أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-19
1885
التاريخ: 20-4-2016
2423
التاريخ: 2023-10-26
1235
التاريخ: 2023-07-22
971
|
من القواعد الكلية التي يمكن تطبيقها في مجالات متعددة وتنطبق على حماية البيئة والمحافظة عليها قاعدة (حرمة الإسراف).
فقد حرم الاسلام في ضمن منظومته الفقهية الاسراف بكل انواعه، وقبل إستعراض النماذج والمسائل التي نهى الاسلام عن الاسراف فيها نأتي إلى بيان ما قاله ارباب اللغة في معنى (الاسراف).
ذكر العلامة ابن منظور الافريقي في مادة (سرف):
سرف : السَّرف واللإسرافُ: مُجاوزة القَصدِ، ثم قال : السُّرفة : دودة القَزَّ، وقيل : هي دويبة غبراء تبني بيتا حسنا تكون فيه، او هي دويبة صغيرة مثل نصف العدسة تثقب الشجرة، وقيل: هي دابة صغيرة جداً غبراء تأتي الخشبة فتحفرها. انتهى.
وعلى كل الاحوال فان السرف مأخوذ من السرفة وهي دويبة تأكل الورق، وسمي بذلك لتصوّر معنى الاسراف منه.
ثم ذكر ابن منظور بعض موارد الاسراف فقال :
أسرفَ في ماله : عَجِل من غير قصد ، واما السرف الذي نهى الله عنه، فهو ما انفق في غير طاعة الله ، قليلا كان او كثيرا.
والاسراف في النفقة : التبذير.
واسرف في الكلام وفي القتل : افرط.
وسرف الماء : ما ذهب منه في غير سقي ولا نفع، يقال : اروت البئر النخيل وذهب بقية الماء سرفا.
والسرف : الخطأ. وسرف الشيء، بالكسر، سرفا : اغفله واخطأه وجهله (1).
هذه المعاني التي ذكرت في اللغة لمادة (الاسراف) وردت فيها الآيات والاحاديث الشريفة التي صرحت بحرمة الاسراف فيها، ويمكن القول بان الاسراف هو الوجه الاخر للإفساد.
قال تعالى:{...وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف: 31].
وهذا اشارة إلى الاسراف او تجاوز الحد في موضوع الاكل والشرب.
وقال تعالى:{وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا}[الفرقان: 67].
وهذا اشارة إلى الاسراف وتجاوز الحد في انفاق المال.
ومن الآيات التي ذكرت حرمة الاسراف بشكل عام قوله تعالى:{...وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}[المائدة: 32]، وقوله تعالى:{وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحَابُ النَّارِ}[غافر: 43].
وأما ما يتصل بحرمة الاسراف في الموارد المتعلقة بحماية البيئة وامنها.
ما ورد في القرآن الكريم حول المصدر الاساسي الذي يحتاج اليه البشر في حياتهم اليومية أي (الماء) وهو من اهم الموارد الطبيعية التي تحدث عنها القرآن الكريم وشدد على اهميته وضرورته للحياة واثاره في الحياة الاجتماعية، ولكونه من المصادر التي يمكن ان تضيع بواسطة الانسان فقد نص القرآن الكريم بان مصادر المياه ثابتة ومحدودة وهي بالتالي معرضة
للزوال ولن تدوم إلى ما لا نهاية.
والى هذه الحقيقة الهامة اشار القرآن إلى ذلك في ضمن آياته ومنها قوله تعالى:{وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا}[الكهف:40].
ثم يشير إلى ضرورة استخدام هبات الله باعتدال ودونما اسراف:{يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأعراف: 31].
ومن اجل الحفاظ على الثروة المائية وعدم تبذيرها حذر الرسول الاكرم (صلى الله عليه واله) أمته من الاعتداء على هذا الثروة.
فعن ابي نعامة، ان عبد الله بن مغفل سمع ابنه قال : (اللهم اني اسألك القصر الابيض عن يمين الجنة اذا دخلتها)، فقال : أي بني، سل الله الجنة، وتعوذ به من النار؛ فاني سمعت رسول الله (صلى الله عليه واله) يقول : (انه سيكون في هذه الامة قوم يعتدون في الطهور والدعاء).
ولعل ما ورد في سيرة النبي (صلى الله عليه واله) وصفة وضوءه يفسر لنا معنى الاعتداء في الطهور وانه يعني عدم الاسراف في استعمال المياه حتى في القضايا العبادية.
ففي الكثير من الروايات ان الرسول (صلى الله عليه واله) : (كان يتوضأ بالمد (ما يعادل 3/2 ليتر) ويغتسل بالصاع إلى خمسة امداد ( ما يعادل 2 – 3.5 ليترا)(2).
ويبين هذا الحديث الطريقة المنطقية لاستخدام المياه بشكل مستدام في شبه الجزيرة العربية القاحلة حيث عاش النبي (صلى الله عليه واله).
وعلى كل حال، فان الرسول (صلى الله عليه واله) نهى عن الاسراف في استخدام المياه حتى ولو كانت وفيرة.
وروي عن رسول الله (صلى الله عليه واله) انه مرّ بسعد وهو يتوضأ فقال : ما هذا السرف يا سعد؟ قال : أفي الوضوء سرف؟ قال : نعم وان كنت على نهر جار.
ومن هنا ايضا كان حرص النبي (صلى الله عليه واله) على امته من ان تقع في حبال الشيطان في العبادة حيث حذر (صلى الله عليه واله) من الوسوسة في الوضوء والتي هي فعل من افعال الشيطان باعتبار مؤدى الامر إلى الاسراف في الماء.
فعن أُبي بن كعب عن النبي (صلى الله عليه واله) : (ان للوضوء شيطانا يقال له : الوَلَهَان(3)، فاتقوا وِسواسَ الماء)(4).
واكثر من ذلك فقد اعتبر النبي (صلى الله عليه واله) ان عدم الاسراف في الوضوء هو من علامات الاخيار.
فعنه (صلى الله عليه واله) انه قال : (خيار أمتي يتوضؤون بالماء اليسير)(5).
ومن الموارد الاخرى التي يشملها النهي عن الاسراف في الموارد الطبيعية الاحتطاب والصيد الجائرين اللذين لا يبقيان، ولا يذران، فقد حرم الرسول (صلى الله عليه واله) الاحتطاب من اشجار المدينة، وما حولها استبقاء للحياة النباتية التي يعتمد عليها في الرعي ...
إذن ينبغي ان نعتبر ان تحريم الاسلام للإسراف بكل انواعه وجميع مظاهره التي ذكرنا بعضا منها على سبيل المثال لا الحصر من القواعد والانظمة والقوانين التي تدخل في اطار الحفاظ على البيئة وحمايتها بل ان ذلك من قواعد الامن البيئي التي ينطلق منها الاسلام للمحافظة على فطرة البيئة التي خلقها الله في احسن تقويم، وأجمل صورة، وأحكم نظام.
وما هذا الا مصداقاً لقوله تعالى:{الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ}[السجدة: 7].
وأمّا ما يظهر في البيئة مكدّراً لفطرتها فهو من مظاهر الفساد التي قد تتعاظم وتؤثر في حياة
الناس، ومن تعديّهم وظلمهم، والامور الطارئة على الطبيعة بما كسبت ايدي الناس.
قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}[الروم: 41].
_____________
1ـ ابن منظور ، ابو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، م.س. ج9، ص148.
2ـ البخاري ، ابو عبدالله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم ابن المغيرة، صحيح البخاري، ج1، ص66، باب 48. دار الفكر – بيروت، ط1، 1411 هـ 1991م.
3ـ الولاهان : هو الحزن، او ذهاب العقل والتحيّر من شدة الوجد وغاية العشق وسمي به شيطان الوضوء لإلقائه الناس بالوسوسة في مهواة الحيرة.
4ـ الترمذي ، ابي عيسى محمد بن عيسى بن سُورَة ، ج1، ص84، باب 43، دار الفكر، بيروت.
5ـ النوري، حسن النوري الطبرسي ، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل ، ج1، ص348، باب44، مؤسسة آل البيت، قم – ايران ط1 – 1407هـ.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|