الجهود التي بُذلت في سبيل كتمان أخبار الوصيّة وتأويل ما انتشر منها |
1518
08:17 صباحاً
التاريخ: 23-11-2016
|
أقرأ أيضاً
التاريخ: 30-07-2015
8319
التاريخ: 23-11-2016
921
التاريخ: 12-3-2018
1174
التاريخ: 11-4-2017
1289
|
إنّ أوّل من وجدناه يفعل ذلك، أمّ المؤمنين عائشة في ما روي عنها من حديث، غير أنّ حديثها في إنكار الوصية يدل على اشتهار الإمام عليّ بلقب (الوصي) في عصرها، كما نبيّن ذلك في ما يأتي :
حديث عائشة يدلّ على أنّ عليّا كان وصيّ الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) :
وممّا يدلّ على أنّ الإمام عليّا كان مشهورا بين الصحابة بأنّه وصيّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ... رواية أمّ المؤمنين عائشة كما في صحيح مسلم، قال:
ذكروا عند عائشة أن عليّا كان وصيّا فقالت:
متى أوصى إليه فقد كنت مسندته إلى صدري- أو قالت: حجري- فدعا بالطست فلقد انخنث في حجري وما شعرت أنّه قد مات، فمتى أوصى إليه (1)!؟
كانت أمّ المؤمنين عائشة بحاجة إلى استنفار النّاس لحرب الإمام عليّ والّتي سمّيت في التاريخ باسم حرب الجمل، ومن ثمّ نرى أنّ هذه المذاكرة لم تجر عفوا، وإنّما كانت شبيهة بالاحتجاج عليها في ما اشتهر للإمام بأنّه وصيّ النبيّ، وكان هذا الموقف منها متناسبا مع هذا الواقع التاريخي، وكذلك متناسبا مع مواقفها الأخرى من الإمام عليّ؛ فقد روى ابن سعد عن عائشة، في خبر مرض رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) أنّها قالت:
فخرج بين رجلين تخطّ رجلاه في الأرض بين ابن عبّاس- تعني الفضل- وبين رجل آخر؛ قال عبيد الله: فأخبرت ابن عباس بما قالت، قال:
فهل تدري من الرجل الآخر الّذي لم تسمّ عائشة؟ قال: قلت: لا! قال ابن عباس: هو عليّ! إنّ عائشة لا تطيب له نفسا بخير (2).
وفي حديث آخر ورد في مسند أحمد 6/ 113: جاء رجل فوقع في عليّ وفي عمّار عند عائشة فقالت:
أمّا عليّ، فلست قائلة لك فيه شيئا؛ وأمّا عمّار فإنّي سمعت رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) يقول فيه: «لا يخيّر بين أمرين إلّا اختار أرشدهما».
هكذا كانت أمّ المؤمنين تدفع عن عمّار الوقيعة وتسكت عمّن ينال من الامام عليّ (عليه السلام).
وفي حديث ثالث: وفي صحيحي البخاري ومسلم وغيرهما واللّفظ لمسلم : عن عائشة أنّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) بعث رجلا على سريّة وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ فلمّا رجعوا ذكر لرسول اللّه( صلى الله عليه [ واله]) فقال: سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك. فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحبّ أن أقرأ بها. فقال رسول اللّه( صلى الله عليه [واله]): أخبروه أنّ اللّه يحبّه (3).
ترى من يكون هذا الرجل الّذي يحبّه اللّه ولم تر عائشة أن تذكر اسمه؟ إنّه لو كان والدها الخليفة أبا بكر أو الخليفة عمر أو غيرهما من ذوي عصبتها مثل ابن عمّها طلحة ونظرائهم، لذكرت اسمه؛ ومهما بحثنا في مصادر مدرسة الخلفاء لم نجد اسمه، فاضطررنا إلى مراجعة مصادر مدرسة أهل البيت، فوجدنا الخبر في تفسير سورة الإخلاص من تفسير مجمع البيان وتفسير البرهان، وباب معنى قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ من كتاب التوحيد للشيخ أبي جعفر محمّد بن علي الصّدوق (ت: 381 هـ) واللّفظ للأخير:
عن الصحابي عمران بن حصين:
أنّ النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) بعث سريّة واستعمل عليها عليّا (عليه السلام). فلمّا رجعوا سألهم، فقالوا: كلّ خير، غير أنّه قرأ بنا في كلّ صلاة بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ.
فقال: لم فعلت هذا؟ فقال: لحبّي لـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. فقال النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) : ما أحببتها حتّى أحبّك اللّه عزّ وجلّ (4).
ولصحّة هذا الحديث شاهدان قويّان: أ- في صحيح البخاريّ وغيره أنّ أمّ المؤمنين عائشة عبّرت في حديثها عن الإمام عليّ بلفظ: رجل، وكذلك فعلت في هذا الحديث.
ب- ورد في صحيح البخاريّ وغيره أنّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) قال لعليّ يحبّه اللّه كما قال في هذا الحديث: أحبّك اللّه.
هكذا لا تذكر أمّ المؤمنين عائشة اسم عليّ (عليه السلام) في حديثها وتكنّي عنه بالرجل؛ ولم تقتصر على هذا المقدار من الجفوة بل زادت، كما سنذكر بعضها في ما يأتي:
أمّ المؤمنين تظهر السرور بقتل الإمام علي (عليه السلام) :
وأكثر من كلّ ما ذكرناه ما رواه أبو الفرج في مقتل الإمام علي (عليه السلام) وقال:
(لمّا أن جاء عائشة قتل الإمام علي، سجدت) (5) أي: سجدت شكرا للّه ممّا بشّروها به.
وروى الطبري وأبو الفرج وابن سعد وابن الأثير وقالوا:
لمّا أتى عائشة نعي عليّ قالت:
فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قرّ عينا بالإياب المسافر .
ثمّ قالت: من قتله؟ فقيل: رجل من مراد، فقالت:
فإن يك نائيا فلقد نعاه غلام ليس في فيه التراب .
فقالت زينب بنت أمّ سلمة: أ لعليّ تقولين هذا؟ فقالت: إذا نسيت فذكروني (6).
ثمّ تمثّلت:
ما زال إهداء القصائد بيننا باسم الصديق وكثرة الألقاب .
حتّى تركت كأنّ قولك فيهم في كلّ مجتمع طنين ذباب (7) .
مقارنة أحاديث أمّ المؤمنين عائشة بأحاديث غيرها :
كان ما ذكرناه بعض مواقف أمّ المؤمنين عائشة من الإمام عليّ (عليه السلام). أمّا قولها: (متى أوصى إليه، وانخنث فمات في صدري أو حاقنتي وذاقنتي) (8).
فقد تفرّدت هي بروايته وتعارضه الروايات الآتية:
قال ابن سعد في طبقاته: باب من قال توفي رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) في حجر عليّ بن أبي طالب، عن الإمام عليّ:
«قال: قال رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) في مرضه: ادعوا لي أخي؛ قال: فدعي له علي، فقال: ادن منّي. فدنوت منه فاستند إليّ فلم يزل مستندا إليّ وإنّه ليكلّمني حتّى أن بعض ريق النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) ليصيبني. ثمّ نزل برسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وثقل في حجري ...» الحديث.
وروى عن عليّ بن الحسين، قال:
(قبض رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ورأسه في حجر عليّ).
وعن الشعبي، قال:
(توفّي رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ورأسه في حجر عليّ وغسله عليّ ...) الحديث.
وروى عن أبي غطفان، قال:
(سألت ابن عبّاس: أرأيت رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) توفّي ورأسه في حجر أحد؟ قال: توفّي وهو لمستند إلى صدر عليّ، قلت: فإنّ عروة حدثني عن عائشة أنها قالت: توفي رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) بين سحري ونحري! فقال ابن عبّاس: أ تعقل؟ واللّه لتوفّى رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وإنه لمستند إلى صدر عليّ، وهو الّذي غسله ...) الحديث.
وروى عن جابر بن عبد اللّه الأنصاري:
(أنّ كعب الأحبار قام زمن عمر فقال ونحن جلوس عند عمر أمير المؤمنين:
ما كان آخر ما تكلّم به رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ؟ فقال عمر: سل عليّا، قال:
أين هو؟ قال: هو هنا. فسأله، فقال عليّ: أسندته إلى صدري فوضع رأسه على منكبي فقال: الصلاة الصلاة! فقال كعب: كذلك آخر عهد الأنبياء وبه أمروا وعليه يبعثون. قال: فمن غسله يا أمير المؤمنين؟ قال: سل عليا؛ قال:
فسأله فقال: كنت أنا أغسله وكان العباس جالسا وكان أسامة وشقران يختلفان إليّ بالماء) (9).
لو كان النبيّ انخنث وتوفّي بين سحر عائشة ونحرها أو حاقنتها وذاقنتها، كما قالت هي، لقال الخليفة عمر لكعب الأحبار: سل أمّ المؤمنين عائشة عن آخر ما تكلّم به رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ولم يكن يحيله على الإمام علي (عليه السلام).
وأقوى من كلّ الروايات السّابقة رواية من شهدت ذلك من أمّهات المؤمنين وهي أمّ سلمة قالت:
(و الّذي أحلف به أن كان عليّ لأقرب النّاس عهدا برسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) عدناه غداة وهو يقول: جاء عليّ؟ جاء عليّ؟- مرارا- فقالت فاطمة كأنّك بعثته في حاجة. قالت: فجاء بعد، فظننت أنّ له إليه حاجة، فخرجنا من البيت فقعدنا عند الباب، قالت أمّ سلمة: وكنت من أدناهم إلى الباب، فأكبّ عليه رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وجعل يسارّه ويناجيه، ثمّ قبض( صلى الله عليه [ واله ] ) من يومه ذلك، فكان أقرب الناس به عهدا) (10).
وفي رواية عبد اللّه بن عمرو:
(أنّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) قال في مرضه: ادعوا لي أخي- إلى قوله- فدعي له عليّ فستره بثوبه وأكبّ عليه ...) (11) الحديث.
وممّا قاله الإمام عليّ (عليه السلام) عن وفاة رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) قوله:
(فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت بين نحري وصدري نفسك، فإنّا للّه وإنّا إليه راجعون) (12).
وقال أيضا:
(و لقد قبض رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وإنّ رأسه لعلى صدري. ولقد سالت نفسه في كفّي، فأمررتها على وجهي. ولقد وليت غسله( صلى الله عليه [ واله ] ) والملائكة أعواني، فضجّت الدار والأفنية، ملأ يهبط، وملأ يعرج، وما فارقت سمعي هينمة منهم يصلّون عليه حتّى واريناه في ضريحه) (13).
مناقشة أحاديث أم المؤمنين عائشة :
تفرّدت أمّ المؤمنين عائشة برواية، أنّ النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) توفّي في حجرها في مقابل كلّ تلكم الأحاديث.
وأغلب الظنّ كما قلنا سابقا أنّها قالت ذلك في حرب البصرة، أي بعد زمان الخليفتين عمر وعثمان، وكذلك يناسب هذا القول عصر معاوية حيث كان ينهى عن نقل فضائل الإمام ويأمر بنقل ما يناقضها.
وعلى فرض صحّة قول عائشة أنّ النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) توفّي على صدرها، هل كان ذلك مناقضا لما تواتر من أنّ الإمام عليّا كان وصيّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ؟ وأ لم يكن ثمّت زمان آخر ليدلي الرسول( صلى الله عليه [واله]) بوصاياه للإمام عليّ؟ كما تدلّ عليه روايات كثيرة مثل ما رواه أصحاب السنن والمسانيد عن الإمام عليّ، قال:
(كان لي من رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) مدخلان: مدخل بالليل، ومدخل بالنهار، فكنت إذا أتيته وهو يصلّي تنحنح) (14).
وفي رواية:
(كانت لي من رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) منزلة لم تكن لأحد من الخلائق؛ إنّي كنت آتيه كلّ سحر فأسلّم عليه حتى يتنحنح ...) (15) الحديث.
ومن تاريخ ابن عساكر عن جابر:
(لمّا كان يوم الطّائف، ناجى رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) عليّا، فأطال نجواه فقال بعض أصحابه: لقد أطال نجوى ابن عمّه. فبلغه ذلك، فقال: ما أنا
انتجيته؛ بل اللّه انتجاه).
وفي لفظ آخر للرّواية:
(فناجاه طويلا، وأبو بكر وعمر ينظران والنّاس، قال: ثمّ انصرف إلينا فقال الناس: قد طالت مناجاتك اليوم يا رسول اللّه! فقال: ما أنا انتجيته ولكنّ اللّه انتجاه) (16).
أوردنا هذه الروايات من مصادر أخرى- أيضا- في باب ذكر حاملي علوم الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) من هذا الكتاب، وفي باب مصادر الشريعة الإسلاميّة لدى مدرسة أهل البيت (عليهم السلام).
مقارنة بين حديث أم المؤمنين عائشة وحديث الإمام علي (عليه السلام) :
تفرّدت أمّ المؤمنين عائشة برواية ما أخبرت به عن خبر آخر ساعات حياة الرسول الأكرم( صلى الله عليه [ واله ] ) أنه طلب طستا ليبول فانخنث ومات بين حاقنتها وذاقنتها، وأمثال هذه الألفاظ، أضف إليه حديثها وحديث غيرها في بدء نزول الوحي:
أنّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) عند ما تلقّى أوّل وحي هبط به جبرائيل من اللّه بآيات سورة اقرأ، شكّ في جبرائيل أنّه شيطان يريد أن يتلعّب به، وشكّ في الآيات الكريمة أنّها من قبيل سجع الكهان حتى طمأنه الرجل النصرانيّ ورقة بن نوفل أنه نبيّ أوحي إليه كموسى بن عمران، فاطمأنّ وأدرك أنه نبيّ،
إلى أحاديث أخرى لهذه المدرسة عن سيرة رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) .
إنّ تلكم الأحاديث كما ذكرنا في البحوث التمهيديّة كوّنت رؤية خاصّة عن رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) لمن يعتقد بها، تحطّ من مقام أفضل الرسل عن مستوى الإنسان العادي، ولهذا حقّ للرجل (ذي المعرفة) السعودي أن يقول: محمد رجّالا مثلي مات.
أمّا في حديث الإمام عليّ عن بدء نزول الوحي وهو الشاهد الوحيد الّذي كان عندئذ مع الرّسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في غار حراء: أنّه سمع رنّة حينئذ وأنّ الرّسول( صلى الله عليه [ واله ] ) أخبره أنّ الرنّة من الشّيطان لأنّه أيس من عبادته.
وفي حديثه أيضا: انّ اللّه قرن برسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) منذ أن كان فطيما أعظم ملك من ملائكته يسلك به طريق المكارم ومحاسن أخلاق العالم ليله ونهاره.
وفي حديثه عن وفاة رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) أنّه أدناه إليه وأخذ يناجيه ويسرّ إليه ويوصي حتّى قبض( صلى الله عليه [ واله ] ) (17) وسالت نفسه في كفّه فأمرّها على وجهه وأنّه أخذ في تغسيله وتكفينه والملائكة أعوانه في ذلك، وقد ضجّت الدار والأفنية ملأ يهبط وملأ يعرج، وأنّه ما فارقت سمعه هينمة منهم يصلّون عليه حتّى واراه في ضريحه.
إنّ أمثال هذه الأحاديث عن سيرة الرسول بمدرسة أهل البيت- أيضا- كوّنت رؤية خاصة لمن يعتقد بها، ولن يتيسّر تقارب بين المسلمين ما لم تدرس المجموعتان من الأحاديث معا دراسة مقارنة لنصل إلى الحقيقة المنشودة ثمّ يتفاهم الإخوة المسلمون في ضوء تلك الدراسات إن شاء اللّه تعالى.
ونؤكّد مرّة أخرى أنّ في مقدمة ما ينبغي دراسته دراسة مقارنة؛ أخبار سيرة الرسول الأكرم( صلى الله عليه [ واله ] ) وتاريخ عصر الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) وعصر من تشرّف بصحبته.
حديثان متعارضان من أم المؤمنين عائشة وموقفان مختلفان :
روى ابن عساكر أنّ امرأتين سألتا عائشة، فقالتا:
يا أمّ المؤمنين أخبرينا عن عليّ، قالت: أي شيء تسألن عن رجل وضع يده من رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) موضعا فسالت نفسه في يده فمسح بها وجهه، واختلفوا في دفنه، فقال: إنّ أحبّ البقاع إلى اللّه مكان قبض فيه نبيّه. قالت:
فلم خرجت عليه؟ قالت: أمر قضي، لوددت أن أفديه بما في الأرض (18).
إنّ حديثها هذا يتّفق مع حديث الإمام علي الّذي قال فيه:
قبض رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وإنّ رأسه على صدري، ولقد سالت نفسه في كفّي وأمررتها علي وجهي.
ويتعارض مع حديثها:
(انخنث بين حاقنتي وذاقنتي).
وروى ابن عساكر- أيضا- عن عائشة أنّها قالت: قال رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وهو في بيتها لمّا حضره الموت:
ادعوا لي حبيبي ...
فدعوا عليّا فأتاه، فلمّا رآه أفرد الثوب الّذي كان عليه ثمّ أدخله فيه فلم يزل يحتضنه حتى قبض عليه (19).
حديثها هذا يتّفق مع حديث عبد اللّه بن عمرو الّذي قال فيه:
(إنّ رسول اللّه قال في مرضه: ادعوا لي عليّا ....) ويعارض
أحاديثها، في أنّ الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) توفّي بين سحرها ونحرها، وأمثالها، ومنشأ صدور الحديثين المتعارضين من أمّ المؤمنين عائشة؛ وسببه، اختلاف موقفها من الإمام علي. وبيانه:
موقفان مختلفان تجاه الإمام علي (عليه السلام) :
بعد وفاة الرّسول( صلى الله عليه [ واله ] ) بويع الخليفة أبو بكر، وبقي عليّ ومعه جميع بني هاشم ستّة أشهر بحسب رواية أمّ المؤمنين عائشة لم يبايعوه حتى توفّيت فاطمة (20)، ثمّ بقي الإمام عليّ بعيدا عن الساحة، حتّى أخريات خلافة عثمان، حيث قادت أمّ المؤمنين عائشة (21) المعارضين من طلحة والزبير وغيرهما لمجابهة الخليفة أملا منها في أن يلي بعده ابن عمّها طلحة. ولمّا قتل عثمان وبايع المسلمون عليّا أقامت عليه حرب الجمل، وانكسرت فيها وأرجعها الإمام عليّ إلى المدينة، وبقيت حانقة عليه حتى استشهد، ومرّ بنا إظهارها للسّرور من مقتله، ثمّ ولي الحكم معاوية وجمع بينهما الموقف الواحد من الإمام، ثم فترت العلاقة بينهما على أثر قتل معاوية لحجر بن عدي.
ولمّا أراد معاوية أن يأخذ البيعة ليزيد، كان شقيقها عبد الرحمن بن أبي بكر من أشدّ المعارضين لبيعة يزيد، وخطب مروان في مسجد الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) وكان واليا على الحجاز من قبل معاوية، فقال:
إنّ أمير المؤمنين قد اختار لكم، فلم يأل، وقد استخلف لابنه يزيد بعده.
فقام عبد الرحمن بن أبي بكر، فقال: كذبت واللّه يا مروان! وكذب
معاوية، ما الخيار أردتما لأمة محمّد، ولكنّكم تريدون أن تجعلوها هرقلية، كلّما مات هرقل قام هرقل.
فقال مروان: هذا الّذي أنزل الله فيه { وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما} [الأحقاف/17].
فسمعت عائشة مقالته من وراء الحجاب، فقامت من وراء الحجاب، وقالت: يا مروان! يا مروان! فأنصت الناس، وأقبل مروان بوجهه، فقالت:
أنت القائل لعبد الرحمن أنه نزل فيه القرآن؟ كذبت واللّه ما هو به، ولكنّه فلان بن فلان، ولكنّك فضض من لعنة اللّه.
وفي رواية، فقالت: كذب واللّه ما هو به، ولكنّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) لعن أبا مروان ومروان في صلبه، فمروان فضض من لعنة اللّه عزّ وجلّ (22).
وأخرج البخاري الحديث في صحيحه وقال:
(كان مروان على الحجاز، استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له بعد أبيه، فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا، فقال: خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا عليه، فقال مروان: إنّ هذا الّذي أنزل اللّه فيه: {وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي} [الأحقاف: 17] .
فقالت عائشة من وراء الحجاب: ما أنزل اللّه فينا شيئا من القرآن إلّا أنّ اللّه أنزل عذري) (23).
هكذا حذف البخاري قول عبد الرحمن: (تريدون أن تجعلوها هرقلية ...) وأبدله بقوله: (قال شيئا) وحذف رواية أمّ المؤمنين عائشة في حقّ مروان. بينا أوردها ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري المسمّى بفتح
الباري مفصّلا، وفي لفظ بعضها: ولكن رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) لعن أبا مروان ومروان في صلبه (24).
وإنّما فعل الشيخ البخاري ذلك لأنّ معاوية ويزيدهما من خلفاء المسلمين، ولا يرى البخاريّ أن يسمع العامّة قول عبد الرحمن في حقّهما، أنّهما جعلا الخلافة هرقلية كلّما مات هرقل قام هرقل مقامه.
وحذف رواية أمّ المؤمنين عائشة في مروان- أيضا- لأنّ مروان أصبح خليفة للمسلمين ولا ينبغي ذكر ما يشينه. هكذا فعل الشيخ البخاري في صحيحة، فإنّه حذف كلّ شيء يشين الخلفاء والحكّام في كلّ حديث ورد فيه من ذلك شيء. ومن ثمّ اعتبرت مدرسة الخلفاء كتابه أصحّ الكتب بعد كتاب اللّه، وعدّ هو إمام أهل الحديث لديهم.
لمّا لم يستطع مروان أن يأخذ البيعة في الحجاز ليزيد، قدم معاوية الحجاز حاجّا ودخل المدينة، وكان من خبره ما رواه ابن عبد البرّ، حيث قال:
(قعد معاوية على المنبر يدعو إلى بيعة يزيد، فكلّمه الحسين بن علي، وابن الزبير وعبد الرّحمن بن أبي بكر، فكان كلام ابن أبي بكر:
أهرقلية!؟ إذا مات كسرى كان كسرى مكانه؟ لا نفعل واللّه أبدا. وبعث إليه معاوية بمائة ألف درهم بعد أن أبى البيعة ليزيد، فردّها عليه عبد الرّحمن، وأبى أن يأخذها، وقال: أ بيع ديني بدنياي!؟ فخرج إلى مكّة، فمات بها قبل أن تتمّ البيعة ليزيد بن معاوية) (25).
وذكر ابن عبد البرّ بعده وقال:
(إنّ عبد الرحمن مات فجأة بموضع يقال له: (الحبشي) (26) على نحو عشرة أميال من مكّة فدفن بها. ويقال: إنّه توفّي في نومة نامها، ولمّا اتّصل خبر موته بأخته عائشة أمّ المؤمنين (رض) ظعنت من المدينة حاجّة حتّى وقفت على قبره، وكانت شقيقته، فبكت عليه وتمثّلت:
وكنّا كندماني جذيمة حقبة من الدهر حتّى قيل لن يتصدّعا
فلمّا تفرقنا كأني ومالكا لطول اجتماع لم نبت ليلة معا (27) .
أما واللّه لو حضرتك لدفنتك حيث متّ مكانك، ولو حضرتك ما بكيتك).
وفي مستدرك الحاكم :
(رقد في مقيل قاله، فذهبوا يوقظونه فوجدوه قد مات، فدخل في نفس عائشة تهمة أن يكون صنع به شرّ وعجل عليه فدفن وهو حيّ) (28).
لو بقي عبد الرّحمن حيّا لما تمّت بيعة يزيد مع موقفه الصّارم ضد بيعته ومعه أمّ المؤمنين عائشة، فمات في طريق مكّة، كما مات مالك الأشتر في طريق مصر مسموما بسمّ دسّه إليه معاوية (29).
مات عبد الرحمن ليفسح الطريق لبيعة يزيد، كما توفّي قبله الإمام الحسن بسمّ دسّه إليه معاوية. اغتيل عبد الرحمن في هذا السبيل، كما اغتيل سعد بن أبي وقّاص وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد ولم يخف ذلك على أمّ المؤمنين عائشة، فأقامت على بني أميّة عامّة حربا شعواء من الدعاية القويّة ضدّهم بدأتها بنشر ما سمعته من النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) في شأن مروان وأبيه الحكم، وقابلت سياسة معاوية خاصّة والّتي كانت ترمي إلى طمس فضائل بني هاشم عامّة وبيت الإمام خاصّة، لمقام الحسنين عند المسلمين، وهو يريد أن يورث الخلافة في عقبه وبلغ الأمر به أن أمر بلعن الإمام عليّ (عليه السلام) على منابر المسلمين، عندئذ قابلت أمّ المؤمنين عائشة هذه السّياسة مقابلة قويّة وأخذت تنشر في هذا الدور فضائل الإمام عليّ وشبليه الحسن والحسين سبطي رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وزوجته فاطمة ابنة رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ومن ثمّ روي عنها في فضائلهم بعض ما كانت سمعته من رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) وما شاهدته، ومن جملته الحديثان الآنفان المتعارضان مع أحاديثها الأخرى في وفاة الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) .
كان موقف أمّ المؤمنين عائشة من حديث الوصيّة جزءا من عمل الخلافة القرشية مع أحاديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في شأن أهل بيته تبعا لسياسة عامّة قريش:
(ألّا تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم) كما يأتي ذكرها في البحث الآتي بإذنه تعالى.
كتمان فضائل الإمام عليّ ونشر سبّه ولعنه والسبب فيهما :
نبدأ في ما يأتي بذكر السبب في ذينك ثم نوالي إيراد أخبار كتمان فضائل الإمام علي ونشر سبّه ولعنه.
كرهت قريش أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم :
روى الطبري محاورتين جرتا بين الخليفة عمرو ابن عباس وقال: قال الخليفة في إحداهما لابن عباس :
ما منع قومكم منكم؟ أي ما منع قومكم قريشا من ولايتكم- قال ابن عباس: لا أدري! قال عمر: لكنّي أدري ، يكرهون ولايتكم لهم! قال ابن عباس: لم ونحن لهم كالخير!؟
قال: غفرا؛ يكرهون أن تجتمع فيكم النبوّة والخلافة فيكون بجحا.
بجحا لعلّكم تقولون إن أبا بكر فعل ذلك، لا واللّه ولكن أبا بكر أتى أحزم ما حضره. الحديث.
وفي الثانية قال:
يا ابن عباس! أ تدري ما منع قومكم منكم بعد محمد؟
فكرهت أن أجيبه، فقلت: إن لم أكن أدري فأمير المؤمنين يدريني.
فقال عمر: كرهوا أن يجمعوا لكم النبوة والخلافة فتبجحوا على قومكم بجحا بجحا؛ فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفّقت.
فقلت: يا أمير المؤمنين ! إن تأذن لي في الكلام وتمط عني الغضب تكلمت.
فقال: تكلم يا ابن عباس.
فقلت: أما قولك- يا أمير المؤمنين- اختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت؛ فلو أنّ قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار اللّه عزّ وجلّ لها لكان الصواب بيدها غير مردود ولا محسود، وأما قولك إنهم كرهوا أن تكون لنا النبوة والخلافة؛ فإن اللّه عز وجل وصف قوما بالكراهية فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9] .
فقال عمر: هيهات واللّه يا ابن عباس؛ قد كانت تبلغني عنك أشياء كنت أكره أن أقرّك عليها فتزيل منزلتك مني.
فقلت: وما هي يا أمير المؤمنين؟ فإن كانت حقّا فما ينبغي أن تزيل منزلتي منك، وإن كانت باطلا فمثلي أماط الباطل عن نفسه.
فقال عمر: بلغني أنك تقول: إنما صرفوها عنا حسدا وظلما.
فقلت: أما قولك- يا أمير المؤمنين- ظلما فقد تبين للجاهل والحليم، وأما قولك حسدا؛ فان إبليس حسد آدم فنحن ولده المحسودون.
فقال عمر: هيهات! أبت واللّه قلوبكم- يا بني هاشم- إلّا حسدا ما يحول، وضغنا وغشا ما يزول.
فقلت: مهلا يا أمير المؤمنين! لا تصف قلوب قوم أذهب اللّه عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بالحسد والغش؛ فإن قلب رسول اللّه صلى اللّه عليه
وسلم من قلوب بني هاشم.
فقال عمر: إليك عني يا ابن عباس.
فقلت: أفعل.
فلما ذهبت أقوم استحيا مني فقال:
يا ابن عباس مكانك! فو اللّه إني لراع لحقّك، محبّ لما سرك.
فقلت: يا أمير المؤمنين! إن لي عليك حقّا وعلى كل مسلم؛ فمن حفظه فحظه أصاب، ومن أضاعه فحظه أخطأ. ثم قام فمضى (30).
وقفة تأمّل لدراسة الحديثين :
في الحديثين صرح الخليفة عمر بأنّ قريشا كرهوا أن يجتمع في بني هاشم النبوّة والخلافة فيتبجّح بنو هاشم على قريش بجحا أي يتباهوا بذلك على قريش مباهاة.
وقال في الثاني: (فاختارت قريش لأنفسها فاصابت ووفّقت). إذا فقد بحثت قريش في أمر الولاية عن مصلحة أنفسهم- في ظاهر الأمر الدنيوي- وليس مصلحة سائر المسلمين. وأي فرق للمسلمين أيّ قبيلة من قريش وليت الحكم بعد رسول اللّه ( صلى الله عليه [ واله ] ) .
وفي تصويبه عمل قريش لم يستدل بغير قوله (اختارت قريش لأنفسها) ولم يذكر أي دليل آخر من كتاب اللّه أو سنّة رسوله ( صلى الله عليه [ واله ] ) .
ويستفاد من جواب ابن عباس (فلو أنّ قريشا اختارت لأنفسها حيث اختار اللّه عزّ وجلّ لها لكان الصواب بيدها) أمران :
أوّلا- إن اختيار قريش كان في غير ما اختاره اللّه، ويقصد حيث اختار اللّه الإمام عليّا (عليه السلام). كما سنورد الآيات والأحاديث في هذا الصدد بعيد هذا إن شاء اللّه تعالى.
ثانيا - إنه ليس لقريش أن تختار غير ما اختاره اللّه. ويشير بقوله هذا إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] .
وشدد النكير على كراهية قريش أن تجتمع النبوة والخلافة في بني هاشم وقال:
إن اللّه عزّ وجلّ وصف قوما بالكراهية فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد: 9]. وقد فصّلنا القول في مدلول حبط الأعمال في بحث «جزاء الأعمال» من كتاب «عقائد الإسلام» فليراجع.
وفي جواب الخليفة لابن عباس لم يجد ردّا لدعوى ابن عباس أن قريشا اختاروا غير ما اختار اللّه وغير ما أنزل اللّه؛ بل جابهه بنقل ما بلغه أن ابن عباس قال: (إنّما صرفوها عنا حسدا وظلما) ولم ينكر ذلك ابن عباس، بل أبان حجّته في هذا القول وقال:
(أمّا قولك: ظلما؛ فقد تبين للجاهل والحليم).
يعني ابن عباس من قوله هذا أنّ قوله: بأنّ بني هاشم ظلموا في تنحية الإمام علي عن الحكم ليس يخص ابن عبّاس وحده ليكون هو الذي كشف بقوله ذلك عن تلك الحقيقة، بل إن ذلك قد تبين لجميع الناس؛ العاقل الحصيف منهم، والجاهل الخسيس وأجاب عن قوله (حسدا) وقال: (إن إبليس حسد آدم ونحن ولده المحسودون).
ولعلّ ابن عباس يشير في كلامه هذا إلى قوله تعالى في سورة آل عمران : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحاً وآلَ إِبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ* ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ واللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (33- 34) أي إنّ بني هاشم من ذريّة من حسده إبليس لأنّ اللّه اصطفاهم، وللذرية أسوة في ذلك بآبائهم.
وأخيرا جاش صدر الخليفة بالغيظ ولم يتحمل أقوال ابن عباس وقال له: (هيهات! أبت واللّه قلوبكم يا بني هاشم إلّا حسدا ما يحول، وضغنا وغشا ما يزول).
فأجابه ابن عباس وقال: (مهلا يا أمير المؤمنين! لا تصف قلوب قوم أذهب اللّه عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا بالحسد والغشّ؛ فإنّ قلب رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) من قلوب بني هاشم).
ونترك شرح كلمة الخليفة لما فيها من قسوة. أمّا كلمة ابن عباس فقد أشار فيها إلى قوله تعالى في سورة الأحزاب : {إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (33) ولمّا لم يستطع الخليفة أن يرد على ابن عباس قوله أمره بالابتعاد عنه وقال له: (إليك عني يا ابن عباس!) أي ابتعد عنّي، ولمّا أطاع ابن عباس أمر الخليفة وأراد أن يقوم ؛ لان عليه الخليفة وختم الأمر بينهما بالحسنى، واستمرت الخلافة القرشية كسائر قريش في كرهها لاستيلاء بني هاشم على الحكم. كما يظهر ذلك من المحاورة التي دارت بين الخليفة وابن عباس بعد موت عامل حمص حيث خاطب الخليفة ابن عباس بقوله : يا ابن عباس! إن عامل حمص هلك، وكان من أهل الخير- وأهل الخير قليل- وقد رجوت أن تكون منهم، وفي نفسي منك شيء لم أره منك، وأعياني ذلك، فما رأيك في العمل ؟
قال: لن أعمل حتّى تخبرني بالّذي في نفسك.
قال: وما تريد إلى ذلك؟
قال: أريده، فإن كان شيء أخاف منه على نفسي، خشيت منه عليها الّذي خشيت، وإن كنت بريئا من مثله علمت أنّي لست من أهله، فقبلت عملك هنالك، فإنّي قلّما رأيتك طلبت شيئا إلّا عاجلته.
فقال: يا ابن عباس!، إنّي خشيت أن يأتي عليّ الّذي هو آت وأنت في عملك فتقول: هلمّ إلينا ولا هلمّ إليكم دون غيركم ... الحديث (31).
يظهر أنّ هذه المحاورة جرت بينهما في اخريات حياة عمر. وجرى في آخر شهر من حياة الخليفة عمر ما رواه في هذا الصدد البخاري بسنده وقال:
عن ابن عباس أنّه قال: كنت أقرئ رجالا من المهاجرين منهم عبد الرحمن بن عوف، فبينما أنا في منزله بمنى وهو عند عمر بن الخطاب في آخر حجّة حجّها إذ رجع إليّ عبد الرحمن فقال: لو رأيت رجلا أتى أمير المؤمنين اليوم، فقال: يا أمير المؤمنين! هل لك في فلان يقول: لو قد مات عمر لقد بايعت فلانا؛ فو اللّه ما كانت بيعة أبي بكر إلّا فلتة فتمت. فغضب عمر ثم قال: إنّي إن شاء اللّه لقائم العشية في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم امورهم. قال عبد الرحمن فقلت: يا أمير المؤمنين! لا تفعل فإنّ الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم، فإنهم هم الذين يغلبون على قربك حين تقوم في الناس، وأنا أخشى أن تقوم فتقول مقالة يطيرها عنك كل مطير، وأن لا يعوها وأن لا يضعوها على مواضعها، فأمهل حتى تقدم
المدينة فإنها دار الهجرة والسنة، فتخلص بأهل الفقه وأشراف الناس فتقول ما قلت متمكنا، فيعي أهل العلم مقالتك، ويضعونها على مواضعها.
فقال عمر: أما واللّه إن شاء اللّه لأقومنّ بذلك أول مقام أقومه بالمدينة.
قال ابن عباس: فقدمنا المدينة في عقب ذي الحجة فلما كان يوم الجمعة عجلنا الرواح حين زاغت الشمس حتى أجد سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل جالسا إلى ركن المنبر فجلست حوله تمس ركبتي ركبته فلم أنشب أن خرج عمر ابن الخطاب فلما رأيته مقبلا قلت لسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ليقولن العشية مقالة لم يقلها منذ استخلف. فأنكر عليّ وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل قبله؟ فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذنون قام فأثنى على اللّه بما هو أهله، ثم قال:
أما بعد! فإني قائل لكم مقالة قد قدّر لي أن أقولها، لا أدري لعلها بين يدي أجلي، فمن عقلها ووعاها فليحدّث بها حيث انتهت به راحلته، ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب عليّ- إلى قوله- ثم إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: واللّه لو مات عمر بايعت فلانا فلا يغترنّ امرؤ أن يقول إنّما كانت بيعة أبي بكر فلتة وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك ولكن اللّه وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر. من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا.- إلى قوله في آخر الخطبة أيضا- فمن بايع رجلا على غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا (32).
ياترى! من هو فلان المعزوم على بيعته؟ ومن هو فلان الذي أهاج بقوله غضب الخليفة فخطب وقال في خطبته ما قال؟ إنّ ابن أبي الحديد الشافعي قد كشف في بعض ما رواه عن اسميهما وقال: (إنّ الرجل الّذي قال: لو قد مات عمر لبايعت فلانا؛ عمّار بن ياسر قال: لو قد مات عمر لبايعت عليّا. فهذا القول هو الذي هاج عمر أن خطب بما خطب به) (33) .
دراسة مفهوم الخطبة :
يفهم من كلام الخليفة أنه خشي أن يفلت زمام الأمر بعد وفاته من يد قريش ويبادر غيرهم من المسلمين- صحابة وتابعين- إلى بيعة من يكرهون ولايته، وهو الإمام علي، ولذلك ابتكر طريقة سدّ بها الطريق على أولئك وقال: (من بايع رجلا من غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه تغرّة أن يقتلا). قال ذلك في حين أنه بنفسه ولي أمر المسلمين دون مشورة المسلمين، واستند في شرعية حكمه إلى تعيين الخليفة أبي بكر له، ومهما يكن من أمر فقد أمسك- بطرحه ذلك- بزمام الأمر بقوة بيده، ثم طرح بعد ذلك بقليل، وعند ما طعن، وأمر بأن يجتمع ستة من قريش ليختاروا واحدا منهم للخلافة، وجعل أمر ترشيح الخليفة بيد عبد الرحمن بن عوف، وشرط هذا- للبيعة- عمل الخليفة بكتاب اللّه وسنة رسوله وسيرة الشيخين، فقبل عثمان الشرط ورفضه الإمام علي (عليه السلام)، وكانوا يعلمون أنّ الإمام عليا لا يقبل أن يجعل سيرة أبي بكر وعمر في عداد كتاب اللّه وسنة رسوله. وإذا رجعنا إلى ص 183 من هذا الكتاب نجد الخليفة عمر ينبئ سعيد بن العاص الأمويّ أنّ الّذي يلي الأمر من بعده هو ذو رحم سعيد، وقد ولي بعد الخليفة عمر ذو رحم سعيد (عثمان بن عفان الأمويّ)، ولعلّنا نجد السبب- أيضا- في ص 172 منه أنّ أبا بكر دعا عثمان خاليا فقال: (اكتب ... هذا ما عهد أبو بكر إلى المسلمين، أمّا بعد) فاغمي عليه فذهب عنه، (فكتب عثمان: أمّا بعد! فإنّي استخلفت عليكم عمر بن الخطاب) ولمّا أفاق أمضى ما كتبه عثمان من توليته عمر لأنّه كان قد وافق قصده.
وعن أمر من يلي بعد عثمان روى اليعقوبي وقال :
إن عثمان اعتلّ علّة اشتدّت به، فدعا حمران بن أبان، وكتب عهدا لمن بعده، وترك موضع الاسم، ثمّ كتب بيده: عبد الرحمن بن عوف، وربطه وبعث به إلى أمّ حبيبة بنت أبي سفيان، فقرأه حمران في الطريق فأتى عبد الرحمن فأخبره، فقال عبد الرحمن، وغضب غضبا شديدا: أستعمله علانية، ويستعملني سرّا! ونمى الخبر وانتشر بذلك في المدينة. وغضب بنو أميّة، فدعا عثمان بحمران مولاه، فضربه مائة سوط، وسيّره إلى البصرة. فكان سبب العداوة بينه وبين عبد الرحمن بن عوف.
ووجه إليه عبد الرحمن بن عوف بابنه، فقال له قل له: واللّه لقد بايعتك، وإن فيّ ثلاث خصال أفضلك بهن ... الخبر (34).
و يظهر أنّه كان قد بتّ في أن يلي الحكم بعد عثمان عبد الرحمن بن عوف غير أنّ عبد الرحمن توفي قبل عثمان سنة 31 أو 32 ه بعد أن اشتد الخصام بينهما (35) ، وكذلك وقع الخلاف بين بني أميّة «الأسرة الحاكمة من قريش» وسائر أفخاذ قريش، وقادت أم المؤمنين عائشة أسرتها من تيم والمخالفين حتّى سقط الخليفة عثمان قتيلا في داره في المدينة وبمحضر من المهاجرين والأنصار (36).
عند ذلك ملك المسلمون أمرهم وانحلّوا من كلّ بيعة سابقة توثقهم فتهافتوا على الإمام علي (عليه السلام) يبايعونه وفي مقدمتهم أصحاب رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ، ولما ولي الإمام عليّ (عليه السلام) الحكم ألغى جميع امتيازات قريش التي منحوها على عهد الخلفاء قبله، وساوى بين سروات قريش وسائر المسلمين- العرب منهم والموالي- في تقسيم بيت المال والمنزلة الاجتماعية، فلملمت قريش أطرافها بعد أربعة أشهر من حكمه، وأقامت عليه حرب الجمل التي اجتمع فيها مروان (المطالب بدم عثمان) وطلحة والزبير (اللذان حرّضا على قتل عثمان) بقيادة أمّ المؤمنين عائشة التي أفتت بقتل عثمان ثم أقامت قريش عليه حرب صفين.
أقامت الحربين عليه باسم الطلب بدم عثمان، وبذلك شوشت قريش على المسلمين في خارج المدينة الرؤية الصحيحة. وبعد تحكيم الحكمين بصفين خرجت على الإمام علي الخوارج بنهروان. ولهذا كلّه تكرر شكوى الإمام من ظلم قريش مثل قوله في كتابه لأخيه عقيل:
«فدع عنك قريشا وتركاضهم في الضّلال، وتجوالهم في الشّقاق، وجماحهم في التّيه؛ فإنّهم قد أجمعوا على حربي كإجماعهم على حرب رسول اللّه، صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قبلي؛ فجزت قريشا عني الجوازي ، فقد قطعوا رحمي ... الكتاب» (37).
وأخبر عن مشاجرة وقعت بينه وبين أحدهم وقال:
وقد قال قائل: إنّك على هذا الأمر لحريص.
فقلت: بل أنتم واللّه لأحرص وأبعد، وأنا أخصّ وأقرب! وإنّما طلبت حقّا لي وأنتم تحولون بيني وبينه، وتضربون وجهي دونه فلمّا قرعته بالحجّة في الملأ الحاضرين هبّ كأنّه [بهت] لا يدري ما يجيبني به! اللّهمّ إنّي أستعينك على قريش ومن أعانهم؛ فإنهم قطعوا رحمي، وصغّروا عظيم منزلتي، وأجمعوا على منازعتي أمرا هو لي؛ ثمّ قالوا: ألا إنّ [في] الحقّ أن تأخذه وفي الحقّ أن تتركه (38).
وقال في خطبة اخرى :
«اللّهمّ إنّي أستعديك على قريش ومن أعانهم فإنّهم قطعوا رحمي وأكفئوا إنائي، وأجمعوا على منازعتي حقّا كنت أولى به من غيري، وقالوا ألا إنّ في الحقّ أن تأخذه وفي الحقّ أن تمنعه، فاصبر مغموما أو مت متأسّفا.
فنظرت فإذا ليس لي رافد، ولا ذاب، ولا مساعد إلّا أهل بيتي فضننت بهم عن المنيّة فأغضيت على القذى، وجرعت ريقي على الشّجى، وصبرت من كظم الغيظ على أمرّ من العلقم، وآلم للقلب من حزّ الشّفار» (39).
وأخيرا استشهد الإمام (عليه السلام) بيد أحد الخوارج في محراب مسجد الكوفة وبعد استشهاد الإمام علي (عليه السلام) استولى معاوية على الحكم في سنة أربعين للهجرة وسمّوا هذا العام بعام الجماعة وهو في الحقيقة عام الجماعة لقريش، واستمرّ حكم معاوية عشرين عاما، وتوفي في سنة ستين للهجرة.
كان ذلكم بعض آثار كراهية قريش لحكم الإمام علي (عليه السلام)، ومن آثار تلك الكراهية منعهم نشر حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) كما سنذكرها في ما يأتي بإذنه تعالى.
منع كتابة حديث الرسول ( صلى الله عليه واله) :
روى عبد اللّه بن عمرو بن العاص وقال: «كنت أكتب كل شيء أسمعه من رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) فنهتني قريش وقالوا: تكتب كل شيء تسمعه من رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) ورسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) بشر يتكلم في الغضب والرضا! فأمسكت عن الكتابة فذكرت ذلك لرسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) فأومأ بإصبعه إلى فيه وقال: اكتب! فو الذي نفسي بيده ما خرج منه إلّا حقّ» (40).
صرّحت قريش بسبب نهيها عن كتابة حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) وهو أن يكون حديثه في حال غضبه على أحد أو حال رضاه من أحد.
ففي الأولى يبقى حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) منقصة له، ونحن نعلم كم تحدّث الرسول( صلى الله عليه [ واله ]) عن عتاة قريش وشرح الآيات التي نزلت تقريعا لهم! وفي الثانية يبقى حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) نصّا في حقّ أحد لا يرضون أن ينشر نصّ له.
و لهذا السبب نفسه منعوا كتابة وصية الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في مرض وفاته عند ما قال:
«هلمّ أكتب لكم كتابا لن تضلّوا بعده».
فقال عمر: إنّ النبي غلبه الوجع، وعندكم كتاب اللّه، فحسبنا كتاب اللّه.
و قالوا: «ما شأنه! أهجر؟» (41).
كان هذا المنع وذلك النهي بسبب خشية أن ينشر نصّ عن الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في حقّ من يكرهون ولايته فتجتمع الخلافة والنبوة في بيتهم! وبسبب تلكم الكراهية- أيضا- منع الخليفة عمر في عهد خلافته من كتابة حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) ، وأحرق ما كتبه الصحابة من حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) ، وبقي المنع نافذا حتى عصر الخليفة الاموي عمر بن عبد العزيز ...
سياسة الخلافة القرشية وسائر بني أمية :
أ- على عهد معاوية:
ذكر الجاحظ بإيجاز سياسة الخلافة القرشية على عهد معاوية كما رواه ابن أبي الحديد وقال:
قال أبو عثمان الجاحظ: إنّ معاوية أمر الناس بالعراق والشام وغيرهما بسبّ عليّ عليه السلام والبراءة منه.
و خطب بذلك على منابر الإسلام، وصار ذلك سنة في أيام بني أميّة إلى أن قام عمر بن عبد العزيز (رض) فأزاله.
و ذكر شيخنا أبو عثمان الجاحظ أنّ معاوية كان يقول في آخر خطبة الجمعة: اللهم إنّ أبا تراب ألحد في دينك، وصدّ عن سبيلك؛ فالعنه لعنا وبيلا، وعذبه عذابا أليما. وكتب بذلك إلى الآفاق، فكانت هذه الكلمات يشار بها على المنابر إلى خلافة عمر بن عبد العزيز (42).
روى الطبري (43) وقال: استعمل معاوية المغيرة بن شعبة على الكوفة سنة إحدى وأربعين، فلما أمّره عليها دعاه، وقال له: قد أردت إيصاءك بأشياء كثيرة أنا تاركها اعتمادا على بصرك، ولست تاركا إيصاءك بخصلة، لا تترك شتم عليّ وذمّه، والترحّم على عثمان والاستغفار له، والعيب لأصحاب عليّ، والإقصاء لهم، والإطراء لشيعة عثمان، والإدناء لهم. فقال له المغيرة: قد جرّبت وجرّبت وعملت قبلك لغيرك، فلم يذممني، وستبلو فتحمد أو تذمّ، فقال: بل نحمد إن شاء اللّه.
وروى ابن أبي الحديد عن المدائني في كتاب الأحداث وقال:
كتب معاوية نسخة واحدة إلى عمّاله بعد عام الجماعة: أن برئت الذمّة ممّن روى شيئا من فضل أبي تراب، وأهل بيته، .... وكان أشدّ البلاء حينئذ أهل الكوفة (44).
وقال: كتب معاوية (45) إلى عمّاله في جميع الآفاق: ألّا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة، وكتب إليهم أن انظروا من قبلكم من شيعة عثمان ومحبّيه، وأهل ولايته، والذين يروون فضائله ومناقبه، فأدنوا مجالسهم، وقربوهم وأكرموهم، واكتبوا إليّ بكل ما يروي كلّ رجل منهم، واسمه، واسم أبيه، وعشيرته، ففعلوا ذلك حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه، لما كان يبعث إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع، ويفضيه في العرب منهم والموالي، فكثر ذلك في كلّ مصر، وتنافسوا في المنازل والدنيا، فليس يجيء أحد مردود من الناس عاملا من عمّال معاوية، فيروي في عثمان فضيلة أو منقبة إلّا كتب اسمه، وقرّبه وشفّعه، فلبثوا بذلك حينا، ثم كتب إلى عماله أنّ الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كلّ مصر، وفي كلّ وجه وناحية، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأوّلين، ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلّا وأتوني بمناقض له في الصحابة فإنّ هذا أحبّ إليّ وأقرّ إلى عيني، وأدحض لحجّة أبي تراب وشيعته، وأشدّ عليهم من مناقب عثمان، وفضله، فقرئت كتبه على الناس، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها، وجرى الناس في رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر، وألقي إلى معلمي الكتاتيب فعلّموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع، حتى رووه، وتعلّموه كما يتعلّمون القرآن، وحتى علّموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم، فلبثوا بذلك إلى ما شاء اللّه ...، فظهرت أحاديث كثيرة موضوعة، وبهتان منتشر، ومضى على ذلك الفقهاء والقضاة والولاة ...) الحديث (46).
وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه، وهو من أكابر المحدّثين وأعلامهم، في تاريخه ما يناسب هذا الخبر وقال: «إنّ أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة افتعلت في أيّام بني أمية تقرّبا إليهم بما يظنّون أنّهم يرغمون به أنوف بني هاشم» (47).
وروى ابن أبي الحديد (48) عن أبي جعفر الإسكافي وقال: «إنّ معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين على رواية أخبار قبيحة في عليّ (عليه السلام) تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله».
وروى في هذا الصدد عن الصحابة عن عمرو بن العاص، الحديث الذي أخرجه البخاري (49) ومسلم في صحيحيهما مسندا متصلا بعمرو بن العاص، قال: سمعت رسول اللّه يقول جهارا غير سرّ (50): «إنّ آل أبي طالب ليسوا لي بأولياء، إنما وليي اللّه وصالح المؤمنين».
وفي البخاري بعده بطريق آخر عنه (و لكن لهم رحما أبلّها ببلالها)- يعني أصلها بصلتها- انتهى.
كانت تلكم رواية ابن أبي الحديد عن صحيح البخاري وفي طبعات البخاري في عصرنا بدل لفظ (آل أبي طالب) ب: (آل أبي فلان).
وروى الطبري عن المغيرة بن شعبة، أنّه أقام سبع سنين وأشهرا في الكوفة لا يدع شتم عليّ والوقوع فيه، والعيب لقتلة عثمان واللعن لهم، والدعاء لعثمان بالرحمة والاستغفار له والتزكية لأصحابه، غير أنّ المغيرة كان يداري، فيشتدّ مرّة ، ويلين أخرى.
وروى الطبري: أنّ المغيرة بن شعبة قال لصعصعة بن صوحان العبدي وكان المغيرة يوم ذاك أميرا على الكوفة من قبل معاوية: «إيّاك أن يبلغنى عنك أنك تعيب عثمان عند أحد من الناس، وإيّاك أن يبلغني عنك أنّك تذكر شيئا من فضل عليّ علانية، فإنّك لست بذاكر من فضل عليّ شيئا أجهله، بل أنا أعلم بذلك، ولكنّ هذا السلطان قد ظهر، وقد أخذنا باظهار عيبه للناس، فنحن ندع كثيرا ممّا أمرنا به، ونذكر الشيء الذي لا نجد منه بدّا ندفع به هؤلاء القوم عن أنفسنا تقيّة، فإن كنت ذاكرا فضله، فاذكره بينك وبين أصحابك، وفي منازلكم سرّا، وأمّا علانية في المسجد، فإنّ هذا لا يحتمله الخليفة لنا ولا يعذرنا فيه ...» الحديث.
وقال اليعقوبي (51) ما موجزه :
وكان حجر بن عدي الكندي، وعمرو بن الحمق الخزاعي وأصحابهما من شيعة علي بن أبي طالب، إذا سمعوا المغيرة وغيره من أصحاب معاوية، وهم يلعنون عليا على المنبر، يقومون فيردون عليهم، ويتكلمون في ذلك.
فلما قدم زياد الكوفة وجّه صاحب شرطه إليهم، فأخذ جماعة منهم فقتلوا، وهرب عمرو بن الحمق الخزاعيّ إلى الموصل وعدّة معه، وأخذ زياد حجر بن عديّ الكنديّ وثلاثة عشر رجلا من أصحابه فأشخصهم إلى معاوية فكتب فيهم أنّهم خالفوا الجماعة في لعن أبي تراب، وزروا على الولاة، فخرجوا بذلك من الطاعة، وأنفذ شهادات قوم. فلمّا صاروا بمرج عذراء من دمشق على أميال، أمر معاوية بإيقافهم هناك، ثمّ وجه إليهم من يضرب أعناقهم، فكلّمه قوم في ستّة منهم فأخلى سبيلهم، وأمر أن يعرض على الباقي البراءة من علي واللعن له فقالوا: إن فعلتم تركناكم وإن أبيتم قتلناكم، فابرءوا منه نخلّ سبيلكم! قالوا: اللهم لسنا فاعلي ذلك! فحفروا لهم قبورهم وأدنيت أكفانهم، فقاموا الليل كلّه يصلون، فلما أصبحوا عرضوا عليهم البراءة من علي فقالوا: نتولاه ونتبرأ ممن تبرأ منه. فأخذ كل رجل منهم رجلا ليقتله فقال حجر دعوني أتوضأ وأصلي. فلما أتم صلاته قتلوه وأقبلوا يقتلونهم واحدا واحدا حتى قتلوا ستة مع حجر. فلما بلغوا عبد الرحمن بن حسان العنزي وكريم بن العفيف الخثعمي قالا: ابعثوا بنا إلى أمير المؤمنين فنحن نقول في هذا الرجل مقالته. فبعثوا بهما إلى معاوية فلما دخلا عليه، قال معاوية للخثعمي: ما تقول في علي، قال: أقول فيه قولك! قال أتبرأ من دين علي؟ فسكت، فقام ابن عم له فاستوهبه من معاوية فحبسه شهرا ثم خلّى سبيله على أن يذهب إلى الكوفة. أمّا العنزي فقد قال له: يا أخا ربيعة! ما قولك في علي؟ قال: أشهد أنه كان من الذاكرين اللّه كثيرا ومن الآمرين بالحقّ والقائمين بالقسط والعافين عن الناس. قال: فما قولك في عثمان؟ قال:
هو أول من فتح باب الظلم وأرتج أبواب الحقّ. قال: قتلت نفسك. قال:
بل إياك قتلت، فبعث به معاوية إلى زياد وكتب إليه: أما بعد، فإن هذا العنزي شرّ من بعثت، فعاقبه عقوبته التي هو أهلها واقتله شرّ قتلة. فلمّا قدم به على زياد بعث زياد به إلى قسّ الناطف فدفن به حيّا (52) ومن قصص زياد بن أبيه في هذه المعركة أيضا ما وقع بينه وبين صيفي ابن فسيل، فإنّه أمر فجيء به إليه، فقال له: يا عدوّ اللّه! ما تقول في أبي تراب؟ قال: ما أعرف أبا تراب؛ قال: ما أعرفك به! قال ما أعرفه، قال: أ ما تعرف عليّ بن أبي طالب؟! قال: بلى، قال: فذاك،- وبعد محاورة بينهما- قال: عليّ بالعصا، فقال: ما قولك في عليّ؟ قال: أحسن قول أنا قائله في عبد من عبيد اللّه أقوله في أمير المؤمنين، قال: اضربوا عاتقه بالعصا حتى يلصق بالأرض؛ فضرب حتى ألصق بالأرض؛ ثم قال: أقلعوا عنه، فتركوه، فقال له: إيه ما قولك في عليّ؟ قال: واللّه لو شرطتني بالمواسي والمدى ما قلت إلّا ما سمعت منّي، قال لتلعننّه أو لأضربنّ عنقك، قال: إذا واللّه تضربها قبل ذلك، فأسعد وتشقى، قال: ادفعوا في رقبته، ثمّ قال: أوقروه حديدا واطرحوه في السجن، ثمّ قتل مع حجر (53).
و كتب إلى معاوية في رجلين حضرميّين (54) أنّهما على دين عليّ ورأيه، فأجابه: من كان على دين علي ورأيه، فاقتله، ومثل به، فصلبهما على باب دارهما بالكوفة (55).
كما أمره بدفن الخثعميّ الذي مدح عليّا وعاب عثمان حيّا، فدفنه حيا (56).
وختم حياته بما ذكره المسعودي، وابن عساكر، قال ابن عساكر:
جمع أهل الكوفة فملأ منهم المسجد والرحبة والقصر، ليعرضهم على البراءة من عليّ (57). وقال المسعودي: وكان زياد جمع الناس بالكوفة بباب قصره يحرّضهم على لعن عليّ، فمن أبى ذلك عرضه على السيف، ثمّ ذكر أنّه اصيب بالطاعون في تلك الساعة فأفرج عنهم.
و كان عمرو بن الحمق الخزاعيّ ممن أصابه التشريد والقتل في هذه المعركة، فإنّه فرّ إلى البراري، فبحثوا عنه حتى عثروا عليه، فحزّوا رأسه وحملوه إلى معاوية، فأمر بنصبه في السوق ثم بعث برأسه إلى زوجته في السجن- وكان قد سجنها في هذا السبيل- فالقي في حجرها (58).
عمّت هذه السياسة البلاد الإسلامية، واتّبعها ونفّذها غير من ذكرنا من الأمراء أيضا، كبسر بن أرطاة في ولايته البصرة، وابن شهاب في الري (59) فقد كانت لهم قصص في ذلك ذكرها المؤرخون، ثمّ أصبحت هذه سياسة بني أمية التقليدية، ولعن علي بن أبي طالب على منابر الشرق والغرب ما عدا سجستان، فإنّه لم يلعن على منبرها إلّا مرة، وامتنعوا على بني أمية، حتى زادوا في عهدهم أن لا يلعن على منبرهم أحد في حين كان يلعن على منابر الحرمين مكة والمدينة (60).
وقد كانوا يلعنون عليّا على المنابر بمحضر من أهل بيته، وقصصهم في ذلك كثيرة نكتفي منها بذكر واحدة أوردها ابن حجر (61) في تطهير اللّسان، وقال:
إنّ عمرا صعد المنبر فوقع في عليّ، ثمّ فعل مثله المغيرة بن شعبة، فقيل للحسن: اصعد المنبر لتردّ عليهما، فامتنع إلّا أن يعطوه عهدا أنّهم يصدقوه إن قال حقّا، ويكذبوه (62) إن قال باطلا، فأعطوه ذلك، فصعد المنبر فحمد اللّه وأثنى عليه، ثمّ قال: أنشدك اللّه يا عمرو! يا مغيرة! أ تعلمان أنّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) لعن السائق والقائد أحدهما فلان؟ قالا: بلى، ثمّ قال: يا معاوية! ويا مغيرة! أ لم تعلما أنّ النبي( صلى الله عليه [ واله ] ) لعن عمرا بكل قافية قالها لعنة؟ قالا: اللّهم بلى ...) الحديث.
ولمّا كان الناس لا يجلسون لاستماع خطبهم لما فيها من أحاديث لا يرتضونها، خالفوا السنّة وقدّموا الخطبة على الصلاة. قال ابن حزم في المحلّى (63).
أحدث بنو أمية تقديم الخطبة على الصلاة، واعتلّوا بأنّ الناس كانوا إذا صلّوا تركوهم، ولم يشهدوا الخطبة، وذلك لأنّهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب (رض) فكان المسلمون يفرّون، وحقّ لهم ذلك.
وقال اليعقوبي في تاريخه (2/ 223):
وفي هذه السنة- سنة 44 ه- عمل معاوية المقصورة في المسجد وأخرج المنابر إلى المصلى في العيدين وخطب الخطبة قبل الصلاة، وذلك أن الناس إذا صلوا، انصرفوا لئلا يسمعوا لعن علي فقدم معاوية الخطبة قبل الصلاة، ووهب فدكا لمروان بن الحكم ليغيظ بذلك آل رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) .
وفي الصحيحين (64) وغيرهما عن أبي سعيد الخدري قال:
خرجت مع مروان وهو أمير المدينة- في أضحى أو فطر- فلمّا أتينا المصلّى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلّي، فجبذت بثوبه، فجبذني، فارتفع، فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيّرتم واللّه.
فقال: يا أبا سعيد! قد ذهب ما تعلم. فقلت: ما أعلم واللّه خير ممّا لا أعلم، فقال: إنّ الناس لم يكونوا يجلسون لما بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة وكانوا لا يكتفون بذلك، بل يأمرون الصحابة به أيضا، ففي صحيح مسلم (65) وغيره عن سهل بن سعد: قال:
«استعمل على المدينة رجل من آل مروان، فدعا سهل بن سعيد فأمره أن يشتم عليّا، فأبى سهل، فقال له: أمّا إذا أبيت فقل: لعن اللّه أبا التراب، فقال سهل: ما كان لعليّ اسم أحبّ إليه من أبي التراب، وإن كان ليفرح إذا دعي بها، فقال له: أخبرنا عن قصّته، لم سمّي أبا تراب؟ قال جاء رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) بيت فاطمة، فلم يجد عليّا في البيت، فقال: أين ابن عمّك؟».
إلى قوله : «هو في المسجد راقد، فجاءه وهو مضطجع، وقد سقط رداءه عن شقّه، فجعل رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) يمسحه عنه، ويقول: قم أبا التراب، قم أبا التراب».
وعن عامر بن سعد بن أبي وقّاص، قال: «أمر معاوية سعدا فقال :
ما منعك أن تسبّ أبا التراب؟ فقال: أمّا ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.
سمعت رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه، فقال له عليّ: يا رسول اللّه! خلّفتني مع النساء والصبيان؟ فقال له رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) : أ ما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي، وسمعته يقول يوم خيبر: لأعطين الراية رجلا يحبّ اللّه ورسوله ويحبّه اللّه ورسوله؛ قال: فتطاولنا لها، فقال: أدعوا لي عليّا فأتي به أرمد، فبصق في عينه، ودفع الراية إليه، ففتح اللّه عليه، ولمّا نزلت هذه الآية : {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ} [آل عمران: 61] دعا رسول اللّه ( صلى الله عليه [ واله ] ) عليا وفاطمة، وحسنا، وحسينا، فقال: اللّهم! هؤلاء أهلي» (66).
ورواه المسعودي (67) عن الطبري هكذا: قال:
«لما حجّ معاوية طاف بالبيت ومعه سعد، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة، فأجلسه معه على سريره، ووقع في عليّ، وشرع في سبّه، فزحف سعد، ثمّ قال: أجلستني معك على سريرك، ثمّ شرعت في سبّ عليّ؟! واللّه لأن يكون فيّ خصلة واحدة من خصال عليّ أحبّ إليّ، ثمّ ساق الحديث باختلاف يسير وذكر في آخره أنّه قال: وأيم اللّه لا دخلت لك دارا ما بقيت، ثمّ نهض».
أمّا ابن عبد ربّه فقد أورده باختصار في أخبار معاوية من العقد الفريد وقال: (68) «و لمّا مات الحسن بن عليّ حجّ معاوية، فدخل المدينة، وأراد أن يلعن عليا على منبر رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) فقيل له: إنّ هاهنا سعد بن أبي وقّاص.
ولا نراه يرضى بهذا، فابعث إليه وخذ رأيه، فأرسل إليه وذكر له ذلك، فقال: إن فعلت لأخرجنّ من المسجد، ثمّ لا أعود إليه، فأمسك معاوية عن لعنه حتى مات سعد، فلمّا مات لعنه على المنبر، وكتب إلى عمّاله أن يلعنوه على المنابر، ففعلوا، فكتبت أمّ سلمة زوج النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) إلى معاوية: إنّكم تلعنون اللّه ورسوله على منابركم، وذلك أنّكم تلعنون عليّ بن أبي طالب، ومن أحبّه، وأنا أشهد اللّه أنّ اللّه أحبّه، ورسوله، فلم يلتفت إلى كلامها» انتهى (69).
وقال ابن أبي الحديد:
روى أبو عثمان- الجاحظ- أيضا أنّ قوما من بني أميّة قالوا لمعاوية: يا أمير المؤمنين! إنك قد بلغت ما أملت، فلو كففت عن لعن هذا الرجل! فقال: لا واللّه حتى يربو عليه الصغير، ويهرم عليه الكبير، ولا يذكر له ذاكر فضلا! (70).
تربية أهل الشام منذ زمن معاوية على بغض الإمام علي (عليه السلام) ولعنه :
روى الثقفي في كتابه الغارات وقال: إنّ عمر بن ثابت كان يركب بالشام ويدور في القرى بالشام فإذا دخل قرية جمع أهلها ثم يقول:
أيّها الناس! إنّ علي بن أبي طالب كان رجلا منافقا أراد أن ينخس برسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ليلة العقبة فالعنوه. قال: فيلعنه أهل تلك القرية ثم يسير إلى القرية الأخرى فيأمرهم بمثل ذلك (و كان في أيام معاوية).
خبر ليلة العقبة بإيجاز:
عند ما رجع النبيّ سنة 9 للهجرة من غزوة تبوك ومرّ بعقبة هرشى على ملتقى طريق الشام والمدينة ومكة وفي أسفلها واد تسير القوافل منها فأمر الجيش أن يسيروا من بطن الوادي وسار هو ليلا من طريق عقبة هرشى فتآمر بعض المنافقين على نفر ناقة الرسول ليلا ليقتلوه فمنعهم من ذلك الصحابيان عمار بن ياسر وحذيفة اللذان كانا في صحبة الرسول. راجع خبره في إمتاع الأسماع (477)، ومادة هرشى من معجم البلدان، ونسب عميل معاوية هذا العمل إلى ابن عم الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) .
الباعث لمعاوية على ما فعل:
إن كان دافع سائر قريش في ما فعلته مع الإمام علي (عليه السلام)، كرهها أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم. فقد كان دافع معاوية القرشي الأموي مع ذلك حقده على بني هاشم كما يظهر ذلك في الخبر الآتي:
روى الزبير بن بكار وقال:
قال المطرف بن المغيرة بن شعبة:
دخلت مع أبي على معاوية. فكان أبي يأتيه فيتحدث معه، ثم ينصرف إليّ فيذكر معاوية وعقله، ويعجب بما يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، ورأيته مغتمّا فانتظرته ساعة، وظننت أنّه لأمر حدث فينا فقلت: ما لي أراك مغتمّا منذ الليلة؟ فقال: يا بنيّ! جئت من عند أكفر الناس وأخبثهم.
قلت: وما ذاك؟ قال: قلت له وقد خلوت به: إنّك قد بلغت سنّا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عدلا، وبسطت خيرا فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فو اللّه ما عندهم اليوم شيء تخافه، وإنّ ذلك مما يبقى لك ذكره وثوابه، فقال: هيهات هيهات! أي ذكر أرجو بقاءه! ملك أخو تيم فعدل وفعل ما فعل، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره إلّا أن يقول قائل: أبو بكر، ثم ملك أخو عدي فاجتهد وشمّر عشر سنين، فما عدا أن هلك حتى هلك ذكره، إلّا أن يقول قائل: عمر.
وإنّ ابن أبي كبشة ليصاح به كلّ يوم خمس مرات (أشهد أنّ محمدا رسول اللّه) فأي عمل يبقى؟ وأي ذكر يدوم بعد هذا لا أبا لك؟ لا واللّه إلّا دفنا دفنا (71).
كان ذلكم من معاوية بسبب حقده على بني هاشم.
أسباب حقد معاوية على بني هاشم :
لمعرفة أسباب حقد معاوية على بني هاشم ينبغي قراءة بحث (مع معاوية) من كتابنا (أحاديث أمّ المؤمنين عائشة) وكان في ما شرحناه هناك من تلك الأسباب:
إنّ معاوية ورث ذلكم الحقد من أمّه هند التي لاكت كبد حمزة عمّ الرسول( صلى الله عليه [واله]) في غزوة احد، وصنعت من أطرافه قلادة تشفيا لغيظها على بني هاشم، وأخيرا شفى حقد آل أبي سفيان يزيد بن معاوية بقتله آل الرسول في كربلاء وقطع رءوسهم وسبي نسائهم كما ذكرناه مفصلا في المجلد الثالث من هذا الكتاب، وولي بعد يزيد آل مروان من بني أمية وفي ما يأتي أمثلة من سياستهم مع آل الرسول بعد ذكر ما فعله ابن الزبير في دولته:
سياسة ابن الزبير :
شرح ابن أبي الحديد سياسة ابن الزبير في دولته وقال:
روى عمر بن شبّة وابن الكلبيّ والواقدي وغيرهم من رواة السير، أنّه مكث أيام ادّعائه الخلافة أربعين جمعة لا يصلّي فيها على النبي صلّى اللّه عليه وآله، وقال: لا يمنعني من ذكره إلّا أن تشمخ رجال بآنافها.
وقال:
وفي رواية محمد بن حبيب وأبي عبيدة معمر بن المثنى: انّ له أهيل سوء ينغضون رءوسهم عند ذكره.
وقال: أيضا وروى سعيد بن جبير أن عبد اللّه بن الزبير قال لعبد اللّه بن عباس: ما حديث أسمعه عنك! قال: وما هو؟ قال: تأنيبي وذمّي! فقال: إني سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يقول: «بئس المرء المسلم يشبع ويجوع جاره»، فقال ابن الزبير: إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت من أربعين سنة ...
الحديث. عرّض ابن عباس إلى بخل ابن الزبير في حديثه.
وقال أيضا: روى عمر بن شبّة عن سعيد بن جبير، قال: خطب عبد اللّه بن الزبير، فنال من عليّ عليه السلام، فبلغ ذلك محمد بن الحنفيّة (ت 81 ه)، فجاء إليه وهو يخطب، فوضع له كرسيّ، فقطع عليه خطبته، وقال: يا معشر العرب، شاهت الوجوه! أ ينتقص عليّ وأنتم حضور! إنّ عليّا كان يد اللّه على أعداء اللّه، وصاعقة من أمره، أرسله على الكافرين والجاحدين لحقّه، فقتلهم بكفرهم فشنئوه وأبغضوه، وأضمروا له السيف والحسد وابن عمه صلّى اللّه عليه وآله حيّ بعد لم يمت؛ فلما نقله اللّه إلى جواره، وأحبّ له ما عنده، أظهرت له رجال أحقادها، وشفت أضغانها، فمنهم من ابتزّه حقّه، ومنهم من ائتمر به ليقتله، ومنهم من شتمه وقذفه بالأباطيل؛ فإن يكن لذريّته وناصري دعوته دولة تنشر عظامهم، وتحفر على أجسادهم؛ والأبدان منهم يومئذ بالية، بعد أن تقتل الأحياء منهم، وتذلّ رقابهم، فيكون اللّه عزّ اسمه قد عذّبهم بأيدينا وأخزاهم ونصرنا عليهم، وشفا صدورنا منهم، إنّه واللّه ما يشتم عليّا إلّا كافر يسرّ شتم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله ويخاف أن يبوح به، فيكنّي بشتم علي عليه السلام عنه. أما إنّه قد تخطت المنية منكم من امتد عمره، وسمع قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله فيه: «لا يحبّك إلّا مؤمن، ولا يبغضك إلّا منافق، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون» (72).
وقال ابن أبي الحديد:
وكان عبد اللّه بن الزبير يبغض عليّا عليه السلام، وينتقصه وينال من عرضه. (73) وقال اليعقوبي:
تحامل عبد اللّه بن الزبير على بني هاشم تحاملا شديدا، وأظهر لهم العداوة والبغضاء، حتى بلغ ذلك منه أن ترك الصلاة على محمّد في خطبته، فقيل له: لم تركت الصلاة على النبيّ؟ فقال: إنّ له أهل سوء يشرئبون لذكره، ويرفعون رءوسهم إذا سمعوا به.
وأخذ ابن الزبير محمّد بن الحنفيّة، وعبد اللّه بن عبّاس، وأربعة وعشرين رجلا من بني هاشم ليبايعوا له، فامتنعوا، فحبسهم في حجرة زمزم، وحلف باللّه الذي لا إله إلّا هو ليبايعنّ أو ليحرقنّهم بالنار، فكتب محمد بن الحنفية إلى المختار بن أبي عبيد: بسم اللّه الرحمن الرحيم، من محمد بن علي ومن قبله من آل رسول اللّه إلى المختار بن أبي عبيد ومن قبله من المسلمين، أما بعد فإن عبد اللّه بن الزبير أخذنا، فحبسنا في حجرة زمزم، وحلف باللّه الذي لا إله إلّا هو لنبايعنّه، أو ليضر منّها علينا بالنار، فيا غوثاه! (74) فوجّه إليهم المختار بن أبي عبيد بأبي عبد اللّه الجدلي في أربعة آلاف راكب، فقدم مكّة، فكسر الحجرة، وقال لمحمّد بن عليّ: دعني وابن الزبير! قال:
لا أستحل من قطع رحمه ما استحلّ منّي (75).
بعد ابن الزبير:
بعد قتل ابن الزبير صفا الجوّ للخلفاء الأمويين من آل مروان فتابعوا معاوية في سياسته في شأن الإمام علي (عليه السلام) كالآتي بيانه بحوله تعالى:
ب- على عهد عبد الملك وابنه الوليد :
روى ابن أبي الحديد عن الجاحظ أنّه قال:
وقال أبو عثمان: وما كان عبد الملك مع فضله وأناته وسداده ورجحانه ممن يخفى عليه فضل علي عليه السلام، وإن لعنه على رءوس الأشهاد، وفي أعطاف الخطب، وعلى صهوات المنابر مما يعود عليه نقصه، ويرجع إليه وهنه، لأنهما جميعا من بني عبد مناف، والأصل واحد، ولكنه أراد تشييد الملك وتأكيد ما فعله الأسلاف، وأن يقرّر في أنفس الناس أنّ بني هاشم لا حظّ لهم في هذا الأمر، وأنّ سيّدهم الذي به يصولون، وبفخره يفخرون، هذا حاله وهذا مقداره، فيكون من ينتمي إليه ويدلي به عن الأمر أبعد، وعن الوصول إليه أشحط وأنزح.
وقال أيضا:
روى أهل السّيرة أن الوليد بن عبد الملك في خلافته ذكر عليّا عليه السلام، فقال: لعنه «اللّه» بالجر، كان لصّ ابن لصّ.
فعجب الناس من لحنه فيما لا يلحن فيه أحد، ومن نسبته عليّا عليه السلام إلى اللصوصيّة وقالوا: ما ندري أيّهما أعجب! وكان الوليد لحّانا (76).
ويؤيد أن الوليد كان لحانا ما رواه أهل السير وقالوا:
إنّ روح بن زنباع قال دخلت يوما على عبد الملك وهو مهموم فقال:
فكّرت في من أوليه العرب فلم أجده! فقلت: وأين أنت عن ريحانة قريش وسيدها الوليد! فقال لي يا أبا زنباع إنّه لا يلي العرب إلّا من تكلّم بكلامهم، قال فسمعها الوليد فقام من ساعته وجمع أصحاب النحو وجلس معهم في بيت وطيّن عليه ستة أشهر ثم خرج وهو أجهل ممّا كان. فقال عبد الملك أما إنه قد أعذر (77).
كان ذلكم بعض آثار سياسة الخلافة القرشية على عهد عبد الملك وابنه الوليد وبعضه الآخر ندرسه من خلال دراسة ما فعله واليهما الحجاج في هذا الشأن.
بعض ما فعله الحجاج تنفيذا للسياسة القرشية :
روى ابن أبي الحديد بعض ما فعله الحجاج في هذا الشأن وقال:
كان الحجاج لعنه اللّه يلعن عليا (عليه السلام)، ويأمر بلعنه. وقال له متعرّض به يوما وهو راكب: أيها الأمير، إن أهلي عقّوني فسمّوني عليّا، فغيّر اسمي، وصلني بما أتبلّغ به، فإني فقير. فقال: للطف ما توصلت به قد سميتك كذا، ووليتك العمل الفلاني فاشخص إليه (78).
وروى المسعودي في هذا الشأن وقال :
قال الحجاج يوما لعبد اللّه بن هانئ وهو رجل من أود، حي من اليمن، وكان شريفا في قومه، وقد شهد مع الحجاج مشاهده كلها، وشهد معه تحريق البيت، وكان من أنصاره وشيعته: واللّه ما كافأناك بعد، ثم أرسل إلى أسماء ابن خارجة- وكان من فزارة- أن زوج عبد اللّه بن هانئ ابنتك، فقال:
لا واللّه، ولا كرامة، فدعا له بالسياط، فقال: أنا أزوجه، فزوجه، ثم بعث إلى سعيد بن قيس الهمداني رئيس اليمانية أن زوّج عبد اللّه بن هانئ، قال:
ومن أود؟ واللّه لا أزوجه ولا كرامة، قال : هاتوا السيف، قال: دعني حتى أشاور أهلي، فشاورهم، فقالوا: زوجه لا يقتلك هذا الفاسق، فزوجه، فقال له الحجاج: يا عبد اللّه، قد زوجتك بنت سيد بني فزارة وابنة سيد همدان وعظيم كهلان، وما أود هنالك، فقال: لا تقل- أصلح اللّه الأمير- ذلك، فإن لنا مناقب ما هي لأحد من العرب، قال: وما هذه المناقب؟ قال ما سبّ أمير المؤمنين عثمان في ناد لنا قط، قال: هذه واللّه منقبة، قال: وشهد منا صفين مع أمير المؤمنين معاوية سبعون رجلا، وما شهدها مع أبي تراب منا إلا رجل واحد، وكان واللّه ما علمته امرأ سوء، قال: وهذه واللّه منقبة، قال: وما منّا أحد تزوج امرأة تحب أبا تراب ولا تتولاه، قال: وهذه واللّه منقبة، قال وما منّا امرأة إلّا نذرت إن قتل الحسين أن تنحر عشر جزائر لها، ففعلت، قال : وهذه واللّه منقبة، قال: وما منّا رجل عرض عليه شتم أبي تراب ولعنه إلا فعل، وقال: وأزيدكم ابنيه الحسن والحسين وأمهما فاطمة، قال: وهذه واللّه منقبة. قال: وما أحد من العرب له من الملاحة والصباحة ما لنا، فضحك الحجاج وقال: أما هذه يا أبا هانئ فدعها. وكان عبد اللّه دميما شديد الأدمة مجدورا، في رأسه عجر، مائل الشدق، أحول قبيح الوجه، شديد الحول (79).
وروى ابن سعد في ترجمة عطية بن سعد بن جنادة العوفي من طبقاته وقال:
كتب الحجاج إلى محمد بن القاسم الثقفي أن ادع عطية فإن لعن علي ابن أبي طالب وإلّا فاضربه أربعمائة سوط واحلق رأسه ولحيته. فدعاه فأقرأه كتاب الحجاج فأبى عطية أن يفعل، فضربه أربعمائة سوط وحلق رأسه ولحيته (80).
وسار على نهج الحجاج أخوه وواليه على اليمن كالآتي بيانه :
بعض ما فعله أخو الحجاج محمد بن يوسف زمان ولايته على اليمن :
روى الذهبي عن حجر المدري ما موجزه قال: قال علي بن أبي طالب:
كيف بك إذا أمرت أن تلعنني.
قلت: أو كائن ذلك؟
قال: نعم! قلت: فكيف أصنع؟
قال: العنّي ولا تبرأ منّي.
قال فامره محمد بن يوسف أخو الحجاج أن يلعن عليّا.
فقال: إن الأمير أمرني أن ألعن عليّا فالعنوه لعنه اللّه. فما فطن لها إلّا رجل (81).
هكذا توالت سياسة الخلافة الأموية القرشية إلى زمن الخليفة عمر بن عبد العزيز الذي قام بنقض تلكم السياسة كما سندرسه في ما يأتي:
ج- على عهد عمر بن عبد العزيز:
إنّ عمر بن عبد العزيز خالف سياسة الخلافة الاموية وأمر بترك لعن الإمام علي (عليه السلام). وذكروا في سبب ذلك وقالوا ما رواه ابن أبي الحديد وغيره واللفظ لابن أبي الحديد.
فأمّا عمر بن عبد العزيز (رض) فإنه قال: كنت غلاما أقرأ القرآن على بعض ولد عتبة بن مسعود، فمرّ بي يوما وأنا ألعب مع الصبيان، ونحن نلعن عليا، فكره ذلك ودخل المسجد، فتركت الصبيان وجئت إليه لأدرس عليه وردي، فلما رآني قام فصلّى وأطال في الصلاة- شبه المعرض عنّي حتى أحسست منه بذلك- فلما انفتل من صلاته كلح في وجهي، فقلت له: ما بال الشيخ؟ فقال لي: يا بنيّ، أنت اللاعن عليّا منذ اليوم! قلت: نعم، قال:
فمتى علمت أن اللّه سخط على أهل بدر بعد أن رضي عنهم! فقلت: وهل كان عليّ من أهل بدر؟ فقال: ويحك! وهل كانت بدر كلها إلّا له! فقلت لا أعود، فقال: اللّه أنك لا تعود! قلت: نعم. فلم ألعنه بعدها (82) ، ثم كنت أحضر تحت منبر المدينة، وأبي يخطب يوم الجمعة، وهو حينئذ أمير المدينة، فكنت أسمع أبي يمر في خطبه تهدر شقاشقه، حتى يأتي إلى لعن علي عليه السلام فيجمجم، ويعرض له من الفهاهة والحصر ما اللّه عالم به، فكنت أعجب من ذلك، فقلت له يوما: يا أبت، أنت أفصح الناس وأخطبهم، فما بالى أراك أفصح خطيب يوم حفلك، حتى إذا مررت بلعن هذا الرجل، صرت ألكن عييّا! فقال: يا بنيّ، إنّ من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم، لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد. فوقرت كلمته في صدري؛ مع ما كان قاله لي معلمي أيام صغري، فأعطيت اللّه عهدا؛ لئن كان لي في هذا الأمر نصيب لأغيّرنّه، فلما منّ اللّه عليّ بالخلافة أسقطت ذلك وجعلت مكانه: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ} (83) {يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (84) ، وكتبت به إلى الآفاق فصار سنة (85).
وقال كثيّر بن عبد الرحمن يمدح عمر ويذكر قطعه السبّ :
وليت فلم تشتم عليا ولم تخف بريا ولم تقبل إساءة مجرم
وكفّرت بالعفو الذنوب مع الّذي أتيت فأضحى راضيا كلّ مسلم (86) .
و قال الرضي أبو الحسن (ره).
يا ابن عبد العزيز لو بكت العين فتى من أميّة لبكيتك غير أني أقول إنك قد طبت وإن لم يطب ولم يزك بيتك :
أنت نزّهتنا عن السبّ والقذ ف؛ فلو أمكن الجزاء جزيتك (87) .
إنّ عمر بن عبد العزيز لم ينجح في مسعاه لسببين:
أولا- لأنّ المسلمين كانوا قد اعتادوا على لعن الإمام علي ورأوا فيه سنّة لا ينبغي تركه، وأبى بعضهم ترك لعن الامام علي (عليه السلام) على عهد عمر بن عبد العزيز مثل أهل حرّان كما رواه الحموي والمسعودي حيث قال:
قد كان أهل حرّان قاتلهم اللّه تعالى حين أزيل لعن أبي تراب- يعني علي بن أبي طالب (رض)- عن المنابر يوم الجمعة امتنعوا عن إزالته وقالوا:
لا صلاة إلّا بلعن أبي تراب. وأقاموا على ذلك سنة حتى كان من أمر المشرق وظهور المسوّدة ما كان (88).
ثانيا- لأنّ الخلفاء الأمويين من بعد عمر بن عبد العزيز أعادوا تلك السنّة السيئة كما ندرسها في ما يأتي بإذنه تعالى.
د- على عهد هشام بن عبد الملك :
روى ابن عساكر في ترجمة جنادة بن عمرو بن الجنيد بن عبد الرحمن الحرّي مولى بني امية وقال: إنّه روى عن جدّه الجنيد أنه قال:
أتيت من حوران إلى دمشق لآخذ عطائي فصليت الجمعة ثم خرجت من باب الدرج فإذا عليه شيخ يقال له أبو شيبة القاصّ يقصّ على الناس فرغّب فرغبنا وخوّف فبكينا، فلما انقضى حديثه قال اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب فلعنوا أبا تراب عليه السلام. فالتفت إلى من على يميني فقلت له: فمن أبو تراب؟
فقال: علي بن أبي طالب ابن عم رسول اللّه وزوج ابنته وأول الناس إسلاما وأبو الحسن والحسين. فقلت: ما أصاب هذا القاص، فقمت إليه وكان ذا وفرة فأخذت وفرته بيدي وجعلت ألطم وجهه وأبطح برأسه الحائط فصاح فاجتمع أعوان المسجد فوضعوا ردائي في رقبتي وساقوني حتى أدخلوني على هشام بن عبد الملك وأبو شيبة يقدمني، فصاح: يا أمير المؤمنين! قاصّك وقاصّ آبائك وأجدادك أتى إليه اليوم أمر عظيم. قال: من فعل بك؟ فقال: هذا فالتفت إليّ هشام وعنده أشراف الناس فقال: يا أبا يحيى متى قدمت؟
فقلت أمس وأنا على المصير إلى أمير المؤمنين فأدركتني صلاة الجمعة فصليت وخرجت إلى باب الدرج فإذا هذا الشيخ قائم يقصّ فجلست إليه فقرأ فسمعنا فرغب من رغب وخوف من خوف ودعا فأمنا وقال في آخر كلامه اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب فسألت من أبو تراب؟ فقيل: علي بن أبي طالب أول الناس إسلاما وابن عم رسول اللّه وأبو الحسن والحسين وزوج بنت رسول اللّه فو اللّه يا أمير المؤمنين لو ذكر هذا قرابة لك بمثل هذا الذكر ولعنه بمثل هذا اللعن لأحللت به الذي أحللت فكيف لا أغضب لصهر رسول اللّه وزوج ابنته؟! فقال هشام: بئس ما صنع، ثم عقد لي على السند ثم قال لبعض جلسائه: «مثل هذا لا يحاورني هاهنا فيفسد علينا البلد فباعدته إلى السند» فلم يزل بها إلى أن مات وفيه يقول الشاعر:
ذهب الجود والجنيد جميعا فعلى الجود والجنيد السلام (89) .
كان ذلكم عمل الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك، وفي ما يأتي مثال من عمل ولاته:
عمل خالد بن عبد اللّه القسري :
ذكر المبرد في «الكامل» أن خالد بن عبد اللّه القسريّ لمّا كان أمير العراق في خلافة هشام، كان يلعن عليّا عليه السلام على المنبر، فيقول: اللهم العن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، صهر رسول اللّه على ابنته، وأبا الحسن والحسين! ثم يقبل على الناس فيقول: هل كنّيت (90)!؟
من هو خالد بن عبد اللّه القسري:
ابن النصرانية (91) أبو الهيثم بن عبد اللّه القسري كان كريما ببيت مال المسلمين ينفقه ويكسب به حمد الناس في الدنيا. ولي مكة لأبناء عبد الملك الوليد وسليمان وهشام، وولي العراق لهشام.
قال ابن عساكر في ترجمته:
ساق ماء إلى مكة فنصب طستا إلى جانب زمزم ثم خطب فقال: قد جئتكم بماء الغاية لا يشبه أمّ الخنافس (يعني ماء زمزم)، وكان يقع في علي ابن أبي طالب.
وقال ابن عساكر: وذكر كلاما لا يحلّ ذكره.
وقال- أيضا-:
وخطب وقال في خطبته: واللّه لو كتب إليّ أمير المؤمنين لنقضتها حجرا حجرا، يعني الكعبة.
وكان عاقبة أمر خالد أنّ الخليفة هشاما سلّمه إلى يوسف بن عمر واليه على العراق فقتله تعذيبا في السجن سنة 126هـ (92).
وقال ابن خلكان: بنى خالد كنيسة في داره لأمّه (93).
كانت الخلافة الأموية تسعى جاهدة في إبعاد المسلمين عن ذكر الإمام علي بخير، وبلغت في ذلك أنّها منعت من تسمية أحد باسم علي: كما نرى ذلك في الخبر الآتي:
بنو أميّة يقتلون من سمّي عليّا :
روى ابن حجر في ترجمة علي بن رباح وقال ما موجزه:
كان بنو أميّة إذا سمعوا بمولود اسمه علي قتلوه، فبلغ ذلك رباحا فقال:
هو عليّ، وكان يغضب من عليّ ويحرّج على من سمّاه به.
المعنى أنّ رباحا كان يقول: اسم ابني عليّ .. وقال ابن حجر:
قال عليّ بن رباح لا أجعل في حلّ من سماني (عليّ) فإنّ اسمي عليّ (94).
و يظهر من خبر عمر بن عبد العزيز وخبر هشام الآتي أنّ لعن الإمام عليّ من قبل بني أميّة كان مع علمهم بمنزلته. فقد روى ابن أبي الحديد:
أنّ هشام بن عبد الملك لما حجّ خطب بالموسم، فقام إليه إنسان، فقال:
يا أمير المؤمنين، إنّ هذا يوم كانت الخلفاء تستحبّ فيه لعن أبي تراب، فقال: اكفف، فما لهذا جئنا (95).
إنّ سبب امتناع هشام من لعن الإمام عليّ في خطبته في الموسم يوم عرفة هو الأمر نفسه الّذي كان يتلجلج بسببه عبد العزيز في لعنه الإمام عليّا في خطبته في المدينة كما أبانه لابنه عمر بن عبد العزيز والّذي أسلفنا ذكره، حيث قال له:
يا بنيّ إنّ من ترى تحت منبرنا من أهل الشام وغيرهم- جنده وخاصّة من حوله- لو علموا من فضل هذا الرجل ما يعلمه أبوك لم يتبعنا منهم أحد.
إذا فقد كانت سياسة الخلافة الأموية القرشية في هذا الأمر تبعا لسياسة الخلافة القرشية في بادئ أمر الخلافة بعد الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) وقد بقيت آثار تلك السياسة في المجتمع الإسلامي بعد بني أميّة كما ندرس أمثلة ممّا جرى في هذا الشأن على عهد بني العباس في ما يأتي بإذنه تعالى.
[ح-] على عهد العبّاسيين:
بقيت في المجتمع الإسلامي على عهد العباسيين آثار ما فعله الخلفاء، والولاة قبلهم. وندرس في ما يلي ثلاثة أمثلة من ثلاث طبقات في هذا الشأن على عهدهم:
أوّلا- من عمل طبقة العلماء:
روى ابن حجر في ترجمة أبي عثمان حريز بن عثمان (96) الحمصي وقال ما موجزه:
كان ينتقص عليّا وينال منه، وقال إسماعيل بن عياش (97) عادلت حريز بن عثمان من مصر إلى مكّة فجعل يسبّ عليّا ويلعنه. وقال أيضا: سمعت حريز ابن عثمان يقول: هذا الّذي يرويه الناس عن النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) أنّه قال لعلّي: «أنت منّي بمنزلة هارون من موسى» حقّ، ولكن أخطأ السامع، قلت: فما هو؟
قال: إنّما هو: أنت منّي بمنزلة قارون من موسى.
وذكر الأزدي أنّ حريز بن عثمان روى أنّ النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) لما أراد أن يركب جاء عليّ بن أبي طالب فحلّ حزام البغلة ليقع النبيّ( صلى الله عليه [ واله ] ) .
وقيل ليحيى بن صالح (98) لم لا تكتب عن حريز؟ فقال: كيف أكتب عن رجل صلّيت معه الفجر سبع سنين، فكان لا يخرج من المسجد حتّى يلعن عليّا سبعين مرّة.
وقال ابن حبان (99): كان يلعن عليّا بالغداة سبعين مرّة وبالعشي سبعين مرّة.
ثانيا- من عمل طبقة الحكّام:
روى ابن حجر في ترجمة نصر بن عليّ، وقال:
لما حدّث نصر بن عليّ حديث عليّ بن أبي طالب أنّ رسول اللّه( صلى الله عليه [ واله ] ) أخذ بيد حسن وحسين فقال من أحبّني وأحبّ هذين وأباهما وأمّهما كان في درجتي يوم القيامة، أمر المتوكّل بضربه ألف سوط، فكلّمه فيه جعفر بن عبد الواحد وجعل يقول له: هذا من أهل السنّة فلم يزل به حتّى تركه (100).
ثالثا- من عمل عامّة الناس:
روى الذهبي في ترجمة ابن السّقا من تذكرة الحفاظ، وقال:
الحافظ الإمام، محدّث واسط، أبو محمّد، عبد اللّه بن محمّد بن عثمان الواسطي.
و اتّفق أنّه أملى حديث الطير، فلم تحتمله نفوسهم، فوثبوا به فأقاموه، وغسلوا موضعه فمضى ولزم بيته. فكان لا يحدّث أحدا من الواسطيين، فلهذا قلّ حديثه عندهم (101).
لم يقتصر ما جرى من الحكّام على آل البيت طوال القرون على ما أوردنا أمثلة منه من قيامهم بلعنهم وأمر الناس بلعنهم والتبري منهم وترك رواية أحاديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في مدحهم، بل شمل أنواع الأذى لهم وقتلهم قتل إبادة، كما أوردنا بعضها في المجلد الثالث من هذا الكتاب، في ذكرنا ما جرى على آل الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في كربلاء، ثمّ تسلسل قتل الحكام إيّاهم على عهد الأمويين والعباسيين، كما حفل بذكر أخبارهم أبو الفرج في كتابه مقاتل الطالبيين.
و أحيانا كان يجري عليهم من قبل الخلفاء العباسيين أشدّ مما كان يجري عليهم على عهد الخلفاء من قبلهم، كالآتي ذكر أمثلة منه بحوله تعالى:
أ- مثال ممّا جرى على آل الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) على عهد المنصور :
روى أبو الفرج انّ المنصور قال لمحمد بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن ابن علي بن أبي طالب:
أنت الديباج الأصفر؟
قال نعم.
قال: أمّا واللّه لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحدا من أهل بيتك.
ثمّ أمر بأسطوانة ففرغت ثمّ أدخل فيها فبنيت عليه وهو حيّ (102).
ب- بعض ما جرى على آل الرسول على عهد المتوكل :
روى الطبري في ذكر حوادث سنة (236 ه)، وقال:
و فيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن عليّ وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يحرث ويبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه.
فذكر أنّ عامل صاحب الشرطة نادى في الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة بعثنا به إلى المطبق، فهرب الناس وامتنعوا من المصير إليه وحرث ذلك الموضع وزرع ما حواليه (103).
وقال ابن الأثير في ذكر حوادث سنة (236 ه) من تاريخه:
في هذه السنة أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن عليّ عليه السلام وهدم ما حوله من المنازل والدور وأن يبذر ويسقى موضع قبره وأن يمنع الناس من إتيانه. فنادى بالناس في تلك الناحية: من وجدناه عند قبره بعد ثلاثة حبسناه في المطبق فهرب الناس وتركوا زيارته وخرب وزرع. وكان المتوكل شديد البغض لعليّ بن أبي طالب عليه السلام ولأهل بيته. وكان يقصد من يبلغه عنه أنّه يتولى عليّا وأهله بأخذ المال والدم. وكان من جملة ندمائه عبادة المخنث وكان يشدّ على بطنه تحت ثيابه مخدة ويكشف رأسه وهو أصلع ويرقص بين يدي المتوكل والمغنون يغنون:
قد أقبل الأصلع البطين، خليفة المسلمين، يحكي بذلك عليّا عليه السلام، والمتوكل يشرب ويضحك. ففعل ذلك يوما والمنتصر حاضر، فأومأ إلى عبادة يتهدده فسكت خوفا منه، فقال المتوكل: ما حالك؟ فقام وأخبره، فقال المنتصر: يا أمير المؤمنين إنّ الّذي يحكيه هذا الكلب ويضحك منه الناس هو ابن عمك وشيخ أهل بيتك وبه فخرك فكل أنت لحمه إذا شئت، ولا تطعم هذا الكلب وأمثاله منه، فقال المتوكل: للمغنين غنّوا جميعا:
غار الفتى لابن عمّه رأس الفتى في حر أمّه .
فكان هذا من الأسباب الّتي استحل بها المنتصر قتل المتوكل (104).
وقال أبو الفرج في مقاتل الطالبيين (105):
بعث برجل من أصحابه يقال له الديزج - وكان يهوديا فأسلم - إلى قبر الحسين ، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كلّ ما حوله، فمضى لذلك وخرب ما حوله وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوما من اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكّل به مسالح، بين كلّ مسلحتين ميل، لا يزوره زائر إلّا أخذوه ووجهوا به إليه.
وروى عن محمد بن الحسين الأشناني أنّه قال :
بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيّام خوفا، ثمّ عملت على المخاطرة بنفسي فيها، وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين، نكمن النهار ونسير الليل، حتّى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا حتّى أتينا القبر فخفي علينا، وجعلنا نشمّه ونتحرى جهته حتّى أتيناه، وقد قلع الصندوق الّذي كان حواليه وأحرق، وأجري الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه فأكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قطّ كشيء من الطيب، فقلت للعطار الّذي كان معي، أيّ رائحة هذه؟ فقال لا واللّه ما شممت مثلها كشيء من العطر. فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدّة مواضع.
فلما قتل المتوكل اجتمعنا مع جماعة من الطالبيين والشيعة حتّى صرنا إلى القبر فأخرجنا تلك العلامات وأعدناه إلى ما كان عليه.
وقال- أيضا- واستعمل على المدينة ومكّة عمر بن الفرج الرخجي فمنع آل أبي طالب من التعرض لمسألة الناس، ومنع الناس من البرّ بهم، وكان لا يبلغه أنّ أحدا أبرّ أحدا منهم بشيء وإنّ قلّ إلّا أنهكه عقوبة، وأثقله غرما، حتّى كان القميص يكون بين جماعة من العلويات يصلّين فيه واحدة بعد واحدة، ثمّ يرقعنه ويجلسن على معازلهن عواري حواسر، إلى أن قتل المتوكل، فعطف المنتصر عليهم وأحسن إليهم، ووجه بمال فرقه فيهم، وكان يؤثر مخالفة أبيه في جميع أحواله ومضادّة مذهبه طعنا عليه ونصرة لفعله (106).
كانت تلكم بعض آثار سياسة الخلافة القرشية على آل الرسول مدى القرون. وسوف ندرس آثارا أخرى لها بعد إيراد نتيجة البحث الآتية بحوله تعالى.
نتيجة البحث:
كرهت قريش أن تجتمع النبوّة والخلافة في بني هاشم فنهت من استطاعت أن تنهاه عن كتابة حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في حياة الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) كي لا يكتب نصّ عن الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) يثبت حقّا في الخلافة لمن تكره أن يلي الحكم من بني هاشم بعد الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) . وأيضا لكي لا ينشر حديث من الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) فيه منقصة لذوي أرومتهم من قريش تبعدهم عن الحكم وفضيلة لمنافسيهم من بني هاشم خاصّة والأنصار عامّة.
وللسبب نفسه منعت الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) من كتابة وصيّته في آخر ساعة من حياته، تلك الوصية التي قال عنها: لن تضلوا بعدها أبدا. وخشية أن يكتب نصّا لمن يتولى الحكم بعده من بني هاشم الّذين كرهوا أن تجتمع فيهم النبوّة والخلافة، وللسبب نفسه سعى الصحابي عمر القرشي ومن معه من مهاجرة قريش في أخذ البيعة لأبي بكر القرشي التيمي بعد وفاة الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) .
ولذلك- أيضا- أدلى أبو بكر بالخلافة إلى صاحبه عمر القرشي العدوي بواسطة عثمان القرشي (107).
وللسبب نفسه منع الخليفة عمر بن كتابة حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) ونشره، وأحرق ما كتبه الصحابة منه وسجن منهم في المدينة من خالفه ونشر حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في البلاد خارج المدينة (108).
وللسبب نفسه كان عمر إذا استعمل العمال خرج معهم يشيعهم فيقول ... جرّدوا القرآن وأقلّوا الرواية عن محمد، وأنا شريككم (109).
وللسبب نفسه لم يولّ الخليفتان أبو بكر وعمر أحدا من بني هاشم على جيش في الفتوح ولا على بلد مفتوح (110).
ولذلك- أيضا- دبّر الخليفة عمر تولية عثمان القرشي الأمويّ على الحكم بواسطة عبد الرحمن بن عوف في الشورى القرشية (111).
وللسبب نفسه جرّد عثمان القرآن من حديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) ونسخه في مصاحف ووزّعه على البلاد الإسلامية وأحرق ما عداها من مصاحف الصحابة التي دوّن فيها مع القرآن أحاديث الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في تفسير القرآن. وجلب الصحابي عبد اللّه بن مسعود من الكوفة إلى المدينة لمخالفته إيّاه في إحراق المصاحف وأمر بضربه وقطع عطاءه من بيت المال (112).
ونفى الصحابي أبا ذر من المدينة إلى الربذة لنشره حديث الرسول بين العباد وفي البلاد (113).
وأدلى بالخلافة إلى عبد الرحمن القرشي الزهري في وصيّته التي كتبها في مرضه بالرعاف (114).
وعند ما توفي عبد الرحمن في حياة عثمان وقتل عثمان ولم يتسنّ له أن يولّي أحدا من قريش على الحكم عندئذ ملك المسلمون زمام أمرهم فتهافتوا على الإمام علي (عليه السلام) يبايعونه يتقدمهم سروات قريش من الصحابة بعد فقدهم زمام المبادرة، وبعد أربعة أشهر من ذلك لملمت قريش أطرافها وأقامت على الإمام عليّ حرب الجمل بقيادة أمّ المؤمنين عائشة وطلحة والزبير لعلّها تسلب الحكم من الإمام علي (عليه السلام) (115) ، وثنّت بإقامة حرب صفين عليه للسبب نفسه ولكي تتمكن من إقامة الحربين عليه أشاعت بين المسلمين خارج المدينة بأنّ الإمام قتل الخليفة عثمان واستولى على الحكم (116) ؛ ولمّا كان المسلمون خارج المدينة يأخذون معالم دينهم وأخبار سيرة الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) وسيرة أهل بيته وأصحابه ممّن يليهم من الصحابة، وولاتهم من رجالات قريش وحلفائها ومواليها، ولا يعلمون ما عدا القرآن من الإسلام وسيرة أهله غير ما يذيعه فيهم أولئك الرجال، ولا يملكون سبيلا للمعرفة غير ذلك؛ فقد استطاعت قريش أن تشوّش على المسلمين رؤيتهم للإمام علي (عليه السلام)، وزاد في الطين بلّة رفع جيش معاوية المصاحف عند ما ضعفوا عن القتال في صفين ودعوتهم الإمام عليّا (عليه السلام) وجيشه إلى تحكيم القرآن ثم إلى تحكيم الحكمين، وعند ما أصرّ القرّاء في جيش الإمام علي (عليه السلام) ومن تبعهم على قبول التحكيم وخدع الصحابي عمرو بن العاص القرشي الأموي الصحابي أبا موسى الأشعري في مقام الحكم، وانتشر خبر الخدعة؛ كبر ذلك على جمع ممّن قبلوا التحكيم من قرّاء أهل الكوفة فكفّروا عامّة المسلمين، وخرجوا على الإمام علي (عليه السلام) وحاربوه في النهروان فقتلهم الإمام علي (عليه السلام)، ثم اغتال أحدهم الإمام في محرابه بمسجد الكوفة (117). إنّ كلّ ذلك شوش على المسلمين خارج المدينة الرؤية الصحيحة للإمام عليّ (عليه السلام) وسبّب قبولهم ما ينشر عن الإمام علي (عليه السلام) خلافا للواقع والحق.
ومن جانب آخر تبدّل كره قريش أن يستولي على الحكم أحد من بني هاشم- والمقصود في هذه الكراهية استيلاء الإمام علي على الحكم إذ لم يكن غيره في بني هاشم مرشحا للحكم غيره-، تبدّل ذلك الكره في الحربين التي أقامتها قريش على الإمام علي (عليه السلام) إلى الحقد والعداء على الإمام علي (عليه السلام) وقام حكم قريش على المسلمين بعد ذلك على أساس الحقد والعداء للإمام عليّ (عليه السلام)، وظهر ذلك جليّا في حكم بني أميّة على المسلمين كما نشير إليه في ما يأتي:
عداوة الخلافة الاموية للامام علي وآثارها :
أوّلا- في خلافة آل أبي سفيان وعلى عهد معاوية :
عند ما استولى معاوية على الحكم بنى سياسة الحكم على أساسين:
1- الادلاء بالخلافة لابنه يزيد بعد أن كانت سياسة الخلفاء قائمة على أساس تداول الخلافة في قريش وكان شعارهم في ذلك (وسّعوها في قريش تتسع) (118) .
2- سياسة العداء لآل الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) ولسيّدهم الإمام علي (عليه السلام) خاصّة.
لم نعلم في التاريخ مثيلا لعداء معاوية للإمام علي (عليه السلام) خاصّة بالإضافة إلى عداوته لعامّة بني هاشم، ولذلك شيّد حكمه على ذمهم واختلاق المثالب في حقهم والمناقب لغيرهم، ونشر ذلك بين الناس في البلاد، وأمر بلعن الإمام علي (عليه السلام) في كل ناد وخاصة في خطب صلاة الجمعة في المساجد من أقصى بلاد الشرق إلى أقصى بلاد الغرب الإسلامية، وآلى ألّا يتركه حتى يهرم عليه الصغير ويفنى الكبير، وقتل من امتنع عن ذلك من أفاضل المسلمين بأنواع القتل، وأربى على ذلك ابنه يزيد حين قتل آل الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) في كربلاء وقطع رءوسهم وسبى ذريّة الرسول وطاف بالرءوس وبالسبايا في البلاد، وبذلك انتهت أفعال الخلافة الأموية من آل أبي سفيان، وانتهى الحكم إلى بني مروان من آل أميّة.
سياسة حكم الخلافة المروانية من آل أميّة :
تبع الخلفاء من آل مروان سياسة معاوية في تداول الحكم في أسرتهم وفي لعن الإمام علي (عليه السلام) والتنقيص من قدره إلى زمان عمر بن عبد العزيز الذي أمر بترك لعن الإمام. غير أنّ الناس كانوا قد اعتادوا على لعن الإمام ورآه بعضهم فريضة لا يصحّ تركها ولا تقبل صلاة الجمعة دونها كما كان شأن أهل حرّان الّذين قالوا: (لا صلاة دون لعن أبي تراب)، ولم يدم حكم ابن عبد العزيز أكثر من سنتين وأشهر (119) إذ سمّه آل أبيه (120) وعادت آل أميّة بعده إلى عادتها القديمة في لعن الإمام إلى أن جاء إلى الحكم بعدهم بنو العبّاس، وكانت سياستهم كالآتي.
سياسة حكم الخلافة العباسية:
كان في خلفاء بني العباس من زاد على بني أميّة في قتل آل الرسول والحط من مكانتهم بين المسلمين مثل أبي جعفر المنصور وهارون الرشيد والمتوكل، وفيهم من خالف أولئك ومال إلى أهل البيت (121).
غير أنّ الناس كانوا قد تربوا تسعين عاما مدة الخلافة الأموية (122) كما خطط معاوية تربيتهم على التّبري من الإمام علي (عليه السلام) ولعنه وتنقيصه، وبقي أثر تلكم التربية إلى عهد العباسيين، فقد كان على عهدهم من العلماء والمحدثين حريز بن عثمان (ت: 162 ه) الذي كان يلعن الإمام بالغداة سبعين مرّة وبالعشي سبعين مرّة ووضع الأحاديث في ذم الإمام ورواها في بغداد وغيرها من عواصم البلاد الإسلامية.
وكان في عامة بلادهم أناس مثل أهالي واسط الذين اتفق لعالمهم ومحدث بلدهم عبد اللّه بن محمد بن عثمان (ت: 371 هـ) أن أملى حديث الطير، فأقاموه وغسلوا موضعه، فمضى ولزم بيته.
اتفق لمحدث البلد مرّة واحدة أن يحدّث بحديث واحد فيه فضيلة للإمام علي (عليه السلام) فأقامه أهل البلد وغسلوا الموضع الذي جلس فيه وحدّث ذلك الحديث.
لم يقتصر الأمر على ما ذكرنا ومن ذكرنا، ولا على تلك العصور، بل امتد الأمر إلى غيرهم وإلى عصرنا الحاضر وإنما اقتصرنا في ما سبق على ذكر أمثلة من عمل الحكام طوال القرون في إخفاء ذكر أهل بيت الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) ونشر الكراهية لهم والانتقاص من قدرهم كي لا يتجه المسلمون إليهم، ويدبروا عنهم. فينتقض حكمهم- حكم الخلافة القرشية- ويشاد على انقاضه حكم لآل الرسول( صلى الله عليه [ واله ] ) ...
_______________
( ) صحيح مسلم، شرح النووي، كتاب الوصية، 11/ 89. وصحيح البخاري، كتاب المغازي باب مرض النبي، 3/ 65، وكتاب الوصية، باب الوصايا. وفتح الباري 6/ 291.
و مسند أحمد 6/ 32.
(2) طبقات ابن سعد، ط. بيروت 2/ 232.
وقد أورد البخاري الحديث نفسه في صحيحه باب مرض النبي ووفاته 3/ 63، وهذا لفظه:
(فقال ابن عبّاس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسمّ عائشة؟ قال قلت: لا، قال ابن عبّاس: هو علي بن أبي طالب).
حذف البخاري من الحديث قول ابن عباس:( ان عائشة لا تطيب له نفسا بخير).
(3) صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين، باب فضل قراءةi قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌE ح 263، ص 557.
وصحيح البخاري، كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبيّ(صلى الله عليه واله) أمته في توحيد اللّه تبارك وتعالى 4/ 182.
(4) تفسير مجمع البيان للشيخ أبي علي أمين الدين، الفضل بن الحسن الطبرسي( ت: 548 ه)، تصحيح أحمد عارف الزين، مطبعة العرفان، صيدا، سنة 1333- 1356 ه 10/ 567. وتفسير البرهان للسيد هاشم البحراني،( ت: 1107 أو 1109 ه) ط. الثالثة، قم سنة 1394 ه 4/ 521. وتوحيد الصدوق، ط. طهران، سنة 1387 ه ص 94 ح 11.
وعمران بن حصين أبو نجيد الخزاعي، أسلم عام خيبر، بعثه عمر ليفقّه أهل البصرة، وكان من فضلاء الصحابة ومجاب الدعوة، توفي بالبصرة سنة 52 ه. أسد الغابة 4/ 137- 138.
(5) مقاتل الطالبيين، ط. القاهرة، سنة 1368 ه، ص 43.
(6) تاريخ الطّبري في ذكر سبب مقتل أمير المؤمنين من حوادث سنة 40 ه، ط. أوربا 1/ 3466. وكذلك ابن الاثير، ط. أوربا 3/ 331، وط. الأولى، 3/ 157. وطبقات ابن سعد 3/ 27. ومقاتل الطالبيين ص 42، وفي لفظه:( بغاه غلام)، وفي لفظ غيره:( نعاه).
(7) ورد تمثل أمّ المؤمنين بالبيتين في مقاتل الطالبيين ص 42.
( 8) صحيح البخاري، كتاب الوصايا، الباب الاول، 2/ 84. وكتاب المغازي، باب مرض النبيّ 3/ 63 منه، وصحيح مسلم كتاب الوصية باب: 19، وابن ماجة كتاب الجنائز، باب 64، ومسند أحمد 6/ 32، 64 و77، والطبري 1/ 1814. وراجع قبله ص: 298 من هذا الكتاب.
(9) هذه الأحاديث الخمسة في طبقات ابن سعد، باب: من قال: توفي رسول اللّه(صلى الله عليه واله) في حجر عليّ بن أبي طالب. ط. أوربا 2/ ق 2/ 51.
(10) أخرجه الحاكم في مستدركه 3/ 138 وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، واعترف بصحّته الذهبي في تلخيص المستدرك، وأخرجه ابن عساكر في باب: أنه كان أقرب الناس عهدا برسول اللّه(صلى الله عليه واله)، من ترجمة الإمام عليّ 3/ 14- 17 بطرق متعددة، وفي مصنف ابن أبي شيبة 6/ 348. ومجمع الزوائد 9/ 112. وكنز العمال، ط. الثانية؛ كتاب الفضائل، فضائل علي بن أبي طالب، ح 374، 15/ 128 وأخرجه سبط ابن الجوزي، في تذكرة خواص الأمة، باب حديث النجوى والوصية عن كتاب الفضائل لأحمد بن حنبل.
( 11) كنز العمال، ط. الأولى، 6/ 392. وتاريخ ابن كثير 7/ 359. وترجمة الإمام علي من تاريخ ابن عساكر، ط. بيروت، سنة 1395 ه 2/ 484.
( 12) نهج البلاغة، الخطبة: 202.
( 13) نهج البلاغة، الخطبة: 197.
( 14) سنن ابن ماجة، كتاب الأدب، باب الاستئذان، ح 3708، ومسند أحمد 1/ 80.
( 15) مسند أحمد 1/ 85 و107 ويأتي تفصيله في باب مصادر الشريعة الإسلاميّة لدى مدرسة أهل البيت.
( 16) أخرج الحديثين ابن عساكر بترجمة الإمام علي 2/ 310 و311، وابن كثير في تاريخه 7/ 356، وفي شرح نهج البلاغة ط. مصر الأولى 2/ 78 ما ملخّصه:
دخلت عائشة وهما يتناجيان، فقالت: يا عليّ ليس لي إلّا يوم من تسعة أيام، أ فما تدعني يا ابن أبي طالب!؟
( 17) وقد أيّد حديثه، حديث أم سلمة وغيرها في ذلك.
( 18) كلا الحديثين أخرجهما ابن عساكر في ترجمة الإمام علي 3/ 15.
( 19) كلا الحديثين أخرجهما ابن عساكر في ترجمة الإمام علي 3/ 15.
( 20) مرّ مصادر الخبر في بحث السقيفة من هذا الكتاب .
( 21) أوردنا تفاصيل موقف عائشة من عثمان ومعاوية في كتابنا:( أحاديث أم المؤمنين عائشة) فصل: مع معاوية، وأوردنا فهرستا من تلك الوقائع.
( 22) تاريخ ابن الأثير 3/ 199 في ذكره حوادث سنة 56 ه.
و الفضض: القطعة من الشيء.
( 23) صحيح البخاري 3/ 126، بابi والَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِE من تفسير سورة الأحقاف.
( 24) فتح الباري 10/ 197- 198، وأخرج القصة بتفصيلها أبو الفرج في الأغاني 16/ 90- 91. وراجع ترجمة الحكم بن أبي العاص من الاستيعاب وأسد الغابة والإصابة ومستدرك الحاكم 4/ 481، وتاريخ ابن كثير 8/ 89 والإجابة في ما استدركته عائشة على الصحابة، وترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر في تاريخ دمشق لابن عساكر.
( 25) راجع ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر من الاستيعاب 2/ 393. وأسد الغابة 3/ 306. والإصابة 2/ 400. وشذرات الذهب في ذكر حوادث سنة 53 ه، وقريب منه ما في مستدرك الحاكم 3/ 476.
( 26) في معجم البلدان:
الحبشي: جبل بأسفل مكة، بينه وبين مكة ستة أميال، مات عنده عبد الرحمن بن أبي بكر فجأة، فحمل على رقاب الرجال إلى مكّة، فقدمت عائشة من المدينة وأتت قبره وتمثلت:
و كنا كندماني جذيمة .... البيتين.
( 27) راجع ترجمة عبد الرحمن بن أبي بكر من الاستيعاب بهامش الإصابة 2/ 393.
( 28) مستدرك الحاكم 3/ 476، وكذلك في تلخيص المستدرك للذهبي وقد ورد فيه:
( الحبشي).
( 29) راجع فصل: مع معاوية، من كتابنا( أحاديث أمّ المؤمنين عائشة) .
( 30) في ذكر سيرة عمر من حوادث سنة 23 ه من تاريخ الطبري ط مصر الأولى، 1/ 30- 32، وطبعة اوروبا، 1/ 2768- 2772، والثانية منهما- أيضا- في تاريخ ابن الأثير، 3/ 24- 25، واللفظ للطبري.
( 31) مروج الذهب للمسعودي 2/ 321- 322.
( 32) صحيح البخاري 4/ 119- 120، باب رجم الحبلى من الزنا من كتاب الحدود. وقد أوردنا مورد الحاجة من الخطبة ص 151 قبل هذا. و( ويضعونها) كذا وردت في الأصل والصواب: يضعوها.
( 33) في شرح الخطبة( 26) من شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة.
( 34) تاريخ اليعقوبي، 2/ 169.
( 35) راجع الاوائل لأبي هلال العسكري ط. بيروت 1407، ص 129، وشرح النهج لابن أبي الحديد تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، 1/ 169.
( 36) راجع كتابنا : ( أحاديث أمّ المؤمنين عائشة) ط. بيروت عام 1408 ص 87- 162 فصل في عهد الصهرين.
( 37) نهج البلاغة، شرح محمد عبده- الرسائل، الكتاب رقم 36. والأغاني ط. ساسي 15/ 44. والتركاض: مبالغة في الركض، واستعاره لسرعة خواطرهم في الضلال، وكذلك التجوال من الجول والجولان، والشقاق: الخلاف، وجماحهم: استعصاؤهم على سابق الحقّ، والتيه: الضلال والغواية.
الجوازي: جمع جازية بمعنى المكافأة، دعاء عليهم بالجزاء على أعمالهم.
( 38) نهج البلاغة، شرح محمد عبده، الخطبة: 167. وطبعة بيروت للدكتور صبحي الصالح، الخطبة : 172.
وضرب الوجه: كناية عن الرد والمنع، و« قرعته بالحجّة»: من« قرعه بالعصا» ضربه بها، وهبّ: من هبب التيس- أي: صياحه- أي: كان يتكلم بالمهمل مع سرعة حمل عليها الغضب كأنّه مخبول لا يدري ما يقول.
وأستعينك: أستنصرك وأطلب منك المعونة، ويروى في مكانه« أستعديك» أي: أطلب منك أن تعديني عليهم وأن تنتصف لي منهم.
و« ثم قالوا- الخ» أي: إنهم اعترفوا بفضله، وأنه أجدرهم بالقيام به ففي الحقّ أن يأخذه، ثم لما اختار المقدم في الشورى غيره عقدوا له الأمر، وقالوا للإمام: في الحقّ أن تتركه، فتناقض حكمهم بالحقية في القضيتين، ولا يكون الحقّ في الأخذ إلّا لمن توافرت فيه شروطه.
و« حرمة رسول اللّه» كناية عن زوجته، وأراد بها أمّ المؤمنين عائشة.
( 39) نهج البلاغة، شرح محمد عبده، الخطبة: 212.
وقد ورد القسم الأوّل منها في كتاب الغارات للثقفي، ص 392.
وأستعديك: أستعينك. وأكفأ الإناء أي قلبه، كناية عن تضييعهم حقّه.
والرافد: المعين، والذاب: المدافع، و« ضننت» اي: بخلت، والقذى: ما يقع في العين، والشجى: ما اعترض في الحلق من عظم ونحوه، يريد غصة الحزن.
والشفار: جمع شفرة، وهي حدّ السيف وغيره.
( 40) راجع مصادره في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 41.
( 41) راجع ص 41 من المجلد الثاني من هذا الكتاب المتن والهامش.
( 42) شرح الخطبة السابعة والخمسين من خطب نهج البلاغة في شرح ابن أبي الحديد ط. مصر سنة 1378 ه( 1/ 56) وهو مصدر ما نرويه عن شرح ابن أبي الحديد في ما يأتي.
وأبو عثمان الجاحظ هو عمرو بن بحر الليثي البصري اللغوي النحوي كان مائلا إلى النصب ومن كتبه( العثمانية) التي نقض عليه أبو جعفر الإسكافي والشيخ المفيد ( ت 255 هـ) في البصرة.
( 43) في حوادث سنة إحدى وخمسين من الطبري 6، 108 وابن الأثير 3، 202
( 44) شرح الخطبة( 57) من نهج البلاغة لابن أبي الحديد ط. مصر الأولى، 3/ 15- 16. ومنه ننقل كلما ننقل من شرح ابن أبي الحديد.
( 45) قد نقل كتاب معاوية هذا أيضا أحمد أمين في فجر الإسلام 275.
( 46) في شرح« من كلام له، وقد سأله سائل عن أحاديث البدعة» من شرح النهج 3/ 15- 16، أورد ابن أبي الحديد الروايتين المرويتين عن( المدائني). وهو ابو الحسن علي بن محمد بن عبد اللّه( ت 315 ه) ذكر له النديم في الأحداث 25 كتابا( الفهرست ص 115)
( 47) المصدر السابق؛ وص 213 من فجر الإسلام. ونفطويه هو إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي قال في ترجمته بتاريخ بغداد: كان صدوقا له مصنّفات كثيرة؛ وقال المسعودي في ذكر المؤرخين وأصحاب الأخبار في أول كتابه مروج الذهب، 1/ 23: وكذلك تاريخ أبي عبد اللّه الملقب بنفطويه فمحشو من ملاحة كتب الخاصّة مملوء من فوائد السادة وكان أحسن أهل عصره تأليفا وأملحهم تصنيفا وذكر أسماء مؤلفاته في هديّة العارفين ص 5 وقال (ت 323 ه).
( 48) شرح النهج ط. مصر الأولى، 1/ 358. والإسكافي نسبة إلى الإسكاف من نواحي النهروان بين بغداد وواسط. وأبو جعفر الإسكافي في مادة الإسكاف من معجم البلدان عداده في أهل بغداد أحد المتكلمين من المعتزلة( ت 204 ه) وقال ابن حجر في ترجمته:
محمد بن عبد اللّه الإسكافي؛ من متكلمي المعتزلة وأحد أئمتهم؛ وإليه تنسب الطائفة الإسكافية منهم؛ وهو بغدادي أصله من سمرقند؛ قال ابن النديم: كان عجيب الشأن في العلم والذكاء والصيانة ونبل الهمة والنزاهة؛ بلغ في مقدار عمره ما لم يبلغه أحد؛ وكان المعتصم يعظمه. وله مناظرات مع الكرابيسي وغيره. توفي سنة 240، لسان الميزان، 5/ 221.
( 49) قد أورد البخاري هذا الحديث في صحيحه ج 4، 34 كتاب الأدب باب يبل الرحم ببلالها بطريقين عن ابن العاص. وفي ط البخاري كنّى عن آل أبي طالب قال أبي فلان.
( 50) هذه الزيادة في رواية البخاري الثانية عن ابن العاص وكنى- أيضا- وقال آل أبي فلان.
و مسلم 1/ 136 كتاب الايمان باب موالاة المؤمنين ومقاطعة غيرهم.
( 51) اليعقوبي 2/ 230- 231.
( 52) أوردناها موجزة من عبد اللّه بن سبأ 2/ 284- 303 وفي ترجمة حجر من تاريخ دمشق لابن عساكر وتهذيبه تفصيل الخبر.
( 53) الطبري، 6/ 108 و149؛ وابن الأثير 3، 204، والأغاني 16، 7، وابن عساكر، 6/ 459.
( 54) نسبة إلى حضر موت من بلاد اليمن.
( 55) المحبر، ص 479.
( 56) راجع قصة حجر بن عدي في عبد اللّه بن سبأ.
( 57) المسعودي في أيام معاوية 3/ 30؛ وابن عساكر 5/ 421.
( 58) المعارف لابن قتيبة 7/ 12، والاستيعاب 2/ 517، والاصابة 2/ 526، وتاريخ ابن كثير 8/ 48، والمحبر، ص 490.
( 59) في حوادث سنة 41 ه من الطبري 6/ 96، وابن الأثير 3/ 165، وابن شهاب في ابن الأثير 3/ 179 في ذكر استعمال المغيرة على الكوفة من( حوادث سنة إحدى وأربعين).
( 60) أوردتها ملخصة من معجم البلدان 5/ 38 ط. المصرية الأولى في لغة سجستان، وهي من بلاد إيران.
( 61) في تطهير اللسان ص 55، قال: وجاء بسند رجاله رجال الصحيح إلا واحدا فمختلف فيه لكن قواه الذهبى بقوله: إنّه أحد الاثبات، وما فيه جرح أصلا، ثم أورد الحديث.
( 62) كذا وردت في الأصل والصحيح يصدّقونه ... ويكذبونه.
( 63) المحلى لابن حزم تحقيق احمد محمد شاكر 5/ 85- 86؛ وراجع كتاب الأمّ للشافعي 1/ 208
( 64) البخاري 2، 111 ومسلم 3/ 20، وسنن أبي داود 1/ 178؛ وابن ماجة 1/ 386، والبيهقي 3/ 297، وفي مسند أحمد 3/ 10 و20 و52 و54 و92، واسم المعترض على مروان في مسند أحمد غير أبي سعيد.
( 65) أوردته ملخصا عن صحيح مسلم 7/ 124 باب مناقب علي، وأورده البخاري محرفا في صحيحه باب مناقب علي، وفي باب نوم الرجل في المسجد من كتاب الصلاة 2/ 199، وفي إرشاد الساري 6/ 112: أن هذا الوالي هو مروان بن الحكم؛ وراجع البيهقي 2/ 446.
( 66) مسلم 7/ 120، والترمذي 13/ 171؛ والمستدرك 3/ 108 و109؛ وزاد فلا واللّه ما ذكره معاوية بحرف حتى خرج من المدينة، والاصابة 2/ 509؛ والنسائي في الخصائص ص 15.
( 67) مروج الذهب 3/ 24 في أيام معاوية، ثم ذكر ما صدر عن معاوية في المجلس مما أربأ بقلمي عن ذكره
( 68) العقد 3/ 127.
( 69) نقلته باختصار من كتاب( أحاديث أمّ المؤمنين عائشة)، بحث دواعي وضع الحديث من فصل( مع معاوية).
( 70) شرح الخطبة( 57) من شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة.
( 71) الموفقيات ص 576- 577 ومروج الذهب 2/ 454 وابن أبي الحديد 1/ 462 وط. مصر تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم 5/ 120. وكانت قريش تكني رسول اللّه (صلى الله عليه واله) أبا كبشة استهزاء به.
( 72) شرح الخطبة 57 من نهج البلاغة لابن أبي الحديد. ورواه اليعقوبي في تاريخه، 2/ 262، أكثر تفصيلا من هذا، وابن الزبير هو عبد اللّه بن الزبير الأسدي بويع له بالخلافة بعد موت يزيد بن معاوية سنة 64 في الحجاز والعراق واستمر حكمه حتى قتله الحجاج سنة 67 ه.
( 73) شرح النهج لابن أبي الحديد، 1/ 78.
( 74) في نسختنا: فيا غوثا، والصحيح ما أثبتناه.
( 75) تاريخ اليعقوبي، 2/ 261. ومحمد بن الحنفية ابن علي بن أبي طالب( ت 81 ه).
( 76) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد، 1/ 85 و75 و58. وعبد الملك بن مروان بويع له بالخلافة سنة 65 ه وتوفي سنة 86 ه وبويع بعده لابنه الوليد بالخلافة.
( 77) ترجمة الوليد في تاريخ الإسلام للذهبي، 4/ 65، وقال الذهبي- أيضا- في ترجمة روح بن زنباع في سير أعلام النبلاء، ط. الأولى، 4/ 251. وكان شبه الوزير للخليفة عبد الملك( ت 84 ه).
( 78) شرح ابن أبي الحديد 1/ 75.
( 79) مروج الذهب، 3/ 144.
( 80) الطبقات الكبرى 6/ 212- 213 وط. اوروبا 2/ 2494، وتهذيب التهذيب 7/ 224- 226 وفي تقريب التهذيب: وعطية أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي وابن ماجة وتوفي سنة 111 ه.
و محمد بن القاسم الثقفي كان على رأس جيش في بلاد فارس فأمره الحجاج سنة 92 ه أن يذهب لفتح بلاد السند ففتح بلادها وقتل ملكها وكان في ما فتح من بلادها مدينة الكراتشي ومولتان من بلاد باكستان اليوم ولما ولي الخليفة سليمان أمر بتصفية ولاة الحجاج فسجن محمد وقتل في السجن سنة 92 ه.
( 81) تاريخ الإسلام للذهبي، 4/ 51- 52، في ترجمة محمد بن يوسف الثقفي وحجر هو ابن قيس الهمداني والمدري نسبة إلى مدر جبل باليمن قال ابن حجر تابعي ثقة أخرج حديثه أبو داود والنسائي وابن ماجة ترجمته في تهذيب التهذيب 2/ 215 وتقريبه 1/ 155.
( 82) شرح النهج لابن أبي الحديد، تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم، 4/ 58- 59. وأورد هذا الخبر ابن عساكر في تاريخ دمشق، ورقة 131، في ترجمة عمر بن عبد العزيز، وعمر بن عبد العزيز ولي الخلافة سنة 99 ه. ومات مسموما سنة 101 ه.
( 83) أورد الخبرين بإيجاز كلّ من ابن الأثير في تاريخه، 5/ 16. والمسعودي في مروج الذهب، 3/ 184.
( 84) سورة النحل/ 90.
( 85) شرح الخطبة 59 من نهج البلاغة لابن أبي الحديد، وأوجز منه في تاريخ اليعقوبي 1/ 305.
( 86) الأغاني 9: 258( طبعة الدار) مع إختلاف في الرواية.
( 87) ديوانه، لوحة 124.
( 88) مروج الذهب، 3/ 245. ومادة حرّان من معجم البلدان، واللفظ للأول، وحرّان مدينة بين الموصل والشام وتركيا وتخرج منها ابن تيمية( ت 728 ه) مؤسس المذهب السلفي.
( 89) ترجمة جنادة بن عمرو بن الجنيد في تهذيب تاريخ دمشق لابن بدران 3/ 410 واللفظ له وفي مختصره لابن منظور، 6/ 117- 118.
( 90) الكامل 414( طبعة اوروبا).
و المبرد أبو العبّاس محمد بن يزيد الازدي الثمالي شيخ أهل النحو وحافظ علم العربية كان من أهل البصرة فسكن بغداد( ت 285 ه) بها وأشهر مؤلفاته الكامل. راجع ترجمته في تاريخ بغداد للخطيب.
( 91) هكذا ورد ذكره في فهرست الطبري، 163، للمستشرق دي خويه.
( 92) مختصر تاريخ دمشق لابن منظور، 7/ 369- 384.
( 93) هكذا رواه ابن كثير في تاريخه، 10/ 21. وبعض أخباره في مروج الذهب، 3/ 120 و174 و179 و280.
( 94) علي بن رباح اللخمي( ت 114 أو 117 ه) راجع ترجمته في تهذيب التهذيب، 7/ 319.
( 95) شرح ابن أبي الحديد، 1/ 85.
( 96) حريز بن عثمان دخل بغداد في عصر المهدي العباسي( ت 163 ه) قال ابن حجر في ترجمته بتهذيب التهذيب، 2/ 237- 240. وتقريب التهذيب، 1/ 159: ثقة ثبت رمي بالنصب أخرج حديثه البخاري وغيره عدا مسلم، وراجع ترجمته في تهذيب تاريخ ابن عساكر لابن بدران، 4/ 116- 118.
( 97) إسماعيل بن عيّاش بن سليم العنسي الحمصي( ت 81 أو 82 ه) أخرج حديثه أصحاب السنن. تقريب التهذيب، 1/ 73.
( 98) يحيى بن صالح الوحاظي الحمصي( ت 222 ه) أخرج حديثه أصحاب الصحاح والسنن تقريب التهذيب، 2/ 349.
( 99) ابن حبان محمد بن حبان أبو حاتم البستي( ت 354 ه).
( 100) نصر بن علي بن صهبان الأزدي الجهضمي( ت 250 أو 251 ه) تهذيب التهذيب، 10/ 430.
( 101) تذكرة الحفاظ ص 965- 966.
و حديث الطير أن رسول اللّه(صلى الله عليه واله) أهدي إليه طير مشوي فوضع بين يديه فقال: اللهم ائتني بأحبّ الخلق إليك يأكل معي. فجاء علي بن أبي طالب وأكل معه. وراجع أسانيد حديث الطير في: 2/ 105- 155، من سيرة الإمام علي في تاريخ دمشق لابن عساكر تحقيق البحاثة المحقق المحمودي ط. بيروت سنة 1395 ه.
( 102) الطبري 9/ 198، ومقاتل الطالبيّين ص 200.
و الديباج من الثياب ما كان من الحرير، وديباجة الوجه حسن بشرته.
و المنصور أبو جعفر عبد اللّه بن محمد بن علي ثاني الخلفاء العباسيين( ت 158 ه).
( 103) الطبري 3/ 1407 في ذكر حوادث سنة ست وثلاثين ومائتين، والمتوكّل على اللّه جعفر بن المعتصم بن هارون الرشيد. ولي الخلافة سنة 232 وقتل سنة 247 ه. والمطبق: سجنه الرهيب.
( 104) الكامل في التاريخ لابن الأثير ط. مصر الأولى، 7/ 18.
( 105) مقاتل الطالبيّين 598- 599.
( 106) مقاتل الطالبيّين ص 599.
( 107) راجع أخبارها ومصادرها في فصل الواقع التاريخي لقيام الخلافة من هذا الكتاب ص 142 فما بعدها.
( 108) راجع 2/ 44- 45، من هذا الكتاب فصل منع كتابة الحديث على عهد الخلفاء.
( 109) تاريخ الطبري 5/ 19، في ذكر سيرة عمر من حوادث سنة 30 ه.
( 110) راجع مروج الذهب للمسعودي 2/ 321- 322، ويؤيد ذلك أنهم لم يولّوا أحدا من بني هاشم على عهد الخلفاء الثلاثة.
( 111) أشرنا إلى هذا الخبر قبيل هذا.
( 112) راجع بحث على( عهد عثمان) من( تاريخ القرآن) في كتابنا( القرآن الكريم وروايات( المدرستين) وراجع خبر ابن مسعود في كتاب أحاديث أمّ المؤمنين عائشة فصل( على عهد الصهرين).
( 113) راجع 2/ 46 من هذا الكتاب.
( 114) مضى ذكر مصدره.
( 115) راجع خبر الجمل في كتاب أحاديث أمّ المؤمنين عائشة فصل على عهد الصهرين.
( 116) راجع أخبار صفّين في تاريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير.
( 117) راجع أخبار صفّين والنهروان في تاريخ الطبري وابن الأثير وابن كثير وغيرها.
( 118) لست أدري الآن أين رأيت خبر رفع قريش هذا الشعار بعد وفاة الرسول(صلى الله عليه واله) وانّ عملهم في تولية القرشيين على الحكم من بطون مختلفة من قريش يدل على ذلك.
( 119) مروج الذهب للمسعودي، 3/ 35، وغيره.
( 120) تاريخ ابن كثير، 9/ 209.
( 121) مثل الناصر لدين اللّه الذي كان من أتباع مدرسة أهل البيت وقد شاهدت من آثاره في سامراء في مصلى الأئمة تحت مسجد المهدي والمسمى بسرداب الغيبة كتابة خشبية في صفتها نصبت في ارتفاع أكثر من متر من قاع الصفة كتب عليها أسماء الائمة الاثني عشر وأنّها شيدت بأمر الخليفة الناصر لدين اللّه.
( 122) راجع مروج الذهب للمسعودي، 3/ 235.
|
|
"عادة ليلية" قد تكون المفتاح للوقاية من الخرف
|
|
|
|
|
ممتص الصدمات: طريقة عمله وأهميته وأبرز علامات تلفه
|
|
|
|
|
ضمن أسبوع الإرشاد النفسي.. جامعة العميد تُقيم أنشطةً ثقافية وتطويرية لطلبتها
|
|
|