أقرأ أيضاً
التاريخ: 2023-08-05
878
التاريخ: 2023-06-20
976
التاريخ: 2023-08-05
980
التاريخ: 2023-10-18
929
|
صحيفة المقاطعة، وشعب أبي طالب:
لما رأت قريش عز النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بمن معه، وانتشار الإسلام بين القبائل العربية، وعز أصحابه الذين هاجروا إلى الحبشة، بالإضافة إلى إعلان حمزة بن عبد المطلب الإسلام، ووقوف علي بن أبي طالب بفتوته مدافعا عن ابن عمه وعن دعوته الإسلامية، ومناصرة بني هاشم وبني عبد المطلب، وتيقن المشركون أن لا قدرة لهم على قتل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وإن أبا طالب لا يسلم محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) إليهم ولا يخذله، فأخذهم الفرق من اتساع الدعوة وانتشارها، وأحسوا بالخطر المحدق بهم على زعامتهم ومصالحهم وأن جميع جهودهم وظلمهم ومقاومتهم للإسلام ولرسوله باءت بالفشل، لذا حاولت قريش أن تقوم بتجربة جديدة غير أسلوب الإرهاب والتعذيب، والضغط، فلجأت إلى الحصار الاقتصادي والاجتماعي، ضد أبي طالب والهاشميين، وهذا الحصار لا يخلو من ثلاث حالات: إما أن يرضخوا لمطالبها في تسليم محمد لها لتقتله. وإما أن يتراجع عن دعوته. وإما أن يموتوا جوعا وذلا، وهذا الأجراء يرفع المسؤولية عن الفرد المحدد، فتكون مسؤولية جماعية عامة، فقروا هذا الرأي بعد اجتماع مشيخة قريش في دار الندوة. اجتمعوا في دار الندوة، وتداولوا الآراء مع شياطينهم وقلبوا الأمور ظهرا لبطن، فاتخذوا قرارا بالإجماع أن يكتبوا صحيفة مقاطعة بني هاشم ويودعوها في الكعبة بشروط قاسية وملزمة لكل قريش ومن تابعهم، وهي أن لا يبايعوا بني هاشم ولا يشاروهم، ولا يحدثوهم، ولا يجتمعوا معهم، ولا يناكحوهم ولا يقضوا لهم حاجة ولا يعاملوهم حتى يدفع بنو هاشم إليهم محمدا فيقتلوه، أو يخلوا بينهم وبينه أو ينتهي من تسفيه أحلامهم. ووقع على هذه الصحيفة أربعون رجلا من وجوه قريش، وختموها بأختامهم، وعلقت هذه الوثيقة في الكعبة، وكان ذلك في سنة سبع من البعثة على أشهر الروايات. ولما علم أبو طالب بصحيفة المقاطعة، قام إليهم يحذرهم الحرب، وقطيعة الرحم، ويناههم عن اتباع السفهاء، ويعلمهم استمراره على مؤازرة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بكل ما يستطيع من قوة ويذكرهم على فضله وشرفه، ويضرب لهم المثل بناقة صالح، وينصحهم بإلغاء أمر الصحيفة. ودخل بنو هاشم الشعب - شعب أبي طالب - ومعهم بنو المطلب بن عبد مناف باستثناء عبد العزى (أبي لهب) - لعنه الله وأخزاه - واستمروا فيه إلى السنة العاشرة، وكانوا ينفقون من أموال السيدة خديجة بنت خويلد، وأموال أبي طالب (عليه السلام) حتى نفدت، ولقد اضطروا بعدها إلى أن يقتاتوا بورق الشجر، وكان صبيتهم يتضوعون جوعا، وضل المسلمون في شعب أبي طالب يقاسون الجوع والحرمان لا يخرجون منه إلا في أيام الموسم، موسم العمرة في رجب، وموسم الحج في ذي الحجة، فكانوا يشترون حينئذ ويبيعون ضمن ظروف صعبة جدا. وكان أبو طالب كثيرا ما يخاف على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) البيات في مكان معين، فإذا أخذ الناس مضاجعهم، واضطجع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على فراشه، ورآه جميع من في الشعب، ونام الناس جاء وأقامه، واضجع ابنه عليا مكانه، وقاية له، ويقول له:
اصبرن يا بني فالصبر أحجى *** كل حي مصيره لشعوب
قــــد بذلناك والبــــلاء شديد *** لفداء الحبيب وابن الحبيب
إلى آخر الأبيات..
واستمرت هذه المحنة ثلاث سنين، من السنة السابعة إلى العاشرة من البعثة، عند ذلك تلاوم رجال من بني عبد مناف ومن قصي وسواهم من قريش قد ولدتهم نساء من بني هاشم على هذا العمل المنكر (حصار بني هاشم). وأول من سعى إلى نقض الصحيفة والاتفاق، وفك الحصار عن الهاشميين، هشام بن عمرو، وزهير بن أبي أمية المخزومي، والمطعم بن عدي، وزمعة بن المطلب ابن أسد، والبختري بن هشام، واتفقوا أن يفدوا إلى أنديتهم، ويعلنوا رفض المقاطعة، وإنهاء الحصار.
وجاء في سيرة ابن هشام: إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمه أبي طالب: يا عم إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم يدع اسما إلا (هو الله)، فقال: ربك أخبرك بهذا، قال: نعم. خرج أبو طالب إلى أندية قريش قبل أن يثير النفر الخمسة اعتراضهم على الحصار والمقاطعة، وقال: يا معشر قريش إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم إلى صحيفتكم، فإن كان كما قال ابن أخي فانتهوا عن قطيعتنا وانزلوا عما فيها، وإن يكن كاذبا دفعت إليكم ابن أخي، فقال القوم بأجمعهم: قد أنصفت ورضينا، وتعاقدوا على ذلك. وقام المطعم إلى الصحيفة وجاء بها وفتحت على مرأى من الجميع فإذا بها كما أخبرهم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على لسان عمه أبي طالب، قد أكلت الأرضة جميع حروفها إلا (بسمك اللهم) ومزقت الصحيفة، بعد موقف هؤلاء النفر الذين أبت نفوسهم الكريمة هذه القطيعة التي كادت أن تقضي على الهاشميين. وفي تلك السنة، وقبل الهجرة بثلاث سنين، مرض أبو طالب ثم توفي رضوان الله عليه، وكان ذلك في شهر رمضان، السنة العاشرة من البعثة النبوية، وكان له من العمر ست وثمانون سنة، وقيل تسعون سنة، ودفن بالحجون إلى جنب قبري جده وأبيه. (1) لما حضرت أبا طالب الوفاة، دعا أولاده وإخوته وأحلافه وعشيرته وأكد عليهم في وصيته نصرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ومؤازرته، وبذل النفوس دون مهجته، وعرفهم ما لهم في ذلك من الشرف العاجل والثواب الآجل، وأنشأ يقول:
أوصي بنصر نبي الخير أربعة *** ابني عليـــا وشيـــخ القـوم عباسا
وحمـــزة الأسد الحامي حقيقته *** وجعفــرا أن تذودوا دونـــه الناسا
كونوا فداء لكم أمي وما ولدت *** في نصر أحمد دون الناس أتراسا
ثم رثى الإمام علي (عليه السلام) أباه أبا طالب بهذه الأبيات:
أبا طالب عصمة المستجير*** وغيث المحـول ونور الظلم
لقد هد فقــدك أهل الحفاظ *** فصلــى عليـــــك ولي النعم
ولقـــاك ربك رضــــوانه *** فقد كنت للمصطفى خير عم
وبعد أيام مرضت السيدة خديجة بنت خويلد، فدخل عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي تجود بنفسها، فقال:
بالكره مني ما أرى ولعل الله أن يجعل في الكره خيرا كثيرا.
وبعد شهر وخمسة أيام من وفاة عمه أبي طالب، توفيت السيدة خديجة، وذلك في منتصف شهر شوال من تلك السنة، ولها من العمر خمس وستون سنة. عزت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه الفاجعة، وشقت عليه، فقد اجتمعت عليه مصيبتان دفعة واحدة، فقد عمه وحاميه أبي طالب وفقد زوجته وحبيبته خديجة بنت خويلد، فقال: والله لا أدري بأيهما أشد جزعا. فلزم بيته، وقل خروجه، وطمعت فيه قريش، إذ فقد حاميه، ونالت منه ما لم تكن تنال ولا تطمع به من قبل.
_______
(1) أقول: وقد زرت مراقدهم عدة مرات ووقفت على قبورهم زائرا ومسلما.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
المجمع العلمي ينظّم ندوة حوارية حول مفهوم العولمة الرقمية في بابل
|
|
|