المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية

سيرة الرسول وآله
عدد المواضيع في هذا القسم 9111 موضوعاً
النبي الأعظم محمد بن عبد الله
الإمام علي بن أبي طالب
السيدة فاطمة الزهراء
الإمام الحسن بن علي المجتبى
الإمام الحسين بن علي الشهيد
الإمام علي بن الحسين السجّاد
الإمام محمد بن علي الباقر
الإمام جعفر بن محمد الصادق
الإمام موسى بن جعفر الكاظم
الإمام علي بن موسى الرّضا
الإمام محمد بن علي الجواد
الإمام علي بن محمد الهادي
الإمام الحسن بن علي العسكري
الإمام محمد بن الحسن المهدي

Untitled Document
أبحث عن شيء أخر المرجع الالكتروني للمعلوماتية
القيمة الغذائية للثوم Garlic
2024-11-20
العيوب الفسيولوجية التي تصيب الثوم
2024-11-20
التربة المناسبة لزراعة الثوم
2024-11-20
البنجر (الشوندر) Garden Beet (من الزراعة الى الحصاد)
2024-11-20
الصحافة العسكرية ووظائفها
2024-11-19
الصحافة العسكرية
2024-11-19



الأحضان  
  
4285   11:35 صباحاً   التاريخ: 14-11-2017
المؤلف : سليمان كتَّاني
الكتاب أو المصدر : الإمام الحسين في حِلَّة البرفير
الجزء والصفحة : ص18-24.
القسم : سيرة الرسول وآله / الإمام الحسين بن علي الشهيد / قضايا عامة /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 25-3-2016 4331
التاريخ: 12-6-2019 2566
التاريخ: 14-7-2022 2329
التاريخ: 17-3-2016 3818

ليست قليلة تلك السنوات السِّتّ وهي التي حفرت في نفس الحسين حَفرها البليغ لقد كان ينتقل فيها مُنذ أنْ تكحَّلت عيناه بالنور مِن حِضن إلى حِضن في دوامة مِن الحُبِّ والحَنان قَلَّ أنْ تمتَّع بمِثل نوعها طفل مِن أطفال مُجتمع الجزيرة في تلك الأيَّام لم يكن حِضن أُمِّه فاطمة رفيقاً به بمقدار عِزٍّ نظيره لو لم تكن ابنة أبيها محمد ذلك الذي انسكب في ابنته هذه انسكاب الحُبِّ بالحُبِّ والعِشق بالعِشق والرضى بالرضى كأنَّه سماء لا تنزل إلاَّ في سماء أو كأنَّه شوق لا يتبرَّج إلاَّ بذاته أو كأنَّه وَهج لا يتأجَّج إلاَّ في ضرامه ولا يتبرَّد إلاَّ في كلِّ مَعين مِن مَساكبه .

لم يصف قلم بعدُ حُبَّ أبٍ لابنته أو حُبَّ ابنةٍ لأبيها كالحُبِّ الذي تبادله الرسول العظيم مع ابنته الصديقة الزهراء .

أقول : لو أنَّ فاطمة الرهيفة لم تكن ضِلعا رهيفا مِن قضيَّة أبيها لكان شأنها عاديَّاً كشأن أخواتها اللواتي أَمَمْنَ الحياة ورِحنَ إلى أزواجهنَّ يَبنينَ العِشَّ السعيد ولكنَّ فاطمة المجبولة بحنين أبيها كانت قسطاً آخر مِن أقساطه التي يُسدِّدها للحياة على صفحة الرسالة التي اندمجت بشوقه وعزمه وروحه في سبيل الأُمَّة التي هو منها ومِن أجل جعلها عزيزة وهادية لأُمَم الأرض .

لم يذكر التاريخ رجلاً أحبَّ وأكرم مِن عليٍّ على قلب النبيِّ الكريم ولم ينزل أحد غيره مِن بيته نزولاً مقرونا به كأنَّه المُلازمة والالتصاق وذلك هو التدليل القائم بذاته بغير حاجة إلى أيِّ تفسيرٍ أو تحليلٍ أو تعديلٍ بأنّه رفيقه الروحيّ وربيبه الأمثل وتلبيته الخارقة وزِناده المشدود مثله بالعزم والحَقُّ والصدق والإخلاص وإلاَّ لما قال عنه : بأنَّه هو مدينة العلم وعليٌّ بابها . وبأنَّ عليَّاً وحده ذو الفِقار . وبأنَّهما : عليٌّ منه وهو مِن عليٍّ فليكن القول هذا عند مِن يُريد مُختلَقاً ولكنَّ البيت ووجود البيت في حدوده وفي واقعه على الأرض لا يُمكنه أنْ يُشير إلى غير هذا المعنى الجليل أكان قد ورد في حرف أم كان قد فُسِّر بالإشارة . يكفي التصديق على ذلك ربط فاطمة البهيَّة بالرجل الحصيف ؛ حتَّى تظهر الغاية التي بقيت نائمة في الحُلم إلى أنْ تَفسَّر الحُلم وأنجب الزواج الكبير طفلين سمَّى واحداً بالحسن والثاني بالحسين .

مِن فاطمة وعلي تكون القيمومة على الرسالة المسحوبة مِن حِضن الحَقِّ إنَّها وحدها الآن في الضمير وفي العينين ... .

لقد كانت فاطمة في عين النبي أطهر رَحم يُمكن أنْ يُنجِب مَن يليق بالميراث الأوسع مِن الحدود أمَّا عليٌّ فهو وحده أيضاً خليق بالأُبوَّة المجيدة يُحقِّقها في جَلوة التظهير .

إنَّ الرسالة لتستحقُّ أنْ يُحضَّر لها مُسبقاً مثل هذا التحضير فهي ما نزلت لتوحيد هذه الأُمَّة واسترجاعها إلى حقيقة الوجود العزيز بالإنسان بعد غيابٍ مسحوقٍ بأجيالٍ وأجيالٍ مِن التخلُّف والتردِّي إلاَّ لأنْ تقتنص لها كلَّ السُّبل الحريصة على صيانتها وتعهدها ؛ حتَّى يبقى الاستمرار فاعلاً في تصاعده التحقيقي البليغ .

لقد سهرت الجزيرة طويلاً في لياليها العتيقة الدامسة تُفتِّش مع كلِّ الجُدود عن قبس يجمعها ويوحِّدها في الحظيرة وليس قليلاً ما أهرقه مِن عقله وروحه ودمه إنسانها المُشرَّد عِبر الصحارى والفيافي والفَدَافِد ولم تُحرِز إلاَّ رموزا هزيلة مشرورة في أحجار موزَّعة السِّدانات في مَكَّة الأصنام , أمَّا الرسالة الجديدة المنوَّرة فهي التي ولِدت مِن حَوملة هذه الأجيال الغارقة في بؤسها وشُحِّها ونزف أوصالها .

أما وأنَّها قد نزلت وضاءة وحقَّقت فوق الأرض مُعجزاتها فكيف لها أنْ لا تسهر طويلاً مع مُعطياتها وكيف لها أنْ لا تتحسَّب في المُحافظة على مغانمها التي حقَّقت وجودها الإنساني فوق الأرض وفي حِضن الحياة ؟

لقد كان التحُّسب العظيم في صيانة الرسالة مرصوداً في الرجل المبنيِّ بناءً متيناً ولا يعني البناء أنَّ النبي الكريم هو الذي بناه أكثر مِمَّا يعني أنَّه اكتشفه . مرسوخا في نفسيَّة الفتى عليٍّ عندما لمحَ لأوَّل مَرَّة جبيناً تتخبَّأ دونه نجابة ومتانة في الخُلق والروح هي كلُّ ما في الانسان مِن روائع .

لقد لمح كلُّ ما يجول في عينيه مِن آفاق تُطلُّ به على مَرح وسموٍّ في النفس هي وحدها الصفات الكبيرة التي تجذبه إليه في عمليَّة الالتصاق والانضمام ؛ لتكون له به وحدة في الطوية تُهيِّئه للبلوغ المُشتاق إلى التحقيق الرائع الذي يتجلَّى به جوهر الانسان في حِضن الحياة التي هي فيض رَبِّه العظيم الرحيم .

هكذا هي قِصَّة علي بن أبي طالب في التحامه الرائع بالرجل الآخر الذي يستعدُّ للأطلالة الكبيرة التي تستضيء بها رسالة الإسلام وهكذا هي قِصَّة فاطمة الزهراء بالذات لقد كانت لمحاً اكتشافيَّاً مِن جبينها وعينيها وتكوينها الأُنثوي وكانت تخصيصا رائعاً آخر يلتصق بالرجل البعيد المجال ومِن ذُرِّيَّة هذين النورين الوافدين مِن اللمح سيولَد لمَحٌ جديد آخر معقود في جبينٍ سيُسمَّى الحسن وفي جبينٍ آخر سيُسمَّى الحسين .

لقد تجمَّدت الزعامات التقليديَّة في الجزيرة على أمل أنْ تنام دون أنْ يعود فيلمُّها وعيٌ مع انتقال النبي الكريم إلى الرفيق الأعلى هبَّت تُعلن أنَّها لم تُصدِّق تحسب الرسول بإسناد مُهمَّة الاهتمام بصيانة الرسالة الطريَّة العُود إلى أمتن رجل صدَّقها وشارك في تمتينها حُفراً في النفوس . فليكُن اجتماع السقيفة تملمُلاً مِن هَجعة أبَعَدَ الرجل المَحسوب رُكناً مِن الأركان المُعتمدة لمُتابعة الخَطِّ وترسيخه إلاَّ أنَّ واقع التاريخ وواقع الرسالة التي لا تزال حتَّى الآن تنمو وينمو بها عالم الإسلام يشهد بأنَّ لعليٍّ مكانة مجيدة القيمة في ضلوع الرسالة لا يجهلها الحَقُّ ولا يقدر أنْ يُنكرها المنطق وما مِن أحدٍ على الإطلاق تمكَّن مِن فصل بيت عليٍّ عن بيت الرسول لا في الحقيقة ولا في المجاز .

أعود فأقول : فلتكن للسقيفة عينها الحولاء غير أنَّ حَوَلاً هناك لا يُطفيء نوراً في عينَي عليٍّ ولا شعوراً ضمنيَّاً يعيش به أهل البيت .

إنَّ الذين جمعهم مُربِّيهم الأكرم وضمَّهم تحت كسائه ليُدفِّئهم بعَطفه ويُطهِّرهم مِن كلِّ عيبٍ هو الذي يتحسَّب بهم ؛ إذ يبنيهم لاستلام الغَد وأنَّ الغَد العظيم هو في استمرار الرسالة التي تستردُّ الإنسان إلى حقيقة الرُّشد وحقيقة بناء المُجتمع الموحَّد بالوعي والحَقِّ إنَّه يعرف أنَّه بعد لحظات قصيرة سيَعبر تاركاً لهم الدار وأبناء الدار فليتثبَّتوا أنَّهم هُمْ المُعنيَّون المُنتدبون للمُحافظة على صيانة القَرار إلى أنْ يطويهم بدورهم سُلطان الحَقِّ فيتركون للقيم الأُخر رسالة مُستمرَّة بنظافة الحَرف وأمانة النهج وحقيقة التطوير المُركَّز بالإيمان والجوهر .

إنَّها المُهمَّة المُنتدبون إليها وإنَّها القضيَّة الكبيرة والجليلة التي ساهم بجَلوتها وإخراجها عقلُ عليٍّ ولُبُّ عليٍّ وصدقُ عليٍّ , وإنَّه البيت الذي جعل النبي العظيم حدوده مربوطة بحدود أُخرى هي أبعد مِن القُربى وأثبت مِن خطوط الانتساب في مُجتمع سينسى انتسابه إلى كلِّ بطن مِن بطونه القبائليَّة ليبقى له فقط انتساب إلى القيمة المُجتمعيَّة الكُبرى التي قدَّمتها له الرسالة وجعلته بيتاً واحداً لمُجتمع إنسانيٍّ واحد يفهم ويعي حَقَّه في الوجود الحياتي الإنساني الكريم .

إنَّها مسؤوليَّة راح ينوخ تحت جلالها البيت النبوي المُشعُّ والمبنيُّ مِن لمح الرسول الأبعد ومِن تحسُّبه الأبلغ ؛ لتكون منه انطلاقة لسياسة العهد الطويلة الأمد والمحصنة بالنظافة التي تُنجبها النفوس الكريمة مُستقاة مِن صدر ربِّها في الحياة مَعيناً لا ينضب والرسالة الكريمة هي بدورها نفحةٌ مِن روحه التي لا ينمو ويتبارك الاَّ بها وبقُدسيَّتها مُجتمع الإنسان .

أنْ لا يَعي أهل السقيفة أو أيَّة سقيفة سواها ثقل المرام لا يعني أنَّه ليس ثُقلاً رَسَا بجلاله على أهل البيت ولا يعني أهل البيت تخصيصاً لحدود رابطة الدم بلْ يعني بيتاً لفَّه النبي الكريم بقصدٍ مربوطٍ بتعهد الرسالة .

إنَّهم أوَّل المُتحسِّسين وأوَّل المُعانين وأوَّل الرازحين تحت الوطأة الجليلة فليكن البيت هذا في وجدان أهل البيت بيت الأُمَّة الأفيح والأفيأ إنَّه في وجدانهم أيضاً بيت الأمس الصغير وبيت اليوم الأشرق وبيت الغد الكبير الذي يحيا فيه الإنسان عزيزاً كريماً ومثالاً لكلِّ أُسرة يُعمِّر بها مُجتمع الإنسان .

على أيِّ شيءٍ يغار أهل هذا البيت لو لم يكن لهذا الذي يغارون عليه هذا الوزن وهذا الثقل وهذا الغد المُرتقب ؟ إنَّهم يرون على مُجتمع تلقَّط بكلِّ أسباب تراثه وعِزِّة وجوده مِن أنْ يعمى عن سُبل الصيانة والتعهُّد فيبتعد كثيراً عن حقيقة الجنى , والمُجتمع أصلاً هو مُجتمع أهل البيت أمَّا الوعد الكبير فهم الذين نزفوا الدم مِن أجل تحضيره وتقديمه هم الذين أعدُّوا المائدة وهشَّموا ثريدها الطاهر وهُم الذين ملأوا كؤوس المشرب بماء فرات , وهُمْ الذين سكبوا في الحرف جلال المعاني فإذا في كلِّ آية مِن الآيات قرآن يبني إنساناً صحيحاً صادقاً يتحقَّق بوجودٍ مثله كلُّ مُجتمع سليم مِن مُجتمعات الأرض إنَّهم أهل البيت ولا يدَّعون أليس نبيُّهم العظيم وهو منهم هو الخلاَّق الجديد المَبريُّ مِن روح الحَقِّ ليقدِّم للجزيرة وللإنسان قرآناً جمعهم ولا يزال يجمع أجيالهم وأجيال العديد مِن المُجتمعات الذين يُنادون مِن فوق المآذن : بسم الله الرحمان الرحيم .

ولا يزال التاريخ ذلك المسَّاح الأصدق يصف لنا دارَه بناها الرسول في المدينة قُرب المسجد . لقد نزل في شِقٍّ منها النبيُّ الكريم وخصَّص الشِقَّ الآخر لسُكنى ابنته فاطمة بعد أنْ جمعها بعليٍّ في عمليَّة تتميم الأرادة المُحتسبة وتحقيق الحُلم المنسوج بفتنة الغَد .

هذا هو البيت الصغير الذي كان يعود إليه اثنان بعد كلِّ جولة يجولانها ؛ مِن أجل تثبيت جوهر الرسالة ونقشها في مَعدن الإنسان إنَّهما اثناهما كانا يعودان بجَعبةٍ واحدةٍ مليئةٍ بالتحقيق المُثَّبت والمُركَّز في هذا البيت وضمن هذه الحيطان المُصغية إلى النفس المليء بالحقِّ والوجدان كان الاثنان يتبادلان العَرض والدرس وغربلة الأحداث وكانا يبنيان التصاميم العريضة والدقيقة لجعل الغد الآتي مؤهَّلاً لأنْ يكون نبضة صادقة في تأليف الزمان . ما مِن حِكمة جالت في عقلهما وروحهما إلاَّ واندرجت على هذا البساط وتحت هذا السقف حتَّى يكون توحيد غزلها باهراً في حياكة الثوب الذي سترتَديه الأُمَّة في نهوضها مِن غفواتها الطويلات إلى يقظتها هذه الحاضرة والمُكلَّلة بالطُّهر والرُّشد وروابط الصواب .

اثنان قلتُ : وهل هما غير النبي العظيم مُلتحما بفتاه الآخر أو فلنقُل : مُلتحما بثقله الموزون في وحدة المنطق ووحدة الصدق ووحدة الجوهر ؟

أقول : ذلك ولم ألمح حتَّى اليوم مِن الأمسِّ الدابر إلى اليوم الحاضر امتعاضة واحدة رشق بها التاريخ طويَّة الإمام عليٍّ  : بأنَّ هنالك ريشة ضئيلة تُخفِّف مِن ثِقله في ميزان الحَقِّ والعدل والفهم المُقدَّس والتحلِّي بطهارة الصادقين .

في هذا البيت الصغير الصغير وهو بالقصد والمعنى الكبير الكبير تمَّت جَولة الحُلم وانعقدت جَلوتها في اللحظة التي بدأ يدرج فيها طفلان ما قَصَّ شعريهما جَدُّهما وتصدَّق بوزنه فِضَّة تُصرَف على إطعام المساكين إلاَّ ليكون لاسمَيهما تسجيل جديد في صفحة تاريخ الأُمَّة لقد شَعر مُجتمع الجزيرة بأنَّ الحسن والحسين هما اسمان جديدان لم تتلقَّط أُذن بعد بنداء وجهه أحد مِن شيوخ القبائل إلى أيِّ فردٍ مِن أفراد القبيلة صحيح أنَّهما لفظتان عربيَّتان مشهورتان في اللفظ والتخاطُب ولكنَّهما ما كانا مُطلقاً اسمين لأيِّ شخصٍ مشى على صفحات هذه الرمال .

لقد شعرت الجزيرة بهذا الجديد والتاريخ أيضاً قد شعر . أمَّا الجديد الكبير النائم في عين هذا الجديد الصغير فإنَّه بقي كأنَّه النُّعاس الذي يقطب العين فلا ترى وأنا أرى الآن أنَّ السقيفة في ذلك العهد قد تخبَّأت بهذا النُّعاس وأنكرت جديداً ينام في الاسمين المُشتقَّين مِن روعة الحُلم واللذين يدرجان في البيتين المُوحِّدين بالفهم والصفة .

أمَّا الخمسة الذين جذبهم القصد واجتذبهم إلى صدره التحسُّب الأكبر فإنَّهم هم الذين لبثوا يهتمُّون بتأليف النهار الجديد الذي ستكون له شمسه الأُخرى .

مُنذ أنْ هبط الحسين مِن رحم أُمِّه إلى حضنها الوثير تلقَّفته الأحضان مِن حِضن إلى حِضن وبقي ينمو ولا يدري أيَّ حِضن هو الأرفه والأوثر لقد أمَّ الحياة صغيراً ضئيلا لم تكن ولادته وهو في شهره السادس إلاَّ نحيلة كنُحول أمِّه في خشبة جَسدها وما احتاك به مِن زهيد الشحم والدم ؛ مِن هنا كانت الولادة نحيفة رهيفة كالمصدر الذي انزلقت عنه غير أنَّ الأحضان التي سربلته بأكثر مِن دثار نشَّطت فيه طاقات عجيبة مِن التدلُّه النفسي الروحي ما شَحَّ انعكاسه على عضلاته وألياف أعصابه فإذا هو كأنَّه رشأ يملأ البيت حركة ودلعا ورواء وإذا هو أكثر مِن جاذبيَّة شغف بها المُحيط كلَّه مِن ساحة الدار التي تُظلِّلها شجرة واحدة اسمها (الآراك) ؛ إلى داخل البيت الذي كانت حيطانه وسقفه ترشح بما لا يعرف مِن أيِّ ضَوْعٍ هو لقد راح الفتى يشعر أنَّه دلاَّعة البيت وهزَّته الصغيرة وكانت النشوة فيه تحتار مِن أين تأتيها الإشارة فبينا يغرق فيها في حِضن أُمِّه كأنَّه حرير مُبطَّن بمخمل إذا هي في عُبِّ أبيه كأنَّها إعصار يتناحل في نسمة الصبح أمَّا في حِضن جَدِّه وتحت عينيه الناضحتين بالحُبِّ فكأنَّها شعاع دفءٍ هابط مِن كُوَّتين هما مِن بهجة الصباح أنقى وأزهى .

وهنالك حِضن رابع كان يتعب وهو يتلقَّط به ليحتويه وهو حِضن الحسن أخيه الذي يزيده بالعُمر سنة وعِدَّة أشهُر ولم يكن يعرف الحسين أيَّ طعم كان يتلذَّذ به وهو مضموم إلى صدر أخيه كأنَّه نَكهة معجونة بسويق لا اسم له تلك هي الأحضان التي احتوت الحسين مُنذ أَمَّ الحياة وراح يدرج في البيت إلى أنْ تركه جَدُّه الكبير في حِضنٍ راح يُفسِّر له بالتدريج كلَّ معاني الأحضان التي احتوته طفلاً وحضَّرته بدوره لأنْ يكون حِضناً يتناول الرسالة إلى صدره ويفنخ فيها نفساً مقدوداً مِن صدره المليء بالعُنفوان .

لقد ضاع الحسين في تعيين أيِّ حِضن تدلَّه فيه كان أعطف وأرهف مِن الآخر ؟ ولكنَّه بالحقيقة البارزة كان مُشتقَّاً منها جميعها على توحيد والتزام لقد ضمَّته جميعها لأنَّها كلَّها كانت حدوده في المبدأ وفي صيانة الجوهر أنَّه مِن هذه الصياغة الكبيرة التي احتضنها الطالبيُّون الهاشميُّون فإذا بها مِمَّن مَرَّ أنَّها في النفس تتفتَّق عن رسالة تفوَّه بها الطالبيُّ الهاشميُّ فارتدَّت إلى الأُمَّة العظيمة أمانتها المحفوظة في عقل وجُهد نبيِّها العظيم محمد .

إنَّ القصد المنسول مِن هذه الرسالة التي حقَّقت ذاتها فوق الأرض وتحت ظلال السماء هي التي وسَّعت ودفَّأت الأحضان التي انغلقت كلُّها بالتساوي على تعهُّد الحسن والحسين ليكونا ضِلعين مُخصَّصين لرعاية الخَطِّ الطويل إنَّما مِن أهل بيت حدوده في سوارٍ مِن نبوَّة أنتجت رسالة تتحدَّد بها الأُمَّة ويتحدَّد بها الزمان الجديد ويتحدَّد بها الإنسان الجديد .




يحفل التاريخ الاسلامي بمجموعة من القيم والاهداف الهامة على مستوى الصعيد الانساني العالمي، اذ يشكل الاسلام حضارة كبيرة لما يمتلك من مساحة كبيرة من الحب والتسامح واحترام الاخرين وتقدير البشر والاهتمام بالإنسان وقضيته الكبرى، وتوفير الحياة السليمة في ظل الرحمة الالهية برسم السلوك والنظام الصحيح للإنسان، كما يروي الانسان معنوياً من فيض العبادة الخالصة لله تعالى، كل ذلك بأساليب مختلفة وجميلة، مصدرها السماء لا غير حتى في كلمات النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) وتعاليمه الارتباط موجود لان اهل الاسلام يعتقدون بعصمته وهذا ما صرح به الكتاب العزيز بقوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) ، فصار اكثر ايام البشر عرفاناً وجمالاً (فقد كان عصرا مشعا بالمثاليات الرفيعة ، إذ قام على إنشائه أكبر المنشئين للعصور الإنسانية في تاريخ هذا الكوكب على الإطلاق ، وارتقت فيه العقيدة الإلهية إلى حيث لم ترتق إليه الفكرة الإلهية في دنيا الفلسفة والعلم ، فقد عكس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم روحه في روح ذلك العصر ، فتأثر بها وطبع بطابعها الإلهي العظيم ، بل فنى الصفوة من المحمديين في هذا الطابع فلم يكن لهم اتجاه إلا نحو المبدع الأعظم الذي ظهرت وتألقت منه أنوار الوجود)





اهل البيت (عليهم السلام) هم الائمة من ال محمد الطاهرين، اذ اخبر عنهم النبي الاكرم (صلى الله عليه واله) باسمائهم وصرح بإمامتهم حسب ادلتنا الكثيرة وهذه عقيدة الشيعة الامامية، ويبدأ امتدادهم للنبي الاكرم (صلى الله عليه واله) من عهد أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الامام الحجة الغائب(عجل الله فرجه) ، هذا الامتداد هو تاريخ حافل بالعطاء الانساني والاخلاقي والديني فكل امام من الائمة الكرام الطاهرين كان مدرسة من العلم والادب والاخلاق استطاع ان ينقذ امةً كاملة من الظلم والجور والفساد، رغم التهميش والظلم والابعاد الذي حصل تجاههم من الحكومات الظالمة، (ولو تتبّعنا تاريخ أهل البيت لما رأينا أنّهم ضلّوا في أي جانب من جوانب الحياة ، أو أنّهم ظلموا أحداً ، أو غضب الله عليهم ، أو أنّهم عبدوا وثناً ، أو شربوا خمراً ، أو عصوا الله ، أو أشركوا به طرفة عين أبداً . وقد شهد القرآن بطهارتهم ، وأنّهم المطهّرون الذين يمسّون الكتاب المكنون ، كما أنعم الله عليهم بالاصطفاء للطهارة ، وبولاية الفيء في سورة الحشر ، وبولاية الخمس في سورة الأنفال ، وأوجب على الاُمّة مودّتهم)





الانسان في هذا الوجود خُلق لتحقيق غاية شريفة كاملة عبر عنها القرآن الحكيم بشكل صريح في قوله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) وتحقيق العبادة أمر ليس ميسوراً جداً، بل بحاجة الى جهد كبير، وافضل من حقق هذه الغاية هو الرسول الاعظم محمد(صلى الله عليه واله) اذ جمع الفضائل والمكرمات كلها حتى وصف القرآن الكريم اخلاقه بالعظمة(وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) ، (الآية وإن كانت في نفسها تمدح حسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وتعظمه غير أنها بالنظر إلى خصوص السياق ناظرة إلى أخلاقه الجميلة الاجتماعية المتعلقة بالمعاشرة كالثبات على الحق والصبر على أذى الناس وجفاء أجلافهم والعفو والاغماض وسعة البذل والرفق والمداراة والتواضع وغير ذلك) فقد جمعت الفضائل كلها في شخص النبي الاعظم (صلى الله عليه واله) حتى غدى المظهر الاولى لأخلاق رب السماء والارض فهو القائل (أدّبني ربي بمكارم الأخلاق) ، وقد حفلت مصادر المسلمين باحاديث وروايات تبين المقام الاخلاقي الرفيع لخاتم الانبياء والمرسلين(صلى الله عليه واله) فهو في الاخلاق نور يقصده الجميع فبه تكشف الظلمات ويزاح غبار.