أقرأ أيضاً
التاريخ:
2409
التاريخ: 23-9-2016
1821
التاريخ: 30-10-2016
2000
التاريخ: 23-9-2016
2318
|
العصر الكاسي "1580 - أواخر القرن 12ق. م":
الحياة السياسية:
تعرض الشرق الأدنى قبيل عهد حمورابي لأخطار الجماعات الهندوآرية التي صورنا تدفقها على أطرافه من أواسط آسيا، خلال حديثنا عن ممهدات عصر الهكسوس في مصر القديمة، وكيف بدأت على هيئة تسللات قبلية بسيطة واستمرت كذلك أجيالًا طويلة ثم أعقبتها هجرات عنيفة بقضها وقضيضها تفرقت فيما وجدت سبيلها ميسرًا إليه من مناطق آسيا الصغرى وشمال بلاد النهرين وشمالها الغربي وفي الشام ثم شمال مصر. وأسلفنا كيف عرفها التاريخ بعد استقرارها في كل بلد من هذه البلاد باسم خاص، فعرف أهلها في آسيا الصغرى باسم الخاتيين "ثم باسم الحيثيين"، وعرفهم في المناطق الشمالية الغربية من نهر الفرات باسم الحوريين "أو الخوريين"، وعرفهم في مرتفعات بلاد النهرين باسم الكاسيين "أو الكاشيين"، وكان الاسم الأخير فيما يحتمل اسمًا لجماعات آسيانية قديمة نزلوا عليها وأدمجوها تحت زعامتهم. وليس ما يعرف يقينًا عن موطن الكاسيين الأصليين، وهناك آراء تردهم إلى المرتفعات الشرقية، وتنسب اسمهم إلى اسم معبودهم كاشو، وتربط بينهم وبين جماعات متأخرة عنهم في الزمن ذكرها بطلميوس الجغرافي باسم Kossaeans وذكرهم غيره باسم Kosians(1).
وأحست دولة بابل بتسللات الكاسيين والحوريين والخاتيين أيضًا. ولكن أقربهم خطرًا عليها كانوا الكاسيين الذين لعبوا في مرتفعات العراق دور الجوتيين القدماء. واستطاعت جيوش حمواربي وجيوش خلفه سمسو إيلونا أن ترد خطرهم فانكسرت حدتهم إلى حين، واكتفوا بالتسلل السلمي البطيء إلى مدن العراق المتحضرة وعملوا فيها أجراء مرتزقة، بينما ظلت قبائلهم الكثيفة الطامعة في الخيرات والسيطرة تتربص بدولة بابل الدوائر. وأحاطت الدوائر ببابل من عاملين: عامل داخلي وآخر خارجي. فقد انشق على الدولة في الداخل أهل مناطقها الجنوبية، وكانوا فيما يبدو خليطًا من ذراري السومريين ومن قبائل أمورية مهاجرة، وعمل هؤلاء وهؤلاء شيئًا فشيئًا على استصلاح أراضي المناقع القريبة من مصاب النهرين ليكون لهم منها موطن جديد، وكونوا لأنفسهم دولة ناشئة عرفها التاريخ باسم دولة البحر "أو أرض أوروكوج" نظرًا لقربها من سواحل الخليج العربي، وظهر خطرهم فيما مر بنا منذ أواخر عهد سمسو إيلونا البابلي، وربما نجحوا في ضم نيبور المدينة الدينية القديمة إلى حوزتهم، فحاربت جيوش سمسو إيلونا جيوش ملكهم إيليما إيلوم مرتين بغير نتيجة حاسمة. واستمر خطر هذا الملك الأخير في عهد إبيشوم البابلي "خليفة سمسو إيلونا الذي حاول أن يستعين على هزيمته بإقامة سد في مجرى نهر دجلة يؤدي إلى إفاضة مائه على دولته، ولكنه فشل في الانتصار عليه(2). وهكذا استمرت عوامل الشقاق الداخلي تعمل عملها في تفتيت جسم الدولة.
وبدأ الخطر الخارجي على دولة بابل من قبل الخاتيين "الحيثيين" الذين تكررت اعتداءاتهم على حدودها القريبة منهم، ثم ازدادت غاراتهم شدة عليها بتقادم عهدها وازدياد مشاكلها الداخلية حتى استطاعوا في عهد ملكهم مورسيل الأول أن يحتلوا مدينة بابل نفسها وغنموا كنوزها ودمروها تدميرًا هائلًا حوالي عام 1595ق. م، وقضوا على استقلالها في عهد ملكها الحادي عشر "سمسوديتانا"(3)، ولا زالت آثار تدميرهم لها باقية. وحاول الخاتيون أن يمتدوا في جنوب بلاد النهرين، ولكن وقفت في سبيلهم دولة البحر الناشئة وكسرت شرتهم لا سيما بعد أن بعدت الشقة بينهم وبين أرضهم. ولهذا لم يجد التاريخ بأسًا في أن يحتفظ لهذه الدولة "دولة البحر" بذكرى طيبة فأطلق على أسرتها الحاكمة اصطلاحًا اسم أسرة بابل الثانية.
ولم تطل إقامة الخاتيين "الحيثيين" في بابل، ونزحوا عنها بعد أن أضعفوا شأنها في عالم الحرب والسياسة. وربما تركوا فيها حامية قليلة، فخلا المجال للخصمين الآخرين، دولة البحر والكاسيين. وكانت دولة البحر أسبق إلى الاستفادة من الوضع القائم، وشجعها أنها ساهمت في تخفيف قبضة الخاتيين على بابل ... ولكن المهمة كانت فوق طاقتها، ولم يطل أمد استقرارها هي الأخرى، واضطرت إلى أن تواجه أطماع الكاسيين الذين مالت كفة النصر إلى جانبهم في عهد زعيمهم جانداش الذي أعلن نفسه ملكًا على بابل والأركان "أو الأقاليم" الأربعة سومر وأكد، وبدأت منذ ذلك الحين أسرة مالكة جديدة عرفت اصطلاحًا باسم أسرة بابل الثالثة.
واستمرت دولة البحر قائمة لبعض الوقت في عصر الكاسيين، ونسبت الحوليات إلى أحد ملوكها الأواخر "إيا جميل" مهاجمته لأرض عيلام، ولكن الكاسيين استمروا يوجهون هجماتهم عليها حتى قضوا على استقلالها.
ساد الكاسيون جزءًا كبيرًا من العراق، ولكن أعدادهم كانت قليلة، وحضارتهم القومية كانت خشنة ضئيلة، فاكتفوا بأن اعتبروا أنفسهم طبقة أرستقراطية حاكمة بين السكان الأصليين وانتفعوا بحضارة بلاد النهرين وقلدوا فنونها في مبانيهم ومعابدهم وتماثيلهم، واعتبروا اللغة البابلية السامية لغة الكتابة الراقية إلى جانب لغتهم الخاصة. وكان كل ما أضافوه إلى حضارة بلاد النهرين هو أنهم أدخلوا إليها سلالات جديدة من خيول سهوب آسيا طغت شيئًا فشيئًا على أنواع الحمير الجبلية وسلالة السيسي القديمة، وغيروا بعض وحدات الأوزان والمقاييس "شأنهم شأن الهكسوس في مصر". وكان من التطورات اليسيرة التي لحقت بصناعة الأختام الأسطوانية في عصرهم كثرة صناعتها من اليشب وبداية صناعتها من العقيق اليماني وكثرة تسجيل دعوات التعبد وتمجيد الأرباب عليها على حساب صور الأشخاص والأشياء. ثم دخلت صناعة الحديد إلى العراق في النصف الأخير من عصرهم.
وأرخ الكتبة الكاسيون بسنوات حكم ملوكهم(4). بعد أن كان أهل العراق يؤرخون بالأحداث الرئيسي أكثر من غيرها. وشاد بعض ملوكهم مدنًا جديدة نسبوا بعضها إلى أنفسهم، وأخصها مدينة دور كوريجالزو، أي مدينته أو حصنه، وهي عقرقوف الحالية التي تبعد عن بغداد بنحو عشرين ميلًا(5).
وجرى الملوك على السياسة القديمة في منح الإقطاعيات العقارية للمقربين إليهم من العسكريين والمدنيين ويبدو أنهم حرروا ملكيتها بحيث أصبحت أشبه بالأملاك الخاصة لأصحابها، لا سيما بالنسبة لأفراد الطبقة الكاسية الحاكمة. ومن الوثائق الطريفة التي احتفظت بأسلوب منح الإقطاعيات والإعفاءات في عصرهم، هبة سجلها ملك كاسي يدعى "مليشيباك" باسم ابنته وابنه، ومنح كلًّا منهما بمقتضاها إقطاعية واسعة في أرض البحر بعد أن استصلحها أعوانه وأعدوها للزراعة وأنشئوا فيها قرًى جديدة. وشفع الملك تفاصيل هذه الهبة بإعفائها من التكاليف التي تفرضها دولته على مناطقها الزراعية، وهي تكاليف عرفتها بلاد النهرين قبل عهده بعصور طويلة، ويفهم من قراراته بشأنها أن الدولة كانت تحصل على جزء من باكورة المحاصيل الزراعية، وتستخدم مواشي الإقطاعيات لمصلحة أرضها الزراعية الخاصة حين تشاء وتسخر العمال الزراعيين في خدمة المرافق الملكية والمرافق العام مثل شق الترع وتطهيرها وتشييد جسورها وقطع الحشائش المائية والأعشاب البرية، وهي إجراءات اعتادت عليها أغلب الحكومات القديمة.
واتسعت الصبغة الإقطاعية في الدولة إلى حد يمكن اعتبارها معه ممثلة للعصور الوسطى البابلية، وكان من مظاهرها بين الطبقات العادية توارث الحرف بين أسر وطوائف معينة، يذكر الشخص فيها باسمه واسم أبيه ثم ينسب إلى حرفته، وذلك مما سمح بتتبع أصول بعض الأسر الحرفية فيها لبضعة أجيال، وكانت منها أسر للكتبة ارتبطت بالمعابد أكثر مما ارتبطت بغيرها وكان لها الفضل في نسخ كثير من الألواح الدينية والأدبية القديمة.
وعبد الكاسيون أرباب بلاد النهرين إلى جانب أربابهم القوميين، بأسمائهم القديمة أحيانًا وبمسميات آرية أحيانًا أخرى. واعتز أحدهم "أجوم" بأنه أرجع تمثال مردوك وتمثال زوجته زربانيتوم من دولة هانا بعد أن اغتصبهما خلال فترة الفوضى التي عمت بلاد النهرين في أعقاب الغزو الخاتي، وأعادهما إلى إساجيل بابل في احتفال مهيب(6). واتبع الملوك الكاسيون سياسة ملوك العالم القديم في اكتساب ود رجال الدين وتأكيد القربى من الأرباب عن طريق منح الهبات والإقطاعيات للمعابد وإعفائها من الضرائب، وكانوا يمنحون بعض هذه الهبات من خزائنهم ويسجل رجالهم أخبارها على نصب حجرية صغيرة تسمى كودورو، إلى جانب تسجيلها على ألواح الطمي العادية. واستغل الفنانون سطوح هذا النصف لتصوير هيئات ملوكهم أصحاب الفضل في منح الإقطاعيات، تصويرًا مختصرًا حينًا، وتصويرًا يفسر ملامحهم وملابسهم وأغطية رءوسهم حينًا آخر(7). كما استغلوها لتطوير رموز أربابهم الذين أشهدوا على منحها ووضعوها تحت رعايتهم. ومن هذه الرموز رموز حيوانية تصرف الفنانون في تشكيل صورها، ورموز أخرى معمارية تصور واجهات الهياكل والمقاصير البدائية، وذلك مما جعل منها مصدرًا من مصادر المعرفة بعمارة المعابد الأولى. وكان الفنانون يضمنون نقوش نصبهم هذه مناظر أسطورية يستهدفونها لذاتها ومضمونها حينًا، ويستغلونها لغرض الزخرف وملء الفراغ وإظهار البراعة في التخيل والتصور حينًا آخر.
وتابع الكاسيون عادة الغزاة محبي الاستقرار في اتخاذ رعاية المعابد ستارًا يُنسي الناس أصلهم الدخيل القديم. فأصلحوا معابد بابلية كثيرة وأعادوا بناءها، وبقيت من شواهد معبادهم الجديدة أطلال زقورة ضخمة بجانب قصر الحكم في عاصمتهم دور كوريجالزو "عقرقوف بجوار بغداد"، أدت إليها ثلاثة طرق صاعدة ذات درجات، على مثال زقورة أور(8). وأطلال معبد في الوركاء للمعبودة إنانا "يؤرخ عهده بأواسط القرن الخامس عشر ق. م"(9).
وانضافت إلى عمارة المعابد في عصرهم تطورات وإضافات تناولت محاور المقاصير الرئيسية وتشكيل الواجهات الخارجية. فامتازت عمارة معبد الوركاء بتدعيم أركانه الخارجية بأكتاف ذات مستويين لم تمارسها بلاد النهرين إلا قبيل عصورها التاريخية ثم هجرتها. وامتازت بعض المشكاوات الخارجية للمعبد نفسه بتحوير زخارفها تحويرًا محدثًا عن طريق استغلال بطونها في بناء تماثيل أرباب وربات من اللبن تبرز من جسم البناء نفسه، مع تشكيل رأس كل معبود وجذعه الأعلى تشكيلًا كاملًا والاكتفاء بتشكيل الخطوط العامة لبقية جسمه على هيئة الثوب الطويل المحبوك، وتشكيل لبنات هذا الثوب بما يرمز إلى مدرجات الجبال بالنسبة للأرباب وتموجات الماء بالنسبة للربات. واستغل بناء المعبد المسطحات الفاصلة بين كل مشكاة وأخرى لتشكيل زخرف جديدة على هيئة خطى زجراج رأسيين متقابلين يعبران عن سلسولي ماء ويصبان فوق جبلين "؟ "، وأحاط المشكاوات بأطر علوية وسفلية تعاقبت فيها حليات على هيئة الأقراص والدوائر. وكان ذلك كله بدعًا في عمارة بلاد النهرين(10). وأضافت العمائر المدينة الكاسية تجديدًا آخر تمثل في بناء صفات ذات أعمدة حول أفنيتها الكبيرة، وظهر لها ما يماثلها في عمائر الحيثيين في الأناضول. ودعت هذه التجديدات في العمائر الدينية والمدنية إلى احتمال دخول الكاسيين بفكرتها من بيئاتهم الأصيلة القديمة(11).
ولم تخل الفنون التشكيلية، من نماذج طيبة وإن كانت قليلة للغاية، ومن هذه النماذج رأس صغيرة للبؤة من الطين المحروق(12) يعتبر آية من آيات الفن في تمثيل شرطة العين وتجويفها وتكوين الفم والأنف والتعبير عن شعيرات الوجه، بخطوط بسيطة متمكنة. ورأس صغيرة لرجل، من الطين المحروق الملون أيضًا(13)، مثلته بأنف أقنى بعض الشيء، وأجادت
التعبير عن بروز شفته العليا عن السفلى، وعن تصفيف شعره.
__________
(1)Cf. Sidney Smith, Alalakh and Chronology, 21 F.; R. Girshman, Iran, Pelican Series, 65.
فيصل الوائلي: الكاشيون.
(2) See, Anet, 271; Ebeling, Aot, 337.
(3) Anet, 271.
(4)Cf. Albert T. Clay, Documents From The Temple Archives Of Nippur Dated In The Reigns Of Cassite Rulers, 1926; A. Pocbel, Assyriological Studies, 15.
(5) Iraq, Supplement, 1944, 1945, Iraq, Viii "1946", 73 F.
Lambert, Op. Cit., 13.
Sabatino Moscati, the Face of the Ancient Orient, 1961, 154.
(6) ديلابورت: بلاد ما بين النهرين - ص52.
(7) Frankfort, The Art And Architecture…, Pl. 71.
(8) انظر سومر 1961. Ibid., 63; Iraq, 1944, 1945, 1946.
(9) Frankfort, Op. Cit., Fig. 23.
(10) Erster Vorl. Bericht…, Uruk-Warka, 1929, 30 F.; Frankfort, Op. Cit., Pl. 70 A.
(11) Op. Cit., 64.
(12) Ibid., Pl. 70 C. - وارتفاعها نحو 5 سم.
(13) Ibid., Pl. 70 B. - وارتفاعها نحو 7 سم.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مدرسة دار العلم.. صرح علميّ متميز في كربلاء لنشر علوم أهل البيت (عليهم السلام)
|
|
|