1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الفضائل

الاخلاص والتوكل

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الإيثار و الجود و السخاء و الكرم والضيافة

الايمان واليقين والحب الالهي

التفكر والعلم والعمل

التوبة والمحاسبة ومجاهدة النفس

الحب والالفة والتاخي والمداراة

الحلم والرفق والعفو

الخوف والرجاء والحياء وحسن الظن

الزهد والتواضع و الرضا والقناعة وقصر الامل

الشجاعة و الغيرة

الشكر والصبر والفقر

الصدق

العفة والورع و التقوى

الكتمان وكظم الغيظ وحفظ اللسان

بر الوالدين وصلة الرحم

حسن الخلق و الكمال

السلام

العدل و المساواة

اداء الامانة

قضاء الحاجة

فضائل عامة

آداب

اداب النية وآثارها

آداب الصلاة

آداب الصوم و الزكاة و الصدقة

آداب الحج و العمرة و الزيارة

آداب العلم والعبادة

آداب الطعام والشراب

آداب الدعاء

اداب عامة

حقوق

الرذائل وعلاجاتها

الجهل و الذنوب والغفلة

الحسد والطمع والشره

البخل والحرص والخوف وطول الامل

الغيبة و النميمة والبهتان والسباب

الغضب و الحقد والعصبية والقسوة

العجب والتكبر والغرور

الكذب و الرياء واللسان

حب الدنيا والرئاسة والمال

العقوق وقطيعة الرحم ومعاداة المؤمنين

سوء الخلق والظن

الظلم والبغي و الغدر

السخرية والمزاح والشماتة

رذائل عامة

علاج الرذائل

علاج البخل والحرص والغيبة والكذب

علاج التكبر والرياء وسوء الخلق

علاج العجب

علاج الغضب والحسد والشره

علاجات رذائل عامة

أخلاقيات عامة

أدعية وأذكار

صلوات و زيارات

قصص أخلاقية

قصص من حياة النبي (صلى الله عليه واله)

قصص من حياة الائمة المعصومين(عليهم السلام) واصحابهم

قصص من حياة امير المؤمنين(عليه السلام)

قصص من حياة الصحابة والتابعين

قصص من حياة العلماء

قصص اخلاقية عامة

إضاءات أخلاقية

الاخلاق و الادعية : آداب : اداب عامة :

فضائل وآداب الضيافة

المؤلف:  مركز نون للتأليف والترجمة

المصدر:  اللياقات الاجتماعية

الجزء والصفحة:  ص29-53

2024-09-01

178

تمهيد

التزاور بين المؤمنين من أهمّ المظاهر الاجتماعيّة الّتي دعا الإسلام إليها، وقد طفحت كُتب الأحاديث الشريفة بالأحاديث الّتي تتحدّث عن فضل التزاور وآثاره المهمّة، وسنستعرض فيما يلي بعضاً من هذه الروايات.

فعن الإمام الصادق (عليه السلام): "تزاوروا فإنّ في زيارتكم إحياءً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإنْ أخذتم بها رشدتم ونجوتم، وإنْ تركتموها ضللتم وهلكتم، فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم"[1].

وعن الإمام الباقر (عليه السلام): "تزاوروا في بيوتكم فإنَّ ذلك حياة لأمرنا، رحم الله عبداً أحيا أمرنا"[2].

وعن رسول الله الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "أكرم أخلاق النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، التزاور في الله، وحقّ على المزور أن يقرّب إلى أخيه ما تيسّر عنده، ولو لم يكن إلّا جرعة من ماء، فمن احتشم أن يقرّب إلى أخيه ما تيسّر عنده، لم يزل في مقت الله يومه وليلته"[3].

وفي رواية عن الإمام عليّ (عليه السلام): "أنتم في تزاوركم مثل أجر الحاجّين"[4].

وعن الإمام السجّاد عليّ بن الحسين (عليهما السلام) قال: "من زار أخاه في الله طلباً لإنجاز موعود الله شيّعه سبعون ألف ملك، وهتف به هاتف من خلف: ألا طِبْتَ وطابت لك الجنّة، فإذا صافحه غمرته الرحمة"[5].

 

الزيارة في اللَّه‏

إنَّ الأجرَ الّذي وضعه الله تعالى للزيارة إنّما وضعه في الزيارة الّتي يكون الله تعالى هو المراد منها فتكون قُربة إليه، ولا يكون فيها غاية من الغايات أو المصالح، بل تكون امتثالاً لما يحبّه الله تعالى ومحبة من الزائر للأخ المزار، وإلى هذا المعنى أشار الحديث المرويّ عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "إنّ ملكاً لقي رجلاً قائماً على باب دار، فقال له: يا عبد الله، ما حاجتك في هذه الدار؟ فقال: أخٌ لي فيها أردت أن أسلِّم عليه، فقال: بينك وبينه رحم ماسّة، أو نزعتك إليه حاجة؟ فقال: ما لي إليه حاجة غير أنّي أتعهّده في الله ربّ العالمين، ولا بيني وبينه رحم ماسّة أقرب من الإسلام، فقال له الملك: إنّي رسول الله إليك، وهو يُقرئُك السلام ويقول لك: إيّاي زُرت فقد أوجبتُ لك الجنّة، وقد عافيتك من غضبي ومن النار لحبّك إيّاه فيَّ"[6].

وفي رواية أُخرى عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: "إنَّ لله جنّة لا يدخلها إلّا ثلاثة: رجلٌ حكم في نفسه بالحقِّ، ورجل زار أخاه المؤمن في الله عزَّ وجلَّ، ورجلٌ آثر أخاه المؤمن في الله"[7].

وفي المقابل حذّرت الروايات من الهجران بين الإخوان المؤمنين، ومن وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذر: "يا أبا ذر، إيّاك وهجران أخيك، فإنّ العمل لا يُتقبّل مع الهجران، يا أبا ذر، إيّاك عن الهجران وإن كنت لا بُدّ فاعلاً، فلا تهجره ثلاثة أيام كملاً..."[8].

 

الضيافة

تُعتبر الضيافة من أجلى مظاهر الكرم، وهي من الصفات الّتي تغنَّى بها الشعراء وخلّدت أناساً في كتب التاريخ، وفوق هذا كلّه فالضيافة ممّا ندبت إليها الشريعة الإسلاميّة وحثّت عليها الديانات الإلهيّة، وهي وسيلة من الوسائل إلى رضا الله تعالى، وفي الرواية أنّ الإمام عليّاً (عليه السلام) سأل العلاء بن زياد لمّا رأى سعة داره: "ما كنت تصنع بسعة هذه الدار في الدنيا وأنت إليها في الآخرة كنت أحوج؟ بلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري بها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة"[9].

وسنتحدّث في الصفحات المقبلة عن آداب الضيافة وما يتبعها من آداب الضيف والمضيف والمائدة، سائلين من الله العون على أداء طاعته.

 

فضل إكرام الضيف‏

كثُرت الروايات الّتي تتحدّث عن لزوم إكرام الضيف الداخل إلى دار الإنسان، منها ما روي عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه"[10].

بل إنّ من أفضل موارد الإنفاق لمن آتاه الله المال والسعة هي إكرام الضيوف بما يدخل فيه السرور إلى قلوبهم، فعن أمير المؤمنين (عليه السلام): "من آتاه الله مالاً فليصل به القرابة وليحسن منه الضيافة"[11].

ومن فضل الله تعالى على المؤمنين أنّه جعل الرزق في دخول الضيف إلى المنزل، فمن كان يخاف العُسر من كثرة الضيوف فعليه أن يثق بما وعد به الله تعالى على لسان رسوله المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث روي عنه أنّه قال: "الرزق أسرع إلى من يُطعم الطعام من السكّين في السنام"[12].

بل إنَّ من فضل الله تعالى على المؤمنين المضيفين أن يغفر الله لهم ذنوبهم ببركة الضيف وبركة الضيافة، ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "الضيف ينزل برزقه ويرتحل بذنوب أهل البيت"[13].

 

البيت الّذي لا ضيف فيه‏

إنَّ بيت الإنسان المؤمن المحافظ على القيم والمبادئ الإسلاميّة، معمور بالملائكة الّتي تستغفر له ولأهل بيته المؤمنين، ومن الأمور الّتي تجعل هذا البيت خالياً من الملائكة الكرام المسبّحين، عدم دخول الضيوف إلى هذا المنزل، فقد ورد في الحديث عن الإمام عليّ (عليه السلام): "كلُّ بيت لا يدخل فيه الضيف لا تدخل فيه الملائكة"[14].

وفي رواية أُخرى أنَّ الإمام عليّاً (عليه السلام) شوهد حزيناً فسُئل عن علّته فقال (عليه السلام): "لسبع أتت لم يضف علينا ضيف"[15].

 

إجابة دعوة المؤمن للطعام‏

كما أنَّ الضيافة مستحبّة فإنّ تلبية الدعوة لها مستحبّة، بل إنّها من حقّ المسلم على أخيه المسلم كما عدّها الإمام الصادق (عليه السلام) حيث روي عنه (عليه السلام): "من الحقوق الواجبات للمؤمن على المؤمن أن يُجيب دعوته"[16].

كما إنّها وصية الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم)، ففي الرواية عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "أوصي الشاهد من أمّتي والغائب أن يُجيب دعوة المسلم، ولو على خمسة أميال، فإنّ ذلك من الدين"[17].

 

أدب الضيافة (صاحب البيت)

إنّ آداب الضيافة لا تشمل الضيف، بل إنّ للضيف وللمضيف آداباً خاصة بهما وردت في روايات أهل البيت عليهم السلام فمن ادآب صاحب البيت:

 

1- الأكل مع الضيف‏

أوّل الآداب الخاصة بصاحب البيت أن يأكل مع ضيفه فلا يتركه يأكل لوحده، ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أحبّ أن يُحبّه الله ورسوله فليأكل مع ضيفه"[18].

وفي رواية أُخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أكل طعامه مع ضيفه فليس له حجاب دون الربّ"[19].

وإنَّ من الأعراف واللياقات أن لا يدع الإنسان ضيفه يأكل لوحده، ثم يدخل إلى غرفة أُخرى ليأكل بمفرده - فإنَّ مثل هذا العمل يُعدُّ في العُرف إهانةً كبيرة للضيف - أو يتركه يأكل وهو ينظر إليه وهذا ممّا يُخجل الضيف.

 

2- أن لا يستخدم الضيف‏

من آداب صاحب البيت أن لا يستخدم ضيفه كأن يسأله أن يناوله الإبريق مثلاً أو أي أمر آخر، بل عليه هو أن يخدم الضيف، فقد روى أبو يعفور أنّه رأى عند الإمام الصادق (عليه السلام) ضيفاً فقام يوماً في بعض الحوائج، فنهاه عن ذلك، وقام بنفسه إلى تلك الحاجة وقال (عليه السلام): "نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يُستخدم الضيف"[20].

 

3- أن لا يتكلّف للضيف‏

فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "لا يتكلّفن أحد لضيفه ما لا يقدر"[21].

وفي رواية عن الإمام الرضا (عليه السلام): "دعا رجل أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال له (عليه السلام): قد أجبتك على أن تضمن لي ثلاث خصال، قال الرجل: وما هي يا أمير المؤمنين"؟

قال (عليه السلام): "لا تُدخل عليّ شيئاً من خارج، ولا تدخّر عنّي شيئاً في البيت، ولا تجحف بالعيال، قال: ذاك لك يا أمير المؤمنين"[22].

فإنّ الله تعالى لا يحبّ أن يضيّق الإنسان على نفسه كما أنّ شرّ الإخوان من تُكلّف له[23].

وما ذلك إلّا لأنَّ الأخ الّذي يُشعرك بلزوم التكلُّف له ليس أخاً حقيقة، لأنَّ الأخ الحقيقيّ لا يسبِّب إحراجاً لأخيه، ولا يثقله ولا يعرّضه للحرج وللمشقة.

ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى أمر في غاية الأهميّة، وهو أنّه هناك فرق بين أن يكون الإنسان جالساً في بيته، ويأتيه أخ من دون دعوة، وبين أن يُقيم الإنسان وليمة ويدعو إليها إخوانه وأهله، ففي الحالة الأولى لا ينبغي أن يتكلّف الإنسان لأخيه فيها، والروايات الّتي مرّت إنّما تتحدّث عن هذه الحالة وأشباهها، أما لو أقام الإنسان وليمة ودعا الناس إليها، فينبغي له التكلّف بأن يحسن المأكل والمشرب، ويُهيّئ لهم من الكرامة ما يليق بشأنه وشأنهم، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا أتاك أخوك فأتِهِ بما عندك، وإذا دعوتَه فتكلَّف له"[24].

 

آداب الضيافة (الضيف)

1- من آداب الضيف أن يجلس في المكان الّذي يأمره صاحب البيت بالجلوس فيه، لأنّ صاحب البيت أدرى ببيته من الضيف، وكذلك هو أعرف منه بعوراته، وعورات البيت هي الأماكن الّتي لو جلس فيها الضيف، لكان بإمكانه النظر إلى غرف البيت الأخرى، وبالتالي يكون عرضة للنظر إلى ما لا يحلّ النظر إليه، ففي الرواية عن الإمام الباقر (عليه السلام): "إذا دخل أحدكم على أخيه في رحله، فليجلس حيث يأمر صاحب الرحل, فإنّ صاحب الرحل أعرف بعورة بيته من الداخل عليه"[25].

2- ومن الآداب أيضاً أن يدعو لصاحب البيت بعد الانتهاء من تناول الطعام، وقد وردت في الروايات العديد من الأدعية الّتي يمكن للضيف أن يدعو بها ففي الرواية أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "إذا طعم عند أهل بيت قال (صلى الله عليه وآله وسلم): طعم عندكم الأخيار"[26].

وفي رواية أُخرى أنَّ أحدهم حمل لأبي عبد الله (عليه السلام) لطفاً[27] فأكل معه فلمّا فرغ قال: "الحمد لله وقال له (عليه السلام): أكلَ طعامك الأبرار، وصلّت عليك الملائكة الأخيار"[28].

 

الوليمة

الوليمة هي أن يدعو الإنسان طائفة من الناس لتناول الطعام لمناسبة تسرّه، أو لنذر نذره أو عن روح ميّت عزيز عليه وغيرها من الدواعي، كما أنّ الوليمة هي فرصة لإطعام المساكين من الناس الذين لا يملكون قوت يومهم.

وقد ندب الشارع إلى الوليمة بشكل عام، ففي الرواية عن الإمام عليّ (عليه السلام): "قوت الأجساد الطعام، وقوت الأرواح الإطعام". وفي رواية أخرى عنه (عليه السلام): "لذّة الكرام في الإطعام، ولذّة اللئام في الطعام"[29].

وهناك مناسبات ورد الحثُّ على الوليمة فيها، نذكر منها ما ورد في الرواية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصيته لعليّ (عليه السلام): "يا عليّ! لا وليمة إلّا في خمس: في عرس، أو خرس، أو عذار، أو وكار، أو ركاز"[30].

ثمّ شرح الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه المناسبات فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): "فالعرس التزويج، والخرس النفاس بالولد، والعذار الختان، والوكار في بناء الدار وشرائها، والركاز الرجل يقدم من مكّة".

 

آداب المائدة

قد وضع الشرع المقدّس آداباً كثيرة للطعام، وكما تقدّم معنا من أنّ الأحكام الإلهيّة تصبّ في صالح الإنسان وتقرّبه إلى السعادة، فإنّ للآداب الّتي وضعها الله سبحانه وتعالى للمائدة وكيفية الأكل والشرب منافع كثيرة منها ما كشفها العلم والطبّ الحديث، ومنها ما لم يُعلم لحدِّ الآن إلّا أنّ اعتقادنا - بأنّ كلّ الأمور الّتي أمر الله بها لا بدّ وأنّها تصبّ في مصلحة العباد - إيمان تعبّدي يستحقّ الإنسان عليه الأجر من الله تعالى.

وسنتحدّث فيما يلي عن بعض الآداب الّتي وردت في الروايات الشريفة وقد ذكرها التاريخ عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت عليهم السلام علَّ الله تعالى يوفّقنا للعمل بهداهم إنّه الموفّق لكلّ خير.

 

فوائد قلّة الطعام

إنَّ قلّة كميّة الطعام الّتي يتناولها الإنسان لها دور مهم في الحفاظ على صحّته الجسديّة، كما أنّ لها فوائد جمّة كثيرة على النفس الإنسانيّة، ويكفي في مجال أهميّتها أن نلتفت إلى كثرة الروايات الّتي وردت عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته عليهم السلام، والتي تحثّ على قلّة الأكل وتذكر فائدته، فقد ورد عن الإمام عليّ (عليه السلام): "قلّة الغذاء أكرم للنفس وأدوم للصّحة"[31].

وكذا ورد عنه (عليه السلام): "من قلّ طعامه قلّت آلامه"[32]. ولعلّ ذلك لأنّ كثرة الأكل والتكثير من الأصناف المأكولة تربك المعدة الّتي تعتبر في العلم القديم وكذا الحديث من أكثر الأعضاء حساسيّة وتسبيباً للأمراض في الجسم. ويكفي في أهميّة قلّة الطعام ما نراه من السلبيّات الناتجة عن الإكثار من تناول الأطعمة، وأهمّها مرض السمنة الّذي أسماه بعضهم بمرض العصر إذ إنَّ الكثير من الناس يعانون من مشاكل السمنة وأمراض الكولسترول، وغيرها وقد ورد في الرواية عن الإمام الكاظم (عليه السلام): قال: "لو أنَّ الناس قصدوا في الطعم لاعتدلت أبدانهم"[33].

 

مضار كثرة الطعام‏

تقدّم أنَّ السمنة من الأمور المضرّة بالجسم إلّا أنَّ لكثرة الطعام مردوداً سلبيّاً على الإنسان غير ذلك، فكثرة الأكل تسبِّب الأمور التالية:

الشره: والشره من الصفات الرديئة الّتي يوصف بها الإنسان الّذي يتناول الطعام بكثرة تفوق حاجة جسمه العاديّة، وهي صفة قبيحة بالمعايير العرفيّة العامة، فقد ورد في الرواية عن الإمام عليّ (عليه السلام): "كثرة الأكل من الشره، والشره شرّ العيوب"[34].

الأمراض المعوية: مما يحدو بالإنسان إلى الامتناع عن الكثير من الأصناف الّتي كان يتناولها في حالته الصحية السليمة، وما ذلك إلّا لأجل ما سبّبه الإفراط في الأكل من حساسية في معدة الإنسان حتّى انطبق عليه حينئذ الحديث المشهور عن أمير المؤمنين (عليه السلام): "كم من أكلة تمنع أكلات"[35].

ولأجل هذه السلبيّات وغيرها كانت دعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل البيت عليهم السلام لنا بأن لا نأكل إلّا حينما نشعر بالجوع.

ففي الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "كُلْ وأنت تشتهي، وأمسك وأنت تشتهي"[36].

فلا نجعل كلَّ الهمِّ في التفتيش عن لقمةٍ هنا وهناك لكي نضعها في هذا الوعاء الّذي خلقه الله تعالى لكي يكون واسطة للحفاظ على حياتنا واستمرارها، لكي نحقّق الهدف الأسمى من الخلقة.

 

بعضٌ من آداب المائدة:

الأوّل: الوضوء قبل الطعام وبعده

إنَّ الشريعة الإسلاميّة أعطت الأهميّة العظيمة للنظافة، ومن الأُمور الّتي أمرتنا بالتأدب بها الوضوء وغسل اليدين قبل الطعام وبعده، فعن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "الوضوء قبل الطعام وبعده ينفي الفقر..."[37].

وفي رواية أُخرى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "إذا توضّأت بعد الطعام فامسح عينيك بفضل ما في يديك فإنّه أمان من الرمد"[38].

ومن آداب الوضوء الّذي يسبق الطعام أن لا يستعمل الإنسان منديلاً "منشفة" ليجفّف به يديه قبل الطعام، فقد ورد في الرواية عن صفوان الجمال قال: كنّا عند أبي عبد الله (عليه السلام) فحضرت المائدة فأتى الخادم بالوضوء فناوله المنديل فعافه، ثمّ قال: "منه غسلنا"[39].

وأمّا في الوضوء الّذي بعد الطعام فلا بأس بأن يجفّف الإنسان يديه بعده، ففي الرواية عن نزار قال: "رأيت أبا الحسن (عليه السلام) إذا توضّأ قبل الطعام لم يمسّ المنديل، وإذا توضّأ بعد الطعام مسَّ المنديل"[40].

 

الثاني: البسملة والدعاء

وهي من الآداب المشهورة والمستحبّات الأكيدة، وقد ورد في الرواية عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) أنّه قال: "اذكروا الله عزَّ وجلَّ عند الطعام ولا تلغوا فيه: فإنّه نعمة من نِعَمِ الله يجب عليكم فيها شكره وحمده، أحسنوا صحبة النِّعم قبل فراقها، فإنّها تزول وتشهد على صاحبها بما عمل فيها"[41].

وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: إنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: "إذا وضعت المائدة حفّها أربعة أملاك، فإذا قال العبد: "بسم الله" قالت الملائكة للشيطان: اخرج يا فاسق فلا سلطان لك عليهم. وإذا فرغوا فقالوا: "الحمد لله" قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فأدّوا الشكر لربّهم. وإذا لم يقل: "بسم الله" قالت الملائكة للشيطان: ادن يا فاسق فكل معهم. فإذا رُفعت المائدة ولم يحمدوا الله قالت الملائكة: قوم أنعم الله عليهم فنسوا ربّهم"[42].

وتُستحب التسمية على كلّ صنف من أصناف الطعام الموجود على المائدة، وإذا كان الشخص ممّن ينسى ذلك عليه أن يعمل بما أوصى به الإمام الصادق (عليه السلام) فقد روي عنه (عليه السلام): "أنَّ من نسي أن يُسمّي على كلِّ لون فليقل: "بسم الله على أوّله وآخره"[43].

 

الثالث: إطالة الجلوس‏

ومن الآداب المهمّة أن يطيل الإنسان مكوثه أثناء تناوله للطعام، وأن لا يستعجل في الانتهاء، لأنَّ الوقت الّذي يتناول الإنسان فيه طعامه لا يسأله الله تعالى عنه، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال: "أطيلوا الجلوس على الموائد، فإنّها ساعة لا تُحسب من أعماركم"[44].

 

الرابع: تناول الفُتات‏

من المستحبّات الشرعيّة أن يتناول الإنسان الفُتات المتساقط من الطعام، حيث ورد في الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من وجد كسرة أو تمرة فأكلها لم تفارق جوفه حتّى يغفر الله له"[45].

ومن الثواب الّذي أعدّه الله تعالى لهذا العمل الّذي يتصوره الإنسان عملاً قليلاً ما ورد في الرواية عن الإمام الرضا (عليه السلام)، عن أبيه (عليه السلام)، عن آبائه عليهم السلام قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "ما سقط من المائدة مهور الحور العين"[46].

فمن أحبَّ أن يدفع مهر الحور العين قبل أن يدخل الجنّة فما عليه إلّا أن يستنّ بسنّة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته عليهم السلام ويقوم بهذا العمل القليل ذي الأجر العظيم.

 

الخامس: الافتتاح بالملح والاختتام به‏

ومن الآداب المشهورة والسنن المأثورة أيضاً أن يفتتح الإنسان الطعام بتناول حبّات قليلة من الملح وأن يختتم طعامه بها أيضاً، حيث ورد في الرواية أنَّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال للإمام عليّ (عليه السلام): "يا عليّ افتح بالملح واختتم به، فإنّه شفاء من سبعين داء، منها الجنون والجذام والبرص ووجع الحلق ووجع الأضراس ووجع البطن"[47].

وقد أثبت العلم الحديث هذه الفائدة الّتي ذكرها الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث تقول الدراسات العلميّة الحديثة: إنّ تناول الملح قبل الطعام يفيد في الحفاظ على صحة الأسنان وحمايتها من الأمراض الّتي تعرض عليها كالالتهاب والتسوس وغيرها...

 

السادس: أن يأكل الإنسان من أمامه

قد جرت العادة على أن يأكل كلّ إنسان من أمامه أي من الطعام الّذي في جهته، وكذا يعتبر العرف أنَّ الأكل من أمام الآخرين من العادات السيّئة، والشرع أدّبنا على أن نكون كذلك، ففي الرواية عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم): "إذا وضعت المائدة بين يدي الرجل فليأكل مما يليه. ولا يتناول ممّا بين يدي جليسه..."[48].

 

السابع: إطعام من يشتهي‏

من الآداب العظيمة الّتي جاء بها الإسلام أن يتعلّم الإنسان المواساة في أمور دنياه فيواسي المسكين في طعامه إذا وقف ينظر إليه أثناء تناوله له، ففي الرواية عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "من أكل وذو عينين ينظر إليه ولم يواسه ابتلي بداءٍ لا دواء له"[49].

بل أكثر من ذلك فإنّ أئمّة أهل البيت عليهم السلام علّمونا أن نواسي حتّى الحيوان إذا وقف أمامنا أثناء الطعام، ففي الرواية: رأيت الحسن بن عليّ (عليه السلام) يأكل وبين يديه كلب، كلّما أكل لقمة طرح للكلب مثلها، فقلت له: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) "ألا أَرْجُمُ هذا الكلب عن طعامك؟ قال: دعه، إنّي لأستحيي من الله تعالى أن يكون ذو روح ينظر في وجهي وأنا آكل ثم لا أطعمه"[50].

وهنا تتجلّى عظمة الدين الإسلاميّ الّذي أعطى الاهتمام حتّى لمشاعر الحيوان، وهو حيوان، فما بالك بما أوصى به الإسلام من حُسْنِ الجوار والعطف على الفقراء وغيرها من الأحكام الّتي تتضمّن البعد الاجتماعيّ الراقي.

 

الثامن: عدم الأكل باليد اليسرى‏

ومن الآداب الّتي حثّت عليها الروايات أيضاً أن لا يأكل الإنسان أو يشرب بيده اليسرى، بل يباشر الطعام بيده اليمنى، ففي الرواية عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه كره أن يأكل بشماله أو يشرب بها أو يتناول بها[51].

 

التاسع: عدم الأكل أثناء المشي‏

والأكل أثناء المشي من الأمور الّتي لا يحبّذها العرف، وخصوصاً للإنسان المؤمن أو العالم، بل إنَّ هذا العمل مما يسقط هيبة الإنسان واعتباره من أعين الناس، وقد ورد النهي عن ذلك في الروايات، ففي الحديث عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنّه قال: "لا تأكل وأنت تمشي إلّا أن تضطّر إلى ذلك"[52].

 

العاشر: عدم أكل الطعام حارّاً

ففي الرواية عن أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): "أقروا الحارّ حتّى يبرد، فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قرّب إليه طعام حارّ فقال: أقرّوه حتّى يبرد، ما كان الله عزَّ وجلَّ ليطعمنا النار، والبركة في البارد"[53]، وأكل الطعام حارّاً مما يسبّب الأمراض المعوية كما يقول الأطباء.

ومن الآداب الشرعيّة أيضاً أن لا ينفخ الإنسان في الطعام الحارّ، فقد ورد في الحديث عن الإمام الصادق (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام في حديث مناهي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): "ونهى أن ينفخ في طعام أو شراب"[54]، ولعلَّ في ذلك تدريباً للإنسان على خصلة الصبر وعدم الإسراع في الانجرار وراء رغبات النفس وشهواتها.


[1] ميزان الحكمة, محمدي الريشهري, ج2, ص 1192.

[2] م.ن, ج2, ص 1193.

[3] مستدرك الوسائل, الميرزا, النوري, ج61, ص 239.

[4] مشكاة الأنوار, علي الطبرسي, ص 363.

[5] م.ن, ص 363.

[6] مشكاة الأنوار, علي الطبرسي, ص 363.

[7] م.ن, ص 364.

[8] م.ن, ص 365.

[9] ميزان الحكمة, محمدي الريشهري, الحديث, 11101.

[10] ميزان الحكمة, الحديث 11098.

[11] م.ن, الحديث 11102.

[12] م.ن, الحديث 11103.

[13] م.ن, الحديث 11100.

[14] م.ن, الحديث 11105.

[15] م.ن, الحديث 11106.

[16] بحارالأنوار, ج72, ص447.

[17] المحاسن, ج2, ص 180.

[18] تنبيه الخواطر, ج2, ص 116.

[19] م.ن, ج2, ص 116.

[20] الكافي, ج6, ص 283.

[21] كنز العمال, الحديث 25876.

[22] عيون أخبار الرضا عليه السلام, ج2, ص42.

[23] نهج البلاغة, أمير المؤمنين عليه السلام, ج4, ص110.

[24] المحاسن, ج2, ص 179.

[25] بحار الأنوار, ج75, ص 451.

[26] المحاسن, ج2, ص439.

[27] يقال جاءتنا لطفة من فلان أي هديّة, الصحاح, الجوهري, ج4, ص142.

[28]  المحاسن, ج2, ص439.

[29] ميزان الحكمة, محمدي الريشهري, الحديث, 1721.

[30] م.ن, ج2, ص1721.

[31] م.ن, ج1, ص88.

[32] م.ن, ج1, ص88.

[33] م.ن, ج1, ص89.

[34] م.ن, ج1, ص88.

[35] م.ن, ج1, ص88.

[36] م.ن, ج1, ص91.

[37] مكارم الأخلاق, الشيخ الطبرسي, ص140.

[38] م.ن, ص140.

[39] م.ن, ص140.

[40] مكارم الأخلاق, الشيخ الطبرسي, ص140.

[41] مكارم الأخلاق, الشيخ الطبرسي, ص140.

[42] م.ن, ص142.

[43] م.ن, ص143.

[44] م.ن, ص141.

[45] م.ن, ص141.

[46] مكارم الأخلاق, الشيخ الطبرسي, ص141.

[47] م.ن, ص142.

[48] م.ن, ص149.

[49] ميزان الحكمة, محمدي الريشهري, ج1, ص92.

[50] م.ن, ص92.

[51] مكارم الأخلاق, الشيخ الطبرسي, ص142.

[52] م.ن, ص145.

[53] ميزان الحكمة, محمدي الريشهري, ج1, ص92.

[54] م.ن, ص145.