عصر الدولة الوسطى المصرية من الاسرة الحادية عشرة إلى الثالثة عشرة "2134-1786 ق. م". |
1791
06:27 مساءً
التاريخ: 11-1-2017
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 2024-02-17
980
التاريخ: 2024-06-02
748
التاريخ: 2024-08-23
331
التاريخ: 2024-09-09
342
|
منتوحتب الأول:
اختلف المؤرخون كثيرًا في شأن هذا الملك؛ ولكن لا شك في أنه كان صاحب النصر النهائي على بيت إهناسيا وتوحيد البلاد وبدء عهد الدولة الوسطى.
فمن المرجح أن بيت إهناسيا أراد الاستيلاء على إقليم أبيدوس وإعادة تبعيته لمملكتهم، وكان ذلك في عهد مليكهم "خيتي الرابع"؛ ولكن الموقعة التي نشبت بين هذا الأخير وبين "منتوحتب الأول" بالقرب من أبيدوس لم تكن في صالح إهناسيا؛ إذ قتل "هرونفر" أحد أبناء "خيتي الرابع" وانتصر منتوحتب، وربما كان في انتصاره هذا إغراء كافٍ للتقدم شمالًا ومواصلة الكفاح حتى تمكن في النهاية من القضاء على بيت إهناسيا وتوحيد البلاد تحت سلطانه, ولا بد أنه قد بذل مجهودًا ضخمًا لإخضاع سائر أنحاء مصر، كما يرجح أنه حارب في الدلتا وفي الصحارى المتاخمة لمصر شرقًا وغربًا ضد البدو المقيمين فيها, وأرسل بعض البعثات أو الحملات إلى النوبة وبعثات أخرى إلى وادي حمامات لاستغلال المحاجر أو للقيام منه إلى بونت.
وبعد أن استقرت الأمور واستتب الأمن في البلاد تفرغ "منتوحتب الأول" للأعمال العمرانية؛ فبنى معبده الجنزي ومقبرته التي نحتها من تحته في الصخر بمنطقة الدير البحري في البر الغربي للأقصر وهذه المجموعة الجنزية تعد فريدة في تصميمها، وقد اقتبست عنها حتشبسوت "في الأسرة الثامنة عشرة" فيما بعد؛ حيث شيدت معبدها المعروف باسم "معبد الدير البحري" بجوار هذه المجموعة وهو يشبه في كثير من الوجوه معبد منتوحتب الجنزي, كذلك أصلح هذا الملك بعض الهياكل القديمة، وأقام أخرى جديدة في جهات مختلفة من القطر.
ويستدل من الآثار التي اكتشفت من هذا العصر وخاصة مقابر الأشراف وكبار الموظفين وزوجات الملك ومحظياته أن مصر قد تمتعت في عهده بالأمن والرخاء والرفاهية, وارتقت فيها الفنون والآداب, ومن أهم ما اكتشف من هذا العهد رسائل كان قد كتبها أحد الأفراد ويدعى "حقانخت" لولده الأكبر واسمه "مرسو" يفهم منها أن الأب كان كاهنًا لمقبرة الوزير "إيبي" وكان من طبيعة عمله أن يدير الأوقاف التي أوقفها الوزير للإنفاق على مقبرته, ومن بينها ضيعتان بالقرب من منف؛ ولذا كان يضطر للسفر إلى هاتين الضيعتين تاركًا لولده مهمة الإشراف على بيته وأملاكه, وكان يرسل إليه تعليماته عن كل ما يتعلق بهذه الشؤون(1)، وقد ألقت رسائله هذه كثيرًا من الضوء على الحياة الاجتماعية والاقتصادية في هذا العهد.
ومن المرجح أن ولي عهد منتوحتب الأول الذي كان يدعى "أنتف" قد توفي في حياة والده؛ فتولى من بعده ولده الثاني "منتوحتب الثاني".
منتوحتب الثاني:
اتبع سياسة والده في التعمير؛ فنشطت حركة البناء في الدلتا والصعيد وتقدمت الفنون في عهده، وقد أرسل بعثة إلى وادي حمامات برئاسة مدير البيت الملكي "رئيس الديوان" وكان تعدادها ثلاثة آلاف شخص؛ فلما وصلوا إلى شاطئ البحر الأحمر صنعوا سفنًا ذهبوا بها إلى بونت، وعند عودتهم أحضروا معهم بعض الأحجار الممتازة في صناعة التماثيل اللازمة للمعابد(2).
ويبدو أنه لم يعمر طويلًا؛ إذ إنه حينما أراد أن يبني مقبرته ومعبده على غرار ما شيده سلفه لنفسه لم يتمكن إلا من إعداد الأرض للبناء وتمهيد الطريق إليها، والظاهر أن المنية وافته حينما بدأ حفر القبر وبعد أن وضعت بعض الودائع في الأساس، وعلى ذلك دفن في مقبرة بسيطة أعدت على عجل.
وقد عثر على مقابر بعض العظماء من عهده, وهي تلقي -بما حوت- كثيرًا من الضوء على نواحي الحياة المختلفة في هذا العصر, ومن أهمها مقبرة "مكتي رع" التي حوت نماذج لسفن ومنازل ومصانع وفرق من الجيش وغير ذلك.
منتوحتب الثالث:
يبدو أن فترة من عدم الاستقرار حدثت بعد منتوحتب الثاني؛ حيث تمكن بعض الحكام من اغتصاب العرش لمدة سبع سنوات تقريبًا، ثم تولى بعد ذلك منتوحتب الثالث الذي يحتمل أنه كان هو الآخر مغتصبًا للعرش، ولم يعش هذا الأخير طويلًا بعد اعتلائه العرش؛ بل يحتمل أن حكمه لم يزد كثيرًا على عامين، ومع ذلك فقد أرسل خلاله بعثتين, إحداهما إلى وادي حمامات بقيادة وزيره "أمنمحات" "وهو الذي تولى العرش من بعده, وعرف في التاريخ باسم "أمنمحات الأول" مؤسس الأسرة الثانية عشرة"، وكان تعداد رجال هذه البعثة يفوق ثلاثة أمثال عدد أفراد البعثة التي أرسلت إلى تلك الجهة في عهد منتوحتب الثاني, وقد عادت هذه البعثة بعد أن أحضرت الأحجار اللازمة في تشييد بعض المعابد ولصنع تابوت الملك، أما البعثة الثانية فقد أرسلها
منتوحتب الثالث إلى وادي "الهودي" "جنوب شرقي أسوان" لجلب كتل من الأماتيست "وهو حجر نصف كريم"(3).
الأسرة الثانية عشرة:
أشرنا إلى عدم الاستقرار الذي حدث قبل اعتلاء "منتوحتب الثالث" على العرش؛ ولكن يظهر أن هذا الأخير تمكن من إعادة الأمن والهدوء إلى البلاد خلال حكمه القصير؛ فلما انتهت الأسرة الحادية عشرة بموت هذا الملك لم تتأثر وحدة البلاد التي وضع أسسها "منتوحتب الأول" وعلى ذلك أتيحت الفرصة لمصر كي تقوم بنهضة شاملة جنت ثمارها في عهد الأسرة الثانية عشرة، وربما كانت تلك القلاقل التي ظهرت في أواخر عهد الأسرة السابقة من الأسباب التي أدت إلى ظهور طائفة من الرجال الأقوياء الذين تفانوا في العمل على استتباب الأمن وتهيئة الظروف المواتية للرقي والنهوض, وكان على رأس هؤلاء "أمنمحات الأول" مؤسس الأسرة الثانية عشرة الذي كان وزيرًا في عهد الأسرة السابقة.
أمنمحات الأول:
سبق أن أشرنا إلى نبوءة "نفرتي" ، وهي لا شك تدل على سوء الحالة في أواخر عهد الأسرة الحادية عشرة، وربما بلغت الحالة من السوء حدًّا جعل بعض العناصر الآسيوية تهدد شرق الدلتا، وكان تنظيم الأمور الداخلية في البلاد هو أول ما وجه أمنمحات عنايته إليه؛ فقام بتحديد الحدود بين الأقاليم المختلفة وأبقى كل أمير موالٍ له في منصبه، أما من حاول الوقوف في سبيله من أمراء؛ فكان ينحيه عن منصبه ويولي بدلًا منه أميرًا آخر ممن يثق بهم، ويبدو أن أمراء الأقاليم قد ارتضوا الوضع الجديد وقبلوا ما فرضه عليهم أمنمحات الأول من شروط؛ فأتيحت الفرصة للحكومة المركزية لأن تشرف على الشئون الداخلية في الأقاليم المختلفة.
وما إن استقر الأمر لأمنمحات الأول حتى قام بتحصين شرق الدلتا وغربها بعد أن حارب جماعات البدو التي كانت تغير عليها، ونقل العاصمة من طيبة إلى عاصمة أخرى في مركز متوسط وأطلق عليها اسم "إيثت تاوي" "أو القابضة على الأرضين أي: المهيمنة عليها" وهي قرب اللشت الحالية في شمال الفيوم، ومع ذلك فقد ظل يهتم بطيبة وأقام بها المعابد تمجيدًا للإله آمون إلهها المحلي وهو الذي أصبح الإله الرسمي للإمبراطورية المصرية في عهد الدولة الحديثة، ولم يقتصر نشاطه المعماري على العاصمة وعلى طيبة؛ بل انتشرت آثاره في كثير من جهات مصر وخاصة في الفيوم وشرق الدلتا وسيناء، وقد بنى لنفسه هرما ومجموعة جنزية في اللشت ولكنه -مع الأسف- استعمل في بناء هرمه كثيرًا من الأحجار التي جاء بها من معابد ومقابر قديمة, ومن بينها أحجار منقوشة لمعابد بعض ملوك الأسرتين الرابعة والخامسة(4), رغم أنه نشط في استغلال المحاجر وأرسل البعوث لجلب الأحجار من وادي حمامات(5).
هذا وقد أرسل بعض الحملات إلى النوبة, واستطاع أن يخضع جزأها الشمالي لسلطانه(6)، أما سياسته تجاه أمراء الأقاليم فكانت تختلف باختلاف الأحوال لأننا نجد أنه من جهة كان يخطب ود الكثيرين من الأمراء "الذين كانوا على الأرجح من الأقوياء" حتى لا يثيروا المتاعب إذا ما غفلت الحكومة المركزية عن نشاطهم بعض الوقت؛ فأبقى على ثرواتهم ونفوذهم بل وربما منحهم بعض الهبات أو المزيد من الامتيازات؛ حيث يبدو أثر هذا واضحًا في المقابر العظيمة التي بنوها لأنفسهم في أقاليمهم, ويتمثل ذلك بصفة خاصة في إقليم بني حسن، ومن جهة أخرى كان لا يتوانى عن استعمال الشدة مع بعض الأمراء الآخرين، والظاهر أن عهده كان لا يخلو من المتاعب وخاصة في الجزء الأخير منه، وربما كان ذلك هو الذي دعا إلى إشراكه ولده "سنوسرت الأول" معه في الحكم ابتداءً من السنة العشرين من عهده بعد أن تقدمت به السن وعجز عن مواصلة نشاطه في الخارج والداخل؛ ولذلك كان ولده هو الذي يتولى أمر الحملات الحربية؛ بينما ظل معظم النفوذ في يد هذا الملك الشيخ، وكان البيت المالك نفسه لا يخلو من وجود بعض الحاقدين على الملك أو الحاسدين لولي العهد كما يستدل على ذلك من النصوص المعروفة باسم "نصائح أمنمحات إلى ولده"؛ إذ إنه يوصيه فيها بما يجب عليه اتباعه في إدارة شئون المملكة ويحذره ممن حوله وألا يثق في أخٍ ولا يعتمد على صديق ويذكره بما تعرض له هو شخصيًّا، ويوضح له كيف أنه على الرغم من عطفه على المحتاجين واليتامى والمساكين لم يسلم من أذى أولئك الذين أحسن إليهم, إذ يقول في هذا الصدد: "الذي أكل طعامي بيده هو نفسه الذي استطاع أن يحدث بواسطتها الفزع"، وتسترسل هذه النصائح في بيان كيفية تدبير مؤامرة اغتياله وهو مستلقٍ على فراشه بعد أن تناول طعام العشاء وكيف تمكن من الدفاع عن نفسه، ولكن يُشْتَمُّ مما ورد في هذه النصوص أن المتآمرين نجحوا في إصابته إصابة قاتلة وإن كان من المرجح أنه لم يمت إلا بعد أن أملى هذه النصائح لكي تبلغ إلى ولده، وفيها نتبين ما كان يساوره من الأسى والألم لعدم تمكنه من القضاء على المتآمرين وهو يعدد ما قام به من جلائل الأعمال التي تتصف بالشجاعة والإقدام ثم يختتمها بتحية ولده وتمنياته له بالتوفيق, ويناشده عمل الخير والنشاط في إقامة المعابد الضخمة.
ومما يؤكد ما ورد في هذه النصائح تلك النصوص المعروفة باسم "قصة سنوهي"(7)؛ لأنها تروي أن سنوهي كان مع ولي العهد "سنوسرت" "الملك سنوسرت الأول فيما بعد" في حملة على ليبيا حينما وصل رسول من القصر وأبلغ الأمير برسالة سرية عاجلة بأن الملك أمنمحات الأول قد مات، وقد أتيحت الفرصة لسنوهي كي ينصت إلى الرسالة "ومن المحتمل أنه كان على علاقة بالمتآمرين" فخشي على حياته وفرَّ هاربًا إلى فلسطين؛ حيث أقام هناك وتزعم إحدى القبائل إلى أن وصل إلى سن الشيخوخة وحينئذٍ صدر أمر من السراي بالعفو عنه فعاد إلى وطنه، ويغلب على الظن أنه كان يمت بصلة القرابة لزوجة الملك أو ينتمي إلى أحد أفراد البيت المالك؛ ولذا صدر أمر العفو عنه بعد أن زال أثر المؤامرة من النفوس وخاصة لأنها لم تنجح تماما؛ حيث يبدو أن المتآمرين كانوا يهدفون إلى القضاء على "أمنمحات الأول" وإجلاس شخص آخر غير ولده سنوسرت على العرش أثناء قيام هذا الأخير بحملة على ليبيا, ولكن أمنمحات رغم إصابته البالغة ظل فترة على قيد الحياة تمكن فيها أعوانه من أن يمهدوا السبيل لعودة سنوسرت وجلوسه على العرش.
سنوسرت الأول:
تابع "سنوسرت الأول" سياسة والده وتمكن من أن يحكم البلاد بخبرة ودراية إذ لم يكن حديث عهد بإدارة شئون البلاد؛ حيث إن والده أشركه معه في الحكم في العشرة الأعوام الأخيرة من عهده.
وكان سنوسرت نشيطًا طوال مدة حكمه التي بلغت نحو 45 عامًا؛ فقد أرسل عددًا من البعثات إلى المحاجر والمناجم في الصحارى المصرية والنوبة جلبت الفيروز والنحاس من سيناء والمرمر من حاتنوب والأحجار الصلبة والجرانيت من وادي حمامات وأسوان والذهب من وادي علاقي "في صحراء النوبة السفلى الشرقية"(8) والديوريت من محاجر صحراء النوبة الغربية على بعد نحو 50 ميلًا إلى الشمال الغربي من توشكى(9) والأماتيست "الجمشت" من وادي هودي(10), كما أنه شيد كثيرًا من المباني في جهات مختلفة من الدلتا والصعيد وفي الفيوم والنوبة التي كان جزء كبير منها قد خضع للنفوذ المصري حينئذٍ؛ لأن الدولة الوسطى اتبعت تجاه النوبة سياسة تختلف عن تلك التي اتبعتها الدولة القديمة بشأنها؛ فبينما كانت هذه تكتفي بإرسال بعثات تجارية للاتجار مع النوبيين وتعمل على حماية بعثاتها بإرسال بعض القوات العسكرية معها؛ نجد أن الدولة الوسطى بدأت سياسة احتلال فعلي للنوبة حتى تتمكن من استغلال مواردها وفق مشيئتها من جهة, ولكي تؤمن حدودها الجنوبية تأمينًا مؤكدًا من جهة أخرى؛ وذلك لأن مجموعة من العناصر قوية الشكيمة الخليطة بالدماء الزنجية أخذت تتوغل في النوبة شمالًا, وأصبح يخشى من تقدمها نحو مصر نفسها.
ويعد "سنوسرت الأول" بحق أول من اتبع سياسة حاسمة مع النوبة؛ لأنه مد الحدود المصرية إلى وادي حلفا على الأقل, وإليه ينسب تشييد ما لا يقل عن ثلاث قلاع في هذه الجهات.
وفي آخر حكمه أشرك معه ولده "أمنمحات الثاني" لمدة ثلاثة أعوام, انفرد بعدها هذا الأخير بالحكم.
أمنمحات الثاني:
كان للنشاط الذي بذله "سنوسرت الأول" أثره في استتباب الأمور، وأصبحت الحالة الداخلية في البلاد تمتاز بالأمن والهدوء، كما أن جهوده في بلاد النوبة قد أوقفت المتاعب على الحدود المصرية؛ فأفاد من كل ذلك "أمنمحات" ووطد صلاته بجيران مصر حيث أرسل الهدايا إلى أمراء سورية وتلقى بعض الهدايا في مقابل ذلك, ورغم أنه لم يكن في نشاط والده أو جده فقد أرسل البعثات إلى جهات مختلفة لاستغلال المناجم والمحاجر أو لجلب بعض الحاصلات التي تحتاجها مصر, وفي هذا السبيل وصل رجاله إلى سيناء والنوبة وبلاد بونت.
واتبع نفس السياسة التي نهج عليها والده وجده فيما يختص بإشراك ولي العهد في الحكم, فأشرك معه ولده "سنوسرت الثاني" في نهاية حكمه، ومن المرجح أن مدة هذا الحكم المشترك قد طالت إلى نحو ستة أعوام.
سنوسرت الثاني:
أفاد "سنوسرت الثاني"، كما أفاد والده من قبل من الهدوء والسكينة التي نعمت بها البلاد, واتبع نفس السياسة الداخلية التي اتبعها والده؛ ولكنه بذَّه في قيامه بمشروعات ري كبيرة في الفيوم، والظاهر أنه اهتم بهذه المنطقة اهتمامًا بالغًا فبنى هرمه قرب مدخلها، وعثر في جوار هذا الهرم على مجموعة من مقابر الأميرات, من أهم ما عثر عليه في إحداها مجموعة كاملة من الحلي داخل صندوق موضوع في فجوة بأحد جدران المقبرة, وبذلك غاب عن أعين اللصوص(11).
ومن الكشوف المهمة التي عثر عليها في عهده تلك القرية التي أقيمت للعمال والموظفين الذين كانوا مكلفين ببناء هرمه؛ حيث إنها تعطينا فكرة واضحة عن تخطيط القرى في عهد الدولة الوسطى وعن عمارة المباني المعدة للسكن.
ومما تميز به هذا العهد كذلك وفود بعض الساميين إلى مصر؛ فمن نقوش مقبرة "خنوم حتب" في إقليم "بني حسن" نتبين أن جماعة من الرجال والنساء والأطفال الساميين قدموا إلى مصر بزعامة شخص يدعى إبشا "ى" للاستقرار في شرق الدلتا أو بقصد الاتجار مع المصريين، وربما كان وفود هؤلاء الساميين مقدمة لتغلغل النفوذ السامي في مصر الذي بدا بوضوح في عهد الهكسوس.
هذا ولم يستمر سنوسرت الثاني طويلًا في الحكم وتبعه "سنوسرت الثالث".
سنوسرت الثالث:
ظفر هذا الفرعون بشهرة كبيرة في التاريخ؛ لأن نشاطه الكبير من جهة وطول مدة حكمه من جهة أخرى أتاحا له فرصة تشييد كثير من الآثار التي خلدت ذكراه، وكان اهتمامه البالغ ببلاد النوبة سببًا في تشييده لعدد كبير من العمائر بها؛ فإليه تنسب أهم المعابد والحصون الحربية التي ترجع إلى عهد الدولة الوسطى ببلاد النوبة.
والظاهر أن بعض العناصر المناوئة كانت قد أخذت تثير المتاعب في تلك الجهات, فما كان منه إلا أن كال لها ضربات متتالية حتى أخضعها خضوعًا تامًّا, وشيد سلسلة من الحصون في مناطقها المختلفة ليضمن استمرارها في قبضته.
ولم تقتصر جهوده الحربية على النوبة وحدها؛ بل نجده كذلك يوجه حملة إلى فلسطين، وربما كانت هذه الحملة بسبب إغارة بعض القبائل الآسيوية أو بدو الصحراء المتاخمين لفلسطين إغارة مفاجئة على مصر؛ فوجه إليهم هذه الحملة التي كسرت شوكتهم، ويحتمل أنه وجه كذلك حملة إلى ليبيا، وأصبح سنوسرت بعد هذه الحملات بطلًا أسطوريًّا في نظر الأجيال التالية.
أما في داخلية البلاد فيبدو أنه لم يرضَ بالوضع القائم بالنسبة لامتيازات أمراء الأقاليم؛ ولذلك جردهم من الألقاب التقليدية التي كانوا يورثونها لأبنائهم, كما جردهم من الكثير من امتيازاتهم وأصبحوا في عهده كموظفين عاديين. ومع أنه اهتم بالفيوم كأسلافه؛ إلا أنه لم يشيد هرمه هناك بل شيده في منطقة دهشور، وقد عثر على بعض مقابر لأميرات بيته بالقرب من هذا الهرم, عثر فيها على مجموعات عظيمة من الحلي.
وقد أشرك معه ابنه أمنمحات الثالث فترة قصيرة توفي بعدها, فانفرد هذا الأخير وحده بالحكم.
أمنمحات الثالث:
كان عهده أطول من عهد أي ملك آخر في هذه الأسرة؛ حيث ظل جالسًا على العرش نحو ثمانية وأربعين عامًا, ومع هذا كان عهده عهد رخاء وطمأنينة؛ لأن حروب والده وإصلاحاته قد هيأت له تلك الظروف الملائمة, فانصرف إلى الأعمال الداخلية ونهض بالكثير من المشروعات العمرانية؛ حيث شيد كثيرًا من المباني في مختلف البلاد ونظم شئون الري؛ ولذا وجه عنايته إلى منطقة الفيوم، وأرسل بعثات متتالية إلى مناطق المناجم في سيناء وإلى المحاجر في وادي حمامات وطره, كما كان يستحضر الذهب من بلاد النوبة.
وبلغ من اهتمامه بشئون الزراعة أن سجل ارتفاع الفيضان في معظم سنوات حكمه في قلعتي سمنة وقمة؛ بقصد التصرف في مياه النهر حسب ظروف الفيضان, ووفقًا لما تقتضيه مشروعاته في إصلاح بعض الأراضي وخاصة في منطقة الفيوم.
وقد أقام هرمه بالقرب من هوارة وشيد إلى الشرق منه معبده الشهير الذي عرف فيما بعد باسم اللابيرانث(12)، وقد عثر في سنة 1956 على مقبرة لإحدى بناته وتدعى "نفروبتاح" وجد فيها ثلاث أوانٍ كبيرة من الفضة نقش عليها اسمها واسم والدها كما وجدت تابوتها سليمًا, ولكن المومياء تحللت بفعل مياه الرشح وكانت الحلي التي عثر عليها معها قليلة، ويبدو أنها دفنت على عجل, والظاهر أن الأحوال الداخلية أخذت في الاضطراب والتدهور.
أمنمحات الرابع:
اشترك مع والده في العام الأخير من حكمه ثم انفرد بعد ذلك بالعرش؛ ولكنه لم يستمر إلا نحو تسعة أعوام، والظاهر أنه لم يكن في نشاط أسلافه أو في مهارتهم السياسية والإدارية. ومعلوماتنا عن عهده قليلة وإن كانت آثاره تدل على أنه أرسل بعثات إلى المحاجر والمناجم في وادي الهودى وسيناء, وأنه شيد بعض العمائر في الفيوم وطيبة وغيرهما.
ويبدو أن نجم الأسرة الثانية عشرة قد أخذ في الأفول، ومع هذا ظلت بلاد النوبة في قبضة مصر كما يتضح ذلك من وجود نقوش في قلعة قمة تسجل ارتفاع الفيضان في عهده، والظاهر أنه لم يترك وريثًا حيث خلفته ملكة تدعى "سبك نفروع".
سبك نفروع:
لا ندري هل كانت هذه الملكة شقيقة لأمنمحات الثالث وزوجة له في نفس الوقت أم أنها كانت أخته فقط؟ وكل ما نعلمه عن هذه الملكة أن حكمها كان قصيرًا لم يزد عن ثلاثة أعوام إلا قليلًا, وأنها شيدت هرمها بالقرب من هرم أمنمحات الثالث في هوارة، وقد عثر على بعض آثار أخرى لها بالقرب منه أيضًا.
وبانتهاء عهد هذه الملكة انتقل الملك إلى الأسرة الثالثة عشرة ولا ندري شيئًا عن الأسباب التي أدت إلى ذلك، وربما كان هذا الانتقال نتيجة لحدوث اضطرابات داخلية أو منازعات بين أفراد البيت المالك, أو أن آخر ملك في الأسرة الثانية عشرة لم يترك وريثًا للعرش كما لم تترك "سبك نفروع" التي تلته في حكم البلاد وريثًا هي الأخرى.
وكانت الفترة التي أعقبت عهد الأسرة الثانية عشرة فترة ضعف, حكمت فيها الأسرتان الثالثة عشرة والرابعة عشرة, وبعدئذٍ تولى حكم مصر ملوك أجانب يعرفون باسم الهكسوس تعاقبوا في أسرات ثلاث هي: الخامسة عشرة والسادسة عشرة والسابعة عشرة، وهذه الأخيرة كانت تعاصرها أسرة سابعة عشرة أخرى مصرية مقرها في طيبة. ومع كل فقد ظلت أصول الحضارة التي تميزت بها الدولة الوسطى ثابتة خلال تلك الفترة ولم يتناولها تغيير يذكر؛ مما مكن الدولة الحديثة أن تبلغ القمة في مضمار المدنية والرقي.
__________
(1) Winlock, Bulletin of the Metropolitan Museum of Art "1921-2", pp 38 ff.
(2) j. Couyant & Montet, Les Inscrtiptions hieroglyphiques et hieratiques du quadi Hmmamat "Mem. Inst. Fr, 34-Le Caire 1912-3", No. 114.
(3) Dr. Ahmed Fakhry, "The Inscriptions of The Aniethyst Quarries at wadi - el - Hudi", Nos 1 ff, pp, 19-25.
(4) أحمد فخري "مصر الفرعونية" القاهرة 1957 ص172.
(5) Couyant & Montet, op. cit., No. 199.
(6) Breasted, A R. I, 472-3.
(7) تناول كثير من الباحثين هذه القصة بالترجمة والتعليق ويمكن الرجوع في ذلك إلى:
Wilson Ed. By Pritchard, "Ancient Near Eastern Texts" "Princeton 1950" pp. 18-23.
(8) ربما كان هذا هو أول ذهب يأتي من النوبة إلى مصر؛ حيث لم تشر النصوص إلى وروده منها في عهود سابقة.
(9) عثر في هذه المحاجر على أسماء الملوك: خوفو وددف رع وساحورع وإسيسي من عهد الدولة القديمة, انظر كذلك ASA 33, pp. 65 ff.
(10) A.Fakhry, op. cit., 20 ff Nos. 6 ff.
(11) أحمد فخري "مصر الفرعونية" "القاهرة 1957" 177-8.
(12) سمي كذلك؛ لأنه كان يشبه قصر الملك مينوس في كريت "الذي بناه دبدالوس" من حيث إنه كان في تعدد حجراته يشبه التيه, يضل الإنسان طريقه فيه.
|
|
دراسة يابانية لتقليل مخاطر أمراض المواليد منخفضي الوزن
|
|
|
|
|
اكتشاف أكبر مرجان في العالم قبالة سواحل جزر سليمان
|
|
|
|
|
اتحاد كليات الطب الملكية البريطانية يشيد بالمستوى العلمي لطلبة جامعة العميد وبيئتها التعليمية
|
|
|