أقرأ أيضاً
التاريخ: 12-11-2016
1613
التاريخ: 12-11-2016
472
التاريخ: 12-11-2016
603
التاريخ: 12-11-2016
352
|
يذكر المؤرخون العرب من ملوكهم الأول مالك بن فهم وعمرو بن فهم وجذيمة الابرش (1) الذي عاش في اواخر عهد الدولة الفرثية وشهد انحلالها وسقوطها. وقد استفاد من ذلك، فوسع نفوذه على الضفة الشرقية للفرات، كما حاول ان يمد نفوذه الى البحرين جنوباً، والى بادية الشام غربا. فلما ظهرت الدولة الساسانية لم يخاصمها، كما فعلت معظم القبائل العربية المقيمة بالعراق، بل حالفها. واقر لها الساسانيون بالسلطة، وتركوه يتمتع بالحكم في منطقة غرب الفرات. ولعل الساسانيين ادركوا ما يجنونه من هذه المحالفة في تأمين حدودهم الغربية في ايقاف توغل البدو في العراق. كما يحتمل انهم ارادوا استخدامه في حروبهم المنتظرة ضد الروم.
استفاد جذيمة بدوره من محالفته الساسانيين، فامن لنفسه صداقة الدولة القوية التي اصبحت منذ ذلك الوقت اعظم دولة في الشرق مدة اكثر من ثلاثة قرون؛ وهكذا نجا من المصير الذي آلت إليه الحضر او القبائل العربية التي قاومت حكم الساسانيين، كقضاعة، فأخرجت من العراق.
ويبدو ان جذيمة تأثر بالأوضاع المحيطة به، فاراد ان يصبغ ملكه بصبغة دينية فتنبأ وتكهن على ما يروي الطبري. وأوجد لنفسه صنمين هما الضيزنان. غير ان حكمه لم يدم طويلا، اذ قتل غيلة على يد ملكة عربية تدعى الزباء. ومن المحتمل ان الزباء المقصودة هي ملكة تدمر، وان كانت الروايات العربية لا تنص على ذلك صراحة. وهي تنسج حول مقتله قصصا طريفة، لعلها اساطير مختلفة (2).
وبموت جذيمة، انتقل الملك الى ابن اخته عمرو بن عدي (3) بن نصر الذي يعد مؤسس اسرة آل لخم او آل نصر التي انحدر منها ملوك المناذرة. وقد اتبع عمرو بن عدي سياسة جذيمة في الانضمام الى جانب الساسانيين، واستفاد من سقوط الحضر، وهي الدولة العربية الأخرى في العراق. فاصبح اكبر أمير عربي بجانب الساسانيين، وزاد نفوذه على العرب في العراق، واتخذ مقراً له الحيرة التي اصبحت منذ ذلك الوقت عاصمة المناذرة. ولا ريب في ان لموقع الحيرة اهمية كبرى، فهي تقع في مكان تقترب فيه الصحراء في طيسفون، هذا الى انها تقع قريبة من المكان الذي يصب فيه الفرات بالبطائح؛ فهي، لذلك، مهمة من الناحية العسكرية والتجارية، حيث تتحكم في الطريق التجاري بين الصحراء و طيسفون، وفي الطريق النهري المار في نهر الفرات. أعقب عمرو ابنه امرؤ القيس(4) (288-328) وكانت أحوال الدولة الساسانية مضطربة، اذ هاجمها الرومان، واقتطعوا منها بعض المقاطعات، كما جرت فتن كثيرة وخلافات على العرش. وكانت الدولة الرومانية تعاني اضطرابات كثيرة. وقد ساعدت هذه الاحوال امرأ القيس على ازدياد نفوذه وتوسيع سلطاته، فاخضع القبائل العربية في بادية الشام والجزيرة، كما يدل، الى ذلك، النقش الذي اكتشف على قبره في وادي الصفا، جنوب بلاد الشام، والذي يذكر فيه انتصاراته وترجمته (هذا قبر امرئ القريس بن عمرو ملك العرب كلهم، الذي تقلد التاج، واخضع قبيلتي اسد ونزار وملكهم، وهزم مذحج، وقاد الظفر الى اسوار نجران مدينة شمر، واخضع معدا، واستعمل بنيه على القبائل وانابهم عنه لدى الفرس والروم، فلم يبلغ ملك مبلغه الى اليوم. توفي سنة 232 في يوم 7 بكسلول. وفق بنوه للسعادة). ويقابل تاريخ وفاته سنة 328م(5).
أعقب امرأ القيس عدة ملوك لم تكن لهم أعمال بارزة، الى ان جاء النعمان الاعور او السائح (6) الذي كون جيشا قويا مؤلفا من كتيبتين، هما الشهباء والدوسر(7). وقد اشتهرت الأخيرة بقوة بطشها. وكانت تقيم عنده في الحيرة قوة فارسية مكونة من ألف جندي، ولا ريب في ان هذه القوة العسكرية قد اعانته على تقوية نفوذه عند القبائل العربية.
وقد بنى النعمان الخورنق، وهو قصر فخم تردد ذكر في كتب الشعر والادب العربي، وقد ظل الى العصر العباسي، كما بنى السدير وهو أصغر من الخورنق(8).
وقد دفع يزدجر بابنه بهرام جور الى النعمان ليشرف على تربيته، فقام بذلك خير قيام، واصبح من مهرة الصيادين. فلما مات يزدجر واراد الفرس اقصاء بهرام جور، انجده النعمان بقوة مكنته من استرداد العرش؛ وبذلك زادت مكانته في البلاط الساساني. لا نعلم شيئا محققا عن نهاية النعمان، اذ تروي الروايات العربية انه في نهاية عمره، انصرف عن زخرف الحياة الدنيا، فغادر الحيرة وانطلق سائحا، فلم يعلم احد عن مصيره شيئا.
ولما توفي النعمان اعقبه عدة ملوك ساعدوا الساسانيين في حروبهم مع البيزنطيين؛ وحاولوا توطيد نفوذهم على قبائل اواسط الجزيرة العربية، واشتبكوا مع بعض هذه القبائل في معارك عديدة. ومن ابرز هؤلاء الملوك المنذر بن ماء السماء (9) (514 – 554) الذي عاصر حكم قبا وساعده في حروبه الأولى ضد البيزنطيين؛ ولكن العلاقة ساءت بينهما. ولعل ذلك راجع الى ان قبا كان قد ناصر المزدكية واتخذها دينا رسميا(10)؛ فاراد فرضه اعلى المناذرة؛ فأبى المنذر بن ماء السماء الاعتراف بها، الأمر الذي أغضب قبا، فعزله، وولى مكانه الحارث بن عمرو بن حجر الكندي، على الحيرة. وقد لجأ المنذر الى القبائل العربية في الصحراء، وظل عندهم الى ان مات قبا، وتولى مكانه انو شروان، فقاوم المزدكية؛ ثم ارجع المنذر الى حكم الحيرة. وانتقم المنذر من ماء السماء لنفسه، فتتبع الكنديين، واثار عليهم القبائل، واوقع بهم في يوم مرينا وفي يوم أواره. والواقع ان دولة كندة انقسمت على نفسها، وتفككت بعد موت الحارث؛ واتاح تفككها للمناذرة فرصة التوسع في الجزيرة العربية، حتى اصبحوا اقوى الدول العربية في الجزيرة، واصبح اسم ملوكهم يتردد ذكره عند الشعراء.
اشترك المنذر بن ماء السماء في الحروب التي وقعت بين الساسانيين والبيزنطيين؛ فأيد الساسانيين، واشتبك مع الحارث بن جبلة في حروب عديدة انكسر في أولها؛ ولكن ثأر لنفسه، واعاد الهجوم على الغساسنة، فانتصر إليهم، واسر منهم اربعمائة امرأة قدمهن ضحايا للإلهة العزى. ثم تجددت الحرب بينه وبين الحارث بن جبلة الذي هاجم المناذرة، واستطاع ابنه ان ينتصر على المناذرة في موقعة عين اباغ التي قتل فيها المنذر نفسه. وفي زمنه، قوى نفوذ النصرانية في الحيرة، فكانت زوجته هند نصرانية، واليها ينسب دير هند، ويقال ان المنذر نفسه تنصر. وينسب الى المنذر الغريان ويوم البؤس والنعم(11). ثم تلاه ابنه عمرو بن هند، وكان ملكا طموحا قوي الشكيمة، عاون الساسانيين في حروبهم ضد البيزنطيين. واستغل اضمحلال دولة كندة، فوسع نفوذه وسلطانه في الجزيرة، واشتبك مع تغلب وتميم وطيء بمعارك كسرهم فيها. قصده عدد من الشعراء الجاهليين كطرفة والاعشى والنابغة ومدحوه بقصائد كثيرة. ولكنه قتل اخيرا على يد الشاعر التغلبي عمرو بن كلثوم الذي لم يتحمل، فيما يقال، محاولة ام عمرو بن هند اذلال امه.
تلا عمرو بن هند على امارة الحيرة عدد من اخواته ابرزهم أبو قابوس النعمان بن المنذر (12) الذي عاش النابغة الذبياني في كنفه ومدحه بقصائد عديدة مشهورة. كما قصده عدد من الشعراء البارزين، وخاصة المنخل اليشكري وطرفة بن العبد. ويبدو من قصائد هؤلاء مدى روعة بلاط النعمان، واثره في نفوس العرب.
امتد سلطان النعمان جنوبا الى منطقة البحرين، ولعله امتد غربا الى جبلي طيء، حيث بسط نفوذه عليهم. ويبدو انه استفاد في ذلك من وهن امر منافسيه الغساسنة. وكانت قوافله ولطائمه تذهب الى الحجاز. وقد أدى هذا التوسع الى احتكاكه بكثير من القبائل العربية، فاشتبك مع بني بربوع في يوم طخفة؛ كما اشتبك مع بني عامر بن صعصعة(13).
ثم ساءت العلاقة بين أبي قابوس وبلاط كسرى، لأسباب يختلف المؤرخون في ذكرها. فمنهم من يدعي انها بسبب سجن النعمان أبي قابوس لرجل اسمه عدي كان من مقربي كسرى، ثم قتله؛ فاستغل ذلك خصوم النعمان واوغروا صدر كسرى عليه (14). ولكن ابا حنيفة الدينوري ينقل في كتابه (الأخبار الطوال) كتابا منسوبا الى كسرى ابرويز يقول فيه (... فان النعمان واهل بيته واطأوا العرب واعلموهم توكيفهم خروج الملك عنا إليهم. وقد كانت وقعت إليهم في ذلك كتب، فقتلته، ووليت الأمر اعرابيا لا يعقل من ذلك شيئا)(15). ولعل الدافع الاساسي هو ما جاء في هذا الكتاب، وان قصة عدي، ان صحت، فقد اتخذت حجة عليه.
ألقى كسرى القبض على النعمان، وسجنه. وبذلك انتهى حكم المناذرة في الحيرة. وعين مكانه رجلا من طيء اسمه اياس بن قبيصة(16). ويب وان اياس لم يكن محبوبا، ولم يتمكن من ملء مركز المناذرة، الذين كانوا قد ثبتوا سلطانهم ونفوذهم في الحيرة؛ فلم يطق أهل الحيرة اياس؛ لذلك اضطر الفرس الى اسناده بحماية فارسية قوية تشد ازره. ولكن يبدو انه لم يستطع ان يجلب القلوب إليه، فظلوا كارهين للفرس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الطبري : ج2 ص28 – 29. المسعودي : مروج الذهب ج2 ص90، فما بعد. محمد بن حبيب : المحبر : ص358. ومن أوسع الكتب القديمة في تاريخ المناذرة ودولتهم، كتاب (المناقب المزيدية).
(2) الميداني : مجمع الامثال ج1 ص234؛ المسعودي : مروج الذهب ج2 ص90، فما بعد. جواد علي: تاريخ العرب قبل السلام ج3 ص98 – 101.
(3) الطبري : ج2 ص59؛ ابن الاثير : الكامل في التاريخ ج1 ص137.
(4) الطبري : ج2 ص65.
(5) جرجي زيدان : ص190.
(6) الطبري : ج2 ؛ ابن الاثير : ج1 ص159.
(7) الميداني : ج1 ص 124؛ ابن الاثير : ج1 ص159؛ الطبري : ج2 ص72.
(8) ياقوت الحموي : معجم البلدان مادة خورنق ومادة سدير. انظر أيضاً ما كتبه لامنس عن الخورنق في دائرة المعارف الإسلامية؛ كذلك يوسف غنيمة : الحيرة ص19-24. وانظر مقالنا (منطقة الحيرة)، المنشور في مجلة كلية الآداب، وكتابنا (معالم العراق العمرانية).
(9) الطبري : ج2 ص86 – 92.
(10) راجع، عن حكم قبا والمزدكية، كرستنسن : ايران في العهد الساساني : الفصل السابع (ترجمة محيي الخشاب)؛ وكذلك حكم قبا والمزدكية (بالفرنسية).
(11) ياقوت : معجم البلدان مادة غرى.
(12) الميداني : مجمع الامثال ج1 ص107. سيرة ابن هشام: ج2 ص203.
(13) الطبري : ج2 ص146-147.
(14) الطبري : ج2 ص150؛ الاغاني : ج2 ص28.
(15) الدينوري : الأخبار الطوال ص107 – 9.
(16) الطبري : ج2 ص152؛ الاغاني : ج2 س21.
|
|
علامات بسيطة في جسدك قد تنذر بمرض "قاتل"
|
|
|
|
|
أول صور ثلاثية الأبعاد للغدة الزعترية البشرية
|
|
|
|
|
مكتبة أمّ البنين النسويّة تصدر العدد 212 من مجلّة رياض الزهراء (عليها السلام)
|
|
|