x
هدف البحث
بحث في العناوين
بحث في اسماء الكتب
بحث في اسماء المؤلفين
اختر القسم
موافق
الأدب
الشعر
العصر الجاهلي
العصر الاسلامي
العصر العباسي
العصر الاندلسي
العصور المتأخرة
العصر الحديث
النثر
النقد
النقد الحديث
النقد القديم
البلاغة
المعاني
البيان
البديع
العروض
تراجم الادباء و الشعراء و الكتاب
الهجاء عند البارودي
المؤلف: عمر الدسوقي
المصدر: في الأدب الحديث
الجزء والصفحة: ص : 220-223ج1
2-10-2019
2961
والهجاء نوعان: شخصي وهو ما درج عليه معظم شعراء العربية، واجتماعي، ويراد به ذلك الهجاء التهكمي الذي يقصد إلى تجسيم عيبٍ من عيوب المجتمع وتصويره في أبشع صورة رغبةً في الإصلاح، وقد يتمثَّل هذا العيب الاجتماعيُّ في شخص من الأشخاص؛ فيهجوه الشاعر, ويبرز ذلك العيب فيه بشكلٍ يسترعي انتباه القارئ أو السامع، وليس الشخص مقصودًا لذاته في مثل هذا النوع من الهجاء، وإنما المقصود هو هذه السوأة الاجتماعية، وقد لجأ شعراء الغرب إلى التمثيل يصورون فيه هذه المثالب الإنسانية العامة، ويجسِّمون العيوب تجسيمًا يحمل الشعب على الاشمئزاز منها والبعد عنها؛ كما فعل شكسبير في رواياته الكثيرة, وكما فعل موليير في هزلياته.
وقد وُجِدَ في شعر البارودي نوعا الهجاء: الشخصي والاجتماعي، وأَكْثَرَ من النوع الاجتماعيِّ على غير عادة شعراء العربية، فهو يشكو الناس ونفاقهم وظلمهم وغدرهم، ويصور قومه ويعدد عيوبهم، ويحرضهم على إصلاح تلك العيوب, وقد مرت بنا نماذج من النوعين؛ فقصيدته التي يدعو فيها لنفسه ويعدد محاسنه وينعى على مواطنيه صفاتهم وخمولهم والتي يقول فيها:
(1/220)
بئس العشير وبئست مصر من بلد ... أضحت مناخًا لأهل الزور والخطل
أرض تأثل فيها الظلم وانقذفت ... صواعق الغدر بين السهل والجبل
من نوع الهجاء الاجتماعي، والمقطوعة التي ذمَّ فيها النهم والجشع من الهجاء الشخصي, وإن لم يظهر فيها أمرًا شخصيًّا, أو عداوةً خاصةً على هجائه, وإنما ذمه بعيب عامٍّ, وهو الجشع والنهم.
ومن النوع الاجتماعي: قوله يذم زمانه وينعى على معاصريه تلونهم وعدم وفائهم في صداقتهم، ولا سيما وقد خذوله وآذوه:
أنا في زمانٍ غادرٍ ومعاشر ... يتلونون تلون الحرباء
أعداء غيب ليس يسلم صاحب ... منهم وأخوة محضر ورخاء
أقبح بهم قومًا بلوت إخاءهم ... فبلوت أقبح ذمة وإخاء
قد أصبحوا للدهر سبة ناقم ... في كل مصدر محنة وبلاء
وأشد ما يلقى الفتى في دهره ... فقد الكرام وصحبة اللؤماء
شقي ابن آدم في الزمان بعقله ... إن الفضيلة آفة العقلاء
فهو هنا لا يذم شخصًا بعينه لعداوةٍ خاصةٍ بينه وبينه، وإنما يذم عيبًا اجتماعيًّا متفشيًا، ولو تناول هذا العيب شاعر غربيٌّ لأظهر لنا شخصية المنافق في مسرحية شائقة, ولأوسعه سخريةً وتهكمًا, ولكن البارودي أوجز في وصفه على عادة العرب؛ على أن له قطعًا تصويرية جميلة في هذا النوع الاجتماعيّ, اسمعه مثلًا يصور جارة تكثر من الصخب والضوضاء، ولها أولاد يتشاجرون كثيرًا، ويملئون الجوَّ صراخًا وعويلًا، لا تراعي هذه الجارة حرمة الجيران، ولا تعبأ براحة سواها، ومن العجيب أن هذا العيب لا يزال منتشرا في كثيرٍ من بلدان الشرق بدعوى الحرية الكاذبة، فترى الجار يقلق راحة جاره بشتَّى الوسائل؛ فتارةً بالمذياع، وأخرى بمكبرات الصوت أو بالمشاجرة مع أهله وأولاده.. إلى آخر ما هنالك من أنواع المضايقات، والبارودي أديب ومفكر، وقد ابتلاه الله بجارةٍ مقلقةٍ للراحة تبدد ضوضاؤها، وجلبتها أفكاره وخيالاته, فلا بدع إذا سخط عليها وبرم بها:
(1/221)
إلى الله أشكو طول ليلي وجارة ... تبيت إلى وقت الصباح بإعوال
لها صبيةٌ لا بارك الله فيهم ... قباح النواصي لا ينمن على حال
صواريخ لا يهدأن إلّا مع الضحى ... من الشر في بيت من الخير ممحال
ترى بينهم -يا فرق الله بينهم- ... لهيب صياح يصعد الفلك العالي
كأنهم مما تنازعن أكلب ... طرقن على حين المساء برئبال
فهجن جميعًا هيجة فزعت لها ... كلاب القرى ما بين سهل وأجبال
فلم يبق من كلب عقور وكلبة ... من الحيّ إلَا جاء بالعم والخال
وفزعت الأنعام والخيل فانبرت ... تجاوب بعضًا في رغاء وتصهال
فقامت رجال الحيّ تحسب أنها ... أصيبت بجيش ذي غوارب ذيال
فمن حاملٍ رمحًا ومن قابضٍ عصًا ... ومن فَزِعٍ يتلو الكتاب بإهلال
ومن سبية ريعت لذك ونسوة ... هوائم دون الباب يهتفن بالوالي
فيا رب هب لي من لدنك صبرًا ... على ما أقاسيه وخذهم بزلزال
ومن هجائه الشخصيِّ الذي ينهش فيه العرض، ويذم الشخص بصفات خاصة فيه حتى تؤذيه، قوله: وهو من أخف أهاجيه:
هجوته لا بالغًا لؤمه ... لكنني كفكفت من غربه
فإن أكن قد نلت من عرضه ... فإني دنست شعري به
فلا يلومن سوى نفسه ... من سلط الناس على ثلبه
وقوله:
وقد تكوَّن من لؤم ومن دنس ... فما يغار على عرضٍ ولا حسب
يلتذ بالطعن فيه والهجاء كما ... يلتذ بالحك والتظفير ذو الجرب
(1/222)
ولقد كان مولعًا بهجاء رياض "باشا"؛ إذ كان يرى فيه معولًا هدَّامًا للحركة الوطنية، وعدوًّا للشعب، ونصيرًا للاستبداد والظلم، ولم يغفر له البارودي وشايته به لدى توفيق حين رأى ميوله الشعبية, فأخرجه من الوزارة ولم يعد إلّا بعد أن ترضاه توفيق.
ومن أهاجيه المقذعة في رياض قوله:
إن ملكًا فيه رياض وزير ... لمباح للخائنين وبل(1)
أهوج أحمق ستيم لئيم ... أغتم أبله زنيم عتل
صغرت رأسه وأفرط في الطول ... شواه وعنقه فهو صعل
أبرزت قدرة الطبيعة فيه ... شكل لؤم إن كان للؤم أهل
ليس تغني الألقاب عن كرم الأصل ... فمجد الفتى عفاف وعقل
أنت من عنصر لو اتكأ الذر ... عليه لآده منه حمل
نازعتك اليهود واختلفت فيك ... النصارى فأنت لا شك بغل(2)
وقد هجاه البارودي بقصيدةٍ أخرى مطلعها:
ما لي بودي بعد اليوم إلمام ... فاذهب فأنت لئيم العهد نمام
على أن البارودي لم يكن هجَّاء، وأهاجيه الشخصية قليلة إذا قيست بشعره كله، ولكن سخطه على الناس وتبرمه بأخلاقهم وعيوبهم كثيرٌ نوعًا ما، وهو يدل على النزعة الإصلاحية عنده, ويدل على أنه قد أوذي ولقي من قومه محنًا كثيرة، وأنه كان يضيق بأخلاقهم ذرعًا, فهذا الهجاء الاجتماعي جديد في شعر البارودي، إنه صوَّرَ به عصره وناسه تصويرًا ملونًا بشعوره الخاص، وحسبنا من الشاعر
(1/223)
أن يصور ما يختلج في صدره من عواطف وأحاسيس, وأن ينقل إلينا مشاعره الخاصة، لا أن يستتر وراء سدف كثيفة مصطنعة من المجاملات والنفاق الاجتماعي، والمدح الكاذب.
__________
(1) بل: مباح، يقال: حل وبل.
(2) هناك من يدعي أن رياضًا من أصل يهوديٍّ, راجع كتاب الثورة العرابية للرافعي, ص32، 38، وراجع كذلك Yonng: Egypt, P.104.