1

الاختلافات حول الصوم

ما  أبرز الاختلافات في الصوم والإفطار بين المسلمين الشيعة والسنّة؟

الجواب: 
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين . .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . وبعد . .
إنّ أبرز الاختلافات في هذا المجال إنما هي في بعض التفاصيل ، لعل أبرز ما يظهر منها في الواقع العملي أمران :
أحدهما : مسألة وقت الإفطار . .
الثاني : مسألة العيد ، وثبوت الهلال . .
فأما بالنسبة للمسألة الأولى : أعني مسألة الإفطار . فيمكن تلخيصه على النحو التالي :
إن المسلمين السنة يبادرون إلى الإفطار بمجرد رؤيتهم للشمس وقد غربت .
أما المسلمون الشيعة ، فيؤخرون إفطارهم عن هذا الوقت مقدار اثنتي عشرة دقيقة ، أي إلى حين إقبال الليل من جهة المشرق ، وذلك بذهاب أو ارتفاع الحمرة المشرقية . .
والحقيقة هي أن الخلاف بين الفريقين ليس جوهرياً ، بل هو خلاف تطبيقي لأمر متسالم عليه فيما بينهم . .
وذلك لأن الجميع متفقون على أن الواجب هو إتمام الصيام إلى الليل ، كما قال تعالى : ﴿ ... ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ... ﴾ 1 .
ولكن الخلاف إنما هو في تحديد هذا الليل الذي هو غاية الصوم .
فالمسلمون الشيعة يرون :
أولاً : أن الله سبحانه قد قال : ﴿ ... إِلَى الَّليْلِ ... ﴾ . . ولم يقل إلى غروب الشمس .
ويقولون ثانياً : إن الروايات أيضاً قد صرحت بأن دخول الليل ، إنما هو بذهاب الحمرة المشرقية .
فقد روى ابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم : إذا أقبل الليل من ههنا ، وأدبر النهار من ههنا ، وغربت الشمس ، فقد أفطر الصائم 2 .
وفي نص آخر لم يذكر كلمة : « غربت الشمس » .
وعن ابن أبي أوفى عنه صلى الله عليه وآله : إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا فقد أفطر الصائم 3 .
وأخرج الحاكم ، وصححه ، عن أبي أمامة ، عن رسول الله صلى الله عليه وآله : في حديث ذكر فيه : أنه صلى الله عليه وآله سمع عواء أهل النار ، ثم رآهم « معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دماً . .
قلت : من هؤلاء ؟
قال : ( أي جبرئيل ) هؤلاء الذي يفطرون قبل تحلة صومهم » 4 .
وقال أهل السنة : إن إقبال الليل من جهة المشرق ما هو إلا تعبير عن ارتفاع الحمرة المشرقية ، أو زوالها . وهذا هو عين ما يقوله المسلمون الشيعة . .
كما أن حديث أبي أمامة ، لابد أن يقصد به إدانة المبادرة إلى الإفطار بمجرد غروب الشمس ، دون الانتظار إلى زوال الحمرة المشرقية أو ارتفاعها على الأقل . . إذ لا معنى لأن يقصد به من يصوم النهار كله ، ثم يبادر للإفطار قبل غروب الشمس ، فإن من يلتزم بالصوم ويتدين به لا يفطر قبل غروب الشمس قطعاً . .
غير أن هناك من ذكر أن المراد من حديث : إذا أقبل الليل من ههنا ( وأشار إلى المشرق ) هو الحالة التي يكون فيها غيم مثلاً 5 .
ولكن من الواضح : أن الحديث لم يصرح بهذا القيد ، بل أطلق الكلام ، فلا مجال للمصير إليه إلا بدليل . .
وذكر الترمذي : أن المراد بالحديث المشار إليه : أن أحد هذه العلامات يكفي لمعرفة دخول الليل ، وهي إقبال الليل ، وإدبار النهار ، وغروب الشمس 6 .
ولكنهم ـ المسلمين الشيعة ـ يجيبون بأنه لو كان هذا هو المراد ، فقد كان الأنسب أن يكون التعبير بكلمة « أو » بدلاً عن الواو . .
على أن النص الذي يتحدث عنه الترمذي غير سليم عن المناقشة ، فإن إدبار النهار من جهة المغرب هو نفسه غروب الشمس ، وليس ثمة حالة أخرى ، ولا يدور الأمر بين ثلاث علامات ، ولأجل ذلك قالوا : إن النص الأوضح والأصرح هو ذلك الذي اقتصر على اثنتين منها ، وهي مروية في الصحاح أيضاً . .
ولأجل ذلك فهم يؤيدون ويصححون ما قاله القاضي عياض ، من أنه صلى الله عليه وآله قد ذكر الإقبال والإدبار معاً ، لإمكان وجود أحدهما مع عدم تحقق الغروب 7 .
وقال المسلمون الشيعة أيضاً : إن المقصود بحديث سهل بن سعد ، أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : « لا يزال الناس بخير ، ما عجلوا الفطر » 8 .
وبحديث أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله : « لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر ، إن اليهود والنصارى يؤخرون » 9 .
إن المقصود بهذين الحديثين بعد غض النظر عن المناقشة في متن هذا الثاني من حيث صحة أو عدم صحة ما نسبه إلى اليهود والنصارى ، ـ إن المقصود ـ المبادرة للإفطار في أول وقته ، وعدم تأخيره ، فإن ذلك قد يؤذي أو يحرج من كان بحاجة إلى الطعام ، من الصائمين ، من صغار السن ، أو من كبارهم ، ولأجل ذلك يستحب للصائم أن يبادر إلى الإفطار إذا كان هناك من ينتظره ، ثم يصلي بعد أن يفطر .
وفي جميع الأحوال نقول :
إننا نعتقد أن ما قاله المسلمون الشيعة هو المناسب للاحتياط في الدين خصوصاً مع ملاحظة : أن الكلام عن أن جواز الإفطار منوط بقدوم الليل ، ولا يتحقق معنى القدوم لليل من جهة الشرق إلا بانحسار الحمرة المشرقية . .
وكذلك مع جعل الليل هو الغاية لإتمام الصيام في قوله تعالى : ﴿ ... ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ ... ﴾ 1 . .
وأما بالنسبة لمسألة رؤية الهلال :
فنقول : إن الخلاف فيها ليس أساسياً ، وإنما هو في المجال التطبيقي وحسب . .
وذلك لأن كلاً من المسلمين السنة والمسلمين الشيعة يؤمنون بأن الأحكام منوطة برواية لزوم رؤية الهلال بالبصر ليلة الأول من شوال ، فإن ثبت لهم رؤيته بالبينة الشرعية ، جاز لهم ترتيب الأحكام المنوطة بدخول الشهر ، وإن لم يثبت لهم فلابد من الحكم ببقاء شعبان أو شهر رمضان ؛ ثم إكمال عدة الصيام إلى ثلاثين يوماً . .
ولأجل ذلك نلاحظ : أنه قد يتفق الشيعة والسنة على العيد ، وقد يختلفون فيه ، فتثبت رؤية الهلال لدى أهل السنة ، ولا تثبت عند الشيعة . .
كما أن الشيعة أنفسهم قد يختلفون فيما بينهم في تحديد يوم العيد ، كما أن أهل السنة قد يختلفون فيما بينهم في ذلك أيضاً . .
وذلك كله يدل أن الاختلاف إنما ينشأ عن أمور ترتبط في مجال التطبيق ، وليس خلافاً جوهرياً . . غير أننا قد نجد مبرراً لزيادة حجم الاختلاف في التطبيق بين السنة والشيعة ، وذلك حين يكون السبب الحقيقي في الاختلاف في يوم العيد ، هو أن ضوابط رصد الهلال تختلف فيما بين الفريقين ، اختلافاً ناشئاً عن الاجتهاد ، الذي يستند ـ من جهة ـ إلى اختلاف الرأي حول مسألة وحدة الأفق أو تعدده ، ثم من جهة أخرى . . إلى ضوابط نتج عنها أحكام صارمة ، وقوية ، يلتزم بها الشيعة من شأنها أن تقلل من نسبة الشهادات الجامعة لشرائط القبول عندهم فيما يرتبط برؤية الهلال .
فالشافعية من السنة يكتفون بشهادة واحد من الناس سواء في ذلك المرأة ، والصبي ، والفاسق ، والكافر ، فعلى الصائم أن يأخذ بشهادة أي من هؤلاء أو غيرهم ، إذا بلغته شهادته ووثق بها . كما أن المالكية والحنابلة والحنفية يكتفون بشهادة المرأة الواحدة ، والرجل الواحد . .
ولكن المسلمين الشيعة لم يكتفوا إلا بشهادة الرجال ، فلا تكفي عندهم شهادة الصبي المميز ، ولا شهادة النساء ، ولا بد من العدالة ، والإسلام ، واشترطوا التعدد ، فلا يكفي شهادة رجل مع يمينه ، ولا شهادة رجل وامرأتين . .
والحمد لله ، والصلاة والسلام على رسوله محمد ، وآله الطاهرين 10 .

 

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 187.
2. الدر المنثور ج 1 ص 361 ط دار الكتب العلمية والمصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 429 وكنز العمال ج 8 ص 509 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 7 ص 209 والجامع الصغير ج 1 ص 34 ط دار الكتب العلمية وصحيح البخاري شرح فتح الباري ج 4 ص 159 ومسند أحمد ج 1 ص 28 و35 و48 و54 وج 4 ص 380 وسنن أبي داود والسنن الكبرى ج 4 ص 216 .
3. المصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 429 وكنز العمال ج 8 ص 508 عن البيهقي وفيه : إذا رأيتم الليل قد أقبل من ههنا ، وههنا ، فقد أفطر الصائم . . والبخاري ج 3 ص 47 باب يفطر بما تيسر عليه بالماء وصحيح مسلم بشرح النووي ج 7 ص 210 والبخاري بشرح فتح الباري ج 4 ص 144 و162 ط دار إحياء التراث العربي . .
4. الدر المنثور ج 1 ص 362 ط دار الكتب العلمية والسنن الكبرى للبيهقي ج 4 ص 216 .
5. فتح الباري ج 4 ص 159 ط دار إحياء التراث العربي .
6. فتح الباري ج 4 ص 159 . .
7. فتح الباري ج 4 ص 159 .
8. الدر المنثور ج 1 ص 362 عن مالك والشافعي ، وابن أبي شيبة ، والبخاري ، ومسلم ، والترمذي ، وكنز العمال ج 8 ص 511 عن أحمد ، والبيهقي ، والترمذي ، والمصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 430 وصحيح مسلم بشرح النووي ج 7 ص 208 وصحيح البخاري بشرح فتح الباري ج 4 ص 161 .
9. الدر المنثور ج 1 ص 262 عن أبي شيبة ، والنسائي ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في شعب الإيمان والمصنف لابن أبي شيبة ج 2 ص 429 زاد في نص آخر عنه قوله : ولم يؤخروه تأخير أهل المشرق ومثله في كنز العمال ج 8 ص 508 و509 وصحيح مسلم باب فضل السحور رقم 1098 وسنن ابن ماجة رقم 1698 وأبو داود رقم 3336 ومستدرك الحاكم ج 1 ص 431 ووافقه الذهبي . .
10. مختصر مفيد . . ( أسئلة وأجوبة في الدين والعقيدة ) ، السيد جعفر مرتضى العاملي ، « المجموعة الثامنة » ، المركز الإسلامي للدراسات ، الطبعة الأولى ، 1424 هـ ـ 2004 م ، السؤال (464) .

الفهم الخاطئ للقضاء والقدر

ما المانع من وجود آلهة یتعاونون على تسییر شؤون الکون؟

ما الفرق بين كتاب علي ومصحف علي؟ وما الفرق بين مصحف علي ومصحف فاطمة؟

ليلة الجهني

إمام البررة وقاصم الكفرة

متى تكون ليلة القدر؟

درجات الصوم

القرآن العظيم يغيّر حياتك في شهر الله

الأدلة العقليّة والنقليّة على عدم تحريف القرآن الكريم

من أين ينطلق الباحث التاريخي؟

الاختلافات حول الصوم

لماذا سُمّي شهر رمضان المبارك بربيع القرآن؟

القـدريّة

أهميّة الدعاء عند الإمام السجّاد (عليه السلام)

فلسفة انتظار الفرج

ممهّدات الظهور

1

المزيد
EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي