أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-4-2016
3366
التاريخ: 29-3-2019
2364
التاريخ: 8-02-2015
3971
التاريخ: 15-2-2018
3063
|
الإنسان يعيش في الحاضر مشدوداً بين وَتَرَيْن الماضي والمستقبل، فهو لا يَنِي يحمل الماضي في وَعْيهِ، وفي ذاكرته، وفي تركيب جسده، مثقلاً بأحزانه وأفراحه، ومخاوفه وآماله، مندفعاً بها نحو المستقبل، يضيء عينَيه نورُ الأمل الّذي يغمر قلبَه بالحياة الأفضل، ولكنّه أمل معذّب بالحيرة، والقلق، والمخاوف من خيبات الأمل.
وهذه الحقيقة بارزة في تكوين وحياة الإنسان الفرد بوضوح، وهي لا تقلّ وضوحاً في حياة الأمم والشّعوب والجماعات.
وقد وقف الإسلام في تعليمه التّربوي الإيماني للأفراد في وجه الميل إلى الإغراق في الأمل:
- لأنّه حين يشتدّ ويغلب على مزاج الإنسان يجعله غير واقعي، ويحبسه في داخل ذاته، وينمي فيه الشّعور بـ (الأنا) على نحو لا يعود الآخرون موضوعاً لاهتمامه وعنايته أو يجعله قليل الاهتمام بهم، وهذا أمر مرفوض في دين يجعل الاهتمام الشّخصي بالآخرين أحد المقوّمات الأساسيّة للشّخصيّة الإنسانيّة السّليمة.
- ولأنّ الإغراق في الأمل يحول بين الإنسان وبين كثير من فرص كثيرة للتّكامل الرّوحي والأخلاقي.
والنّصوص القرآنيّة في هذا الشّأن كثيرة، كذلك النّصوص النّبويّة الواردة في السُنّة، وقد حفلتْ مواعظ الإمام عليّ في نهج البلاغة بالتّحذير من الاسترسال مع الآمال(1).
وهذا لا يعني - بطبيعة الحال - أنّ تأميل الإنسان في مستقبله - باعتدال وواقعيّة - ممارسة غير أخلاقيّة في الإسلام، كيف وقد حذّر اللّه تعالى في القرآن الكريم من اليأس ونهى عنه في آيات تُذَكّر برحمة اللّه ورَوح اللّه، ومن ذلك تعليم (يعقوب) سلام اللّه عليه لِبَنِيْهِ حين أمرهم بالبحث عن يوسف وأخيه، وذلك كما ورد في قوله تعالى: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] .
فإنّ (يعقوب) طِبْق مبدأ مشروعيّة الأمل العام المطلق على حالة فرديّة هي حالته وحالة بَنِيْه.
وإذن، فالأمل - في نطاق الواقع - حقيقة كيانيّة في الإنسان، قد يكون فقدانها ظاهرة مرضيّة نفسيّة وليس علامة عافية هذا على الصّعيد الفردي.
وأمّا على الصّعيد الجماعي في الأمم والشّعوب والجماعات فإنّ الأمل عامل هامّ جدّاً وأساسي في تنشيط حركة التّاريخ وتسريعها، وجعلها تتغلب بِيُسر على ما يعترضها من صعوبات ومعوّقات.
والأمل الموضوعي القائم على اعتبارات عمليّة تنبع من الجهد الإنساني، واعتبارات عقيديّة وروحيّة... هذا الأمل يشغل حَيِّزاً هامّاً وأساسيّاً في تربية اللّه تعالى للبشريّة السّائرة في حياتها على خطّ الإيمان السّليم.
وقد اشتمل القرآن الكريم على آيات محكمات، تتضمّن وَعْد اللّه تعالى بالنّصر والعزّة لأهل الإيمان وقادتهم من الأنبياء والتّابعين لهم بإحسان، قال اللّه تعالى: {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} [غافر: 51] .
وقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: 105] .
وقال تعالى: {إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} [الأعراف: 128] .
وقد وجّه اللّه تعالى في القرآن الكريم رسوله محمّداً (صلّى الله عليه وآله) والمسلمين إلى أنّ الأمل بالنّصر والحياة الأفضل يجب أنْ يبقى حيّاً نابضاً دافعاً إلى العمل حتّى في أحلك ساعات الخذلان والهزيمة وانعدام النّاصر... لقد كانت الآمال بالنّصر تتحقّق في النّهاية على أروع صُوَرِهَا حين يُخالِج اليأس قلوبَ أهل الإيمان، وحين يصل الرّسل الكرام إلى حافّة اليأس: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلَا تَعْقِلُونَ * حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ * لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُون} [يوسف: 109 - 111]
إنّ الأمل الجماعي بمستقبلٍ أكثر إشراقاً وأقلّ عذاباً، أو مستقبل مُتْرَع بالفرح خالٍ من المنغّصات... إنّ هذا الأمل يستند إلى (وعد إلهي)، فهو - إذن - ليس مغامرة في المستقبل، وإنّما هو سير نحو المستقبل على بصيرة.
وهو أمل يرفض الواقع التّجريبي الحافل بالمعوّقات نحو مستقبل مثالي مشروط (بالعمل) المخلص في سبيل اللّه، وفي سبيل اللّه بناء الحياة، وعمارة الأرض، وإصلاح المجتمع، كما أنّ هذا المستقبل مشروط (بالصّبر) على الأذى في جنب اللّه، و(الصدق) في تناول الحياة والتعامل معها ومع المجتمع و(الرّضا) بقضاء اللّه تعالى.
والسُنّة حافلة بالنّصوص الّتي تغرس في قلب الإنسان روح الأمل، وتملأ وَعْيه ببشائر المستقبل الأفضل، استناداً إلى وعد اللّه تعالى.
والتّأمّل العميق الواعي في نصوص الكتاب الكريم والسُنّة الشّريفة الّتي تفصح عن العلاقة بين اللّه والإنسان، وتكشف عن طبيعة هذه العلاقة... كذلك التّأمّل في الفقه المبني على هذَين الأصلين...
إنّ هذا التأمّل يكشف عن أنّ العلاقة بين اللّه والناس مبنيّة على ثلاث حقائق ربّانيّة يقوم عليها وجود المجتمع البشري، وديمومته، ونموّه، وتقدّمه:
1 - الحقيقة الأولى:
هي الإنعام المطلق غير المشروط بشيء على صعيد الشّروط المادِّيّة للحياة بما يكفل لها الدّيمومة والنموّ التّصاعدي نحو الأفضل، فقد خلق اللّه الإنسان، وزوّده بالمواهب العقليّة والنّفسيّة والرّوحيّة، الّتي تتيح له أنْ يتعامل مع الطّبيعة المسخَّرة له، وتمكِّنه من اكتشاف خيراتها وكنوزها، ومعرفة قوانينها، وتوجيه هذه الاكتشافات والمعارف لخدمة نفسه ونوعه.
2 - الحقيقة الثّانية:
هي الرّحمة الّتي كتبها اللّه على نفسهِ (2) والّتي وسعت كلّ شيء (3)، وإقالة العثرات - على صعيد الأمم والجماعات والمجتمعات، والأفراد -، والتّجاوز عن الخطايا والسّيئات، ومنع الفرص المتجدّدة لتصحيح السّلوك، وتقويم الاعوجاج، والتّوبة والإنابة إلى اللّه تعالى والعمل بقوانينه وشرائعه.
___________________
1 - راجع: دراسة موسّعة ومعمِقة عن هذا الموضوع في فصل (الوعظ) من كتابنا: (دراسات في نهج البلاغة) / الطّبعة الثّالثة.
2 - قال تعالى: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَة} [الأنعام: 12] ، وقال تعالى: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 54].
3 - قال تعالى: {ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ} [الأنعام: 147] .
وقال تعالى: {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 156] .
وقال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [غافر: 7].
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|