الكافية / 112 : « كانت شديدة العداوة للنبي ( صلى الله عليه وآله ) بمكة ، ولما تجهز مشركوا قريش لغزوة أحد ، خرجت معهم تحرض المشركين على القتال . ولما مروا بالأبواء حيث قبر أم النبي ( صلى الله عليه وآله ) آمنة بنت وهب « عليها السلام » ، أشارت على المشركين بنبش قبرها وقالت : لو نبشتم قبر أم محمد ، فإن أسرَ منكم أحداً فديتم كل إنسان بإرب من آرابها أي جزء من أجزائها ! فقال بعض قريش : لايفتح هذا الباب » !
وقال المحامي أحمد حسين يعقوب في مذبحة كربلاء / 74 : « خذ على سبيل المثال : أم معاوية هند بنت عتبة ، وهي امرأة والمرأة على الغالب ترمز للرحمة وتجنح للموادعة ، لكن هنداً لم تكتف بأن يخرج زوجها وابناها لمعركة أحد ، بل أصرت على الخروج بنفسها وحملت نساء البطون على الخروج ، لتشهد العنف والدم على الطبيعة ! لقد تيقنت من قتل حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) لكنها لم تكتف بقتله بل سارت بخطى ثابتة حتى وقفت بجانب جثته ، وبأعصاب باردة شقت بطن حمزة وهو ميت واستخرجت كبده ، وحاولت أن تأكله ! ثم قطعت أذنيه وأنفه ومثلت به أشنع تمثيل ! فإذا كانت المرأة منهم تفعل بضحيتها هكذا ، فكيف يفعل أبو سفيان ومعاوية وذريتهم بضحاياهم ؟ ! هذه هي البيئة الدموية التي تربى فيها يزيد مهندس مذبحة كربلاء ! فأبوه معاوية وجده أبو سفيان وجدته هند ! لقد ورث العنف والتنكيل بخصومه كابراً عن كابر » .
وفي شرح الأخبار للقاضي المغربي : 1 / 281 : « مضى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يلتمس حمزة ، فوجده وقد بقروا بطنه عن كبده ! فقال حين رآه : أما إنه لولا أن تحزن صفية ويكون سنة بعدي لتركته حتى يكون في بطون السباع وحواصل الطير ! ثم قال : والله ما وقفت موقفاً قط أغيظ لي من هذا الموقف ! فهبط جبرئيل فقال : يا محمد إنه مكتوب في أهل السماوات إن حمزة أسد الله وأسد رسوله .
ثم أمر به صلوات الله عليه فسجي ببردة ثم صلى عليه فكبر سبع تكبيرات ثم أتى بالقتلى يوضعون إلى حمزة فيصلي عليه وعليهم ، حتى صلى اثنين وسبعين صلاة . ثم أمر به فدفن في مصرعه ، وأمر بالقتلى كذلك أن يدفنوا في مصارعهم وقال : أنا أشهد على هؤلاء أنه ما من أحد يجرح في الله إلا واللهُ عز وجل يبعثه يوم القيامة بدم جرحه ، اللون لون الدم والريح ريح المسك » .
و . رويَ أن وحشياً أسلم وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) سأله كيف قتل حمزة ، ثم قال له : « غَيِّبْ وجهك عني ، فإني لا أستطيع أن أرى قاتل حمزة » ! شرح الأخبار : 1 / 268 .
وروي أنه حسن إسلامه وجاهد « ذخائر العقبى / 178 » وأن الله قد يتوب عليه ، ففي الكافي : 2 / 381 : « عن حمزة بن الطيار قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : الناس على ستة أصناف ، قال قلت : أتأذن لي أن أكتبها ؟ قال : نعم . قلت : ما أكتب ؟ قال : اكتب أهل الوعيد من أهل الجنة وأهل النار . واكتب : وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا . قال قلت :
مَن هؤلاء ؟ قال : وحشي منهم . قال : واكتب : وَآخَرُونَ مَرْجَوْنَ لأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ . قال : واكتب : إِلا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً « إلى الكفر » وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً « إلى الإيمان » فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَعَنْهُمْ . قال : واكتب أصحاب الأعراف قال قلت : وما أصحاب الأعراف ؟ قال : قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فإن أدخلهم النار فبذنوبهم ، وإن أدخلهم الجنة فبرحمته » .
ز . من زيارة قبر حمزة ( رحمه الله ) : « السلام عليك يا عم رسول الله وخير الشهداء . السلام عليك يا أسد الله وأسد رسوله ، أشهد أنك جاهدت في الله ، ونصحت لرسول الله وجدت بنفسك ، وطلبت ما عند الله ورغبت فيما وعد الله . كامل الزيارات / 62 .
ح . في كشف الإرتياب / 55 : « هدموا جميع ما بالمدينة ونواحيها من القباب والأضرحة والمزارات ، فهدموا قبة أئمة أهل البيت « عليهم السلام » بالبقيع ، ومعهم العباس عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدرانها ، وأزالوا الصندوق والقفص الموضوعين على قبورهم ، وصرفوا على ذلك ألف ريال مجيدي . . وهدموا قباب عبد الله وآمنة أبوي النبي ( صلى الله عليه وآله ) . . وكانوا قبل ذلك هدموا قبة حمزة عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشهداء أحد حتى أصبح مشهد حمزة والشهداء والجامع الذي بجانبه ، وتلك الأبنية كلها أثراً بعد عين ، ولا يرى الزائر لقبر حمزة اليوم إلا قبراً في برية ، على رأس تل من التراب » !
4 - زيد بن حارثة الذي اختار النبي ( ( صلى الله عليه وآله ) ) على أبيه !
في تفسير القمي : 2 / 172 ، بسند صحيح عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) ، قال : « كان سبب نزول ذلك « وَإِذْ تَقُولُ للذِى أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ . . » أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لما تزوج بخديجة بنت خويلد خرج إلى سوق عكاظ في تجارة لها ، ورأي زيداً يباع ، ورآه غلاماً كَيِّساً حصيفاً فاشتراه ، فلما نُبئ رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) دعاه إلى الإسلام فأسلم ، وكان يدعى زيد مولى محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما بلغ حارثة بن شراحبيل الكلبي خبر ولده زيد ، قدم مكة وكان رجلاً جليلاً ، فأتى أبا طالب فقال : يا أبا طالب إن ابني وقع عليه السبي وبلغني أنه صار إلى ابن أخيك ، فسله إما أن يبيعه وإما أن يفاديه وإما أن يعتقه . فكلم أبو طالب رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : هو حرٌّ فليذهب كيف يشاء ، فقام حارثة فأخذ بيد زيد فقال له : يا بني إلحق بشرفك وحسبك ، فقال زيد : لست أفارق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) أبداً ! فقال له أبوه : فتدع حسبك ونسبك وتكون عبداً لقريش ؟ فقال زيد : لست أفارق رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما دمت حياً ! فغضب أبوه فقال : يا معشر قريش اشهدوا أني قد برئت منه وليس هو ابني ! فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : اشهدوا أن زيداً ابني أرثه ويرثني ، فكان يدعى زيد بن محمد ، فكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يحبه وسماه زيد الحِبّ ، فلما هاجر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى المدينة زوجه زينب بنت جحش » . وسيأتي طلاقه لها ، وتزويج الله رسوله ( صلى الله عليه وآله ) بها .
5 - أبو ذر الغفاري ( ( رحمه الله ) ) رابع المسلمين المعلنين إسلامهم
أ . كان أبو ذر قبل الإسلام يصلي بهداية فطرته ! قال : « صليت قبل الناس بأربع سنين ، قلت له : من كنت تعبد ؟ قال : إله السماء » . دلائل النبوة : 4 / 1307 .
« قلت : يا أبا ذر أين كنت تتوجه ؟ قال : كنت أتوجه حيث وجهني الله ، كنت أصلي من أول الليل فإذا كان آخر الليل ألقيت هذا ، حتى كأنما أنا خفاء حتى تعلوني الشمس » . الطبراني الأوسط : 3 / 246 .
وفي الكافي : 8 / 297 ، وأمالي الصدوق / 567 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « قال لرجل من أصحابه : ألا أخبرك كيف كان سبب إسلام سلمان وأبي ذر رحمة الله عليهما ؟ فقال الرجل وأخطأ : أما إسلام سلمان فقد علمت ، فأخبرني كيف كان سبب إسلام أبي ذر ؟ فقال أبو عبد الله الصادق ( عليه السلام ) : إن أبا ذر « رحمه الله » كان في بطن مُرّ « واد قرب مكة » يرعى غنماً له ، فأتى ذئب عن يمين غنمه فهش بعصاه على الذئب ، فجاء الذئب عن شماله فهش عليه أبو ذر ، ثم قال له أبو ذر : ما رأيت ذئباً أخبث منك ولا شراً ! فقال له الذئب : شرٌّ والله مني أهل مكة بعث الله عز وجل إليهم نبياً فكذبوه وشتموه ! فوقع في أذن أبي ذر فقال لامرأته : هلمي مزودي وإداوتي وعصاي ، ثم خرج على رجليه يريد مكة ليعلم خبر الذئب وما أتاه به ! حتى بلغ مكة فدخلها في ساعة حارة وقد تعب ونصب ، فأتى زمزم وقد عطش فاغترف دلواً فخرج لبن ! فقال في نفسه : هذا والله يدلني على أن ما خبرني الذئب وما جئت له حق ، فشرب وجاء إلى جانب من جوانب المسجد ، فإذا حلقة من قريش فجلس إليهم فرآهم يشتمون النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما قال الذئب ! فما زالوا في ذلك من ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) والشتم له حتى جاء أبو طالب من آخر النهار ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : كفُّوا فقد جاء عمه ! قال فكفوا فلما دنا منهم أكرموه وعظموه ، فلم يزل أبو طالب متكلمهم وخطيبهم إلى أن تفرقوا . فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلي فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم . قال : وما حاجتك إليه ؟ فقال له أبو ذر : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ، ولا يأمرني بشئ إلا أطعته . فقال أبو طالب : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال فقلت : نعم ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله . فقال قال : وتفعل ؟ قلت : نعم قال : فتعال غداً في هذا الوقت إليَّ حتى أدفعك إليه ، قال : بتُّ تلك الليلة في المسجد حتى إذا كان الغد جلست معهم ، فما زالوا في ذكر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وشتمه حتى إذا طلع أبو طالب ، فلما رأوه قال بعضهم لبعض : أمسكوا فقد جاء عمه ! فأمسكوا ، فلما قام أبو طالب تبعته فالتفت إلي فقال : ما حاجتك ؟ . « فأعاد عليه ما قاله » فقال : قم معي فتبعته فدفعني إلى بيت فيه حمزة فسلمت عليه وجلست ، فقال لي : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ فقال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت قال : فدفعني حمزة إلى بيت فيه جعفر فسلمت عليه وجلست فقال لي جعفر : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم قال : وما حاجتك إليه ؟ فقلت : أو من به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله ؟ قال فشهدت فدفعني إلى بيت فيه علي سلمت وجلست فقال : ما حاجتك ؟ فقلت : هذا النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه وأعرض عليه نفسي ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ قال : فشهدت فدفعني إلى بيت فيه رسول الله فسلمت وجلست فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما حاجتك ؟ قلت : النبي المبعوث فيكم ؟ قال : وما حاجتك إليه ؟ قلت : أؤمن به وأصدقه ولا يأمرني بشئ إلا أطعته ، فقال : تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ؟ فقلت : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، فقال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا أبا ذر انطلق إلى بلادك فإنك تجد ابن عم لك قد مات وليس له وارث غيرك ، فخذ ماله وأقم عند أهلك حتى يظهر أمرنا ! قال : فرجع أبو ذر فأخذ المال وأقام عند أهله حتى ظهر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . فقال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : هذا حديث أبي ذر وإسلامه رضي الله عنه وأما حديث سلمان فقد سمعته ! فقال : جعلت فداك حدثني بحديث سلمان ، فقال : قد سمعتَهُ ، ولم يحدثه لسوء أدبه » .
وفي رواية الصدوق : « قال أبو ذر : فانطلقت إلى بلادي فإذا ابن عم لي قد مات وخلف مالاً كثيراً في ذلك الوقت الذي أخبرني فيه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فاحتويت على ماله ، وبقيت ببلادي حتى ظهر أمر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فأتيته » .
وفي قصص الأنبياء للراوندي / 304 : « فلما انصرفت إلى قومي أخبرتهم بذلك ، فأسلم بعضهم وقال بعضهم : إذا دخل رسول الله أسلمنا ، فلما قدم أسلم بقيتهم » .
أقول : يدل هذا الحديث على أن أبا طالب وحمزة وجعفراً وعلياً « عليهم السلام » قد أسلموا من أول الأمر ، وأحاطوا بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) وحرسوه ، ودعوا الناس إلى الإيمان به بأساليب متنوعة تتناسب مع كل واحد منهم ، ودوره الذي حدده له النبي ( صلى الله عليه وآله ) .
لكن زعماء قريش الذين عادوا النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأسرته وحاربوهم ثم أبعدوا عترته عن خلافته ، يريدون حذف أي دور لعترته في دعوته !
وقد روت مصادر السلطة إسلام أبي ذر « رحمه الله » بصيغ متفاوتة ، أشهرها رواية البخاري : 4 / 241 قال : « عن ابن عباس قال : لما بلغ أبا ذر مبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال لأخيه : إركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي يأتيه الخير من السماء ، واسمع من قوله ثم أئتني . فانطلق الأخ حتى قدمه وسمع من قوله ( صلى الله عليه وآله ) ثم رجع إلى أبي ذر فقال له : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاماً ما هو بالشعر . فقال : ما شفيتني مما أردت ! فتزود وحمل شِنَّةً له فيها ماء حتى قدم مكة فأتى المسجد ، فالتمس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولا يعرفه ، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل ، فرآه عليٌّ فعرف أنه غريب ، فلما رآه تبعه فلم يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ حتى أصبح ، ثم احتمل قربته وزاده إلى المسجد ، وظل ذلك اليوم ولا يراه النبي ( صلى الله عليه وآله ) حتى أمسى فعاد إلى مضجعه ، فمر به عليٌّ فقال : أما نال للرجل أن يعلم منزله ! فأقامه فذهب به معه لا يسأل واحد منهما صاحبه عن شئ ! حتى إذا كان يوم الثالث فعاد على عليٍّ مثل ذلك فأقام معه ، ثم قال : ألا تحدثني ما الذي أقدمك ؟ قال : إن أعطيتني عهداً وميثاقاً لترشدنني فعلت ، ففعل فأخبره ، قال : فإنه حق وهو رسول الله ، فإذا أصبحت فاتبعني فإني إن رأيت شيئاً أخاف عليك ، فقمت كأني أريق الماء ، فإن مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي ففعل ، فانطلق يقفوه حتى دخل على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ودخل معه ، فسمع من قوله وأسلم مكانه ، فقال له النبي إرجع إلى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري . قال : والذي نفسي بيده لأصرخن بها بين ظهرانيهم ! فخرج حتى أتى المسجد فنادى بأعلى صوته : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم قام القوم فضربوه حتى أضجعوه ، وأتى العباس فأكب عليه ، قال : ويلكم ألستم تعلمون أنه من غفار وأن طريق تجاركم إلى الشام فأنقذه منهم ، ثم عاد من الغد لمثلها فضربوه وثاروا إليه ، فأكبَّ العباس عليه » .
ب - لم يرو بخاري شيئاً من كرامات أبي ذر ( رحمه الله ) مثل أنه كان موحداً على الفطرة ، وكان يصلي لربه كما هداه ، وقد رواه البيهقي وغيره ، وأن الله أكرم أبا ذر بأن كلمه الذئب ، وأرشده إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) كما رواه الكليني ، ولا روى بخاري كرامة شبعه وريِّه بماء زمزم ، كما رواه مسلم وغيره . . الخ . كما حذف بخاري ذكر أبي طالب وحمزة وجعفر من روايته ! ثم اختار روايته عن ابن عباس مع أنه لم يكن مولوداً عندما أسلم أبو ذر ، ولا أسند روايته إلى أبي ذر أو من عاصره وسمع منه !
وكذا غيَّب بخاري العديد من أحاديث أبي ذر « رحمه الله » وفيها الصحيح على شرطه !
وهذا ليس عجيباً ، فقد كان بخاري يعتاش من مال المتوكل ، ويطبق سياسته في طمس ذكر أبي طالب وإسلامه ، وتنقيص مكانة عترة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ومن والاهم كأبي ذر « رحمه الله » ! وقد زعم بخاري أن العباس خلَّصَ أبا ذر مرتين من أيدي قريش !
ج - يظهر تعصب بخاري ضد أبي ذر ( رحمه الله ) عندما تقارن ما رواه عنه في صحيحه بما أهمله من الصحيح على شرطه ، كجهاده مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) في كل حروبه ، وشهادات النبي العظيمة فيه ، وموقفه من السقيفة ، وجهاده عشرين سنة في فتوح الشام وفلسطين لبنان وقبرص ومصر ، وجهره بموالاة أهل البيت « عليهم السلام » ، وروايته أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) فيهم وفي مخالفيهم ، وثورته على معاوية وعثمان ، ونفي معاوية له إلى بر الشام ، ونفي عثمان له إلى الربذة ، وموته فيها غريباً وحيداً ، وصلاة ركب من الصالحين عليه ، فيهم مالك الأشتر « رحمه الله » كما أخبرالنبي ( صلى الله عليه وآله ) .
وغاية ما رواه البخاري قول أبي ذر : 1 / 25 : « لو وضعتم الصمصامة على هذه ، وأشار إلى قفاه ، ثم ظننت أنى أنفذ كلمة سمعتها من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبل أن تجيزوا عليَّ ، لأنفذتها » . وكتم أنه قال ذلك لما منعه عثمان من التحديث !
بل زوَّر البخاري عن عمد نفي عثمان له إلى الربذة بأنه كان بسبب خلافٍ بسيطٍ مع معاوية في تفسير قوله تعالى : وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . فشكاه معاوية إلى عثمان فجاء أبو ذر إلى المدينة : « فكثر عليَّ الناس حتى كأنهم لم يروني قبل ذلك ، فذكرت ذلك لعثمان فقال لي : إن شئت تنحيت فكنت قريباً . فذاك الذي أنزلني هذا المنزل » أي الربذة . 2 / 111 و 5 / 203 .
د - ثم روى بخاري أن النبي ( صلى الله عليه وآله ) ذم أبا ذر ، وقال له : إنك امرؤ فيك جاهلية ! « 1 / 13 و 3 / 123 و 7 / 85 » . وأمره أن يطيع الحاكم بعده حتى لو كان عبداً حبشياً : « اسمع وأطع ولو لحبشي كأنَّ رأسه زبيبة » : 1 / 171 . أي وجهه كالزبيبة السوداء .
وروى عن أبي ذر أحاديث عديدة لتأييد مكذوبات رواة السلطة ، منها أن النبي حكم بأن التوحيد كافٍ لدخول الجنة حتى بدون إيمان بالنبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وحتى لو زنى وسرق ، على رغم أنف أبي ذر ! « 2 / 69 و 4 / 81 و 7 / 43 و 137 و 176 و 8 / 196 » وحديث أن الشمس تستأذن بالسجود تحت العرش فلايؤذن لها ! « 4 / 75 و 6 / 30 و 8 / 136 و 178 » . وأن المسجد الحرام كان أول بيت وضعه الله للناس قبلة ، ثم وضع المسجد الأقصى بعده بأربعين يوماً ! 4 / 117 و 136 .
وحديث أن جبرئيل شق صدر النبي ( صلى الله عليه وآله ) وغسله بماء من طست من ذهب ، ثم عرج به ! « 1 / 91 و 2 / 167 و 4 / 106 » . ثم روى عنه أحاديث عادية : 3 / 82 و 4 / 121 و 156 ، 5 / 6 و 242 و 6 / 150 ، 7 / 81 و 84 و 150 ، 219 ، 8 / 216 .
بينما روت مصادرنا ومصادر السلطة الكثيرالوفير المهم عن أبي ذر ، وكتب العلماء فيه بحوثاً ضافية وكتباً خاصة ، وكتبنا عنه موجزاً في ترجمة معاوية وأبيه .
ه - روى مسلم : 7 / 152 قصة إسلام أبي ذر بخلاف رواية بخاري ، وفيها أنه صلى قبل الإسلام بثلاث سنين ، ودخل مكة فسأل : أين هذا الذي تدعونه الصابئ ؟ وأنهم اجتمعوا عليه وضربوه وأدمَوْه فغسل عنه الدماء بماء زمزم ، وبقي شهراً لم يَرَ النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولم يكن له طعام إلا ماء زمزم حتى سمن ، ثم رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) جاء للطواف مع أبي بكر فسلم عليه ، واستأذن أبو بكر من النبي ( صلى الله عليه وآله ) أن يضيفه فأطعمه من زبيب الطائف ! وأسلم ورجع إلى قومه يدعوهم . . .
قال ابن حجر : 7 / 132 : « أخرج مسلم قصة إسلام أبي ذر من طريق عبد الله بن الصامت عنه ، وفيها مغايرة كثيرة لسياق ابن عباس . . ويمكن التوفيق بينهما بأنه لقيه أولاً مع علي ، ثم لقيه في الطواف أو بالعكس . . . وقال القرطبي : في التوفيق بين الروايتين تكلفٌ شديد ، ولا سيما أن في حديث عبد الله بن الصامت أن أبا ذر أقام ثلاثين لا زاد له ، وفي حديث ابن عباس أنه كان معه زاد وقربة ماء . . إلخ . » .
وصدق القرطبي ، فرواياتهم في إسلامه متناقضة لا يمكن الجمع بينها !
و - شهد أهل البيت ( عليهم السلام ) وأبو ذر ( رحمه الله ) أنه رابع المسلمين الذين أعلنوا إسلامهم ، وهم علي وجعفر وزيد وأبو ذر . ففي الفوائد الرجالية : 2 / 153 في حديث نفي عثمان لأبي ذر : « فقال أبو ذر : أجل والله لقد رأيتني رابع أربعة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما أسلم غيرنا ، وما أسلم أبو بكر ولا عمر . فقال علي ( عليه السلام ) : والله لقد رأيته وهو رابع الإسلام » . وروى عنه الطيالسي / 157 ، والحارث / 304 والآحاد والمثاني 2 / 230 « كنت ربع الإسلام أسلم قبلي ثلاثة نفر وأنا الرابع » وابن حبان : 16 / 83 ، كبير الطبراني : 2 / 147 ، الحاكم : 3 / 341 ، الزوائد : 9 / 327 ، ووثقه . وبه يظهر تعصب بخاري وابن حجر .
وقال أبو نعيم في حلية الأولياء : 1 / 156 : « هو العابد الزهيد ، القانت الوحيد ، رابع الإسلام ، ورافض الأزلام ، قبل نزول الشرع والأحكام ، تعبد قبل الدعوة بالشهور والأعوام ، وأول من حيا الرسول بتحية الإسلام ، لم يكن تأخذه في الحق لائمة اللوام ، ولا تفزعه سطوة الولاة والحكام ، أول من تكلم في علم البقاء ، وثبت على المشقة والعناء ، وحفظ العهود والوصايا ، وصبر على المحن والرزايا ، واعتزل مخالطة البرايا ، إلى أن حل بساحة المنايا ، أبو ذر الغفاري رضي الله عنه ، خدم الرسول ، وتعلم الأصول ، ونبذ الفضول » .
لكنهم لم يتركوا حديثه بدون تخريب ، فجعلوه رابع النبي ( صلى الله عليه وآله ) وأبي بكر وبلال ، وكذبوا عليه بأنه قال : « لم يسلم قبلي إلا النبي وأبو بكر وبلال » . « الحاكم 3 / 342 » وحذفوا علياً وخديجة وجعفراً وزيداً وحمزة وأبا طالب ! مع أنهم رووا حديثاً صحيحاً متواتراً عن عفيف الكندي سمى فيه الثلاثة الذين قبله ، قال : « كنت امرأ تاجراً وكنت صديقاً للعباس بن عبد المطلب في الجاهلية فقدمت لتجارة فنزلت على العباس بن عبد المطلب بمنى ، فجاء رجل فنظر إلى الشمس حين مالت فقام يصلي ، ثم جاءت امرأة فقامت تصلي ، ثم جاء غلام حين راهق الحلم فقام يصلي ، فقلت للعباس : من هذا ؟ فقال : هذا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ابن أخي ، يزعم أنه نبي ولم يتابعه على أمره غير هذه المرأة وهذا الغلام . وهذه المرأة خديجة بنت خويلد امرأته ، وهذا الغلام ابن عمه علي بن أبي طالب . قال عفيف الكندي وأسلم وحسن إسلامه : لوددت أني كنت أسلمت يومئذ فيكون لي ربع الإسلام » . الحاكم : 3 / 183 ، ابن كثير : 1 / 430 وغيرهما .
وقد شطح ابن حبان فقال في صحيحه : 16 / 83 : « قول أبي ذر كنت رابع الإسلام : أراد من قومه ، لأن في ذلك الوقت أسلم الخلق من قريش وغيرهم » !
ز - لم يهتم أتباع مذاهب السلطة بأبي ذر ( رحمه الله ) ، معشار ما اهتموا بأصاغر الصحابة ، ولو كان لأحد ممن يحبونهم عشر ما له من المناقب ، لملؤوا به كتبهم !
روى في الكافي : 2 / 587 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « إن أبا ذر أتى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعنده جبرئيل ( عليه السلام ) في صورة دحية الكلبي وقد استخلاه رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فلما رآهما انصرف عنهما ولم يقطع كلامهما ، فقال جبرئيل : يا محمد هذا أبو ذر قد مرَّ بنا ولم يسلم علينا ، أما لو سلم لرددنا عليه ، يا محمد إن له دعاء يدعو به ، معروفاً عند أهل السماء ، فسله عنه إذا عرجتُ إلى السماء .
فلما ارتفع جبرئيل جاء أبو ذر إلى النبي فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما منعك يا أبا ذر أن تكون سلمت علينا حين مررت بنا ؟ فقال : ظننت يا رسول الله أن الذي معك دحية الكلبي قد استخليته لبعض شأنك ، فقال : ذاك جبرئيل ( عليه السلام ) يا أبا ذر ، وقد قال : أما لو سلم علينا لرددنا عليه ، فلما علم أبو ذر أنه كان جبرئيل ( عليه السلام ) دخله من الندامة حيث لم يسلم عليه ما شاء الله ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : ما هذا الدعاء الذي تدعو به ، فقد أخبرني جبرئيل ( عليه السلام ) أن لك دعاء تدعو به معروفاً في السماء ؟ فقال : نعم يا رسول الله أقول : اللهم إني أسألك الأمن والإيمان بك ، والتصديق بنبيك ، والعافية من جميع البلاء ، والشكر على العافية ، والغنى عن شرار الناس » . وفي رجال الطوسي : 1 / 107 : « وسله عن كلمات يقولهن إذا أصبح » .
وفي الخصال / 448 : « عن عبد العزيز القراطيسي قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فذكرت له شيئاً من أمر الشيعة ومن أقاويلهم ، فقال : يا عبد العزيز ، الإيمان عشر درجات بمنزلة السلم له عشر مراقي ، تُرْتَقى منه مرقاتٌ بعد مرقاة ، فلا يقولن صاحب الواحدة لصاحب الثانية لست على شيء ، ولا يقولن صاحب الثانية لصاحب الثالثة لست على شئ ، حتى انتهى إلى العاشرة . قال : وكان سلمان في العاشرة ، وأبو ذر في التاسعة ، والمقداد في الثامنة . يا عبد العزيز : لا تسقط من هو دونك فيسقطك من هو فوقك ، إذا رأيت الذي هو دونك فقدرت أن ترفعه إلى درجتك رفعاً رفيقاً فافعل ، ولا تحملن عليه ما لا يطيقه فتكسره ، فإنه من كسر مؤمناً فعليه جبره ، لأنك إذا ذهبت تحمل الفصيل
حمل البازل فسخته » .
وفي الخصال / 42 ، عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) قال : « كان أكثر عبادة أبي ذر رحمة الله عليه : التفكر والاعتبار » .
وفي الكافي : 3 / 250 عن علي بن إبراهيم رفعه ، قال : « لما مات ابن أبي ذر ، مسح أبو ذر القبر بيده ثم قال : رحمك الله يا ذر ، والله إن كنت بي باراً ، ولقد قبضت وإني عنك لراض ، أما والله ما بي فقدك وما عليَّ من غضاضة ، ومالي إلى أحد سوى الله من حاجة ، ولولا هول المطلع لسرني أن أكون مكانك ، ولقد شغلني الحزن لك عن الحزن عليك ! والله ما بكيت لك ولكن بكيت عليك ، فليت شعري ماذا قلت وماذا قيل لك ؟ ثم قال : اللهم إني قد وهبت له ما افترضت عليه من حقي فهب له ما افترضت عليه من حقك ، فأنت أحق بالجود مني » .
وفي الكافي : 2 / 458 عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : « جاء رجل إلى أبي ذر فقال : يا أبا ذر ما لنا نكره الموت ؟ فقال : لأنكم عمرتم الدنيا وأخربتم الآخرة ، فتكرهون أن تنقلوا من عمران إلى خراب ! فقال له : فكيف ترى قدومنا على الله ؟ فقال : أما المحسن منكم فكالغائب يقدم على أهله ، وأما المسيء منكم فكالآبق يرد على مولاه ! قال : فكيف ترى حالنا عند الله ؟ قال : أعرضوا أعمالكم على الكتاب ، إن الله يقول : إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ ، وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ . قال فقال الرجل : فأين رحمة الله ؟ قال : رحمة الله قريب من المحسنين » .
وفي كامل الزيارات / 153 ، عن عروة قال : « سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر فهذا قليل في الله تعالى ، فقال : ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي ( عليه السلام ) قتلاً ، أو قال ذبحاً ! والله لا يكون في الإسلام أعظم قتيلاً منه ، وإن الله سيسلُّ سيفه على هذه الأمة لايغمده أبداً ، ويبعث قائماً من ذريته فينتقم من الناس !
وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار وسكان الجبال في الغياض والآكام وأهل السماء من قتله لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم ! وما من سماء يمر به روح الحسين ( عليه السلام ) إلا فزع له سبعون ألف ملك يقومون قياماً ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ! وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله ، وما من يوم إلا تعرض روحه على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيلتقيان » . فقير . . . غني بولاية علي
6 - إسلام عمرو بن عبسة السلمي أخ أبي ذر لأمه
ذكرت بعض الروايات أن أبا ذر أسلم هو وأخوه أنيس وأمه رملة بنت الوقيعة الغفارية ، وعدد من قبيلته بني غفار . أعيان الشيعة : 4 / 225 والأحوذي : 10 / 305 .
وذكروا له أخاً من أمه هو عمرو بن عبسة السلمي . تهذيب الكمال : 33 / 294 .
قال الطبري : 2 / 61 : « اجتمع أصحابنا على أن أول أهل القبلة استجاب لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خديجة بنت خويلد ، ثم اختُلف عندنا في ثلاثة نفر ، في أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة ، أيهم أسلم أول ، قال الواقدي : أسلم معهم خالد بن سعد بن العاص خامساً ، وأسلم أبو ذر قالوا رابعاً أو خامساً ، وأسلم عمرو بن عبسة السلمي ، فيقال رابعاً أو خامساً . قال : فإنما اختلف عندنا في هؤلاء النفر أيهم أسلم أول ، وفي ذلك روايات كثيرة » . وشبيه به تاريخ اليعقوبي : 2 / 23 .
وروى الحاكم : 4 / 148 عن عمرو بن عبسة السلمي ، قال : « أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في أول ما بعث وهو بمكة ، وهو حينئذ مستخف » .
وروى أحمد : 4 / 112 عن ابن عبسة : « إني كنت في الجاهلية أرى الناس على ضلالة ولا أرى الأوثان شيئاً ، ثم سمعت عن رجل يخبر أخبار مكة ويحدث أحاديث ، فركبت راحلتي حتى قدمت مكة فإذا أنا برسول الله مستخف ، وإذا قومه عليه جرآء ، فتلطفت له فدخلت عليه فقلت : ما أنت ؟ قال أنا نبي الله ، فقلت : وما نبي الله ؟ قال : رسول الله . قال قلت : آلله أرسلك ؟ قال : نعم . قلت : بأي شئ أرسلك ؟ قال : بأن يوحد الله ولا يشرك به شئ وكسرالأوثان وصلة الرحم . فقلت له : من معك على هذا ؟ قال : حُرٌّ وعبد ، أو عبد وحر ، وإذ معه أبو بكر بن أبي قحافة وبلال مولى أبي بكر . قلت إني متبعك . قال : إنك لا تستطيع ذلك يومك هذا ، ولكن ارجع إلى أهلك فإذا سمعت بي قد ظهرت فالحق بي . قال : فرجعت إلى أهلي وقد أسلمت فخرج رسول الله مهاجراً إلى المدينة ، فجعلت أتخبَّر الأخبار حتى جاء ركبة من يثرب فقلت : ما هذا المكي الذي أتاكم ؟ قالوا : أراد قومه قتله فلم يستطيعوا ذلك وحيل بينهم وبينه ، وتركنا الناس سراعاً اليه .
قال عمرو بن عبسة : فركبت راحلتي حتى قدمت عليه المدينة فدخلت عليه فقلت : يا رسول الله أتعرفني ؟ قال : نعم ، ألست أنت الذي أتيتني بمكة ؟ قال قلت : بلى ، فقلت : يا رسول الله علمني مما علمك الله وأجمل . قال : إذا صليت الصبح فاقصر عن الصلاة حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت فلا تصل حتى ترتفع ، فإنها تطلع بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار ، فإذا ارتفعت قيد رمح أو رمحين فصل ، فإن الصلاة مشهودة محضورة حتى تصلى العصر ، فإذا صليت العصر فاقصر عن الصلاة حتى تغرب الشمس ، فإنها تغرب حين تغرب بين قرني شيطان وحينئذ يسجد لها الكفار .
قلت : يا نبي الله أخبرني عن الوضوء . قال : ما منكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرجت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر ، ثم يغسل وجهه كما أمره الله تعالى إلا خرجت خطاياه وجهه من أطراف لحيته من الماء ، ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرجت خطايا يديه من أطراف أنامله ، ثم يمسح رأسه من أطراف شعره مع الماء ، ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله عز وجل إلا خرجت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ، ثم يقوم فيحمد الله عز وجل ويثني عليه بالذي هو له أهل ، ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنبه كهيئته يوم ولدته أمه !
قال أبو أمامة : يا عمرو بن عبسة أنظر ما تقول ! أسمعت هذا من رسول الله ؟ ! أيعطى هذا الرجل كله في مقامه ؟ ! قال فقال عمرو بن عبسة : يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلى وما بي من حاجة أن أكذب على الله عز وجل وعلى رسوله ! لو لم أسمعه من رسول الله إلا مرة أو مرتين أو ثلاثاً ، لقد سمعته سبع مرات أو أكثر من ذلك » ! وبعضه الطبقات : 4 / 217 وهو عندي محل شك .
وكان عمرو بن عبسة يقول : « رأيت النبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو نازل بعكاظ فقلت : من معك على هذا الأمر ؟ فقال : رجلان أبو بكر وبلال ، فأسلمت . ولقد رأيتني وأنا ربع الإسلام » . أحمد : 4 / 112 ، المستدرك : 3 / 66 ، 285 و 1 / 164 . وتهذيب الكمال : 22 / 121 ، الطيالسي / 157 ، ابن خزيمة : 1 / 129 والأحاديث الطوال / 36 .
وقال ابن سعد في الطبقات : 4 / 219 : « لما أسلم عمرو بن عبسة بمكة ، رجع إلى بلاد قومه بني سليم ، وكان ينزل بصُفَّة وحَاذَة ، وهي من أرض بني سليم ، فلم يزل مقيماً هناك حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر ، ثم قدم على رسول الله بعد ذلك المدينة » . وفي الطبقات : 7 / 403 : « ثم خرج بعد وفاة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إلى الشام فنزلها إلى أن مات بها » . راجع معجم البلدان : 4 / 386 .
أقول : كلامه عن الصلاة ، وعن كيفية إسلامه يوجب الشك في صدقه ، ولعله زار أمه وأخويه أبا ذر وأنيساً ، فوجدهم مسلمين فأسلم ، ثم عاد إلى موطنه في بني سليم في أطراف نجد ، وبقي هناك ولم يهاجر . ومما يزيد الشك في صدقه أنه جعل إسلام أبي بكر قبل كل الناس ، وإسلام بلال مع أبي بكر ، ولم يقل به أحد !
7 - قالوا أبو بكر أول من أسلم وقال سعد أسلم بعد خمسين
قالوا إن علياً كان صغيراً لم يبلغ الحلم عندما أسلم ، وكان أبو بكر شاباً ! وردهم المأمون بأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) دعاه إلى الإسلام بأمر ربه ، فهو كبير وإن كان صغيراً !
ثم قالوا إن أبا بكر أسلم قبل علي ( عليه السلام ) وبالغوا في شجاعته وثروته ، وعددوا أناساً أسلموا على يده ! لكن سعد بن أبي وقاص شهد بأن أبا بكر أسلم متأخراً . قال ابنه محمد : « قلت لأبي : أكان أبو بكر أولكم إسلاماً ؟ فقال : لا ، ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين ، ولكن كان أفضلنا إسلاماً » . الطبري : 2 / 60 .
وروى ابن أبي شيبة : 8 / 448 عن هشام بن عروة قال : « أسلم أبو بكر يوم أسلم وله أربعون ألف درهم . . أول من أظهر الإسلام سبعة : رسول الله وأبو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وسمية أم عمار ، فأما رسول الله فمنعه عمه ، وأما أبو بكر فمنعه قومه ، وأُخذ الآخرون فألبسوا أدراع الحديد ثم صهروهم . . . » .
وهذا لا يصح عن أول البعثة ، لأن مرحلة دعوة العشيرة الأقربين امتدت ثلاث سنين وكان الخوف فيها شديداً ، فلوأسلم أبو بكر في تلك الفترة ، لكان لقريش ردة فعل كما في إسلام أبي ذر وعمار .
كما لا يصح قوله : منعته قبيلته ، في أبي بكر ، لأن نوفل بن خويلد من بني أسد عبد العزى كان يربط أبا بكر بحبل هو وطلحة ويحبسهما ، فسميا القرينين . وكان خويلد يدعى أسد قريش فقتله علي ( عليه السلام ) في بدر . « الحاكم 3 / 369 » . وكان عثمان بن عبيد الله أيضاً يربطهما بحبل . « الإصابة 6 / 77 » . ولم تحمهما قبيلتهما تيم .
ورووا أن أبا بكر هاجر إلى اليمن لخوفه على نفسه ، فوجد ابن الدِّغِنَّة وهو رئيس الأحابيش القارة ، أي الرماة ! فحماه وأرجعه معه إلى مكة ، وأعلن لقريش أنه يجيره فبلت ، في قصة طويلة كررها البخاري : 3 / 58 وابن هشام : 1 / 249 .
8 - خامس المسلمين خالد بن سعيد بن العاص الأموي
أ - شاء الله عز وجل أن يجعل من أبناء أبي أُحَيْحَة مسلمين مؤمنين !
وأبوأحيحة هو سعيد بن العاص الأموي ، من كبار فراعنة قريش وأثريائهم ، ومعنى الأُحَيْحَة الضغينة في الصدر ، ويقال كان له ابن اسمه أحيحة توفي صغيراً . وكان له خمسة أولاد ذكور وقيل ثمانية ، والمعروف منهم ابنه الكبير العاص الذي شهد بدراً مع المشركين فقتله علي ( عليه السلام ) ، وخالد وعمرو وأبان ، الذين أسلموا وختم الله لهم بالشهادة ، وأفضلهم خالد الذي أكرمه الله برؤيا كانت سبب هدايته !
ففي الطبقات : 1 / 166 ، تاريخ دمشق : 16 / 67 ، عن أم خالد بنت خالد بن سعيد قالت : « لما كان قبيل مبعث النبي ( صلى الله عليه وآله ) بينا خالد بن سعيد ذات ليلة نائم قال : رأيت كأنه غشيت مكة ظلمة حتى لا يبصر امرؤ كفه ، فبينا هو كذلك إذ خرج نور ثم علا في السماء فأضاء في البيت ، ثم أضاء مكة كلها ، ثم إلى نجد ، ثم إلى يثرب فأضاءها حتى أني لأنظر إلى البسر « التمر » في النخل ! قال فاستيقظت فقصصتها على أخي عمرو بن سعيد وكان جَزِلَ الرأي « راجحه » فقال : يا أخي إن هذا الأمر يكون في بني عبد المطلب ! ألا ترى أنه خرج من حفيرة أبيهم « زمزم » .
قال خالد : فإنه لما هداني الله به للإسلام . قالت أم خالد : فأول من أسلم أبي ، وذلك أنه ذكر رؤياه لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فقال : يا خالد أنا والله ذلك النور ، وأنا رسول الله ، فقص عليه ما بعثه الله به فأسلم خالد ، وأسلم عمرو » . ورواه ابن حبيب في المنمق / 292 ، وكنز الفوائد / 93 وغيرها ، بروايات متعددة وتفاصيل .
وفي المستدرك : 3 / 248 : « وأرسل أبوه في طلبه من بقي من ولده ممن لم يسلم ورافعاً مولاه ، فوجده فأتوا به أباه أبا أحيحة ، فأنَّبه وبكَّته وضربه بصريمة في يده حتى كسرها على رأسه ، ثم قال : اتبعت محمداً وأنت ترى خلاف قومه ، وما جاء به من عيب آلهتهم وعيبه من مضى من آبائهم ؟ !
فقال خالد : قد صدق والله واتبعته . فغضب أبوه أبو أحيحة ونال منه وشتمه ، ثم قال : إذهب يا لكع حيث شئت ، والله لأمنعنك القوت !
فقال خالد : إن منعتني فإن الله عز وجل يرزقني ما أعيش به ! فأخرجه وقال لبنيه : لا يكلمه أحد منكم إلا صنعت به ما صنعت به ، فانصرف خالد إلى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فكان يكرمه ويكون معه » .
وفي الطبقات : 4 / 95 : « كان إسلام خالد بن سعيد بن العاص ثالثاً أو رابعاً ، وكان ذلك ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يدعو سراً . . . فضربه أبو أحيحة بقراعة في يده حتى كسرها على رأسه ، ثم أمر به إلى الحبس وضيق عليه وأجاعه وأعطشه ، حتى لقد مكث في حر مكة ثلاثاً ما يذوق ماء ، فرأى خالد فُرجة فخرج فتغيب عن أبيه في نواحي مكة حتى حضر خروج أصحاب رسول الله إلى الحبشة في الهجرة الثانية » .
وفي المناقب : 1 / 288 : « استفاضت الرواية أن أول من أسلم علي ، ثم خديجة ، ثم جعفر ، ثم زيد ، ثم أبو ذر ، ثم عمرو بن عنبسة السلمي ، ثم خالد بن سعيد بن العاص ، ثم سمية أم عمار ، ثم عبيدة بن الحرث ، ثم حمزة « أعلن إسلامه » ثم خباب بن الأرت ، ثم سلمان ، ثم المقداد ، ثم عمار ، ثم عبد الله بن مسعود ، في جماعة . ثم أبو بكر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعيد بن زيد ، وصهيب وبلال » .
وفي الآحاد والمثاني : 1 / 387 : « كان « خالد » جميلاً وسيماً ، قتل وهو ابن نحو خمسين » .
وفي الإستيعاب : 2 / 420 : « هاجر إلى أرض الحبشة مع امرأته الخزاعية ، وولد له بها ابنه سعيد بن خالد ، وابنته أم خالد . . . قالت . . وشهد أبي مع رسول الله عمرة القضاء وفتح مكة ، وحنيناً ، والطائف ، وتبوك ، وبعثه رسول الله على صدقات اليمن ، فتوفى رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وأبي باليمن » .
ب - هاجر خالد إلى الحبشة ، لكنه كان يتردد على النبي ( صلى الله عليه وآله ) ويقوم له بمهمات . فقد أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) إلى قيصر الروم ، فتأثر به كبير الأساقفة . تاريخ دمشق : 16 / 67 .
وكان يتاجر إلى اليمن فجاء إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) بآلة كالمنجنيق من جرش . إمتاع الأسماع : 2 / 21 .
وكان إلى جانب جعفر في الهجرة ، ورجع معه في السنة السابعة . الإستيعاب : 3 / 1177 .
ولما توفي في الحبشة زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان ، فكتب النبي ( صلى الله عليه وآله ) للنجاشي أن يخطبها له ، فوكلت خالد بن سعيد وخطبها النجاشي منه . الإستيعاب : 4 / 1932 .
ج - شارك سعيد بفعالية في حروب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمَّره في فتح مكة على سرية وأرسله إلى ذي عَرَنة . التنبيه والإشراف / 233 .
وكان يكتب للنبي ( صلى الله عليه وآله ) وهو أول من ابتدأ بالبسملة . « الدر المنثور : 1 / 11 ومكاتيب الرسول : 1 / 149 » . وتوسط للنبي ( صلى الله عليه وآله ) مع ثقيف وكتب عهدهم . الدرر / 248 .
د - أرسله النبي ( صلى الله عليه وآله ) مع علي ( عليه السلام ) لفتح اليمن فجعله علي ( عليه السلام ) قائد مقدمته ، وبرز إلى عمرو بن معدي كرب فنهاه علي ( عليه السلام ) ، وبرز هو اليه وصاح بعمرو فهرب ! ثم جاء عمرو واستأمن ، وأعطى سيفه المشهور الصمصامة إلى خالد .
وذهب خالد بن الوليد بمن معه في اليمن إلى جهة ، فنهاه علي ( عليه السلام ) فخالفه ، فبعث اليه خالد بن سعيد ، فأجبره على طاعة أميره . كشف الغمة : 1 / 229 .
ولاه النبي ( صلى الله عليه وآله ) على اليمن وكتب له كتاب الفرائض . مكاتيب النبي : 1 / 303 .
ه - - عندما توفي النبي ( صلى الله عليه وآله ) رجع خالد إلى المدينة وتفاجأ ببيعة أبي بكرفغضب « وأتى بني هاشم فقال : أنتم الظهر والبطن والشعار دون الدثار والعصا دون اللحا ، فإذا رضيتم رضينا وإذا أسخطتم سخطنا . . . وبلغت أبا بكر فلم يحفل بها واضطغنها عليه عمر فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر : أتولي خالداً وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال ! » . شرح النهج : 2 / 58 .
و - كان أول الخطباء المعترضين على بيعة أبي بكر ، ففي الاحتجاج : 1 / 97 والخصال / 461 ، عن أبان بن تغلب قال : « قلت لأبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق : جعلت فداك هل كان أحد في أصحاب رسول الله أنكر على أبي بكر فعله وجلوسه مجلس رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ؟ قال : نعم كان الذي أنكر على أبي بكر اثنا عشر رجلاً . من المهاجرين : خالد بن سعيد بن العاص وكان من بني أمية ،
وسلمان الفارسي ، وأبو ذر الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي . ومن الأنصار : أبو الهيثم بن التيهان ، وسهل وعثمان ابنا حنيف ، وخزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ، وأبيُّ بن كعب ، وأبو أيوب الأنصاري ، وغيرهم . فلما صعد المنبر تشاوروا بينهم في أمره فقال بعضهم : هلا نأتيه فننزله عن منبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال آخرون : إن فعلتم ذلك أعنتم على أنفسكم وقال الله عز وجل : وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى الْتَّهْلُكَةِ ، ولكن إمضوا بنا إلى علي بن أبي طالب نستشيره ونستطلع أمره ، فأتوا علياً ( عليه السلام ) فقالوا : يا أمير المؤمنين ضيعت نفسك وتركت حقاً أنت أولى به ، وقد أردنا أن نأتي الرجل فننزله عن منبر رسول الله فإن الحق حقك وأنت أولى بالأمر منه ، فكرهنا أن ننزله من دون مشاورتك ، فقال لهم علي : لو فعلتم ذلك ما كنتم إلا حرباً لهم ، ولا كنتم إلا كالكحل في العين أو كالملح في الزاد ، وقد اتفقت عليه الأمة التاركة لقول نبيها والكاذبة على ربها ! ولقد شاورت في ذلك أهل بيتي فأبوا إلا السكوت لما تعلمون من وَغَرِ صدور القوم وبغضهم لله عز وجل ولأهل بيت نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وإنهم يطالبون بثارات الجاهلية ! والله لو فعلتم ذلك لشهروا سيوفهم مستعدين للحرب والقتال كما فعلوا ذلك حتى قهروني وغلبوني على نفسي ولببوني وقالوا لي : بايع وإلا قتلناك ، فلم أجد حيلة إلا أن أدفع القوم عن نفسي ، وذاك أني ذكرت قول رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : يا علي ، إن القوم نقضوا أمرك واستبدوا بها دونك وعصوني فيك ، فعليك بالصبر حتى ينزل الأمر ! ألا وإنهم سيغدرون بك لا محالة فلا تجعل لهم سبيلاً إلى إذلالك وسفك دمك ، فإن الأمة ستغدر بك بعدي ! كذلك أخبرني جبرئيل ، عن ربي تبارك وتعالى .
ولكن إئتوا الرجل فأخبروه بما سمعتم من نبيكم ( صلى الله عليه وآله ) ، ولا تجعلوه في الشبهة من أمره ، ليكون ذلك أعظم للحجة عليه ، وأبلغ في عقوبته إذا أتى ربه وقد عصى نبيه ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالف أمره » !
ز - وقال علي ( عليه السلام ) : « فأتى رهط من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) يعرضون عليَّ النصرة منهم خالد وأبان ابنا سعيد بن العاص ، والمقداد بن الأسود الكندي ، وأبو ذر الغفاري ، وعمار بن ياسر ، وسلمان الفارسي ، والزبير بن العوام ، وأبو سفيان بن حرب ، والبراء بن مالك الأنصاري . فقلت لهم : إن عندي من نبي الله العهد وله الوصية ، وليس لي أن أخالفه ولست أجاوز أمره وما أخذه علي لله ! لو خزموا أنفي لأقررت سمعاً وطاعة لله عز وجل ، فبينا أنا على ذلك إذ قيل : قد انثال الناس على أبي بكر وأجفلوا عليه ليبايعوه ، وما ظننت أنه تخلف عن جيش أسامة إذ كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) قد أمَّره عليه وعلى صاحبه وأمر أن يجهز جيش أسامة ، فلما رأيته قد تخلف وطمع في الأمارة ، ورأيت انثيال الناس عليه أمسكت يدي . . . فلبثت ما شاء الله حتى رأيت راجعة من الناس رجعت عن الإسلام وأظهرت ذلك يدعون إلى محو دين الله ، وتغيير ملة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ! فخشيت إن لم أنصر الإسلام وقعدت أن أرى فيه ثلماً وهدماً تكون مصيبته علي أعظم من فوت ولاية أموركم ، التي إنما هي متاع أيام قلائل ، ثم يزول ما كان منها كما يزول السراب ، وينقشع كما ينقشع السحاب . ورأيت الناس قد امتنعوا بقعودي عن الخروج إليهم ، فمشيت عند ذلك إلى أبي بكر فتألفته ، ولولا أني فعلت ذلك لباد الإسلام ثم نهضت في تلك الأحداث حتى انزاح الباطل ، وكانت كلمة الله هي العليا ، ولو كره المشركون » . المسترشد / 411 .
ح - عرض عليه أبو بكر الولاية فرفضها هو وإخوته ، قال لهم أبو بكر : « ما أحد أحق بالعمل من عمال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) إرجعوا إلى أعمالكم ، فقالوا : لا نعمل بعد رسول الله لأحد ! فخرجوا إلى الشام فقتلوا عن آخرهم » ! الحاكم : 3 / 249 .
ثم أعلن بعض العرب عدم طاعتهم لأبي بكر ، وأعلن مسيلمة الكذاب نبوته وحث أبو بكر الناس على الجهاد فتثاقلوا حتى نهض علي ( عليه السلام ) وحثهم على جهاد مسيلمة وذات مرة قال عمر : « لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا . . الآية . فقال له خالد بن سعيد بن العاص : يا ابن أم عمر ، ألنا تضرب أمثال المنافقين ! والله لقد أسلمت وإنَّ لبني عدي صنماً إذا جاعوا أكلوه ، وإذا شبعوا استأنفوا » . عين العبرة لابن طاووس / 18 .
ط - ولما رأى أبو بكر رفض خالد للولاية ورغبته في الجهاد ، عقد له على جيش فتح الشام : « فأول لواء عقده لواء خالد بن سعيد بن العاص ، ثم عزله قبل أن يسيِّره ، وولى يزيد بن أبي سفيان فكان أول الأمراء الذين خرجوا إلى الشام » .
« عن ابن عمر قال : لما عقد أبو بكر الأمراء على الشام كنت في جيش خالد بن سعيد بن العاص ، فصلى بنا الصبح بذي المروة وهو على الجيوش كلها ، فو الله إنا لعنده إذ أتاه آت فقال قدم يزيد بن أبي سفيان ، فقال خالد بن سعيد هذا عمل عمر بن الخطاب ، كلم أبا بكر في عزلي وولى يزيد بن أبي سفيان !
فقال ابن عمر فأردت أن أتكلم ، ثم عزم لي على الصمت . قال : فتحولنا إلى يزيد بن أبي سفيان وصار خالد كرجل منهم ، وقال محمد بن عمر : وهذا أثبت عندنا مما روي في عزل خالد وهو بالمدينة » . تاريخ دمشق : 65 / 244 .
وفي تاريخ الطبري : 2 / 586 وشرح النهج : 2 / 58 : « واضطغنها عليه عمر ، فلما ولاه أبو بكر الجند الذي استنفر إلى الشام قال له عمر : أتولي خالداً وقد حبس عليك بيعته وقال لبني هاشم ما قال » .
ي - وكان خالد في الشام هو القائد الحقيقي لقوة إيمانه وشجاعته ، وضعف يزيد بن أبي سفيان الشاب أمامه ، فسعيد من ناحية اجتماعية ابن أبي أحيحة الأقوى والأعرق في قيادة بني أمية ، من أبي سفيان وأولاده . على أن خالداً لم يذهب مع يزيد بن أبي سفيان ، بل اختار أن يذهب في جيش شرحبيل بن حسنة فأوصاه به أبو بكر ، وربما كان ذلك بفعل تأنيب الضمير !
ففي الطبقات : 4 / 98 : « لما عزل أبو بكر خالد بن سعيد أوصى به شرحبيل بن حسنة ، وكان أحد الأمراء فقال : أنظر خالد بن سعيد فاعرف له من الحق عليك مثل ما كنت تحب أن يعرفه لك من الحق عليه لو خرج والياً عليك ، وقد عرفت مكانه من الإسلام ، وأن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) توفي وهو له والٍ ، وقد كنت وليته ثم رأيت عزله وعسى أن يكون ذلك خيراً له في دينه . ما أغبط أحداً بالأمارة ! وقد خيرته في أمراء الأجناد فاختارك على غيرك على ابن عمه ، فإذا نزل بك أمر تحتاج فيه إلى رأي التقي الناصح ، فليكن أول من تبدأ به أبو عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل ، وليكن خالد بن سعيد ثالثاً ، فإنك واجد عندهم نصحاً وخيراً . وإياك واستبداد الرأي عنهم ، أو تطوي عنهم بعض الخبر .
قال محمد بن عمر : فقلت لموسى بن محمد : أرأيت قول أبي بكر قد اختارك على غيرك ؟ قال : أخبرني أبي أن خالد بن سعيد لما عزله أبو بكر كتب إليه أي الأمراء أحب إليك ؟ فقال : ابن عمي أحب إلي في قرابته ، وهذا أحب إلي في ديني ، فإن هذا أخي في ديني على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وناصري على ابن عمي ، فاستحبَّ أن يكون مع شرحبيل بن حسنة » .
أقول : شرحبيل صحابي عرف باسم أمه حسنة . واسم أبيه المطاع من قبيلة غوث من كندة ، ولد ونشأ في مكة وتحالف مع بني زهرة ، وأسلم وهاجر إلى الحبشة وكان فارساً وصديقاً لخالد بن سعيد الفارس البطل يحترمه ويناصره ، ولذلك اختار خالد أن يكون معه فأعطاه قيادة الخيل ، ولا بد أن تكون خططه كلها من خالد ، ولذا قلنا إن ثقل معركة أجنادين التي تم فيها فتح الأردن وفلسطين كان على خالد ، وكان الروم يجمعون فيها قواتهم فنزل شرحبيل مقابلهم ، ولما اقتربت المعركة جاءه من المسلمين مدد مساعد ، وقد فتح جيش شرحبيل الأردن كلها عنوة أي بالحرب ، إلا طبرية فصالحه أهلها ، بينما فتحت المدن التي توجهت إليها الفرق الأخرى صلحاً ، أي بالمحاصرة أو بالتخويف ، بدون حرب كبيرة .
ك - وكان خالد « رحمه الله » بطل معركة أجنادين التي بدأت بها هزيمة هرقل ، فقد توجه جيش المسلمين إلى الشام فاجتاحوا مدينة بصرى الشام بسهولة ، وصالحهم أهلها على الجزية وأن يكونوا تحت حكمهم . وكان هرقل يومها في حمص فأمر بتجميع الجيش لقتال المسلمين في « أجنادين » وهي في فلسطين قرب مدينة بيت جبرين ، وجعل القيادة لابنه وخليفته ، فجمعوا لهم تسعين ألف مقاتل .
قال البلاذري : 1 / 135 : « ثم كانت وقعة أجنادين وشهدها من الروم زهاء مئة ألف سرَّب هرقل أكثرهم ، وتجمع باقوهم من النواحي ، وهرقل يومئذ مقيم بحمص » . « واجتمعت الروم بأجنادين ، وعليهم تذارق أخو هرقل لأبويه ، وقيل كان على الروم القبقلار » . الكامل : 2 / 417 .
« ورد علينا عباد بن سعد الحضرمي وكان قد بعثه شرحبيل بن حسنة . . . من بصرى يُعلم خالداً بمسير الروم اليه من أجنادين في تسعين ألف فارس » « فتوح الواقدي : 1 / 48 » . وهذا يدل على أن خالداً كان قائد الجيش الميداني .
وقال ابن عبد البر في الإستيعاب : 1 / 64 : « وكانت وقعة أجنادين في جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة في خلافة أبي بكر الصديق ، قبل وفاة أبي بكر بدون شهر . . . وكان في إجنادين أمراء أربعة أبو عبيدة بن الجراح ، وعمرو بن العاص ، ويزيد أبي سفيان ، وشرحبيل بن حسنة ، كل على جنده » .
« فتوافت جنود المسلمين والروم بأجنادين فالتقوا يوم السبت لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث عشرة ، فظهر المسلمون وهزم الله المشركين ، وقتل خليفة هرقل » . تاريخ الطبري : 2 / 611 .
وفي رواية ابن عساكر : 16 / 66 : « فحملت لهم خيل على خالد بن سعيد ، وكان واقفاً في جماعة من المسلمين في ميمنة الناس يحرض الناس ويدعو الله عز وجل ، ثم يقبض عليهم ، فحملت طائفة منهم عليهم فنازلهم فقاتلهم قتالاً شديداً » .
وورد ذكر أخيه أبان بن سعيد : « ورُمِيَ أبان بن سعيد بن العاص بنشابة فنزعها وعصبها بعمامته فحمله أخواه خالد بن سعيد وعمرو بن سعيد فقال : لاتنزعوا عمامتي عن جرحي فإنكم إذا انتزعتموها عن جرحي تبعتها نفسي ، أما والله ما أحب أنها بأقصى حجر من البلاد مكاني ، فلما نزعوا العمامة مات « رحمه الله » » .
« واستشهد من المسلمين طائفة . . . وانتهى خبر الوقعة إلى هرقل فنخِب قلبه ، ومُلئ رعباً فهرب من حمص إلى أنطاكية » . معجم البلدان : 1 / 103 .
ل - ولم يكن شرحبيل يعجب عمر فعزله بدون سبب ، بحجة أنه وجد أقوى منه ! وتوفي شرحبيل في طاعون عمواس وعمره 67 سنة . تاريخ دمشق : 22 / 464 .
م - تعمد تاريخ السلطة أن يخفي بطولات الأبطال الذين حققوا النصر للمسلمين في هاتين المعركتين لمجرد أنهم من تلاميذ علي ( عليه السلام ) ! وفي طليعتهم خالد بن سعيد بن العاص بطل معركة أجنادين وأخواه عمرو وأبان ، ومالك الأشتر بطل معركة اليرموك ، وأبو ذر ، وهاشم بن عتبة المرقال ، وغيرهم .
وكذلك دور حذيفة بن اليمان ، وحجر بن عدي ، وحبيب بن مظاهر ، وزهير بن القين ، أبطال فتوحات العراق وفارس وأرمينيا . وكذلك دور جعدة بن هبيرة قائد فتوح خراسان ، وما وراء النهر !
كما أخفى تاريخ السلطة استغاثة أبي بكر وعمر بعلي ( عليه السلام ) في الشدائد ، ونهوضه فيها ، وإدارته أهم معارك الفتوحات !
ن - بعد انتصار المسلمين في أجنادين بقيادة سعيد وبطولته ، ثم في معركة اليرموك ببطولة مالك الأشتر « رحمه الله » ، انسحب هرقل إلى القسطنطينية وودع سوريا قائلاً : السلام عليك يا سوريا ! وسقطت الشام وفلسطين وقبرص بيد المسلمين .
س - كان خالد القائد الحقيقي لجيش شرحبيل ، وكان الأشتر الفارس الحاسم في جيش خالد وأبي عبيدة ، وكان أبو ذر « رحمه الله » مفتي جيش الشام وموجهه .
قال القاضي النعمان في شرح الأخبار : 2 / 156 : « غزا يزيد بن أبي سفيان بالناس وهو أمير على الشام فغنموا وقسموا الغنائم ، فوقعت جارية في سهم رجل من المسلمين وكانت جميلة ، فذكرت ليزيد فانتزعها من الرجل ! وكان أبو ذر يومئذ بالشام فأتاه الرجل فشكا إليه واستعان به على يزيد ليرد الجارية إليه ، فانطلق إليه معه وسأله ذلك فتلكأ عليه ! فقال له أبو ذر : أما والله لئن فعلت ذلك ، لقد سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : إن أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية ثم قام ! فلحقه يزيد فقال له : أذكرك الله عز وجل أنا ذلك الرجل ؟ قال : لا . فرد عليه الجارية » . وفي سير الذهبي : 1 / 329 وتاريخ دمشق : 65 / 250 : « فوقعت جارية نفيسة في سهم رجل فاغتصبها يزيد » !
وصححه الألباني : 4 / 329 ، ولم يبين مناسبته ! قال : « أول من يغير سنتي رجل من بني أمية ! ولعل المراد بالحديث تغيير نظام اختيار الخليفة وجعله وراثة » !
وفي تقريب المعارف لأبي الصلاح الحلبي / 266 : « كتب معاوية إلى عثمان : إن أبا ذر قد حرَف قلوب أهل الشام وبغَّضك إليهم فما يستفتون غيره ولا يقضي بينهم إلا هو ! فكتب عثمان إلى معاوية : أن احمل أبا ذر على ناب صعبة » . والبحار : 31 / 274 .
ع - قُتل خالد بن سعيد بعد تحقيقه النصر في أجنادين ، في ظرف مريب ، وزاد من الريبة تناقض روايتهم فقالوا قتل في معركة أجنادين ، لكن ثبت أنه تزوج بأم حكيم الخزاعية بعد استشهاد زوجها عكرمة بن أبي جهل في أجنادين ، وقد اعتدت بعده أربعة اشهر وعشراً . وقالوا قتل في مرج الصفر ، وهي قرية في حوران ، وقد تناقضت روايتها في وجود معركة فيها ، وفي وقتها !
وقالوا خرج يستمطر في مرج الصفر بعد انتصاره في أجنادين ، أي نزع ثيابه ووقف تحت ماء المطر « فيض القدير : 5 / 280 » ، فباغته الروم فقتلوه ! الطبري : 2 / 601 .
وقالوا كان غيره يستمطر فقتلهم الروم ، فهرب هو بفئة من الجيش « تاريخ : 2 / 104 » لكنه لم يعرف عنه الهرب في المعارك ! « وقالوا لما قتل الرومي خالد بن سعيد قلب ترسه وأسلم واستأمن ! وقال مَن الرجل الذي قتلنا ، فإني رأيت له نوراً ساطعاً في السماء » . « تاريخ دمشق : 16 / 83 » . والسر عند ذلك الرومي الذي أخفوا اسمه !
ومما يوجب زيادة الشك أن السلطة أشاعت بعد قتل خالد بن سعيد ، أن عمر كان رضي عنه لحسن بلائه في الفتوحات !
ف - وقد ذكر الباحث الشيخ نجاح الطائي في كتابه اغتيال أبي بكر / 64 ، بأن عمر اغتال أبا بكر وخالد بن سعيد ، وخالد بن الوليد ، وشرحبيل بن حسنة ، وأبا عبيدة وبلالاً وأصحابه المعترضين عليه . . . فدس إليهم السم ، إذ مات أبو بكر وطبيبه وواليه على مكة في يوم واحد !
ص - ولعل زواج خالد بن سعيد بأم الحكم الخزاعية أثار عمر ، « ففي الطبقات 4 / 98 » : « شهد خالد بن سعيد فتح أجنادين وفحل ومرج الصفر ، وكانت أم الحكيم بنت الحارث بن هشام تحت عكرمة بن أبي جهل ، فقتل عنها بأجنادين ، فأعدت أربعة أشهر وعشراً ، وكان يزيد بن أبي سفيان يخطبها ، وكان خالد بن سعيد يرسل إليها في عدتها يتعرض للخطبة فحطت إلى خالد بن سعيد فتزوجها على أربعمائة دينار ، فلما نزل المسلمون مرج الصفر أراد خالد أن يعرس بأم حكيم فجعلت تقول لو أخرت الدخول حتى يفض الله هذه الجموع ، فقال خالد : إن نفسي تحدثني أني أصاب في جموعهم . قالت : فدونك . فأعرس بها عند القنطرة التي بالصفر ، فبها سميت قنطرة أم حكيم ، وأولم عليها في صبح مدخله فدعا أصحابه على طعام ، فما فرغوا من الطعام حتى صفَّت الروم صفوفها صفوفاً خلف صفوف ، وبرز رجل منهم معلم يدعو إلى البراز ، فبرز إليه أبو جندل بن سهيل بن عمرو العامري فنهاه أبو عبيدة ، فبرز حبيب بن مسلمة فقتله حبيب ورجع إلى موضعه ، وبرز خالد بن سعيد فقاتل فقتل ، وشدت أم حكيم بنت الحارث عليها ثيابها وعَدَت وإن عليها لدرعاً والخلوق في وجهها . . . وقتلت أم حكيم يومئذ سبعة بعمود الفسطاط الذي بات فيه خالد بن سعيد معرساً بها . وكانت وقعة مرج الصفر في المحرم سنة أربع عشرة ، في خلافة عمر بن الخطاب » . انتهى .
ويظهر أنها كانت من فاضلات النساء ، فقد هرب زوجها عكرمة بن أبي جهل عند فتح مكة فأسلمت هي وبايعت النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأخذت منه أماناً لزوجها ولحقت به إلى اليمن وجاءت به إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) فأسلم ، وكانت مع زوجها عكرمة في فتوح الشام ، وبعد شهادته تزوجت بخالد بن سعيد ، وبعد شهادته « فتزوجها عمر بن الخطاب ، فولدت له فاطمة بنت عمر » . تاريخ دمشق : 70 / 225 . راجع : الكافي : 5 / 572 ، الموطأ : 2 / 545 ، المستدرك : 3 / 241 ، فتح الباري : 8 / 9 ، التوابين لابن قدامة / 123 والطبقات : 5 / 50 .
9 - من أوائل المسلمين عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب
أ - في الخصال / 452 ، عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) ، عن جابر قال : « سئل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عن ولد عبد المطلب فقال : عشرة ، والعباس ! قال الصدوق : وهم عبد الله ، وأبو طالب والزبير ، وحمزة ، والحارث وهو أسنُّهم ، والغيداق ، والمقوم ، وحجل ، وعبد العزى وهو أبو لهب ، وضرار ، والعباس » .
وفي جواهر العقود للأسيوطي : 1 / 396 : « وأجمعوا على تحريم الصدقة المفروضة على بني هاشم ، وهم خمس بطون : آل علي ، وآل عباس ، وآل جعفر ، وآل عقيل ، وآل الحارث بن عبد المطلب . واختلفوا في بني المطلب فحرمها مالك وأحمد في أظهر روايته ، وجوزها أبو حنيفة » . وذكر الشيخ الطوسي أن ذرية عبد المطلب انحصرت بأولاد أبي طالب ، والحارث ، والعباس ، وأبي لهب ، ولا عقب للباقين . الخلاف : 3 / 540 .
ب - أسلم من أعمام النبي ( صلى الله عليه وآله ) أبو طالب وحماه ونصره ، وكذا حمزة ، وأسلم عبيدة بن الحارث ابن عم النبي ( صلى الله عليه وآله ) في أوائل البعثة ، وكان أكبر سناً من النبي ( صلى الله عليه وآله ) . ولم يسلم العباس إلا بعد أن أخذ أسيراً في بدر ، وشذ أبو لهب إلى النار . « كان « عبيدة » مربوعاً أسمر حسن الوجه » . الطبقات : 3 / 50 .
وكان مسلماً صادقاً ، ففي المرحلة الأولى من الدعوة عندما تكالبت قريش على قتل النبي ( صلى الله عليه وآله ) تعاهد هو وحمزة وعلي وجعفر ، على نصرة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبذل أرواحهم دونه فنزل فيهم قرآن .
قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حديثه مع حبر يهودي : « قد علم من حضر ممن ترى ومن غاب من أصحاب محمد ( صلى الله عليه وآله ) أن الموت عندي بمنزلة الشربة الباردة في اليوم الشديد الحر ، من ذي العطش الصدي ! ولقد كنت عاهدت الله عز وجل ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) أنا وعمي حمزة ، وأخي جعفر ، وابن عمي عبيدة ، على أمر وفينا به لله عز وجل ولرسوله ( صلى الله عليه وآله ) ، فتقدمني أصحابي وتخلفت بعدهم ، لما أراد الله عز وجل فأنزل الله فينا : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً . حمزة ، وجعفر ، وعبيدة ، وأنا والله والمنتظر يا أخ اليهود ، وما بدلت تبديلا » . الخصال / 376 .
وقد طبق الإمام الصادق ( عليه السلام ) هذه الآية على الشيعة الذين صدقوا ووفوا بولاية أهل البيت « عليهم السلام » فقال لأبي بصير « رحمه الله » « الكافي : 8 / 34 » : « يا أبا محمد لقد ذكركم الله في كتابه فقال : مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً ، إنكم وفيتم بما أخذ الله عليه ميثاقكم من ولايتنا ، وإنكم لم تبدلوا بنا غيرنا ، ولو لم تفعلوا لعيركم الله كما عيرهم حيث يقول جل ذكره : وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ » .
ج - هاجر عبيدة مع النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وأمَّره النبي ( صلى الله عليه وآله ) على سرية بعثها لاعتراض قافلة قريش ، وكانت أول سرية حسب قول ابن إسحاق والبخاري ، والثانية حسب قول غيرهما ، والأولى كانت بقيادة حمزة .
قال ابن عبد البر في الإستيعاب : 1 / 313 : « وكانت هجرته إلى المدينة مع أخويه الطفيل والحصين بن الحارث بن المطلب ، ومعه مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، ونزلوا على عبد الله بن سلمة العجلاني . وكان لعبيدة بن الحارث قَدر ومنزلة عند رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) . قال ابن إسحاق : أول سرية بعثها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) مع عبيدة بن الحارث في ربيع الأول سنة اثنتين في ثمانين راكباً ، ويقال في ستين من المهاجرين ليس فيها من الأنصار أحد ، وبلغ سيف البحر حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة ، فلقي بها جمعاً من قريش ، ولم يكن بينهم قتال » .
د - وفي معركة بدر : « فلبس عتبة درعه وتقدم هو وأخوه شيبة وابنه الوليد وقال : يا محمد أخرج الينا أكفاءنا من قريش ، فتطاولت الأنصار لمبارزتهم فدفعهم ، وأمر علياً ( عليه السلام ) وحمزة وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب وهو ابن سبعين سنة بالبراز ، وقال : قاتلوا على حقكم الذي بعث الله به نبيكم ، إذ جاؤوا بباطلهم ليطفؤا نورالله ، فلما رأوهم قالوا : أكفاء كرام .
فقتل علي الوليد وحمزة عتبة وأصابت فخذ عبيدة ضربة ، فحمله علي وحمزة إلى رسول الله فقال : يا رسول الله ألستُ شهيداً ؟ قال : بلى أنت أول شهيد من أهل بيتي ، فمات بالصفراء » . المناقب : 1 / 162 .
ه - - قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في جوابه على رسالة معاوية : « ثم أمر الله نبيه ( صلى الله عليه وآله ) بقتال المشركين فكان يقدم أهل بيته إلى حر الأسنة والسيوف ، حتى قتل عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب يوم بدر ، وقتل حمزة يوم أحد ، وقتل جعفر بمؤتة وزيد بن حارثة ، وأسلم الناس نبيهم يوم حنين غير العباس عمه ، وأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ابن عمه ، وأراد من لو شئت يا معاوية ذكرت اسمه ، مثل الذي أرادوا من الشهادة مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، إلا أن آجالاً أجلت ومنية أخرت ، والله ولي الإحسان إليهم والمنان على أهل بيتي بما أسلفوا من الصالحات . وقد أنزل الله تعالى في كتابه فضلهم يوم حنين فقال : ثمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ ، وإنما عنانا بذلك دون غيرنا ، فتذكرُ في الفضل غيرنا وتدعنا ! فلم لا تذكر فيه من استشهد في الله ورسوله منا ؟ وما ذاك إلا لحسدك إيانا وبغيك علينا ، كما أن تلك عادتك فينا ! فهل سمعت يا معاوية بأهل بيت نبي في سالف الأمم أصبر على الضراء واللأواء وحين البأس والمواطن الكريهة ، من هؤلاء النفر الذين عددتهم من أهل بيتي . وفي المهاجرين والأنصار خير كثير جزاهم الله بأحسن أعمالهم » . مناقب الخوارزمي / 251 .
و - في المناقب للقاضي النعمان / 146 : « وقد قطع عتبة رجل عبيدة فمات بعد منصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، بالصفراء ، رحمة الله عليه » .
وفي الإستيعاب : 3 / 313 : « فمات بالصفراء على ليلة من بدر ، ويروى أن رسول الله لما نزل بأصحابه بالتاربين قال له أصحابه : إنا نجد ريح المسك ! قال : وما يمنعكم وهاهنا قبر أبي معاوية » .
وفي وفاء الوفا : 2 / 1064 : « بذفران مسجد يتبرك به على يسار من سلكه إلى ينبع . . . أمام محرابه قبر قديم محكم البناء . . . قبر عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب » .
ولا بد أن الوهابية أزالهم الله ، أزالوه فيما أزالوا من معالم الإسلام !
10 - إسلام عمار ووالديه ياسر وسمية رضي الله عنهم
10 - إسلام عمار ووالديه ياسر وسمية رضي الله عنهم
أ - اتفق رواة السيرة على أن عائلة ياسر من أول المسلمين ، وكانوا حلفاء لبني مخزوم ، وقد يكون إسلامهم في السنوات الثلاث الأولى يوم كان رئيس بني مخزوم الوليد بن المغيرة ، لكن لا تجد له ذكراً في رواية إسلامهم وتعذيبهم ، بل الذي عذبهم وقتل ياسراً وسمية هو أبو جهل الذي صار رئيس بني مخزوم بعد هلاك الوليد ، وقد هلك مع بقية المستهزئين في السنة الثالثة . نعم ، يحتمل أن يكونوا أسلموا سراً وكتموا إسلامهم ، أو لم ينكشف إلى ما بعد هلاك الوليد .
إن ظروف السنوات الثلاث الأولى للبعثة ، التي ختمت بقوله تعالى : فاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ المُشْرِكِينَ ، إِنَّا كَفَيْنَاكَ المُسْتَهْزِئِينَ . يدل على أنها المرحلة الأصعب والأخطر على حياة النبي ( صلى الله عليه وآله ) وبني هاشم ، وكل من أسلم ، حتى كفاه فراعنة قريش الخمسة فأهلكهم في يوم واحد في يوم نزول آية : فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ !
ولم يثبت أن أحداً أظهر إسلامه في تلك المدة من غير بني هاشم ، إلا أبو ذر الغفاري « رحمه الله » فتعرض للأذى والضرب ! وقد يكون أسلم في تلك الفترة المقداد وخباب بن الأرت وبلال وعبد الله بن مسعود وآل ياسر ، وكانوا يخفون إسلامهم حتى اكتشفه أبو جهل فعذبهم وقتل سمية .
ولهذا لا يصح ما ذكروه عن إسلام أبي بكر كقول ابن هشام : 1 / 164 : « فلما أسلم أبو بكر أظهر إسلامه ودعا إلى الله ورسوله » . ثم عدد من دعاهم : عثمان ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وطلحة ، وأنهم أسلموا على يد أبي بكر وجاء بهم إلى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال : « فكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا الناس بالإسلام فصلوا ، ثم أسلم أبو عبيدة بن الجراح ، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الأسد . . والأرقم بن أبي الأرقم . . وعثمان بن مظعون بن حبيب . . وعبيدة بن الحارث بن المطلب . . وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل . . وامرأته فاطمة بنت الخطاب . . أخت عمر بن الخطاب ، وأسماء بنت أبي بكر ، وعائشة بنت أبي بكر وهي صغيرة ، وخباب بن الأرت ، حليف بني زهرة » .
ومن الواضح أن قولهم : « سبقوا الناس بالإسلام فَصَلَّوْا » وضعوه مقابل أن علياً أول من أسلم ، وأن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : « صلت الملائكة عليَّ وعلى علي سبع سنين ، وذلك أنه لم يصل معي أحد قبله » .
رواه الخطيب في المتفق : 3 / 141 ، تاريخ دمشق : 42 / 39 وفيه : « لأنا كنا نصلي ليس معنا أحد يصلي غيرنا ، وبلفظ آخر فيه : ولم يصعد أو ترفع شهادة أن لا إله إلا الله من الأرض إلى السماء إلا مني ومن علي بن أبي طالب » .
ب - قال ابن أبي جمهور في غوالي اللئالي : 2 / 104 : « في الحديث أن ياسراً وابنه عماراً وأمه سمية قبض عليهم أهل مكة وعذبوهم بأنواع العذاب لأجل إسلامهم ، وقالوا : لا ينجيكم منا إلا أن تنالوا محمداً وتبرؤوا من دينه ! فأما عمار فإنه أعطاهم بلسانه كل ما أرادوا منه ، وأما أبواه فامتنعا فقتلا ، ثم أخبر رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وقال : في عمار جماعة إنه كفر ! فقال ( صلى الله عليه وآله ) : كلا إن عماراً ملئ إيماناً من قرنه إلى قدمه ، واختلط الإيمان بلحمه ودمه . وجاء عمار وهو يبكي فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما خبرك ؟ فقال : يا رسول الله ما تُركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير ، فصار رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يمسح عينيه ، ويقول : إن عادوا لك ، فعد لهم بما قلت . فأنزل الله عز وجل فيه : مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمان . فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : يا عمار إن عادوا فعد . فقد أنزل الله عز وجل عذرك وأمرك أن تعود إن عادوا » . راجع : الكافي : 2 / 219 وقرب الإسناد / 12 .
« صهروهم في الشمس حتى بلغ الجهد منهم كل مبلغ فأعطوهم ما سألوا . . فلما كان العشي جاء أبو جهل فجعل يشتم سمية ويرفث ، ثم طعنها فقتلها » ! ابن أبي شيبة : 8 / 448 .
ج - ومن كرامة عمار ( رحمه الله ) أن قريشاً ألقته في النار فقال النبي ( صلى الله عليه وآله ) : « يا نار كوني برداً وسلاماً على عمار كما كنت برداً وسلاماً على إبراهيم ، فلم تصله النار ولم يصله منها مكروه ! وقتلت قريش أبويه ورسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول : صبراً آل ياسر ، موعدكم الجنة . ما تريدون من عمار ! عمار مع الحق والحق مع عمار حيث كان . عمار جلدة بين عيني وأنفي ، تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار » . رجال الطوسي : 1 / 127 ، الخوئي : 13 / 284 ، الطبقات : 3 / 248 والذهبي : 3 / 571 .
د - تعمدت السيرة الرسمية أن تجعل أبا بكر أول من أسلم ، وتشيد به وتطمس أدوار من لم ترض عنهم ، وأولهم بنو هاشم ، وأبو ذر ، وعمار ، وخالد بن سعيد ، وخباب ، والمقداد ، وغيرهم من كبار الصحابة وأبطال الإسلام ، الذين سبقوا أبا بكر وعمر وعثمان في الإسلام والدعوة والتضحية والجهاد ، وشهد النبي ( صلى الله عليه وآله ) في حقهم شهادات عظيمة رفعت مكانتهم ، ومن هؤلاء عمار بن ياسر « رحمه الله » .
ه - - « هاجر إلى أرض الحبشة ، ثم إلى المدينة » . « شهد بدراً والمشاهد كلها وأبلى بلاء حسناً ، ثم شهد اليمامة فأبلى فيها أيضاً ، ويومئذ قطعت أذنه » . عمدة القاري : 1 / 197 ،
شرح النهج : 20 / 37 وغيرهما .
وفي المسترشد / 657 : « قال فيه النبي ( صلى الله عليه وآله ) : عمار جلدة بين عيني . وهذا حين ارتجز وهم ينقلون حجارة المسجد بأبيات سمعها من أمير المؤمنين :
لا يستوي من يعمر المساجد * وبات فيها قائماً وقاعداً
ومن غدا عن الغبار حائدا .
يعرِّض بعمر ، فقال له عمر : يا بن السوداء لهممت أن أغمسه في أنفك ! فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله ) : ما لكم ولعمار ؟ عمار جِلدة ما بين عينيَّ ، ثم قال لعمار : تقتلك الفئة الباغية » .
و - كان منقطعاً إلى علي ( عليه السلام ) من زمن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال النوبختي في فرق الشيعة / 17 : « أول فرق الشيعة وهم فرقة علي بن أبي طالب المسمون بشيعة علي في زمان النبي وبعده معروفون بانقطاعهم إليه والقول بإمامته منهم : المقداد بن الأسود ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر جندب بن جنادة الغفاري ، وعمار بن ياسر . . . » .
وكان بذلك ينفذ أمر النبي ( صلى الله عليه وآله ) ففي مناقب الخوارزمي / 193 ، ومذاهب الطوائف / 102 : « عن علقمة والأسود قالا : أتينا أباأيوب الأنصاري فقلنا : يا أباأيوب إن الله أكرمك بنبيه ( صلى الله عليه وآله ) إذ أوحى إلى راحلته فبركت على بابك ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ضيفاً لك ، فضيلة الله فضلك بها ، فأخبرنا عن مخرجك مع علي بن أبي طالب ؟ قال أبو أيوب : فإني أقسم لكما لقد كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في هذا البيت الذي أنتما فيه وما فيه غير رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وعلي جالس عن يمينه ، وأنا جالس عن يساره ، وأنس بن مالك قائم بين يديه إذ تحرك الباب فقال ( صلى الله عليه وآله ) : أنظر من بالباب ؟ فخرج أنس فنظر فقال : هذا عمار بن ياسر فقال ( صلى الله عليه وآله ) : إفتح لعمار الطيب المطيب ، ففتح أنس ودخل عمار فسلم على رسول الله فرحب به ، ثم قال لعمار : إنه سيكون في أمتي من بعدي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهم ، وحتى يقتل بعضهم بعضاً ، وحتى يبرأ بعضهم من بعض ! فإذا رأيت ذلك فعليك بهذا الأصلع عن يميني علي بن أبي طالب ! وإن سلك الناس كلهم وادياً وسلك علي وادياً ، فاسلك وادي علي وخل الناس طراً ! إن علياً لا يردك عن هدى ولا يدلك على ردى . يا عمار طاعة علي طاعتي ، وطاعتي طاعة الله » .
ز - وانتدب الصحابة عماراً ليسلم عريضتهم إلى عثمان ، فضربه عثمان ، وكاد يقتله ! قال ابن الأعثم في الفتوح : 2 / 372 : « واجتمع نفر من أصحاب النبي ( صلى الله عليه وآله ) ثم إنهم كتبوا كتاباً ، وذكروا فيه كل حدث أحدثه عثمان منذ يوم ولي الخلافة إلى ذلك اليوم ثم إنهم خوفوه في الكتاب وأعلموه أنه إن لم ينزع عما هو عليه خلعوه واستبدلوا به غيره . . . ثم أقبلوا على عمار بن ياسر وقالوا له : يا أبا اليقظان ! هل لك أن تكفينا هذا الأمر وتنطلق بالكتاب إلى عثمان ؟ فقال عمار : أفعله ، ثم أخذ الكتاب وانطلق إلى عثمان ، فإذا عثمان وقد لبس ثيابه وخفيه في رجليه ، فلما خرج من باب منزله نظر إلى عمار واقفاً والكتاب في يده فقال له : حاجة يا أبا اليقظان ؟ فقال عمار : مالي حاجة ، ولكنا اجتمعنا فكتبنا كتاباً نذكر فيه أموراً من أمورك لا نرضاها لك ، قال : ثم دفع إليه الكتاب فأخذه عثمان فنظر فيه حتى قرأ سطراً منه ، ثم غضب ورمى به من يده ، فقال له عمار : لا ترم بالكتاب وانظر فيه حسناً ، فإنه كتاب أصحاب رسول الله وأنا والله ناصح لك ! فقال له عثمان : كذبت يا بن سمية ! فقال عمار : أنا والله ناصح لك ! فقال عثمان : كذبت يا ابن سمية ! فقال عمار : أنا والله ابن سمية وابن ياسر . قال : فأمر عثمان غلمانه فضربوه ضرباً شديداً حتى وقع لجنبه ، ثم تقدم إليه عثمان فوطئ بطنه ومذاكيره حتى غشي عليه وأصابه الفتق ، فسقط لما به لا يعقل من أمر شيئاً ! قال : واتصل الخبر ببني مخزوم فأقبل هشام بن الوليد بن المغيرة في نفر من بني مخزوم فاحتملوا عماراً من موضعه ذلك وجعلوا يقولون : والله لئن مات الآن لنقتلن به شيخاً عظيماً من بني أمية ، ثم انطلقوا بعمار إلى منزله مغشياً عليه ، فلم يصل ظهراً ولا عصراً ولا مغرباً ولا عشاءً حتى ذهب بعض الليل ، ثم أفاق بعد ذلك من غشيته فقام فقضى ما فاته من صلواته كلها . قال : فكان هذا من إحداثه الذي نقموا عليه ، فبلغ ذلك أبا ذر وكان مقيماً بالشام فجعل يظهر عيب عثمان هناك ويذكر منه خصالاً قبيحة ، فكتب معاوية بن أبي سفيان بذلك إلى عثمان . . . فكتب إليه عثمان : أما بعد ، فقد جاءني كتابك وفهمت ما ذكرت فيه من أمر أبي ذر جندب بن جنادة ، فإذا ورد عليك كتابي هذا فابعث به إلي واحمله على أغلظ المراكب وأوعرها ، وابعث معه دليلاً يسير به الليل مع النهار حتى يغلبه النوم ، فينسيه ذكري وذكرك والسلام » !
ح - غيَّبَ رواة السلطة دور عمار في مواجهة السقيفة ، ثم في حرب اليمامة والفتوحات ! عملاً بسياستهم تجاه علي ( عليه السلام ) وأصحابه وشيعته ! والنصوص القليلة التي وصلتنا تدل على دوره في فتح العراق ، وكان والي الكوفة ، ونبه عمر إلى خطر الفرس وحثه على مواجهة خطتهم ! فقد روى ابن الأعثم في الفتوح : 2 / 290 ونحوه الطبري : 3 / 209 ، رسالة عمار التاريخية إلى عمر الخليفة ، ينذره بأن الفرس جمعوا مئة وخمسين ألف جندي : « وأنهم قد تعاهدوا وتعاقدوا وتحالفوا وتكاتبوا وتواصوا وتواثقوا ، على أنهم يخرجوننا من أرضنا ويأتونكم من بعدنا . . . فلما ورد الكتاب على عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقرأه وفهم ما فيه ، وقعت عليه الرِّعدة والنَّفْضة حتى سمع المسلمون أطيط أضراسه ! ثم قام عن موضعه حتى دخل المسجد وجعل ينادي : أين المهاجرون والأنصار ! ألا فاجتمعوا رحمكم الله وأعينوني أعانكم الله » . ثم وصفوا اجتماعهم وكيف وضع علي ( عليه السلام ) الخطة ، وقال عمر لا أبقاني لمعضلة ليس لها أبو الحسن ، وكيف أطلق يده فأدار ( عليه السلام ) جبهة فتح فارس ومدها بقادة من تلاميذه ، وكان لحذيفة وسلمان وعمار أدوار أساسية فيها ، وحقق للمسلمين النصر الحاسم ، كما أدار قبلها فتح بلاد الشام ومعركتيها المهمتين أجنادين واليرموك ، وكان لأبي ذر وخالد بن سعيد ومالك الأشتر الأدوار الأساسية فيها .
ط - وتنفس عمار الصعداء لما بايعت الأمة علياً ( عليه السلام ) فنهض لنصرة إمامه ولازمه في خلافته حتى استشهد بين يديه في صفين ! وفي صفين قاتل ، وناظر عمرو بن العاص في يوم مشهود وأفحمه وفضح إمامه معاوية !
وكان ينادي في المسلمين : « أيها الناس ! والله ما أسلم القوم ولكنهم استسلموا وأسروا الكفر ، فلما وجدوا له أعواناً أظهروه » ! الجمل للمفيد / 19 ، والمناقب لمحمد بن سليمان : 2 / 356 ، ووقعة صفين / 216 ، بسند صحيح عندهم .
وفي شرح الأخبار : 2 / 15 : « دعا عمار يوم صفين بشراب ، فأتي بضياح من لبن فشربه ثم قال : اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه . سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لي : تقتلك الفئة الباغية ، ويكون آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن ، ثم تقدم إلى القتال فقاتل حتى قتل رحمة الله عليه » .
وفي الاحتجاج : 1 / 266 ، عن الصادق ( عليه السلام ) : « لما قتل عمار بن ياسر ارتعدت فرائص خلق كثير وقالوا : قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : عمار تقتله الفئة الباغية ، فدخل عمرو على معاوية وقال : يا أمير المؤمنين قد هاج الناس واضطربوا ، قال : لماذا ؟ قال : قتل عمار ! فقال : قتل عمار فماذا ؟ قال : أليس قال رسول الله : تقتله الفئة الباغية ؟ فقال معاوية : دحضت في بولك ! أنحن قتلناه ؟ إنما قتله علي بن أبي طالب لما ألقاه بين رماحنا ، فاتصل ذلك بعلي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، قال : فإذاً رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) هو الذي قتل حمزة لمَّا ألقاه بين رماح المشركين » !
وقال الإمام الهادي ( عليه السلام ) مخاطباً جده أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في زيارته يوم الغدير : « مولاي بك ظهر الحق وقد نبذه الخلق ، وأوضحت السنن بعد الدروس والطمس ولك سابقة الجهاد على تصديق التنزيل ، ولك فضيلة الجهاد على تحقيق التأويل ، وعدوك عدو الله جاحد لرسول الله ، يدعو باطلاً ويحكم جائراً ، ويتأمر غاصباً ، ويدعو حزبه إلى النار . وعمار يجاهد وينادي بين الصفين : الرواح الرواح إلى الجنة . ولما استسقى فسقي اللبن كبَّر وقال : قال لي رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) : آخر شرابك من الدنيا ضياح من لبن وتقتلك الفئة الباغية فاعترضه أبو الغادية الفزاري فقتله فعلى أبي الغادية لعنة الله ولعنة ملائكته ورسله أجمعين » . المزار لابن المشهدي / 277 .