أقرأ أيضاً
التاريخ: 19-4-2018
8819
التاريخ: 17-11-2017
1064
التاريخ: 19-4-2018
1517
التاريخ: 26-12-2017
915
|
(مسألة) ان قيل : ما وجه قوله تعالى فيما حكاه عن موسى عليه السلام والعالم الذي كان صحبه وقيل انه الخضر عليه السلام من الآيات التي ابتداؤها : {فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا * قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا * قَالَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا * قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا * قَالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلَا تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا} [الكهف: 65 - 70] إلى آخر الآيات المتضمنة لهذه القصة.
وأول ما تسألون عنه في هذه الآيات ان يقال لكم كيف يجوز ان يتبع موسى عليه السلام غيره ويتعلم منه ، وعندكم ان النبي (عليه السلام) لا يجوز ان يفتقر إلى غيره؟
وكيف يجوز ان يقول له انك لن تستطيع معي صبرا والاستطاعة عندكم هي القدرة وقد كان موسى عل مذهبكم قادرا على الصبر؟
وكيف قال موسى ستجدني ان شاء الله صابرا ولا اعصي لك أمرا فاستثنى المشيئة في الصبر واطلق فيما ضمنه من طاعته واجتناب معصيته؟
وكيف قال لقد جئت شيئا أمرا وشيئا نكرا وما اتي العالم منكرا في الحقيقة؟
وما معنى قوله لا تؤاخذني بما نسيت وعندكم ان النسيان لا يجوز على الانبياء عليهم السلام؟
ولم نعت موسى (عليه السلام) النفس بأنها زكية ولم تكن كذلك على الحقيقة؟ ولم قال في الغلام : {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80] فإن كان الذي خشية الله تعالى على ما ظنه قوم ، فالخشية لا يجوز عليه تعالى؟
وان كان هو الخضر (عليه السلام) فكيف يستبيح دم الغلام لأجل الخشية والخشية لا تقتضي علما ولا يقينا؟
(الجواب) :
قلنا : ان العالم الذي نعته الله تعالى في هذه الآيات فلا يجوز إلا أن يكون نبيا فاضلا، وقد قيل انه الخضر عليه السلام ، وأنكر أبو علي الجبائي ذلك وزعم انه ليس بصحيح قال : لان الخضر (عليه السلام) يقال انه كان نبيا من انبياء بني اسرائيل الذين بعثوا من بعد موسى (عليه السلام) ، وليس يمتنع ان يكون الله تعالى قد اعلم هذا العالم ما لم يعلمه موسى ، وارشد موسى (عليه السلام) إليه ليتعلم منه ، وانما المنكر ان يحتاج النبي (عليه السلام) في العلم إلى بعض رعيته المبعوث إليهم. فأما ان يفتقر إلى غيره ممن ليس له برعية فجائز ، وما تعلمه من هذا العالم إلا كتعلمه من الملك الذي يهبط عليه بالوحي ، وليس في هذا دلالة على ان ذلك العالم كان أفضل من موسى في العلم ، لانه لا يمتنع ان يزيد موسى في سائر العلوم التي هي أفضل وأشرف مما علمه ، فقد يعلم أحدنا شيئا من سائر المعلومات وان كان ذلك المعلوم يذهب إلى غيره ممن هو افضل منه وأعلم. وأما نفي الاستطاعة فانما أراد بها ان الصبر لا يخف عليك انه يثقل على طبيعتك ، كما يقول أحدنا لغيره : انك لا تستطيع ان تنظر الي. وكما يقال للمريض الذي يجهده الصوم وان كان قادرا عليه : انك لا تستطيع الصيام ولا تطيقه ، وربما عبر بالاستطاعة عن الفعل نفسه كما قال الله تعالى حكاية عن الحواريين : {هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ } [المائدة: 112] فكأنه على هذا الوجه قال : انك لن تصبر ولن يقع منك الصبر. ولو كان إنما نفى القدرة على ما ظنه الجهال ، لكان العالم وهو في ذلك سواء ، فلا معنى لاختصاصه بنفي الاستطاعة ، والذي يدل على انه نفي عنه الصبر لاستطاعته قول موسى (عليه السلام) في جوابه : {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا } [الكهف: 69] ولم قل ستجدني ان شاء الله مستطيعا.
ومن حق الجواب أن يطابق الابتداء ، فدل جوابه على ان الاستطاعة في الابتداء هي عبارة عن الفعل نفسه.
وأما قوله : {وَلَا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا} [الكهف: 69] فهو ايضا مشروط بالمشيئة ، وليس بمطلق على ما ذكر في السؤال ، فكأنه قال ستجدني صابرا ولا اعصي لك امرا ان شاء الله. وانما قدم الشرط على الامرين جميعا وهذا ظاهر في الكلام.
وأما قوله : {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا} [الكهف: 71] فقد قيل انه أراد شيئا عجبا ، وقيل أنه أراد شيئا منكرا ، وقيل أن الامر أيضا هو الداهية. فكأنه قال جئت داهية. وقد ذهب بعض أهل اللغة إلى ان الامر مشتق من الكثرة من أمر القوم إذا كثروا ، وجعل عبارة عما كثر عجبه ، وإذا حملت هذه اللفظة على العجب فلا سؤال فيها ، وان حملت على المنكر كان الجواب عنها وعن قوله لقد جئت شيئا نكرا واحدا.
وفي ذلك وجوه :
منها : ان ظاهر ما اتيته المنكر ومن يشاهده ينكره قبل ان يعرف علته.
ومنها : ان يكون حذف الشرط فكأنه قال ان كنت قتلته ظالما فقد جئت شيئا نكرا.
ومنها : أنه أراد انك أتيت أمرا بديعا غريبا ، فإنهم يقولون فيما يستغربونه ويجهلون علته أنه نكر ومنكر ، وليس يمكن ان يدفع خروج الكلام مخرج الاستفهام والتقرير دون القطع.
ألا ترى إلى قوله : {أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا} [الكهف: 71] والى قوله : {أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ} [الكهف: 74]. ومعلوم انه ان كان قصد بخرق السفينة إلى التغريق ، فقد اتى منكرا. وكذلك ان كان قتل النفس على سبيل الظلم. وأما قوله : {لَا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ} [الكهف: 73] فقد ذكر فيه وجوه ثلاثة :
أحدها : انه أراد النسيان المعروف ، وليس ذلك بعجب مع قصر المدة ، فإن الانسان قد ينسى ما قرب زمانه لما يعرض له من شغل القلب وغير ذلك.
والوجه الثاني : انه أراد لا تأخذني بما تركت. ويجري ذلك مجرى قوله تعالى : {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} [طه: 115] أي ترك ، وقد روي هذا الوجه عن ابن عباس عن ابي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : «وقال موسى لا تؤاخذني بما نسيت». يقول بما تركت من عهدك.
والوجه الثالث : انه أراد لا تؤاخذني بما فعلته مما يشبه النسيان فسماه نسيانا للمشابهة كما قال المؤذن لأخوة يوسف عليه السلام : {إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ} [يوسف: 70] اي انكم تشبهون السراق. وكما يتأول الخبر الذي يرويه ابو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله انه قال : « كذب ابراهيم (عليه السلام) ثلاث كذبات في قوله سارة اختي ، وفي قوله بل فعله كبيرهم هذا. وقوله اني سقيم» ، والمراد بذلك ان كان هذا الخبر صحيحا أنه فعل ما ظاهره الكذب. وإذا حملنا هذه اللفظة على غير النسيان الحقيقي فلا سؤال فيها.
وإذا حملناها على النسيان في الحقيقة كان الوجه فيه ان النبي صلى الله عليه وآله انما لا يجوز عليه النسيان فيما يؤديه عن الله تعالى أو في شرعه أو في امر يقتضي التنفير عنه.
فأما فيما هو خارج عما ذكرناه فلا مانع من النسيان ، ألا ترى انه إذا نسي أو سهى في مأكله أو مشربه على وجه لا يستمر ولا يتصل ، فنسب إلى انه مغفل ، فإن ذلك غير ممتنع ، وأما وصف النفس بأنها زكية فقد قلنا ان ذاك خرج مخرج الاستفهام لا على سبيل الاخبار.
وإذا كان استفهاما فلا سؤال على هذا الموضع. وقد اختلف المفسرون في هذه النفس ، فقال اكثرهم انه كان صبيا لم يبلغ الحلم ، وأن الخضر وموسى عليهما السلام مرا بغلمان يلعبون ، فأخذ الخضر (عليه السلام) منهم غلاما فاضجعه وذبحه بالسكين.
ومن ذهب إلى هذا الوجه يجب أن يحمل قوله زكية على انه من الزكاة الذي هو الزيادة والنماء ، لان الطهارة في الدين من قولهم : زكت الارض تزكو إذا زاد ريعها.
وذهب قوم إلى أنه كان رجلا بالغا كافرا ولم يكن يعلم موسى (عليه السلام) باستحقاقه القتل ، فاستفهم عن حاله. ومن أجاب بهذا الجواب إذا سئل عن قوله تعالى : {حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلَامًا فَقَتَلَهُ} [الكهف: 74] يقول لا يمتنع تسمية الرجل بأنه غلام على مذهب العرب وان كان بالغا. فأما قوله : {فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف: 80] فالظاهر يشهد ان الخشية من العالم لا منه تعالى. والخشية ههنا قيل : العلم.
كما قال الله تعالى : {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء: 128] وقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: 229] وقوله عز وجل : {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] وكل ذلك بمعنى العلم.
وعلى هذا الوجه كأنه يقول انني علمت بإعلام الله تعالى لي ان هذا الغلام متى بقى كفر أبويه (كفروا ابواه) ، ومتى قتل بقيا على ايمانهما. فصارت تبقيته مفسدة ووجب احترامه ، ولا فرق بين ان يميته الله تعالى وبين أن يأمر بقتله. وقد قيل ان الخشية هاهنا بمعنى الخوف الذي لا يكون معه يقين ولا قطع. وهذا يطابق جواب من قال ان الغلام كان كافرا مستحقا للقتل بكفره ، وانضاف إلى استحقاقه ذلك بالكفر خشية ادخال ابويه في الكفر وتزيينه (وترديده) لهما. قال قوم ان الخشية ههنا هي الكراهية.
يقول القائل : فرقت بين الرجلين خشية ان يقتتلا ، أي كراهة لذلك ، وعلى هذا التأويل والوجه الذي قلنا أنه بمعنى العلم لا يمتنع ان تضاف الخشية إلى الله تعالى.
فإن قيل : فما معنى قوله تعالى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} [الكهف: 79] والسفينة البحرية تساوي المال الجزيل ، وكيف يسمى مالكها بأنه مسكين والمسكين عند قوم شر من الفقير؟ وكيف قال : {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] ومن كان وراءهم قد سلموا من شره ونجوا من مكروهه وانما الحذر مما يستقبل.
قلنا أما قوله : لمساكين ففيه أوجه :
منها أنه لم يعن بوصفهم بالمسكنة الفقر ، وإنما أراد عدم الناصر وانقطاع الحيلة. كما يقال لمن له عدو يظلمه ويهضمه انه مسكين ومستضعف وان كان كثير المال واسع الحال. ويجري هذا مجرى ما روي عنه عليه السلام من قوله : «مسكين مسكين رجل لا زوجة له». وانما أراد وصفه بالعجز وقلة الحيلة وان كان ذا مال واسع.
ووجه آخر : وهو ان السفينة الواحدة البحرية التي لا يتعيش الا بها ولا يقدر على التكسب إلا من جهتها كالدار التي يسكنها الفقير هو وعياله ولا يجد سواها ، فهو مضطر إليها ومنقطع الحيلة إلا منها. فإذا انضاف إلى ذلك ان يشاركه جماعة في السفينة حتى يكون له منها الجزء اليسير ، كان اسوأ حالا وأظهر فقرا.
ووجه آخر : ان لفظه المساكين قد قرئت بتشديد السين وفتح النون ، فإذا صحت هذه الرواية فالمراد بها البخلاء. وقد سقط السؤال.
فأما قوله تعالى : {وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا} [الكهف: 79] فهذه اللفظة يعبر بها عن الامام والخلف معا. فهي ها هنا بمعنى الامام. ويشهد بذلك قوله تعالى : {مِنْ وَرَائِهِ جَهَنَّمُ } [إبراهيم: 16] يعني من قدامه وبين يديه.
وقال الشاعر : ليس على طول الحياة ندم * ومن وراء المرء ما لا يعلم .
وقال الآخر : اليس ورائي ان تراخت منيتي * لزوم العصى تحنى عليها الاصابع.
ولا شبهة في أن المراد بجميع ذلك : القدام. وقال بعض أهل العربية إنما صلح ان يعبر بالوراء عن الامام إذا كان الشئ المخبر عنه بالوراء يعلم انه لابد من بلوغه ثم يسبقه ويخلفه.
فتقول العرب : البرد وراءك وهو يعني قدامك ، لأنه قد علم أنه لابد من ان يبلغ البرد ثم يسبق. ووجه آخر : وهو أنه يجوز ان يريد ان ملكا ظالما كان خلفهم وفي طريقهم عند رجوعهم على وجه لا انفكاك لهم منه ولا طريق لهم إلا المرور به ، فخرق السفينة حتى لا يأخذها إذا عادوا عليه. ويمكن ان يكون وراءهم على وجه الاتباع والطلب والله اعلم بمراده.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|