أقرأ أيضاً
التاريخ: 9-5-2016
3879
التاريخ: 18-01-2015
3103
التاريخ: 27-10-2015
4204
التاريخ: 9-5-2016
3405
|
قال محمد بن الحنفية: وبتنا ليلة عشرين من شهر رمضان مع أبي وقد نزل السمّ الى قدميه، و كان يصلّي تلك الليلة من جلوس، و لم يزل يوصينا بوصاياه الى حين طلوع الفجر، فلما أصبح استأذن الناس عليه، فأذن لهم بالدخول، فدخلوا عليه و أقبلوا يسلّمون عليه و هو يردّ عليهم السلام، ثم قال : «أيّها الناس اسألوني قبل أن تفقدوني و خفّفوا سؤالكم لمصيبة امامكم»، قال : فبكى الناس عند ذلك بكاء شديدا، فقام إليه حجر بن عدي، فأنشد أبياتا، فلمّا بصر به و سمع شعره، قال له : كيف لي بك إذ دعيت الى البراءة منّي فما عساك أن تقول؟.
فقال : و اللّه يا أمير المؤمنين لو قطعت بالسيف اربا اربا و أضرم لي النار و ألقيت فيها، لآثرت ذلك على البراءة منك.
فقال: وفّقت لكل خير يا حجر، جزاك اللّه خيرا عن أهل بيت نبيّك، ثم قال : هل من شربة من لبن؟ فأتوه بلبن في قعب، فأخذه و شربه، و قال: ألا و انّه آخر رزقي من الدنيا، فاشتدّ البكاء و العويل .
قيل : انّ رجلا أتى ابن ملجم و قال له : لا تفرح يا عدوّ اللّه فانّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سيبرأ منها، فقال اللعين : اذ على من تبكي أمّ كلثوم، أعليّ، و اللّه قد اشتريت هذا السيف بالف درهم و سممته بألف أخرى ثم أصلحته و ضربته ضربة لو قسمت على أهل الارض لهلكوا كلهم.
ولمّا كانت ليلة احدى و عشرين، جمع (عليه السلام) أولاده و أهل بيته و ودّعهم ثم قال لهم : اللّه خليفتي عليكم و هو حسبي و نعم الوكيل، و اوصاهم الجميع منهم بالخيرات.
ثم تزايد ولوج السمّ في جسده الشريف و قد احمرّتا قدميه، و عرضوا عليه المأكول و المشروب فأبى أن يشرب، و كانت شفتيه تختلجان بذكر اللّه تعالى و جعل جبينه يرشح عرقا كالؤلؤ، و هو يمسحه بيده فقال : انّ رسول اللّه (صلى الله عليه واله)قال : انّ المؤمن اذا نزل به الموت و دنت وفاته عرق جبينه و صار كاللؤلؤ الرطب و سكن أنينه.
ثم نادى أولاده كلّهم بأسمائهم صغيرا وكبيرا، وجعل يودّعهم و يقول : اللّه خليفتي عليكم و استودعكم اللّه، و هم يبكون و ينحبون.
فقال له الحسن (عليه السلام) يا أبة تتكلّم كلام الآيس من نفسه.
فقال له : يا بنيّ! انّي رأيت جدّك رسول اللّه (صلى الله عليه واله)في منامي قبل هذه الكائنة بليلة، فشكوت إليه ما أنا فيه من التذلّل و الاذى من هذه الامة، فقال لي : ادع عليهم، فقلت: اللهم أبدلهم بي شرا مني و أبدلني بهم خيرا منهم، فقال لي : قد استجاب اللّه دعاءك، سينقلك إلينا بعد ثلاث، و قد مضت الثلاث.
يا أبا محمد! أوصيك بالحسين خيرا، فأنتما منّي و أنا منكما، ثم التفت الى أولاده الذين من غير فاطمة (عليها السلام)و أوصاهم أن لا يخالفوا الحسن و الحسين (عليهما السّلام) ثم قال : أحسن اللّه لكم العزاء، الا و انّي منصرف عنكم، و راحل في ليلتي هذه، و لا حق بحبيبي رسول اللّه (صلى الله عليه واله)كما وعدني .
و قد روى الشيخ المفيد و الشيخ الطوسي عن الحسن (عليه السلام) انّه قال : لما حضرت أبي الوفاة أقبل يوصي فقال : هذا ما أوصى به عليّ بن أبي طالب أخو محمد رسول اللّه و ابن عمّه وصاحبه، و اوّل وصيّتي انّي أشهد أن لا إله الا اللّه و أنّ محمدا رسوله و خيرته، اختاره بعلمه وارتضاه لخيرته، و انّ اللّه باعث من في القبور، وسائل الناس عن اعمالهم و عالم بما في الصدور.
ثمّ انّي أوصيك يا حسن و كفى بك وصيا، بما أوصاني به رسول اللّه (صلى الله عليه واله)فاذا كان ذلك يا بني (أي اذا ظهرت الفتن عليك و خانتك الناس و لم تنصرك) ألزم بيتك، و ابك على خطيئتك و لا تكن الدنيا اكبر همّك.
وأوصيك يا بنيّ بالصلاة عند وقتها و الزكاة في أهلها عند محلها و الصمت عند الشبهة و الاقتصاد في العمل و العدل في الرضا و الغضب، و حسن الجوار، و اكرام الضيف، و رحمة المجهود و اصحاب البلاء، و صلة الرحم و حب المساكين و مجالستهم و التواضع فانّه من أفضل العبادة، و قصر الامل، و اذكر الموت، و ازهد في الدنيا فانّك رهن موت و غرض بلاء و طريح سقم.
وأوصيك بخشية اللّه في سرائرك و علانيتك، و أنهاك عن التسرع بالقول و الفعل و اذا عرض شيء من أمر الآخرة فابدأ به، و اذا عرض شيء من أمر الدنيا فتأنّه حتى تصيب رشدك فيه.
وايّاك و مواطن التهمة و المجلس المظنون به السوء فانّ قرين السوء يغير جليسه.
وكن للّه يا بني عاملا و عن الخنى زجورا، و بالمعروف آمرا و عن المنكر ناهيا و واخ الاخوان في اللّه و أحب الصالح لصلاحه و دار الفاسق عن دينك و ابغضه بقلبك و زايله باعمالك لئلا تكون مثله.
وايّاك و الجلوس في الطرقات ودع الممارات مجارات من لا عقل له و لا علم، و اقتصد يا بني في معيشتك، و اقتصد في عبادتك و عليك فيها بالامر الدائم الذي تطيقه، و الزم الصمت تسلم، وقدّم لنفسك تغنم و تعلّم الخير تعلم و كن للّه ذاكرا على كل حال، و ارحم من أهلك الصغير و وقّر منهم الكبير.
لا تأكلنّ طعاما حتى تتصدق منه قبل أكله، و عليك بالصوم فانّه زكاة البدن و جنّة لأهله، و جاهد نفسك و احذر جليسك و اجتنب عدوّك، و عليك بمجالس الذكر و اكثر من الدعاء فانّي يا بني لم آلك نصحا و هذا فراق بيني و بينك.
وأوصيك بأخيك محمد خيرا، فانّه شقيقك و ابن ابيك، و قد تعلم حبّي له و امّا أخوك الحسين فهو ابن امّك و لا أريد الوصاة بذلك، و اللّه خليفتي عليكم و ايّاه أسأل أن يصلحكم و أن يكفّ الطغاة البغاة عنكم، و الصبر، الصبر حتى ينزل اللّه الامر، و لا قوّة الا باللّه العليّ العظيم .
وطبقا للرواية السابقة، لما وصى الحسن (عليه السلام) قال له : فاذا أنا متّ يا أبا محمد، فغسّلني وكفّني و حنّطني ببقية حنوط جدّك رسول اللّه (صلى الله عليه واله)فانّه من كافور الجنة جاء به جبرئيل (عليه السلام) ثم ضعني على سريري و لا يتقدّم احد منكم مقدم السرير، واحملوا مؤخره و اتبعوا مقدّمه، فاي موضع وضع المقدم فضعوا المؤخّر، فحيث قام سريري فهو موضع قبري.
ثم تقدّم يا أبا محمد و صلّ عليّ و كبّر عليّ سبعا، و اعلم انّه لا يحلّ ذلك على احد غيري الّا على رجل يخرج في آخر الزمان اسمه القائم المهدي من ولد اخيك الحسين يقيم اعوجاج الحق.
فاذا أنت صلّيت عليّ يا حسن فنحّ السرير عن موضعه، ثم اكشف التراب عنه فترى قبرا محفورا و لحدا مثقوبا و ساجة منقوبة ادّخرها لي أبي نوح، و ضعني في الساجة ثم ضع علي سبع لبن كبار ثم ارقب هنيئة، ثم انظر فانّك لن تراني في لحدي، لاحق بجدّك رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
واعلم يا بني! ما من نبي يموت و ان كان مدفونا بالمشرق و يموت وصيّة بالمغرب الّا و يجمع اللّه عز و جل بين روحيهما و جسديهما، ثم يفترقان فيرجع كلّ واحد منهما الى موضع قبره و الى موضعه الذي حطّ فيه.
ثم اشرج اللحد باللبن و أهلّ التراب عليّ ثم غيّب قبري، ثمّ بعد ذلك يا بني اذا أصبح الصباح أخرجوا تابوتا الى ظهر الكوفة على ناقة و امر بمن يسيّرها بما عليها كأنها تريد المدينة، بحيث يخفى على العامة موضع قبري الذي تضعني فيه .
وقد روي عن الصادق (عليه السلام) انّه قال : امر ابنه الحسن أن يحفر له اربعة قبور في اربعة مواضع، في المسجد و في الرحبة و في الغري و في دار جعدة بن هبيرة، و إنمّا أراد بهذا أن لا يعلم أحد من اعدائه موضع قبره (عليه السلام) .
يقول المؤلف: كان سبب هذا الاهتمام باخفاء القبر كي لا يطلع على مكانه الخوارج و بني أميّة اللعناء، الذين كانوا في غاية العداوة له (عليه السلام) فيعملوا على نبش القبر و اخراج جسده الطاهر.
فكان مخفيّا الى زمن الامام الصادق (عليه السلام) فكشفه لأصحابه و شيعته، بزيارته المتعددة له، وانجلى القبر و تعين مضجعه المنوّر في زمن الرشيد، بتفصيل لا يسع المقام ذكره ثم قال (عليه السلام): و كأنّي بكم و قد خرجت عليكم الفتن من هاهنا و هاهنا فعليكم بالصبر فهو محمود العاقبة، ثم قال : يا أبا محمد و يا ابا عبد اللّه كأنّي بكما و قد خرجت عليكما من بعدي الفتن من هاهنا، فاصبروا حتى يحكم اللّه و هو خير الحاكمين، ثم قال : يا ابا عبد اللّه أنت شهيد هذه الامة فعليك بتقوى اللّه و الصبر على بلائه.
ثم أغمي عليه ساعة و أفاق و قال : هذا رسول اللّه (صلى الله عليه واله)و عمّي حمزة و أخي جعفر و أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه واله)و كلهم يقولون : عجّل قدومك علينا فانّا إليك مشتاقون.
ثم أدار النظر في أهل بيته كلّهم و قال : أستودعكم اللّه جميعا سدّدكم اللّه جميعا حفظكم اللّه جميعا، خليفتي عليكم اللّه و كفى باللّه خليفة، ثم قال : و عليكم السلام يا رسل ربّي، ثم قال: «و لمثل هذا فليعمل العاملون انّ اللّه مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون».
وعرق جبينه و هو يذكر اللّه كثيرا، ثم استقبل القبلة و غمض عينيه و مدّ رجليه و يديه و قال: «أشهد أن لا إله الّا اللّه وحده لا شريك له و أشهد انّ محمدا عبده و رسوله».
ثم قضى نحبه و ذهب الى رضوان اللّه، فصلوات اللّه عليه، و لعنة اللّه على قاتله، و كانت وفاته في ليلة إحدى و عشرين من شهر رمضان، و كانت ليلة الجمعة، سنة أربعين من الهجرة.
ثم علا صوت النحيب و البكاء من البيت، فعلم أهل الكوفة انّ أمير المؤمنين (عليه السلام) قد قبض، فصاحوا صيحة عظيمة و ارتجّت الكوفة بأهلها و كثر البكاء و النحيب، فكان ذلك كيوم مات فيه رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله)، فلمّا أظلم الليل تغيّر أفق السماء و ارتجّت الارض، وجميع من عليها بكوه، و سمع تسبيح الملائكة و تقديسهم من الهواء، وارتفعت اصوات الجنّ بالنحيب و الرثاء ثم اشتغلوا بتغسيله (عليه السلام).
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|