من الجوانب الخادعة في الجاذبية أننا يمكن أن ننخدع في إدراك الاتجاه الذي تجذب منه حقيقة فنتصور أنها تجذب من اتجاه آخر فالجاذبية تشد الأجسام تجاه مركز الأرض، وذلك بالطبع على الأرض وليس على كوكب بلوتو. لكننا أحيانا نرى الجاذبية ذات تأثير أفقي، وهذه الجاذبية الاصطناعية أو المتصورة كما نسميها يمكن أن تتحدى الجاذبية نفسها.

يمكنك شرح الجاذبية الاصطناعية عمليا بكل سهولة بأن تفعل أمرًا اعتادت فعله جدتي في كل مرة كانت تُعد فيها طبق السلطة. تذكر أن جدتي كانت لها أفكار رائعة فهي التي علمتني أن المرء يكون أطول قامةً وهو مستلق عنه واقفا. أما حين كانت تعد السلطة فقد كانت تستمتع بوقتها. كانت تغسل الخس في مصفاة، ثم بدلا من أن تجففه في منشفة قماشية، وهو ما يدمر أوراقه، ابتكرت أسلوبها الخاص، حيث كانت تضع منشفة أطباق فوق المصفاة وتثبتها برباط مطاطي، ثم تشرع في أرجحتها بشكل دائري بعزم شديد وسرعة خارقة.

ولذلك فإنني عندما أشرح هذا لطلبتي أطلب من الجالسين منهم في أول صفين أن يغلقوا دفاترهم كي لا تتبلل صفحاتها لأنني أحضر الخس معي إلى قاعة الدرس، وأغسله بعناية في حوض موضوع فوق طاولتي، ثم أشرع في تجهيزه داخل المصفاة. أقول لهم «تأهبوا» ثم أطوح ذراعي بضراوة في شكل دائرة عمودية فتتناثر قطرات الماء في كل مكان بالطبع قد صار لدينا الآن دوارات سلطة بلاستيكية مملة حلت محل الطريقة التي كانت جدتي تنتهجها – وهو من سوء حظ هذا الكتاب. فلطالما انتزعت المدنية الحديثة الرومانسية من حياتنا.

وذلك النوع من الجاذبية الاصطناعية يشهده رواد الفضاء أثناء تسارعهم في المدار المحيط بالأرض. روى لي جيفري هوفمان صديقي وزميلي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، والذي ذهب في خمس بعثات فضائية بمكوك فضائي، أن طاقم المكوك شهد خلال مرحلة الإطلاق مجموعة من التسارعات المختلفة التي تتدرج من نحو 0.5 g في البداية وصولا إلى 2.5 g بنهاية مرحلة الوقود الصلب. ثم ينخفض التسارع مرة أخرى لفترة قصيرة إلى g 1، وهي المرحلة التي يبدأ الوقود السائل فيها بالاحتراق ثم يزداد التسارع مرة أخرى إلى 3 g في الدقيقة الأخيرة من الإطلاق. ويستغرق الإطلاق وقتا يبلغ في الإجمالي نحو ثماني دقائق ونصف الدقيقة كي يصل إلى سرعة تبلغ نحو 17000 ميل في الساعة. وهو الوضع الذي لا يكون مريحًا أبدا. وعندما وصلوا إلى المدار في النهاية انعدم وزنهم ومروا بمرحلة انعدام الجاذبية.

الآن صرت تعلم أن الخس الذي يشعر بأن المصفاة تضغط عليه، ورواد الفضاء الذين يشعرون بمقاعدهم تضغط عليهم، يتأثرون بنوع من أنواع الجاذبية الاصطناعية. فتلك الآلة الغريبة التي تمتلكها جدتي – ومثلها مجففات الخضروات – هي نوع من أنواع الطرد المركزي، حيث إنها تفصل الخس عن الماء المتعلق بأوراقه، ضاربة إياه ليندفع من ثقوب المصفاة لا تحتاج لأن تكون رائد فضاء لتمر بهذه الجاذبية المحسوسة. تأمل تلك اللعبة الشيطانية في مدينة الألعاب، والمسماة باللعبة الدوارة التي تقف فيها على حافة قرص دوار ضخم مسندًا ظهرك إلى حاجز معدني. بزيادة سرعة الدوران تجد أنك تُدفع أكثر ناحية الحاجز، أليس كذلك؟ وفقًا لقانون نيوتن الثالث فإنك تضغط على الحاجز بذات القوة التي يضغط الحاجز بها عليك.

تلك القوة التي يضغط الحاجز بها عليك تسمى قوة الضغط المركزي. وهي القوة التي تولد العجلة اللازمة ليدور جسدك؛ وكلما ازدادت سرعتك ازدادت قوة الضغط المركزي. تذكر أنك لو صرت تتحرك في شكل دائري فإنك تحتاج إلى قوة (ومن ثم عجلة) لتظل تتحرك حتى لو ظلت سرعتك ثابتة. وبذات الطريقة توفر الجاذبية قوة الطرد المركزي اللازمة لجعل الكواكب تدور حول الشمس. أما تلك القوة التي تضغط بها أنت على الحاجز فتسمى عادة قوة الجذب المركزي. وكلتا القوتين الطرد المركزي والجذب المركزي، تتساويان في المقدار لكنهما تتضادان في الاتجاه. ويتعين عليك ألا تخلط بينهما؛ فقوة الطرد المركزي هي وحدها التي تؤثر عليك (لا نظيرتها الأخرى)، وقوة الجذب المركزي هي وحدها التي تؤثر على الحاجز (لا نظيرتها الأخرى).

وبعض الألعاب الدوارة في مدينة الألعاب يمكن أن تدور بسرعة خارقة لدرجة أنها تستطيع أن تخفض الأرض التي تقف أنت عليها دون أن تنزلق أنت لأسفل. فما الذي يمنعك من الانزلاق لأسفل؟

تأمل الأمر قليلا. لو لم تكن تلك اللعبة الدوارة تدور مطلقا، لجعلتك قوة الجاذبية تنزلق لأسفل؛ وذلك لأن قوة الاحتكاك (المتجهة لأعلى) بينك وبين الحاجز لن تكون كبيرة بما يكفي لمعادلة قوة الجاذبية. في حين تزداد قوة الاحتكاك، عند انخفاض الأرضية، مع دوران اللعبة؛ وذلك لأنها تعتمد على قوة الطرد المركزي. وكلما تعاظمت قوة الطرد المركزي (مع انخفاض الأرضية) تعاظمت قوة الاحتكاك. ومن ثم، إذا دارت اللعبة بالسرعة الكافية، مع انخفاض الأرضية، تصير قوة الاحتكاك كافية لمعادلة قوة الجاذبية، مما يحول دونك ودون الانزلاق.

تكثر الطرق التي يمكن بها شرح الجاذبية الاصطناعية عمليا. إليك واحدة منها تستطيع أن تجربها في بيتك، أو بالأحرى باحة بيتك الخلفية. اجلب حبلًا، واربط في نهايته عبوة طلاء فارغة بعد أن تملأها بالماء – نصيحتي أن تملأ نصفها فقط لأنك لو ملأتها بالكامل سيثقل وزنها بدرجة يصعب عليك تدويرها – ثم ادفع العبوة بكل قوتك كي تلف في حركة دائرية فوق رأسك. قد تحتاج لبعض التدريب كي تستطيع دفعها كي تدور بالسرعة المناسبة. عندما تفعل ذلك، ستلاحظ عدم انسكاب ولو قطرة ماء واحدة من العبوة. في فصلي، أجعل بعضًا من طلبتي ينفذون تلك الحيلة، فتضج القاعة بحماس الطلاب وهذه التجربة البسيطة تفسر لنا لماذا تجعلك بعض الأنواع الماكرة من تلك اللعبة الدوارة تدور بالتدريج إلى أن تجد نفسك مقلوبا رأسًا على عقب، ورغم ذلك لا تسقط على الأرض (لكنك بالطبع ولأسباب تتعلق بالأمان تكون مقيدا بحزام إلى تلك اللعبة).

تلك القوة التي يضغط بها الميزان عليك تحدد وزنك الذي يُظهره الميزان على شاشته؛ هي قوة الجاذبية – لا انعدام الجاذبية – والتي تجعل رواد الفضاء منعدمي الوزن؛ وعندما تسقط التفاحة على الأرض تسقط الأرض كذلك على التفاحة. إن قوانين نيوتن بسيطة متسعة النطاق متعمقة ومناقضة للبداهة إلى حد واضح. كان السير إسحاق نيوتن عند صياغته لتلك القوانين يسبر أغوار كون زاخر بالألغاز. ولقد استفدنا كثيرًا من قدرته على حل بعض تلك الألغاز وتمكيننا من رؤية العالم بطريقة جديدة جذريًا.

مواضيع ذات صلة

Cosmic synchrotron radiation

Universal gravitation

Kepler’s laws

The Relation of Physics to Astronomy

الكوارث الكونية والنجوم النيوترونية والثقوب السوداء

نشأة علم فلك الأشعة السينية

قانون الجذب العام (نيوتن وثمرة التفاح)

حساسات النانو في خدمة رحلات الفضاء الخارجي

الأجسام الصلبة والفضاء الخاوي

العوالم الأخرى: قد لا نكون بمفردنا في هذا الكون

كوكبة الحوت الجنوبي Piscis Australis

كوكبة الإكليل الجنوبي Corona Australis