سرية علي بن أبي طالب "ع" إلى طيء وإسلام عدي بن حاتم
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص646-649
2025-12-14
49
لقد ذكر أكثر المؤلفين في السيرة غزوة المسلمين لبلاد طيء ، ورجوع المسلمين من تلك الغزوة ومعهم بين السبي سفانة بنت حاتم الطائي ، وفرار أخيها عدي بن حاتم إلى بلاد الشام ، ورجوعه منها إلى المدينة وإسلامه ، ولم يذكروا قائد تلك السرية وعدد الجيش الذي ارسله النبي ( ص ) في تلك الغزوة .
وجاء في بعضها انه ارسل عليا في سرية لبلاد طيء قوامها مائة وخمسون رجلا ليهدم صنما كانوا يقدسونه في مكان يدعى الفلس ، فخرج بمن معه في ربيع الثاني من السنة التاسعة للهجرة ومضى علي يقود تلك السرية حتى قارب بعض الأحياء العربية الموالية لطيّئ ، ومع تباشير الفجر مضى بمن معه إلى احياء طيء وشن عليهم هجوما مفاجئا فمزق شملهم وقتل جماعة منهم وأسر بعضهم وفر الباقون واستولى على بعض مواشيهم وهدم الصنم الذي كانوا يلوذون به واخرج من خزانته ثلاثة سيوف وثلاثة دروع وفر زعيمهم عدي بن حاتم إلى بلاد الشام ، ورجع علي بالسبي والغنائم إلى المدينة ، وكانت سفانة بنت حاتم معهم ، فأنزل السبي في حظيرة إلى جانب المسجد قد أعدت لهذه الغاية .
ومر النبي بالأسرى وهن في تلك الحظيرة فقامت إليه سفانة وكانت ذات عقل ووقار وقالت يا رسول اللّه : هلك الوالد وغاب الرافد ، فقال من رافدك ، قالت عدي بن حاتم ، فقال الفار من اللّه ورسوله ومضى .
ومر في اليوم الثاني فأشار إليها علي ان تكلمه فكلمته وكان مما قالت له كما جاء في بعض المؤلفات في السيرة : يا محمد ان رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بنا احياء العرب فاني ابنة سيدهم ، وكان أبي يحمي الذمار ويفك العاني ويشبع الجائع ويكسو العاري ويفشي السلام بين الناس فامنن علينا منّ اللّه عليك ، فقال قد فعلت ، فلا تعجلي حتى تجدي ثقة يبلغك بلادك ، وإذا أردت الذهاب آذنيني ، وبقيت عنده معززة مكرمة حتى إذا جاء وفد طيء أخبرته ان لها فيهم ثقة واطمئنانا فكساها وحملها على بعير وأعطاها من النفقة ما يسد حاجتها فلما رأت عطاءه قالت : شكرتك يد افتقرت بعد غنى ، ولا ملكتك يد استغنت بعد فقر وأصاب اللّه ببرك مواضعه ولا جعل لك إلى لئيم حاجة ، ولا سلب نعمة من كريم الا وجعلك سببا لردها عليه .
وجاء في سيرة ابن هشام والطبري ان سفانة بعد رجوعها إلى طيء شدت الرحال إلى أخيها بالشام ، فلما وقعت عليه اخذت تلومه وتندد به وتقول : يا قاطع يا ظالم احتملت أهلك وولدك وتركت بقية والدك عورتك ، فقال لها قولي ما تشائين فو اللّه ما لي من عذر .
ثم قالت له أرى واللّه ان تلحق بمحمد سريعا ، فإن يكن الرجل نبيا ، فلسابق إليه فضله ، وإن يكن ملكا فلن تذل في عز اليمن وأنت أنت فتركت هذه النصيحة من سفانة المعروفة بحسن الرأي وسلامة التفكير اثرا طيبا في نفس أخيها ، وشد الرحال من فوره إلى النبي ( ص ) .
وحدث عنه المؤرخون أنه قال : دخلت على النبي وهو في المسجد فلما سلمت عليه وعرفته بنفسي قام وانطلق بي إلى بيته ، فو اللّه وهو عامد بي إذ لقيته امرأة ضعيفة كبيرة فاستوقفته طويلا فوقف لها تكلمه في حاجتها ، فقلت في نفسي واللّه ما هذا بملك ، ثم مضى بي إلى بيته فتناول وسادة من أدم محشوة ليفا فقذفها إلي وقال اجلس عليها ، قلت بل اجلس أنت عليها فأبى علي ذلك فجلست عليها وجلس هو على الأرض فعدت إلى نفسي وقلت ما هكذا تصنع الملوك .
ثم قال ايه يا عدي بن حاتم ألم تكن ركوسيا[1]؟ قلت بلى ، قال ألم تكن تسير في قومك بالمرباع قلت بلى قال إن ذلك لم يكن يحل لك في دينك ، قلت اجل واللّه وعلمت أنه نبي مرسل يعلم ما يجهل ، ثم قال لعلك يا عدي انما يمنعك من دخول هذا الدين ما ترى من حاجتهم فو اللّه ليوشكن المال ان يفيض فيهم حتى لا يوجد من يأخذه .
ولعلك انما يمنعك من الدخول فيه ما تراه من كثرة عدوهم وقلة عددهم ، فو اللّه ليوشكن ان تسمع بالمرأة تخرج من القادسية على بعيرها حتى تزور هذا البيت لا تخاف أحدا ، ولعلك انما يمنعك من الدخول فيه انك ترى الملك والسلطان في غيرهم .
وأيم اللّه ليوشكن ان تسمع بالقصور البيض من ارض بابل قد فتحت عليهم ، هذا وعدي بن حاتم صامت لا يتكلم ، ولكنه كان شارد الفكر يفكر في الملوك والأمراء والكهان والسحرة وفي جميع من استطاع ان يستعرضهم في ذهنه في تلك اللحظات فلم يجد لمحمد شبها بأحد منهم ولا تفسيرا لما رآه وما سمعه منه غير النبوة التي تسيرها إرادة اللّه وتمدها بما لا طاقة لأحد عليه ، فأسرع إلى الإسلام وأخلص في إسلامه ، عن قناعة لا شبهة فيها لا كإسلام أصحاب المطامع والجبناء الذين انضموا إلى الاسلام بعد ما عجزوا عن قهره ، وأخذوا يعملون في الستار ليضربوا الراية التي يتحركون تحتها حين يحين الوقت ، بل كان من دعائم الاسلام طيلة حياته .
وروى الرواة عنه انه كان يقول : ما دخل وقت صلاة قط إلا وانا مشتاق إليها وما أقيمت الصلاة منذ أسلمت الا وانا على وضوء .
واتفق المؤلفون في سيرة الرسول ان الوفود توالت عليه بعد رجوعه من تبوك وكان من بين من وفد عليه جماعة من قضاعة فنزلوا على رويفع بن ثابت البلوي فخرج بهم حتى ادخلهم على رسول اللّه وهو جالس بين أصحابه فرحب بهم ، فقال رويفع : يا رسول اللّه لقد قدموا وافدين عليك مقرين بالاسلام وهم على من وراءهم من قومهم ، فقال النبي ( ص ) من يرد اللّه به خيرا يهده للاسلام .
ثم تقدم شيخ الوفد أبو الضبيب فجلس بين يدي النبي وقال يا رسول اللّه : انا قدمنا عليك لنصدقك ونشهد انك نبي من عند اللّه ونخلع ما كنا نعبد وآباؤنا فدعا لهم رسول اللّه وردهم إلى بلادهم بعد ان علمهم أصول الاسلام وشيئا من احكامه وأجازهم كما كان يصنع مع أكثر الوفود .
ووفد عليه بنو تميم وعلى رأسهم حاجب بن زرارة بن عدس وفيهم الأقرع بن حابس والزبرقان بن بدر وعمرو بن الأهتم وقيس بن عاصم وغيرهم من وجوه تميم فدخلوا المسجد ونادوا النبي ان اخرج إلينا لنفاخرك وقد أشرنا إلى هذا الوفد فيما تقدم عند الحديث عن سرية عيينة بن حصن إلى بني العنبر أحد افخاذ تميم .
[1] الركوسي من الركوسية وهم قوم لهم دين بين دين النصارى والصابئين .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة