1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الحياة الاسرية

الزوج و الزوجة

الآباء والأمهات

الأبناء

مقبلون على الزواج

مشاكل و حلول

الطفولة

المراهقة والشباب

المرأة حقوق وواجبات

المجتمع و قضاياه

البيئة

آداب عامة

الوطن والسياسة

النظام المالي والانتاج

التنمية البشرية

التربية والتعليم

التربية الروحية والدينية

التربية الصحية والبدنية والجنسية

التربية العلمية والفكرية والثقافية

التربية النفسية والعاطفية

مفاهيم ونظم تربوية

معلومات عامة

الاسرة و المجتمع : التنمية البشرية :

طريق كسب القلوب

المؤلف:  الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

المصدر:  الحياة في ظل الأخلاق

الجزء والصفحة:  ص137ــ148

14-7-2022

2056

*ماذا نعمل لكي تؤثر نصائحنا، وكلماتنا بصورة عامة في قلوب الآخرين؟

هناك شعبة من الأخلاق الاجتماعية تهدف أو تؤدي إلى النفوذ في قلوب الآخرين وكسب ثقتهم، وهنالك فضائل كثيرة في هذا المجال ذكرها علماء الأخلاق في الغالب كفضائل فقط دون أن يلتفتوا إلى نتائجها الخاصة.

وهذه الشعبة من الأخلاق الاجتماعية واسعة ومليئة بالأسرار الخفية والدقيقة، وضرورية جداً، خصوصاً للعلماء والمبلغين، وبدونها لا يستطيعون بلوغ أهدافهم المرسومة بالاعتماد على معلوماتهم وجهودهم الإصلاحية الخاصة فقط، وقد يواجهون الإخفاق والانكسار في مساعيهم.

وما أكثر الفضلاء والعلماء الذين قضوا حياتهم بالعزلة والانزواء، نتيجة لعدم معرفتهم بهذه الشعبة من الأخلاق الاجتماعية، فلا استفاد الناس من أفكارهم وعلومهم، ولا استطاعوا هم أن يحققوا نجاحاً مرموقاً في المجتمع.

وبعكسهم بعض الأفراد الأقل منهم فضيلة وعلماً، فقد استطاعوا أن يصلوا إلى مواقع متقدمة أكبر من لياقتهم الواقعية في المجتمع، بسبب معرفتهم بهذه المبادئ وتطبيقهم لها.

وبإهمال هذه الحقائق يؤدي أحياناً إلى إلقاء تبعات الإخفاق في الجهود والمساعي الاجتماعية على عاتق عوامل وهمية كالحظ والصدفة، في حين أننا لو فسرنا الحظ بمعنى «الإلمام بهذه المبادئ» لكنا أقرب بكثير إلى الواقع.

وعلى أية حال فإننا نجد هنا ضرورة ملحة لطرح النقاط التالية، قبل كل شيء:

1- إن ارتباط حياة الفرد بالمجتمع أمر ضروري، فيجب عليه الإلمام بالمبادئ الصحيحة التي تؤدي إلى نفوذه في قلوب الآخرين لكي يتمكن من إثارة اهتمامهم للتعاون معه، وهو الغرض النهائي من الحياة الاجتماعية.

وعامة أفراد المجتمع بل العاديون منهم متساوون في حاجتهم إلى هذه المبادئ وسيواجهون مشاكل كبيرة إذا ما أهملوها ولم يطبقوها عملياً، ولكن الذين أخذوا على عاتقهم قيادة مجموعة صغيرة أو كبيرة شكل من الأشكال يحسون بالحاجة إلى معرفتها بصورة أكثر من غيرهم، وحاجة القادة الروحيين والمبلغين العقديين - الذين يجب عليهم النفوذ في أعماق وزوايا أرواح الناس وقلوبهم - إليها أكثر من الجميع.

ونستنتج من هذا أن لهذه الشعبة من الأخلاق الاجتماعية صبغة عمومية لا خصوصية، فهي لا تخص فئة معينة من الناس.

2- الموضوع المهم الذي نجد أن من الضروري جداً ذكره هنا هو أننا لو تصورنا أن سبيل النفوذ في أفكار الآخرين ينحصر بمعرفة الأدلة القوية الدافعة لكل موضوع، أو بالدقة في ذكر محاسن ومعايب الأمور المطروحة، لكنا على خطأ عظيم.

فمهما كان الاستدلال قوياً ومنطقياً فإنه ينفذ في المنطقة الإرادية من روح الإنسان فقط، في حين أن القسم الأكبر من روحه يتواجد في المرحلة اللاإرادية أو نصف الإرادية التي لا يمكن النفوذ إليها عن طريق الاستدلال(1).

وحتى الطرق الاستدلالية فغالباً ما تكون مؤثرة بصورة كافية عندما تراعى هذه المبادئ أثناء طرحها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن الإخلاص اللازم تواجده في مجموعة معينة لقائدها لا يحصل له بإقناعهم عقلياً وفكرياً، بل يجب عليه تعبئة عواطفهم تجاه أهدافه المرسومة لكي يكسب الثقة اللازمة للقيادة.

3- لو كان هدفنا من هذه البحوث إخضاع قلوب الآخرين لتحقيق أغراضنا الشخصية وسرقة طاقاتهم عن طريق النفوذ في أفكارهم، لصار عملاً مذموماً ونموذجاً واضحاً للاستعمار والتسلط.

وأما لو كان لأجل توحيد القوى لتحقيق هدف اجتماعي سام أو لإصلاح وتربية الإنسان لصار عملاً ممدوحاً وشرطاً أساسياً للقيادة الصحيحة.

وعليه فإن أساليب إعمال واستخدام هذه المبادئ متشابهة تقريباً في كل مكان، والاختلاف الوحيد يكمن في النتائج واستثمارها.

4- النفوذ في أعماق الآخرين يستلزم قبل كل شيء الإصلاح والمعرفة بمبادئ علم النفس ومعرفة الذات، والنفوذ في زوايا روح الإنسان بصورة عامة، وفي روح الفرد المقصود بصورة خاصة.

والبعض يعرف هذه المبادئ بصورة ذاتية نوعاً ما، لامتلاكهم أذواقاً خاصة ، كما أن البعض الآخر قد تعلمها تدريجياً عن طريق الحاجة والتجربة، ولكن الكثير من الناس يضطرون لاكتسابها واستخدامها عن طريق حلقات الدرس.

5- ولا يلتبس الأمر، فمعرفة طرق التأثير والنفوذ في نفوس الآخرين ليس كافياً وحده، فما أكثر الذين يتمتعون بمعلومات علمية كافية في هذا المجال، لكنهم عاجزين عن تسخيرها بصورة صحيحة، فتطبيقها يحتاج إلى تمارين واستعدادات كافية، أي يجب أن تصير «ملكة أخلاقية» لكي يمكن التوصل بواسطتها إلى نتيجة مرضية.

6- يُفهم من مطالعة سيرة الأنبياء العظام، وخصوصاً الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، والأئمة المعصومين عليهم السلام - أنهم صلوات الله عليهم أجمعين - قد استعانوا بالكثير من هذه المبادئ لتحقيق أهدافهم الرسالية والتربوية وضربوا بأنفسهم المثل الأعلى لهذه الشعبة من الأخلاق الاجتماعية الفاضلة، وكان أسلوبهم في التعامل مع الآخرين ناجحاً، ومن خلاله كانوا يجذبونهم إلى أنفسهم وإلى مبادئهم السامية، وقد وصف البعض جميع هذه الأمور بالصبغة الإعجازية في حين أنها ليست كذلك، فلو اتبعنا سننهم وأساليبهم في التعامل مع الآخرين لتمكنا من جذب الناس والنفوذ في أعماق نفوسهم بسرعة.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم بشأن نبيه العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم : {وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ} [التوبة: 61].

وفي آية أخرى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

وقال أيضاً {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128].

وسنرى بإذن الله تعالى، ما لصفة «الإذن» - التي هي معنى احترام كلام الآخرين وعدم سلب الثقة منهم بلا مسوغ واعمال الليونة والمداراة والمحبة والإخلاص معهم وإيجاد الحلول لمشاكلهم - من أثر بليغ في النفوذ إلى أفكارهم.

وكذلك نرى في سيرته صلى الله عليه وآله وسلم: «إنه كان دائماً هو المبادر بالتحية والسلام، وكان يصبر إذا دعاه أحد في حاجة حتى ينصرف، وكان لا يسحب يده عند مصافحة أحد حتى يكون هو المبادر بسحبها، وكان يكني الآخرين حتى الأطفال ولا يجلس في صدر المجلس»(2).

وسيتضح أثر كل هذه الأمور الأخلاقية في التأثير على الآخرين من خلال البحوث الآتية إن شاء الله تعالى.

7- والواضح جلياً أنه يلزم في هذا البحث - كباقي البحوث الاجتماعية والموجهة - أن لا يُستعان بالوسائل والطرق الملتوية للوصول إلى المقصود، وهو التأثير في الآخرين، بل تجب الاستعانة بطرق صحيحة لنيل أهداف صحيحة أيضاً.

* غرضنا البحث عن الحقيقة أم اللغو والجدال؟

لِم لا نتوصل في مناقشاتنا إلى نتائج مرضية؟

لقد لاحظنا جميع الأمور التالية مراراً عند المجادلة مع الآخرين:

1- حَدَث في كثير في الأحيان أن فشلنا في جدالات طويلة دامت عدة ساعات، في حين أن الموضوع في نظرنا واضح ومنطقي بصورة كاملة، لكن المقابل امتنع عن تقبله.

2- كثيراً ما أسفرت الجدالات عن تعصب وتمسك الطرف المقابل بعقيدته أكثر من السابق.

3- كثيراً ما يحدث أن نشعر بعد جدال طويل بأن قلوبنا لا تكن ذلك الود والإخلاص السابق للطرف المقابل، بل نشعر بالحقد والبغض غير المبرر تجاهه.

4- أثبت تاريخ الجدالات والمناقشات أن الفائدة الناتجة من الطاقات الوفيرة المبذولة لإثبات عقيدة ما أو مذهب معين، ومن الكتب الكثيرة المعدة بجهود وأموال كثيرة لهذا الغرض قليلة جداً.

5- كثيرا ما تتحول النقاشات العلمية، المتفتحة في محيط مفعم بالإخلاص، إلى نزاعات - وأحياناً - انهيارات نفسية لدى البعض واعتداءات بالضرب أو الجرح، على الرغم من انفاء العلاقة بين «الضرب والجرح» و البحث العلمي» وعدم إمكانية إثبات أحدهما بالاستعانة بالآخر أبداً.

6- كثيراً ما حدث أن عجز الطرف المقابل وسكت عن الإجابة عن منطقنا القوي، ومع هذا نلاحظ عدم خضوعه لتلك المسألة، أو اقناعه بها.

وجميع هذه المسائل تعبر عن حقائق غالباً ما يلمسها الذين يتعاملون مع المناقشات العلمية، الاجتماعية والسياسية وغيرها، شكل أو بآخر في الاختبارات والحوادث اليومية، وتستحق التدقيق.

لم يحدث ذلك؟ لأن هذه المناقشات لم تكن بحثاً عن الحقيقة، بل لهزم الخصم والتغلب عليه، والفرق شاسع جداً بين الحالتين مع أنهما متشابهتان في الظاهر.

فالهدف من التحقيق والبحث عن الحقيقة هو إعطاء الشيء لفاقده بدون أخذ شيء منه، أي تعليمه بدون تحطيم شخصيته، لكن الهدف من المشاجرات والجدالات المنطقية في ظاهرها، هو سلب امتياز وغرور وشخصية الطرف المقابل وجرح عواطفه بتعليمه شيئا تافهاً (في نظره أو في الواقع)، لذا فلا عجب من لجاجته وبغضه لها؛ يقول علماء النفس:

1- قد نتمكن من ازعاج شخص عن طريق المشاجرة والجدال لكننا نعجز عن إحراز رضاه القلبي.

2- لا يمكن أبداً مكافحة الجهل بقوة المنطق وعن طريق الجدال.

وقلما يكون للمشاجرات التي تجري بصيغة تنازعية أو هجومية أو دفاعية أثر ملحوظ في إحراز الرضا الباطني للطرف المقابل، وإلحاحه يشير إلى خوفه على شيء من شؤونه الخاصة، وإلا فلا معنى لعناد فرد معين أمام تعلمه شيئاً من أحد.

وقد تكون الجدالات التي تثير عواطف الفرد وتقوده إلى اللجاجة على الأشكال التالية:

1- الجدالات المشوبة بتحقير الخصم أو الاستهانة بعقائده كأن يقال: «رأيك غير منطقي أصلاً، أو غير معقول، أو لا يؤيده أحد، أو يستبعد صدور هذا الكلام منك، أو عجيب و...».

2- الجدال حول شخص ثالث يميل إليه الطرف المقابل (وغالياً ما توجد هذه المسألة بين الناس).

3- الجدالات التي لها صبغة تعليمية مع عدم كون المقابل بمنزلة تلميذ المتكلم، أو عدم تقبله لذلك.

4- الجدالات التي يدل الانتصار فيها على أفضلية وتفوق المتكلم وتسحق روحية حب الظهور الموجودة في الطرف المقابل.

5- الجدال الذي يفهم منه تخطئة بعض تصرفات الطرف المقابل، أو أقربائه وأصدقائه ومريديه.

6- الجدال حول مسائل متأصلة في الطرف المقابل، نتيجة لإيحاء المحيط أو الوالدين وأمثال ذلك ومتحولة جزءاً من أفكاره الأساسية.

ففي مثل هذه الحالات، وللنفوذ في فكر الطرف المقابل وروحه، ينبغي عدم الاستعانة بالأساليب الطبيعية المتداولة أثناء الجدال، بل يجب الاستعانة بالطرق الخارجية مطلقاً عن الموضوع.

* الجدال والمراء:

دققت التعليمات الإسلامية بشدة في أسلوب التباحث مع اناس وخصوصا الجهلاء والبسطاء منهم، ونهت عن المباحثات الفاقدة لصيغة «البحث عن الحقيقة» في موضوع تحت عنوان الجدال والمراء ، وقد نهي في بعض الحالات حتى عن مطلق الجدال.

قال تعالى في محكم كتابه الكريم: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46].

وقال في موضع آخر: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: 125].

فقد نهى عز وجل في هاتين الآيتين عن الجدال الخالي من صيغة «التي هي أحسن» ومراده من «التي هي أحسن» الجدال المفعم بالإخلاص والممزوج بالمحبة والأدب الذي لا يولد في نفسية الطرف المقابل أية ردود فعل سلبية أو سيئة.

وقد أمر الله عز وجل رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في بعض الحالات بأن يقابل لغو المنافقين بالسكوت التام واجتناب الجدال معهم بصورة مطلقة، الجدال الذي يقود إلى اللجاجة: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ} [الحج: 68].

وقد نهت الأحاديث المنقولة عن طرق العامة والخاصة عن هذا العمل بتعبيرات لطيفة مختلفة كشفت النقاب عن سلسلة من النقاط الخفية.

1- عن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: «ذروا المراء فإنه لا تُفهم حكمته ولا تؤمن فتنته» (منية المريد، وإحياء العلوم، ج ٣ ص ١٧٦).

2- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: «لا يستكمل عبد حقيقة الإيمان حتى يدع المراء وإن كان حقاً»... (سفينة البحار - موضوع المراء).

3- قال سليمان عليه السلام لابنه وهو يعظه: «يا بني إياك والمراء فإنه ليست فيه منفعة وهو يهيج بين الإخوان العداوة» (إحياء العلوم).

4- وعنه صلى الله عليه وآله وسلم : «ما ضل قوم بعد أن هداهم الله إلا أوتوا الجدال» (إحياء العلوم) .

5- عن أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام: «يا كميل إياك والمراء فإنك تغري بنفسك السفهاء إذا فعلت وتفسد الإخاء»... (سفينة البحار).

تناولت الروايات المذكورة أعلاه الآثار السيئة الناجمة عن المباحثات المشوبة باللغو والجدال، بصورة دقيقة، ويستنتج منها ما يلي:

1- لا فائدة من الجدال في الكلام ولا يعود بشيء على صاحبه؛ لأنه يحث الطرف المقابل على اللجاجة بسبب جرح مشاعره وعواطفه.

2- الجدال يتنافى مع حقيقة الإيمان (لأن الجدال من علائم التكبر وحب الظهور، وما اجتمع التكبر مع الإيمان أبداً؛ لأن الاستسلام للحق والخضوع له، من روح الإيمان.

3- الجدال يقود إلى الفتنة ويخلق العداوة والبغضاء؛ إذ لا أحد يرضى بتحطيم شخصيته ولا يستصعب ذلك.

4- الجدال يؤدي إلى الضلال؛ لأنه يحرك غريزة اللجاجة وحب الذات والتعصب ويمسخ الحق.

5- الجدال مع الجهلاء يشجعهم على هتك حرمة الإنسان ويجرؤهم عليه؛ لأنهم عندما تتعرض كرامتهم للخطر سينسون قدسية الحرمة التي يكنونها للعلماء في الحالات الطبيعية.

ولأجل التخلص من كل هذه المخاطر العظيمة، أمر الإسلام باجتناب البحث والكلام الذي له صبغة التخاصم واللغو والجدال ولو لإثبات الحق.

* معنى الجدال والمراء:

الجدال لغة بمعنى الخصومة، والجدل بمعنى شدة الخصومة.

والمراء لغة بمعنى أخذ الحليب من الثدي، ويستنتج من تعبيرات البعض من اللغويين أنه في الأصل بمعنى استخلاص الحليب، والمعنى الأوسع هو مطلق الاستخراج، واستعمالها هنا من باب كون هدف الجميع من البحث والجدال هو استخراج قصد الآخر.

وعلى أية حال، فالفرق اللغوي بين كلمتي المراء والجدال طفيف جداً، ولكن البعض وضعوا هذه الفروقات بينهما :

1- المراء يهدف إلى إظهار الفضل والكمال، وأما الجدال فالقصد منه تحقير الطرف المقابل.

2- الجدال يخص المسائل العلمية والمراء أعم منه.

3- الجدال يطلق على الهجمات الابتدائية والتعرضية في الكلام، أما «المراء» فله صبغة دفاعية(3).

* اجتناب حب الذات

يجب على من يريد النفاذ إلى أرواح الآخرين وأفكارهم أن لا يلح لفرض الحقائق على الطرف المقابل كفكر صادر منه، بل على العكس من ذلك، يجب أن يسعى لسرد الحقائق بصورة مجردة ومطلقة.

لأننا نعلم أن كل فرد يعشق أفكاره الخاصة - كما يعشق أولاده الصلبيين - وسبب عشقه وتعلقه واحد في كلتا الحالتين، لأن أفكاره تعتبر (كأولاده) جزء منه، وعشقها شعاع من حب الذات الذي هو من أعمق الغرائز الإنسانية، وبالعكس فأفكار الآخرين (كأبنائهم) غريبة عليم، ولا يستطيع أن يوطن نفسه على حبها، وتؤدي إلى إثارة غريزة التنافس لديه أحياناً .

وعليه فإن إقناع الإنسان بالحقائق عن طريق فكره، أسهل وأهون من فرضها عليه؛ لأن العقل والعاطفة يصيران في اتجاه واحد في مثل هذه الحالات. وبالعكس إذا ما أدخلت هذه الحقائق كموجودات غريبة إلى روحه، فستحصل تضادات ونزاعات كثيرة بين عقله وعاطفته، تسفر عن تغلب العاطفة على العقل في أكثر الأفراد، فالعقل يريد أن يتقبل ذلك الفكر لصحته، لكن العاطفة تستغرب منه وتنسبه للآخرين وتمتنع عن تقبله.

ويلزم هنا الإشارة إلى أنه لو كان مقصودنا التفتيش عن الحقيقة حقاً، لا الانتصار الشخصي، فما المانع من أن يتصور الطرف المقابل أن أصل الفكرة يعود إليه، فلو كان هدفنا قبول أصل الفكرة أساساً، فلم نصر عليه أن يتقبلها بوصفها فكرة صادرة منا؟!.

والتجارب الكثيرة التي أجريت على مختلف الأشخاص تشير بوضوح إلى أن استعمال هذا الأسلوب للنفوذ إلى أفكار الآخرين، غالباً ما كان مصحوباً بنصر حاسم، وللوصول إليه ينبغي اتباع الخطوات التالية:

1- السعي إلى سرد قسم من الموضوع وترك التكملة على عاتق السامع وبتوجيه ومعونة المتكلم، أي أن تكون مهمة المتكلم في الحقيقة توجيه أفكار الطرف المقابل واستعداداته الذاتية، لا خلق أفكار مستقلة جديدة لديه.

2- السعي إلى طرح النقاط على شكل بحوث علمية مطعمة بالأسئلة والاستفهامات وترك الجواب النهائي، الذي يمثل التصميم النهائي في المسألة، على عاتق الطرف المقابل.

3- أن يحترز المتكلم من إسناد الموضوعات إلى نفسه، خصوصاً بعبارات مثل: «لم يذل أحد قبلي بهذا الرأي» وغيرها.

4- يجب التذكير بصراحة والاستشهاد بعبارات أو إشارات من حديث الطرف المقابل حول الموضوع المعين إن وجدت، حتى في غيابه، ولكن بحضور من يحبه أو يحترمه كأبيه، وأستاذه وشيخ عشيرته أو صديقه المخلص ...

والقرآن الكريم الذي يعتبر المثل الأعلى للكلام النافذ بالسحر، وغالباً ما استعان بهذا الأسلوب واستعمل هذه الطريقة في احتجاجاته على المخالفين والمذنبين وطرح المسائل المختلفة بعبارات مثل:

{أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ} [النمل: 61]؟ و {مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ} [القصص: 71] و {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} [فاطر: 3] وعبارات مثل: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: 46] ، وترك الحكم النهائي على عاتق السامعين واستمد العون من وجدانهم في طرح المسائل وحلها.

______________________________________

(١) يعتقد علماء النفس بأن لذهن الإنسان ثلاثة جوانب: 

أ - جانب الإرادة: وهو الجانب الذي يستعين الذهن فيه بالاستدلالات وبالمعايير المنطقية والعقلية وبنتائج المشاهدات والتجارب، وتتضح علاقة المسائل فيه وبالمعايير المنطقية والعقلية وبنتائج المشاهدات والتجارب، وتتضح علاقة المسائل فيه للإنسان بصورة كاملة، وبعبارة أخرى «فالإرادة بيت العقل». 

ب - جانب نصف الإرادة: وهو منطقة الأفكار والمعلومات المبهمة وغير المنتظمة، وبعبارة أخرى فإن المنطقة «نصف الإرادية» هي ميدان المشاعر والرغبات والأفكار التي تنشأً من غرائز معينة كغريزة حب الذات وغيرها وتتصف بالإبهام. 

ج - جانب اللاإرادة: وهو جانب الذهن المظلم والمنسي الذي لا يعرف الإنسان عن محتوياته شيئاً في الظروف الطبيعية، وتتمركز فيه جميع الرغبات غير المشبعة؛ لأسباب معينة، والمترسبة من الجانب الإرادي، وكذلك الذكريات المنسية التي يمكن ان تعود للذاكرة أحياناً، أو لا تعود لها أبداً، نتيجة للعلاقة السلبية الموجودة بينها وبين إحدى الرغبات.

(2) إحياء العلوم، الغزالي، ج ٣، ص ٣٦٥ ــ ٣٦٧. 

(3) راجع المجلد الخامس عشر من كتاب بحار الأنوار، الجزء الثالث، الفصل الأخير من باب الإيمان والكفر.