أقرأ أيضاً
التاريخ: 4-4-2017
4753
التاريخ: 13-6-2016
3589
التاريخ: 15-6-2016
2314
التاريخ: 16-1-2019
2595
|
اعمال السيادة هي طائفة من اعمال السلطة التنفيذية التي تخرج عن رقابة القضاء بجميع صورها او مظاهرها، اذ لا يمكن الطعن بها امام اية جهة قضائية سواء كان ذلك بالالغاء ام بالتعويض، وبذلك فان نظرية اعمال السيادة تختلف عن نظريتي السلطة التقديرية والظروف الاستثنائية، ذلك انها تمنح قرارات الإدارة حصانة تامة تجاه رقابة القضاء، في حين ان غاية ما تنتهي اليه نظريتا السلطة التقديرية والظروف الاستثنائية هو توسيع سلطات الإدارة.
المطلب الأول
أساس نظرية اعمال السيادة
لقد كان أساس الحصانة التي تتمتع بها اعمال السيادة ضد رقابة القضاء مثار جدل بين الفقهاء، وسيقت في هذا الشأن جملة مسوغات، أهمها:
1- لما كانت هذه النظرية من صنع القضاء الإداري الفرنسي، فقد ذهب بعض الفقهاء الى القول بانها تمثل مظهرا من مظاهر السياسة القضائية المرنة والحكيمة لمجلس الدولة(1)، فعلى اثر عودة الملكية في فرنسا سنة 1814 بيتت الحكومة النية لالغاء مجلس الدولة للتخلص من رقابته، فلجا المجلس الى التصالح مع الحكومة بان تنازل عن بعض سلطاته الرقابية على طائفة من اعمال الحكومة مقابل ضمان بقائه رقيبا على سائر الاعمال الإدارية الأخرى، أي ان المجلس اتخذ من هذه النظرية التي ابتدعها وسيلة للحفاظ على كيانه(2).
2- وفي المدة التي كان فيها القضاء يطبق معيار الباعث السياسي، فقد ذهب البعض الى ان نظرية اعمال السيادة تستند الى اعتبارات سياسية. وعبر العلامة (لافرير) عن هذا المعنى بعبارات أخرى، فذهب الى القول بان السلطة التنفيذية تتولى في الواقع – وظيفتين أساسيتين هما الحكم والإدارة، وعليه فان ما تصدره من قرارات وما تتخذه من اجراءات قد تقوم به باعتبارها حكومة، وقد يصدر عنها بوصفها إدارة، والطائفة الاولى من الاعمال يغلب عليها الطابع السياسي ومن ثم تخرج من رقابة القضاء وتخضع لرقابة الهيئات السياسية(3).
3- ووجد البعض في نص المادة (26) من قانون 24 مايو لسنة 1872 المنظم لمجلس الدولة، أساسا قانونيا لتسويغ نظرية اعمال السيادة. وتنص هذه المادة على ((حق الوزراء في ان يحيلوا الامر الى محكمة التنازع بشان القضايا المرفوعة امام القسم القضائي (بمجلس الدولة) والتي تخرج عن اختصاصه)).
اذ يرى هذا البعض من الفقهاء بان المقصود بالقضايا المذكورة في هذه المادة تلك المتعلقة باعمال السيادة.
وذهب راي اخر – في محاولة لتسويغ هذه النظرية على أساس من القانون أيضا – الى القول بان عمل السيادة هو عمل مختلط، فهو صادر من السلطة التنفيذية في مجال علاقاتها بالسلطات الأخرى التي لا تخضع لرقابة القضاء. فالقضاء الفرنسي – سواء اكان الإداري ام العادي – لا يبسط رقابته على اعمال السلطة التشريعية، ولا اعمال الدول الأجنبية. وهذا ما يفسر لنا عدم خضوع القرارات الصادرة من الحكومة في مجال تنظيم علاقاتها بالبرلمان لرقابة القضاء، كما يسوغ لنا ويوضح خروج المنازعات المتعلقة بالمعاهدات والمشكلات المتصلة بتفسيرها من اختصاصه.
4- كما اول البعض من الفقه تسويغ نظرية اعمال السيادة بالاستناد الى بعض الاعتبارات القانونية والعملية، فالقانون – وفقا لهذا الراي – وسيلة لا غاية فهو وسيلة للمحافظة على سلامة الدولة وصون كيانها، فاذا كان التمسك به على حساب سلامة الدولة، وجبت التضحية به، اذ ان سلامة الدولة فوق القانون، ومن ثم وجب الاعتراف للحكام بالخروج على القانون كلما اقتضت الظروف ذلك تحقيقا لتلك الغاية العليا (4).
وباستقراء الآراء التي سيقت لتبرير نظرية اعمال السيادة يمكن القول – بدون تردد – ان هذه النظرية غير قابلة للتسويغ من الناحية القانونية لانها لا تجد لها أي سند في القانون لانها تتضمن خروجا صريحا واعتداء صارخا على القانون، بل تجاهلا تاما له(5)
المطلب الثاني
معيار تمييز اعمال السيادة
لقد اختلف الفقهاء في فرنسا اختلافا كبيرا لوضع معيار لتحديد اعمال السيادة وتمييزها عن سائر اعمال الإدارة الأخرى، لان السلطة التنفيذية تصدر اعمالا غير اعمال السيادة، وهي التصرفات الإدارية التي تكون خاضعة لرقابة القضاء الإداري الغاء وتعويضا، فتصبح مسالة البحث عن هذا المعيار في غاية الأهمية والخطورة، واهم المعايير التي قيلت بهذا الشأن، هي:
الفرع الأول
معيار الباعث السياسي
وهو اول المعايير – واقدمها – التي اعتمدها مجلس الدولة الفرنسي لتحديد اعمال السيادة، ووفقا لهذا المعيار فان العمل يعد من اعمال السيادة اذا كان الباعث عليه سياسيا، اما اذا لم يكن الباعث عليه كذلك، فان العمل يعد من الاعمال الإدارية العادية ومن ثم يخضع لرقابة القضاء(6). وقد انتقد هذا المعيار بشدة نظرا لما يعيبه من مرونة وعدم تحديد، فالعمل الواحد يمكن وصفه بانه من اعمال السيادة اذا كان غرضه سياسي، وانه عمل اداري اذا لم تصفه الحكومة بانه عمل سيادي. كما ان هذا المعيار بالغ الخطورة، اذ يتيح للسلطة التنفيذية التخلص من رقابة القضاء بمجرد الادعاء بان الباعث لها على العمل او التصرف كان سياسي.
لذا فان هذا المعيار لم يطبق الا في مدة وجيزة، وتخلى عنه مجلس الدولة – ومحكمة التنازع – منذ حكمه في قضية الأمير نابليون سنة 1875، واصبح الاحتجاج بالباعث السياسي فيما بعد سببا للالغاء استنادا الى عيب انحراف السلطة.
الفرع الثاني
معيار طبيعة العمل الذاتية او الموضوعية
العبرة – في تمييز عمل السيادة عن غيره – بطبيعته ومؤداه ان العمل يتميز بذاته او موضوعه. وفي هذا المجال يرى البعض بان العمل يكون من اعمال السيادة اذا كان تنفيذا لنص دستوري، ويكون من قبيل الاعمال الإدارية العادية اذا كان تنفيذا للتشريع العادي. في حين يرى البعض الاخر، بان العمل يكون من اعمال السيادة اذا كان صادرا عن السلطة التنفيذية بوصفها حكومة، ويكون عملا إداريا عاديا اذا كان صادرا منها باعتبارها إدارة. ويؤخذ على الراي الأول انه راي تحكمي، كما ان يجعل من النصوص الدستورية – التي يفترض انها معقلا لحقوق الافراد وحصنا لحرياتهم – وسيلة للتهرب من رقابة القضاء. ويعيب الراي الثاني انه تحكمي – أيضا – كما انه يستلزم حل مشكلة التمييز بين الحكومة والإدارة، وهي مشكلة معقدة لم تجد لها حلا دقيقا حتى الان(7).
الفرع الثالث
معيار القائمة القضائية
نظرا لفشل المحاولات السابقة لعدم كفاية المعيارين السابقين في تحديد اعمال السيادة، فقد لجا اتجاه في الفقه الى مجموعات احكام المحاكم لاستقراء الاحكام القضائية من اجل استخلاص ما يعد – وفقا لها – من اعمال السيادة، واستطاع ان يضع قائمة لهذه الاعمال، واهم ما تتضمنه هذه القائمة:
وأخيرا ينبغي الإشارة لمحاولات الفقه الفرنسي الكثيرة في التصدي لنظرية اعمال السيادة التي عدها – منذ نشاتها – ثغرة في بناء المشروعية ووصمة في جبين القانون العام. كانت هذه المحاولات تسير في اتجاهات ثلاثة، الأول نحو التضييق من دائرة اعمال السيادة بإخراج اعمال من قائمتها كان يعدها من اعمال السيادة فبدا يبسط عليها رقابته الغاء وتعويضا. والاتجاه الثاني نحو الحد من الاثار الخطيرة التي تترتب على هذه النظرية، وذلك بقصر هذه الاثار على الحصانة ضد الإلغاء وفحص المشروعية ودون التعويض.
اما الاتجاه الثالث فكان يتمثل بالدعوة للقضاء بصفة نهائية على هذه النظرية والاستغناء عنها، والاستناد الى نظريات ومبادئ أخرى كنظرية السلطة التقديرية – مثلا – التي من شانها ان تحقق التوازن بي اعتبارين لازمين ومتعارضين، هما مبدا المشروعية من جهة، وضرورة تمتع الإدارة – او الحكومة – بقدر من حرية التقدير والتصرف من جهة أخرى. ومع ذلك لا زالت هذه النظرية على قيد الحياة بالرغم مما أصابها من وهن وضعف، وما زال القضاء الفرنسي يستعمل صراحة اصطلاح اعمال السيادة في احكامه.
المطلب الثالث
اعمال السيادة في التشريع المصري
بالرغم من ان نظرية اعمال السيادة هي نظرية قضائية، جاءت وليدة جهود القضاء الإداري الفرنسي الا ان مصدرها في مصر والعراق هو التشريع وليس القضاء. ففي مصرن ورد النص على حصانة اعمال السيادة لأول مرة عند تعديل لائحة ترتيب المحاكم المختلطة سنة 1900، ووضع في تعديل لائحة ترتيب المحاكم الاهلية سنة 1937. وكان النص يقرر انه ((ليس للمحاكم ان تنظر بطريقة مباشرة او غير مباشرة في اعمال السيادة))(8). ثم نقل هذا النص حرفيا الى المادة (18) من قانون نظام القضاء رقم (147) لسنة 1949. وقد داب المشرع المصري على النص على حصانة اعمال السيادة في جميع القوانين المنظمة لمجلس الدولة. وقد ورد النص على حصانة اعمال السيادة في قانون مجلس الدولة لسنة 1946 (م/6) وفي قانون مجلس الدولة لسنة 1949 (م/7) على النحو الاتي: "لا تقبل الطلبات الاتية:
1- الطلبات المقدمة عن القرارات المتعلقة بالاعمال المنظمة لعلاقة الحكومة بمجلسي البرلمان، وعن التدابير الخاصة بالامن الداخلي والخارجي للدولة، وعن العلاقات السياسية، او المسائل الخاصة بالاعمال الحربية، وعلى العموم سائر الطلبات المتعلقة بعمل من اعمال السيادة".
ويلاحظ على هذا النص انه يورد طائفة من اعمال السيادة، لا على سبيل الحصر بل على سبيل المثال. لكن المشرع المصري انتهج مسلكا اخر في القوانين التالية المنظمة لمجلس الدولة فاستبدل النص السابق بنص اخر مفاده ((لا يختص مجلس الدولة بهيئة قضاء اداري بالنظر في الطلبات المتعلقة باعمال السيادة))(9). والنص الأخير لا يقيد سلطة القاضي، ويتيح فرصة اكبر للحد من اعمال السيادة والتضييق من دائرتها. ومن جهة أخرى فقد جرى المشرع في القانونين الأول والثاني المنظمين لمجلس الدولة المصري لسنة 1946 ولسنة 1949، على استعمال اصطلاح عدم قبول الطلبات المتعلقة باعمال السيادة، بينما حرص في القوانين التالية على استعمال اصطلاح عدم اختصاص مجلس الدولة بنظر تلك الطلبات، ولا شك ان ما انتهى اليه المشرع المصري هو الصحيح لان المشكلة التي تثور بشان اعمال السيادة هي مشكلة الاختصاص او عدم الاختصاص بنظر الطعون والدعوى الموجهة ضد طائفة من القرارات والتصرفات التي تصدر من السلطة التنفيذية، وفيما اذا كانت هذه الطعون والدعاوى تدخل في ولاية القضاء ام تخرج منها في حين ان مشكلة القبول انما تثور بصدد شروط خارجة عن موضوع الدعوى وسابقة على الفصل في محل النزاع. وقد توسع مجلس الدولة المصري قبل انشاء المحكمة العليا سنة 1969 في مفهوم اعمال السيادة، فكان يضفي صفة السيادة على كل عمل يعده المشرع كذلك، حتى لو لم تكن طبيعته توحي بذلك، ولعل لتبنيه – آنذاك – لمعيار الباعث السياسي في تحديد اعمال السيادة ما يفسر ذلك.
لكن انشاء المحكمة العليا، ثم المحكمة الدستورية العليا التي حلت محلها في سنة 1979، قاد الى تبني معيار طبيعة العمل الذاتية او الموضوعية في تحديد اعمال السيادة، فكان القضاء الإداري يرفض عد العمل من اعمال السيادة لمجرد ان المشرع قد اضفى عليه هذا الوصف، وبناء عليه رفض عد قرارات رئيس الجمهورية بالحالة الموظفين الى التقاعد او الاستيداع او فصلهم بغير الطريق التاديبي، من اعمال السيادة بالرغم من نص المشرع على عدها كذلك(10).
المطلب الرابع
اعمال السيادة في التشريع العراقي
اما في العراق فقد نص – صراحة – على اعمال السيادة لأول مرة في قانون السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963 الذي نصت المادة منه على ان ((ليس للمحاكم ان تنظر في كل ما يعتبر من اعمال السيادة))، ثم تلاه قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 الذي نصت المادة (10) منه على ان ((ليس للمحاكم ان تنظر في كل ما يعتبر من اعمال السيادة))، وأخيرا، ورغم الانتقادات الشديدة التي واجهتها نظرية اعمال السيادة، فان المشرع العراقي قد تمسك بالنص عليها في قانون التعديل الثاني رقم (106) لسنة 1989 لقانون مجلس شورى الدولة رقم (65) لسنة 1979، وذلك في المادة (7/خامسا) والتي تقضي بعدم اختصاص محكمة القضاء الإداري بالنظر في الطعون المتعلقة بما يلي:
أ. اعمال السيادة تعد من اعمال السيادة المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية.
ب. القرارات الإدارية التي تتخذ تنفيذا لتوجيهات رئيس الجمهورية وفقا لصلاحياته الدستورية.
ج. القرارات التي رسم القانون طريقا للتظلم منها او الاعتراض عليها او الطعن فيها.
ويلاحظ على المشرع العراقي في النص المتقدم، انه خرج عن خطته في الاكتفاء بتقرير الحصانة لاعمال السيادة وترك تحديدا تطبيقاتها للقضاء وهو ما فعله في نصوص سابقة(12) – اذ ضمن المادة (7) من قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة انف الذكر، امثلة وتطبيقات لما يعد من اعمال السيادة كالمراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية، وهو مسلك منتقد ولا شك – كما راينا سابقا – وبسبب شدة الانتقادات الموجهة اليه فقد تخلى عنه المشرع المصري في قانوني تنظيم مجلس الدولة الأول لسنة 1946 والثاني لسنة 1949، بسبب ما يؤدي اليه من توسيع لدائرة اعمال السيادة في الوقت الذي يبذل فيه الفقه – في معظم الدول – جهودا حثيثة للقضاء على هذه النظرية او – على الأقل – في معظم الدول – جهودا حثيثة للقضاء على هذه النظرية او – على الأقل – التضييق من نطاقها والحد من اثارها الخطيرة. كما ان إضفاء صفة السيادة على (جميع) المراسيم والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية، اتجاه محل نظر، فليس جميع تلك المراسيم والقرارات هي في الحقيقة كذلك، واتجاه المشرع هذا من شانه اخراج طائفة كبيرة من الاعمال الإدارية ذات المساس الخطير بحقوق الافراد وحرياتهم لمجرد انها صادرة من رئيس الجمهورية حتى وان كانت بطبيعتها لا تتصل بالسيادة. ومما زاد الامر سوء ما قضى به التعديل الدستوري – الأخير – لدستور 1970، والذي صدر قانون التعديل الثاني لقانون مجلس شورى الدولة في ظله، بإضافة الفقرة (ج) الى المادة (57) من الدستور والتي تنص على ان ((لرئيس الجمهورية عند الاقتضاء اصدار قرارات لها قوة القانون))، اذ بإضافة هذا النص تكون جميع اعمال رئيس الجمهورية محصنة ضد الرقابة القضائية، بالرغم من كونه رئيسا للسلطة التنفيذية.
ويلاحظ – كذلك – ان هذا النص لا يقتصر على حالة الضرورة كما هو الحال بالنسبة للمادة (16) من الدستور الفرنسي لسنة 1958، او المادة (74) من الدستور المصري لسنة 1970، ذلك ان مفهوم (الاقتضاء) أوسع نطاقا من حالة الضرورة او الخطر(13). ونحن نرى عدم شرعية الحصانة التي تسبغها هذه النصوص على الأنظمة والقرارات التي يصدرها رئيس الجمهورية او التي تتخذ بناء على توجيهاته، او أي نص اخر من شانه ان يغلق باب الطعن القضائي نهائيا بوجه الافراد، فمثل هذه الحصانة تتعارض مع ما استقرت عليه الجماعة الإنسانية – المتمدينة – بخصوص الاعتراف لكل فرد بحقه في ان يجد لكل خصومة قاضيا(14)، وهو حق كفلته جميع الدساتير العراقية بما فيها دستور سنة 1970 التي صدرت تلك النصوص في ظله، ولا يملك المشرع العادي منع ممارسة هذا الحق او تقييده اذ لم يجز الدستور مثل ها المنع او التقييد، فلم يتضمن أي نص يقيد ولاية القضاء او حق الافراد في التقاضي، ولو أراد المشرع الدستوري ذلك لنص عليه صراحة ولا اعتراض على مشيئته – حينئذ – فهو وحده الذي يملك الحرية في توزيع الاختصاصات بين السلطات العامة وتنظيم العلاقات فيما بينها(15)، وقد حسم الدستور العراقي لسنة 2005 هذا الامر، حين نص صراحة على حظر النص في القوانين على تحصين أي عمل او قرار اداري من رقابة القضاء(16)، وهو مسلك صحيح يستحق التقدير(17). اما على صعيد القضاء العراقي، فقد ظهرت تطبيقات عدة لنظرية اعمال السيادة في احكامه، ومن هذه التطبيقات يتضح ان القضاء العراقي لا يسير في تحديد اعمال السيادة على وتيرة واحدة او وفق معيار واحد، فقد تارجحت احكامه بين معياري طبيعة العمل والقائمة القضائية او الجمع بينهما في ان واحد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- يعد الفقيه (موريس هوريو) من ابرز القائلين بهذا الراي.
2- د. محمود محمد حافظ، القضاء الإداري، ط5، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972، ، ص50.
3- ويرى (دوجي) ان اعمال السيادة لا تخضع لرقابة القضاء لانها تصدر من السلطة التنفيذية، لا بوصفها هيئة إدارية وانما بوصفها هيئة سياسية وهي لا تخضع للمحاكم لا لانها بطبيعتها تتنافى مع الرقابة القضائية، بل لان التنظيم القضائي في الدول المختلفة لم يصل بعد الى سحب هذه الرقابة عليها. ولذلك يفضل (دوجي) تسمية هذه الاعمال بالاعمال السياسية بدلا من اعمال السياد. انظر في تفصيل ذلك د. وحيد رافت، رقابة القضاء لاعمال الدولة، القاهرة، ص140.
4- وفي سياق تبرير نظرية اعمال السيادة استنادا الى بعض الاعتبارات العملية، يرى البعض ان هذه النظرية يبررها الحرص على توفير الشجاعة والاقدام لدى الحكام، لاتخاذ ما تستلزمه سلامة الدولة من إجراءات دن خشية الوقوع تحت طائلة الرقابة القضائية، والتعرض للمسؤولية، فشبح المسؤولية من شانه ان يقعد الحكام عن الحركة ويغريهم بالاحجام عن التصرف، حيث تتطلب الظروف ذلك. انظر في هذا الراي د. عثمان خليل، مجلس الدولة ورقابة القضاء لاعمال الإدارة، ط4، القاهرة، 1956، ص140 – 141.
5- د. محمود محمد حافظ، المصدر السابق، ص54.
6- انظر على سبيل المثال: c.e. ler mai,(laffitte), s, 1822,2,63.
c.e. 10 juin, 1852, prince dorleans, s, 1852,2,307.
7- د. محمود محمد حافظ، المصدر السابق، ص57-58.
8- المادة (11) والمادة (15) من لائحتي ترتيب المحاكم المختلطة والأهلية على التوالي.
9- المادة (11) والمادة (15) من لائحتي ترتيب المحاكم المختلطة والأهلية على التوالي.
10- انظر المادة (12) من قانون سنة 1955، والمادة (12) من قانون سنة 1959، كما تبنى النص المذكور قانون مجلس الدولة المصري رقم (47) لسنة 1972.
11- وفي ذلك تقول محكمة القضاء الإداري في مصر "ينبغي اللجوء بشان ما أصدره رئيس الجمهورية استنادا الى المادة (74) من الدستور الى المعيار السائد فقها وقضاء في التمييز بين اعمال السيادة واعمال الإدارة وهو معيار طبيعة العمل المتخذ، وبحسب هذا المعيار فان اعمال السيادة هي الاعمال التي تصدر من السلطة التنفيذية باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة، فاذا كانت صادرة منها باعتبارها حكومة كانت اعمال سيادة، اما اذا كانت صادرة منها باعتبارها (إدارة) كانت اعمالا إدارية، وان الاعمال الأخيرة لا يغير من طبيعتها (الإدارية) استناد رئيس الجمهورية في إصدارها الى المادة (74) من الدستور حتى لو كان الباعث عليها سياسيا ".حكم المحكمة القضاء الإداري بتاريخ 22/12/1986، حمدي ياسين عكاشة، القرار الإداري في قضاء مجلس الدولة، منشاة المعارف بالإسكندرية، 1987، ص195، ومن المعلوم ان المادة (74) من الدستور المصري لسنة 1971 والتي تقابل المادة (16) من الدستور الفرنسي، تمنح رئيس الجمهورية في حالات الخطر سلطة اتخاذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر ويوجه بيانا الى الشعب ويجري الاستفتاء على ما اتخذه من إجراءات خلال ستين يوما من اتخاذها.
12- انظر المادة (4) من قانون السلطة القضائية رقم (26) لسنة 1963، وكذلك المادة (10) من قانون التنظيم القضائي رقم (160) لسنة 1979 سابقتا الذكر.
13- وقد مارس رئيس الجمهورية فعلا هذه الصلاحية في غير حلالات الضرورة او الخطر. انظر على سبيل المثال قرار رئيس الجمهورية رقم بتاريخ 13/3/1993، الذي يقضي بعدم جواز ممارسة أي مهنة في سوق الصفارين – في بغداد – غير مهنة الصفارة، وذلك بهدف الحفاظ على هذه المهنة والإبقاء على الطابع التراثي لهذا السوق وحمايته من غزو المهن والأنشطة الأخرى. جريدة الجمهورية – البغدادية - ، العدد 5215، في نيسان 1993.
14- يرى (هوريو) ان خضوع الدولة بكل سلطاتها للقضاء صورة من صور الدولة القانونية، ويرى د. ثروت بدوي ان خضوع الدولة للقضاء او امكان مقاضاتها امام القضاء ورضوخها لاحكامه يكون عنصرا من عناصر الدولة القانونية بغيره يغدو مبدا خضوع الدولة للقانون وهميا او نظريا. د. ثروت بدوي، الدولة القانونية، مجلة إدارة قضايا الحكومة، السنة الثالثة، العدد الثالث، القاهرة، 1959، ص35 – 45.
15- تنص المادة (36/ب) من الدستور العراقي لسنة 1970 على ان ((حق التقاضي مكفول لجميع المواطنين)). في حين تنص المادة (37) – مثلا – من مشروع الدستور لسنة 1990 على ان ((تسري ولاية القضاء على جميع الأشخاص الطبيعية والمعنوية العامة والخاصة الا ما استثني منها بنص في القانون)).
16- المادة (100) من الدستور العراقي لسنة 2005 والتي تنص على انه ((يحظر النص في القوانين على تحصين أي عمل او قرار اداري من الطعن امام القضاء)).
17- انظر على سبيل المثال حكم محكمة التمييز في 9/5/1966. ضياء شيت خطاب، الوجيز في شرح قانون المرافعات المدنية، بغداد، 1973، ص139، وحكمها الصادر في 6/5/1966، مجلة ديوان التدوين القانوني، العدد الثاني، بغداد، 1966، ص60 وما بعدها، وحكمها الصادر في 11/11/1967، النشرة القضائية، العدد الأول، بغداد، 1970، ص185.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|