المرجع الالكتروني للمعلوماتية
المرجع الألكتروني للمعلوماتية


Untitled Document
أبحث عن شيء أخر



الاتكال على الأمل  
  
2048   04:00 مساءً   التاريخ: 4-11-2017
المؤلف : الشيخ محمد تقي فلسفي
الكتاب أو المصدر : الطفل بين الوراثة والتربية
الجزء والصفحة : ج2، ص224
القسم : الاسرة و المجتمع / التربية والتعليم / التربية النفسية والعاطفية /


أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-4-2017 2056
التاريخ: 18-4-2016 1913
التاريخ: 15-4-2017 3211
التاريخ: 2023-12-20 1145

من المناسب أن أنبّه المستمعين الكرام، والشباب منهم بالخصوص إلى مسألة ضرورية ، وهي أن المراد من الاعتماد على النفس أن يستند كل فرد في طريق الوصول الى سعادته على علمه وأخلاقه الفاضلة وجهوده ، لا على آماله الفارغة ، وأمنياته غير الناضجة. وبعبارة أوضح فإن آمال كل شخص ناشئة من حالاته النفسية الخاصة به ، ولكن ليس المراد من الاعتماد على النفس ، الاتكال على هذه

الآمال النفسية الواهية. إن الذين يعمرون قلوبهم بالآمال فقط ، ويتعهدون ضمائرهم بالأماني الطوال بدلاً من أن يعمروها بالعلم والفضائل ، ويتعهدوها بالجد والعمل ... افراد حقراء تافهون ، ويستحيل عليهم أن يحصلوا على السعادة والكمال.

عن علي (عليه السلام) : ( إيّاك والاتكال على المنى ، فإنّها بضائع النوكى)(1).

وعنه (عليه السلام) أيضاً : (العاقل يعتمد على عمله ، والجاهل يعتمد على أمله)(2).

عندما نتصفح التاريخ الإسلامي نجد أن الأسر التي طبقت تعاليم الإسلام في أسلوب تربية الطفل، والتزمت بأفضل النصائح الواردة من الرسول الأعظم (صلى الله عليه واله وسلم) في هذا الصدد، توصلت الى نتائج لا معة حيث أثبت الأولاد من الجدارة ما يؤيد ذلك. وعلى سبيل المثال نستعرض قضيتين تاريخيتين لطيفتين .

1ـ الطفلة الجريئة :

غضب عبد الملك بن مروان على عباد بن أسلم البكري يوماً ، فكتب الى واليه على العراق الحجاج بن يوسف الثقفي بأن يقتله ويبعث برأسه الى الشام . فأرسل الحجاج الى عبّاد يطلب حضوره لتنفيذ أمر عبد الملك بشأنه: لقد تألم عبّاد من معرفة الخبر ، واضطرب كثيراً وأقسم على الحجاج في أن يتخلى عن قتله لأنه يعيل أربعاً وعشرين امرأة وطفلاً ، وبقتله سوف تختل شؤونهم وتضطرب حياتهم . فرقّ الحجاج لكلامه وأمر بإحضار عائلته الى دار الإمارة. وعندما حضر أولئك الى دار الإمارة وأطلعوا على ما صمم عليه الحجاج، وشاهدوا الحالة المزرية التي كان عليها وليهم ، بدأوا بالبكاء والعويل ... وفجأة قامت طفلة صغيرة من بينهم، كانت في غاية الجمال وأرادت أن تتكلم ، فقال لها الحجاج : ماهي صلتك بعبّاد ؟!.

قالت : أنا ابنته .

ثم قالت له بكل صراحة : يا أمير  ، إسمع ما اقول ... وأنشأت تقول :

أحجّاج ، إمّا أن تمنّ بتركه             علينا وإمّا أن تقتلنا معاً

أحجاّاج ، لا تفجع به إن قتلته          ثمانا وعشراً واثنين وأربعا

أحجّاج ، لا تترك عليه بناته           وخالاته يندبنه الدهر أجمعا

هذه الكلمات الصريحة والقوية من هذه الطفلة الجريئة أبكت حجاجاً القاسي ، وجعلته ينصرف عن قتل عبّاد ، ويكاتب عبد الملك بشأنه حتى حصل على عفو الخليفة عنه (3).

2ـ الصبي الخطيب :

لما آلت الخلافة الى عمر بن عبد العزيز ، أخذت الوفود تتقاطر عليه من أنحاء الدولة لتهنئه .... وكان من تلك الوفود وفد الحجاز. كان في ذلك الوفد صبي صغير ، قام من مجلس الخليفة ليتكلم ، فقال الخليفة : ليتكلم من هو أكبر  سناً. فقال الطفل : أيها الخليفة ، إن كان المقياس للكفاءة كبر السن ففي مجلسك من هو أحق بالخلافة منك. فتعجب عمر بن عبد العزيز من هذا الكلام وأيّده على ذلك ، ثم أذن له في التكلم. فقال :

لقد قصدناك من بلد بعيد . وليس مجيئنا لطمع فيك أو خوف منك ... لا نطمع فيك لأننا متنعمون بعدلك ومستقرون في بيوتنا بكل أمن واطمئنان ... ولا نخاف منك لأننا نجد أنفسنا في أمنٍ من ظلمك ، وإن مجيئنا الى هنا إنما هو لغرض التقدير والشكر .

فقال له عمر بن عبد العزيز : عظني .

قال الصبي : لقد أصيب بعض بالغرور لحلم الله عليهم ، وأصيب آخرون بذلك لمدح الناس إياهم ، فاحذر من أن يبعث هذان الأمران الغرور فيك ، فتنحرف في تدبير شؤون الدولة .

لقد سُرّ عمر بن عبد العزيز لهذا الكلام كثيراً ، وسأل عن عمر الصبي فقيل له : هو ابن اثنتي عشر سنة(4).

_____________

1ـ نهج البلاغة ، شرح الفيض الإصفهاني ص 922.

2ـ غرر الحكم ودرر الكلام للآمدي ص 43.

3ـ المستطرف في كل فن مستظرف للابشيهي ج1 ص195.

4ـ المصدر السابق ج1 ص46 .




احدى اهم الغرائز التي جعلها الله في الانسان بل الكائنات كلها هي غريزة الابوة في الرجل والامومة في المرأة ، وتتجلى في حبهم ورعايتهم وادارة شؤونهم المختلفة ، وهذه الغريزة واحدة في الجميع ، لكنها تختلف قوة وضعفاً من شخص لآخر تبعاً لعوامل عدة اهمها وعي الاباء والامهات وثقافتهم التربوية ودرجة حبهم وحنانهم الذي يكتسبونه من اشياء كثيرة إضافة للغريزة نفسها، فالابوة والامومة هدية مفاضة من الله عز وجل يشعر بها كل اب وام ، ولولا هذه الغريزة لما رأينا الانسجام والحب والرعاية من قبل الوالدين ، وتعتبر نقطة انطلاق مهمة لتربية الاولاد والاهتمام بهم.




يمر الانسان بثلاث مراحل اولها الطفولة وتعتبر من اعقد المراحل في التربية حيث الطفل لا يتمتع بالإدراك العالي الذي يؤهله لاستلام التوجيهات والنصائح، فهو كالنبتة الصغيرة يراقبها الراعي لها منذ اول يوم ظهورها حتى بلوغها القوة، اذ ان تربية الطفل ضرورة يقرها العقل والشرع.
(أن الإمام زين العابدين عليه السلام يصرّح بمسؤولية الأبوين في تربية الطفل ، ويعتبر التنشئة الروحية والتنمية الخلقية لمواهب الأطفال واجباً دينياً يستوجب أجراً وثواباً من الله تعالى ، وأن التقصير في ذلك يعرّض الآباء إلى العقاب ، يقول الإمام الصادق عليه السلام : « وتجب للولد على والده ثلاث خصال : اختياره لوالدته ، وتحسين اسمه ، والمبالغة في تأديبه » من هذا يفهم أن تأديب الولد حق واجب في عاتق أبيه، وموقف رائع يبيّن فيه الإمام زين العابدين عليه السلام أهمية تأديب الأولاد ، استمداده من الله عز وجلّ في قيامه بذلك : « وأعني على تربيتهم وتأديبهم وبرهم »)
فالمسؤولية على الاباء تكون اكبر في هذه المرحلة الهامة، لذلك عليهم ان يجدوا طرقاً تربوية يتعلموها لتربية ابنائهم فكل يوم يمر من عمر الطفل على الاب ان يملؤه بالشيء المناسب، ويصرف معه وقتاً ليدربه ويعلمه الاشياء النافعة.





مفهوم واسع وكبير يعطي دلالات عدة ، وشهرته بين البشر واهل العلم تغني عن وضع معنى دقيق له، الا ان التربية عُرفت بتعريفات عدة ، تعود كلها لمعنى الاهتمام والتنشئة برعاية الاعلى خبرة او سناً فيقال لله رب العالمين فهو المربي للمخلوقات وهاديهم الى الطريق القويم ، وقد اهتمت المدارس البشرية بالتربية اهتماماً بليغاً، منذ العهود القديمة في ايام الفلسفة اليونانية التي تتكئ على التربية والاخلاق والآداب ، حتى العصر الاسلامي فانه اعطى للتربية والخلق مكانة مرموقة جداً، ويسمى هذا المفهوم في الاسلام بالأخلاق والآداب ، وتختلف القيم التربوية من مدرسة الى اخرى ، فمنهم من يرى ان التربية عامل اساسي لرفد المجتمع الانساني بالفضيلة والخلق الحسن، ومنهم من يرى التربية عاملاً مؤثراً في الفرد وسلوكه، وهذه جنبة مادية، بينما دعا الاسلام لتربية الفرد تربية اسلامية صحيحة.