أقرأ أيضاً
التاريخ: 7-2-2017
8294
التاريخ: 27-2-2017
7703
التاريخ: 10-2-2017
8038
التاريخ: 7-2-2017
21369
|
قال تعالى : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء : 140-141].
لما تقدم ذكر المنافقين وموالاتهم الكفار ، عقب ذلك بالنهي عن مجالستهم ومخالطتهم ، فقال : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ} أي : في القرآن {أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا} أي : يكفر بها المشركون ، والمنافقون ، ويستهزئون بها (فلا تقعدوا معهم) أي : مع هؤلاء المستهزئين الكافرين {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} أي : حتى يأخذوا في حديث غير الاستهزاء بالدين .
وقيل : حتى يرجعوا إلى الإيمان ، ويتركوا الكفر والاستهزاء . والمنزل في الكتاب هو قوله سبحانه في سورة الأنعام {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} وفي هذا دلالة على تحريم مجالسة الكفار عند كفرهم بآيات الله ، واستهزائهم بها ، وعلى إباحة مجالستهم عند خوضهم في حديث غيره .
وروي عن الحسن أن إباحة القعود مع الكفار ، عند خوضهم في حديث آخر غير كفرهم ، واستهزائهم بالقرآن ، منسوخ بقوله تعالى : {فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} {إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ} يعني إنكم إذا جالستموهم على الخوض في كتاب الله ، والهزء به ، فأنتم مثلهم . وإنما حكم بأنهم مثلهم ، لأنهم لم ينكروا عليهم مع قدرتهم على الإنكار ، ولم يظهروا الكراهة لذلك ، ومتى كانوا راضين بالكفر ، كانوا كفارا لان الرضا بالكفر كفر .
وفي الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر مع القدرة ، وزوال العذر ، وأن من ترك ذلك مع القدرة عليه ، فهو مخطئ آثم . وفيها أيضا دلالة على تحريم مجالسة الفساق والمبتدعين ، من أي جنس كانوا ، وبه قال جماعة من أهل التفسير ، وذهب إليه عبد الله بن مسعود ، وإبراهيم ، وأبو وآيل . قال إبراهيم : " ومن ذلك إذا تكلم الرجل في مجلس يكذب ، فيضحك منه جلساؤه ، فيسخط الله عليهم " وبه قال عمر بن عبد العزيز . وروي أنه ضرب رجلا صائما كان قاعدا مع قوم يشربون الخمر . وروى العياشي بإسناده ، عن علي بن موسى الرضا عليهما السلام في تفسير هذه الآية ، قال : " إذا سمعت الرجل يجحد الحق ، ويكذب به ، ويقع في أهله ، فقم من عنده ، ولا تقاعده " وروي عن ابن عباس أنه قال : " أمر الله تعالى في هذه الآية بالاتفاق ، ونهى عن الاختلاف والفرقة ، والمراء والخصومة " وبه قال الطبري ، والبلخي ، والجبائي ، وجماعة من المفسرين . وقال الجبائي : " وأما الكون بالقرب منهم بحيث يسمع صوتهم ، ولا يقدر على إنكارهم ، فليس بمحظور ، وإنما المحظور مجالستهم من غير إظهار كراهية ، لما يسمعه ، أو يراه .
قال : وفي الآية دلالة على بطلان قول نفاة الإعراض ، وقولهم ليس ها هنا شيء غير الأجسام ، لأنه قال : {حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} فأثبت غيرا لما كانوا فيه ، وذلك هو العرض {إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا} أي : إن الله يجمع الفريقين من أهل الكفر والنفاق في القيامة ، في النار ، والعقوبة فيها ، كما اتفقوا في الدنيا على عداوة المؤمنين ، والمظاهرة عليهم .
{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} [النساء :141] .
قد وصف الله سبحانه المنافقين والكافرين فقال {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ} أي : ينتظرون لكم أيها المؤمنون ، لأنهم كانوا يقولون سيهلك محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، فنستريح منهم ، ويظهر قومنا وديننا {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ} أي : فإن اتفق لكم فتح وظفر على الأعداء {قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} نجاهد عدوكم ونغزوهم معكم ، فأعطونا نصيبنا من الغنيمة ، فقد شهدنا القتال {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ} أي : حظ بإصابتهم من المؤمنين {قَالُوا} يعني المنافقين أي : قال المنافقون للكافرين {أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ} أي : ألم نغلب عليكم ، عن السدي . ومعناه : ألم نغلبكم على رأيكم بالموالاة لكم {وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ} الدخول في جملة {الْمُؤْمِنِينَ} .
وقيل معناه : ألم نبين لكم أنا على ما أنتم عليه أي : ألم نضمكم إلى أنفسنا ، ونطلعكم على أسرار محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، ونكتب إليكم بأخبارهم حتى غلبتم عليهم ، فاعرفوا لنا هذا الحق عليكم ، عن الحسن ، وابن جريج .
{وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} أي : ندفع عنكم صولة المؤمنين بتحديثنا (2) إياهم عنكم ، وكوننا عيونا لكم ، حتى انصرفوا عنكم ، وغلبتموهم {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} : هذا إخبار منه سبحانه عن نفسه ، بأنه الذي يحكم بين الخلائق يوم القيامة ، ويفصل بينهم بالحق {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا} قيل فيه أقوال أحدها : إن المراد : لن يجعل الله لليهود على المؤمنين نصرا ، ولا ظهورا ، عن ابن عباس . وقيل : لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا بالحجة ، وإن جاز أن يغلبوهم بالقوة ، لكن المؤمنين منصورون بالدلالة والحجة ، عن السدي ، والزجاج ، والبلخي قال الجبائي : " ولو حملناه على الغلبة لكان ذلك صحيحا ، لأن غلبة الكفار للمؤمنين ليس مما فعله الله ، فإنه لا يفعل القبيح ، وليس كذلك غلبة المؤمنين للكفار ، فإنه يجوز أن ينسب إليه سبحانه " . وقيل : لن يجعل لهم في الآخرة عليهم سبيلا ، لأنه مذكور عقيب قوله {فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} بين الله سبحانه أنه إن يثبت لهم سبيل على المؤمنين في الدنيا بالقتل ، والقهر ، والنهب ، والأسر ، وغير ذلك من وجوه الغلبة ، فلن يجعل لهم ، يوم القيامة ، عليهم سبيلا بحال .
____________________________
1 . تفسير مجمع البيان ، ج3 ، ص 217- 220 .
2 . وفي المخطوطتين " بتخذيلنا " بدل " بتحديثنا " .
{قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ} - أي من قبل - {أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها ويُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ} . هذه الآية المدنية تذّكر المسلمين بآية نزلت في مكة قبل الهجرة إلى المدينة ، وهي قوله تعالى : {وإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام - 68 ] . أما سبب هذا التذكير فهو ان بعض المسلمين - كما جاء في التفاسير - كانوا يجلسون في مجالس المشركين بمكة ، وهم يخوضون في ذم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، ويستهزئون بالقرآن ، والمسلمون ضعاف ، لا يستطيعون الإنكار عليهم . . فنزلت آية الأنعام تحذر المسلمين من المشركين ، وتأمرهم أن يعرضوا عنهم وعن مجالسهم حين يسمعون الكفر والاستهزاء بآيات اللَّه .
وتمضي الأيام ، ويهاجر المسلمون إلى المدينة ، وفيها يهود ومنافقون أظهروا الإسلام ، وأضمروا الكفر ، وأعاد بعض المسلمين السيرة الأولى ، وجالسوا اليهود والمنافقين بالمدينة ، وهم يخوضون في ذم الإسلام ونبيه ، فنزلت هذه الآية المدنية التي نفسرها ، لتذكر المسلمين بآية الأنعام السابقة ، وتأمرهم بمقاطعة الكافرين والمنافقين المستهزئين بآيات اللَّه .
وأيا كان سبب نزول الآية ، أو المخاطب بها فإنها عامة الدلالة على وجوب الأعراض عن كل من يخوض بالباطل ، ولا يختص هذا الوجوب بمن كان يجالس الكافرين في مكة ، والمنافقين في المدينة ، ولا بمن خوطب بهذه الآية بناء على أنها موجهة لخاص ، لا لعام . وفي الحديث : الوحدة خير من قرين السوء . وفي ثان : إياكم ومجالسة الموتى ، فقيل : ومن هم الموتى يا رسول اللَّه ؟ . قال : كل ضال عن الإيمان ، جائر في الأحكام . وفي نهج البلاغة :
مجالسة أهل الهوى منساة للإيمان ، ومحضرة للشيطان .
{إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} . الراضي بالكفر كافر ، وبالإثم آثم ، مهما كان نوعه باتفاق الفقهاء والعلماء ، وقد تواتر الحديث : العامل بالظلم ، والمعين له ، والراضي به شركاء . . وبالأولى من رضي بالكفر . وفي نهج البلاغة : الراضي بفعل قوم كالداخل فيه ، وعلى كل داخل إثمان ، إثم العمل به ، وإثم الرضا به .
{إِنَّ اللَّهً جامِعُ الْمُنافِقِينَ والْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً} . ولنا ان نؤلف من قوله هذا ، وقوله : {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} ان نؤلف قياسا منطقيا ، يتألف من مقدمتين ينتجان قضية حتمية بديهية ، ونقول هكذا : كل من رضي بالكفر فهو كافر ، لقوله تعالى : {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ} ، وكل كافر فهو في جهنم ، لقوله : {إِنَّ اللَّهً جامِعُ الْمُنافِقِينَ والْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ} إذن ، كل من رضي بالكفر فهو كافر .
{الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ ونَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . ترسم هذه الآية صورة لحال المنافقين إذا وقعت الحرب بين المسلمين والمشركين ، وتتلخص هذه الصورة بأن المنافقين كانوا يخرجون مع المسلمين في حروبهم للدس والتثبيط وتفتيت الصفوف ، وفي الوقت نفسه يتظاهرون بأنهم خرجوا لنصرة المسلمين ، وينتظرون : فان كان الظفر للمسلمين قالوا لهم : كنا معكم ، فنحن وأنتم شركاء في الغنيمة ، وان كان للمشركين قالوا لهم : نحن الطابور الخامس ، فأين الأجر ؟ .
وهكذا يمسكون العصا من وسطها .
وأبلغ ما قرأت في وصف المنافقين ما قاله علي أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : « قد أعدوا لكل حق باطلا ، ولكل قائم مائلا ، ولكل باب مفتاحا ، ولكل ليل مصباحا » . وهؤلاء موجودون في كل عصر ، وتضاعف عددهم في البلاد العربية يوما بعد يوم منذ ان ظهر فيها الذهب الأسود ، واتخذوا الوطنية شعارا لهم ، تماما كما تظاهر المنافقون بالإسلام في عهد الرسول ( صلى الله عليه وآله ) . . فان تغلب الأحرار المناضلون على المحتكرين والمستغلين قال لهم منافقو العصر : ألم نكن معكم ؟
وان نجا المستغلون بفريستهم قالوا لهم : ألم نمنع عنكم الأحرار ؟ .
وتسأل : لما ذا عبّر سبحانه عن ظفر المسلمين بالفتح من اللَّه ، حيث قال : { فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ } وعبر عن ظفر الكافرين بالنصيب حيث قال : { وإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ } ؟ .
الجواب : ان ظفر المسلمين هو ظفر للحق الذي يدوم ويبقى ما دام أهله متبعين لسنة اللَّه وأمره من أعداد العدة ، فناسب التعبير عنه بفتح من اللَّه ، أما ظفر الباطل فإنه مؤقت لا يلبث حتى يزول أمام أهل الحق إذا اجتمعت كلمتهم على جهاده ونضاله . . وقديما قيل : دولة الباطل ساعة ، ودولة الحق إلى قيام الساعة .
{ ولَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } . استدل الفقهاء بهذه الآية على ان اللَّه سبحانه لم يشرع حكما يستدعي أية سلطة ، وولاية لغير المسلم على المسلم ، وفرعوا على ذلك كثيرا من الأحكام ، منها إذا كان أبو الطفل مسلما ، وأمه غير مسلمة فلا حق لها في حضانة الطفل ، لأن الولد يتبع أشرف الأبوين دينا ، ويكون حكمه حكم المسلم ، ومنها ان المسلم لا يجوز له أن يوصي بأولاده الصغار إلى غير المسلم ، وان فعل بطلت الوصية . ومنها ان الأب إنما تكون له الولاية على أولاده إذا اتحد معهم في الدين ، أما إذا كانوا مسلمين ، والأب غير مسلم فلا ولاية له عليهم . ومنها ان حكم الحاكم غير المسلم لا ينفذ بحق المسلم ، وان كان حقا . . إلى غير ذلك من الأحكام .
__________________________
1. تفسير الكاشف ، ج2 ، ص 464-467 .
قوله تعالى : { وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ ـ إلى قوله ـ مِثْلُهُمْ } يريد ما نزله في سورة الأنعام : { وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ } ( الأنعام : 68) فإن سورة الأنعام مكية ، وسورة النساء مدنية .
ويستفاد من إشارة الآية إلى آية الأنعام أن بعض الخطابات القرآنية وجه إلى النبي صلى الله عليه وآله خاصة ، والمراد بها ما يعم الأمة .
وقوله { إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ } تعليل للنهي أي بما نهيناكم لأنكم إذا قعدتم معهم ـ والحال هذه ـ تكونون مثلهم ، وقوله { إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ }.
قوله تعالى : { الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ } ، التربص : الانتظار. والاستحواذ : الغلبة والتسلط ، وهذا وصف آخر لهؤلاء المنافقين فإنهم إنما حفظوا رابطة الاتصال بالفريقين جميعا : المؤمنين والكافرين ، يستدرون الطائفتين ويستفيدون ممن حسن حاله منهما ، فإن كان للمؤمنين فتح قالوا : إنا كنا معكم فليكن لنا سهم مما أوتيتموه من غنيمة ونحوها ، وإن كان للكافرين نصيب قالوا : ألم نغلبكم ونمنعكم من المؤمنين ؟ أي من الإيمان بما آمنوا به والاتصال بهم فلنا سهم مما أوتيتموه من النصيب أو منة عليكم حيث جررنا إليكم النصيب .
قيل : عبر عما للمؤمنين بالفتح لأنه هو الموعود لهم ، وللكافرين بالنصيب تحقيرا له فإنه لا يعبأ به بعد ما وعد الله المؤمنين أن لهم الفتح وأن الله وليهم ، ولعله لذلك نسب الفتح إلى الله دون النصيب .
قوله تعالى : { فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً } الخطاب للمؤمنين وإن كان ساريا إلى المنافقين والكافرين جميعا ، وأما قوله { وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ } ، فمعناه أن الحكم يومئذ للمؤمنين على الكافرين ، ولن ينعكس الأمر أبدا ، وفيه إياس للمنافقين ، أي لييئس هؤلاء المنافقون فالغلبة للمؤمنين على الكافرين بالآخرة .
ويمكن أن يكون نفي السبيل أعم من النشأتين : الدنيا والآخرة ، فإن المؤمنين غالبون بإذن الله دائما ما داموا ملتزمين بلوازم إيمانهم ، قال تعالى : { وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ } : (آل عمران : 139) .
__________________________
1. تفسير الميزان ، ج5 ، ص 100-101 .
النّهي عن المشاركة في مجالس يعصى الله فيها :
لقد ورد في الآية (٦٨) من سورة الأنعام أمر صريح إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم في أن يعرض عن أناس يستهزئون بآيات القرآن ويتكلمون بما لا يليق ، وطبيعي أنّ هذا الحكم لا ينحصر بالنّبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وحده بل يعتبر حكما وأمرا عاما يجب على جميع المسلمين اتّباعه ، وقد جاء هذا الحكم على شكل خطاب موجه إلى النّبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وفلسفته جلية واضحة ، لأنّه يكون بمثابة كفاح سلبي ضد مثل تلك الأعمال .
والآية هذه تكرر الحكم المذكور مرّة أخرى ، وتحذر المسلمين مذكرة إياهم بحكم سابق في القرآن نهى فيه المسلمون عن المشاركة في مجالس يستهزأ فيها ويكفر بالقرآن الكريم ، حتى يكفّ أهل هذه المجالس عن الاستهزاء ويدخلوا في حديث آخر ، تقول الآية : {وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ}.
بعد ذلك تبيّن الآية لنا نتيجة هذا العمل ، وتؤكد أن من يشارك في مجالس الاستهزاء بالقرآن فهو مثل بقية المشاركين وسيكون مصيره نفس مصير أولئك المستهزئين ، تقول الآية :{إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ}.
ثمّ تكرر الآية التأكيد على أنّ المشاركة في المجالس المذكورة تدل على الروحية النفاقية التي يحملها المشاركون ، وإن الله يجمع المنافقين والكافرين في جهنم حيث العذاب الأليم ، تقول الآية : {إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً}.
صفات المنافقين :
تبيّن هذه الآية ـ وآيات أخرى تالية ـ قسما آخر من صفات المنافقين وأفكارهم المضطربة ، فتؤكد أنّ المنافقين يسعون دائما لاستغلال أي حدث لصالحهم ، فلو انتصر المسلمون حاول المنافقون أن يحشروا أنفسهم بين صفوف المؤمنين ، زاعمين بأنّهم شاركوا المؤمنين في تحقيق النصر وأدعوا بأنّهم قدموا دعما مؤثرا للمؤمنين في هذا المجال ، مطالبين بعد ذلك بمشاركة المؤمنين في الثمار المعنوية والمادية للنصر حيث تقول الآية في حقهم : {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ...}.
وهؤلاء المنافقون ينقلبون على أعقابهم حين يكون النصر الظاهري من نصيب أعداء الإسلام فيتقربون إلى هؤلاء الأعداء ، ويعلنون لهم الرضى والموافقة بقولهم أنّهم هم الذين شجعوهم على قتال المسلمين وعدم الاستسلام لهم ، ويدعون بأنّهم شركاء في النصر الذي حققه أعداء الإسلام تقول الآية : {وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.}. (2)
وعلى هذا المنوال تحاول هذه الفئة المنافقة أن تستغل الفرصة لدى انتصار المسلمين ليكون لهم نصيب من هذا النصر وسهم من الغنائم ، ولإظهار المنّة على المسلمين ، وفي حالة انكسار المسلمين تظهر هذه الفئة الرضى والفرح لدى الكفار ، وتدفعهم إلى الإصرار على كفرهم وتتجسس لصالحهم ، وتهيئ لهم أسباب الفوز المادي ، فهم تارة رفاق الطريق مع الكفار ، وتارة شركاؤهم في الجريمة ، وهكذا يمضون حياتهم بالتلون والنفاق واللعب على الحبال المختلفة.
ولكن القرآن الكريم يوضح بعبارة واحدة مصير هؤلاء ونهايتهم السوداء ، ويبيّن أنّهم ـ لا محالة ـ سيلاقون ذلك اليوم الذي تكشف فيه الحجب عن جرائمهم ويرفع النقاب عن وجوههم الكريهة ، وعند ذلك ـ أي في ذلك اليوم ، وهو يوم القيامة ـ سيحكم الله بينهم وهو أحكم الحاكمين ، فتقول الآية في هذا المجال : {فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ}.
ولكي يطمئن القرآن المؤمنين الحقيقيين من خطر هؤلاء ، تؤكد هذه الآية ـ في آخرها ـ بأنّ الله لن يجعل للكافرين مجالا للانتصار أو التسلط على المسلمين ، وذلك حيث تقول الآية : {وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}.
وهنا يرد هذا السؤال ، وهو : هل أنّ العبارة الأخيرة تفيد عدم انتصار الكفار على المؤمنين من حيث المنطق ، أو أنّها تشمل عدم انتصار الكفار من الناحية العسكرية أيضا ؟
ولما كانت كلمة «سبيل» نكرة جاءت في سياق النفي وتؤدي معنى عاما ، لذلك يفهم من الآية أن الكافرين بالإضافة إلى عدم انتصارهم من حيث المنطق على المؤمنين، فهم لن ينتصروا ولن يتسلطوا على المؤمنين في أي من النواحي العسكرية والسياسية والثقافية والاقتصادية ، بل ولا في أي مجال آخر.
وما نشاهده من انتصار للكافرين على المسلمين في الميادين المختلفة ، إنّما هو بسبب أنّ المسلمين المغلوبين لم يكونوا ليمثلوا ـ في الحقيقة ـ المسلمين ، المؤمنين الحقيقيين ، بل هم مسلمون نسوا آدابهم وتقاليدهم الإيمانية ، وتخلوا عن مسئولياتهم وتكاليفهم وواجباتهم الدينية بصورة تامّة ، فلا كلام عن الاتحاد والتضامن والأخوة الإسلامية بينهم ، ولا هم يقومون بواجب الجهاد بمعناه الحقيقي ، كما لم يبادروا إلى اكتساب العلم الذي أوجبه الإسلام وجعله فريضة على كل مسلم ومسلمة ودعا إلى تحصيله وطلبه من يوم الولادة حتى ساعة الوفاة ، حيث قال النّبي صلى الله عليه وآله وسلم : «أطلب العلم من المهد إلى اللّحد».
ولما أصبحوا هكذا فقد استحقوا أن يكونوا مغلوبين للكفار.
وقد استدل جمع من الفقهاء بهذه الآية على أنّ الكفار لا يمكن أن يتسلطوا على المسلمين المؤمنين من الناحية الحقوقية والحكمية ، ونظرا للعمومية الملحوظة في الآية ، لا يستبعد أن تشمل الآية هذا الأمر أيضا.
وممّا يلفت النظر في هذه الآية هو التعبير عن انتصار المؤمنين بكلمة «الفتح» بينما عبّرت الآية عن انتصار الكفار بكلمة «النصيب» وهو إشارة إلى أن انتصار الكفار إنّما هو نصيب محدود وزائل ، وأنّ الفتح والنصر النهائي هو للمؤمنين.
__________________________
1. تفسير الأمثل ، ج3 ، ص 340-344 .
2. إن عبارة «استحوذ» مشتقة من «حوذ» وهي تعني هنا دفع أو ساق إلى القيام بأمر معين.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|