عمرة القضاء
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص559-561
2025-12-06
35
لقد كانت الأشهر الثمانية الواقعة بين انتهاء النبي من يهود خيبر وفدك واليمامة وبين عمرة القضاء حافلة بالعمل المتواصل لتركيز دعائم الاسلام وانتشاره ، فلما استدار العام وجاء ذو القعدة من السنة السابعة عزم على أن يخرج هو وأصحابه إلى مكة لأداء مناسك الحج حسبما تم الاتفاق عليه بينه وبين قريش في الحديبية فنادى مناديه في الناس ان يتجهزوا للسفر إلى مكة ، فأسرع الناس بلهفة إلى تلبية هذا الطلب وهم على أحر من الجمر لحلول الوقت الذي تم الاتفاق عليه .
وخرج النبي ( ص ) من المدينة في الفين من المهاجرين والأنصار ومعهم أسلحتهم بكاملها ، فقيل له : يا رسول اللّه لقد حملت معك السلاح وقد شرطوا عليك ان تدخلها وليس معك الا السيوف في اغمادها فقال سوف لا ندخل عليهم مكة بغير السيوف ، وما بقي من سلاحنا سنضعه في خارجها بحيث يكون قريبا منا .
ولما انتهى إلى ذي الحليفة احرم للحج هو وأصحابه وساق معه ستين بدنة وقدم الخيل امامه وكانت نحوا من مائة بقيادة محمد بن مسلمة ، ولما أصبح قريبا من مكة خرج منها زعماؤها إلى رؤوس الجبال والتلال المجاورة لها كأبي قبيس وحراء والمرتفعات المطلة عليها ، وانحدر المسلمون من شمال مكة وقد اخذ عبد اللّه بن رواحة بخطام ناقة النبي القصوى وأحاط به كبار الصحابة ، ومن خلفه البقية ممن خرج معه من المدينة ، ولما انكشف لهم البيت انفرجت شفاه المسلمين بالنداء لبيك اللهم لبيك ووقف من بقي بمكة عند دار الندوة ينظرون إليه وإلى أصحابه .
وكانت قريش تظن ان محمدا في جهد وضيق وعسرة وتتحدث بذلك ، فلما دخل رسول اللّه المسجد وادخل بعض ردائه تحت عضده اليمنى وجعل طرفه على منكبه الأيسر وقال رحم اللّه امرأ أراهم اليوم من نفسه قوة ، ثم استلم الركن وخرج يهرول حول البيت حتى إذا واراه البيت عنهم واستلم الركن اليماني مشى حتى يستلم الركن الأسود ، وكلما هرول هرول أصحابه من خلفه حتى أتم الطواف وقريش تنظر إليه من فوق رؤوس الجبال فيأخذها العجب لهذا المنظر .
وفي تلك اللحظات التي كانت قريش تتطلع إلى هذا الطريد الذي خرج من مكة مطرودا قبل سبع سنوات قد عاد إليها اليوم ودخلها كما يدخل الفاتح المنتصر لا يصده عنها صاد ولا يحول بينها وبينه حائل ، في تلك اللحظات نادى منادي المسلمين لا إله إلا اللّه وحده نصر عبده وأعز جنده وخذل الأحزاب وحده فتجاوب الوادي من جميع جهاته بأصداء تلك الأصوات ، فارتجفت قلوب أولئك الذين تسنموا رؤوس الجبال والمرتفعات وتملكهم الحقد والغضب لهذا التحدي الصارخ . ولما أتم المسلمون الطواف حول الكعبة انتقل بهم النبي ( ص ) إلى الصفا والمروة وأتم مناسك العمرة ، وخلال الأيام الثلاثة كان النبي يؤدي فريضة الصلاة في أوقاتها وخلفه الفان من المسلمين وقريش تنظر إلى هذه المشاهد كلها ، وتزوج النبي خلال هذه الرحلة بميمونة بنت الحارث شقيقة أمّ الفضل زوجة العباس ومهرها العباس أربعمائة درهم .
ولما انتهت الأيام الثلاثة التي اتفقا عليها في عهد الحديبية أرسلت قريش حويطب بن عبد العزى ومعه نفر من قريش ، وطلب من النبي ان يخرج من مكة عملا بنص الاتفاق ، فقال لهم النبي : وما عليكم لو تركتموني وصنعت لكم طعاما فحضرتموه ، فقالوا لا حاجة لنا في طعامك :
اخرج عنا فقد انقضى الأجل بيننا ، فخرج النبي من مكة إلى المدينة وذلك في شهر ذي الحجة ، ويدعي جماعة من المفسرين انه في هذه العمرة نزل قوله تعالى :
لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخافُونَ فَعَلِمَ ما لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً ( الفتح 27 ) .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة